المبسوط
للسرخسي دار الفكر ج / 2 ص -74-
كتاب السجدات
بسم الله الرحمن الرحيم
قال: الشيخ الإمام رحمه الله تعالى مسائل هذا
الكتاب مبنية على أصول قد بيناها في كتاب
الصلاة.
منها: إن زيادة ما دون الركعة قبل إكمال
الفريضة لا يكون مفسدا للصلاة بخلاف زيادة
الركعة الكاملة وإنما تتقيد الركعة بالسجدة.
وفي رواية عن محمد زيادة السجدة الواحدة قبل
إكمال الفريضة يفسدها.
ومنها: أن الترتيب في أفعال صلاة واحدة فيما
شرع متكررا لا يكون ركنا وتركها لا يفسد
الصلاة عمدا كان أو سهوا.
ومنها: أن المتروكة إذا قضيت التحقت بمحلها
وصارت كالمؤداة في موضعها.
ومنها: سلام السهو لا يفسد الصلاة وأن سجود
السهو يجب بتأخير ركن عن محله ويؤدى بعد
السلام عندنا.
ومنها: أن ما تردد بين الواجب والبدعة فعليه
أن يأتي به إحتياطا لأنه لا وجه لترك الواجب
وما تردد بين البدعة والسنة يتركه لأن ترك
البدعة لازم وأداء السنة غير لازم.
ومنها: أن القعدة الأولى في ذوات الأربع أو
الثلاث من المكتوبات سنة وقعدة الختم فريضة.
ومنها: أن الصلاة إذا فسدت من وجه يجب إعادتها
وإن كانت تصح من وجوه أخذا بالاحتياط في باب
العبادات.
ومنها: أنك تنظر في تخريج هذه المسائل إلى
المتروكات من السجدات وإلى المأتى بها فعلى
الأقل منها تخريج المسائل.
وأدله هذه الأصول قد بيناها في كتاب الصلاة.
إذا عرفنا هذا فنقول: قال محمد رحمه الله
تعالى رجل صلى الغداة وترك منها سجدة، قال:
يسجد تلك السجدة ويستوي إن ذكرها قبل السلام
أو بعده لأنه تبين أنه سلم وعليه ركن فلم يخرج
به من الصلاة فيسجدها فإن كانت متروكة من
الركعة الأولى التحقت بمحلها وإن كانت من
الركعة الثانية فهي مؤداة في محلها لأن القعدة
تنتقض بالعود إليها ثم يأتي بعدها بقعدة الختم
ويسلم ويسجد للسهو إما لتأخير ركن عن محله أو
لزيادة قعدة أو للسلام ساهيا. ولو ترك سجدتين
سجد سجدتين
ج / 2 ص -75-
ويصلي
ركعة لأنه إن كان تركهما من ركعتين فعليه
سجدتان لأن كل ركعة تقيدت بسجدة واحدة، وإن
كان تركهما من الركعة الأخيرة فعليه سجدتان
أيضا لأنه ركع ثم قعد قبل أن يسجد وإن كان
تركهما من الركعة الأولى فعليه قضاء تلك
الركعة لأنه في الحقيقة ركع ركوعين ثم سجد
سجدتين فكان مصليا ركعة والمعتبر هو الركوع
الأول إن كان بعد القراءة في أصح الروايتين
كما بينا في كتاب الصلاة. وإذا لم يتذكر أنه
كيف تركهما أخذ بالاحتياط فسجد سجدتين وصلى
ركعة إلا أنه يبدأ بالسجدتين لأنه لو بدأ
بالركعة وكان الواجب عليه سجدتان فسدت صلاته
لاشتغاله بالنفل قبل إكمال الفريضة وإن بدأ
بالسجدتين فإن كان الواجب عليه قضاء ركعة لم
تفسد صلاته لأن زيادة السجدة والسجدتين قبل
إكمال الفريضة لا يفسد الفريضة فلهذا بدأ
بالسجدتين.
وإنما تبين في هذه المسائل وجه الفساد لأن
الصلاة إذا فسدت من وجه واحد يكفي ذلك لوجوب
الإعادة فإن سجد سجدتين قعد بعدهما لا محالة
لأنه إن كان الواجب عليه سجدتين فقد تمت صلاته
وقعدة الختم فريضة وإن كان الواجب عليه ركعة
كانت هذه القعدة بدعة وما تردد بين البدعة
والفريضة يجب أداؤه ثم يقوم فيصلي ركعة لجواز
أن يكون الواجب عليه قضاء ركعة ثم يتشهد ويسلم
ثم يسجد للسهو.
فإن قيل: فلماذا لا تأمره بركعة أخرى حتى لا
يكون متنفلا بركعة واحدة إن كان الواجب عليه
سجدتين؟.
قلنا: هذا تردد بين التطوع والبدعة وقد بينا
أنه لا يؤتى بمثله ولو فعله كان متطوعا بعد
الفجر قبل طلوع الشمس وذلك منهي عنه وكما
يتوهم أن يكون متنفلا بركعة إذا سلم عليها
يتوهم ذلك إذا أضاف إليها ركعة أخرى لجواز أن
الواجب عليه قضاء ركعة فلا معنى للاشتغال
بهذا.
وإن ترك ثلاث سجدات فنقول هذا في الحقيقة ما
سجد إلا سجدة واحدة وبالسجدة الواحدة لا يتقيد
إلا ركعة واحدة فعليه أن يسجد سجدة واحدة ليتم
بها ركعة ثم لا يقعد لأنه تيقن أنه لم يتم
صلاته ولكن يصلي ركعة ثم يقعد ويسلم ويسجد
للسهو إلا أنه ينبغي أن ينوي بالسجدة قضاء
المتروكة لجواز أن يكون إنما أتى بسجدة بعد
الركوع الأول وإذا لم ينو بهذه السجدة القضاء
تتقيد بها الركعة الثانية فإذا قام بعدها وصلى
ركعة كان متنفلا بها قبل إكمال الفريضة فتفسد
صلاته فإذا نوى بها القضاء التحقت بمحلها
وانتقض الركوع المؤدى بعدها لأن ما دون الركعة
يحتمل النقض فلهذا ينوي بها القضاء.
فإن تذكر أنه ترك منها أربع سجدات فهذا ركع
ركوعين ولم يسجد شيئا فعليه أن يسجد سجدتين
ليتم ركعة، ثم لا يقعد ولكن يصلي ركعة ثم يقعد
ويسلم ويسجد للسهو.
قال: "رجل صلى الظهر أربع ركعات وترك منها
سجدة قال: يسجد تلك السجدة،
ج / 2 ص -76-
وعليه
سجدتا السهو" لما بينا. فإن تذكر أنه ترك منها
سجدتين يسجد سجدتين ثم يصلي ركعة لأنه إن كان
تركهما من ركعتين أو من الركعة الأخيرة فعليه
سجدتان وإن كان تركها من ركعة قبل الركعة
الأخيرة فعليه قضاء ركعة فإذا لم يعلم كيف
تركهما أخذ بالاحتياط فسجد سجدتين ثم قعد
بعدهما لجواز أن يكون قد تمت صلاته ثم قام
فصلى ركعة. وإن تذكر أنه ترك ثلاث سجدات يسجد
ثلاث سجدات ثم يصلي ركعة لأنه إن كان تركها من
ثلاث ركعات أو سجدتين من الركعة الأخيرة فعليه
ثلاث سجدات. وإن ترك سجدتين من ركعة قبل
الركعة الأخيرة فعليه ركعة وسجدة فيبدأ
بالسجود احتياطا فيسجد ثلاث سجدات ثم يقعد
لجواز أن صلاته قد تمت ثم يقوم فيصلي ركعة.
وإن كان ترك منها أربع سجدات يسجد أربع سجدات
ثم يصلي ركعتين يقعد بينهما وبعدهما لأنه من
وجه عليه أربع سجدات فقط وهو أن يكون تركها من
أربع ركعات أو ترك سجدتين من الركعة الأخيرة
وسجدتين من الركعتين قبلها. ومن وجه عليه
سجدتان وركعة وهو أن يكون ترك سجدتين من ركعة
قبل الركعة الأخيرة وسجدتين من ركعتين ومن وجه
عليه قضاء ركعتين وهو أن يكون تركها من ركعتين
قبل الركعة الأخيرة فيأخذ بالاحتياط ويبدأ
فيسجد أربع سجدات ثم يقعد لأن صلاته قد تمت
باعتبار الوجه الأول ثم يصلي ركعة ويقعد لأن
صلاته قد تمت باعتبار الوجه الثاني ثم يصلي
ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثالث ثم يقعد ويسلم
ويسجد للسهو.
