اللباب في شرح الكتاب

كتاب المكاتب
- وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مالٍ شرطع عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتباً، ويجوز أن يشترط المال حالاً ومؤجلاً ومنجماً وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء.
وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب من يد المولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب المكاتب
أورده هنا لأن الكتابة من توابع العتق كالتدبير والاستيلاد.
وهي لغة: الضم والجمع، ومنه الكتيبة للجيش العظيم، والكتب لجمع الحروف في الخط. وشرعاً: تحرير المملوك يداً حالاً ورقبة مآلا، أي: عند أداء البدل. وركنها: الإيجاب والقبول، وشرطها: كون البدل معلوماً، كما أشار إلى ذلك بقوله: (إذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال) معلوم (شرطه عليه، وقبل العبد ذلك؛ صار) العبد (مكاتباً) لوجود الركن والشرط، والأمر في قوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} للندب على الصحيح، والمراد بالخير أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فلو يضر بهم فالأفضل تركه، وإن كان يصح لو فعله، كما في الهداية.
(ويجوز أن يشترط) المولى (المال) كله (حالا، و) يجوز أن يشترطه كله (مؤجلا) إلى أجل معلوم (و) يجوز (منجماً) أي مقسطاً على أزمنة معينة، لأنه عقد معاوضة؛ فأشبه الثمن في البيع (ويجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء) إذ العاقل من أهل القبول، والتصرف نافع في حقه، فيجوز.
(وإذا صحت الكتابة) بوجود ركنها وشرطها (خرج المكاتب من يد المولى)

(3/127)


ولم يخرج من ملكه، فيجوز له البيع والشراء والسفر، ولا يجوز له التزوج إلا بإذن المولى، ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير، ولا يتكفل، فإن له ولدٌ من أمةٍ له دخل في كتابته، وكا حكمه كحكمه، وكسبه له، وإن زوج المولى عبده من أمته ثم كاتبها فولدت منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لتحقيق مقصد الكتابة، وهو أداء البدل] .
(ولم يخرج من ملكه) : أي المولى؛ لأنه عقد معاوضة فيقتضي المساواة بين المتعاقدين؛ وينعدم ذلك بتنجيز العتق، ويتحقق بتأخره، فيثبت للمكاتب نوع مالكية، وللمولى البدل في زمنه، فإن أعتقه عتق بعتقه لأنه مالك لرقبته، وسقط عنه بدل الكتابة. كما في الهداية (فيجوز له البيع والشراء والسفر) ؛ لأن موجب الكتابة أن يصير حراً يداً بمالكيه التصرف مستبداً به تصرفا يوصله إلى المقصود وهو نيل الحرية بأداء البدل، والبيع والشراء من هذا القبيل، وكذلك السفر، لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فيحتاج إلى المسافرة، ويملك البيع بالمحاباة؛ لأنه من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة ليربح في الأخرى، هداية.
(ولا يجوز له التزوج إلا بإذن المولى) ، لأن الكتابة فك الحجر مع قيام ضرورة التوصل إلى المطلوب؛ والتزوج ليس وسيلة إليه. ويجوز بإذن المولى لأن الملك له، هداية (ولا يهب) المكاتب (ولا يتصدق) لأنه تبرع وهو لا يملكه (إلا) أن يكون (بالشيء اليسير) ، لأنه من ضرورة التجارة، ومن ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته وتوابعه (ولا يتكفل) لأنه تبرع محض، وليس من ضروريات التجارة والاكتساب (فإن ولد له ولد من أمة له) فادعاه ثبت نسبه منه، وإن كان لا يجوز له الاستيلاد، و (دخل) الولد (في الكتابة) لأن المكاتب من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق، فيجعل مكاتباً تحقيقاً للصلة بقدر الإمكان (وكان حكمه) : أي الولد (كحكمه) أي الأب (وكسبه له) ، لأن كسب الولد كسبه، وكذا إذا ولدت المكاتبة من زوجها (وإن زوج المولى عبده من أمته ثم كاتبهما فولدت منه) :

(3/128)


