اللباب في شرح الكتاب

كتاب أدب القاضي.
- لا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولي شرائط الشهادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان) آخران (بوجود الشرط، ثم رجعوا) جميعاً (فالضمان على شهود اليمين خاصة) ؛ لأنه هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض، ألا يرى أن القاضي يقضي بشهادة اليمين دون شروط الشرط، ولو رجع شهود الشرط وحدهم اختلف المشايخ فيه، اهـ هداية. وفي العيني لا ضمان عليهم على الصحيح.
كتاب أدب القاضي
مناسبته للشهادات، وتعقيبه لهاظاهرة من حيث إن القضاء يتوقف على الشهادة غالبا، قال في الجوهرة: الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة، يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل.
واعلم أن القضاء أمر من أمور الدين، ومصلحة من مصالح المسلمين، تجب العناية به، لأن بالناس إليه حاجة عظيمة، اهـ.
(ولا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى) بفتح اللام - اسم مفعول، وعدل عن الضمير إلى الظاهر ليكون فيه دلالة على تولية غيره له بدون طلبه، وهو الأولى للقاضي كما في الكفاية (شرائط الشهادة) لأن حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة، لأن كل واحد منهما من باب الولاية، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء، وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء، والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح، إلا أنه ينبغي أن يقلد كما في حكم الشهادة، فإنه لا ينبغي للقاضي أن يقبل شهادته، ولو قبل جاز عندنا، ولو كان عدلا ففسق

(4/77)


ويكون من أهل الاجتهاد، ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق أنه يؤدي فرضه، ويكره الدخول فيه لمن يخاتف العجز عنه، ولا يأمن على نفسه الحيف فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بأخذ الرشوة أو غيرها لا ينعزل ويستحق العزل، وهذا هو ظاهر المذهب، وعليه مشايخنا، وقال بعض المشايخ: إذا قلد الفاسق ابتداء يصح، ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق؛ لأن المقلد اعتمد عدالته فلم يكن راضيا بتقليده دونها، هداية.
(ويكون) بالنصب - عطفاً على "يجتمع" (من أهل الاجتهاد) قال في الهداية: والصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية، فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا، لأنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره، ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه، ولكن ينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قلد إنساناً عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين) وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه.
وحاصله: أن يكون صاحب حديث له معرفة بالفقه، ليعرف معاني الآثار، أو صاحب فقه له معرفة بالحديث، لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه، وقيل: أن يكون مع ذلك صاحب قريحة يعرف بها عادات الناس، لأن من الأحكام ما يبتنى عليها، اهـ.
(ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه) أي يعلم من نفسه (أنه يؤدي فرضه) وهو الحكم على قاعدة الشرع، قال في الجوهرة: وقد دخل فيه قوم صالحون، واجتنبه قوم صالحون، وترك الدخول فيه أحوط وأسلم للدين والدنيا؛ لما فيه من الخطر العظيم والأمر المخوف.
(ويكره الدخول فيه لمن خاف العجز عنه) أي عن القيام به على الوجه المشروع (ولا يأمن على نفسه الحيف فيه) أي الظلم، قال في الهداية: وكره

(4/78)


ولا ينبغي أن يطلب الولاية ولا يسألها.
ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي قبله، وينظر في حال المحبوسين، فمن اعترف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم الدخول فيه مختارا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين) ، والصحيح أن الدخول فيه رخصة طمعاً في إقامة العدل، والترك عزيمة، فلعله يخطئ ظنه فلا يوفق له، أو لا يعينه غيره، ولابد من الإعانة، إلا إذا كان هو الأهل للقضاء دون غيره، فحينئذ يفترض عليه التقلد، صيانة لحقوق العباد، وإخلاء للعالم عن الفساد، اهـ.
(ولا ينبغي) للإنسان (أن يطلب الولاية) بقلبه (ولا يسألها) بلسانه،
لقوله صلى الله عليه وسلم: (من طلب القضاء وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه نزل عليه ملكٌ يسدده) .
ثم يجوز التقليد من السلطان العادل والجائر ولو كان كافراً كما في الدر عن مسكين وغيره، إلا إذا كان لا يمكنه من القضاء بالحق؛ لأن المقصود لا يحصل بالتقليد] .
(ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي) كان (قبله) وهي الخرائط التي فيها السجلات وغيرها، لأنها وضعت فيها لتكون حجة عند الحاجة، فتجعل في يد من له ولاية القضاء، فيبعث أمينين ليقبضاها بحضرة المعزول أو أمينه، ويسألانه شيئاً فشيئاً، ويجعلان كل نوع منها في خريطة كيلا تشتبه على المولى، وهذا السؤال لكشف الحال، لا للالزام، هداية.
(وينظر في حال المحبوسين) لأنه جعل ناظراً للمسلمين (فمن اعترف

