اللباب في شرح الكتاب

كتاب العتق
- العتق يقع من الحر البالغ العاقل في ملكه، فإذا قال لعبده أو أمته (أنت حرٌ، أو معتقٌ، أو عتيقٌ، أو محررٌ، أو قد حررتك، أو أعتقتك) فقد عتق، نوى المولى العتق أو لم ينو،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب العتق
ذكره عقب الطلاق لأن كلا منهما إسقاط الحق ولا يقبل الفسخ. وقدم الطلاق لمناسبته للنكاح مع أن الإعتاق أقل وقوعاً.
(العتق) لغةً: القوة مطلقاً، يقال عتق الفرخ، إذا قوي وطار. وشرعاً: عبارة عن إسقاط المولى حقه عن مملوكه بوجه يصير المملوك به من الأحرار.
(ويقع) العتق (من الحر) ؛ لأن العتق لا يصلح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك (البالغ) ، لأن الصبي ليس من أهله، لكونه ضرراً ظاهراً، ولهذا لا يملكه الولي عليه.
(العاقل) لأن المجنون ليس بأهل للتصرف، ويشترط أن يكون المملوك (في ملكه) أو يضيفه إليه، كإن ملكتك فأنت حر، فلو أعتق عبد غيره لا ينفذ، وإن ملكه بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا عتق فيما لا يملك ابن آدم) .
(فإذا قال) المولى (لعبده أو أمته: أنت حر، أو) عتق، أو (معتق أو عتيق، أو محرر، أو قد حررتك، أو أعتقتك، فقد عتق) العبد، سواء (نوى المولى أو لم ينو) ، لأن هذه الألفاظ صريح فيه، لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا، فأغنى ذلك عن النية، لأنها إنما تشترط إذا اشتبه مراد المتكلم، وهذا لا اشتباه فيه، فلا تشترط فيه

(3/111)


وكذلك إذا قال "رأسك حرٌ، أو وجهك، أو رقبتك، أو بدنك" أو قال لأمته "فرجك حرٌ" ولو قال "لا ملك لي عليك" ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق، وكذلك كنايات العتق، وإن قال "لا سلطان لي عليك" ونوى به العتق لم يعتق، وإن قال: "هذا ابني" وثبت على ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النية.
(وكذلك) الحكم (إذا قال: رأسك حر، أو وجهك، أو رقبتك، أو بدنك) حر (أو قال لأمته: فرجك حر) ، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن، وقد مر في الطلاق، وإن إضافة إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل لا يقع عندنا، والكلام فيه كالكلام في الطلاق، وقد بينا، هداية.
(ولو قال لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق) لأنه كناية؛ لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك، ويحتمل لأني أعتقتك؛ فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية (وكذلك كنايات العتق) وهي: ما احتمله وغيره كقوله: خرجت من ملكي، ولا سبيل لي عليك، ولا رق لي عليك، وقد خليت سبيلك، لاحتمال نفي هذه الأشياء بالبيع أو الكتابة، كاحتماله بالعتق، فلا يتعين إلا بالنية.
(وإن قال لا سلطان لي عليك ونوى به العتق لم يعتق) ، لأن السلطان عبارة عن اليد، وسمى به السلطان لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب، بخلاف قوله (لا سبيل لي عليك) لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك، لأن للمولى على المكاتب سبيلا، فلهذا يحتمل العتق، هداية.
(وإن قال) لعبده: (هذا ابني) أو لأمته: هذه بنتي، وكان بحيث يولد مثله لمثله، بدليل ما بعده (وثبت على ذلك) قال في الفتح: قيل: هذا قيد اتفاقي

(3/112)


أو قال "هذا مولاي"، أو "يا مولاي" عتق، وإن قال "يا ابني" أو "يا أخي" لم يعتق، وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله "هذا ابني" عتق عليه عند أبي حنيفة، وإذا قال لأمته "أنت طالقٌ" ينوي به الحرية لم تعتق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا معتبر به، ولذا لم يذكره في المبسوط، وفي أصول فخر الإسلام: الثبات على ذلك شرط لثبوت النسب، لا العتق، ويوافقه ما في المحيط وجامع شمس الأئمة والمجتبي: هذا ليس بقيد؛ حتى لو قال بعد ذلك أوهمت أو أخطأت يعتق ولا يصدق، اهـ.
(أو قال هذا مولاي أو) ناداه (يا مولاي عتق) ، لأن لفظ (المولى) مشترك أحد معانيه المعتق، وفي العبد لا يليق إلا هذا المعنى، فيعتق بلا نية، لأنه التحق بالصريح كقوله (يا حر) و (يا عتيق) كما في الدر، ثم في دعوى البنوة إذا لم يكن للعبد نسب معروف يثبت منه، وإذا ثبت النسب عتق، لأنه يستند إلى وقت العلوق، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه للتعذر ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر الحقيقة.
(وإن قال يا ابني، أو يا أخي، لم يعتق) ، لأن هذا اللفظ في العادة يستعمل للإكرام والشفقة، ولا يراد به التحقيق، قال في التصحيح: وهذا ظاهر الرواية، وفي رواية شاذة عن الإمام أنه يعتق، والاعتماد على ظاهر الرواية، قاله في شرح نجم الأئمة، ومثله في الهداية، اهـ (وإن قال لغلام له) كبير بحيث (لا يولد مثله) أي الغلام (لمثله) أي المولى: (هذا ابني، عتق عليه عند أبي حنيفة) عملا بالمجاز عند تعذر الحقيقة كما مر، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يعتق، لأنه كلام محال فيلغو ويرد، قال الإسبيجاني في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، واختاره المحبوبي وغيره. تصحيح (وإذا قال المولى لأمته: أنت طالق) أو بائن (ينوي) بذلك (الحرية لم يعتق) وكذا سائر ألفاظ صريح الطلاق وكناياته، وذلك لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح،

(3/113)


وإن قال لعبده "أنت مثل الحر" لم يعتق، وإن قال "ما أنت إلا حرٌ" عتق.
وإذا ملك الرجل ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق عليه.
وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك البعض، وسعى في بقية قيمته لمولاه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وما يكون مزيلا للأضعف لا يلزم أن يكون مزيلا للأقوى، بخلاف العكس، كا سبق في كنايات الطلاق، ولأن صريح الطلاق وكناياته مستعملة لحرمة الوطء، وحرمة الوطء لا تنافي المملوكية، فلا يقع كناية عنه، كما في الاختيار (وإن قال لعبده: أنت مثل الحر لم يعتق) ، لأن (مثل) تستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفا، فوقع الشك في الحرية، فلم تثبت (وإن قال له ما أنت إلا حر عتق) ، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد، كما في كلمة التوحيد.
(وإذا ملك الرجل ذا رحم) ولاداً أو غيره (محرم منه) أي الرحم كما مر (عتق عليه) قال في الهداية: وهذا اللفظ مروي عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم، واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره، اهـ. ثم لا فرق بين كون الملك بشراء أو إرث أو غيرهما، ولا بين كون المالك صغيراً أو كبيراً، مجنونا أو عاقلا، ذمياً أو مسلماً؛ لأنه عتق بسبب الملك، وملكهم صحيح كما في الجوهرة. (وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك البعض) الذي نص عليه فقط (وسعى في بقية فيمته لمولاه) لاحتباس مالية البعض الباقي عند العبد، فله أن يضمنه كما إذا هبت الريح في ثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به؛ فعلى صاحب

(3/114)


عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: يعتق كله.
وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق، فإن كان المعتق موسراً فشريكه بالخيار: إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثوب قيمة صبغ الآخر، موسراً كان أم معسراً، لما قلنا، فكذا هنا، إلا أن العبد فقير فيستسعيه ويصير بمنزلة المكاتب، غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ، بخلاف الكتابة المقصودة؛ لأنها عقد يقال ويفسخ كما في الهداية. وهذا (عند أبي حنيفة) لتجزئ الإعتاق عنده، فيقتصر على ما أعتق (وقال أبو يوسف ومحمد: يعتق كله) لعدم تجزيه عندهما، فإضافة العتق إلى البعض كإضافته إلى الكل؛ فيعتق كله، قال في زاد الفقهاء: الصحيح قول الإمام، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (وإن كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه) منه (عتق) عليه نصيبه، ثم لا يخلو المعتق من أن يكون موسراً أو معسراً (فإن كان المعتق موسراً) وهو: أن يكون مالكاً يوم الإعتاق قدر قيمة نصيب الآخر سوى ملبوسه وقوت يومه في الأصح كما في الدر عن المجتبي، وفي التصحيح: وعليه عامة المشايخ، وهو ظاهر الرواية، اهـ (فشريكه بالخيار) بين ثلاثة أشياء، وهي أنه (إن شاء أعتق) كما أعتق شريكه، لقيام ملكه في الباقي، ويكون الولاء لهما، لصدور العتق منهما (وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه) ، لأنه جانٍ عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة وغير ذلك مما سوى الإعتاق وتوابعه والاستسعاء، ويرجع المعتق بما ضمن على العبد والولاء للمعتق في هذا الوجه، لأن العتق كله من جهته حيث ملكه بالضمان (وإن شاء استسعى العبد) لما بينا، ويكون الولاء بينهما، لصدور العتق منهما

