اللباب في شرح الكتاب

كتاب الصيد والذبائح
- يجوز الاصطياد بالكلب المعلم، والفهد، والبازي، وسائر الجوارح المعلمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا زال الوصف المفسد الموجب للحرمة حلت، كما إذا تخللت بنفسها، وإذا تخللت طهر الإناء أيضا؛ لأن جميع ما فيه من أجزاء الخمر يتخلل، إلا ما كان منه خاليا عن الخل، فقيل: يطهر تبعاً، وقيل: يغسل بالخل ليطهر؛ لأنه يتخلل من ساعته، وكذا لو صب منه الخمر فملئ خلا طهر من ساعته كما في الاختيار (ولا يكره تخليلها) ، لأنه إصلاح والإصلاح مباح.
ولا يجوز أكل البنج والحشيش والأفيون، وذلك كله حرام، لأنه يفسد العقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، لكن تحريم ذلك دون تحريم الخمر، فإن أكل شيئا من ذلك لا حد عليه، وإن سكر منه، بل يعزر بما دون الحد كما في الجوهرة.
كتاب الصيد والذبائح
مناسبة الصيد للأشربة أن كلاً منهما يورث الغفلة واللهو، ومناسبة الصيد للذبائح جلية، أولأن الصيد والذبائح للأطعمة، ومناسبتها للأشربة غير خفية.
والصيد لغة: مصدر (صاده) إذا أخذه، فهو صائد، وذاك مصيدٌ، ويسمى المصيد صيداً، فيجمع صيوداً، وهو: كل ممتنع متوحش طبعاًلا يمكن أخذه إلا بحيلة، مغرب. وزيد عليه أحكام شرعاً كما يأتي بيانها.
(يجوز الأصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة) وهي: كل ذي ناب من السباع أو ذي مخلب من الطير، وعن أبي حنيفة أنه استثنى من ذلك

(3/217)


وتعليم الكلب: أن يترك الأكل ثلاث مرات.
وتعليم البازي: أن يرجع إذا دعوته.
فإذا أرسل كلبه المعلم، أو بازيه، أو صقره، وذكر اسم الله تعالى عليه عند إرسال، فأخذ الصيد وجرحه فمات حل أكله، وإن أكل منه الكلب لم يؤكل، وإن أكل منه البازي أكل، وإذا أدرك المرسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأسد والدب؛ لأنهما لا يعملان لغيرهما: الأسد لعلو همته، والدب لخساسته، وألحق بعضهم الحدأة لخساستها، والخنزير مستثنى؛ لأنه نجس العين، ولا يجوز الأنتفاع به، هداية.
(وتعليم الكلب) ونحوه من السباع (أن يترك الأكل) مما يصيده (ثلاث مرات) قيد بالأكل؛ لأنه لو شرب الدم لا يضر؛ لأنه من غاية علمه (وتعليم البازي) ونحوه من الطير (ان يرجع إذ دعوته) ، لأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة آية تعليمه؛ اما الكلب فهو الوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه وهو الأكل.
(فإذا أرسل) مريد الصيد (كلبه المعلم أو بازيه أو صقره) المعلم (وذكر اسم الله عليه عند إرساله) ولو حكما بأن نسيها، فالشرط عدم تركها عنداً (فأخذ) المرسل (الصيد وجرحه) في أي موضع كان (فمات) الصيد من جرحه (حل أكله) قيد بالجرح لأنه إذا لم يجرحه ومات لم يؤكل في ظاهر الرواية كما يأتي قريباً (وإن أكل منه الكلب) ونحوه من السباع بعد ثبوت تعلمه (لم يؤكل) هذا الصيد، لأنه علامة الجهل، وكذا كا يصيده بعده حتى يصير معلماً، وأما ما صاده قبله فما أكل منها لا تظهر فيه الحرمة لعدم المحلية، ومالم يأكل يحرم عنده، خلافا لهما، وتمامه في الهداية (وإن أكل منه البازي أكل) لأن الترك ليس شرطاً في علمه (وإن أدرك المرسل) أو

(3/218)


