اللباب في شرح الكتاب

كتاب الطلاق.
- الطلاق على ثلاثة أوجه: أحسن الطلاق، وطلاق السنة، وطلاق البدعة؛ فأحسن الطلاق: أن يطلق الرجل امرأته تطليقةً واحدةً في طهرٍ لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها. وطلاق السنة: أن يطلق المدخول بها ثلاثاً في ثلاثة أطهار، وطلاق البدعة: أن يطلقها ثلاثاً بكلمةٍ واحدةٍ، أو ثلاثاً في طهرٍ واحدٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الطلاق
مناسبته للرضاع هو أن كلا منهما محرمٌ.
وهو لغة: رفع القيد، لكن جعلوه في المرأة طلاقاً، وفي غيرها إطلاقاً، ولذا كان "أنت مطلقة" بالتشديد صريحاً، و"مطلقة" بالتخفيف كناية.
وشرعاً: رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص.
وأقسامه ثلاثة كما صرح به المصنف بقوله: (الطلاق على ثلاثة أوجه: أحسن الطلاق، وطلاق السنة، وطلاق البدعة) وجعله الكرخي على ضربين: طلاق السنة، وطلاق البدعة (فأحسن الطلاق) بالنسبة إلى بقية أقسامه (أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة) رجعية كما في ظاهر الرواية، وفي زيادات الزيادات: البائن والرجعي سواء، كذا في التصحيح (في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها) لأنه أبعد من الندامة؛ لتمكنه من التدارك، وأقل ضرراً بالمرأة (وطلاق السنة: أن يطلق المدخول بها ثلاثاً في ثلاثة أطهار) في كل طهر تطليقة، ثم قيل: الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، احترازاً عن تطويل العدة، والأظهر أن يطلقها كما طهرت، لأنه لو أخر ربما يجامعها، ومن قصده التطليق، فيبتلى بالإيقاع عقب الوقاع. هداية (وطلاق البدعة: أن يطلقها ثلاثاً) أو اثنتين (بكلمة واحدة، أو) يطلقها (ثلاثا) أو اثنتين (في طهر واحد) ، لأن الأصل في الطلاق الحظر، لما فيه

(3/37)


فإذا فعل ذلك وقع الطلاق، وبانت منه، وكان عاصياً. والسنة في الطلاق وجهين: سنةٌ في الوقت، وسنة في العدد، فالسنة في العدد يستوي فيها للمدخول بها وغير المدخول بها، والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصةً، وهو: أن يطلقها في طهرٍ لم يجامعها فيه، وغير المدخول بها يطلقها في حال الطهر والحيض، وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغرٍ أو كبرٍ فأراد أن يطلقها للسنة طلقها واحدةً، فإذا مضى شهرٌ طلقها أخرى، فإذا مضى شهرٌ آخر طلقها أخرى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية، والإباحة إنما هي للحاجة إلى الخلاص، ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث أو في طهر واحد؛ لأن الحاجة تندفع بالواحدة، وتمام الخلاص في المفرق على الأطهار، فالزيادة إسراف، فكان بدعة] .
(فإذا فعل ذلك وقع الطلاق، وبانت) المرأة (منه، وكان عاصياً) ، لأن النهي لمعنى في غيره، فلا يعدم المشروعية (والسنة في الطلاق من وجهين: سنة في الوقت) بأن تكون طاهرة (وسنة في العدد) بأن تكون واحدة (فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها) ، لأن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة إنما منع منه خوفا من الندم، وهو موجود في غير المدخول بها (والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة، وهو: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه) ، لأن المراعي دليل الحاجة، وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع، أما زمان الحيض فزمان النقرة، وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة (وغير المدخول بها يطلقها في حال الطهر والحيض) ، لأن الرغبة بها صدقة في كل حال، ولا عدة عليها فتتضرر بطولها (وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو كبر فأراد أن يطلقها للسنة طلقها واحدة) وتركها حتى يمضي شهر (فإذا مضى شهر طلقها) طلقة (أخرى) وتركها أيضاً حتى يمضي شهر آخر (فإذا مضى شهر آخر طلقها) طلقة (أخرى) فتصير ثلاث طلقات في ثلاثة أشهر؛

(3/38)


ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمانٍ. وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، ويطلقها للسنة ثلاثاً يفصل بين كل تطليقتين بشهرٍ عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمدٌ: لا يطلقها للسنة إلا واحدةً، وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع الطلاق، ويستحب له أن يراجعها، وإن شاء أمسكها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض، ثم إن كان الطلاق في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة، وإن كان في وسطه فبالأيام في حق التفريق، وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة، وعندهما يكمل الأول بالأخير، والمتوسطان بالأهلة وهي مسألة الإجارات. هداية.
(ويجوز أن يطلقها) : أي من لا تحيض (ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمان) لأن الكراهية فيمن تحيض لتوهم الحبل، وهو مفقود هنا (وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع) لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة، وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء (ويطلقها) : أي الحامل (للسنة ثلاثاً) في ثلاثة أشهر، كما في ذوات الأشهر (يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ، لأن الإباحة لعلة الحاجة، والشهر دليلها كما في حق الآيسة والصغيرة (وقال محمد) وزفر: (لا يطلقها للسنة إلا واحدة) ، لأن الأصل في الطلاق الحظر، وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة، والشهر في حق الحامل ليس من فصولها، فصارت كالممتد طهرها، واعتمد قول الأولين المحبوبي والنسفي والموصلي وغيرهم كما هو الرسم اهـ تصحيح.
(وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع الطلاق) ؛ لأن النهي عنه لمعنى في غيره، فلا تنعدم مشروعيتة (و) لكن (يستحب له أن يراجعها) قال نجم الأئمة في الشرح: استحباب المراجعة قول بعض المشايخ، والأصح أنه واجب عملا بحقيقة الأمر (هو قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في شأن ابنه "مره فليراجعها") ورفعا للمعصية بالقدر الممكن، ومثله في الهداية، وقال برهان

(3/39)


فإذا طهرت وحاضت وطهرت فهو مخيرٌ: إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها.
ويقع الطلاق كل زوج إذا كان عاقلاً بالغاً، ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم، وإذا تزوج العبد ثم طلق وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته.
والطلاق على ضربين: صريحٍ، وكنايةٍ، فالصريح قوله: أنت طالقٌ، ومطلقةٌ، وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأئمة المحبوبي: وتجب رجعتها في الأصح، كذا في التصحيح.
(فإذا طهرت) من حيضها الذي طلقها وراجعها فيه (وحاضت) حيضا آخر (وطهرت) منه (فهو) : أي الزوج (مخير: إن شاء طلقها) ثانيا (وإن شاء أمسكها) قال في الهداية: وهكذا ذكر في الأصل، وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة، قال أبو الحسن الكرخي: ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة، وما ذكر في الأصل قولهما. اهـ.
وفي التصحيح: قال الكرخي: هذا قولهما، وقول أبي حنيفة له أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها وراجعها فيه، وقال في الكافي: المذكور في الكتاب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، والذي ذكره الكرخي رواية عن أبي حنيفة. اهـ.
(ويقع طلاق كل زوج إذا كان بالغاً عاقلا) ولو مكرها أو سكران بمحظور (ولا يقع طلاق الصبي) ولو مراهقا أو أجازه بعد البلوغ، أما لو قال " أوقعته" وقع لأنه ابتداء إيقاع (و) لا طلاق (المجنون) إلا إذا علق عاقلا ثم جن فوجد الشرط، أو كان عنيناً أو مجبوبا وأسلمت امرأته وهو كافر وأبى أبواه الإسلام كما في الأشباه (و) لا طلاق (النائم) لعدم الاختيار، وكذا المغمى عليه، ولو استيقظ وقال "أجزت ذلك الطلاق" أو "أوقعته" لا يقع، لأنه أعاد الضمير إلى غير معتبر. جوهرة (وإذا تزوج العبد وطلق وقع طلاقه) لأن ملك النكاح حقه فيكون الإسقاط إليه (ولا يقع طلاق مولاه على امرأته) : أي امرأة العبد، لأنه لا حق له في نكاحه.
(والطلاق على ضربين: صريح، وكناية، فالصريح) مالم يستعمل إلا فيه وهو (قوله: أنت طالق، ومطلقة) بتشديد اللام (وقد طلقتك، فهذا) المذكور (يقع به بالطلاق الرجعي) لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق، ولا تستعمل في غيره فكان

(3/40)