(3/115)


وإن كان معسراً فالشريك بالخيار: إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: ليس له إلا الضمان مع اليسار، والسعاية مع الإعسار، وإذا اشترى رجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، ولا ضمان عليه، وكذلك إذا ورثاه فالشريك بالخيار: إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى، وإذا شهد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإن كان) المعتق (معسراً فالشريك بالخيار) بين شيئين: (إن شاء أعتق) لبقاء ملكه (وإن شاء استسعى العبد) لما بينا، والولاء بينهما في الوجهين، وليس له تضمين المعتق لأنه صفر اليدين، وهذا عند أبي حنيفة (وقال أبو يوسف ومحمد: ليس له إلا الضمان) للمعتق (مع اليسار والسعاية) للعبد (مع الإعسار) قال في الهداية: وهه المسألة تبتنى على حرفين: أحدهما تجزؤ الإعتاق وعدمه، على ما بيناه، والثاني في أن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وعندهما يمنع، اهـ. قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة، ومشى عليه البرهاني والنسفي وغيرهما. تصحيح (وإذا اشترى رجلان ابن أحدهما عتق) من الابن (نصيب الأب) لأنه ملك شقص قريبه (ولا ضمان عليه) : أي الأب؛ لأن الشراء حصل بقولهما جميعاً، فصار الشريك راضياً بالعتق؛ لأن شراء القريب إعتاق، فصار كما لو أذن له بإعتاق نصيبه صريحاً حيث شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء، ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه، وهو ظاهر الرواية عنه؛ لأن الحكم يدار على السبب كما في الهداية (وكذلك) الحكم (إذا ورثاه) لأنه لم يوجد منه فعل أصلا (فالشريك بالخيار) بين شيئين: (إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى) العبد، والولاء بينهما في الوجهين كما مر، وهذا عند أبي حنيفة أيضاً، وقالا في الشراء: يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسراً، وإن كان معسراً سعى الابن في نصف قيمته لشريك الأب، وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وقد علمت أن الصحيح قول الإمام (وإذا شهد) :

(3/116)


كل واحدٍ من الشريكين على الآخر بالحرية عتق كله، وسعى العبد لكل واحدٍ منهما في نصيبه، موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه، وإن كانا معسرين سعى لهما، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر ولم يسع للمعسر، ومن أعتق عبده لوجه اللهتعالى أو للشيطان أو للصنم عتق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي أخبر، لعدم قبولها وإن تعددوا لجرهم مغنماً، در عن البدائع (كل واحد من الشريكين على شريكه (الآخر بالحرية) في نصيبه وأنكر الآخر (سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه، موسرين كانا أو معسرين) أو مختلفين (عند أبي حنيفة) ، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه، وأن له التضمين أو السعاية، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الاستسعاء، والولاء لهما؛ لأن كلا منهما يقول: عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي (وقال أبو يوسف ومحمد: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه) ، لأن من أصلهما أن السعاية لا تثبت مع اليسار، فوجود اليسار من كل منهما إبراء للعبد من السعاية (وإن كانا معسرين سعى لهما) ، لأن في زعمهما أن الواجب هو السعاية دون الضمان للعسرة، فلم يكن إبراء للعبد من السعاية، فيسعى لهما (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر ولم يسع للمعسر) ، لما علمت. قال الإمام أبو المعالي في شرحه: الصحيح قول الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة. تصحيح.
(ومن أعتق عبده لوجه اللهأو للشيطان أو للصنم عتق) عليه، لصدور الإعتاق من أهله مضافا إلى محله فيقع ويلغو قوله بعده (للصنم) أو (للشيطان) ويكون آثما به، بل إن قصد التعظيم كفر

