اللباب
في شرح الكتاب كتاب السرقة
- إذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم، أو ما قيمته عشرة دراهم، مضروبةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ومن حده الإمام أو عزره فمات) منه (فدمه هدر) لأنه فعل ما فعل بأمر الشرع،
وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ، بخلاف الزوج إذا عزر
زوجته، لأنه مطلق فيه والإطرقات تتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق،
هداية.
(وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته وإن تاب) لقوله تعالى: {ولا تقبلوا
لهم شهادة أبدا} والاستثناء في الآية عائد إلى ما يليه، وتمامه في الهداية
في الشهادات (وإن حد الكافر في القذف ثم أسلم قبلت شهادته) لأن هذه الشهادة
استفادها بعد الإسلام فلم تدخل تحت الرد، بخلاف العبد إذا حد حد القذف، ثم
أعتق لا تقبل شهادته، لأنه لا شهادة له أصلا في حال الرق، فكان رد شهادته
بعد العتق من تمام حده، هداية.
كتاب السرقة
وهي في اللغة: أخذ الشيء من الغير على الخفية والاستسرار، ومنه استراق
السمع، وقد زيدت عليه أوصاف في الشريعة على ما يأتيك بيانه، هداية.
(إذا سرق البالغ العاقل) الناطق البصير (عشرة دراهم) حيادا (أو ما) أي شيئا
مما لا يتسارع إليه الفساد (قيمته عشرة دراهم) سواء كانت الدراهم (مضروبة
أو غير مضروبة من حرز) وهو ما يمنع وصول يد الغير، سواء كان بناء أو حافظا
(لا شبهة فيه) ولا تأويل، بمرة واحدة، اتحد المالك أم تعدد (وجب عليه
القطع) ، والأصل فيه قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}
الآية، ولا يد من اعتبار العقل والبلوغ، لأن القطع جزاء الجناية، وهي لا
تتحقق بدونهما. قيدنا بالنطق لأن الأخرس لا يقطع؛ لاحتمال نطقه بشبهة،
وبالبصير لأن الأعمى لا يقطع للشبهة وبالاشتباه عليه، وقيد بعشرة دراهم لأن
النص الوارد في حق السرقة مجمل في حق القيمة، وقد ورد في السنة بيانه في
الجملة بثمن لمجن، وقال أصحابنا: المجن الذي قطعت فيه اليد على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم كان يساوي عشرة دراهم، وعمم في الدراهم بقوله (مضروبة
أو غير مضروبة) وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، ولكن ظاهر الرواية يشترط
المضروب، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وهو الأصح؛ لأن اسم الدرهم يطلق على
المضروب عرفا، وظاهر كلام الهداية يدل على أن عبارة المصنف مقيدة بالمضروبة
حيث قال: وقد تأيد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (لا قطع إلا في دينار أو
عشرة دراهم) واسم الدراهم يطلق على المضروبة، فهذا يبين لك اشتراط المضروب
كما قال في الكتاب، وهو ظاهر الرواية وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى
لو سرق عشرة تبراً قيمتها أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، اهـ. وتبعه في
هذا الكمال في الفتح قائلا: كما ذكره القدوري، لكن في غاية البيان بعد نقله
كلام الهداية: وهذا صحيح، لكن في نقله عن القدوري نظر، لأن الشيخ أبا نصر
الأقطع ذكر في الشرح - وهو تلميذ القدوري - رواية المختصر، ولم يقيد
بالمضروبة؛ بل أثبت الرواية بقوله (مضروبة أو غير مضروبة) ثم قال: أما قول
صاحب الكتاب (عشرة دراهم مضروبة
(3/200)
أو غير مضروبةٍ، من حرزٍ لا شبهة فيه، وجب
عليه القطع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو غير مضروبة) فهو قول أبي حنيفة، ثم قال: وروى بشر عن أبي يوسف وابن
سماعة عن محمد فيمن سرق عشرة دراهم تبراً لا يقطع، اهـ، وقوله (أو ما يبلغ
قيمته عشرة دراهم)
(3/201)
والعبد والحر في القطع سواءٌ.