الصيد حياً وجب عليه أن يذكيه، فإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل، وإن شاركه كلبٌ غير معلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرامي كما يأتي (الصيد حياً وجب عليه أن يذكيه) لأنه قدر على الذكاة الاختيارية فلا تجزئ الاضطرارية لعدم الضرورة (فإن ترك التذكية حتى مات) وكان فيه حياة فوق حياة المذبوح بأن يعيش مدة كاليوم أو نصفه كما في البدائع (لم يؤكل) لأنه مقدور على ذبحه ولم يذبح، فصار كالميتة. أطلق الإدراك فشمل ما إذا لم يتمكن من ذبحه لفقد آلة أو ضيق الوقت كما هو ظاهر الرواية، قال في الهداية: إذا وقع الصيد في يده ولم يتمكن من ذبحه، وفيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح، لم يؤكل في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يحل، اهـ. ومثله في الينابيع، وزاد: وروي عن أصحابنا الثلاثة أنه يؤكل استحسانا، وقيل: هذا أصح، اهـ.
وقيدنا بما فوق حياة المذبوح، لأنه إذا أدرك به حياة مثل حياة المذبوح لا تلزم تذكيته، لأنه ميت حكماً، ولهذا لو وقع في الماء في هذه الحالة لا يحرم، كما إذا وقع وهو ميت، وقيل: هذا قولهما، أما عند أبي حنيفة لا يؤكل أيضاً؛ لأنه وقع حياً فلا يحل إلا بذكاة الاختيار كما في الهداية والاختيار (وإن خنقه الكلب) أو صدمه بصدره أو جبهته فقتله (ولم يجرحه لم يؤكل) في ظاهر الرواية، لأن الجرح شرط.
قال الإسبيجاني: وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وهو رواية عن أبي يوسف، والصحيح ظاهر المذهب، اهـ. وفي العناية والمعراج وغيرهما: والفتوى على ظاهر الرواية اهـ.
قال في الهداية: وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر، وعن أبي حنيفة إذا كسر عضواً فقتله لا بأس بأكله لأنه جراحة باطنة، فهي كالجراحة الظاهرة، وجه الأول أن المعتبر جرح ينتهض سبباً لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر؛ فأشبه التخنيق، اهـ. (وإن شاركه) : أي شارك الكلب المعلم المرسل ممن تؤكل ذبيحته المصحوب بالتسمية (كلب غير معلم

(3/219)


أو كلب مجوسيٍ أو كلبٌ لم يذكر اسم الله تعالى عليه لم يؤكل.
وإذا رمى الرجل سهماً إلى صيدٍ فسمى عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرحه السهم فمات، وإن أدركه حياً ذكاه، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل، وإن وقع السهم فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتاً أكل، وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتاً لم يؤكل، وإذا رمى صيداً فوقع في الماء فمات لم يؤكل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو كلب مجوسي لم يذكر اسم الله عليه) عمداً (لم يؤكل) ، لأنه اجتمع المبيح والمحرم، فتغلب جهة المحرم احتياطا كما في الاختيار] .
(وإذا رمى الرجل سهماً إلى صيد فسمى عند الرمى أكل ما أصاب) السهم (إذا جرحه السهم فمات) ؛ لأنه ذبح بالرمي، لكون السهم آلة له، فتشترط التسمية عنده، وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولابد من الجراحة، ليتحقق معنى الذكاة على ما بينا، هداية (وإن أدركه حياً ذكاه، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل) كما تقدم آنفا (وإذا وقع السهم) بالصيد (فتحامل) : أي ذهب بالجرح، قال في الغرب: التحامل بالشيء أن يتكلفه على مشقة وإعياء، يقال: تحاملت في المشي، ومنه ضربه ضربا يقدر على التحامل معه، أي على المشي مع التكلف، ومنه ربما يتحامل الصيد ويطير، أي يتكلف الطيران، اهـ (حتى غاب) الصيد (عنه و) لكن (لم يزل) الرامي (في طلبه حتى أصابه ميتاً) وليس به إلا أثر سهمه (أكل) ؛ لأنه غير مفرط، وقد ذكاه الذكاة الضرورية؛ فيحال الموت إليها (وإن كان قعد عن طلبه ثم أصابه ميتاً لم يؤكل) ؛ لاحتمال موته بسبب آخره، والموهوم في هذا الباب كالمحقق، إلا أنه سقط اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أنه لا يعرى الاصطياد عنه، ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه. قيدنا بأن ليس به إلا أثر سهمه، لأنه لو وجد به جراحا أخرى حرم، لاحتمال موته منها، والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرنا كما في الهداية (وإذا رمى صيداً فوقع في الماء فمات لم يؤكل)

(3/220)