(4/79)


بحقٍ إلزمه إياه، ومن أنكر لم يقبل قول المعزول عليه إلا ببينةٍ، وإن لم تقم بينةٌ لم يعجل بتخليته حتى ينادي عليه ويستظهر في أمره.
وينظر في الودائع وارتفاع الوقوف، فيعمل على ما تقوم به البينة أو يعترف به من هو في يده. ولا يقبل قول المعزول إلا أن يعترف الذي هو في يده أن المعزول سلمها إليه فيقبل قوله فيها.
ويجلس الحاكم جلوساً ظاهراً في المسجد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بحق ألزمه إياه) عملا بإقرار (ومن أنكر لم يقبل قول المعزول عليه إلا ببينة) لأنه بالعزل التحق بالرعايا، وشهادة الفرد ليست بحجة، ولاسيما إذا كان على فعل نفسه، هداية. (فإن لم تقم) عليه (بينة لم يعجل بتخليته) بل يتمهل (حتى ينادى عليه) بالمجامع والأسواق بقدر ما يرى (ويستظهر في أمره) ؛ لأن فعل المعزول حق ظاهر، فلا يعجل بتخليته، كيلا يؤدي إلى إبطال حق الغير.
(وينظر في الودائع) التي وضعها المعزول في أيدي الأمناء (وارتفاع الوقوف) أي غلاتها (فيعمل على) حسب (ما تقوم به البينة أو يعترف به من هو في يده) لأن كل واحد منهما حجة (ولا يقبل) عليه (قول المعزول) لما مر (إلا أن يعترف الذي هو في يده أن) القاضي (المعزول سلمها) أي الودائع أو الغلات (إليه فيقبل قوله) أي المعزول (فيها) لأنه ثبت بإقرار ذي اليد أن اليد كانت للمعزول فيصح إقراره كأنه في يده في الحال.
(ويجلس) القاضي (للحكم جلوساً ظاهراً في المسجد) ويختار مسجدا

(4/80)


ولا يقبل هديةً إلا من ذي رحمٍ محرمٍ، أو ممن جرت عادته قبل القضاء بمهاداته.
ولا يحضر دعوةً إلا أن تكون عامةً، ويشهد الجنازة، ويعود المريض.
ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه، وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في وسط البلد تيسيراً على الناس، والمسجد الجامع أولى، لأنه أشهر.
(ولا يقبل هدية) من أحد (إلا من ذي رحم محرم، أو ممن جرت عادته قبل) تقلد (القضاء بمهاداته) قال في الهداية: لأن الأول صلة الرحم، والثاني ليس للقضاء، بل جريٌ على العادة، وفيما وراء ذلك يكون آكلا بقضائه حتى لو كانت للقريب خصومة لا يقبل هديته، وكذا إذا زاد المهدي على المعتاد أو كانت له خصومة؛ لأنه لأجل القضاء فيتحاماه، اهـ.
(ولا يحضر دعوة إلا أن تكون) الدعوة (عامة) لأن الخاصة مظنة التهمة، بخلاف العامة (ويشهد الجنازة، ويعود المريض) لأن ذلك من حقوق المسلمين.
(ولا يضيف أحد الخصمين دون خصمه) لما فيه من التهمة، وفي التقييد بأحد الخصمين إشارة إلى أنه لا بأس بإضافتهما معاً (وإذا حضرا) أي الخصمان (سوى) القاضي (بينهما في الجلوس) بين يديه (والإقبال) عليهما، والإشارة إليهما، يفعل ذلك مع الشريف والدنئ، والأب والابن، والخليفة والرعية

