اللباب في شرح الكتاب

كتاب النفقات
- النفقة واجبةٌ للزوجة على زوجها، مسلمةً كانت أو كافرةً، إذا سلمت نفسها في منزله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان ذلك في دينهم، لأنها إنما تجب لحق الله تعالى وحق الزوج، وهي غير مخاطبة بحقوق الله تعالى كالصلاة والصوم، والزوج قد أسقط حقه، لعدم اعتقاده حقيتها كما في الجوهرة، قال جمال الإسلام في شرحه: وقال أبو يوسف ومحمد: عليها العدة، والصحيح قوله، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح.
(وإن تزوجت الحامل من الزنا جاز النكاح) لأن ماء الزاني لا حرمة له (و) لكن (لا يطؤها حتى تضع حملها) لئلا يسقي ماءه زرع غيره، إلا أن يكون هو الزاني. قال الإسبيجاني: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو سيف: لا يجوز، والصحيح قوله، ومشى عليه الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. تصحيح.
كتاب النفقات
جمع نفقة، وهي لغةً: ما ينفقه الإنسان على عياله، وشرعاً - كما قال هشام: سألت الإمام محمداً عن النفقة، فقال: هي الطعام والكسوة والسكنى. وتجب بأسباب ثلاثة: زوجية، وقرابة، وملكٍ.
ولما كانت الزوجية أصل النسب، والنسب أقوى من الملك - بدأ بالزوجية فقال: (والنفقة واجبة للزوجة على زوجها) ولو صغيراً، أو فقيراً (مسلمة كانت) الزوجة (أو كافرة) فقيرة أو غنية، موطوءة أو لا، ولو رتقاء أو قرناء أو معتوهة أو كبيرة لا توطأ أو صغيرة لا تطيق الوطء ولا تصلح للخدمة أو للاستئناس (إذا سلمت نفسها) للزوج (في منزله) قال في التصحيح: هذه رواية عن أبي يوسف، وظاهر الرواية ما في المبسوط

(3/91)


فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها.
يعتبر ذلك بحالهما جميعاً، موسراً كان الزوج أو معسراً.
فإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها فلها النفقة.
وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمحيط من أنها تجب لها قبل الدخول والتحول إذا لم تمتنع عن المقام معه اهـ (فعليه نفقتها) أي العرفية، وهي: المأكول، والمشروب (وكسوتها وسكناها) وإنما فسرنا النفقة بالعرفية لأن النفقة الشرعية تشمل الكل كما مر.
(يعتبر ذلك بحالهما) أي الزوجين (جميعاً، موسراً كان الزوج أو معسراً) قال في الهداية: وهذا اختيار الخصاف، وعليه الفتوى. اهـ. وهذا خلاف ظاهر الرواية، وظاهر الرواية - وهو اختيار الكرخي - يعتبر حال الزوج، وفي شرح الإسبيجاني: الصحيح ما ذكره الخصاف، وفي الجواهر: والفتوى على قول الخصاف، وفي شرح الزاهدي: وعليه الفتوى، وعليه مشى المحبوبي والنسفي كما في التصحيح، وحاصله أنه إن كانا موسرين نفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار، وإن كانا مختلفين فعلى ظاهر الرواية يعتبر حال الزوج، وعلى ما اختاره صاحب الهداية فبين الحالين، إلا أنه إذا كان هو المعسر يطالب بقدر وسعه والباقي دين عليه إلا الميسرة كما في الدرر.
فإذا امتنعت الزوجة (من تسليم نفسها) ولو بعد الدخول بها (حتى يعطيها مهرها) المعجل (فلها النفقة) ؛ لأنها منع بحق؛ فكان فوت الإحتباس بمعنى من قبله، فيجعل كلا فائت، هداية قيدنا بالمعجل لأنه إذا كان مؤجلا ولو كله أو بعضه واستوفت الحال ليس لها أن تمنع نفسها عندهما، خلافاً للثاني، وكذا لو أجلته بعد العقد كما في الجوهرة.
(وإن نشزت) أي: خرجت من بيته بلا إذنه بغير حق ولو بعد سفره (فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله) ؛ لأن فوت الاحتباس منها، وإذا عادت جاء الاحتباس فتجب النفقة، بخلاف ما إذا امتنعت من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم؛ والزوج يقدر على الوطء كرها، هداية. وإذا كان الزوج معها في بيتها فمنعته من الدخول عليها كانت ناشزة، إلا أن تسأله التحول عنه كما في الجوهرة

