اللباب في شرح الكتاب

كتاب الرضاع.
- قليل الرضاع وكثيره سواء، إذا حصل في مدة الرضاع تعلق به التحريم، ومدة الرضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهراً، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: سنتان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(لصاحبتها جاز) ، لأنه حقها (ولها أن ترجع في ذلك) ؛ لأنها أسقطت حقاً لم يجب بعد، فلا يسقط، هداية.
كتاب الرضاع
مناسبته للنكاح ظاهرة.
وهو بالفتح والكسر لغة: المص، وشرعا: مص لبن آدمية في وقت مخصوص و (قليل الرضاع وكثيره) في الحكم (سواء، إذا حصل) ذلك (في مدة الرضاع تعلق به التحريم) ؛ لقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم - الآية} ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من غير فصل هداية (ومدة الرضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهراً) لأن الله تعالى ذكر شيئين (يشير إلى قوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} ) . وضرب لهما مدة، فكانت لكل واحدة منهما بكمالها كالأجل المضروب للدينين، إلا أنه قام المنقص في أحدهما، فبقي الثاني على ظاهره. هداية، ومشى على قوله المحبوبي والنسفي كما في التصحيح، وفي الجوهرة: وعليه الفتوى (وقالا: سنتان) لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر، فيقي للفصال حولان، قال في الفتح: وهو الأصح، وفي التصحيح عن العيون: وبقولهما نأخذ للفتوى، وهذا أولى، لأنه أجيب في شرح الهداية عما يستدل به على الزيادة على سنتين، وبعد الجواب قال: فكان الأصح قولهما، وهو مختار الطحاوي. اهـ. ثم الخلاف في التحريم، أما لزوم

(3/31)


فإذا مضت مدة الرضاع لم يتعلق بالرضاع تحريمٌ.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إلا أم أخته من الرضاع؛ فإنه يجوز أن يتزوجها. ولا يجوز أن يتزوج أم أخته من النسب، وأخت ابنه من الرضاع يجوز أن يتزوجها ولا يجوز أن يتزوج أخت ابنه من النسب، وامرأة ابنه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها، كما لا يجوز أن يتزوج امرأة ابنه من النسب، وامرأة أبيه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها، كما لا يجوز أن يتزوج امرأة أبيه من النسب ولبن الفحل يتعلق به التحريم، وهو: أن ترضع المرأة ضبية فتحرم هذه الصبية على زوجها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أجرة الرضاع للمطلقة فمقدر بالحولين بالإجماع كما في الدر.
(فإذا مضت مدة الرضاع) على الخلاف (لم يتعلق بالرضاع تحريم) ولو لم يفطم، كما أنه يثبت في المدة ولو بعد الفطام والاستغناء بالطعام على المذهب كما في البحر، وفي الهداية: ولا يعتبر الفطام قبل المدة إلا في رواية عن الإمام إذا استغنى عنه، اهـ.
(ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) للحديث المار (إلا أم أخته) أو أخيه (من الرضاع، فإنه يجوز أن يتزوجها، ولا يجوز) له (أن يتزوج أم أخته) أو أخيه (من النسب) ، لأنها تكون أمه، أو موطوءة أبيه، بخلاف الرضاع (و) إلا (أخت ابنه من الرضاع) ، فإنه (يجوز) له (أن يتزوجها، ولا يجوز) له (أن يتزوج أخت ابنه من النسب؛ لأنها تكون بنته أو ربيبته، بخلاف الرضاع) (وامرأة ابنه من الرضاع لا يجوز) له (أن يتزوجها كما لا يجوز) له (أن يتزوج امرأة ابنه من النسب) وذكر الأصلاب في النص (هو قوله تعالى كلمته: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} ) لإسقاط اعتبار التبني.
(ولبن الفحل) أي الرجل من زوجته المرضعة إذا كان لبنها منه (يتعلق به التحريم، وهو: أن ترضع المرأة صبية فتحرم هذه الصبية على زوجها) أي زوج

(3/32)