(3/117)


وعتق المكره والسكران واقعٌ، وإذا أضاف العتق إلى ملكٍ أو شرطٍ كما يصح في الطلاق، وإذا خرج عبدٌ من دار الحرب إلينا مسلماً عتق، وإذا أعتق جاريةً حاملاً عتق حملها، وإن أعتق الحمل خاصةً عتق ولم تعتق الأم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وعتق المكره والسكران) بسبب محظور (واقع) لصدوره من أهله في محله كما مر في الطلاق، قيدنا السكر بسبب محظور، لأن غير المحظور كسكر المضطر بمنزلة الإغماء لا يصح معه التصرف، سواء كان طلاقاً أو عتاقاً أو غيرهما كما في البحر عن التحرير.
(وإذا أضاف العتق إلى ملك) كإن ملكتك فأنت حر (أو) إلى وجود (شرط) كإن دخلت الدار فأنت حر (صح) لأنه إسقاط؛ فيجري فيه التعليق (كما يصح) ذلك (في الطلاق) وقد سبق بيانه.
(وإذا خرج عبد من دار الحرب إلينا مسلماً عتق) ، لأنه لما دخل دار الإسلام ظهرت يده وهو مسلم فلا يسترق.
(وإذا أعتق) المولى (جارية حاملا عتق حملها) معها، لأنه بمنزلة عضو من أعضائها، ولو استثناه لا يصح كاستثناء جزء منها، كما في البحر. أطلق في عتق لحمل فشمل ما إذا ولدته بعد عتقها لستة أشهر أو أقل، لكن إن ولدته لأقل فإنه يعتق مقصوداً، لا بطريق التبعية، فحينئذٍ لا ينجر ولاؤه إلى موالى الأب كما في البحر (وإن أعتق الحمل خاصة عتق ولم تعتق الأم) معه، لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصوداً لعدم الإضافة ولا تبعاً لما فيه من قلب الموضوع، هداية. وهذا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لتحقق وجوده؛ وإلا لم يعتق، لجواز أن تكون حملت به بعد القول فلا يعتق بالشك، إلا أن تكون معتدة من الزوج وجاءت به لدون سنتين، وإن جاءت بولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر عتقا جميعاً لأنهما حمل واحد كما في الجوهرة

(3/118)


وإذا أعتق عبد على مالٍ فقبل العبد عتق ولزمه المال، ولو قال "إن أديت إلي ألفاً فأنت حرٌ" صح وصار مأذوناً، فإن أحضر المال أجبر الحاكم المولى على قبضه وعتق العبد.
وولد الأمة من مولاها حرٌ، وولدها من زوجها مملوكٌ لسيدها. وولد الحرة من العبد حرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا أعتق عبده على مال) كأنت حر على ألف درهم، أو بألف درهم، (فقبل العبد) في المجلس صح و (عتق) العبد في الحال (ولزمه المال) المشروط فيصير ديناً في ذمته. وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان وإن كان بغير عينه، لأنه معاوضة بغير المال فشابه النكاح، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس، ولا تضر جهالة الوصف لأنها يسيرة، وأما إذا كثرت الجهالة بأن قال (أنت حر على ثوب) فقبل عتق وعليه قيمة نفسه، جوهرة (ولو) علق عتقه بأداء المال بأن (قال: إن أديت إلي ألفاً فأنت حر - صح) التعليق. (وصار) العبد (مأذوناً) ، لأن الأداء لا يحصل إلا بالكسب والكسب بالتجارة فكان إذناً له دلالة (فإن أحضر) العبد (المال) المشروط عليه (أجبر الحاكم المولى على قبضه وعتق العبد) قال في الهداية: ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضاً بالتخلية. اهـ.
(وولد الأمة من مولاها الحر) ، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه، وهذا إذا ادعاه المولى (وولدها من زوجها) سواء كان حراً أو مملوكاً (مملوك لسيدها) لأن الولد تابع للأم في الملك والرق، إلا ولد المغرور (وولد الحرة من العبد حر) تبعاً لأمه كما تبعها في الملك والرق وأمية الولد والكتابة، كما في الهداية

(3/119)