(3/92)


وإن كانت صغيرةً لا يستمتع بها فلا نفقة عليها، وإن سلمت نفسها إليه.
وإن كان الزوج صغيراً لا يقدر على الوطء والمرأة كبيرةً فلها النفقة من ماله.
وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها، رجعياً كان أو بائناً.
ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، وكل فرقةٍ جاءت من قبل المرأة بمعصيةٍ فلا نفقة لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا كانت) الزوجة (صغيرة لا يستمتع بها) ولو للخدمة والاستئناس كما مر. (فلا نفقة لها وإن سلمت نفسها إليه) ؛ لأن النفقة مقابلة باحتباسها له؛ والاحتباس له بكونها منتفعاً بها. قيد بالنفقة لأن المهر يجب بمجرد العقد وإن كانت لا يتمتع بها كما في الجوهرة.
(وإذا كان الزوج صغيراً) بحيث (لا يقدر على الوطء والمرأة كبيرة) بحيث يستمتع بها (فلما النفقة من ماله) ؛ لأن التسليم محقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين قيد بالكبيرة لأنها لو كانت صغيرة أيضا تجب لها النفقة؛ لأن المنع جاء من قبلها، فغاية ما في الباب أن يجعل المنع من قبله كالمعدوم، فالمنع من قبلها قائم، ومع قيامه من قبلها لا تستحق النفقة كما في الدرر عن النهاية.
(وإذا طلق الرجل امرأته فلها) عليه (النفقة والسكنى في) مدة (عدتها، رجعيا كان) الطلاق (أو بائنا) أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم لاسيما عندنا؛ فإنه يحل له الوطء، وأما البائن فلأن النفقة جزاء الاحتباس كما مر، والاحتباس قائم في حق حكم المقصود بالنكاح - وهو الولد - إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة، ولهذا كان لها السكنى بالإجماع كما في الهداية.
(ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها) ، لأنها تجب في ماله شيئاً فشيئاً، ولا مال له بعد الموت، ولا يمكن إيجابها على الورثة كما في الدرر (وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية) كالردة وتقبيل ابن الزوج (فلا نفقة لها) ؛ لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق

(3/93)


وإن طلقها ثم ارتدت سقطت نفقتها، وإن أمكنت ابن زوجها من نفسها: إن كان بعد الطلاق فلها النفقة، وإن كان قبل الطلاق فلا نفقة لها، وإن حبست المرأة في دينٍ أو غصبها رجلٌ كرهاً فذهب بها أو حجت مع محرمٍ فلا نفقة لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصارت كأنها ناشزة. قيد بالمعصية لأنها إذا كانت بسبب مباح كما إذا اختارت نفسها للادراك أو العتق أوز لعدم الكفاءة فلها النفقة كما في الجوهرة.
(وإن طلقها) الزوج ولو ثلاثاً (ثم ارتدت سقطت نفقتها، وإن مكنت ابن زوجها من نفسها: إن كان) ذلك (بعد الطلاق فلها النفقة) لأن الفرقة تثبت بالطلاق، ولا عمل فيها للردة والتمكين، إلا أن المرتدة تحبس حتى تتوب، ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة لا تحبس؛ فلها النفقة كما في الدرر. (وإن كان قبل الطلاق فلا نفقة لها) ؛ لثبوت الفرقة بالتمكين (وإذا حبست المرأة في دين، أو غصبها رجل كرها فذهب بها، أو حجت) ولو (مع محرم فلا نفقة لها) لفاوت الاحتباس، إلا أن تكون مع الزوج فتجب لها نفقة الحضر، وعن أبي يوسف أن المغصوبة والحاجة مع المحرم لهما النفقة، قال في التصحيح: والمعتمد الأول، ومشى عليه المحبوبي والنسفي وغيرهما.
(وإن مرضت) الزوجة (في منزل الزوج فلها النفقة) استحساناً؛ لأن الاحتباس قائم؛ فإنه يستأنس بها ولا يمسها وتحفظ البيت؛ والمانع إنما هو لعارض فأشبه الحيض، وعن أبي يوسف: إذا سلمت نفسها ثم مرضت فلها النفقة؛ لتحقق التسليم، وإن مرضت ثم سلمت لا تجب؛ لأن التسليم لم يصح، وهو حسن، وفي كلام المصنف ما يشير إليه حيث قال: (وإن مرضت في منزل الزوج) احترازاً عما إذا مرضت في بيت أبيها كما في الجوهرة