وكذلك إن وقع على سطحٍ أو جبلٍ ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل، وإن وقع على الأرض ابتداءً أكل.
وما أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه أكل، ولا يؤكل ما أصابته البندقة إذا مات منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لاحتمال موته بالغرق (وكذلك إن وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض) ؛ لاحتمال موته من التردي (وإن وقع) الصيد (على الأرض ابتداء أكل) لأنه لا يمكن الاحتراز عنه، وفي اعتباره محرما سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم، لأنه يمكن الاحتراز عنه، فصار الأصل: أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطاً، وإن كان مما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده مجرى عدمه، لأن التكليف بحسب الوسع. هداية.
(وما أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل) لأنه لا يجرح، والجرح لابد منه ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه (وإن) أصاب بحده و (جرحه أكل) لتحقق معنى الذكاة. قيدنا بالجرح بالحد لأنه لو جرحه بعرضه فمات لم يؤكل، لقتله بثقله.
والمعراض هو: سهم لا ريش له كما في المغرب، وفي الجوهرة: المعراض عصا. محددة الرأس، وقيل: هو السهم المنحوت من الطرفين (ولا يؤكل ما أصابته البندقة) بضم الباء. والدال طينة مدورة يرمي بها، مغرب (إذا مات منها) ، لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصارت كالمعراض إذا لم يجرح، وكذلك إذا رماه بحجر،
قال في الهداية: وكذلك إن جرحه إذا كان ثقيلا ولو به حدة لاحتمال أنه قتله بثقله، وإن كان خفيفا وبه حدة يحل، لتيقن الموت بالجرح، ثم قال: والأصل في هذه المسائل أن الموت إن كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافاً إلى الثقل بيقين كان حراماً، وإن وقع الشك كان حراماً

(3/221)


وإذا رمى إلى صيدٍ فقطع عضواً منه أكل، ولا يؤكل العضو، وإن قطعه أثرثاً والأكثر مما يلي العجز أكل، وإن كان الأكثر مما يلي الرأس أكل الأكثر، ولا يؤكل الأقل، ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني.
ومن رمى صيداً فأصابه ولم يثخنه ولم يخرجه من حيز الامتناع فرماه آخر فقتله فهو للثاني، ويؤكل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
احتياطاً، والحديد وغيره سواء، اهـ مع بعض تغيير] .
(وإذا رمى إلى صيد فقطع عضواً منه أكل) ذلك الصيد؛ لوجود الجرح (ولا يؤكل العضو) المقطوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ما أبين من الحي فهو ميت) والعضو بهذه الصفة؛ لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة، وكذا حكما لأنه يتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، جوهرة (وإن قطعه أثرثا و) كان (الأكثر مما يلي العجز) أوقده نصفين، أو قطع نصف رأسه أو أكثره (أكل) الكل؛ لأن في هذه الصور لا يمكن فيه حياة فوق حياة المذبوح، فلم يتناوله الحديث المذكور، بخلاف ما إذا كان الأكثر مما يلي الرأس لإمكان الحياة فوق حياة المذبوح؛ فيحل ما مع الرأس ويحرم العجز؛ لأنه مبان من الحي كما ذكر.
(ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد ة والوثني) ، لأنهم ليسوا من أهل الذكاة كما يأتي، وذكاة الاضطرار كذكاة الاختيار.
(ومن رمى صيداً فأصابه ولم يثخنه) : أي لم يوهنه (ولم يخرجه من حيز الامتناع) عن الأخذ (فرماه آخر فقتله) أو أثخنه وأخرجه عن حيز الامتناع (فهو للثاني) ؛ لأنه الآخذ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الصيد لمن أخذه) ، هداية (ويؤكل) : أي ذلك الصيد، لأنه مالم يخرج عن حيز الامتناع فدكاته ضرورية،

(3/222)