(4/81)


ولا يسار أحدهما، ولا يشير إليه، ولا يلقنه حجةً.
فإذا ثبت الحق عنده، وطلب صاحب الحق حبس غريمه، لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه، فإن امتنع حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مالٍ حصل في يده، كثمن المبيع وبدل القرض، أو التزمه بعقدٍ، كالمهر والكفالة، ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا قال: إني فقير، إلا أن يثبت غريمه أن له مالاً، ويحبسه شهرين أو ثلاثةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يسار أحدهما، ولا يشير إليه، ولا يلقنه حجة) ولا يضحك في وجهه؛ احترازاً عن التهمة، ولا يمازحهم ولا واحداً منهم؛ لأنه يذهب بمهابة القضاء.
(فإذا) تمت الدعوى، و (ثبت الحق عنده) على أحدهما (وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل) القاضي (بحبسه، و) لكن (أمره بدفع ما) ثبت (عليه) ؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلابد من ظهورها، وهذا إذا ثبت الحق بإقراره، لأنه لم يعرف كونه مماطلا، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة، فإنه يحبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره كما في الهداية، قال في البحر: وهو المذهب عندنا، اهـ (فإن امتنع) عن دفعه (حبسه) - وإن تعلل بفقره - إلى ظهور عسره، وذلك (في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كثمن مبيع) وبدل مستأجر، لأنه إذا حصل المال في يده ثبت غناه به (أو التزمه بعقد، كالمهر والكفالة) ، لأن إقدامه على التزامه باختياره دليل يساره، لأنه لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه (ولا يحبسه فيما سوى ذلك) كبدل خلع، ومغصوب، ومتلف، ونحو ذلك (إذا قال إني فقير) ، إذ الأصل العسرة (إلا أن يثبت غريمه أن له مالا، فيحبسه) حينئذ، لظهور المطل (شهرين أو ثلاثة)

(4/82)


ثم يسأل عنه، فإن لم يظهر له مالٌ خلى سبيله، ولا يحول بينه وبين غرمائه.
ويحبس الرجل في نفقة زوجته، ولا يحبس والدٌ في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو أكثر أو أقل، بحسب ما يرى، بحيث يغلب على ظنه أنه لو كان له مال لأظهره.
قال في الهداية: والصحيح أن التقدير مفوض إلى رأي القاضي، لاختلاف أحول الأشخاص فيه، ومثله في شرح الزاهدي والإسبيجاني وفتاوى قاضيخان كما في التصحيح.
(ثم يسأل عنه) جيرانه وأقاربه ومن له خبرة به (فإن لم يظهر له مال خلى سبيله) لأنه استحق النظرة إلى الميسرة، فيكون حبسه بعد ذلك ظلما، وفي قوله "ثم يسأل عنه" إشارة إلى أنه لا تقبل بينة الإفلاس قبل الحبس. قال جمال الإسلام: وهذا قول الإمام، وهو المختار، وقال قاضيخان: إذا أقام البينة على الإفلاس قبل الحبس فيه روايتان، قال ابن الفضل: والصحيح أنه يقبل، وينبغي أن يكون ذلك مفوضاً إلى رأى القاضي، إن علم أنه وقح لا يقبل بينته قبل الحبس، وإن علم أنه لين قبل بينته، كذا في التصحيح، وفي النهر عن الخانية: ولو فقره ظاهراً سأل عنه عاجلا، وقبل بينته على إفلاسه وخلى سبيله، اهـ.
(ولا يحول بينه وبين غرمائه) بعد خروجه من الحبس، فإذا دخل داره لا يتبعونه، بل ينتظرونه حتى يخرج، فإن كان الدين لرجل على امرأة لا يلازمها، ولكن يبعث امرأة أمينة تلازمها.
(ويحبس الرجل في نفقة زوجته) لظلمه بامتناعه (ولا يحبس والد في

(4/83)


