اللباب في شرح الكتاب

كتاب المزارعة.
- قال أبو حنيفة رحمه الله: المزارعة بالثلث والربع باطلةٌ، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: جائزةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما سيأتي (للصبي في التجارة فهو في) الدائر بين النفع والضر، مثل (الشراء والبيع كالعبد المأذون، إذا كان يعقل البيع والشراء) ؛ لأن الصبي العاقل يشبه البالغ من حيث أنه مميز، ويشبه الطفل الذي لا عقل له من حيث إنه لم يتوجه عليه الخطاب، وفي عقله قصور، وللغير عليه ولاية، فألحق بالبالغ في النافع المحض، وبالطفل في الضار المحض، وفي الدائر بينهما بالطفل عند عدم الإذن وبالبالغ عند الإذن؛ لرجحان جهة النفع على الضرر بدلالة الإذن، ولكن قبل الإذن يكون منعقداً موقوفاً على إجازة الولي؛ لأن فيه منفعة؛ لصيرورته مهتدياً إلى وجوه التجارات كذا في الدرر.
كتاب المزارعة.
مناسبته للمأذون أن كلا من العبد المأذون والمزارع عامل في ملك الغير.
والمزارعة - وتسمى المخابرة، والمحاقلة - لغة: مفاعلة من الزرع، وفي الشريعة: عقد على الزرع ببعض الخارج كما في الهداية.
(قال) الإمام (أبو حنيفة: المزارعة بالثلث والربع) والأقل والأكثر (باطلة) :
لما روى أنه عليه الصلاة والسلام (نهى عن المخابرة)
ولأنها استئجار ببعض الخارج، فيكون في معنى قفيز الطحان، ولأن الأجر مجهول أو معدوم، وكل ذلك مفسد، ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر كان خراج مقاسمة كما في الهداية.
وتقييد المصنف بالثلث والربع باعتبار العادة في ذلك (وقال أبو يوسف ومحمد) هي (جائزة) لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج

(2/228)


وهي عندهما على أربعة أوجهٍ: إذا كانت الأرض والبذر لواحدٍ والعمل والبقر لواحدٍ جازت المزارعة، وإن كانت الأرض لواحدٍ والعمل والبقر والبذر لآخر جازت، وإن كانت الأرض والبقر والبذر لواحدٍ والعمل لآخر جازت وإن كانت الأرض والبقر لواحدٍ والبذر والعمل لآخر فهي باطلةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من تمر أو زرع) ولأنه عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز اعتبار بالمضاربة، والفتوى على قولهما كما في قاضيخان والخلاصة ومختارات النوازل والحقائق والصغرى والتتمة والكبرى والهداية والمحبوبي، ومشى عليه النسفي كما في التصحيح، وفي الهداية والفتوى على قولهما، لحاجة الناس إليها، ولظهور تعامل الأمة بها، والقياس يترك بالتعامل كما في الاستصناع. اهـ.
ولما كان العمل والفتوى على قولهما فوع عليه المصنف فقال: (وهي عندهما على أربعة أوجه) تصح في ثلاثة منها وتبطل في واحد، لأنه (إذا كانت الأرض والبذر لواحد، والعمل والبقر من آخر، جازت المزارعة) وصار صاحب الأرض والبذر مستأجراً للعامل، والبقر تبعا له، لأن البقر آلة العمل (و) كذا (إذا كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت) أيضاً، وصار العامل مستأجراً للأرض ببعض الخارج (و) كذا (إذا كانت الأرض والبقر والبذر لواحد والعمل لواحد جازت) أيضاً، وصار رب الأرض مستأجراً للعامل ببعض الخارج، وقد نظم شيخنا هذه الثلاث الجائزة في بيت فقال:
أرض وبذر، كذا أرض، كذا عمل * من واحد، ذي ثلاث كلها قبلت
(وإذا كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر فهي باطلة) ، لأنه لو قدر إجارة للأرض فاشتراط البقر على صاحبها مفسد للإجارة، إذ لا يمكن جعل البقر تبعا للأرض، لاختلاف المنفعة، لأن الأرض للإنبات والبقر للشق، ولو قدر إجارة للعامل فاشتراط البذر عليه مفسد، لأنه ليس تبعاً له.
وبقي ثلاثة أوجه لم يذكرها المصنف، وهي باطلة أيضا؛ أحدها: أن يكون

(2/229)