(3/94)


وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة.
وتفرض على الزوج نفقة خادمها إذا كان موسراً، ولا تفرض لأكثر من خادمٍ واحدٍ.
وعليه أن يسكنها في دارٍ منفردةٍ ليس فيها أحدٌ من أهله، إلا أن تختار ذلك، وإن كان له ولدٌ من غيرها فليس له أن يسكنه معها.
وللزوج أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وتفرض على الزوج نفقة خادمها إذا كان) الزوج (موسراً) وهي حرة كما في الجوهرة. قال في الهداية: وقوله في الكتاب {إذا كان موسراً} إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهو الأصح خلافاً لما قاله محمد؛ لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها. اهـ. وفي قاضيخان: فإن لم يكن لها خادم لا تستحق نفقة الخادم في ظاهر الرواية، موسراً كان الزوج أو معسراً، ثم قال: والصحيح أن الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة. اهـ. (ولا تفرض) النفقة (لأكثر من خادم واحد) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: تفرض لخادمين، قال الإسبيجاني: والصحيح قولهما، ومشى عليه المحبوبي والنسفي. تصحيح.
(وعليه) أي على الزوج (أن يسكنها في دار منفردة) بحسب حالهما، كالطعام والكسوة (ليس فيها أحد من أهله) سوى طفله الذي لا يفهم الجماع وأمته وأم ولده كما في الدر (إلا أن تختار) المرأة (ذلك) لرضاها بانتقاص حقها (وإن كان له ولد من غيرها) بحيث يفهم الجماع (فليس له أن يسكنه معها) ؛ لأن السكنى واجبة لها، فليس له أن يشرك غيرها، لأنها تتضرر به، فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها من المعاشرة مع زوجها.
(وللزوج أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها) أي محارمها (من الدخول

(3/95)


عليها، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها أي وقتٍ اختاروا.
ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما، ويقال لها: استديني عليه.
وإذا غاب الرجل وله مالٌ في يد رجلٍ وهو يعترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وأولاده الصغار ووالديه، ويأخذ منها كفيلاً بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليها؛ لأن المنزل ملكه، فله حق المنع من دخوله (ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا) لما فيه من قطيعة الرحم، وليس له في ذلك ضرر، وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار، وقيل: لا يمنعها من الخروج إليهما ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة، وغيرهما من المحارم التقدير بسنةٍ، وهو الصحيح كما في الهداية.
(ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما) بل يفرض القاضي النفقة (ويقال لها: استديني عليه) ، لأن في التفريق إبطال حقه من كل وجه، وفي الاستدانة تأخير حقها مع إبقاء حقه، فكان أولى، لكونه أقل ضرراً، قال في الهداية: وفائدة الأمر بالاستدانة مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج، فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي كانت المطالية عليها دون الزوج.
(وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل) أو عنده (وهو يعترف به) أي بما في يده أو عنده من المال (وبالزوجية) وكذا إذا علم القاضي ذلك، هداية (فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده) بضم فسكون - جمع ولد كأسد جمع أسد (الصغار ووالديه) إذا كان المال من جنس حقهم: أي دراهم أو دنانير، أو طعام أو كسوة من جنس حقهم، بخلاف ما إذا كان من خلاف جنسه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق، درر (ويأخذ منها) القاضي (كفيلا بها) أي بالنفقة، ويحلفها باللهما أعطاها النفقة، نظراً للغائب، لأنها ربما استوفت النفقة، أو طلقها الزوج

(3/96)