ولا يقع به إلا واحدةٌ وإن نوى أكثر من ذلك، ولا يفتقر إلى النية.
وقوله: أنت الطلاق، أو أنت طالقٌ الطلاق، أو أنت طالقٌ طلاقاً، فإن لم تكن له نيةٌ فهي واحدةٌ رجعيةٌ، وإن نوى به ثلاثاً كان ثلاثاً.
والضرب الثاني: الكنايات، ولا يقع بها الطلاق إلا بنيةٍ أو دلالةٍ حالٍ. وهي على ضربين منها ثلاثة ألفاظٍ يقع بها الطلاق الرجعي ولا يقع بها إلا واحدةٌ، وهي قوله: اعتدى، واستبرئي رحمك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صريحاً، وإنه يعقب الرجعة بالنص، ولا يفتقر إلى النية لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال هداية.
(ولا يقع به إلا واحدة) رجعية (وإن نوى أكثر من ذلك) أي: أكثر من الواحدة الرجعية؛ فيشمل الواحدة البائنة، والأكثر من الواحدة، لأنه نعت فرد حتى قيل للمثنى: طالقان، وللثلاث: طوالق، فلا يحتمل العدد، لأنه ضده، والعدد الذي يقرن به نعت لمصدر محذوف معناه طلاقاً ثلاثاً، هداية. ومجرد النية من غير لفظ دال لا عبرة بها (ولا يفتقر إلى النية) لأن النية لتعيين المحتمل، وهذا مستعمل في خاص (وقوله أنت الطلاق) أو طلاق (أو أنت طالق الطلاق، أو أنت طالق طلاقاً، فإن لم تكن له نية) أو نوى واحدة أو اثنتين (فهي واحدة رجعية) ، لأنه مصدر صريح لا يحتمل العدد (وإن نوى به ثلاثاً كان ثلاثا) ، لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة، فيتناول الأدنى مع احتمال الكل، ويتعين بالنية.
(والضرب الثاني الكنايات) وهي: مالم يوضع له واحتمله وغيره (ولا يقع بها الطلاق إلا بنية أو دلالة حال) من مذاكرة الطلاق، أو وجود الغضب لأنها غير موضوعة للطلاق، بل تحتمله وغيره، فلابد من التعيين أو دلالته، لأن الطلاق لا يقع بالاحتمال (وهي) : أي ألفاظ الكنايات (على ضربين: منها ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي) إذا نوى الطلاق (ولا يقع بها إلا طلقة واحدة، وهي: قوله اعتدى) لاحتمال أنه أراد اعتدى نعم الله تعالى، أو نعمى عليك، أو اعتدى من النكاح فإذا نوى الاعتداد من النكاح زال الإبهام ووجب بها الطلاق اقتضاء، كأنه قال: طلقتك، أو أنت طالق فاعتدى (و) كذا (استبرئي رحمك) ، فإنه

(3/41)


وأنت واحدةٌ، وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدةً بائنةً، وإن نوى بها ثلاثاً كانت ثلاثاً، وإن نوى اثنتين كانت واحدةً، وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستعمل بمعنى الاعتداد؛ لأنه تصريح بما هو المقصود بالعدة، فكان بمنزلته، ويحتمل الاستبراء ليطلقها حال فراغ رحمها. أي تعرفي رحمك لأطلقك.
(وأنت واحدة) لاحتمال أنه أراد أنت واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس لي معك غيرك أو نعتاً لمصدر محذوف: أي أنت طالق تطليقة واحدة، فإذا نواه جعل كأنه قاله، قال في الهداية: ولما احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغيره تحتاج فيه إلى النية، ولا يقع إلا واحدة لأن قوله "أنت طالق" فيها مقتضى مضمر ولو كان مظهراً لا يقع به إلا واحدة فإذا كان مضمر أولى، ثم قال: ولا معتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ، وهو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب اهـ، وقوله "فيها مقتضى أو مضمر" يعني أن ثبوت الطلاق بهذه الألفاظ إما بطريق الاقتضاء كما في "اعتدي واستبرئي رحمك" لأن الطلاق ثبت شرعاً لا لغة، وإما بطريق الإضمار كما في قوله " أنت واحدة"؛ لأنه لما زال الإبهام بنية الطلاق ثبت الطلاق لغة على أنه مضمر فيه بحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وهذا سائغ في كلامهم، وقوله "ولا معتبر بإعراب الواحدة - الخ" احتراز عما قبل إن رفع واحدة لا يقع به شيء، لأنه صفة للمرأة، وإن نصبها وقعت واحدة لأنها صفة للمصدر، وإن سكن اعتبرت نيته كما في غاية البيان، وتمامه فيها (وبقية الكنايات) أي ما سوى الألفاظ الثلاثة المذكورة (إذا نوى بها الطلاق كانت) طلقة (واحدة بائنة) لأنها ليست كناية عن مجرد الطلاق، بل عن الطلاق على وجه البينونة؛ لأنها عوامل في حقائقها، واشترط النية لتعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق (وإن نوى) طلاقا (ثلاثاً كانت ثلاثاً) ؛ لأن البينونة نوعان: مغلظة وهي الثلاث، ومخففة وهي الواحدة، فأيهما نوى وقعت لاحتمال اللفظ (وإن نوى اثنتين كانت) طلقة (واحدة) لأن الثنتين عدد محض، ولا دلالة عليه؛ فيثبت أدنى البينونتين وهي الواحدة (وهذا

(3/42)


