اللباب في شرح الكتاب

الجزء الثالث
كتاب النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم
- النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول، بلفظين يعبر بهما عن الماضي، أو يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل، مثل أن يقول زوجني فيقول زوجتك.
ولا ينقعد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين بالغين عاقلين مسلمين أو رجلٍ وامرأتين، عدولاً كانوا أو غير عدولٍ، أو محدودين في قذفٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب النكاح
(مناسبة النكاح للمسافاة أن المطلوب في كل منهما الثمرة) .
(النكاح) لغة: الضم والجمع كما اختاره صاحب المحيط وتبعه صاحب الكافي وسائر المحققين كما في الدرر، وشرعا: عقد يفيده ملك المتعة قصداً.
وهو (ينعقد بالإيجاب) من أحد المتعاقدين (والقبول) من الآخر (بلفظين يعبر بهما عن الماضي) مثل أن يقول: زوجتك، فيقول الآخر: تزوجت؛ لأن الصيغة وإن كانت للأخبار وضعاً فقد جعلت للإنشاء شرعا، دفعاً للحاجة (أو) بلفظين (يعبر بأحدهما عن الماضي و) يعبر (بالآخر عن المستقبل) وذلك (مثل أن يقول) الزوج للمخاطب: (زوجني) ابنتك، مثلا (فيقول: زوجتك) ، لأن هذا توكيل بالنكاح، والواحد يتولى طرفي النكاح على ما نبينه، هداية.
(ولا ينعقد نكاح المسلمين) بصيغة المثنى (إلا بحضور شاهدين حرين بالغين عاقلين مسلمين) سامعين معاً قولهما فاهمين كلامهما على المذهب كما في البحر (أو رجل وامرأتين، عدولا كانوا) أي الشهود (أو غير عدول أو محدودين في قذف) أو أعمين أو ابني الزوجين أو ابني أحدهما، لأن كل منهم أهل للولاية ليكون أهلاً للشهادة

(3/3)


فإن تزوج مسلمٌ ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: لا يجوز.
ولا يحل للرجل أن يتزوج بأمه، ولا بجداته من قبل الرجال والنساء، ولا ببنته، ولا ببنت ولده وإن سفلت، ولا بأخته، ولا ببنات أخته، ولا ببنات أخيه، ولا بعمته، ولا بخالته، ولا بأم امرأته دخل بابنتها أو لم يدخل، ولا ببنت امرأته التي دخل بها سواءٌ كانت في حجره أو في حجر غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تحملا، وإنما الفائت ثمرة الأداء؛ فلا يبالي بفواته.
(فإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ولن لا يثبت عند جحوده (وقال محمد: لا يجوز) أصلا، قال الإسبيجاني: الصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح.
(ولا يحل للرجل أن يتزوج بأمه، ولا بجداته) مطلقاً (من قبل الرجال والنساء) وإن علون (ولا ببنته، ولا ببنت ولده) مطلقاً (وإن سفلت، ولا بأخته) مطلقاً (ولا ببنات أخته) مطلقاً وإن سفلن (ولا ببنات أخيه) مطلقاً (ولا بعمته ولا بخالته) مطلقاً وإن سفلن (ولا بأم امرأته) وجدتها مطلقاً وإن علت (دخل ببنتها أو لم يدخل) لما تقرر أن وطء الأمهات يحرم البنات، ونكاح البنات يحرم الأمهات (ولا ببنت امرأته التي دخل بها) وإن سفلت (سواء كانت في حجره) أي عائلته (أو في حجر غيره) ، لأن ذكر الحجر خرج محرج العادة (الدليل على حرمة بنت الزوجة المدخول بها قوله تعالى في ذكر المحرمات: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} .
والربائب: جمع ربيبة، وهي بنت الزوجة، والحجور: جمع حجر، والمراد به هنا البيت. وظاهر هذه الآية الكريمة أنه سبحانه قد قيد تحريم الربيبة على زوج أمها بقيدين: أحدهما أن تكون الربيبة في حجر زوج الأم: أي في بيته وتربيته، وثانيهما أن يكون الرجل قد دخل بالأم، ويؤخذ من مفهوم هذين القيدين أن الربيبة لو كانت تعيش في غير بيت زوج أمها لم يحرم عليه تزوجها، وأن الرجل إذا لم يكن قد دخل بالمرأة لم تحرم عليه بنتها. ولكن هذا الظاهر غير مراد بشقيه جميعاً عند جمهرة علماء هذه الأمة، قالوا: إن قيد دخول الرجل بالمرأة معتبر، وهو شرط في التحريم، فلو لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها، وأما كون البنت في حجر زوج أمها فليس معتبراً، ولا هو شرط في التحريم، بل متى دخل الرجل بالمرأة حرمت عليه بنتها سواء أكانت تعيش معه في عائلته وتربيته أم كانت تعيش خارج عائلته، وذكر الحجور في الآية الكريمة خرج مخرج العادة؛ لأن العادة جارية بأن تكون البنات مع أمهاتهن في بيت أزواج الأمهات. وأظهر ما يدل على صحة هذا النظر أنه سبحانه حين أراد أن يبين متى تحل بنت الزوجة قال بعد ما تلونا: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} ولم يذكر مفهوم القيد الأول، فدل على أنه لم يخرج مخرج الشرط؛ إذ لو خرج مخرج الشرط وكان التحريم مقيداً به لقال: فإن لم يكن في حجوركم أو لم تكونوا قد دخلتم بأمهاتهن فلا جناح عليكم، وقد ذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أن الكون في حجر زوج الأم شرط في تحريم بنت الزوجة، وكان ابن مسعود يذهب هذا المذهب ثم رجع عنه إلى مذهب جمهور الصحابة. وما ذهب إليه علي رضي الله عنه مردود بما ذكرناه) لا مخرج

(3/4)


ولا بامرأة أبيه وأجداده، ولا بامرأة ابنه وبني أولاده، ولا بأمه من الرضاعة، ولا بأخته من الرضاعة، ولا يجمع بين أختين بنكاحٍ ولا بملك يمين وطئا، ولا يجمع بين المرأة وبين عمتها وخالتها ولا ابنة أخيها ولا ابنة أختها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط.
(ولا بامرأة أبيه) سواء دخل بها أو لا (وأجداده) مطلقاً وإن علون (ولا بامرأة ابنه وبني أولاده) مطلقاً وإن نزلن (ولا بأمه ومن الرضاعة) وكذا جميع من ذكر نسباً ومصاهرة، إلا ما استثنى، كما يأتي في بابه، وإنما خص الأم والأخت اقتداء بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة} (ولا يجمع بين أختين) مطلقاً، سواء كانت حرتين أو أمتين أو مختلفتين (بنكاح ولا بملك يمين وطئاً) قيد به لأنه لا يحرم الجمع ملكاً، فإن تزوج أخت أمته الموطوءة صح النكاح، ولم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الموطوءة على نفسه (ولا يجمع بين المرأة وعمتها ولا خالتها ولا ابنة أخيها ولا ابنة أختها) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها) وهذا مشهور تجوز الزيادة

(3/5)