وإن كان الأول أثخنه فرماه الثاني فقتله لم يؤكل، والثاني ضامنٌ لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته.
ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل.
وذبيحة المسلم والكتابي حلالٌ، ولا تؤكل ذبيحة المجوسي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد حصلت، قال في الهداية: وهذا إذا كانت الرمية الأولى بحال ينجو منه الصيد، لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرامي الثاني، اهـ. (وإن كان) الرامي (الأول أثخنه) بحيث أخرجه عن حيز الامتناع (فرماه الثاني فقتله لم يؤكل) لاحتمال الموت بالثاني وهذا ليس بذكاة، للقدرة على ذكاة الاختيار، بخلاف الوجه الأول، هداية (و) الرامي (الثاني ضامن لقيمته للأول) ؛ لأنه بالرمي أتلف صيداً مملوكاً للغير، لأن الأول ملكه بالرمي المثخن (غير ما نقصته جراحته) ، لأنه أتلفه وهو جريح، وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف.
(ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان) ، لأنه سبب للإنتفاع بلحمه، وبقية أجزائه (و) كذا (مالا يؤكل) ، لأنه سبب للإنتفاع بجلده أو شعره أو قرنه أو لاستدفاع شره.
(وذبيحة المسلم والكتابي) إذا كان يعقل التسمية والذبح ويضبطه، وإن كان صبياً أو مجنونا أو امرأة كما في الهداية (حلال) ، لوجود شرطه، وهو: كون الذابح صاحب ملة التوحيد: إما اعتقاداً كالمسلم، أو دعوى كالكتابي، هداية.
(ولا تؤكل ذبيحة المجوسي) لقوله صلى الله عليه وسلم: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) ، ولأنه لا يدعي التوحيد، فانعدمت الملة اعتقاداً ودعوى، هداية

(3/223)


والمرتد والوثني والمحرم، وإن ترك الذابح التسمية عمداً فالذبيحة ميتةٌ لا تؤكل، وإن تركها ناسياً أكلت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(والمرتد) لأنه لا ملة له (والوثني) لأنه لا يعتقد الملة (والمحرم) بأحد النسكين، قال في الهداية: يعني من الصيد، وكذا لا يؤكل ما ذبح في الحرم من الصيد، والإطلاق في المحرم ينتظم الحل والحرم، والذبح في الحرم يستوي فيه الحلال والمحرم، وهذا لأن الذكاة فعل مشروع، وهذا الصنيع محرم، فلم تكن ذكاة. اهـ.
(وإن ترك الذابح التسمية عمداً) مسلماً كان أو كتابيا (فذبيحته ميتة لا تؤكل) لقوله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} الآية (وإن تركها ناسياً أكلت) ، لأن في تحريمه حرجاً عظيماً، لأن الإنسان قلما يخلو عن النسيان، فكان في اعتباره حرج، والحرج مدفوع، ولأن الناسي غير مخاطب بما نسيه بالحديث (هو قوله صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان") ، فلم يترك فرضا عليع عند الذبح، بخلاف العامد كما في الاختيار.
قال في الهداية: ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح، وهي على المذبوح، وفي الصيد عند الإرسال والرمي، وهي على الآلة، لأن المقدور له في الأول الذبح، وفي الثاني الرمي والإرسال دون الإصابة، فتشترط عند فعل ما يقدر عليه، حتى إذا أضجع شاة وسمى فذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز، ولو رمى الصيد وسمى وأصاب غيره حل، وكذا في الإرسال، ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بأخرى أكل، ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره صيداً لا يؤكل، اهـ. وفيها أيضاً: والشرط في التسمية هو الذكر الخالص المجرد، فلو قال عند الذبح (اللهم اغفر لي) لا يحل؛ لأنه دعاء وسؤال، ولو قال (الحمد لله) أو (سبحان الله) يريد التسمية حل؛ ولو عطس عند الذبح فقال (الحمد لله) لا يحل في أصح الروايتين؛ لأنه يريد الحمد لله على نعمة العطاس دون التسمية، وما تداولته الألسن عند الذبح - وهو (بسم الله والله أكبر) - منقول عن ابن عباس، اه

(3/224)