وعلى آبائه وأبنائه، ويصير الزوج الذي نزل منه اللبن أباً للمرضعة.
ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع، كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب، وذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أختٌ من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها.
وكل صبيتين اجتمعتا على ثدي واحدٍ لم يجز لأحدهما أن يتزوج بالآخر، ولا يجوز أن تتزوج المرضعة أحداً من ولد التي أرضعتها ولا ولد ولدها، ولا يتزوج الصبي المرضع أخت زوج المرضعة لأنها عمته من الرضاع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المرضعة (وعلى آبائه وآبنائه، ويصير الزوج الذي نزل منه اللبن) وذلك بالولادة منه (أبا للمرضعة) بالفتح - أي الصبية، كما أن المرضعة - بالكسر - أم لها. قيد بالذي نزل منه اللبن لأنه إذا لم يكن اللبن منه بأن تزوجت ذات لبنٍ رجلا فأرضعت صبيا فإنه لا يكون ولداً له من الرضاع، بل يكون ربيباً له من الرضاع، وابنا لصاحب اللبن.
(ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع، كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب، وذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أخت من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها) لأنه لا قرابة بينهما.
(وكل صبيتين اجتمعا على ثدي واحد) بأن رضعا منه وإن اختلف الزمن والأب (لم يجز لأحدهما أن يتزوج بالآخر) ، لأنهما أخوان (ولا يجوز أن تتزوج المرضعة) بفتح الضاد والرفع على الفاعلية - أي الصبية (أحداً) بالنصب على المفعولية وفي بعض النسخ "يتزوج المرضعة أحدا" بالرفع (من ولد التي أرضعتها) ؛ لأنهم أخواتها (ولا ولد ولدها) ، لأنهم أولاد إخوتها، وقد اختلف في إعراب قوله " ولد ولدها" فبعضهم رفعه، وبعضهم نصبه، وكان شيخ الإسلام الحارثي يقول: يجوز فيه الحركات الثلاث: أما الرفع فعطفا على "أحد" وأما النصب فعطفا على "المرضعة" وأما الجر فعطفا على "ولد" والرفع أظهر، كذا في التصحيح (ولا يتزوج الصبي المرضع أخت الزوج) أي زوج المرضعة (لأنها) أي أخت الزوج (عمته من الرضاع) لأن

(3/33)


وإذا اختلط اللبن بالماء واللبن هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب الماء لم يتعلق به التحريم، وإذا اختلط بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالباً عند أبي حنيفة، وإذا اختلط بالدواء وهو الغالب تعلق به التحريم.
وإذا حلب اللبن من المرأة بعد موتها فأوجر به الصبي تعلق به التحريم، وإذا اختلط اللبن بلبن شاةٍ واللبن هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلق به التحريم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الزوج أبوه من الرضاع كما مر.
(وإذا اختلط اللبن بالماء واللبن هو الغالب) على الماء (تعلق به التحريم وإن غلب الماء) على اللبن (لم يتعلق به التحريم) ؛ لأن المغلوب غير موجود حكما (وإذا اختلط) اللبن (بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالبا) على الطعام (عند أبي حنيفة) قال في الهداية: وقالا: إذا كان اللبن غالباً تعلق به التحريم، وقولهما فيما إذا لم يصبه النار، حتى لو طبخ بها لا يتعلق به التحريم في قولهما جميعاً، ولا يعتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده، وهو الصحيح، وقال قاضيخان: إنه الأصح، وهذا احتراز عن قول من قال من المشايخ: إن عدم إثبات الحرمة عنده إذا لم يكن متقاطراً عند رفع اللقمة، أما معه فيحرم اتفاقا، وقد رجحوا دليل الإمام، ومشى على قوله المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح (وإذا اختلط) اللبن (بالدواء و) كان اللبن (هو الغالب تعلق به التحريم) ، لأن اللبن يبقى مقصوداً فيه، إذ الدواء لتقويته على الوصول، هداية.
(وإذا حلب اللبن من المرأة بعد موتها فأوجر به الصبي) أي صب في حلقه ووصل إلى جوفه (تعلق به التحريم) ، لحصول معنى الرضاع، لأن اللبن بعد الموت على ما كان قبله (وإذا اختلط اللبن) من المرأة (بلبن الشاة واللبن) من المرأة (هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلق به التحريم) اعتباراً

(3/34)


وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأكثرهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: يتعلق بهما.
وإذا نزل للبكر لبنٌ فأرضعت به صبيا تعلق به التحريم، وإذا نزل للرجل لبنٌ فأرضع به صبياً لم يتعلق به التحريم.
وإذا شرب صبيان من لبن شاةٍ فلا رضاع بينهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للغالب كما في الماء.
(وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأكثرهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف) لأن الكل صار شيئاً واحداً، فيجعل الأقل تبعاً للأكثر في بناء الحكم عليه (وقال محمد: يتعلق بهما) لأن الجنس لا يغلب الجنس، فإن الشيء لا يصير مستهلكا في جنسه، لاتحاد المقصود، قال في الهداية: وعن أبي حنيفة في هذا روايتان، ومشى على قول أبي يوسف الإمام المحبوبي والنسفي، ورجح قول محمد الطحاوي، وفي شرح الهداية: ويميل كلام المصنف إلى ما قال محمد حيث أخر دليله، فإنه الظاهر من تأخر كلامه في المناظرة لأنه قاطع للآخر، وأصله أن السكوت ظاهر في الانقطاع، ورجح بعض المشايخ قول محمد أيضاً، وهو ظاهر. قلت: وقوله أحوط في باب المحرمات، كذا في التصحيح.
(وإذا نزل للبكر لبن فأرضعت صبيا تعلق به التحريم) ؛ لإطلاق النص؛ ولأنه سبب النشو، فيثبت به شبهة البعضية. هداية (وإذا نزل للرجل لبن فأرضع به صبيا لم يتعلق به التحريم) لأنه ليس بلبن على الحقيقة؛ لأن اللبن إنما يتصور ممن تتصور منه الولادة، وإذا نزل للخنثى لبن، فإن علم أنه امرأة تعلق به التحريم وإن علم أنه رجل لم يتعلق به التحريم، وإن أشكل: إن قال النساء إنه لا يكون على غزارته إلا لامرأة تعلق به التحريم، احتياطا، وإن لم يقلن ذلك لا يتعلق به التحريم، وإذا جبن لبن امرأة وأطعم الصبي تعلق به التحريم، كذا في الجوهرة.
(وإذا شرب صبيان من لبن شاة فلا رضاع بينهما) لأنه لا جزئية بين الآدمي والبهائم، والحرمة باعتبارها

(3/35)


وإذا تزوج الرجل صغيرةً وكبيرةً فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج، فإن كان لم يدخل بالكبيرة فلا مهر لها، وللصغيرة نصف المهر، ويرجع به الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد، وإن لم تتعمد فلا شيء عليها.
ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء منفرداتٍ، وإنما يثبت بشهادة رجلين أو رجلٍ وامرأتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا تزوج الرجل صغيرة وكبيرة فأرضعت) الزوجة (الكبيرة الصغيرة حرمتا) كلتاهما (على الزوج) أبدا إن كان دخل بالكبيرة، وإلا جاز له تزوج الصغيرة ثانياً، ثم (فإن كان لم يدخل بالكبيرة فلا مهر لها) ؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها (و) كان على الزوج (للصغيرة نصف المهر) لأن الفرقة وقعت لا من جهتها؛ والارتضاع وإن كان فعلا منها لكن فعلها غير معتبر في إسقاط حقها كما إذا قتلت مورثها، هداية (ويرجع به الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد) : بأن كانت عاقلة طائعة متيقظة عالمة بالنكاح وبإفساد الإرضاع، ولم تقصد دفع جوع أو هلاك كما في الدرر (وإن لم تتعمد فلا شيء عليها) ؛ لأن السبب يشترط فيه التعدي، والقول لها إن لم يظهر منها تعمد الفساد. در عن المعراج.
(ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء منفردات) لأن شهادة النساء ضرورية فيما لا إطلاع للرجال عليه، والرضاع ليس كذلك (وإنما يثبت) بما يثبت به المال، وذلك (بشهادة رجلين) عدلين أو مستورين (أو رجل وامرأتين) كذلك، لما فيه من إبطال الملك، وهو لا يثبت إلا بحجة، فإذا قامت الحجة فرق بينهما، ولا تقع الفرقة إلا بتفريق القاضي، لتضمنها إبطال حق العبد، ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا مهر لها، وإن بعده كان لها الأقل من المسمى ومهر المثل، وليس لها في العدة نفقة ولا سكنى، كما في الجوهرة

(3/36)