ولا يقضى بنفقةٍ في مال الغائب إلا لهؤلاء.
وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر.
وإذا مضت مدةٌ لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك فلا شيء لها، إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة، أو صالحت الزوج على مقدارها، فيقضي لها بنفقة ما مضى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وانقضت عدتها، وكذا كل آخذ نفقته.
(ولا يقضى بنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء) لأن نفقة هؤلاء واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا كان لهم أخذها بأنفسهم؛ فكان قضاء القاضي إعانة لهم، أما غيرهم من المحارم إنما تجب نفقتهم بالقضاء، والقضاء على الغائب لا يجوز، قال في النهاية: ولو لم يعلم القاضي بذلك ولم يكن مقراً به فأقامت البينة على الزوجية، أو لم يخلف مالا فأقامت البينة ليفرض القاضي نفقتها على الغائب ويأمرها بالاستدانة - لا يقضي القاضي بذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الغائب، وقال زفر: يقضي؛ لأن فيه نظراً لها، ولا ضرر فيه على الغائب، إلى أن قال: وعمل القضاة اليوم على هذا. اهـ. قال في الدرر عازيا إلى البحر: وهذه من الست التي يفتى بها بقول زفر، وعليه فلو غاب وله زوجة وصغار تقبل بينتها على النكاح إن لم يكن عالماً به، ثم يفرض لهم، ويأمرها بالإنفاق أو الاستدانة لترجع. اهـ.
(وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار ثم أيسر) الزوج (فخاصمته تمم) القاضي (لها نفقة الموسر) ؛ لأن النفقة تختلف باختلاف اليسار والإعسار، فإذا تبدل حاله لها المطالبة بتمام حقها.
(وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج) فيها (عليها فطالبته) الزوجة (بذلك فلا شيء لها) ، لأن النفقة فيها معنى الصلة، فلا يستحكم الوجوب وتصير دينا (إلا) القضاء، وهو (أن يكون القاضي فرض لها النفقة) عليه (أو) الرضا، بأن تكون الزوجة قد (صالحت الزوج على مقدارها) ففرض لها على نفسه قدراً معلوما ولم ينفق عليها حتى مضت مدة (فيقضي لها بنفقة ما مضى) لأن فرضه على نفسه آكد من فرض القاضي،

(3/97)


وإذا مات الزوج بعد ما قضي عليه بالنفقة ومضت شهورٌ سقطت النفقة. وإن أسلفها نفقةً سنةٍ ثم مات لم يسترجع منها شيءٌ، وقال محمدٌ: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج.
وإذا تزوج العبد حرةً فنفقتها دينٌ عليه يباع فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية الغير عليه، وإذا صارت النفقة ديناً عليه لم تسقط بطول الزمان، إلا إذا مات أحدهما، أو وقعت الفرقة كما صرح به المصنف بقوله:] .
(وإذا مات الزوج) أو الزوجة (بعد ما قضي عليه بالنفقة ومضت شهور) ولم ينفق عليها (سقطت النفقة) المتجمدة عليه، لما مر أن فيها معنى الصلة، والصلات تسقط بالموت قبل القبض.
(وإن أسلفها) الزوج (نفقة) جميع (السنة ثم مات) هو أو هي (لم يسترجع) بالبناء للمجهول (منها) أي النفقة المسلفة (شيء) ؛ لأنها صلة وقد اتصل بها القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت؛ لانتهاء حكمها كما في الهبة. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال محمد: يحتسب لها نفقة ما مضى، وما بقي) يسترد (للزوج) قال في زاد الفقهاء والتحفة: الصحيح قولهما، وفي فتح القدير: الفتوى على قولهما، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما. تصحيح.
(وإذا تزوج العبد حرة) بإذن مولاه (فنفقتها) المفروضة (دين عليه) ، للزومها بعقد باشره بإذن المولى، فيظهر في حقه كسائر الديون (يباع فيها) إذا لم يفده المولى. ذخيرة. وهكذا مرة بعد أخرى إذا تجدد عليه نفقة أخرى بهد ما اشتراه من علم به أو لم يعلم ثم علم فرضي، وإنما قيدت بالمفروضة لأنها بدون فرض تسقط بالمضي، كنفقة زوجة الحر كما في النهر، قال في الفتح: وينبغي أن لا يصح فرضها بتراضيهما لحجر العبد عن التصرف، ولاتهامه بقصد الزيادة لإضرار المولى: اه

(3/98)