ولداً دخل في كتابتها وكان كسبه لها، وإن وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر، وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية، وإن أتلف مالاً لها غرمه وإذا اشترى المكاتب أباه أو ابنه دخل في كتابته، وإن اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها، وإن اشترى ذا رحمٍ محرمٍ منه لا ولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي من زوجها المكاتب (ولداً دخل) الولد (في كتابتها) : أي الأمة (وكان كسبه لها) لأن تبعية الأم أرجح، ولهذا يتبعها في الرق والحرية (وإن وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر) ؛ لأنها صارت أحق بأجزائها، ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان (وإن جنى عليها أو على ولدها) جناية خطأ (لزمته الجناية) لما بيناه، قيدنا الجناية بالخطأ لأن جناية العمد تسقط للشبهة، كما في الجوهرة (وإن أتلف مالا لها غرمه) لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها (وإذا اشترى المكاتب أباه) وإن علا (أو ابنه) وإن سفل (دخل في كتابته) ؛ لما مر من أنه أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق، فيجعل مكاتباً تحقيقاً للصلة بقدر الإمكان، ألا يرى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه، كما في الهداية (وإن اشترى أم ولده) مع ولدها منه (دخل ولدها في الكتابة) ؛ لأنه ولده، ولم تدخل هي (و) لكن (لم يجز له بيعها) لأنها أم ولده، وإن لم يكن معها ولد فكذلك الجواب عندهما، خلافاً لأبي حنيفة، قال الإسبيجاني: الصحيح قوله، ومشى عليه المحبوبي، تصحيح (وإن اشترى) المكاتب (ذا رحم محرم منه لا ولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة) ؛ لأن المكاتب له كسب لا ملك، والكسب يكفي للصلة في الولاد دون غيره، حتى إن القادر على الكسب يخاطب بنفقة قرابة الولاد دون غيرها، لأنها على الموسر كما مر، وقالا: يدخل، اعتباراً

(3/129)


وإذا عجز المكاتب عن نجمٍ نظر الحاكم في حاله، فإن كان له دينٌ يقتضيه، أو مالٌ يقدم إليه، لم يعجل بتعجيزه، وانتظر عليه اليومين والثلاثة، وإن لم يكن له وجهٌ وطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة، وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان؛ وإذا عجز المكاتب عاد إلى أحكام الرق، وكان ما في يده من الأكساب لمولاه، وإن مات المكاتب وله مالٌ لم تنفسخ الكتابة وقضيت كتابته من أكيابه وحكم بعتقه في آخر جزء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بقرابة الولاد، لأو وجوب الصلة ينتظمها، ولهذا لا يفترقان في الحر في حق الحرية قال في التصحيح: وجعل الإسبيجاني قوله استحساناً: واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما، اهـ.
(وإذا عجز المكاتب عن) أداء (نجم نظر الحاكم في حاله) بالسؤال منه، (فإن كان له دينٌ يقتضيه، أو مال) في يد غائب (يقدم) عليه (لم يعجل بتعجيزه وانتظر عليه اليومين والثلاثة) نظراً للجانبين. والثلاثة هي المدة التي ضربت لإبلاء العذر: كإمهال الخصم للدفع، والمديون للقضاء، فلا يزاد عليه، هداية (وإن لم يكن له وجه، وطلب المولى تعجيزه عجزه) الحاكم (وفسخ الكتابة) لتبين عجزه، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد (وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان) قال جمال الإسلام في شرحه: الصحيح قول أبي حنيفة ومحمد، واعتمده البرهاني والنسفي وغيرهما، تصحيح.
(وإذا عجز المكاتب) بالقضاء أو الرضا (عاد إلى أحكام الرق) لانفساخ الكتابة (وكان ما في يده من الأكساب للمولى) ؛ لأنه ظهر أنه كسب عبده لأنه كان موقوفاً عليه أو على مولاه، وقد زال التوقف (وإن مات المكاتب وله مال) يفي ببدله (لم تنفسخ الكتابة وقضيت كتابته من أكسابه) حالا (وحكم بعتقه في آخر جزء

(3/130)