ولا تجزئ مقطوعة الأذن، والذنب، ولا التي ذب أكثر أذنها فإن بقي الأكثر من الأذن والذنب جاز
ويجوز أن يضحى بالجماء والخصي والجرباء والثولاء
والأضحية من الإبل والبقر والغنم يجزئ من ذلك كله الثنى فصاعداً، إلا الضأن فإن الجذع منه يجزئ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا مخ في عظامها (ولا تجزئ مقطوعة الأذن، و) لا مقطوعة (الذنب، ولا التي ذب أكثر أذنها) أو ذنبها (فإن بقي الأكثر من الأذن والذنب جاز) ؛ لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا، ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفواً.
(ويجوز أن يضحى بالجماء) وهي التي لا قرن لها، لأن القرن لا يتعلق به مقصود، وكذا مكسورة القرن لما قلنا، هداية (والخصي) لأن لحمه أطيب (والجرباء) السمينة، لأن الجرب يكون في جلدها، ولا نقصان في لحمها، بخلاف المهزولة، لأن الهزال يكون في لحمها (والثولاء) وهي المجنونة؛ وقيل: هذا إذا كانت تعتلف، لأنه لا يخل بالمقصود، أما إذا كانت لا تعتلف لا تجزئه، هداية. ثم قال: وهذا الذي ذكرناه إذا كانت هذه العيوب قائمة وقت الشراء، ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع: إن كان غنياً غيرها وإن كان فقيراً تجزئه، وتمامه فيها.
(والأضحية) إنما تكون (من الإبل والبقر والغنم) فقط، لأنها عرفت شرعاٍ ولم تنقل التضحية بغيرها من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة رضي الله عنهم، هداية (يجزئ من ذلك كله الثنى) وهو ابن خمس من الإبل، وحولين من البقر والجاموس، وحول من الضأن والمعز (فصاعداً، إلا الضأن فإن الجذع) وهو ابن ستة أشهر (منه يجزئ) قالوا: وهذا إذا كانت عظيمة بحيث لو خلط بالثنايا يشتبه على الناظر من بعيد، هداية

(3/225)


والعروق التي تقطع في الذكاة أربعةٌ: الحلقوم، والمرئ، والودجان، فإذا قطعها حل الأكل، وإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لابد من قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إن كان الذبح فوق العقدة قطع ثلاثة من العروق، فالحق ما قاله شراح الهداية تبعاً للرستغنى وإلا فالحق خلافه، إذ لم يوجد شرط الحل باتفاق أهل المذهب، ويظهر ذلك بالمشاهدة أو سؤال أهل الخبرة، فاغتنم هذا المقال، ودع عنك الجدال، اهـ (والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة: الحلقوم) بفتح الحاء - أصله (الحلق) زيد الواو والميم كما في المقاييس مجرى النفس لا غير، قهستاني (والمرئ) وزان كريم - رأس المعدة والكرش اللازق بالحلقوم، يجري فيه الطعام والشراب، ومنه يدخل في المعدة، وهو مهموز، وجمعه مرؤ - بضمتين - مثل بريد وبردٍ، وحكى الأزهري الهمز والإبدال والإدغام مصباح. (والودجان) تثنية ودج - بفتحتين - عرقان عظيمان في جانبي قدام العنق بينهما الحلقوم والمرئ، قهستاني (فإن قطعها) : أي العروق الأربعة (حل الأكل) اتفاقاً، (وإن قطع أكثرها) يعني ثلاثة منها أي ثلاثة كانت (فكذلك) : أي حل الأكل (عند أبي حنيفة، وقالا: لابد من قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين) قال في الجوهرة: والمشهور في كتب أصحابنا أن هذا قول أبي يوسف وحده، اهـ وكذا قال الزاهدي وصاحب الهداية، ثم قال: وعن محمد أنه يعتبر أكثر كل فرد، وهو رواية عن الإمام لأن كل فرد منها أصل بنفسه لانفصاله عن غيره، ولورود الأمر بفريه فيعتبر أكثر كل واحد منها، اهـ، قال في زاد الفقهاء: والصحيح قول أبي حنيفة، واعتمده الإمام المحبوبي والنسفي وغيرهما، تصحيح

(3/226)


ويجوز الذبح بالليطة والمروة، وبكل شيء أنهر الدم إلا السن القائم والظفر القائم.
ويستحب أن يحد الذابح شفرته، ومن بلغ بالسكين النخاع، أو قطع الرأس كره له ذلك، وتؤكل ذبيحته، وإن ذبح الشاة من قفاها، فإن بقيت حيةً حتى قطع العروق جاز ويكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويجوز الذبح بالليطة) بكسر اللام وسكون الياء - وهي قشر القصب اللازق كما في حاشية الحموي (والمروة) بفتح الميم - كما في المنح عن أخي زاده، قال في الجوهرة: والمروة واحدة المرو، وهي حجارة بيض براقة تقدح منها النار، اهـ (وبكل شيء) له حدة تذبح به بحيث إذا ذبح به فرى الأوداج (أنهر) أي أسال (الدم) ؛ لأن ذلك حقيقة الذبح (إلا السن القائم) : أي غير المنزوع (والظفر القائم) فإنه لا يحل - وإن فرى الأوداج وأنهر الدم - بالإجماع؛ للنص، ولأنه يقتل بالثقل، لأنه يعتمد عليه. قيد بالقائم لأن المنزوع إذا عمل عمل السكين حل عندنا وإن كره قهستاني.

