اللباب في شرح الكتاب

كتاب الأضحية.
- الأضحية واجبةٌ على كل حرٍ مسلمٍ مقيمٍ موسرٍ، في يوم الأضحى عن نفسه وولده الصغار، يذبح عن كل واحدٍ منهم شاةً أو يذبح بدنةً أو بقرةً عن سبعةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الأضحية
(من ذكر الخاص بعد العام، وفيها لغات؛ ضم الهمزة في الأكثر، وهي في تقدير أفعولة، وكسرها إتباعاً لكسرة الحاء؛ والجمع أضاحي، والثالثة ضحية، والجمع ضحايا، مثل عطية وعطايا، والرابعة أضحاة بفتح الهمزة - والجمع أضحى، مثل أرطأة وأرطى، ومنه عيد الأضحى، كذا في المصباح.
(الأضحية) لغة: اسم لما يذبح وقت الضحى، ثم كثر حتى صار أسماً لما يذبح في أي وقت كان من أيام الأضحى، من تسمية الشيء باسم وقته. وشرعاً: ذبح حيوان مخصوص في وقت مخصوص بنية القربة، وهي (واجبة) قال في التصحيح: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد والحسن وزفر، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعنه أنها سنة، وذكر الطحاوي أنه على قول أبي حنيفة واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد سنة مؤكدة، وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف، وعلى قول أبي حنيفة اعتمد المصححون كالمحبوبي والنسفي وغيرهما، اهـ (على كل حر مسلم مقيم) بمصر أو قرية أو بادية كما في الجوهرة (موسر) يسار الفطرة (في يوم الأضحى) أي يوم من أيامها الثلاثة الآتية، لأنها مختصة بها (عن نفسه، و) عن كل واحد من (ولده) بضم الواو - جمع ولد (الصغار) اعتباراً بالفطرة (يذبح عن كل واحد منهم شاة أو يذبح بدنة) من الإبل (أو بقرة عن سبعة) وكذا ما دونهم بالأولى، فلو عن أكثر لم

(3/232)


وليس على الفقير والمسافر أضحيةٌ، ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر؛ إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام صلاة العيد، فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تجز عن أحد منهم، قال في التصحيح: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، قال في شرح الزاهدي: ويروى عنه أنه لا يجب عن ولده، وهو ظاهر الرواية، ومثله في الهداية. وقال الإسبيجاني: وهو الأظهر، وإن كان للصغير مال اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة، والأصح أنه لا يجب، وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي، وجعله صدر الشهيد ظاهر الرواية. وقال القدوري - وتبعه صاحب الهداية -: والأصح أنه يضحي من ماله، ويأكل منه ما أمكنه، ويبتاع بما بقي ما ينتفع بعينه، اهـ. (وليس على الفقير والمسافر أضحية) واجبة، دفعاً للحرج؛ أما الفقير فظاهر، وأما المسافر فلان أداءها يختص بأسباب تشق على المسافر وتفوت بمضي الوقت.
(ووقت الأضحية) لأهل الأمصار والقرى (يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر، إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح) في اليوم الأول (حتى يصلي الإمام صلاة العيد) أو يخرج وقتها بالزوال، لأنه يشترط في حقهم تقديم صلاة العيد على الأضحية أو خروج وقتها، فإذا لم يوجد أحدهما لا تجوز الأضحية، لفقد الشرط (فأما أهل السواد) أي القرى (فيذبحون بعد الفجر) لوجود الوقت وعدم اشتراط الصلاة لأنه لا صلاة عليهم، وما عبر به بعضهم - من أن أول وقتها بعد صلاة العيد إن ذبح في مصر، وبعد طلوع الفجر إن ذبح في غيره - قال القهستاني: فيه تسامح، إذ التضحية عبادة لا يختص وقتها بالمصر وغيره، بل شرطها، فأول وقتها في حق المصري والقروي طلوع الفجر، إلا أنه شرط لأهل المصر تقديم الصلاة عليها، فعدم الجواز لفقد الشرط، لا لعدم الوقت كما في المبسوط، وإليه أشير في الهداية وغيرها، اهـ. ثم المعتبر