ولا يجمع بين امرأتين لو كانت كل واحدةٍ منهما رجلاً لم يجز له أن يتزوج بالأخرى، ولا بأس أن يجمع بين امرأةٍ وابنة زوج كان لها من قبل.
ومن زنى بامرأةٍ حرمت عليه أمها وابنتها.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على الكتاب بمثله. هداية.
(ولا يجمع بين امرأتين لو كانت) أي لو فرضت (كل واحدة منهما رجلا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى) ، لأن الجمع بينهما يفضي إلى القطيعة، ثم فرع على مفهوم الأصل المذكور بقوله: (ولا بأس أن يجمع) الرجل (بين امرأة وابنة زوج كان لها من قبل) لأن امرأة الأب لو صورت ذكراً جاز له التزوج بهذه البنت.
(ومن زنى بامرأة) أو مسها أو مسته أو نظر إلى فرجها أو نظرت إلى فرجه بشهوة (حرمت عليه أمها وابنتها) (وذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى أن زنا الرجل بامرأة لا يحرم عليه أمها ولا بنتها ووجه ما ذهب إليه أن المصاهرة نعمة، لكونها تلحق الأجنبيات بالمحارم، وكل ما هو نعمة لا ينال بسبب محظور شرعا، والزنا من أكبر المحظورات، فلا تنال به هذه النعمة العظيمة، وعندنا تحرم أم المزني بها وبنتها على الزاني، وتحرم المزني بها على آباء الزاني وأبنائه) وإن بعدتا، وحرمت على أبيه وابنه وإن بعدا، وحد الشهوة في الشباب انتشار الآلة أو زيادته، وفي الشيخ والعنين ميل القلب أو زيادته، على ما حكى عن أصحابنا كما في المحيط، ثم الشهوة من أحدهما كافية إذا كان الآخر محل الشهوة كما في المضمرات. قهستاني.
(إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج بأختها) ونحوها مما لا يجوز الجمع بينهما (حتى تنقضي عدتها) ؛ لبقاء أثر النكاح المانع من العقد، قيد بالبائن لأنه محل الخلاف، بخلاف الرجعي فإنه لا يرفع النكاح اتفاقاً

(3/6)


ولا يجوز أن يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها.
ويجوز تزوج الكتابيات، ولا يجوز تزوج المجوسيات ولا الوثنيات، ويجوز تزوج الصابئيات إذا كانوا يؤمنون بنبيٍ ويقرون بكتابٍ، وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم.
ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حال الإحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يجوز أن يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها) ؛ للإجماع على بطلانهما، نعم لو فعله المولى احتياطاً كان حسنا.
(ويجوز تزوج الكتابيات) مطلقاً، إسرائيلية أولا، حرة أو أمة (ولا يجوز تزوج المجوسيات) عباد النار (ولا الوثنيات) عباد الأصنام؛ لأنه لا كتاب لهم، وقال صلى الله عليه وسلم في مجوس هجر: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) (ويجوز تزوج الصابئيات إذا كانوا يؤمنون بنبي ويقرون بكتاب) ؛ لأنهم من أهل الكتاب (وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم) ؛ لأنهم مشركون، قال في الغاية: وهذا الذي ذكره هو الصحيح من المذهب، أما رواية الخلاف بين الإمام وصاحبيه فذاك بناء على اشتباه حال الصابئة؛ فوقع عند الإمام أنهم من أهل الكتاب يقرأون الزبور ولا يعبدون الكواكب، ولكنهم يعظمونها تعظيمنا للقبلة في الاستقبال إليها، ووقع عندهما أنهم يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم فصاروا كعبدة الأوثان، ولا خلاف في الحقيقة بينهم؛ لأنهم إن كانوا كما قال الإمام يجوز مناكحتهم اتفاقاً، وإن كانوا كما قال فلا يجوز اتفاقاً، وحكم ذبائحهم على ذلك. اهـ.
(ويجوز للمحرم والمحرمة) بالحج أو العمرة أو بهما (أن يتزوجا في حال الإحرام (المراد بالتزوج هنا العقد) . لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (تزوج ميمونة وهو محرم) وما روى من قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح) محمول على الوطء كما في الهداية

(3/7)


وينعقد نكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة برضاها وإن لم يعقد عليها وليٌ عند أبي حنيفة، بكراً كانت أو ثيباً. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا ينعقد إلا بوليٍ.
ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح، وإذا استأذنها فسكتت أو ضحكت فذلك إذنٌ منها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وينعقد نكاح) المرأة (الحرة البالغة العاقلة برضاها) فقط، سواء باشرته بنفسها أو وكلت غيرها (وإن لم يعقد عليها ولي) ولم يأذن به (عند أبي حنيفة: بكراً كانت أو ثيباً) ، لتصرفها في خالص حقها وهي من أهله، ولهذا كان لها التصرف في المال (وقالا: لا ينعقد) نكاح المرأة (إلا بولي) قال الإسبيجاني: وعن أبي يوسف أنه رجع إلى قول أبي حنيفة وهو الصحيح، وصرح في الهداية بأنه ظاهر الرواية، ثم قال: ويروى رجوع محمد إلى قولهما، واختاره المحبوبي والنسفي، اهـ تصحيح. وقال في الهداية: ثم في ظاهر الرواية لا فرق بين الكفء وغيره، لكن للولي الاعتراض في غير الكفء، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز في غير الكفء، لأن كم من واقع لا يدفع. اهـ، وقال في المبسوط: روى الحسن عن أبي حنيفة إن كان الزوج كفئاً لها جاز النكاح، وإن لم يكن كفئاً لها لا يجوز النكاح. اهـ، وهذا قول مختار صاحب خلاصة الفتاوى، وقال: هكذا كان يفتي شمس الأئمة السرخسي، كذا في غاية البيان، وهو المختار للفتوى كما في الدر.
(ولا يجوز للولي) مطلقا (إجبار البكر البالغة على النكاح) ؛ لانقطاع الولاية بالبلوغ (وإذا استأذنها) الولي الأقرب وهي تعلم الزوج (فسكتت أو ضحكت) غير مستهزئة (فذلك إذن منها) دلالة، لأنها تستحي من إظهار الرغبة، لا من إظهار الرد، والضحك أدل على الرضا من السكوت، لأنه يدل على الفرح والسرور. قيدنا الضحك بغير المستهزئة لأنها إذا ضحكت مستهزئة بما سمعت لا يكون رضاً، قال في الغاية: وذلك معروف بين الناس، فلا يقدح في ضحك الفرح. اهـ، وقيدنا الاستئذان بالولي وبالأقرب لأنه لو استأذنها

(3/8)


وإن أبت لم يزوجها، وإذا استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقول، وإذا زالت بكارتها بوثبةٍ أو حيضةٍ أو جراحةٍ فهي في حكم الأبكار وإن زالت بزناً فهي كذلك عند أبي حنيفة، وإذا قال الزوج: بلغك النكاح فسكت، وقالت: بل رددت، فالقول قولها ولا يمين عليها، ولا يستحلف في النكاح عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يستحلف فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أجنبي أو ولي غيره أولى منه لم يكن رضا حتى تتكلم كما في الهداية. وقيدنا بكونها تعلم الزوج لأنها لو لم تعلم الزوج لا يكون سكوتها رضا كما في الدرر، ولو زوجها فبلغها الخبر فهو على ما ذكرنا، لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف، ثم المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، ولو كان رسولا لا يشترط بالإجماع. هداية.
(وإن أبت لم يزوجها) : أي لم يجز له أن يزوجها؛ لعدم رضاها (وإذا استأذن) الولي ولو الأقرب (الثيب فلابد من رضاها بالقول) ؛ لأنها جربت الأمور ومارست الرجال؛ فلا مانع من النطق في حقها (وإذا زالت بكارتها بوثبةٍ) أي نطة (أو حيضة) قوية (أو) حصول (جراحة) أو تعنيس (فهي في حكم الأبكار) في أن سكوتها رضاً، لأنها بكر حقيقة (وإن زالت) بكارتها (بزناً فهي كذلك) أي في حكم الأبكار (عند أبي حنيفة) فيكتفي بسكوتها، لأن الناس يعرفونها. بكرا فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه كيلا تتعطل عليها مصالحها، وقالا: لا يكتفي بسكوتها؛ لأنها ثيب حقيقة، قال الإسبيجاني: والصحيح قول الإمام، واعتمده النسفي والمحبوبي، قال في الحقائق: والخلاف فيما إذا لم يصر الفجور عادة لها، ولم يقم عليها الحد، حتى إذا اعتادت ذلك أو أقيم عليها الحد يشترط نطقها بالاتفاق، وهو الصحيح. اهـ، تصحيح (وإذا قال الزوج) للمرأة البكر (بلغك النكاح فسكت، وقالت) المرأة (بل رددت، فالقول قولها) ؛ لإنكارها لزوم العقد، خلافاً لزفر (ولا يمين عليها، ولا يستحلف في النكاح عند أبي حنيفة، وقالا: يستحلف فيه) قال في الحقائق: والفتوى على قولهما، لعموم البلوى