دين ولده إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه.
ويجوز قضاء المرأة في كل شيء، إلا في الحدود والقصاص.
ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شهد به عنده، فإن شهدوا على خصم حكم بالشهادة، وكتب بحكمه، وإن شهدوا بغير حضرة خصمٍ لم يحكم، وكتب بالشهادة ليحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دين ولده) لأنه نوع عقوبة، فلا يستحقه الولد على والده (إلا إذا امتنع) والده (من الإنفاق عليه) دفعاً لهلاكه، واحترازاً عن سقوطها، فإنها تسقط بمضي الزمان.
(ويجوز قضاء المرأة في كل شيء، إلا في الحدود والقصاص) اعتباراً بشهادتها.
(وقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق) التي لا تسقط بالشبهة (إذا شهد) بالبناء بالمجهول (به) أي الكتاب (عنده) أي القاضي المكتوب إليه أنه كتاب فلان القاضي وختمه (فإن) كان الشهداء (شهدوا) عند القاضي الكاتب (على خصم) حاضر (حكم بالشهادة) على قواعد مذهبه (وكتب بحكمه) إلى القاضي الآخر لينفذه، ويكون هذا في صورة الاستحقاق، فإن المدعى عليه إذا حكم عليه وأراد الرجوع على بائعه وهو في بلدة أخرى وطلب من القاضي أن يكتب بحكمه إلى قاضي تلك البلدة يكتبه له، ويسمى هذا الكتاب سجلا لتضمنه الحكم (وإن) كانوا (شهدوا بغير حضرة خصم لم يحكم) بتلك الشهادة، لما مر من أن القضاء على الغائب لا يصح (و) لكن (كتب بالشهادة ليحكم

(4/84)


بها المكتوب إليه.
ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، ويجب أن يقرأ الكتاب عليهم ليعرفوا ما فيه، ثم يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بها المكتوب إليه) على قواعد مذهبه، ويسمى هذا الكتاب الحكمي، لأن المقصود به حكم المكتوب إليه، وهو في الحقيقة نقل الشهادة.
(ولا يقبل) القاضي المكتوب إليه (الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين) ؛ لاحتمال التزوير، وهذا عد إنكار الخصم أنه كتاب القاضي؛ وأما إذا أقر فلا حاجة إلى إقامة بينة.
(ويجب) على القاضي الكاتب (أن يقرأ الكتاب عليهم) : أي على الشهود (ليعرفوا ما فيه) أو يعلمهم به، لأنه لا شهادة بدون العلم (ثم يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم) نفيا للشك والتردد من كل وجه. قال في الهداية وشرح الزاهدي أما الختم بحضرتهم، وكذا حفظ في ما في الكتاب؛ فشرطٌ عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف آخراً: ليس شيء من ذلك بشرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه، وعنه أن الختم ليس بشرط أيضاً، فسهل في ذلك لما ابتلى بالقضاء، وليس الخبر كالمعاينة، وهذا مختار شمس الأئمة السرخسي.
قال شيخنا في شرح الهداية: ولاشك عندي في صحته فإن الغرض إذا كان عدلة الشهود - وهم حملة الكتاب - فلا يضره كونه غير مختوم مع شهادتهم أنه كتابه، نعم إذا كان الكتاب مع المدعي ينبغي أن يشترط الختم، لاحتمال التغيير، إلا أن يشهدوا بما فيه حفظا، فالوجه إن كان الكتاب مع الشهود أن لا يشترط معرفتهم بما

(4/85)


فإذا وصل إلى القاضي لم يقبله إلا بحضرة الخصم، فإذا سلمه الشهود إليه نظر إلى ختمه، فإن شهدوا أنه كتاب فلانٍ القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه، فضه القاضي، قرأه على الخصم، وألزمه ما فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه، ولا الختم، بل تكفي شهادتهم أنه كتابه مع عدالتهم، وإن كان مع المدعي اشترط حفظهم لما فيه فقط، كذا في التصحيح.
(فإذا وصل) الكتاب (إلى القاضي لم يقبله إلا بحضرة الخصم) ؛ لأنه بمنزلة أداء الشهادة، فلابد من حضوره (فإذا سلمه الشهود إليه) أي إلى القاضي بحضرة الخصم (نظر) القاضي (إلى ختمه) أولا ليتعرفه (فإن شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه، وقرأه علينا، وختمه بختمه؛ فضه القاضي، وقرأه على الخصم، وألزمه ما فيه) قال في الهداية: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبله على ما مر، ولم يشترط في الكتاب ظهور العدالة للفتح، والصحيح أنه يفض الكتاب بعد ثبوت العدالة، كذا ذكره الخصاف، لأنه ربما يحتاج إلى زيادة الشهود، وإنما يمكنهم من أداء الشهادة بعد قفيام الختم، وإنما يقبله المكتوب إليه إذا كان الكاتب على القضاء، حتى لو عزل، أو مات، أو لم يبق أهلا للقضاء قبل وصول الكتاب - لا يقبله، لأنه التحق بواحد من الرعايا، وكذا لو مات المكتوب إليه، إلا إذا كتب " لى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين"، لأن غيره صار تبعاً له، وهو معرف، بخلاف ما إذا كتب ابتداء "إلى كل من يصل إليه" على ما عليه مشايخنا، لأنه غير معرف، ولو كان مات الخصم ينفذ الكتاب على وارثه لقيامه مقامه، اه

(4/86)


ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص، وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض ذلك إليه،
وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكمٍ أمضاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص) ؛ لأن فيه شبهة البدلية عن الشهادة، فصار كالشهادة، ولأن مبناها على الإسقاط، وفي قبوله سعي في إثباتها.
(وليس للقاضي أن يستخلف) نائباً عنه (على القضاء) ، لأنه قلد القضاء دون التقليد، فصار كتوكيل الوكيل، ولو قضى الثاني بمحضر من الأول أو قضى الثاني فأجاز الأول، جاز كما في الوكالة، لأنه حضره رأي الأول، وهو الشرط (إلا أن يفوض ذلك إليه) صريحاً، كول من شئت، أو دلالة، كجعلتك قاضي القضاة، والدلالة هنا أقوى من الصريح، لأنه في الصريح المذكور يملك الاستخلاف، لا العزل، وفي الدلالة يملكهما، فإن قاضي القضاة هو الذي يتصرف فيهم مطلقاً، تقليداً وعزلا.
(وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم) مولى ولو بعد عزله أو موته إذا كان بعد دعوى صحيحة (أمضاه) أي: ألزم الحكم والعمل بمقتضاه، سواء وافق رأيه أو خالفه إذا كان مجتهداً فيه؛ لأن القضاء متى لاقى محلا مجتهداً فيه ينفذ ولا يرده غيره؛ لأن الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الأول لتساويهما في الظن، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به، فلا ينقض بما هو دونه. ولو قضى في المجتهد فيه مخالفاً لرأيه، ناسيا لمذهبه، نفذ عند أبي حنيفة، وإن كان عامداً فعنه روايتان، وعندهما لا ينفذ في الوجهين؛ لأنه قضى بما هو خطأ عنده، وعليه الفتوى كما في الهداية، والوقاية، والمجمع، والملتقي، قيدنا بالمولى لأن حكم المحكم لا يرفع الخلاف كما يأتي، وبكونه بعد دعوى

(4/87)