(3/233)


وهي جائزةٌ في ثلاثة أيامٍ: يوم النحر، ويومان بعده.
ولا يضحى بالعمياء والعوراء والعرجاء، التي لا تمشي إلى المنسك، ولا العجفاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في ذلك مكان الأضحية، حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر تجوز كما انشق الفجر، وفي العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة، هداية. قيدنا باليوم الأول لأنه في غير اليوم الأول لا يشترط تقديم الصلاة، وإن صليت فيه، قال في البدائع: وإن أخر الإمام صلاة العيد فلا ذبح حتى ينتصف النهار، فإن اشتغل الإمام فلم يصل أو ترك عمداً حتى زالت الشمس فقد حل الذبح بغير صلاة في الأيام كلها، لأنه لما زالت الشمس فقد فات وقت الصلاة، وإنما يخرج الإمام في اليوم الثاني والثالث على وجه القضاء، والترتيب شرط في الأداء لا في القضاء، كذا ذكره القدوري، اهـ. وذكر نحوه الزيلعي عن المحيط.
(وهي جائزة في ثلاثة أيام) وهي (يوم النحر، ويومان بعده) ، لما روى عن عمر وعلي وابن عباس رضي اللهعنهم، قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها، وقد قالوه سماعا لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير، وفي الأخبار تعارض فأخذنا بالمتيقن وهو الأقل، وأفضلها أولها كما قالوا، ولأن فيه مسارعة إلى أداء القربة وهو الأصل إلا لمعارض، ويجوز الذبح في لياليها، إلا أنه يكره، لاحتمال الغلط في ظلمة الليل، وأيام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، والكل يمضي بأربعة، أولها نحر لا غير، وآخرها تشريق لا غير، والمتوسطان نحر وتشريق، هداية.
(ولا يضحى بالعمياء) الذاهبة العينين (والعوراء) الذاهبة إحداهما (والعرجاء العاطلة إحدى القوائم، إذا كانت بينة العرج، وهي (التي لا تمشي إلى المنسك) بفتح العين وكسرها - الموضع الذي تذبح فيه النسائك (ولا العجفاء) أي المهزولة التي

(3/234)


ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب، ولا التي ذهب أكثر أذنها، فإن بقي الأكثر من الأذن والذنب جاز.
ويجوز أن يضحى بالجماء والخصى والجرباء والثولاء.
والأضحية من الإبل والبقر والغنم، يجزئ من ذلك كله الثنى فصاعداً إلا الضأن فإن الجذع منه يجزئ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(والذبح) الاختياري (في الحلق) وهو في الأصل الحلقوم كما في القاموس (واللبة) بالفتح والتشديد، بوزن حبة - المنحر: أي من العقدة إلى مبدأ الصدر، وكلام التحفة والكافي وغيرهما يدل على أن الحلق يستعمل في العنق بعلاقة الجزئية، فالمعنى مبدأ الحلق: أي أصل العنق كما في القهستاني، فكلام المصنف محتمل للروايتين الآتيتين عن الجامع والمبسوط، قال في الهداية: وفي الجامع الصغير: لا بأس بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله، اهـ. وعبارة المبسوط: الذبح ما بين اللبة واللحيين كالحديث اهـ، قال في النهاية: وبينهما اختلاف من حيث الظاهر؛ لأن رواية المبسوط تقتضي الحل فيما إذا وقع الذبح قبل العقدة، لأنه بين اللبة واللحيين، ورواية الجامع تقتضي عدمه، لأنه إذا وقع قبلها لم يكن الحلق محل الذبح؛ فكانت رواية الجامع مقيدة لإطلاق رواية المبسوط، وقد صرح في الذخيرة بأن الذبح إذا وقع أعلى من الحلقوم لا يحل؛ لأن المذبح هو الحلقوم، ولكن رواية الإمام الرستغنى تخالف هذه حيث قال: هذا قول العوام وليس بمعتبر، فتحل سواء بقيت العقدة مما يلي الرأس أو الصدر، لأن المعتبر عندنا قطع أكثر الأوداج وقد وجد، وكان شيخي يفتي بهذه الرواية، ويقول: الرستغنى إمام معتمد في القول والعمل اهـ. وأيد الإتقاني هذه الرواية في غاية البيان وشنع على من خالفها غاية التشنيع. وقال: ألا ترى قول محمد في الجامع (أو أعلاه) فإذا ذبح في الأعلى لابد أن تبقى العقدة تحت، ولم يلتفت إلى العقدة في كلام الله تعالى ولا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الذكاة بين اللبة واللحيين بالحديث، وقد حصلت لاسيما على قول الإمام من الاكتفاء بثلاثة من الأربع أيا كانت، ويجوز ترك الحلقوم أصلا. فبالأولى إذا قطع من أعلاه وبقيت العقدة أسفل، اهـ. ومثله في المنح عن البزازية، وبه جزم صاحب الدرر والملتقى والعيني وغيرهم، ولكن جزم في النقاية والمواهب والإصلاح بأنه لابد أن تكون العقدة مما يلي الرأس، وإليه مال الزيلعي، قال شيخنا: والتحرير للمقام أن يقال:

(3/235)


ويأكل من لحم الأضحية، ويطعم الأغنياء والفقراء، ويدخر.
ويستحب أن لا ينقص الصدقة من الثلث، ويتصدق بجلدها أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت.
والأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، ويكره أن يذبحها الكتابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ويأكل) المضحي (من لحم الأضحية، ويطعم الأغنياء والفقراء، ويدخر) لقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي، فكلوا وادخروا) ولا يعطى أجر الجزار منها، للنهي عنه كما في الهداية.
(ويستحب) له (أن لا ينقص الصدقة من الثلث) لأن الجهات ثلاثة: الأكل، والادخار، لما روينا، والإطعام؛ لقوله تعالى: {وأطعموا القانع والمعتر} فانقسم عليها أثلاثاً، هداية.
(ويتصدق بجلدها) لأنه جزء منها (أو يعمل منه آلة) كنطع وجراب وغربال ونحوها (تستعمل في البيت) قال في الهداية: ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع في البيت مع بقائه، استحساناً، لأن للبدل حكم المبدل، اهـ.
(والأفضل أن يذبح أضحيته بيده، إن كان يحسن الذبح) ، لأنه عبادة، وفعلها بنفسه أفضل، وإن كان لا يحسن الذبح استعان بغيره وشهدها بنفسه، لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي اللهعنها (قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب) كما في الهداية.
(ويكره أن يذبحها الكتابي) لأنها عمل هو قربة، وهو ليس من أهلها، ولو أمره فذبح جاز، لأنه من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته، بخلاف ما إذا أمر المجوسي، لأنه ليس من أهل الذكاة فكان إفساداً، هداية

(3/236)


وإذا غلط رجلان فذبح كل واحدٍ منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما ولا ضمان عليهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما) استحساناً، لأنها تعينت للذبح، فصار المالك مستعيناً بكل من كان أهلا للذبح إذناً له دلالة، فيأخذ كل واحد منهما مسلوخه من صاحبه (ولا ضمان عليهما) ، لأن كل واحد منهما وكيل عن صاحبه فيما فعل دلالة، فإن كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل واحد منهما صاحبه، ويجزئهما؛ لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز، وإن كان غنياً، فكذا له أن يحللهفي الانتهاء، وإن تشاحا فلكل واحد منهما أن يضمن صاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة؛ لأنها بدل من اللحم، فصار كما لو باع أضحيته، وهذا لأن التضحية لما وقعت من صاحبه كان اللحم له، ومن أتلف أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه، هداية

(3/237)