(3/9)


وينعقد النكاح بلفظ النكاح والتزويج والتمليك والهبة والصدقة، ولا ينعقد بلفظ الإجارة والإباحة.
ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي، بكراً كانت الصغيرة أو ثيباً، والولي هو العصبة، فإن زوجهما الأب أو الجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما، وإن زوجهما غير الأب والجد فلكل واحدٍ منهما الخيار إذا بلغ: إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كما في التتمة وفتاوى قاضيخان. اهـ.
(وينعقد النكاح بلفظ النكاح والتزويج) من غير نيةٍ ولا دلالة حال، لأنهما صريحان فيه، وما عداهما كناية، وهو: كل لفظ وضع لتمليك العين في الحال (و) ذلك كلفظ (التمليك، والهبة، والصدقة) والبيع، والشراء، فيشترط النية أو قرينة، وقال في التتار خانية: إن كل لفظ موضوع لتمليك العين ينعقد به النكاح إن ذكر المهر، وإلا فبالنية. اهـ.
(ولا ينعقد) النكاح (بلفظ الإجارة، و) لا بلفظ (الإباحة) والإعارة؛ لأنها ليست لتمليك العين، ولا بلفظ الوصية؛ لأنها توجب الملك مضافاً إلى ما بعد الموت، هداية.
(ويجوز نكاح الصغير والصغيرة) جبراً (إذا زوجهما الولي) الآتي ذكره (بكراً كانت الصغيرة أو ثيباً) ؛ لوجود شرط الولاية، وهو العجز بالصغر. (والولي) في النكاح (هو العصبة) بنفسه على ترتيب الإرث والحجب؛ فيقدم ابن المجنونة على أبيها لأنه يحجبه حجب نقصان (فإن زوجهما) أي الصغير والصغيرة (الأب أو الجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما) ولو كان بغبن فاحش أو من غير كفء، إن لم يعرف منهما سوء الاختيار؛ لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم بمباشرتهما، كما إذا باشرها برضاها بعد البلوغ (وإن زوجهما غير الأب والجد) من كفء وبمهر المثل (فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ) ولو بعد الدخول: (إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ) ؛ لأن

(3/10)


ولا ولاية لعبدٍ، ولا صغيرٍ، ولا مجنونٍ، ولا كافرٍ على مسلمةٍ.
وقال أبو حنيفة: يجوز لغير العصبات من الأقارب التزويج.
ومن لا ولي لهما إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولاية غيرهما قاصرة لقصور شفقته، فربما يتطرق خلل؛ فيتدارك بخيار الإدراك، قال في الهداية: وإطلاق الجواب في غير الأب والجد يتناول الأم والقاضي، وهو الصحيح من الرواية؛ لقصور الرأي في أحدهما ونقصان الشفقة في الآخر. انتهى. قيدنا بالكفء ومهر المثل لأنه لو كان في غير كفء أو بغبن فاحش لا يصح أصلا كما في التنوير وغيره.
(ولا ولاية لعبد، ولا صغير، ولا مجنون) ؛ لعدم ولايتهم على أنفسهم، فبالأولى أن تثبت على غيرهم (ولا كافر على مسلمة) ولا مسلم على كافرة، إلا أن يكون سيداً أو سلطانا، وللكافر ولاية على مثله اتفاقا (وقال أبو حنيفة: يجوز لغير العصبات من الأقارب) كالأم والجدة والأخت والعمة والخال والخالة وغيرهم من ذوي الأرحام (التزويج) قال في الهداية: معناه عند عدم العصبات، وهذا استحسان، وقال محمد: لا يثبت، وهو القياس، وهو رواية عن أبي حنيفة. وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب، والأشهر أنه محمد، قلت: قال في الكافي: الجمهور على أن أبا يوسف مع أبي حنيفة، وقال في التبيين: وأبو يوسف مع أبي حنيفة في أكثر الروايات، وعلى الاستحسان مشى المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، اهـ تصحيح.
(ومن لا ولى لها) عصبة من جهة النسب (إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز) ، لأنه عصبة من جهة السبب، وهو آخر العصبات، وإذا عدم الأولياء فالولاية للإمام؛ لأنه ولي من لا ولي له

(3/11)


وإذا غاب الولي الأقرب غيبةً منقطعةً جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج، والغيبة المنقطعة: أن يكون في بلدٍ لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرةً واحدةً.
والكفاءة في النكاح معتبرةٌ، فإذا تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج) ؛ لأن هذه ولاية نظرية، وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضنا إلى الأبعد وهو مقدم على السلطان، كما إذا مات الأقرب، ولو زوجها حيث هو نفذ، فأيهما عقد أولا نفذ، لأنهما بمنزلة وليين متساويين (والغيبة المنقطعة: أن يكون) الولي (في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة واحدة) قال في التصحيح: ذكره في الينابيع عن أبي شجاع وصححه، وقال الإسبيجاني: ومنهم من قدره بمدة سفر، وهو الذي عليه الفتوى وفي الصغرى ذكر الفضلى أنه يفتي بالشهور، والصحيح بثلاثة أيام، وفي الهداية: وهو اختيار بعض المتأخرين، وفي التبيين: أكثرلا المتأخرين، منهم القاضي أبو علي النسفي، وسعد بن معاذ المروزي، ومحمد بن مقاتل الرازي، وأبو علي السعدي، وأبو اليسر البزدوي، والصدر الشهيد، وتبعهم النسفي، وقيل: إن كان بحال يفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه، وهذا أقرب إلى الفقه، ونسب هذا في الينابيع لمحمد بن الفضل، قال: قيل: هو أقرب للصواب، وقال السرخسي في المبسوط: وهو الأصح، قال الإمام المحبوبي: وعليه الأكثر، وصدر به صدر الشريعة، قلت: وهذا أصح من تصحيح الينابيع. اهـ.
(والكفاءة في النكاح معتبرة) من جانب الرجل، لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس، فلابد من اعتبارها، بخلاف جانب المرأة، لأن الزوج مستفرش فلا يغيظه دناءة الفراش (فإذا تزوجت المرأة غير كفء) لها (فللأولياء) وهم هنا العصبة كما في التصحيح عن الخلاصة (أن يفرقوا بينهما) دفعاً لضرر العار عن أنفسهم، قال في التصحيح: وهذا مالم تلد، وهذا على ظاهر الرواية، وعلى ما اختاره السرخسي

(3/12)