من أجزاء حياته، وإن لم يترك وفاءً وترك ولداً مولوداً في الكتابة سعى في كتابة أبيه على نجومه، وإذا أدى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد، وإن ترك ولداً مشترى في الكتابة قيل له: إما أن تؤدي الكتابة حالاً، وإلا رددت في الرق.
وإذا كاتب المسلم عبده على خمرٍ أو خنزيرٍ أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدةٌ، فإن أدى الخمر عتق ولزمه أن يسعى في قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من أجزاء حياته) وما بقي فهو ميراث لورثته. وتعتق أولاده تبعاً له (وإن لم يترك وفاءً وترك ولداً مولوداً في الكتابة سعى) الولد (في كتابة أبيه على نجومه) المنجمة عليه (فإذا أدى) ما على أبيه (حكمنا بعتق أبيه قبل موته، وعتق الولد) الآن؛ لأن الولد داخل في كتابته، وكسبه ككسبه، فيخلفه في الأداء، وصار كما إذا ترك وفاه (وإن ترك ولداً مشترى قيل له) أي للولد: (إما أن تؤدي الكتابة حالا، وإلا رددت في الرق) ؛ لأنه لم يدخل تحت العقد لعدم الإضافة إليه، ولا يسري إليه حكمه لانفصاله، بخلاف المولود في الكتابة، لأنه متصل به وقت الكتابة فيسري الحكم إليه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: هو كالمولود في الكتابة، لأنه يكاتب تبعاً فاستويا كما في الاختيار] .
(وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمة نفسه فالكتابة فاسدة) ، لأن الخمر والخنزير ليسا بمال في حق المسلم فتسميتهما تفسد العقد، وكذلك القيمة، لأنها مجهولة (فإن أدى) ما كوتب عليه، أعني (الخمر) أو الخنزير (عتق) المكاتب بالأداء؛ لأنهما مال في الجملة (ولزمه أن يسعى في قيمته) : أي قيمة نفسه، لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد، وقد تعذر ذلك بالعتق؛ فيجب رد قيمته، كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع، وأما فيما إن كاتبه على قيمة نفسه فإنه يعتق بأداء القيمة، لأنه هوالبدل، بخلاف ما كان كاتبه على ثوب حيث لا يعتق بأداء ثوب، لأنه لا يوقف فيه على مراد العاقد؛ لاختلاف أجناسه، فلا يثبت العتق

(3/131)


ولا ينقص من المسمى ويزاد عليه، وإن كاتبه على حيوانٍ غير موصوفٍ فالكتابة جائزةٌ، وإذا كاتب عبديه كتابةً واحدةً بألف درهمٍ: إن أديا عتقا، وإن عجزا ردا إلى الرق، وإن كاتبهما على أن كل واحدٍ منهما ضامنٌ عن الآخر جازت الكتابة، وأيهما أدى عتقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بدون إرادته كما في الهداية. واعلم أنه متى سمى مالا وفسدت الكتابة بوجه من الوجوه وجبت قيمته (و) لكن (لا ينقص من المسمى ويزاد عليه) وذلك كمن كاتب عبده على ألف رطل من خمر فأدى ذلك عتق ووجبت عليه قيمة نفسه إن كانت أكثر من الألف، وإن كانت أقل لا يسترد الفضل، وتمامه في التصحيح، قال في المبسوط: إذا كاتب عبده بألف على أن يخدمه أبداً فالكتابة فاسدة، فتجب القيمة، فإن كانت ناقصة عن الألف لا ينتقص، وإن كانت زائدة زيدت عليه، اهـ.
(وإن كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة) قال في الهداية: ومعناه أن يبين الجنس ولا يبين النوع والصفة، وينصرف إلى الوسط، ويجبر على قبول القيمة، وقد مر في النكاح، أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول (دابة) لا يجوز، لأنه يشمل أجناساً فتتفاحش الجهالة، وإذا بين الجنس كالعبد فالجهالة يسيرة، ومثلها يتحمل في الكتابة، اهـ. (وإن كاتب عبديه كتابة واحدة بألف درهم) مثلا جاز، ثم (إن أديا) الألف (عتقا) ، لحصول الشرط (وإن عجزا ردا إلى الرق) ولا يعتقان إلا بأداء الجميع، لأن الكتابة واحدة فكانا كشخص واحد (وإن كاتبهما على أن كل واحد منهما ضامن عن الآخر) حصته (جازت الكتابة، وأيهما أدى) البدل (عتقا)

(3/132)


ويرجع على شريكه بنصف ما أدي؛
وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بعتقه، وسقط عنه مال الكتابة، وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة، وقيل له: أد المال إلي ورثة المولى على نجومه، فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه، وإن أعتقوه جميعاً عتق، وسقط عنه مال الكتابة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جميعاً (ويرجع) الذي أدى (على شريكه بنصف ما أدى) ويشترط في ذلك قبولهما جميعاً؛ فإن قبل أحدهما ولم يقبل الآخر بطل؛ لأنهما صفقة واحدة، وللمولى أن يطالب كل واحد منهما بالجميع نصفه بحق الأصالة ونصفه بحق الكفالة، وأيهما أدى شيئاً رجع على صاحبه بنصفه: قليلا كان أو كثيراً؛ لأنهما مستويان في ضمان المال، فإن أعتق المولى أحدهما عتق وسقطت حصته عن الآخر، ويكون مكاتباً بما بقي، ويطال المكاتب بأداء حصته بطريق الأصالة، والمعتق بطريق الكفالة، فإن أداها المعتق رجع بها على صاحبه، وإن أداها المكاتب لم يرجع بشيء، لأنها مستحقة عليه، جوهرة.
(وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بعتقه) لقيام ملكه (وسقط عنه مال الكتابة) مع سلامة الأكساب والأولاد له.
(وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة) كيلا يؤدي إلى إبطال حق المكاتب؛ إذ الكتابة سبب الحرية، وسبب حق المرء حقه (وقيل له) أي المكاتب: (أد المال) المعين عليك (إلى ورثة المولى على نجومه) ، لأنه استحق الحرية على هذا الوجه، والسبب انعقد كذلك، فيبقى بهذه الصفة، ولا يتغير، إلا أن الورثة يخلفونه في الاستيفاء (فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه) لأنه لم يملكه، لأن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذا الوراثة، هداية. وإنما ينتقل إلى الورثة ما في ذمته من المال (وإن أعتقوه) : أي الورثة (جميعاً عتق) مجاناً استحساناً (وسقط عنه مال الكتابة) ، لأنه يصير إبراءً من بدل الكتابة، وبراءته منه توجب عتقه، وويعتق من جهة الميت، حتى إن

(3/133)


وإذا كاتب المولى أم ولده جاز، وإن مات المولى سقط عنها مال الكتابة، وإن ولدت مكاتبته منه بالخيار: إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولدٍ له، وإذا كاتب مدبرته جاز، فإن مات المولى ولا مال له كانت بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة، وإن دبر مكاتبته صح التدبير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الولاء يكون للذكور من عصبته دون الإناث، ولا يشبه هذا ما إذا أعتقه بعضهم، لأن إبراءه إنما يصادف حصته، ولو برئ من حصته بالأداء لم يعتق، فكذا هذا كما في الجوهرة.
(وإذا كاتب المولى أم ولد جاز) لبقاء ملكه فيها (فإن مات المولى) قبل الأداء (سقط عنها مال الكتابة) لعتقها بالاستيلاد، فيبطل حكم الكتابة وتسلم لها الأكساب والأولاد (وإن ولدت مكاتبته) : أي المولى (منه فهي بالخيار: إن شاءت مضت على الكتابة) وأخذت العقر من مولاها (وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد له) لأنه تلقتها جهتا حرية: عاجل ببدل، وآجل بغير بدل، فتخير بينهما، ونسب ولدها ثابت من المولى (وإذا كاتب) المولى (مدبرته جاز) لحاجتها إلى تعجيل الحرية (فإن مات المولى) قبل أداء البدل (ولا مال له) غيرها (كانت بالخيار بين أن تسعى) للورثة (في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: تسعى في الأقل منهما، وقال محمد: تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة، فالخلاف في الخيار والمقدار: فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار، ومع محمد في نفي الخيار، قال الإسبيجاني: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (وإن دبر مكاتبته صح التدبير) ؛ لما مر من أنه

(3/134)


ولها الخيار: إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرةً، وإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له فهي بالخيار: إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة، وإذا أعتق المكاتب عبده على مالٍ لم يجز، وإن وهب على عوضٍ لم يصح، وإن كاتب عبده جاز، فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاوه للمولى، وإن أدى بعد عتق المكاتب الأول فولاوه له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تلقتها جهتا حرية (ولها الخيار: إن شاءت مضت على الكتابة) تعجيلا للحرية (وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة) لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك (فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له) غيرها (فهي بالخيار: إن شاءت سعت) للورثة (في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة) وقالا: تسعى في الأقل منهما، فالخلاف في هذا الفصل بناء على ما ذكرنا، أما المقدار فمتفق عليه، هداية. والذي ذكره هو تجزؤ الإعتاق، وقد تقدم مراراً أن الفتوى فيه على قول الإمام كما نقلته عن الأئمة الأعلام، وعلى هذا مشى الإمام المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح (وإذا أعتق المكاتب عبده على مال لم يجز) ، لأنه ليس من الكسب ولا من توابعه؛ لأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس، وكذلك تزويجه، لأنه تعييب له بشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة؛ لأنه اكتساب باستفادة المهر، كما في الهداية (و) وكذا (إذا وهب على عوض لم يصح) ، لأنها تبرع ابتداء (وإن كاتب) المكاتب (عبده جاز) استحساناً، لأنه عقد اكتساب، وقد يكون أنفع من البيع؛ لأنه لا يزيل الملك إلا بعد وصول البدل إليه (فإن أدى الثاني) البدل (قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى) لأن فيه نوع الملك فيصح إضافة الإعتاق إليه في الجملة، فإذا تعذر إضافته إلى مباشر العقد لعدم الأهلية أضيف إليه (وإن أدى بعد عتق المكاتب الأول فولاؤه له) لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل قيثبت له، هداية

(3/135)