ويجب القطع بإقراره مرةً واحدةً، أو بشهادة شاهدين.
وإذا اشترك جماعةٌ في سرقةٍ فأصاب كل واحدٍ منهم عشرة دراهم قطع، وإن أصابه
أقل من ذلك لم يقطع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إشارة إلى أن غير الدرهم يعبر قيمته بها وإن كان ذهباً، كما في الهداية.
وقيد بالحرز، لأن الاستسرار لا يتحقق دونه، ويشترط أن يكون الحرز واحدا،
فلو سرق نصابا من حرزين مختلفين لا يقطع، وشرط عدم الشبهة لأن الشبهة دارئة
للحد، وكذا التأويل كما يأتي، وقيدنا بمرة واحدة، لأنه لو سرق نصابا واحدا
من حرز واحد بمرتين فأكثر لا يقطع (والعبد والحر في القطع سواء) ؛ لأن
التصنيف متعذر فيتكامل الجزاء، صيانة لأموال الناس.
(ويجب القطع بإقراره مرة واحدة) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد،
وقال أبو يوسف: لا يقطع إلا بإقرار مرتين، ويروى عنه أنهما في مجلسين
مختلفين، اهـ. قال في التصحيح: وتقدم تصحيح الإسبيجاني لقولهما، وعليه
اعتمد الأئمة كما هو الرسم (أو بشهادة شاهدين) لتحقق الظهور كما في سائر
الحقوق، ويسألهما الإمام: كيف هي؟ وما هي؟ ومتى هي؟ وأين هي؟ وكم هي؟ وممن
سرق؟ لزيادة الاحتياط، واحتيالا للدرء كما مر في الحدود، وكذا يسأل المقر
عن الكل إلا الزمان، وما في الفتح (إلا المكان) تحريف كما في النهر.
(وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم) بالقسمة على السوية (عشرة
دراهم) أو ما تبلغ قيمته ذلك (قطع) الجميع، وإن كان الآخذ بعضهم، لوجود
الأخذ من الكل معنى، لأن المعتاد أن يتولى الأخذ بعضهم ويستعد الباقون
للدفع (وإن أصابه) : أي كل واحد منهم (أقل من ذلك لم يقطع) واحد منهم، "لأن
(3/202)
ولا يقطع فيما يوجد تافهاً مباحاً في دار
الإسلام، كالخشب، والقصب؛ والحشيش، والسمك، والصيد، وكذلك فيما يسرع إليه
الفساد، كالفواكه الرطبة، واللبن، واللحم، والبطيخ، والفاكهة على الشجر،
والزرع الذي لم يحصد، ولا قطع في الأشربة المطربة، ولا في الطنبور، ولا في
سرقة المصحف وإن كان عليه حلية ولا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الموجب له سرقة النصاب، ويجب القطع على كل واحد بجنايته، فيعتبر كمال
النصاب في حقه.
(ولا يقطع فيما يوجد تافها) : أي حقيراً، ويوجد جنسه (مباحا في دار
الإسلام) وذلك (كالخشب والقصب والحشيش والسمك والطير والصيد) والمغرة
والنورة والزرنيخ ونحو ذلك، لأن ما يوجد في الأصل مباحا بصورته تقل الرغبات
فيه والطباع لا تضن به، فقلما يوجد أخذه على كره من المالك، فلا حاجة إلى
شرع الزاجر؛ ولهذا لم يجب القطع بما دون النصاب، ولأن الحرز فيه ناقص
(وكذلك) : أي لا قطع (فيما يسرع إليه الفساد) بأن لا يبقى سنة كما في
القهستاني عن المفسرات (كالفواكه الرطبة واللحم واللبن والبطيخ) ، لقوله
صلى الله عليه وسلم: (لا قطع في الطعام) قالوا: معناه ما يتسارع إليه
الفساد، لأنه يقطع في الحبوب والسكر إجماعا كما في الاختيار (ولا في الزرع
الذي لم يحصد) والثمر على الشجر، لعدم الإحراز (ولا قعط في الأشربة
المطربة) لاحتمال أنه تناولها للإراقة، ولأن بعضها ليس بمال وفي مالية
بعضها اختلاف، فتتحقق شبهة عدم المالية (ولا في الطنبور) وجميع آلات اللهو،
لاحتمال تناوله للكسر نهياً عن المنكر (ولا في سرقة المصحف) لأنه يتأول في
أخذه للقراءة والنظر فيه (وإن كان عليه حلية) تبلغ نصابا، لأنها تبع، ولا
معتبر بالتبع، كمن سرق آنية وفيها خمر وقيمة الآنية تزيد على النصاب (ولا
في) سرقة
(3/203)
الصليب الذهب، ولا في الشطرنج ولا النرد،
ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حليٌ، ولا قطع في سرقة العبد
الكبير، ويقطع في سرقة العبد الصغير، ولا قطع في الدفاتر كلها إلا في دفاتر
الحساب، ولا قطع في سرقة كلبٍ، ولا فهدٍ، ولا دفٍ، ولا طبلٍ، ولا مزمارٍ،
ويقطع في الساج والقنا والآبنوس والصندل، وإذا اتخذ من الخشب أوانٍ أو
أبوابٌ قطع فيها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(الصليب) أو الصنم (الذهب) أو الفضة، لأنه مأذون في كسره (ولا في) سرقة
(الشطرنج ولا النرد) لأنها من الملاهي كما مر (ولا قطع على سارق الصبي الحر
وإن كان عليه حلى) يبلغ النصاب، لأن الحر ليس بمال، والحلية تبع له (ولا
قطع في سرقة العبد الكبير) ، لأنه غصب أو خداع، لأنه في يد نفسه (ويقطع في
سرقة العبد الصغير) الذي لا يعبر عن نفسه لأنه مال، ولا يد له على نفسه
كالبهيمة، وإذا كان يعبر عن نفسه فهو والبالغ سواء (ولا قطع في) سرقة
(الدفاتر كلها) لأنها لو شرعية ككتب تفسير وحديث وفقه فكمصحف وإلا فكطنبور
كما في الدر (إلا في دفاتر الحساب) ، لأن المقصود ورقها فيقطع بها إن بلغت
نصابا (ولا قطع في سرقة كلب ولا فهد) ونحوه، ولو عليه طوق من ذهب، لأن من
جنسها مباح الأصل، وما عليها تبع لها (ولا) في سرقة (دف ولا طبل ولا مزمار)
لأنها من آلات اللهو (ويقطع في) سرقة خشب (الساج) قال الزمخشري: هو خشب
أسود رزين يجلب من الهند، ولا تكاد الأرض تبليه (والقنا) جمع قناة، وهي
الرمح (والآبنوس) خشب معروف أشد سواداً من الساج (والصندل) شجر طيب الرائحة
وكذا العود، لأنها أموال محرزة عزيزة عند الناس، ولا توجد بصورتها مباحة في
دار الإسلام (وإذا اتخذ من الخشب) الذي لا يقطع به (أوان) كصندوق وقصعة (أو
أبواب قطع فيه) إذا كانت محرزة، لأنها بالصنعة التحقت بالأموال النفيسة
(3/204)
ولا قطع على خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا نباشٍ،
ولا منتهبٍ، ولا مختلسٍ.
ولا يقطع السارق في بيت المال، ولا من مالٍ للسارق فيه شركةٌ، ومن سرق من
أبويه أو ولده أو ذي رحمٍ محرمٍ منه لم يقطع، وكذلك إ سرق أحد الزوجين من
الآخر، أو العبد من سيده، أو من امرأة سيده، أو زوج سيدته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا قطع على خائن) لما ائتمن عليه كمودع (ولا خائنة) لقصور الحرز (ولا)
على (نباش) للقبر، سواء كان في الصحراء أو في البيت ولو مقفلا، للشبهة في
الملك، لأنه لا ملك للميت حقيقة، ولا للوارث لتقدم حاجة الميت. قال
الإسبيجاني: وهذا أقول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: عليه القطع،
والصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح (ولا) على
(منتهب) وهو الآخذ قهراً (ولا مختلس) وهو الآخذ من اليد بسرعة على غفلة،
لأن كلا منهما يجاهر بفعله، فلم يتحقق معنى السرقة.
(ولا يقطع السارق من بيت المال) ، لأنه مال العامة وهو منهم (ولا من مال
للسارق فيه شركة) لأن له فيه حقا، ومن له على آخر دراهم فسرق مثلها لم
يقطع، لأنه استيفاء لحقه، والحال والمؤجل فيه سواء، لأن التأجيل لتأخير
المطالبة، وكذا إذا سرق زيادة على حقه؛ لأنه بمقدار حقه يصير شريكا فيه،
وإن سرق منه عروضاً قطع؛ لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه إلا بيعاً
بالتراضي، وعن أبي يوسف أنه لا يقطع، لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء
من حقه أو رهنا به، هداية (ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رجحم محرم منه
لم يقطع) فالأول - وهو الولاد - للبسوطة في المال، وفي الدخول في الحرز،
والثاني للمعنى الثاني؛ فلو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره ينبغي أن
لا يقطع، ولو سرق ماله من بيت غيره قطع، اعتباراً للحرز وعدمه كما في
الهداية (وكذلك) : أي لا يقطع (إذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من
سيده، أو من امرأة سيده، أو) من (زوج سيدته) ، لوجود الإذن
(3/205)
والمولى من مكاتبه، والسارق من المغنم.
والحرز على ضربين حرز لمعنىً فيه، كالبيوت والدور، وحرزٍ بالحافظ فمن سرق
شيئاً من حرزٍ أو غير حرزٍ وصاحبه عنده يحفظه وجب عليه القطع، ولا قطع على
من سرق من حمامٍ أو من بيتٍ أذن للناس في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالدخول عادة (و) كذا إذا سرق (المولى من مكاتبه) ، لأن له في أكسابه حقاً
(و) كذا (السارق من المغنم) إذا كان له نصيب في الأربعة أخماس أو في الخمس
كالغانمين؛ لأن لهم فيه نصيبا، أما غيرهم فينبغي أن يقطع، إلا أن يقال: إنه
مباح الأصل، وهو بعد على صورته التي كان عليها ولم يتغير، فصار بقاؤه شبهة،
فسقط القطع كما في غاية البيان.
(والحرز على ضربين: حرز لمعنى فيه) وهو المكان المعد للاحراز، وذلك
(كالبيوت والدور) والحانوت والصندوق والفسطاط، وهو الحرز حقيقة (وحرز
بالحافظ) كمن جلس في الطريق أو المسجد وعنده متاعه فهو محرز به فيكون حرزا
معنى (فمن سرق شيئاً من حرز) وإن لم يكن صاحبه عنده أو لم يكن له باب أوله
وهو مفتوح (أو) من (غير حرز و) لكن (صاحبه عنده يحفظه) سواء كان مستيقظاً
أو نائما والمتاع تحته أو عنده، وهو الصحيح؛ لأنه يعد النائم عند متاعه
حافظا له في العادة، هداية (وجب عليه القطع) ؛ لأنه سرق مالا محرزاً بأحد
الحرزين (ولا قطع على من سرق من حمام) في وقتٍ جرت العادة بدخوله فيه، وكذا
حوانيت التجار والخانات؛ لوجود الإذن عادة، فلو سرق في غير وقت الإذن
المعتاد قطع، لأنها بنيت للاحراز، وإنما الإذن مختص في وقت العادة (أو من
بيت أذن للناس في
(3/206)
دخوله ومن سرق من المسجد متاعاً وصاحبه
عنده قطع، ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، وإذا نقب اللص البيت،
فدخل، فأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما، وإن ألقاه في
الطريق ثم خرج فأخذه قطع، وكذا إن حمله على حمارٍ فساقه فأخرجه، وإذا دخل
الحرز جماعةٌ فتولى بعضهم الأخذ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دخوله) ؛ لوجود الإذن حقيقة (ومن سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده قطع)
لأنه محرر بالحافظ؛ لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال، فلم يكن المال محرزا
بالمكان، بخلاف الحمام والبيت الذي أذن للناس في دخوله حيث لا يقطع؛ لأنه
بني للاحراز؛ فكان حرزاً؛ فلا يعتبر معه الإحراز بالحافظ لأنه أقوى كما في
الهداية (ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه) ، لأن البيت لم يبق حرزاً
في حقه، لكونه مأذونا في دخوله، ولأنه بمنزلة أهل الدار، فيكون فعله خيانة،
لا سرقة (وإذا نقب اللص البيت ودخل فأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا
قطع عليهما) ؛ لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال
قبل خروجه، والثاني لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد. قال
جمال الإسلام: وهذا قول أبي حنيفة، وعليه مشى الأئمة المحبوبي والنسفي
والموصلي وغيرهم. تصحيح (وإن ألقاه) أي ألقى اللص المتاع (في الطريق) قبل
أن يخرج (ثم خرج فأخذه قطع) ، لأن الرمي حيلة يعتاد السراق لتعذر الخروج مع
المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار أو للفرار، ولم يعترض عليه يد معتبرة،
فاعتبر الكل فعلا واحدا، وإذا خرج ولم يأخذه فهو مضيع لا سارق. هداية
(وكذلك) : أي قطع (إن حمله) : أي المتاع (على حمار فساقه فأخرجه) لأن سيره
مضاف إليه لسوقه (وإذا دخل الحرز جماعة فتولى بعضهم الأخذ) دون البعض
(3/207)
قطعوا جميعاً.
ومن نقب البيت فأدخل يده فيه فأخذ شيئاً لم يقطع، وإذا أدخل يده في صندوق
الصيرفي، أو في كم غيره، فأخذ المال، قطع.
وتقطع يمين السارق من الزند وتحسم، فإن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى، فإن
سرق ثالثاً لم يقطع وخلد في السجن حتى يتوب؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(قطعوا جميعاً) لأن الإخراج من الكل معنى للمعاونة، وهذا لأن المعتاد فيما
بينهم أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع، فلم امتنع القطع أدى إلى
سد باب الحد.
(ومن نقب البيت وأدخل يده فيه) من غير أن يدخل (فأخذ شيئاً) يبلغ النصاب
(لم يقطع) ، لأن هتك الحرز بالخول فيه، ولم يوجد، قال بهاء الدين في شرحه:
وعن أبي يوسف أنه يقطع، والصحيح قولنا، واعتمده البرهاني وغيره، تصحيح (وإن
أدخل يده في صندوق الصيرفي أو في كم غيره فأخذ المال قطع) ، لتحقق هتك
الحرز، لأنه لا يمكن هتك مثل هذا الحرز إلا على الصفة (ويقطع يمين السارق
من الزند) وهو المفصل بين الذراع والكف (وتحسم) وجوبا؛ لأنه لو لم تحسم
يفضي إلى التلف، والحد زاجر لا متلف، وصورة الحسم: أن تجعل يده بعد القطع
في دهن قد أغلي بالنار لينقطع الدم، قال في الذخيرة: والأجرة وثمن الدهن
على السارق، لأن منه سبب ذلك وهو السرقة، جوهرة.
(فإن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى) من الكعب، وهو المفصل بين الساق والقدم،
وتحسم أيضاً (فإن سرق ثالثاً لم يقطع) ولكن عزر (وخلد في السجن حتى يتوب)
لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إني لأستحي من الله أن لا أدع له
يداً يأكل بها ويستنجي بها، ورجلا يمشي عليها، وبهذا حاج بقية الصحابة
فحجهم، فانعقد إجماعاً، هداية
(3/208)
وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى، أو أقطع،
أو مقطوع الرجل اليمنى، لم يقطع.
ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة، فإن وهبها من
السارق، أو باعها إياه، أو نقصت قيمتها من النصاب، لم يقطع.
ومن سرق عيناً فقطع فيها وردها ثم عاد فسرقها وهي بحالها، لم يقطع، فإن
تغيرت عن حالها، مثل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع) : أي مقطوعها (أو مقطوع الرجل
اليمنى) أو أشلها (لم يقطع) ، لأن في ذلك تفويت جنس المنفعة: بطشاً فيما
إذا كان أشل اليد اليسرى أو أقطع، ومشياً فيما إذا كان مقطوع الرجل اليمنى
أو أشل، وتفويت ذلك إهلاك معنى، فلا يقام الحد، لئلا يفضي إلى الإهلاك.
(ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة) ؛ لأن الخصومة
شرط لظهورها، ولا فرق بين الشهادة والإقرار؛ لأن الجناية على مال الغير لا
تظهر إلا بالخصومة، وكذا إذا غاب عند القطع؛ لأن الاستيفاء من القضاء في
باب الحدود، هداية (فإن وهبها) : أي السرقة (من السارق، أو باعها إياه، أو
نقصت قيمتها من النصاب) ولو بعد القضاء بها (لم يقطع) ؛ لأن الإمضاء في هذا
الباب من القضاء، فيشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء، فصار كما إذا حصلت
قبل القضاء، وتمامه في الهداية.
(ومن سرق عيناً فقطع فيها وردها) لمالكها (ثم عاد فسرقها) ثانياً (وهي) بعد
(بحالها) لم تتغير (لم يقطع) بها ثانياً؛ لأنه وجب لهتك حرمة العين؛
فتكراره فيها لا يوجب تكرار الحد (فإن تغيرت عن حالها) الأول (مثل
(3/209)
أن كان غزلا فسرقه فقطع فيه فرده ثم نسج
فعاد فسرقه - قطع، وإذا قطع السارق والعين قائمةٌ في يده ردها، وإن كانت
هالكةً لم يضمن، وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه
وإن لم يقم بينةً.
وإذا خرج جماعةٌ ممتنعين، أو واحدٌ يقدر على الامتناع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن) لو (كان) المسروق (غزلا فسرقه فقطع فيه فرده) لمالكه (ثم نسج) ذلك
الغزل وصار كرباساً (فعاد) السارق (فسرقه) ثانياً (قطع، وإذا قطع السارق
والعين) المسروقة (قائمة في يده ردها) على مالكها، لبقائها على ملكه (وإن
كانت) العين (هالكة) أو مستهلكة على المشهور (لم يضمن) ، لأنه لا يجتمع
القطع والضمان عندنا، سواء كان الاستهلاك قبل القطع أو بعده، مجتبى. وفيه:
لو استهلكه المشتري منه أو الموهوب له فللمالك تضمينه.
(وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه وإن لم يقم بينة)
لوجود الشبهة باحتمال الصدق.
(ولما أنهى الكلام عن السرقة الصغرى أخذ في الكلام على السرقة الكبرى فقال:
(وإذا خرج جماعة ممتنعين) : أي قادرين على أن يمنعوا على أنفسهم تعرض
الغير، (أو واحد يقدر على الامتناع) بنفسه، قال في غاية البيان: وإطلاق اسم
الجماعة يتناول المسلم والذمي والكافر، والحر والعبد، والمراد من الامتناع:
أن يكون قاطع الطريق بحيث يمكن له أن يدفع عن نفسه بقوته وشجاعته تعرض
الغير، قال الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي: اعلم أن قاطع الطريق إنما
يكون بعد أن تستجمع فيه شرائط، وهي: أن يكون لهم قوة وشوكة ينقطع الطريق
بهم، وأن لا يكون بين قريتين ولا بين مصرين ولا مدينتين، وأن يكون بينهم
وبين المصر مسيرة سفر؛
(3/210)
فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا
مالاً ولا قتلوا نفساً حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبةً، وإن أخذوا مال مسلمٍ
أو ذميٍ والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحدٍ منهم عشرة دراهم
فصاعداً أو ما قيمته ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وإن قتلوا
ولم يأخذوا مالاً قتلهم الإمام حداً، فإن عفا الأولياء عنهم لم يلتفت إلى
عفوهم، وإن قتلوا وأخذوا المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا وجدت هذه الأشياء يكون قاطعاً للطريق، وإلا فلا، هكذا ذكر في ظاهر
الرواية، وروى عن أبي يوسف أنه قال: إن كان أقل من مسيرة سفر أو كان في
المصر ليلا فإنه يجري عليهم حكم قطاع الطريق، وهو: أن تقطع يده اليمنى
ورجله اليسرى والفتوى هنا على قول أبي يوسف، اهـ. ونقل مثله في التصحيح عن
الينابيع وشرح الطحاوي (فقصدوا قطع الطريق، فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ولا
قتلوا نفساً حبسهم الإمام) وهو المراد بالنفي في الآية؛ إذ المراد توزيع
الأجزية على الأحوال كما هو مقرر في الأصول (حتى يحدثوا توبة) لا بمجرد
القول، بل بظهور سيماء الصالحين أو الموت (وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي
والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم) بالسوية (أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم) فضة
فصاعداً (أو ما قيمته ذلك) من غيرها (قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف)
أي قطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى، وهذا إذا كان صحيح الأطراف كما
مر، وهذه حالة ثانية (وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا) لا
قصاصاً، ولذا لا يشترط فيه أن يكون موجباً للقصاص بأن يكون بمحدد، ولا يجوز
العفو عنه كما صرح بقوله: (فإن عفا الأولياء عنهم لم يلتفت إلى عفوهم) ،
لأن الحدود وجبت حقاً لله تعالى لا حق للعباد فيها، وهذه حالة ثالثة (وإن
قتلوا وأخذوا المال) وهي
(3/211)
فالإمام بالخيار: إن شاء قطع أيديهم
وأرجلهم من خلافٍ وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم: يصلب حياً،
ويبعج بطنه بالرمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيامٍ، فإن كان
فيهم صبيٌ أو مجنونٌ، أو ذو رحمٍ من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الرابعة.
(فالإمام بالخيار: إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) جزاء على أخذ المال
(و) بعد ذلك (قتلهم وصلبهم) جزاء على القتل (وإن شاء قتلهم) فقط (وإن شاء
صلبهم) فقط؛ لما في كل منهما من الإهلاك، وفي كفاية في الزجر قال الإمام
الإسبيجاني: وهذا الذي ذكره قول أبي حنيفو وزفر، وقال أبو يوسف: لا أعفيه
من الصلب، وقال محمد: لا يقطع، ولكن يقتل ويصلب، والصحيح قول أبي حنيفة،
وفي الهداية والتجنيس: أنه ظاهر الرواية، واختاره المحبوبي والموصلي
وغيرهما، تصحيح، (ويصلب) من يراد صلبه (حيا) وكيفيته: أن تغرز خشبة ويوقف
عليها وفوقها خشبة أخرى ويربط عليها يديه (ويبعج بطنه بالرمح) من تحت ثديه
الأيسر، ويخضخض بطنه (إلى أن يموت) وروى الطحاوي أنه يقتل أولا ثم يصلب بعد
القتل؛ لأن الصلب حيا مثلة؛ ولأنه يؤدي إلى التعذيب، والأول أصح لأن صلبه
حيا أبلغ في الزجر والردع كما في الجوهرة (ولا يصلب) : أي لا يبقى مصلوبا
(أكثر من ثلاثة أيام) وهو ظاهر الرواية، كذا قال الصدر الشهيد في شرح
الجامع الضغير، وعن أبي يوسف أنه يترك على خشبته حتى ينقطع فيسقط ليحصل
الاعتبار لغيره، وجه الظاهر أن الاعتبار يحصل بالثلاثة فيعدها يتغير فيتأذى
الناس فيخلى بينه وبين أهله ليدفن، غاية (فإن كان فيهم) : أي القطاع (صبي
أو مجنون أو ذي رحم محرم من المقطوع عليهم) الطريق (سقط الحد عن الباقين) ؛
لأن
(3/212)
وصار القتل إلى الأولياء: إن شاؤا قتلوا، وإن شاؤا عفوا، وإن باشر الفعل
واحدٌ منهم أجري الحد على جماعتهم. |