والكفاءة تعتبر في النسب والدين والمال، وهو: أن يكون مالكاً للمهر والنفقة، وتعتبر في الصنائع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يصح العقد أصلا، قال الإسبيجاني: وإذا زوجها أحد الأولياء من غير كفء لم يكن للباقين حق الاعتراض عند أبي حنيفة، وقالا: لهم ذلك، والصحيح قول أبي حنيفة اهـ.
(والكفاءة تعتبر في النسب) ، لوقوع التفاخر به، فقريش بعضهم أكفاء لبعض، وبقية العرب بعضهم أكفاء لبعض، وليسوا بأكفاء لقريش، والعجم ليسوا بأكفاء للعرب، وهم أكفاء لبعضهم، والمعتبر فيهم الحرية والإسلام: فمسلم بنفسه أو معتق ليس بكفء لمن أبوها مسلم أو حر، ومن أبوه مسلم أو حر غير كفء لذات أبوين، وأبوان فيهما كالآباء لتمام النسب بالجد (و) يعتبر أيضاً في (الدين) فليس الفاسق بكفء للصالحة أو بنت الصالح، قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الصحيح، لأنه من أعلى المفاخر، والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه. اهـ تصحيح (و) تعتبر أيضاً في (المال، وهو: أن يكون مالكا للمهر والنفقة) قال في الهداية: وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية، والمراد من المهر قدر ما تعارفوا تعجيله، وعن أبي حنيفة أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر، وأما الكفاءة في الغنى فمعتبرة في قول أبي حنيفة ومحمد، قلت: وهذا خلاف ظاهر الرواية، قال الإمام المحبوبي: والقادر عليهما كفء لذات أموال عظيمة وهو الصحيح، اهـ تصحيح (وتعتبر) الكفاءة أيضاً (في الصنائع) قال في الهداية: وهذا عند أبي يوسف ومحمد، وعن أبي حنيفة روايتان، وعن أبي يوسف: لا يعتبر إلا أن يفحش كالحجام والحائك، وقال الزاهدي: وعن أبي يوسف وأظهر الروايتين عن أبي حنيفة لا يعتبر إلا أن يفحش؛ وذكر في شرح الطحاوي أن أرباب الصناعات المتقاربة أكفاء؛ بخلاف المتباعدة؛ وهذا مختار المحبوبي، قال: وحرفة حائك أو حجام أو كناس أو دباغ ليست بكفء لعطار أو بزاز أو صراف، وبه يفتي، اهـ تصحيح

(3/13)


وإذا تزوجت المرأة ونقصت من مهرها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها.
وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد.
ويصح النكاح إذا سمى فيه مهراً، ويصح وإن لم يسم فيه مهراً.
وأقل المهر عشرة دراهم، فإن سمى أقل من عشرةٍ فلها العشرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذاتزوجت المرأة) من كفء (ونقصت من مهرها) أي مهر مثلها (فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة حتى يتم) الزوج (لها مهر مثلها أو يفارقها) وقالا: ليس لهم ذلك، ورجح دليله، واعتمد الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح.
(وإذا زوج الأب) أو الجد عند فقد الأب (ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد في مهر امرأته) أي من مهر أمثالها (جاز ذلك عليهما) ، لأن الأب كامل الرأي والشفقة، فالظاهر أنه لم يحط من مهر ولم يزد إلا لمنفعة تربو على ذلك، وكذلك الجد، قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة، وقالا: لا يجوز، والصحيح قول الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وغيرهم، اهـ تصحيح (ولا يجوز ذلك) العقد (لغير الأب والجد) أب الأب لنقصان الشفقة في غيرهما، فولايتهم مقيدة بشرط النظر، فعند فواته يبطل العقد.
(ويصح النكاح إذا سمى فيه مهراً) ويلزم المسمى إذا كان عشرة فأكثر، (ويصح) النكاح أيضاً (وإن لم يسم فيه مهراً) ، لأنه واجب شرعاً إظهار لشرف المحل، فلا يحتاج إلى ذكره في صحة النكاح؛ وكذا بشرط أن لا مهر لها؛ لما بينا هداية.
(وأقل المهر عشرة دراهم) وزن سبعة مثاقيل؛ سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة، أو ما قيمته عشرة دراهم يوم العقد (فإن سمى أقل من عشرة فلها العشرة) بالوطء،

(3/14)


ومن سمى مهراً عشرةً فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول والخلوة فلها نصف المسمى، وإن تزوجها ولم يسم لها مهراً أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة وهي ثلاثة أثوابٍ من كسوة مثلها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو الموت، وخمسة بالطلاق قبل الدخول.
(ومن سمى مهراً عشرة فما زاد) أي فأكثر (فعليه المسمى إن دخل) أو خلا (بها) خلوة صحيحة (أو مات عنها) أو ماتت عنه لأنه بالدخول يتحقق تسليم المبدل، وبه يتأكد البدل، وبالموت ينتهي النكاح والشيء بانتهائه يتأكد ويتقرر بجميع مواجبه (وإن طلقها قبل الدخول والخلوة فلها نصف المسمى) إن كان المسمى عشرة فأكثر، وإلا كان لها خمسة كما مر (فإن تزوجها ولم يسم لها مهراً) أي سكت عن ذكر المهر (أو تزوجها على أن لا مهر لها) أي بشرط أن لا مهر لها وهي مسألة المفوضة (فلها مهر مثلها إن دخل) أو خلا (بها أو مات عنها) أو ماتت عنه كما مر، لأن المهر ابتداءً حق الشرع، فلا تملك نفيه، وإنما يصير حقها حالة البقاء، فتملك الإبراء عنه (وإن طلقها قبل الدخول) والخلوة (بها فلها المتعة وهي ثلاثة أثواب) درع وخمار وملحفة (من كسوة مثلها) لكن لا تزيد على نصف مهر مثلها ولا تنقص عن خمسة دراهم، قال في الينابيع: وهي على اعتبار حال المرأة في اليسار والإعسار، هذا هو الأصح، وقال في الهداية: قوله " من كسوة مثلها" أشار إلى أنه يعتبر حالها، وهو قول الكرخي في المتعة الواجبة، لقيامها مقام مهر المثل، والصحيح أنه يعتبر حاله، عملا بالنص، وهو قوله تعالى: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} ومثله في التحفة والمجتبي، قلت: تصحيح الينابيع أولى، لإشارة الكتاب، ولاتفاقهم على أن المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل، لأنها خلفه، ولا تنقص عن خمسة دراهم، ولو اعتبر حاله لناقض هذا، والنص الذي ذكره في المتعة قيل: إنه في المستحبة، لظواهر النصوص، وتمامه في التصحيح

(3/15)