إلا أن يخالف الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو يكون قولاً لا دليل عليه.
ولا يقضي القاضي على غائبٍ إلا أن يحضر من يقوم مقامه.
وإذا حكم رجلان رجلاً ليحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز إذا كان بصفة الحاكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صحيحة - بأن تكون من خصم على خصم حاضر - لأنه إذا لم يكن كذلك يكون إفتاء فيحكم بمذهبه لا غير، كما في البحر، قال في الدر: وبه عرف أن تنافيذ زمامنا لا تعتبر لترك ما ذكر (إلا أن يخالف) حكم الأول (الكتاب) فيما لم يختلف في تأويله السلف كمتروك التسمية عمداً (أو السنة) المشهورة كالتحليل بلا وطء؛ لمخالفته حديث العسيلة المشهور (هو قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك") (أو الإجماع) كحل المتعة؛ لإجماع الصحابة على فساده (أو يكون قولا لا دليل عليه) كسقوط الدين بمضي السنين من غير مطالبة.
(ولا يقضي القاضي على غائب) ولا له (إلا أن يحضر من يقوم مقامه) كوكيله ووصيه ومتولي الوقف، أو نائبه: شرعا كوصي القاضي، أو حكما بأن يكون ما يدعي على الغائب سبباً لما يدعى به على الحاضر، كأن يدعي دارا في يد رجل ويبرهن عليه أنه اشترى الدار من فلان الغائب فحكم الحاكم به على ذي اليد الحاضر كان حكما على الغائب أيضا، حتى لو حضر وأنكر لم يعتبر، لأن الشراء من المالك سبب الملكية، وله صور كثيرة، ذكر منها جملة في شرح الزاهدي.
(وإذا حكم رجلان) متداعيان (رجلا ليحكم بينهما ورضيا بحكمه) فحكم بينهما (جاز) لأن لهما ولاية على أنفسهما، فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما (إذا كان) المحكم (بصفة الحاكم) ؛ لأنه بمنزلة القاضي بينهما؛ فيشترط فيه

(4/88)


ولا يجوز تحكيم الكافر، والعبد، والذمي، والمحدود في القذف، والفاسق، والصبي.
ولكل واحدٍ من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما، فإذا حكم لزمهما، وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه، وإن خالفه أبطله.
ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما يشترط في القاضي، وقد فرع على مفهوم ذلك بقوله:
(ولا يجوز تحكيم الكافر) الحربي (والعبد) مطلقاً (والذمي) إلا أن يحكمه ذميان؛ لأنه من أهل الشهادة عليهم فهو من أهل الحكم عليهم (والمحدود في القذف) وإن تاب (والفاسق، والصبي) ؛ لانعدام أهلية القضاء منهم اعتباراً بأهلية الشهادة، قال في الهداية: والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر في المولى.
(ولكل واحدٍ من المحكمين) له (أن يرجع) عن تحكيمه، لأنه مقلد من جهتهما، فلا يحكم إلا برضاهما جميعاً، وذلك (ما لم يحكم عليهما، فإذا حكم) عليهما وهما على تحكيمهما (لزمهما) الحكم، لصدوره عن ولاية عليهما.
(وإذا رفع حكمه) أي حكم المحكم (إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه) ؛ لأنه لا فائدة في نقضه، ثم إبرامه على هذا الوجه (وإن خالفه) أي خالف رأيه (أبطله) ، لأن حكمه لا يلزمه لعدم التحكيم منه؛ هداية، أي: لأن حكم المحكم لا يتعدى المحكمين.
(ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص) ؛ لأنه لا ولاية لهما على دمهما، ولهذا لا يملكان الإباحة، قالوا: وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم

(4/89)


وإن حكما في دمٍ خطأٍ فقضى الحاكم على العاقلة بالدية لم ينفذ حكمه، ويجوز أن يسمع البينة، ويقضي بالنكول.
وحكم الحاكم لأبويه وولده وزوجته باطلٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في سائر المجتهدات، وهو صحيح، إلا أنه لا يفتى به، ويقال: يحتاج إلى حكم المولى دفعاً لتجاسر العوام، هداية.
(وإن حكما) رجلا (في دم خطأ فقضى) المحكم (بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه) ، لأنه لا ولاية له عليهم، لأنه لا تحكيم من جهتهم، وقد سبق أن ولايته قاصرة على المحكم عليهم.
(ويجوز) للمحكم (أن يسمع البينة، ويقضي بالنكول) والإقرار، لأنه حكم موافق للشرع.
(وحكم الحاكم) مطلقا (لأبويه) وإن عليا (من حق العربية عليه أن يقول (وإن علوا) كما تقول عند الإسناد لألف الاثنين (دنوا) وسموا، ودعوا، وغزوا) . (وولده) وإن سفل (وزوجته باطل) ، لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة، فلا يصح القضاء لهم، بخلاف ما إذا حكم عليهم، لأنه تقبل شهادته عليهم، لانتفاء التهمة، فكذا القضاء، هداية

(4/90)