باب التدبير
- إذا قال المولى لمملوكه "إذا مت فأنت حرٌ، أو أنت حرٌ عن دبرٍ مني، أو أنت مدبرٌ، أو قد دبرتك" فقد صار مدبراً: لا يجوز بيعه، ولا هبته، وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره، وإن كانت أمةً وطئها، وله أن يزوجها، فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله إن خرج من الثلث، وإن لم يكن له مالٌ غيره سعى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب التدبير
هو لغة: النظر إلى عاقبة الأمر؛ وشرعاً: تعليق العتق بموته؛ كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر، أو دبرتك) أو أنت حر بعد موتي؛ أو أعتقتك بعد موتي، أو مع موتي، أو عند موتي، أو في موتي (فقد صار) العبد (مدبراً) لأن هذه الألفاظ صريحة في التدبير.
وإذا صار مدبراً (فلا يجوز) لمولاه (بيعه، ولا هبته) ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية، كما في الكتابة، هداية (و) يجوز (للمولى أن يستخدمه ويؤاجره، وإن كانت) المدبرة (أمة وطئها وله أن يزوجها) جبراً؛ لأن الملك ثابت له، وبه يستفاد ولاية هذه التصرفات.
(فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله إن خرج من الثلث) وإلا فبحسابه لأن التدبير وصية، لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث، هداية (وإن لم يكن له مال غيره سعى) المدبر للورثة

(3/120)


في ثلثي قيمته، وإن كان على المولى دينٌ سعى في جميع قيمته لغرمائه، وولد المدبرة مدبرٌ، فإن علق التدبير بموته على صفةٍ - مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا، أو سفري هذا، أو من مرض كذاً - فليس بمدبرٍ، ويجوز بيعه، فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(في ثلثي قيمته) لأن عتقه من الثلث، فيعتق ثلثه ويسعى في ثلثيه (فإن كان على المولى دين) يستغرق رقبة المدبر (سعى في جميع قيمته للغرماء) ، لتقدم الدين على الوصية، ولا يمكن نقض العتق، فيجب رد قيمته، وهو حينئذٍ كمكاتب عند الإمام، وقالا: حر مديون (وولد) الأمة (المدبرة مدبر) تبعاً لأمه.
(فإن علق التدبير بموته على صفة) وذلك (مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري) هذا (أو من مرض كذا) أو مات فلان (فأنت مدبر فليس بمدبر) حالا، لأن الموت على تلك الحالة ليس كائنا لا محالة، فلم ينعقد سبباً في الحال، وإذا انتفى معنى السببية لتردده بين الثبوت والعدم بقي تعليقاً كسائر التعليقات لا يمنع التصرف فيه، (و) لذا (يجوز بيعه) ورهنه وهبته (فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها) وعلق تدبيره على وجودها - بأن مات من سفره أو مرضه - (عتق كما يعتق المدبر) المطلق، لأن الصفة لما صارت معينة في آخر جزء من أجزاء الحياة أخذ حكم المدبر المطلق لوجود الإضافة إلى الموت وزوال التردد، درر]

(3/121)


باب الاستيلاد
- إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولدٍ له، لا يجوز بيعها، ولا تمليكها، وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها، ولا يثبت نسب ولدها إلا أن يعترف به المولى، فإن جاءت بعد ذلك بولدٍ ثبت نسبه بغيؤر إقرار، وإن نفاه انتفى بقوله، وإن زوجها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب الاستيلاد
هو لغةً: طلب الولد، وشرعاً: طلب المولى الولد من أمةٍ بالوطء. درر.
(إذا ولدت الأمة) ولو مدبرة (من مولاها فقد صارت أم ولد له) وحكمها حكم المدبرة: (لا يجوز بيعها، ولا تمليكها) ولا رهنها (وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها) جبراً، لأن الملك فيها قائم كما في المدبر (ولا يثبت نسب ولدها) من مولاها (إلا أن يعترف به المولى) ، لأن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد، فلابد من الدعوى، بخلاف العقد، لأن الولد يتعين مقصوداً منه فلا حاجة إلى الدعوى، كما في الهداية (فإن جاءت بعد ذلك) : أي بعد اعترافه بولدها الأول (بوله) آخر (يثبت نسبه منه بغير إقرار) ، لأنه بدعوى الأول تعين الولد مقصوداً منها، فصارت فراشه كالمعقودة (و) لكنه (إن نفاه انتفى ب) مجرد (قوله) : أي من غير لعان، لأن فراشها ضعيف، حتى يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة حتى لا ينتفي الولد بنفيه إلا باللعان لتأكيد الفراش، حتى لا يملك إبطاله بالتزويج، هداية. وفيها: وهذا الذي ذكرناه حكم، وأما الديانة فإن كان وطئها وحصنها ولم يعزل عنها فيلزمه أن يعترف به ويدعي، لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه، لأن هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر، وكذا روى عن أبي حنيفة، وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف ومحمد ذكرناهما في كفاية المنتهى، اهـ (وإن زوجها) :