وإن تزوج المسلم على خمرٍ أو خنزيرٍ فالنكاح جائز ولها مهر مثلها.
وإن تزوجها ولم يسم لها مهراً ثم تراضيا على تسمية مهرٍ فهو لها إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة.
وإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة، وتسقط بالطلاق قبل الدخول، وإن حطت عنه من مهرها صح الحط،
وإذا خلا الزوج بامرأته وليس هناك مانعٌ من الوطء ثم طلقها فلها كمال المهر، وإن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن تزوج المسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جائز) لما مر أنه سصح من غير تسميو، فمع فسادها أولى (ولها مهر مثلها) ؛ لأنه لما سمى ماليس بمالٍ صار كأنه سكت عن التسمية.
(وإن تزوجها ولم يسم لها مهراً ثم تراضيا على تسمية مهر) بعد العقد، أو فرضها القاضي (فهو لها إن دخل بها أو مات عنها) ؛ لصحة التسمية باتفاقهما على تعيين ما وجب بالعقد؛ فتستقر بهذه الأشياء (وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة) ؛ لأن ما تراضيا عليه تعين للواجب بالعقد، وهو مهر المثل، ومهر المثل لا يتنصف؛ فكذا ما نزل منزلته (وإن زادها في المهر بعد العقد) وقبلت المرأة (لزمته الزيادة) لتراضيهما (وتسقط) الزيادة (بالطلاق قبل الدخول) ؛ لأنها لم تكن مسماة في أصل العقد والتنصيف مختص بالمفروض في العقد، وقال أبو يوسف: تتنصف مع الأصل؛ لأنها تلتحق بأصل العقد.
(وإن حطت) المرأة (عنه) أي الزوج (من مهرها) المسمى في العقد ولو كله (صح الحط) ؛ لأنه حقا بقاء كما مر، سواء قبل الزوج أو لا، ويرتد بالرد كما في البحر.
(وإذا خلا الزوج بامرأته وليس هناك مانع من الوطء) حسي أو شرعي (ثم طلقها فلها كمال المهر) ؛ لأنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع، وذلك وسعها؛ فيتأكد حقها في البدل، اعتباراً بالبيع، هداية (وإن كان) مانع حسي: بأن

(3/16)


أحدهما مريضاً أو صائماً في رمضان أو محرماً بفرضٍ أو نفلٍ بحجٍ أو عمرةٍ أو كانت حائضاً فليست بخلوةٍ صحيحةٍ، وإذا خلا المجبوب بامرأته ثم طلقها فلها كمال المهر عند أبي حنيفة.
وتستحب المتعة لكل مطلقةٍ إلا لمطلقةٍ واحدةٍ، وهي: التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهراً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان (أحدهما مريضاً) مرضاً يمنع الوطء، أو صغيراً لا يمكن معه الجماع، أو كان بينهما ثالث ولو نائما أو أعمى، إلا أن يكون صغيراً لا يعقل الجماع، أو كانت رتقاء، أو قرناء أو ذات عضلة (أو) كان مانع شرعي: بأن كان أحدهما (صائما في رمضان) خرج صوم غيره، وهذا هو الأصح، نص عليه في زاد الفقهاء والينابيع والهداية. تصحيح (أو محرما بفرض أو نفل بحج أو عمرة) ؛ لما يلزمه من الدم وفساد النسك والقضاء (أو كانت حائضا فليست بخلوة صحيحة) ؛ لوجود أحد الموانع المذكورة (وإذا خلا المجبوب) وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه (بامرأته ثم طلقها) من غير مانع (فلها كمال المهر عند أبي حنيفة) ؛ لأنها أتت بأقصى ما في وسعها، وليس في هذا العقد تسليم يرجى أكمل من هذا؛ فكان هو المستحق، وقالا: لها نصف المهر؛ لأن عذره فوق عذر المريض، قال في التصحيح: والصحيح قوله، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما. اهـ قيد بالمجبوب لأن خلوة الخصي والعنين توجب كمال المهر اتفاقا.
(وتستحب المتعة لكل مطلقة) دفعاً لوحشة الفراق عنها (إلا لمطلقة واحدة، وهي: التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهراً) وهي المفوضة؛ فإن متعتها واجبة؛ لأنها بدل عن نصف مهر المثل كما مر، وفي بعض النسخ "وقد سمى لها مهراً" قال في التصحيح: هكذا وجد في كثير من النسخ، ويتكلف في الجواب عنه، وقال نجم الأئمة: المكتوب في النسخ " ولم يسم لها مهراً" قال في الدراية: ضبطه كذلك غير واحد، وقد صححه ركن الأئمة الصباغي في شرحه لهذا الكتاب، وكتب فوقه وتحته وقدامه " صح" ثلاث مرات، وأشار إلى أن هذا من النساخ

(3/17)


وإذا زوج الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل أخته أو ابنته ليكون أحد العقدين عوضاً عن الآخر فالعقدان جائزان، ولكل واحدةٍ منهما مهر مثلها.
وإن تزوج حرٌ امرأةً على خدمته سنة أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها، وإن تزوج عبدٌ حرةً بإذن مولاه على خدمتها سنةً جاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقال في الينابيع: المذكور في الكتاب غلط من الناسخ، وقد زعم صحة هذه النسخة شيخ الإسلام ركن الأئمة الدامغاني ونجم الأئمة الحفصي؛ فكتب إليهما أبو الرجاء " إن هذه خلاف المذكورة في التفسير والأصول والشروح؛ فإنه ذكر في الكشاف وتفسير الحاكم وغيرهما أن المتعة مستحبة للتي طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا، وذكر في الأصل والإسبيجاني في موضعين وزاد الفقهاء وغيرها أنها يستحب لها المتعة، فلا يصح استثناؤها من الاستحباب، بخلاف المفوضة فإنها مستثناة من الاستحباب بالوجوب" فاستصوبا ذلك، واتفقوا على أن المستثناة هي التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهراً. اهـ.
(وإذا زوج الرجل ابنته) أو أخته (على أن يزوجه الرجل) الآخر (أخته أو ابنته؛ ليكون) أي على أن يكون (أحد العقدين عوضاً عن) العقد (الآخر فالعقدان جائزان) ؛ لأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد، (لكل واحدة منهما مهر مثلها) ؛ لفساد التسمية بما لا يصلح صداقا، كما إذا سمى الخمر والخنزير ويسمى هذا نكاح الشغار، لخلوه عن المهر.
(وإذا تزوج حر امرأة) حرة أو أمة (على خدمته) لها (سنة) مثلا (أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها) ؛ لعدم صحة التسمية بما ليس بمال، ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح؛ لما فيه من قلب الموضوع (وإن تزوج عبد حرة بإذن مولاه على خدمتها سنة) مثلا (جاز) ؛ لأن خدمة العبد مال، لتضمنه تسليم رقبته، بخلاف الحر

(3/18)


وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في نكاحها ابنها عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: أبوها.
ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما، وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دينٌ في رقبته يباع فيه، وإذا زوج المولى أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج، ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج: متى ظفرت بها وطئتها.
وإذا تزوج امرأةً على ألف على أن لا يخرجها من البلد، أو على أن لا يتزوج عليها، فإن وفى بالشرط فلها المسمى، وإن تزوج عليها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في نكاحها ابنها عند أبي حنيفة وأبي يوسف) لأنه هو المقدم في العصوبة، وهذه الولاية مبنية عليها (وقال محمد: أبوها) ؛ لأنه أوفر شفقة من الابن، قال في التصحيح: واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ.
(ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما) لأن في تنفيذ نكاحهما نعيبهما؛ إذا النكاح عيب فيهما، فلا يملكانه بدون إذن المولى (وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه) : أي المهر، مرة واحدة، فإن لم يف به لم يبع ثانياً، وإنما يطالب به بعد العتق (وإذا زوج المولى أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج) أي يخلى بينه وبينها في بيته، وإن شرطه في العقد (ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج: متى ظفرت بها وطئتها) ولكن لا نفقة لها إلا بها، فإن بوأها ثم رجع صح وسقطت النفقة.
(وإذا تزوج امرأة على ألف درهم على) : أي بشرط (أن لا يخرجها من البلد، أو على أن لا يتزوج عليها) أو على ألف إن أقام بها وعلى ألفين إن أخرجها (فإن وفى بالشرط فلها المسمى) وهو الألف؛ لرضاها به (وإن) لم يف بالشرط: بأن (تزوج عليها)

(3/19)