(ويستحب أن يحد الذابح شفرته) بالفتح - السكين العظيم، وأن يكون قبل الإضجاع، وكره بعده (ومن بلغ بالسكين النخاع) بتثليث النون - هو خيط أبيض في جوف الفقار، يقال: ذبحه فنخعه، أي جاوز منتهى الذبح إلى النخاع كما في الصحاح (أو قطع الرأس) قبل أن تسكن (كره له ذلك) لما فيه من زيادة تعذيب الحيوان بلا فائدة، وهو منهيٌ عنه (وتؤكل ذبيحته) ؛ لأن كراهة الفعل لا توجب التحريم (وإن ذبح الشاة من قفاها فإن بقيت حية حتى قطع العروق) اللازم قطعها (جاز) وحلت، لتحقق الموت بما هو ذكاة (و) لكن (يكره)

(3/227)


وإن ماتت قبل قطع العروق لم تؤكل.
وما استأنس من الصيد فذكاته الذبح، وما توحش من النعم فذكاته العقر والجرح.
والمستحب في الإبل النحر، فإن ذبحها جاز ويكره.
والمستحب في البقر والغنم الذبح، فإن نحرهما جاز ويكره.
ومن نحر ناقةً أو ذبح بقرةً أو شاةً، فوجد في بطنها جنيناً ميتاً لم يؤكل أشعر أو لم يشعر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك، لما فيه من زيادة التعذيب من غير حاجة كما مر.
(وإن ماتت) الشاة (قبل قطع العروق لم تؤكل) لوجود الموت بما ليس بذكاة.
(وما استأنس من الصيد) وصار مقدورا عليه (فذكاته الذبح) لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار، ولا عجز إذا استأنس وصار مقدوراً عليه (وما توحش من النعم) وصار ممتنعاً لا يقدر عليه (فذكاته) ذكاة الضرورة (العقر والجرح) لتحقق العجز.
(والمستحب في الإبل النحر) في اللبة، وهو موضع القلادة من الصدر، لموافقة السنة المتوارثة، ولاجتماع العروق فيها في النحر (فإن ذبحها) من الأعلى جاز، و) لكن (يكره) لمخالفته السنة (والمستحب في البقر والغنم الذبح) من أعلى العنق، لأنه المتوارث، ولاجتماع العروق فيهما في الذبح (فإن نحرهما) من أسفل العنق (جاز، و) لكن (يكره) لمخالفة السنة.
(ومن نحر ناقة أو ذبح بقرة أو شاة فوجد في بطنها جنيناً ميتاً لم يؤكل) سواء كان (أشعر أو لم يشعر) يعني تم خلقه أو لم يتم، لأنه لا يشعر إلا بعد تمام

(3/228)


ولا يجوز أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلبٍ من الطير، ولا بأس بغراب الزرع، ولا يؤكل الأبقع الذي يأكل الجيف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الخلق، قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والحسن بن زياد، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تم خلقه أكل. اهـ. قال في التصحيح: واختار قول أبي حنيفة الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما، اهـ.
(ولا يجوز أكل كل ذي ناب) يصيد به (من السباع) بيان لذي ناب، والسباع: جمع سبع، وهو: كل حيوان مختطف منتهب جارح قاتل عادٍ عادة، هداية، (ولا كل ذي مخلب) بكسر الميم - يصيد به، والمخلب: ظفر كل سبع من الماشي والطائر كما في القاموس (من الطير) بيان لذي مخلب (ولا بأس بغراب الزرع) وهو المعروف بالزاغ؛ لأنه يأكل الحب، وليس من سباع الطير، وكذا الذي يخلط بين أكل الحب والجيف كالعقعق وهو المعروف بالقاق، على الأصح، كما في العناية وغيرها، وفي الهداية: لا بأس بأكل العقعق، لأنه يخلط فأشبه الدجاجة، وعن أبي يوسف أنه يكره؛ لأن غالب أكله الجيف (ولا يؤكل) الغراب (الأبقع الذي يأكل الجيف) جمع جيفة، جثة الميت إذا أراح (تقول "أراح اللحم" إذا انتن، ويقال أيضا "أراح الماء" وربما قيل "أروح الماء واللحم" بوزن أكرم من غير قلب على الأصل) كما في الصحاح، قال القهستاني: أي لا يأكل إلا الجيفة وجثة الميت، وفيه إشعار بأنه لو أكل من الثلاثة الجيفة والجثة والحب جميعا حل ولم يكره، وقالا: يكره والأول أصح، اهـ.
وفي العناية الغراب ثلاثة أنواع: نوع يلتقط الحب ولا يأكل الجيف، وليس بمكروه، ونوع لا يأكل إلا الجيف، وهو الذي سماه المصنف الأبقع، وإنه مكروه، ونوع يخلط يأكل الحب مرة والجيف أخرى، ولم يذكره في الكتاب، وهو غير مكروه عنده مكروه عند أبي يوسف، اه