مثل قوله: أنت بائنٌ، وبتةٌ، وبتلةٌ، وحرامٌ، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، وخليةٌ، وبريةٌ، ووهبتك لأهلك، وسرحتك، وفارقتك، وأنت حرةٌ، وتقنعي، وتخمري، واستتري، واعزبي، واغربي، وابتغي الأزواج، فإن لم يكن له نية لم يقع بهذه الألفاظ طلاقٌ، إلا أن يكونا في مذاكرة الطلاق، فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه، وإن لم يكونا في مذاكرة الطلاق وكانا في غضبٍ أو خصومةٍ وقع الطلاق بكل لفظٍ لا يقصد به السب والشتيمة، ولم يقع بما يقصد به السب والشتيمة إلا أن ينويه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مثل قوله) لامرأته: (أنت بائن) أو (وبتة) أو (وبتلة) أو (وحرام) أو (وحبلك على غاربك) أو (والحقي) بالوصل والقطع (بأهلك) أو (وخلية) أو (وبرية) أو (وهبتك لأهلك) أو (وسرحتك) أو (وفارقتك) أو (وأنت حرة) أو (وتقنعي) أو (وتخمري) أو (واستتري) أو (واغربي) بمعجمة فمهملة، من الغربة وهي البعد، أو (واعزبي) بمهملة فمعجمة، من العزوبة وهي عدم الزواج، أو اخرجي، أو اذهبي، أو قومي، أو (وابتغي الأزواج) أو نحو ذلك (فإن لم تكن له نية لم يقع بهذه الألفاظ طلاق) ؛ لأنها تحتمله وغيره، والطلاق لا يقع بالاحتمال (إلا أن يكونا) : أي الزوجان (في مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق) أي ببعضها، وهو: كل لفظ لا يصلح رداً لقولها وهذا (في القضاء) ؛ لأن الظاهر أن مراده الطلاق، والقاضي إنما يقضي بالظاهر (ولا يقع) فيما يصلح ردا لقولها، لاحتمال إرادة الرد وهو الأدنى فيحمل عليه، ولا (فيما بينه وبين الله تعالى) في الجميع (لا أن ينويه) ؛ لأنه يحتمل غيره (وإن لم يكونا في مذاكرة الطلاق، و) لكن (كانا في غضب أو خصومة وقع الطلاق) قضاء أيضا (بكل لفظ لا يقصد به السب والشتيمة) ، لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق (ولم يقع بما يقصد به السب والشتيمة إلا أن ينويه) ، لأن الحال يدل على إرادة السب والشتيمة، وبيان ذلك أن الأحوال ثلاثة: حال مطلقة وهي حالة الرضا، وحالة مذاكرة

(3/43)


وإذا وصف الطلاق بضرب من الزيادة والشدة كان بائناً، مثل أن يقول: أنت طالقٌ بائنٌ، أو طالقٌ أشد الطلاق، أو أفحش الطلاق، أو طلاق الشيطان والبدعة، وكالجبل، وملء البيت.
وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الطلاق، وحالة الغضب، والكنايات ثلاثة أقسام: قسم منها يصلح جوابا ولا يصلح رداً ولا شتما، وهي ثلاثة ألفاظ: أمرك بيدك، اختاري، اعتدي، ومرادفها، وقسم يصلح جوابا وشتما ولا يصلح رداً، وهي خمسة ألفاظ: خلية، برية، بتة، بائن، حرام، ومرادفها، وقسم يصلح جوابا ورداً ولا يصلح سباً وشتما؛ وهي خمسة أيضا: اخرجي، اذهبي، اغربي، قومي، تقنعي، ومرادفها، ففي حالة الرضا لا يقع الطلاق بشيء منها إلا بالنية، والقول قوله في عدم النية، وفي حالة مذاكرة الطلاق يقع بكل لفظ لا يصلح للرد وهو القسم الأول والثاني، وفي حالة الغضب لا يقع بكل لفظ يصلح للسب والرد وهو القسم الثاني والثالث، ويقع بكل لفظ لا يصلح لهما بل للجواب فقط وهو القسم الأول. كما في الإيضاح.
(وإذا وصف الطلاق بضرب من الزيادة والشدة كان) الطلاق (بائناً) ، لأن الطلاق يقع بمجرد اللفظ، فإذا وصفه بزيادة وشدة أفاد معنى ليس في لفظه، وذلك (مثل أن يقول: أنت طالق بائن؛ أو طالق أشد الطلاق) أو (أفحش الطلاق) أو أشره أو أخبثه أو (وطلاق الشيطان) أو (البدعة) أو (كالجبل) أو (ملء البيت) أو عريضة، أو طويلة. لأن الطلاق إنما يوصف بهذه الصفة باعتبار أثره، وهي البينونة في الحال، فتقع واحدة بائنة إذا لم يكن له نية، أو نوى ثنتين في غير الأمة، أما إذا نوى الثلاث فثلاث، لما مر من قبل، ولو عنى بقوله "أنت طالق" واحدة، وبقوله "بائن" أو "البتة" أخرى يقع تطليقتان بائنتان، لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع، هداية.
(وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق)

(3/44)