أو أخرجها من البلد فلها مهر مثلها.
وإذا تزوجها على حيوانٍ غير موصوفٍ صحت التسمية، ولها الوسط منه، والزوج مخيرٌ: إن شاء أعطاها ذلك، وإن شاء أعطاها قيمته.
ولو تزوجها على ثوبٍ غير موصوفٍ فلها مهر مثلها.
ونكاح المتعة والنكاح المؤقت باطلٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخرى.
(أو أخرجها من البلد فلها مهر مثلها) ؛ لأنه سمى مالها فيه نفع، فعند فواته ينعدم رضاها بالألف، لكن لا ينقص عن الألف، ولا يزاد على ألفين في المسألة التي زدناها على المتن؛ لاتفاقهما على ذلك، ولو طلقها قبل الدخول تنصف المسمى في المسألتين، لسقوط الشرط، كما في الدر.
(وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف) قال في الهداية: معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان، دون الوصف: بأن يتزوجها على فرس، أو حمار، أما إذا لم يسم الجنس: بأن تزوجها على دابة - لا تجوز التسمية، ويجب مهر المثل. اهـ. (صحت التسمية، ولها الوسط منه) أي من الجنس المسمى (والزوج مخير: إن شاء أعطاها ذلك) الوسط (وإن شاء أعطاها قيمته) ؛ لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة، فصارت القيمة أصلا في حق الإيفاء، والوسط أصلٌ تسميةً؛ فيتخير بينهما، هداية.
(ولو تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر مثلها) قال في الهداية: معناه ذكر الثوب، ولم يزد عليه، ووجهه أن هذه جهالة الجنس؛ إذ الثياب أجناس، ولو سمى جنساً بأن قال "هروى" تصح التسمية، ويخير الزوج؛ لما بينا، وكذا إذا سمى مكيلا أو موزوناً وسمى جنسه دون صفته، وإن سمى جنسه وصفته لا يخير؛ لأن الموصوف منها ثبت في الذمة ثبوتا صحيحا، اهـ.
(ونكاح المتعة) وهو أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال (و) النكاح (المؤقت) وهو: أن يتزوج امرأة عشرة أيام مثلا (باطل) أما الأول

(3/20)


وتزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوفٌ: فإن أجازه المولى جاز، وإن رده بطل، وكذلك لو زوج رجلٌ امرأةً بغير رضاها أو رجلاً بغير رضاه.
ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه، وإذا أذنت المرأة لرجلٍ أن يزوجها من نفسه فعقد بحضرة شاهدين جاز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فبالإجماع، وأما الثاني فقال زفر: هو صحيح لازم؛ لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، ولنا أنه أتى بمعنى المتعة، والعبرة في العقود للمعاني، ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التوقيت أو قصرت؛ لأن التوقيت هو المعين لجهة المتعة وقد وجد، هداية.
(يتبع ... )

(وتزويج العبد والأمة) أي تزويج الفضولي لهما (بغير إذن مولاهما موقوف) على إجازته (فإن أجازه المولى جاز) العقد (وإن رده بطل) وليس هذا بتكرار لقوله " ولا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما" المار؛ لأن ذاك فيما إذا باشرا العقد بأنفسهما، وهنا بمباشرة الفضولي؛ كما يدل لذلك قوله (وكذلك) : أي يكون التزويج موقوفاً على رضا الأصيل (لو زوج رجل) فضولي (امرأة بغير رضاها) أي إذنها (أو) زوج (رجلا بغير رضاه) ؛ لأنه تصرف في حق الغير، فلا ينفذ إلا برضاه، وقد مر في البيوع توقف عقوده كلها إن كان لها مجيز وقت العقد وإلا تبطل.
(ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه) الصغيرة (من نفسه) إذا كانت الولاية له، فيكون أصيلا من جانب وليا من آخر، وكذا لو كانت كبيرة وأذنت له أن يزوجها من نفسه (وإذا أذنت المرأة لرجل أن يزوجها من نفسه) أو ممن يتولى تزويجه أو ممن وكله أن يزوجه منها (فعقد) الرجل عقدها حسبما أذنت له (بحضرة شاهدين جاز) العقد، ويكون وكيلا من جانب وأصيلا أوولياً أو وكيلا من آخر، وقد يكون وليا من الجانبين: كأن يزوج بنته من ابن أخيه، قال في الهداية: إذا تولى طرفيه فقوله "زوجت" يتضمن الشطرين، ولا يحتاج إلى القبول. اه

(3/21)


وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه، وللمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها.
وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا مهر لها، وكذلك بعد الخلوة، وإن دخل بها فلها مهر مثلها لا يزاد على المسمى، وعليها العدة، ويثبت نسب ولدها.
ومهر مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات عمها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا ضمن الولي) : أي ولي الزوجة، وكذا وكيها (المهر) لها (صح ضمانه) لأنه من أهل الالتزام، والولي والوكيل في النكاح سفير ومعبر، ولذا ترجع حقوقه إلى الأصيل (وللمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها) اعتباراً بسائر الكفالات، ويرجع الولي إذا أدى على الزوج إن كان بأمره كما هو الرسم في الكفالة، هداية.
(وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد) وهو: الذي فقد شرطاً من شروط الصحة كعدم الشهود، وكان التفريق (قبل الدخول) بها فلا مهر لها) ؛ لأن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول (وكذلك بعد الخلوة) ؛ لفسادها بفساد النكاح؛ لأن الخلوة فيه لا يثبت بها التمكين فلا يقام مقام الوطء (وإن دخل بها فلها مهر مثلها) ؛ لأن الوطء في دار الإسلام؛ فلا يخلو عن عقر - بالفتح - أي حد زاجر، أو عقر - بالضم - أي مهر جابر، وقد سقط الحد بشبهة العقد، فيجب مهر المثل، ولكن (لا يزاد على المسمى) لرضاها به (وعليها العدة) إلحاقاً للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط، وتحرزاً عن اشتباه النسب، ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق لا من آخر الوطآت، وهو الصحيح؛ لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها بالتفريق. هداية (ويثبت نسب ولدها منه) ؛ لأن النسب يحتاط في إثباته صيانة للولد عن الضياع، قال في الهداية: وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد، وعليه الفتوى، اهـ ومثله قاضيخان.
(ومهر مثلها يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات عمها) ، لأنهم قوم أبيها، والإنسان

(3/22)


ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها، ويعتبر في مهر المثل: أن تتساوى المرأتان في السن، والجمال، والعفة، والمال، والعقل، والدين، والبلد، والعصر.
ويجوز تزويج الأمة مسلمةً كانت أو كتابيةً، ولا يجوز أن يتزوج أمةً على حرة، ويجوز تزويج الحرة عليها.
وللحر أن يتزوج أربعاً من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك، ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين، فإن طلق الحر إحدى الأربع طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج رابعةً حتى تنقضي عدتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من جنس قوم أبيه.
(ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها) ، لأن المهر يختلف بشرف النسب، والنسب يعتبر من جانب الأب، فإن كانت الأم من قوم الأب بأن كانت بنت عمه اعتبر بمهرها، لأنها من قوم أبيها (ويعتبر في مهر المثل: أن تتساوى المرأتان في السن والجمال والعفة والمال والعقل والدين والبلد والعصر) وبكارة وثيوبة، وعلماً، وأدباً، وحسن خلق؛ لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف، وهذا في الحرة، وأما الأمة فبقدر الرغبة فيها كما في الفتح (ويجوز) للحر (تزويج الأمة) الرقيقة (مسلمة كانت أو كتابية) ولو مع طول الحرة (ولا يجوز أن يتزوج أمةً على حرة) ولو برضاها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأمة على الحرة) هداية، وكذا في عدتها، ولو من بائن (ويجوز تزويج الحرة عليها) : أي الأمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وتنكح الحرة على الأمة) ، ولأنها من المحللات في جميع الحالات، هداية.
(وللحر أن يتزوج أربعاً من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك) وله التسري بما شاء من الإماء (ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين) مطلقاً، لأن الرق منصف، ويمتنع عليه التسري، لأنه لا يملك (فإن طلق الحر إحدى الأربع) ولو (طلاقاً بائناً لم يجز له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها) ؛ لأن