وإذا تزوج الرجل أمةً فبوأها مولاه معه منزلاً فعليه النفقة، وإن لم يبوئها فلا نفقة لها.
ونفقة الأولاد الصغار على الأب، لا يشاركه فيها أحدٌ، كما لا يشاركه في نفقة الزوجة أحدٌ.
فإن كان الصغير رضيعاً فليس على أمه أن ترضعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا تزوج الرجل أمةً) قنةً أو مدبرة أو أم ولد (فبوأها) أي خلاها (مولاها معه) أي مع الزوج (منزلا) أي في منزل الزوج، بأن بعثها إلى منزله وترك استخدامها (فعليه) أي الزوج (النفقة) لتحقق الاحتباس (وإن لم يبوئها) مولاها منزل الزوج أو لم يترك استخدامها (فلا نفقة لها) عليه لعدم الاحتباس، قال في الهداية: ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة؛ لأنه فات الاحتباس، ولو خدمته أحياناً من غير أن يستخدمها لا تسقط النفقة؛ لأنه لم يستخدمها ليكون استرداداً. اهـ.
(ونفقة الأولاد الصغار) الفقراء الأحرار (على الأب، لا يشاركه فيها أحد) موسراً كان الأب أو معسراً، غير أنه إذا كان معسراً والأم موسة تؤمر الأم بالإنفاق ويكون ديناً على الأب كما في الجوهرة، قيدنا بالفقراء الأحرار لأن نفقة الأغنياء في مالهم والأرقاء على مالكهم (كما) أنه (لا يشاركه) أي الأب (في نفقة الزوجة أحد) ما لم يكن معسراً فيلحق بالميت، فتجب على غيره بلا رجوع عليه على الصحيح من المذهب، إلا الأم موسرة. بحر، قال: وعليه فلابد من إصلاح المتون اهـ.
قال شيخنا: لأن قول المتون (إن الأب لا يشاركه في نفقة ولده أحد) يقتضي أنه لو كان معسراً وأمر غيره بالإنفاق يرجع، سواء كان أما أو جداً أو غيرهما، إذ لو لم يرجع عليه لحصلت المشاركة، وأجاب المقدسي بحمل ما في المتون على حالة اليسار اهـ.
(فإن كان الصغير رضيعاً فليس على أمه أن ترضعه) قضاء، لأن إرضاعه يجري مجرى النفقة، ونفقته على الأب كما مر، ولكن تؤمر بد ديانة؛ لأنه من باب الاستخدام

(3/99)


ويستأجر له الأب من ترضعه عندها، فإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، وإن انقضت عدتها فاستأجرها على إرضاعه جاز، فإن قال الأب لا أستأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية كانت الأم أحق به، وإن التمست زيادةً لم يجبر الزوج عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ككنس البيت والطبخ والخبز، فإنها تؤمر بذلك ديانة، ولا يجبرها القاضي عليها لأن المستحق عليها بعد النكاح تسليم النفس للاستمتاع لا غير، ثم هذا حيث لم تتعين، فإن تعينت لذلك - بأن كان لا يأخذ ثدي غيرها - فإنها تجبر على إرضاعه صيانة له على الهلاك. جوهرة (ويستأجر له الأب من ترضعه عندها) ؛ لأن الحضانة لها (فإن استأجرها) أي استأجر الأب أم الصغير (وهي زوجته أو معتدته) من طلاق رجعي (لترضع ولدها لم يجز) ذلك الاستئجار لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فإذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجباً عليها، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه. هداية قيد بولدها لأنه لو استأجرها لإرضاع ولده من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها، وقيدنا المعتدة بالرجعي لأن المعتدة من البائن فيها روايتان، والصحيحة منهما أنه يجوز، لأن النكاح قد زال فهي كالأجنبية كما في الجوهرة (وإن انقضت عدتها فاستأجرها على إرضاعه) أي الولد (جاز) لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية (وإن قال الأب لا أستأجرها) أي الأم (وجاء بغيرها) لترضعه عندها (فرضيت الأم بمثل أجرة) تلك (الأجنبية كانت الأم أحق به) ، لأنها أشفق، فكان نظراً للصبي في الدفع إليها، هداية (فإن التمست زيادة) عن الأجنبية ولو بدون أجر المثل أو متبرعة. زيلعي (لم يجبر الزوج عليها) دفعاً للضرر عنه، وإليه الإشارة في قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} أي بإلزامه أكثر من أجرة الأجنبية. هداية. قيد بأجرة لإرضاع لأن الحضانة تبقى للأم فترضعه الأجنبية كما صرح في البدائع، ولا تكون الأجنبية

(3/100)


ونفقة الصغير واجبةٌ على أبيه وإن خالفه في دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وإن خالفته في دينه.