مثل أن يقول: أنت طالق، أو رقبتك طالقٌ، أو عنقك طالقٌ، أو روحك طالقٌ، أو بدنك، أو جسدك، أو فرجك، أو وجهك.
وكذلك إن طلق جزءاً شائعاً منها، مثل أن يقول: نصفك، أو ثلثك وإن قال: يدك - أو رجلك - طالقٌ؛ لم يقع الطلاق.
وإن طلقها نصف تطليقةٍ أو ثلث تطليقةٍ كانت طلقةً واحدةً.
وطلاق المكره والسكران واقعٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك (مثل أن يقول) لها: (أنت طالق، أو رقبتك طالق، أو عنقك طالق، أو روحك طالق، أو جسدك، أو بدنك، أو فرجك، أو وجهك) أو رأسك، لأن هذه الأشياء يعبر بها عن الجملة؛ فكان بمنزلة قوله أنت طالق (وكذلك إن طلق جزءا شائعاً) منها، وذلك (مثل أن يقول) لها: (نصفك أو ثلثك طالق) ، لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره، فكذا يكون محلا للطلاق، إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق فيثبت في الكل ضرورة (وإن قال: يدك أو رجلك طالق لم يقع الطلاق) ، لإضافته إلى غير محله؛ فيلغو كما إذا أضافه إلى ريقها أو إلى ظفرها، واختلفوا في البطن والظهر، والأظهر أنه لا يعبر بهما عن جميع البدن، هداية.
(وإن طلقها نصف تطليقة أو ثلث تطليقة كانت طلقة واحدة) ، لأن الطلاق لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل.
(وطلاق المكره والسكران واقع) قال في الينابيع: يريد بالسكران الذي سكر بالخمر أو بالنبيذ أما إذا سكر بالبنج أو من الدواء لا يقع طلاقه بالإجماع، قال في الجوهرة: وفي هذا الزمان إذا سكر بالبنج يقع طلاقه زجراً عليه، وعليه الفتوى، ثم الطلاق بالسكر من الخمر واقع سواء شربها طوعا أو كرهاً أو مضطرا، قاله الزاهدي، كذا في التصحيح

(3/45)


ويقع طلاق الأخرس بالإشارة.
وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول: إن تزوجتك فأنت طالقٌ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالقٌ، وإن أضافه إلى شرطٍ وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالقٌ.
ولا يصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكاً أو يضيفه إلى ملكٍ وإن قال لأجنبيةٍ " إن دخلت الدار فأنت طالقٌ" ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويقع طلاق الأخرس بالإشارة) المعهودة له، لأنها قائمة مقام عبارته دفعاً للحاجة، (وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع) الطلاق (عقيب النكاح) وذلك (مثل أن يقول) لأجنبية: (إن تزوجتك فأنت طالق، أو) يقول: (كل امرأة أتزوجها فهي طالق) فإذا تزوجها طلقت، ووجب لها نصف المهر، فإن دخل بها وجب لها مهر مثلها، ولا يجب الحد، لوجود الشبهة، ثم إذا تزوجها لا تطلق ثانياً لأن "إن" لا توجب التكرار، وأما " كل" فإنها توجب تكرار الأفراد دون الأفعال، حتى لو تزوج امرأة أخرى تطلق (وإذا أضافه) أي الطلاق (إلى) وجود (شرط وقع عقيب) وجود (الشرط) وذلك (مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق) ، وهذا بالاتفاق، لأن الملك قائم في الحال، والظاهر بقاؤه إلى وقت الشرط، ويصير عند وجود الشرط كالمتكلم بالطلاق في ذلك الوقت. (ولا يصح إضافة الطلاق) أي تعليقه (إلا أن يكون الحالف مالكا) للطلاق حين الحلف، كقوله لمنكوحته: إن دخلت الدار فأنت طالق (أو يضيفه إلى ملك) ، كقوله الأجنبية: إن نكحتك فأنت طالق (وإن) لم يكن مالكا للطلاق حين الحلف ولم يضفه إلى ملك بأن (قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق) ، لعدم الملك حين الحلف والإضافة إليه، ولابد من واحد منهما

(3/46)


وألفاظ الشرط: إن، وإذا، وكل، وكلما، ومتى، ومتى ما، ففي كل هذه الشروط إذا وجد الشرط انحلت اليمين، إلا في كلما، فإن الطلاق يتكرر بتكرار الشرط حتى يقع ثلاث تطليقاتٍ، فإن تزوجها بعد ذلك وتكرر الشرط لم يقع شيءٌ، وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها. فإن وجد في ملكه انحلت اليمين ووقع الطلاق. وإن وجد في غير ملكه انحلت اليمين ولم يقع شيء، وإذا اختلفا في وجود الشرط فالقول قول الزوج فيه، إلا أن تقيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وألفاظ الشرط: إن) بكسر الهمزة (وإذا، وإذ ما، وكل) وهذا ليس بشرط حقيقة، لأن ما يليها اسم، والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، لكنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها، كقولك: كل امرأة أتزوجها فكذا، درر (وكلما، ومتى، ومتى ما) ونحو ذلك، كلو، نحو: أنت كذا لو دخلت الدار (ففي كل هذه الشروط إذا وجد الشرط انحلت اليمين) ، لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار، فبوجود الفعل مرة يتم الشرط، ولا بقاء لليمين بدونه (إلا في كلما فإن الطلاق يتكرر بتكرار الشرط) لأنها تقتضي تعميم الأفعال، ومن ضرورة التعميم التكرار (حتى يقع ثلاث تطليقات) ، وينتهي الحل بزوال المحلية (فإن تزوجها بعد ذلك وتكرر الشرط لم يقع شيء) ، لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء وبقاء اليمين به وبالشرط، وفيه خلاف زفر. هداية (وزوال الملك) بطلقة أو اثنتين (بعد اليمين لا يبطلها) : أي لا يبطل اليمين، لأنه لا يوجد الشرط فبقي، والجزاء باق لبقاء محله، فبقي اليمين. قيدنا زوال الملك بالطلقة أو الثنتين لأنه إذا زال بثلاث طلقات فإنه يبطل اليمين، لزوال المحلية (فإن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين) لوجود الشرط (ووقع الطلاق) لوجود المحلية (وإن وجد) الشرط (في غير ملكه انحلت اليمين) أيضاً، لوجود الشرط (ولم يقع شيء) لعدم المحلية (وإذا اختلفا) : أي الزوجان (في وجود الشرط) وعدمه (فالقول قول الزوج فيه) لتمسكه بالأصل، وهو عدم الشرط (إلا أن تقيم)

(3/47)


البينة فإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها مثل أن يقول: إن حضت فأنت طالقٌ، فقالت: قد حضت، طلقت.
وإذا قال: إذا حضت فأنت طالقٌ وفلانة، فقالت: قد حضت، طلقت هي ولم تطلق فلانة، وإذا قال لها: إذا حضت فأنت طالقٌ، فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر ثلاثة أيام، فإذا تمت ثلاثة أيامٍ حكمنا بوقوع الطلاق من حين حاضت، وإذا قال لها: إذا حضت حيضةً فأنت طالقٌ، لم تطلق حتى تطهر من حيضها.
وطلاق الأمة تطليقتان، حرا كان زوجها أو عبداً، وطلاق الحرة ثلاثٌ، حراً كان زوجها أو عبداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المرأة (البينة) لأنها مدعية.
(فإن كان الشرط) لا يطلع عليه غيرها و (لا يعلم إلا من جهتها فالقول) فيه (قولها) لكن (في حق نفسها) فقط وذلك (مثل أن يقول) لها: (إن حضت فأنت طالق، فقالت: قد حضت: طلقت) استحساناً، لأنها أمينة في حق نفسها حيث لا يوقف عليه إلا من جهتها كما في انقضاء العدة (وإذا قال) لها (إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت: قد حضت، طلقت هي) فقط (ولم تطلق فلانة) لأنها في حق الغير كالمدعية، فصارت كأحد الورثة إذا أقر بدين على الميت قبل قوله في حصته ولم يقبل في حق بقية الورثة (وإذا قال لها) أي لزوجته: (إن حضت فأنت طالق فرأت الدم لم يقع الطلاق) عليها حالا، بل (حتى يستمر ثلاثة أيام) ، لاحتمال انقطاعه دونها فلا يكون حيضاً (فإذا تمت لها ثلاثة أيام حكمنا بوقوع الطلاق من حين حاضت) لأنه بالامتداد عرف أنه من الرحم فكان حيضاً من الابتداء (وإذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها) ؛ لأن الحيضة بالهاء هي الكاملة منها، ولهذا حمل عليه حديث الاستبراء، وكما لها بانتهائها، وذلك بالطهر، هداية.
(وطلاق الأمة تطليقتان، حرا كان زوجها أو عبداً، وطلاق الحرة ثلاث، حرا كان زوجها أو عبداً) والأصل في هذا الطلاق والعدة عندنا معتبران بالنساء، لأن حل المحلية نعمة في حقها، والرق أثر في تصنيف النعم، إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكاملت عقدين

(3/48)


وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها ثلاثاً وقعن عليها، فإن فرق الطلاق بانت بالأولى ولم تقع الثانية، وإذا قال لها أنت طالقٌ واحدةً وواحدةً وقعت عليها واحدةٌ. وإن قال لها أنت طالقٌ واحدةً قبل واحدةٍ وقعت واحدةٌ، وإن قال لها واحدةً قبلها واحدةٌ وقعت ثنتان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها) والخلوة (ثلاثاً) جملة (وقعن عليها) ؛ لأن الواقع مصدر محذوف، لأن معناه طلاقا ثلاثا على ما بينا فلم يكن قوله أنت طالق إيقاعا على حدةٍ فيقعن جملة، هداية (فإن فرق الطلاق) كأن يقول لها: أنت طالق طالق طالق (بانت بالأولى ولم تقع الثانية) ، لأن كل واحدة إيقاع على حدة، وليس عليها عدة، فإذا بانت بالأولى صادفها الثاني وهي أجنبية (وإن قال لها أنت طالق واحدة وواحدة وقعت عليها) طلقة (واحدة) لما ذكرنا أنها بانت بالأولى، فلم تقع الثانية (وإن قال لها أنت طالق واحدة قبل واحدة وقعت) عليها (واحدة) والأصل في ذلك أن الملفوظ به أولا إن كان موقعاً أولاً وقعت واحدة، وإن كان الملفوظ به أولا موقعاً آخرا وقعت ثنتان، لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال، لأن الإسناد ليس في وسعه فيقترنان فإذا ثبت هذا فقوله: " أنت طالق واحدة قبل واحدة" الملفوظ به أولا موقع أولا، فتقع الأولى لا غير، لأنه أوقع واحدة وأخبر أنها قبل أخرى ستقع، وقد بانت بهذه، فلعنت الثانية (و) كذا (إن قال لها واحدة بعدها واحدة وقعت واحدة) أيضا، لأن الملفوظ به أولا موقع أولا فتقع الأولى لا غير، لأنه أوقع واحدة، وأخبر أن بعدها أخرى ستقع (وإن قال لها) : أنت طالق (واحدة قبلها واحدة وقعت ثنتان) لأن الملفوظ به أولا موقع آخراً، لأنه أوقع واحدة وأخبر أن قبلها واحدة سابقة؛ فوقعتا معاً، لما تقدم أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال (و) كذا (إن قال واحدة بعد واحدة، أو مع واحدة، أو معها واحدة - وقعت ثنتان) أيضا، لأنه في الأولى أوقع واحدة وأخبر أنها بعد واحدة

(3/49)


وإن قال واحدةً بعدها واحدةٌ وقعت واحدةٌ، وإن قال لها واحدةً بعد واحدةٍ أو مع واحدةٍ أو معها واحدةٌ وقعت ثنتان، وإذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالقٌ واحدةً وواحدةً، فدخلت الدار وقعت عليها واحدةٌ عند أبي حنيفة. وإذا قال لها أنت طالقٌ بمكة فهي طالقٌ في كل البلاد. وكذلك إذا قال أنت طالقٌ في الدار، وإن قال لها أنت طالقٌ إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة، وإن قال لها أنت طالقٌ غداً وقع الطلاق عليها بطلوع الفجر.
وإذا قال لامرأته " اختاري نفسك" ينوي بذلك الطلاق، أو قال لها " طلقي نفسك" فلها أن تطلق نفسها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سابقة فاقترنتا، وفي الثانية والثالثة " مع" للمقارنة، فكأنه قرن بينهما فوقعتا.
(وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة) بتقديم الشرط (فدخلت الدار وقعت عليها واحدة عند أبي حنيفة) وعندهما ثنتان، وإن أخر الشرط يقع ثنتان اتفاقا؛ لأن الشرط إذا تأخر بغير صدر الكلام فيتوقف عليه فيقعن جملة، ولا مغير فيما إذا تقدم الشرط فلم يتوقف ولو عطف بحرف الفاء فهو على هذا الخلاف فيما ذكر الكرخي، وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق، لأن الفاء للتعقيب، وهو الأصح، هداية (وإذا قال لها أنت طالق بمكة) أو في مكة (فهي طالق) في الحال (في كل البلاد،) كذلك (إذا قال أنت طالق في الدار) ؛ لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان، وإن عنى به إذا أتيت مكة يصدق ديانة لا قضاء؛ لأنه نوى الإضمار، وهو خلاف الظاهر، هداية (وإن قال أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة) ؛ لأنه علقه بالدخول، ولو قال "في دخولك الدار) يتعلق بالفعل؛ لمقاربة بين الشرط والظرف فحمل عليه عند تعذر الظرف هداية (وإن قال لها أنت طالق غداً وقع الطلاق عليها بطلوع الفجر) ؛ لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أول جزء منه، ولو نوى آخر النهار صدق ديانة لا قضاء؛ لأنه نوى التخصيص في العموم، وهو يحتمله مخالفاً للظاهر. هداية.
(وإن قال لامرأته اختاري نفسك ينوي بذلك الطلاق) قيد بنية الطلاق لأنه من الكنايات؛ فلا يعمل إلا بالنية (أو قال لها طلقي نفسك؛ فلها أن تطلق نفسها

(3/50)


ما دامت في مجلسها ذلك، فإن قامت منه أو أخذت في عملٍ آخر خرج الأمر من يدها، وإن اختارت نفسها في قوله "اختاري" كانت واحدةً بائنةً ولا يكون ثلاثاً وإن نوى الزوج ذلك، ولابد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها، وإن طلقت نفسها في قوله " طلقي نفسك" فهي واحدةٌ رجعيةٌ، وإن طلقت نفسها ثلاثاً وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها، وإن قال لها "طلقي نفسك متى شئت" فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده وإذا قال لرجلٍ "طلق امرأتي" فله أن يطلقها في المجلس وبعده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما دامت في مجلسها ذلك) ولا اعتبار بمجلس الرجل، حتى لو قام عن مجلسه وهي في مجلسها كانت على خيارها.
(فإن قامت منه) : أي المجلس (أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها) ؛ لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة، ولأنه تمليك الفعل منها، والتمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع، لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه، ومرة بالاشتغال بعمل آخر؛ إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما. هداية.
(وإن ختارت نفسها في قوله "اختاري" كانت) طلقة (واحدة بائنة) لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها، وذلك بالبائن؛ إذ بالرجعي يتمكن الزوج من رجعتها بدون رضاها (ولا يكون ثلاثاً وإن نوى الزوج ذلك) لأن الاختيار لا يتنوع لأنه ينبئ عن الخلوص وهو غير متنوع إلى الغلظة والخفة، بخلاف البينونة (ولابد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها) فلو قال لها " اختاري" فقالت " اخترت" كان لغواً، لأن قولهما " اخترت" من غير ذكر النفس في أحد كلاميهما محتمل لاختيار نفسها أو زوجها؛ فلا تطلق بالشك (وإن طلقت نفسها في قوله " طلقي نفسك" فهي) طلقة (واحدة رجعية) لأنه صريح (وإن طلقت نفسها ثلاثاً) جملة أو متفرقاً (وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها) ، لأن الأمر يحتمل العدد وإن لم يقتضيه، فإذا نواه صحت نيته (وإن قال لها " طلقي نفسك متى شئت" فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده) لأن كلمة " متى" لعموم الأوقات، ولها المشيئة مرة واحدة

(3/51)


وإن قال "طلقها إن شئت" فله أن يطلقها في المجلس خاصةً، وإن قال لها "إن كنت تحبيني أو تبغضيني فأنت طالقٌ" فقالت: أنا أحبك أو أبغضك وقع الطلاق وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت،
وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقاً بائناً فمات وهي في العدة ورثت منه، وإن مات بعد انقضاء عدتها فلا ميراث لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها لا تقتضي التكرار فإذا شاءت مرة وقع الطلاق، ولم يبق لها مشيئة، فلو راجعها فشاءت بعد ذلك كان لغواً، ولو قال " كلما شئت" كان لها ذلك أبداً حتى تكمل الثلاث؛ لأن " كلما" تقتضي التكرار، فكلما شاءت وقع عليها الطلاق حتى تكمل الثلاث، فإن عادت إليه بعد زوج آخر سقطت مشيئتها لزوال المحلية، وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثاً بكلمة واحدة لأنها توجب عموم الانفراد لا عموم الاجتماع، وإن قال لها " إن شئت" فذلك مقصور على المجلس، وتمامه في الجوهرة] .
(وإن قال لرجل طلق امرأتي فله) : أي للرجل المخاطب (أن يطلقها في المجلس وبعده) ؛ لأنها وكالة، وهي لا تتقيد بالمجلس (وإن قال) له: طلقها (إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة) لأن التعليق بالمشيئة تمليك لا توكيل (وإن قال لها) أي لزوجته (إن كنت تحبينني أو) قال لها: إن كنت (تبغضيني فأنت طالق، فقالت) له: (أنا أحبك أو أبغضك وقع الطلاق) عليها (وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت) ، لأنه لما تعذر الوقوف على الحقيقة جعل السبب الظاهر - وهو الإخبار - دليلا عليه.
(وإن طلق الرجل امرأته في مرض موته) وهو الذي يعجز به عن إقامة مصالحه خارج البيت، هو الأصح درر (طلاقاً بائناً) من غير سؤال منها ولا رضاها (فمات) فيه (وهي في العدة ورثت منه، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها) ، لأنه لم يبق بينهما علاقة وصارت كالأجانب قيد بالبائن لأن الرجعي لا يقطع الميراث في العدة

(3/52)


وإذا قال الزوج لامرأته " أنت طالقٌ إن شاء الله" متصلا لم يقع الطلاق عليها.
وإن قال لها " أنت طالقٌ ثلاثاً إلا واحدةً" طلقت اثنتين، وإن قال " ثلاثاً إلا اثنتين" طلقت واحدةً.
وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصاً منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصاً منه وقعت الفرقة بينهما.