(3/229)


ويكره أكل الضبع والضب والحشرات كلها.
ولا يجوز أكل لحم الحمر الأهلية والبغال، ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة، ولا بأس بأكل الأرنب.
وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طهر لحمه وجلده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويكره) أي لا يحل (أكل الضبع) لأن له ناباً (والضب) دابة تشبه الجرذون لورود النهي عنه، ولأنه من الحشرات (والحشرات) وهي صغار دواب الأرض (كلها) : أي المائي والبري كالضفدع والسلحفاة والسرطان والفأر والوزغ والحيات لأنها من الخبائث، ولهذا لا يجب على المحرم بقتلها شيء.
(ولا يجوز أكل لحم الحمر) بضمتين (الأهلية) ، لورود النهي عنها (والبغال) ، لأنها متولدة من الحمر فكانت مثلها. قيد بالأهلية، لأن الوحشية حلال وإن صارت أهلية، وإن نزا أحدهما على الآخر فالحكم للأم كما في النظم، قهستاني (ويكره أكل لحم الفرس عند أبي حنيفة) قال الإمام الإسبيجاني: الصحيح أنها كراهة تنزيه، وفي الهداية وشرح الزاهدي: ثم قيل: الكراهة عنده كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، والأول أصح، وقالا: لا بأس بأكله، ورجحوا دليل الإمام، واختاره المحبوبي والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، تصحيح (ولا بأس بأكل الأرنب) ، لأنه ليس من السباع، ولا من آكلة الجيف، فأشبه الظبي.
(وإذا ذبح مالا يؤكل لحمه طهر) بفتح الهاء وضمها (لحمه وجلده) ، لأن الذكاة تؤثر في إزالة الرطوبات والدماء السيالة، وهي النجسة دون الجلد واللحم، فإذا زالت طهرت كما في الدباغ، هداية. قال في التصحيح: وهذا مختار صاحب الهداية أيضاً، وقال كثير من المشايخ: يطهر جلده لا لحمه، وهو الأصح كما في الكافي والغاية

(3/230)


إلا الآدمي والخنزير، فإن الذكاة لا تعمل فيهما.
ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ويكره أكل الطافي منه ولا بأس بأكل الجريث والمار ما هي.
ويجوز أكل الجراد، ولا ذكاة له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والنهاية وغيرها، اهـ. (إلا الآدمي والخنزير، فإن الذكاة لا تعمل فيهما) : الآدمي لكرامته وحرمته، والخنزير لنجاسة عينه وإهانته كما في الدباغ.
(ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك) لقوله تعالى {ويحرم عليهم الخبائث} وما سوى السمك خبيث (ويكره أهل الطافي منه) على وجه الماء الذي مات حتف أنفه، وهو ما بطنه من فوق، فلو ظهره من فوق فليس بطاف فيؤكل كما يؤكل ما في بطن الطافي، وما مات بحر الماء وبرده وبربطه فيه أو إلقاء شيء فموته بآفة، در عن الوهبانية.
(ولا بأس بأكل) السمك (الجريث) بكسر الجيم وتشديد الراء - ويقال له الجرى: ضرب من السمك مدور (والمار ما هي) ضرب من السمك في صورة الحية، قال في الدرر: وخصها بالذكر إشارة إلى ضعف ما نقل في المغرب عن محمد أن جميع السمك حلال غير الجريث والمار ماهي. اهـ.
(ويجوز أكل الجراد، ولا ذكاة له) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان: السمك والجراد) .
وسئل الإمام علي رضي اللهتعالى عنه عن الجراد يأخذه الرجل وفيه الميت فقال: كله كله، وهذا عد من فصاحته، هداية

(3/231)