ولا تصح المزارعة إلا على مدةٍ معلومةٍ،
ومن شرائطها: أن يكون الخارج مشاعاً بينهما، فإن شرطا لأحدهما قفزاناً مسماةً فهي باطلةٌ، وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البقر والبذر لأحدهما والآخران للآخر، لأنها استئجار الأرض وشرط العمل، والثاني: أن يكون لأحدهما البقر والباقي للآخر، لأنه استئجار للبقر ببعض الخارج، والثالث أن يكون لأحدهما البذر والباقي للآخر، لأنه شراء للبذر ببعض الخارج، وقد نظم شيخنا هذه الثلاث مع مسألة المتن فقال:
والبذر مع بقر، أولا، كذا بقر * لا غير، أو مع أرض، أربع بطلت.
(ولا تصح المزارعة) عند من يجيزها (إلا) بشروط صرح المصنف ببعضها وهي: أن تكون (على مدة معلومة) متعارفة، لأنها عقد على منافع الأرض، أو منافع العامل، والمنفعة لا يعرف مقدارها إلا ببيان المدة، قيدنا المدة بالمتعارفة لأنها لو لم تكن متعارفة - بأن كانت لا يتمكن فيها من المزارعة، أو مدة لا يعيش إلى مثلها - فسدت كما في الذخيرة، قال في الدرر: وقيل: في بلادنا تصح بلا بيان مدة، ويقع على أول زرع واحد، وعليه الفتوى، مجتبى وبزازية. اهـ قال في البزازية: وأخذ به الفقيه، لكن في الخانية: والفتوى على جواب الكتاب، قال في الشرنبلالية: فقد تعارض ما عليه الفتوى.
(ومن شرائطها: أن يكون الخارج) بالمزارعة (مشاعا بينهما) تحقيقا للشركة، ثم فرع على هذا الشرط فقال: (فإن شرطا لأحدهما قفزانا) بالضم: جمع قفيز (مسماة) أي معينة، أو شرط صاحب البذر أن يرفع بقدر بذره (فهي) أي المزارعة (باطلة) لأنه يؤدي إلى انقطاع الشركة، لجواز ألا يخرج إلا ذلك القدر (وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات) بفتح الميم وسكون الذال - جمع ماذيان، وهو أصغر من النهر وأعظم من الجدول، فارسي معرب؛ وقيل: ما يجتمع فيه ماء السي ثم يسقى منه الأرض. مغرب (والسواقي) جمع ساقية، وهي النهر الصغير، لإفضائه إلى قطع الشركة؛ لاحتمال أن لا يخرج إلا من ذلك الموضع؛ وكذا إذا شرط لأحدهما التبن وللآخر الحب؛ لأنه عسى نصيبه آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج

(2/230)


وإذا صحت المزارعة فالخارج بينهما على الشرط، فإن لم تخرج الأرض شيئاً فلا شيء للعامل.
وإذا فسدت المزارعة فالخارج لصاحب البذر، فإن كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله، لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج، وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلا التبن، وكذا إذا شرط التبن نصفين والحب لأحدهما، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود، ولو شرط الحب نصفين ولم يتعرضا للتبن صحت، لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود، ثم التبن يكون لصاحب البذر، لأنه نماء بذره، وقال مشايخ بلخ: التبن بينهما أيضا، اعتباراً للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان، ولأنه تبع للحب، والتبع يقوم بشرط الأصل، وإن شرط التبن لغير رب البذر فسدت، لإفضائه إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن.
ومن شروط صحتها: أن تكون الأرض صالحة للزراعة، والتخلية بين الأرض والعامل. وتمامه في الهداية.
(وإذا صحت المزارعة) على ما تقدم (فالخارج) بها مشترك (بينهما على الشرط) السابق منهما لصحة التزامهما (فإن لم تخرج الأرض شيئاً فلا شيء للعامل) لأنه مستأجر ببعض الخارج، ولم يوجد.
(وإذا فسدت المزارعة فالخارج لصاحب البذر) ، لأنه نماء ملكه (فإن كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله) ، لأن رب الأرض استوفى منفعته بعقد فاسد، ولكن (لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج) ، لرضائه بسقوط الزيادة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: له أجر مثله بالغا ما بلغ، لأنه استوفى منافعه بعقد فاسد، فيجب عليه قيمتها، إذ لا مثل لها. هداية. قال في التصحيح: ومشى على قولهما المحبوبي والنسفي. اهـ (وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثلها) ؛ لاستيفاء العامل منفعة أرضه بعقد فاسد

(2/231)


وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاخب البذر من العمل لم يجبر عليه، وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل.
وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة، وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد، والنفقة على الزرع عليهما على مقدار حقوقهما، وأجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا عقدت المزارعة) بشروطها المتقدمة (فامتنع صاحب البذر من العمل) قبل إلقاء بذره (لم يجبر عليه) ؛ لأنه لا يمكنه المضي إلا بضرر يلزمه - وهو استهلاك البذر - فصار كما إذا استأجر أجيراً ليهدم داره ثم بدا له لم يجبر على ذلك.
قيدنا بكونه قبل إلقاء البذر لأنه لو أبى بعد إلقائه يجبر لانتفاء العلة كما في الكفاية.
(وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل) لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر، والعقد لازم بمنزلة الإجارة إلا إذا كان عذر تفسخ به الإجارة فتفسخ به المزارعة، هداية. وفيها: وإن امتنع رب الأرلاض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض فلا شيء له في عمل الكراب، قيل: هذا في الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى يلزمه استرضاء العامل. اهـ.
(وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة) اعتباراً بالإجارة (وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك) بعد (كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد) الزرع؛ رعاية للجانبين بقدر الإمكان كما في الإجارة (والنفقة على الزرع) بعد انقضاء مدة المزارعة (عليهما) : أي المتعاقدين (على مقدار حقوقهما) ؛ لانتهاء العقد بانقضاء المدة، وهذا عمل في المال المشترك. قيدنا بانقضاء المدة لأنه قبل انقضائها على العامل خاصة (وأجرة الحصاد) : أي قطع الزرع وجمعه (والرفاع) أي نقله إلى البيدر (والدياس) أي تنعيمه (والتذرية)

(2/232)


عليهما بالحصص، فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت.