اللباب في شرح الكتاب

كتاب الرجعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه لا يزيل النكاح. وقيدنا بعدم السؤال والرضا لأنه إذا سألته ذلك وخالعها أو قال لها " اختاري" فاختارت نفسها لم ترث، لأنها رضيت بإبطال حقها. وقيدنا بالموت لأنه لو صح منه ثم مرض ومات في العدة لم ترث، ومثل المريض من قدم ليقتل، ومن انكسرت به السفينة وبقي على لوح، ومن افترسه السبع وصار في فمه، ونحو ذلك] .
(وإذا قال الزوج لامرأته " أنت طالق إن شاء الله" متصلا لم يقع الطلاق عليها) لأن التعليق بشرط لا يعلم وجوده مغير لصدر الكلام، ولهذا اشترط. اتصاله.
(وإن قال لها "أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة" طلقت اثنتين، وإن قال " ثلاثاً إلا ثنتين" طلقت واحدة) والأصل أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، فشرط صحته أن يبقى وراء المستثنى شيء ليصير متكلما به، حتى لو قال "أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا" تطلق ثلاثا، لأنه استثنى جميع ما تكلم به، فلم يبق بعد الاستثناء شيء ليتكلم به.
(وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصاً) : أي جزءاً (منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصاً منه وقعت الفرقة بينهما) بغير طلاق، للمنافاة بين ملك النكاح وملك الرقبة، إلا أن يشتري المأذون أو المدبر أو المكاتب زوجته، لأن لهم حقا لا ملكا تاما جوهرة.
كتاب الرجعة
بالفتح وتكسر، وهي عبارة عن استدامة الملك القائم في العدة بنحو (راجعتك)

(3/53)


- إذا طلق الرجل امرأته تطليقةً رجعيةً أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض.
والرجعة أن يقول: راجعتك، أو راجعت امرأتي، أو يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوةٍ، أو أن ينظر إلى فرجها بشهوةٍ.
ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبما يوجب حرمة المصاهرة، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية) وهي الطلاق بصريح الطلاق بعد الدخول من غير مقابلة عوض قبل استيفاء عدد طلاقها (أو طلقتين) رجعيتين (فله أن يراجعها في عدتها) أي عدة امرأته المدخول بها حقيقة، إذ لا رجعة في عدة الخلوة، ابن كمال. وفي البزازية: ادعى الوطء بعد الدخول وأنكرت فله الرجعة، لا في عكسه (رضيت بذلك أو لم ترض) ؛ لأنها باقية على الزوجية، بدليل جواز الظهار عليها والإيلاء واللعان والتوارث والطلاق ما دامت في العدة بالإجماع، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} سماه بعلا وهذا يقتضي بقاء الزوجية بينهما. جوهرة (والرجعة) إما أن تكون بالقول مثل (أن يقول: راجعتك) إذا كانت حاضرة، أو رددتك، أو أمسكتك (أو راجعت امرأتي) إذا كانت غائبة، ولا يحتاج في ذلك إلى نية؛ لأنه صريح (أو) بالفعل؛ مثل أن (يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها) الداخل (بشهوة) وكذا بكل ما يوجب حرمة المصاهرة؛ إلا أنه يكره ذلك، ويستحب أن يراجعها بعده بالقول.
(ويستحب) له (أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة) لما مر أنها استدامة للنكاح القائم، والشهادة ليست شرطاً فيه حالة البقاء، كما في الفيء في الإيلاء، إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط؛ كيلا يجري التناكر فيها ويستحب له أن يعلمها كيلا تقع في المعصية. هداية

(3/54)


وإذا انقضت المدة فقال: "قد كنت راجعتها في العدة" فصدقته فهي رجعةٌ، وإن كذبته فالقول قولها ولا يمين عليها عند أبي حنيفة وإذا قال الزوج "قد راجعتك" فقالت مجيبة له "قد انقضت عدتي" لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة، وإذا قال زوج الأمه بعد انقضاء عدتها. "قد كنت راجعتها في العدة" فصدقه المولى وكذبته الامة فالقول قولها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا انقضت العدة فقال) الزوج: (قد كنت راجعتها في العدة فصدقته فهي رجعة) بالتصادق (وإن كذبته فالقول قولها) ؛ لدعواه مالا يملك إنشاءه في الحال؛ فلا يصدق إلا بالبرهان (ولا يمين عليها عند أبي حنيفة) وقالا: عليها اليمين، وهي إحدى مسائل الاستحلاف الستة، قال في التصحيح: قد تقدم أن الفتوى على قولهما، قال الإمام قاضيخان في شرح الجامع الصغير في كتاب الفضاء في باب القضاء في الإيمان: المنكر يستحلف في الأشياء الستة عندهما، فإذا نكل حبس حتى يقر أو يحلف، والفتوى على هذا، قال الإمام السديدي الزوزني: وهو المختار عندي، وبه كنت أعمل بالري وأصبهان اهـ.
(وإذا قال الزوج قد راجعتك فقالت) الزوجة مجيبة له (قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة) وقالا: تصح، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما؛ كذا في التصحيح (وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة فصدقه المولى) : أي مولى الأمة (وكذبته الأمة) ولا بينة (فالقول قولها) عند أبي حنيفة، وقالا: القول قول المولى لأن بضعها مملوك له، فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج، فشابه الإقرار عليها بالنكاح، وهو يقول بأن حكم الرجعة يبتنى على العدة، والقول في العدة قولها، فكذا فيما يبتنى عليها. هداية. قال في التصحيح قول الإمام، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما، ولو كان على القلب فعندهما القول قول المولى، وكذا عنده

(3/55)


وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيامٍ انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل، وإن انقطع لأقل من عشرة أيامٍ لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاةٍ، أو تيمم وتصلي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمدٌ: إذا تيممت انقطعت الرجعة، وإن لم تصل، وإن اغتسلت ونسيت شيئاً من بدنها لم يصبه الماء، فإن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في الصحيح، ونص عليه في الهداية، احترازا عما حكى في الينابيع من أنه على الخلاف. اهـ.
(وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة) في الحرة والحيضة الثانية في الأمة (لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل) ؛ لأن الحيض لا مزيد له على العشرة؛ فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض بيقين، فانقضت العدة وانقطعت الرجعة (وإن انقطع لأقل من عشرة أيام) وكانت الزوجة مسلمة (لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل) لأن عود الدم محتمل؛ فيكون حيضاً لبقاء المدة، فلابد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال (أو) بلزوم حكم من أحكام الطاهرات: بأن (يمضي عليها وقت الصلاة) فتصير ديناً في ذمتها، وهي لا تجب إلا على الطاهرات (أو تتيمم) للعذر (وتصلي) فيه ولو نفلا (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) وهذا استحسان. هداية (وقال محمد: إذا تيممت) للعذر (انقطعت الرجعة وإن لم تصل) وهذا قياس، لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته، ولهما أنه ملوث غير مطهر وإنما اعتبر طهارة ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات، وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات هداية، قال الإمام بهاء الدين في شرحه لهذا الكتاب: والصحيح قولهما، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة اهـ. تصحيح. قيدنا بالمسلمة احترازا عن الكتابية فإنه تنقطع بمجرد الانقطاع لعدم توقع أمارة زائدة في حقها كما في الهداية وغيرها (وإن اغتسلت ونسيت شيئاً من بدنها لم يصبه الماء؛ فإن كان)

(3/56)


عضواً فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من عضوٍ انقطعت.
والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يستأذنها أو يسمعها خفق نعليه.
والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث فله أن يتزوجها في عدتها وبعد انقضاء عدتها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المنسي (عضواً) كاملا (فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من ذلك انقطعت) قال في الهداية: وهذا استحسان، والقياس فيما دون العضو أن تبقى، لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ، ووجه الاستحسان - وهو الفرق - أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه فقلنا: إنه تنقطع الرجعة، ولا يحل لها التزوج؛ أخذاً بالاحتياط فيهما، بخلاف العضو الكامل، لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة فافترقا. اهـ.
(والمطلقة) الطلقة (الرجعية) يستحب لها أنها (تتشوف) أي تتراءى لزوجها (وتتزين) له؛ لأن الزوجية قائمة والرجعة مستحبة، والتزين داع لها (ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يستأذنها) بالتنحنح ونحوه (أو يسمعها خفق نعله) إن لم يكن قصد المراجعة، لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعاً ثم يطلقها فتطول عليها العدة.
(والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء) ، لأنه لا يزيل الملك، ولا يرفع العقد، بدليل أن له مراجعتها من غير رضاها، ويلحقها الظهار والإيلاء واللعان، ولذا لو قال (نسائي طوالق) دخلت في جملتهن وإن لم ينوها، جوهرة (وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث فله أن يتزوجها في عدتها وبعد انقضاء عدتها) لأن حل المحلية باقٍ، لأن زواله معلق بالطلقة الثالثة فينعدم قبله، ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب، ولا اشتباه في إباحته له

(3/57)


وإن كان الطلاق ثلاثاً في الحرة أو اثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها. والصبي المراهق في التحليل كالبالغ، ووطء المولى لا يحللها، وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروهٌ، فإن وطئها حلت للاور، وإذا طلق الحرة تطليقةً أو تطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا كان الطلاق ثلاثاً في الحرة أو اثنتين في الأمة) ولو قبل الدخول (لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحا ويدخل بها) أي يطأها (ثم يطلقها أو يموت عنها) وتنقضي عدتها منه، قيد بالنكاح الصحيح احترازا عن الفاسد والموقوف، فلو نكحها عبد بلا إذن السيد ووطئها قبل الإجازة لا يحلها حتى يطأها بعدها كما في الدرر (والصبي المراهق) وهو الذي تتحرك آلته وتشتهي وقدره شمس الإسلام بعشر سنين (في التحليل كالبالغ) لوجود الوطء في نكاح صحيح، وهو الشرط، وإنما عدم منه الإنزال وهو ليس بشرط فكان بمنزلة المسلول والفحل الذي لا ينزل (ووطء المولى لا يحللها) لاشتراط الزوج بالنص (وإذا تزوجها بشرط التحليل) ولو صريحاً بأن قال: تزوجتك على أن أحلك (فالنكاح) صحيح ولكنه (مكروه) تحريماً؛ لحديث (لعن الله المحلل والمحلل له) (فإن وطئها حلت للأول) ، لوجوه الدخول في نكاح صحيح؛ إذ النكاح لا يبطل بالشرط، هداية. وقال الإسبيجاني إذا تزوجها بشرط التحليل بالقلب ولم يقل باللسان تحل للأول في قولهم جميعاً، أما إذا شرط الإحلال بالقول فالنكاح صحيح عند أبي حنيفة وزفر، ويكره للثاني، وتحل للأول، وقال أبو يوسف: النكاح الثاني فاسد، والوطء فيه لا يحلها للأول، وقال محمد: النكاح الثاني صحيح، ولا تحل للأول، والصحيح قول أبي حنيفة وزفر، واعتمده المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، كذا في التصحيح (وإذا طلق) الرجل امرأته (الحرة تطليقة أو تطليقتين وانقضت عدتها) منه (وتزوجت بزوج آخر) ودخل بها، ثم طلقها الآخر (ثم عادت إلى) زوجها

(3/58)


الأول عادت بثلاث تطليقاتٍ، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث من الطلاق كما يهدم الثلاث. وقال محمدٌ: لا يهدم ما دون الثلاث.
وإذا طلقها ثلاثاً فقالت "قد انقضت عدتي وتزوجت ودخل بي وطلقني وانقضت عدتي" والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقةٌ.