اللباب في شرح الكتاب

كتاب الأشربة
- الأشربة المحرمة أربعةٌ: الخمر، وهي: عصير العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، والعصير إذا طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجناية واحدة قامت بالجميع، فإذا لم يكن قعل بعضهم موجباً صار في فعل الباقين بعض العلة فلا يترتب عليه الحكم، قال في الغاية: وهذا الذي ذكره القدوري ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهو قول زفر، اهـ (و) إذا سقط الحد (صار القتل إلى الأولياء) ؛ لظهور حق العبد، وحينئذ (إن شاؤا قتلوا) قصاصا؛ فيعتبر فيه وجبه من القصاص أو الدية (وإن شاءوا عفوا) ؛ لأنه صار خالص حقهم (وإن باشر الفعل الواحد منهم) دون الباقين (أجري الحد على جماعتهم) ؛ لأنه إنما يأخذه بقوة الباقين.
ومن قطع الطريق فلم يقدر عليه حتى جاء تائبا سقط عنه الحد بالتوبة قبل القدرة، ودفع إلى أولياء المقتول: إن كان قتل اقتص منه، وإن كان أخذ المال رده إن كان قائماً وضمنه إن كان هالكاً، لأن التوبة لا تسقط حق الآدمي، كما في الجوهرة.
كتاب الأشربة
والأشربة: جمع شراب، وهو لغة: كل ما يشرب، وخص شرعا بالمسكر.
(الأشربة المحرمة أربعة) : أحدها (الخمر، وهي عصير العنب) النئ (إذا) ترك حتى (غلى) : أي صار يفور (واشتد) : أي قوي وصار مسكراً (وقذف) : أي رمي (بالزبد) : أي الرغوة، بحيث لا يبقى شيء منها فيصفو ويرق، وهذا قول أبي حنيفة، وعندهما إذا اشتد بحيث صار مسكراً وإن لم يقذف (و) الثاني (العصير) المذكور (إذا طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه) ويسمى الباذق والطلاء أيضاً،

(3/213)


ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد، ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ كل واحدٍ منهما أدنى طبخٍ حلالٌ، وإن اشتد، إذا شرب منه ما يغلب في ظنه أنه لا يسكره من غير لهوٍ ولا طربٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقيل: الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه كما في المحيط، وقيل: إذا ذهب ثلثه فهو الطلاء وإن ذهب نصفه فهو المنصف، وإن طبخ أدنى طبخ فالباذق، والكل حرام إذا غلى واشتد وقذف بالزبد على الاختلاف كما في الاختيار، وقال قاضيخان: ماء العنب إذا طبخ - وهو الباذق - يحل شربه ما دام حلواً عند الكل، وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله وكثيره، ولا يفسق شاربه، ولا يكفر مستحله، ولا يحد شاربه مالم يسكر منه، اهـ (و) الثالث (نقيع التمر و) الرابع نقيع (الزبيب) النيء (إذا اشتد) وقذف بالزبد على الاختلاف، والنقيع: اسم مفعول، قال في المغرب: يقال أنقع الزبيب في الخابية ونقعه إذا ألقاه فيها ليبتل وتخرج منه الحلاوة، وزبيب منقع بالفتح مخففاً، واسم الشراب نقيع، اهـ قال في الهداية: وهو حرام إذا اشتد وغلى؛ لأنه رقيق ملذ مطرب، إلا أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر، حتى لا يكفر مستحلها، ولا يجب الحد بشربها حتى يسكر، ونجاستها خفيفة في رواية غليظة في أخرى، بخلاف الخمر، اهـ مختصرا.
(ونبيذ التمر) هو اسم جنس فيتناول اليابس والرطب والبسر، ويتحد حكم الكل كما في الزاهدي، والنبيذ: شراب يتخذ من التمر أو الزبيب أو العسل أو البر أو غيره، بأن يلقى في الماء ويترك حتى يستخرج منه، مشتق من النبذ وهو الإلقاء كما أشار إليه في الطلبة وغيره، قهستاني (و) نبيذ (الزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخ) . قال في الهداية: إذا ذهب أقل من ثلثيه فهو المطبوخ أدنى طبخ، اهـ (حلال وإن) غلى و (اشتد) وقذف بالزبد، قهستاني، قال العيني: ولم يذكر القذف اكتفاء بما سبق (إذا شرب منه ما يغلب على ظنه أنه لا يسكره) وكان شربه للتقوي ونحوه (من غير لهو ولا طرب) قال القهستاني: فالفرق بينه وبين النقيع بالطبخ

(3/214)


ولا بأس بالخليطين ونبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة حلالٌ وإن لم يطبخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعدمه كما في النظم، قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد حرام، ومثله في الينابيع، ثم قال: والصحيح قولهما، واعتمده الأئمة المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح؛ لكن يأتي قريبا أن الفتوى على قول محمد فتنبه.
قيد بعدم اللهو والطرب، لأنه مع ذلك لا يحل بالاتفاق.
(ولا بأس بالخليطين) : أي ماء الزبيب والتمر أو الرطب أو البسر المجتمعين المطبوخين أدنى طبخ كما في المعراج والعناية وغيرهما، والمفهوم من عبارة الملتقى عدم اشتراط الطبخ، ثم هذا إذا لم يكن أحد الخليطين ماء العنب، وإلا فلابد من ذهاب الثلثين كما في الكافئ.
(ونبيذ العسل) ويسمى البتع. قال في المغرب: البتع - بكسر الباء وسكون التاء - شراب مسكر يتخذ من العسل باليمن (و) نبيذ (التينو) نبيذ (الحنطة) ويسمى بالمزر - بكسر الميم، كما في المغرب - (و) نبيذ (الشعير) ويسمى بالحقة - بكسر الحاء - كما في القهستاني (و) نبيذ (الذرة) بالذال العجمة - ويسمى بالسكركة - بضم السين والكاف وسكون الراء، كما في المغرب (حلال) شربه للتقوي واستمراء الطعام (وإن لم يطبخ) وإن اشتد وقذف بالزبد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد حرام، قال في التصحيح: واعتمد قولهما البرهاني والنسفي وصدر الشريعة، اهـ وفي القهستاني: وحاصله أن شرب نبيذ الحبوب والحلاوات بشرطه حلال عند الشيخين؛ فلا يحد السكران منه، ولا يقع طلاقه وحرام عند محمد فيحد ويقع كما في الكافي، وعليه الفتوى كما في الكفاية وغيره، اهـ. ومثله في التنوير والملتقى والمواهب والنهاية والمعراج وشرح المجمع وشرح درر البحار والعيني حيث قالوا الفتوى في زماننا بقول محمد، لغلبة الفساد، وفي النوازل لأبي الليث ولو اتخذ شيئا من

(3/215)


وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب منه ثلثاه وبقي ثلثه حلالٌ وإن اشتد، ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير، وإذا تخللت الخمر حلت، سواءٌ صارت خلاً بنفسها أو بشيء طرح فيها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشعير أو الذرة أو التفاح أو العسل فاشتد وهو مطبوخ أو غير مطبوخ فإنه يجوز شربه ما دون السكر عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: لا يجوز شربه، وبه نأخذ اهـ. (وعصير العنب إذا طبخ) بالنار أو الشمس (حتى ذهب منه ثلثاه وبقي ثلثه حلال) شربه حيث وجد شرطه (وإن) غلى و (اشتد) وقذف بالزبد كما سبق، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف أيضا، خلافا لمحمد، والخلاف فيه كالخلاف في سابقه، وقد علمت أن فتوى المتأخرين على قول محمد لفساد الزمان، وفي التصحيح: ولو طبخ حتى ذهب ثلثه ثم زيد عليه وأعيد إلى النار: إن أعيد قبل أن يغلي لا بأس به لأنه تم الطبخ قبل ثبوت الحرمة، وأن أعيد بعدما غلى الصحيح لا يحل شربه، اهـ.
(ولا بأس بالانتباذ) : أي اتخاذ النبيذ (في الدباء) بضم الفاء وتشديد العين والمد - القرع، الواحدة دباءة، مصباح (والحنتم) الخزف الأخضر، أو كل خزف وعن أبي عبيدة: هي جرار خمر تحمل فيها الخمر إلى المدينة، الواحدة حنتمة، مغرب (والمزفت) الوعاء المطلي بالزفت، وهو القار، وهذا مما يحدث التغير في الشراب سريعا مغرب (والنقير) خشبة تنقر وينبذ فيها مصباح، وما ورد من النهي عن ذلك منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فيه طول بعد ذكر هذه الأشياء: (فاشربوا في كل ظرف؛ فإن الظرف لا يحل شيئاً ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر) . وقاله بعد ما أخبر عن النهي عنه، فكان ناسخا له، هداية.
(وإذا تخللت الخمر حلت) ، لزوال الوصف المفسد (سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء طرح فيها) كالملح والخل والماء الحار، لأن التخليل يزبل الوصف المفسد،

(3/216)


ولا يكره تخليلها.