(3/122)


فجاءت بولدٍ فهو في حكم أمه، وإذا مات المولي عتقت من جميع المال، ولا تلزمها السعاية للغرماء إن كان على المولى دينٌ، وإذا وطئ الرجل أمة غيره بنكاحٍ فولدت منه ثم ملكها صارت أم ولدٍ له، وإذا وطئ الأب جارية ابنه فجاءت بولدٍ فادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولدٍ له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي زوج المولى أم ولده (فجاءت بولد) من زوجها (فهو في حكم أمه) لأن حق الحرية يسري إلى الولد.
(وإذا مات المولى عتقت) أم ولده (من جميع المال) لأن الحاجة إلى الولد أصلية، فيقدم على حق الورثة والدين كالتكفين، بخلاف التدبير، لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج (ولا تلزمها) أي أم الولد (السعاية للغرماء إن كان على المولى دين) لما قلنا، ولأنها ليست بمال متقوم. حتى لا يضمن بالغضب عند أبي حنيفة، فلا يتعلق بها حق الغرماء.
(وإذا وطئ الرجل أمة غيره بنكاح فولدت منه ثم) بعد ذلك (ملكها) بوجه من وجوه الملك (صارت أم ولد له) ، لأن السبب هو الجزئية، والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل منهما كملا، وقد ثبت النسب، فتثبت الجزئية بهذه الواسطة، وقد كان المانع حين الولادة ملك الغير، وقد زال. قيد بالنكاح لأنه لو كان الوطء بالزنا لا تصير أو ولد له، لأنه لا نسبة لولد الزنا من الزاني، وإنما يعتق عليه إذا ما ملكه لأنه جزؤه حقيقة، وتمامه في البحر.
(وإذا وطئ الأب جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه) الأب (ثبت نسبه منه، وصارت أم ولد له) سواء صدقه الابن أو كذبه، ادعى الأب شبهة أو لم يدع لأن للأب أن يتملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء للأكل والشرب، فله أن يتملك جاريته

(3/123)


وعليه قيمتها، وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها، وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب، فإن كان الأب ميتاً يثبت النسب من الجد كما يثبت من الأب، وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولدٍ فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه، وصارت أم ولدٍ، وعليه نصف عقرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للحاجة إلى صيانة مائه وبقاء نسله، لأن كفاية الأب على ابنه كما مر، إلا أن الحاجة إلى صيانة مائه دون الحاجة إلى بقاء نفسه، ولذا قالوا (يتملك الطعام بلا قيمة والجارية بقيمتها) كما صرح به بقوله.
(وعليه قيمتها) : أي الجارية يوم العلوق؛ لأنها انتقلت إليه حينئذ، ويستوي فيه الموسر والمعسر؛ لأنه ضمان تملك (وليس عليه عقرها) لثبوت الملك مسنداً لما قبل العلوق ضرورة صحة الاستيلاد، وإذا صح الاستيلاد في ملكه لا يلزمه عقرها (ولا قيمة ولدها) لعلوقه حر الأصل، عبر بالجارية ليفيد أنها محل التملك، حتى لو كانت أم ولد الابن أو مدبرته لا تصح دعوى الأب ولا يثبت النسب، ويلزم الأب العقر كما في الجوهرة (وإن وطئ) الجد (أب الأب) جارية ابن ابنه (مع بقاء) ابنه (الأب لم يثبت النسب) ، لأنه لا ولاية للجد حال قيام الأب (وإن كان الأب ميتاً يثبت النسب من الجد) وصارت أم ولد له (كما يثبت من الأب) لظهور ولايته عند فقد الأب، وكفر الأب ورقه بمنزلة موته، لأنه قاطع للولاية، هداية.
(وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه) ، لأنه لما ثبت في نصيبه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ، لما أن سببه - وهو العلوق - لا يتجزأ، لأن الولد الواحد لا ينعلق من ماءين (وصارت أم ولد له) اتفاقاً: أما عندهما فظاهر، لأن الاستيلاد لا يتجزأ؛ وأما عنده فيصير نصيبه أم ولد ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك فتكمل له (و) وجب (عليه) لشريكه (نصف عقرها) ، لأنه وطئ جارية مشتركة، إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد

(3/124)


ونصف قيمتها، وليس عليه شيءٌ من قيمة ولدها، وإذا ادعياه معاً ثبت نسبه منهما، وكانت الأم أم ولدٍ لهما، وعلى كل واحدٍ منهما نصف العقر قصاصاً بماله على الآخر، ويرث الابن من كل واحدٍ منهما ميراث ابن كاملٍ، وهما يرثان منه ميراث أبٍ واحدٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه، بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه؛ لأن الملك هنالك يثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه، فيصير واطئاً ملك نفسه (و) كذا (نصف قيمتها) لأنه تملك نصيب صاحبه حين استكمل الاستيلاد؛ وتعتبر قيمتها يوم العلوق لأن أمومية الولد تثبت من ذلك الوقت، ويستوي فيه المعسر والموسر لأنه ضمان تمليك كما مر (وليس عليه شيء من قيمة ولدها) لأن النسب يثبت مستنداً إلى وقت العلوق، فلم يتعلق شيء منه على ملك الشريك، هداية (فإن ادعياه) : أي الشريكان (معاً) وكان الحبل في ملكهما (ثبت نسبه منهما) لاستوائهما في سبب الاستحقاق فيستويان فيه، والنسب وإن كان لا يتجزأ، ولكن يتعلق به أحكام متجزئة: فما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة، ومالا يقبل يثبت في حق كل كملا كأنه ليس معه غيره، إلا إذا كان أحد الشريكين أب الآخر، أو كان مسلماً والآخر ذمياً، لوجود المرجح في حق المسلم وهو الإسلام وفي حق الأب وهو ماله عليه من الحق، هداية (وكانت الأم أم ولد لهما) ، لثبوت نسب ولدها منهما (و) وجب (على كل واحد منهما نصف العقر) لصاحبه، لأن كل واحد منهما واطئ لنصيب شريكه فإذا سقط الحد لزمه العقر، ويكون ذلك (قصاصاً بما) وجب (له على الآخر) لأن كل واحد منهما وجب له على صاحبه مثل ما وجب عليه، فلا فائدة في قبضه ورده (ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل) لأنه أقر له بميراثه كله وهو حجة في حقه (وهما) : أي المدعيان بنوته (يرثان منه ميراث أب واحد) لاستوائهما في السبب قيدنا بكون الحبل في ملكهما لأنه لو اشترياها وهي حبلى بأن جاءت به لدون ستة أشهر

(3/125)


وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولدٍ فادعاه: فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه، وكان عليه عقرها وقيمة ولدها، ولا تصير أم ولدٍ له، وإن كذبه في النسب لم يثبت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو اشترياها بعد الولادة فادعياه لا تكون أم ولد لهما، لأن هذه دعوى عتق، لا دعوى استيلاد، فإن شرطها كون العلوق في الملك، فيعتق الولد مقتصراً على وقت الدعوى كما في الفتح. وفي الجوهرة: ولو اشترياها وهي حامل فولدت فادعياه فهو ابنهما ولا عقر لأحد منهما على صاحبه، لأن وطء كل منهما في غير ملك الآخر، اهـ.
(وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه) المولى (فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه) ، لوجود سبب الملك - وهو رق المكاتب - وهذا كاف في ثبوت النسب، لأنه يحتاط في إثباته (وكان عليه) لمكاتبه (عقرها) لأنه لا يتقدمه الملك، لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد (و) كذا (قيمة ولدها) لأنه في معنى الغرور حيث اعتد دليلا، وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حراً بالقيمة ثابت النسب منه، هداية (و) لكن (لا تصير) الجارية (أم ولد له) لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور، هداية (وإن كذبه) المكاتب (في) دعوى (النسب لم يثبت) ، لأن فيه إبطال ملك المكاتب، فلا يثبت إلا بتصديقه، وهذا ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف: لا يعتبر تصديقه، اعتباراً بالأب يدعي جارية ابنه، ووجه ظاهر الرواية - وهو الفرق - أن المولى لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه حتى لا يتملكه، والأب يملك تملكه، فلا معتبر بتصديق الابن، هداية

(3/126)