(3/23)


وإذا زوج الأمة مولاها ثم أعتقت فلها الخيار، حراً كان زوجها أو عبداً، وكذلك المكاتبة.
وإن تزوجت أمةٌ بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح ولا خيار لها ومن تزوج امرأتين في عقدٍ واحدٍ إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل له نكاحها وبطل نكاح الأخرى.
وإن كان بالزوجة عيبٌ فلا خيار لزوجها، وإذا كان بالزوج جنونٌ أو جذامٌ أو برصٌ فلا خيار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نكاحها باقٍ من وجه ببقاء بعض الأحكام، بخلاف ما إذا ماتت، فإنه يجوز له، لانقطاع النكاح بالكلية.
(وإذا زوج الأمة مولاها) أو تزوجت بإذنه (ثم أعتقت فلها الخيار) بين القرار والفرار (حراً كان زوجها أو عبداً) دفعاً لزيادة الملك عليها بطلقة ثالثة (وكذلك) حكم (المكاتبة) ، لوجود العلة فيها، وهي زيادة الملك عليها، ويقتصر خيارها على مجلس علمها بالعتق إذا كانت تعلم أن لها الخيار، فإن علمت بالعتق لم تعلم بالخيار ثم علمت به في مجلس آخر فلها الخيار في ذلك المجلس.
(وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت صح النكاح) ؛ لأنها من أهل العبارة، وامتناع النفوذ لحق المولى وقد زال (ولا خيار لها) ، لأن النفوذ بعد العتق، فلا يتحقق زيادة الملك عليها.
(ومن تزوج امرأتين في عقد واحدة) وكانت (إحداهما لا يحل له نكاحها) بأن كانت محرما له، أو ذات زوج، أو وثنية (صح نكاح التي يحل له نكاحها وبطل نكاح الأخرى) ، لأن المبطل في إحداهما، فيقتصر عليها، بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع، لأنه يبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف النكاح، ثم جميع المسمى للتي تحل له عند أبي حنيفة، وعندهما يقسم على مهر مثليهما، هداية.
(وإن كان بالزوجة عيب) كجنون أو جذام أو برص أو رتق أو قرن (فلا خيار

(3/24)


للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: لها الخيار، فإن كان عنيناً أجله الحاكم حولاً، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما إن طلبت المرأة ذلك والفرقة تطليقةٌ بائنةٌ، ولها كمال المهر إن كان قد خلا بها، وإن كان مجبوباً فرق القاضي بينهما في الحال ولم يؤجله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لزوجها) ؛ لما فيه من الضرر بها بإبطال حقها، ودفع ضرر الزوج ممكن بالطلاق أو بنكاح أخرى (و) كذا (إذا كان بالزوج) عيب (جنون أو جذام أو برص فلا خيار للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ؛ لأن المستحق على الزوج تصحيح مهرها بوطئه إياها، وهذا موجود (وقال محمد: لها الخيار) دفعاً للضرر عنها كما في الجب والعنة، قال في التصحيح: والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ومشى عليه الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ (وإن كان) الزوج (عنينا) وهو: من لا يصل إلى النساء، أو يصل إلى الثيب دون الأبكار، أو يصل إلى بعض النساء دون بعض، فهو عنين في حق من لا يصل إليها، فإذا رفعته إلى الحاكم (أجله الحاكم) المولى (حولا) تاما؛ لاشتماله على الفصول الأربعة (فإن وصل إليها) مرة في ذلك الحول فبها (وإلا فرق) القاضي (بينهما إن طلبت المرأة ذلك) وأبى الزوج الطلاق، قال في التصحيح: فلو مرض إحداهما مرضا لا يستطاع معه الجماع عن محمد لا يحسب الشهر وما دونه يحسب، وهو أصح الأقاويل. ولو تزوج امرأة تعلم حاله مع التي قبلها، الصحيح أن لها حق الخصومة اهـ (و) هذه (الفرقة تطليقة) ؛ لأنها بسببٍ من جهة الزوج (بائنة) ؛ لأن مشروعيتها لتملك نفسها، ولا تملك نفسها بالرجعة (ولها كمال المهر إن كان قد خلا بها) خلوة صحيحة؛ لأن حلوة العنين صحيحة تجب بها العدة، وإن تزوجها بعد ذلك أو تزوجته وهي تعلم أنه عنين فلا خيار لها وإن كان عنينا وهي رتقاء لم يكن لها خيار كما في الجوهرة (وإن كان) الزوج (مجبوبا) أي مقطوع الذكر فقط وطلبت المرأة الفرقة (فرق القاضي بينهما في الحال ولم يؤجله)

(3/25)


والخصي يؤجل كما يؤجل العنين،
وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافرٌ عرض عليه القاضي الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى عن الإسلام فرق بينهما، وكان ذلك طلاقاً بائناً عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: هي فرقةٌ بغير طلاقٍ.
فإن أسلم الزوج وتحته مجوسيةٌ عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت فرق القاضي بينهما، ولم تكن هذه الفرقة طلاقاً، فإن كان قد دخل بها فلها المهر، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لعدم الفائدة فيه.
(والخصى) والذي سلت خصيتاه وبقيت آلته، إذا كانت لا تنتشر آلته (يؤجل كما يؤجل العنين) ؛ لاحتمال الانتشار والوصول.
(وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر) وهو يعقل الإسلام (عرض عليه القاضي الإسلام؛ فإن أسلم فهي امرأته) ؛ لعدم المنافي (وإن أبى عن الإسلام فرق) القاضي (بينهما) ؛ لعدم جواز بقاء المسلمة تحت الكافر (وكان ذلك) التفريق (طلاقاً بائناً عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: هي فرقة من غير طلاق) والصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ تصحيح. قيدنا بالذي يعقل الإسلام لأنه لو لم يعقل لصغره أو جنونه عرض الإسلام على أبويه فإن أسلم أحدهما وإلا فرق بينهما.
(وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض) القاضي (عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت) عن الإسلام (فرق القاضي بينهما) ، لأن نكاح المجوسية حرام ابتداء وبقاء (ولم تكن هذه الفرقة طلاقا) لأن الفرقة بسبب من قبلها والمرأة ليست بأهل للطلاق (فإن كان) الزوج (قد دخل بها فلها المهر) المسمى، لتأكده بالدخول، فلا يسقط بعد بالفرقة (وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها) لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول بها

(3/26)


وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب لم تقع الفرقة عليها حتى تحيض ثلاث حيضٍ، فإذا حاضت بانت من زوجها.
وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما.
وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلماً وقعت البينونة بينهما، وإن شبى أحدهما وقعت البينونة بينهما، وإن سبيا معاً لم تقع البينونة، وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرةً جاز لها أن تتزوج، ولا عدة عليها عند أبي حنيفة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب لم تقع الفرقة عليها) بمجرد الإسلام، بل (حتى) تنقضي عدتها: بأن (تحيض ثلاث حيض) إن كانت من ذوات الحيض، أو تمضي ثلاثة أشهر إن كانت من ذوات الأشهر، أو تضع حملها إن كانت حاملا، وذلك عدتها؛ لأن إسلامه مرجوٌ، والعرض عليه متعذر، فنزل منزلة الطلاق الرجعي (فإذا) انقضت عدتها بأن (حاضت) ثلاث حيض، أو مضت أشهرها، أو وضعت حملها (بانت من زوجها) ولا فرق في ذلك بين المدخولة وغيرها، ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا عدة عليها اتقافاً، وإن كانت بعده فكذلك عند أبي حنيفة، وعندهما لابد لها من عدة أخرى، وتمامه في معراج الدراية.
(وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما) ، لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء، فبقاء أولى.
(وإذا خرج أحد الزوجين إلينا) أي إلى دار الإسلام (من دار الحرب مسلماً وقعت البينونة بينهما) لتباين الدار (و) كذلك (إن سبى أحدهما وقعت البينونة بينهما) لما قلنا (وإن سبيا معاً لم تقع البينونة) بينهما؛ لعدم تباين الدار، وإنما حدث الرق، وهو غير منافٍ للنكاح (وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة) من دار الكفر (جاز لها أن تتزوج) حالاً (ولا عدة عليها عند أبي حنيفة) لقوله تعالى: {ولا تمسكوا

(3/27)


فإن كانت حاملاً لم تتزوج حتى تضع حملها،
وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بينهما بغير طلاقٍ، فإن كان الزوج هو المرتد وقد دخل بها فلها كمال المهر، وإن كان لم يدخل بها فلها نصف المهر، وإن كانت المرأة هي المرتدة قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كانت الردة بعد الدخول فلها المهر، وإن ارتدا معاً وأسلما فهما على نكاحهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعصم الكوافر} وفي لزوم العدة عليها تمسك بعصمته، وقالا: عليها العدة لأن الفرقة وقعت بعد الدخول بدار الإسلام، قال في التصحيح: والصحيح قوله، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ (وإن كانت) المهاجرة (حاملا لم تتزوج حتى تضع حملها) ، لأن الحمل ثابت النسب فيمنع صحة النكاح، قال في الهداية: وعن أبي حنيفة أنه يصح النكاح، ولا يقربها زوجها حتى تضع كما في الحبلى من الزنا، قال الإسبيجاني: والصحيح الأول.
(وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام) والعياذ بالله تعالى (وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة طلاقٍ، واعتمد قولهما المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، اهـ (فإن كان الزوج هو المرتد و) كان (قد دخل بها فلها كمال المهر) ؛ لأنه قد استقر بالدخول (وإن كان لم يدخل بها) بعد (فلها نصف المهر) ؛ لأنهما فرقة حصلت من الزوج قبل الدخول، وهي منصقةٌ (وإن كانت المرأة هي المرتدة) وكانت الردة (قبل الدخول فلا مهر لها) ؛ لأنها منعت المعقود عليه بالارتداد، فصارت كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض (وإن كانت الردة بعد الدخول) بها (فلها المهر) كاملا؛ لما مر أن الدخول في دار الإسلام لا يخلو عن عقر أو عقر (وإن ارتدا معاً) أو لم يعلم السبق (وأسلما معاً) كذلك (فهما على نكاحهما) استحساناً؛ لعدم اختلاف دينهما

(3/28)


ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمةً ولا كافرةً ولا مرتدةً، وكذلك المرتدة لا يتزوجها مسلمٌ ولا كافرٌ ولا مرتدٌ،
وإذا كان أحد الزوجين مسلماً فالولد على دينه، وكذلك إن أسلم أحدهما وله ولدٌ صغيرٌ صار ولده مسلماً بإسلامه، وإن كان أحد الأبوين كتابيا والآخر مجوسياً فالولد كتابيٌ.
وإذا تزوج الكافر بغير شهودٍ أو في عدة الكافر وذلك في دينهم جائزٌ ثم أسلما أقرا عليه، وإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته ثم أسلما فرق بينهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يجوز أن يتزوج) الرجل (المرتد) امرأة (مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة) لأنه مستحق للقتل، والإمهال إنما هو ضرورة التأمل (وكذلك المرتدة لا يتزوجها) أي لا يجوز أن يتزوجها (مسلم ولا كافر ولا مرتد) لأنها محبوسة للتأمل.
(وإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه) ؛ لأن في ذلك نظراً للولد، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه (وكذلك إن أسلم أحدهما وله ولد صغير) أو مجنون (صار ولده مسلماً بإسلامه) لما قلنا (وإن كان أحد الأبوين كتابيا و) كان (الآخر مجوسياً) أو وثنيا ونحوه (فالولد كتابي) ؛ لأن فيه نوع نظر؛ لأنه أقرب إلى الإسلام في الأحكام، كحل منالحته وذبيحته.
(وإن تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر، وذلك في دينهم جائز، ثم أسلما أقرا عليه) قال في زاد الفقهاء: أما قوله "في عدة الكافر" فهو قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد وزفر: لا يقران عليه، والصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. اهـ تصحيح. قيد بعدة الكافر لأنه لو كانت من مسلم فرق بينهما؛ لأن المسلم يعتقد العدة بخلاف الكافر (وإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته) أو غيرهما ممن لا يحل نكاحها (ثم أسلما) أو أحدهما أو ترافعا إلينا وهما على الكفر (فرق بينهما) ؛ لعدم المحلية؛ للمحرمية، وما يرجع إلى المحل

(3/29)


وإذا كانت للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما في القسم، بكرين كانت أو ثيبتين أو إحداهما بكراً والأخرى ثيباً، وإن كانت إحداهما حرةً والأخرى أمةً فللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث، ولا حق لهن في القسم حالة السفر، ويسافر الزوج بمن شاء منهن، والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها، وإن رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستوي فيه الابتداء والبقاء، بخلاف ما مر. درر.
(وإذا كان لرجل امرأتان حرتان) أو أمتان (فعليه أن يعدل بينهما في القسم) في البيتوتة والملبوس والمأكول والصحبة (بكرين كانت أو ثيبتين أو) كانت (إحداهما بكراً والأخرى ثيبا) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان ومال إلى أحدهما في القسم جاء يوم القيامة وشقه مائل) ولا فصل فيما رويناه، والقديمة والجديدة سواء؛ لإطلاق ما رويناه، ولأن القسم من حقوق النكاح، ولا تفاوت بينهن في ذلك، والاختيار في مقدار الدور إلى الزوج؛ لأن المستحق هو التسوية دون طريقها، والتسوية المستحقة في البيتوتة، لا في المجامعة؛ لأنها تبنى على النشاط هداية (وإن كانت إحداهما حرة و) كانت (الأخرى أمة فللحرة) : أي كان عليه للحرة (الثلثان من القسم، و) كان (للأمة الثلث) بذلك ورد الأثر، ولأن حق الأمة أنقص من حق الحرة، فلابد من إظهار النقصان في الحقوق. والمكاتبة والمدبرة وأم الولد بمنزلة الأمة، لأن الرق فيه قائم (ولا حق لهن) أي الزوجات (في القسم حالة السفر) دفعاً للحرج (فيسافر الزوج بمن شاء منهن) ، لأن له أن يستصحب واحدة منهن، فكان له أن يسافر بواحدة منهن (و) لكن (الأولى أن يقرع بينهن) تطييباً لخاطرهن (فيسافر بمن خرجت قرعتها) ولا يحسب عليها ليالي سفرها، ولكن يستقبل العدل بينهن (وإذا رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها) بالكسر - نوبتها

(3/30)


لصاحبتها جاز ولها أن ترجع في ذلك.