قال: "فإن ترك خمس سجدات فنقول المأتي به من
السجدات ها هنا أقل فنبني التخريج عليها فنقول
إنما أتى بثلاث سجدات" فإن كان أتى بها في
ثلاث ركعات فعليه قضاء ثلاث سجدات وركعة وإن
كان أتى بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه
قضاء سجدة وركعتين فيأخذ بالاحتياط فيسجد ثلاث
سجدات ثم لا يقعد لأن هذه القعدة تتردد بين
السنة والبدعة فإنه إن تم له ركعتان فالقعدة
له سنة وإن تم له ثلاث ركعات فالقعدة بدعة فلا
يقعد لكن يصلي ركعة ثم يقعد لأن صلاته قد تمت
باعتبار الوجه الأول ثم يصلي ركعة أخرى
لاحتمال الوجه الثاني. وإن ترك منها ست سجدات
فإنما أتى بسجدتين فإن كان أتى بهما في ركعتين
فعليه سجدتان وركعتان وإن أتى بهما في ركعة
فعليه ثلاث ركعات فيحتاط فيسجد سجدتين ثم لا
يقعد، لكنه يقوم فيصلي ركعتين ثم يقعد لأن
صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي
ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني ثم يتشهد
ويسلم.
قال: "فإن ترك منها سبع سجدات فهذا ما أتى إلا
بسجدة واحدة" وبالسجدة الواحدة لا يتقيد إلا
ركعة فيسجد سجدة أخرى ثم يقوم فيصلي ركعة ثم
يقعد وهذه القعدة سنة لأنها القعدة الأولى من
ذوات الأربع ثم يصلي ركعتين ويسجد للسهو. فإن
ترك منها ثمان سجدات فهذا ركع أربع ركوعات ولم
يسجد شيئا فيسجد سجدتين فيتم بها ركعة ثم يصلي
ثلاث ركعات وكذلك الجواب في العصر والعشاء.
ج / 2 ص -77-
قال:
"رجل صلى المغرب ثلاث ركعات وترك منها سجدة"
قال "يسجد تلك السجدة ويتشهد ويسلم ويسجد
للسهو" كما بينا فإن ترك سجدتين يسجد سجدتين
ثم يصلي ركعة لأنه إن تركهما من ركعتين أو من
الركعة الأخيرة فعليه سجدتان وإن تركهما من
ركعة قبل الركعة الأخيرة فعليه ركعة فيسجد
أولا سجدتين احتياطا ثم يقعد لأن صلاته قد تمت
باعتبار الوجه الأول ثم يقوم فيصلي ركعة
لاحتمال الوجه الثاني ثم يسجد للسهو بعد
السلام. فإن ترك منها ثلاث سجدات فعليه أن
يسجد ثلاث سجدات ثم يصلي ركعة لأنه إن تركها
من ثلاث ركعات أو سجدتين من الركعة الأخيرة
فعليه ثلاث سجدات، وإن ترك سجدتين من ركعة قبل
الركعة الأخيرة وسجدة من ركعة فعليه قضاء ركعة
وسجدة فيحتاط فيسجد أولا ثلاث سجدات ثم يقعد
لأن صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي
ركعة لاحتمال الوجه الثاني.
قال: "فإن ترك منها أربع سجدات فهذا إنما أتى
بسجدتين" فإن كان أتى بهما في ركعتين فعليه
سجدتان وركعة وإن كان أتى بهما في ركعة فعليه
قضاء ركعتين فيبدأ فيسجد سجدتين أولا ثم لا
يقعد ولكنه يصلي ركعة ثم يقعد لأن صلاته قد
تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي ركعة لاحتمال
الوجه الثاني.
قال: "فإن ترك منها خمس سجدات فإنما سجد سجدة
واحدة" وبالسجدة الواحدة لا يتقيد إلا ركعة
فيسجد سجدة ليتم بها ركعة ثم يصلي ركعتين يقعد
بينهما وهذه القعدة سنة ويقعد بعدهما وهي قعدة
الختم فإن ترك منها ست سجدات فهذا ركع ثلاث
ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ثم يقوم
فيصلي ركعتين.
قال: "رجل صلى الغداة ثلاث ركعات ولم يقعد في
الثانية فصلاته فاسدة" لأنه أدى ركعة كاملة
قبل إكمال الفريضة فإن القعدة من أركان الصلاة
وهو لم يقعد في الثانية فإن تذكر أنه ترك منها
سجدة لم يرتفع الفساد لأنه لا يخرج بهذا من أن
يكون مصليا ثلاث ركعات فالركعة تتقيد بسجدة
واحدة وكذلك إن ترك منهاسجدتين أو ثلاث سجدات
لا يرتفع الفساد لجواز أن يكون إنما ترك من كل
ركعة سجدة فيكون مصليا الركعة الثالثة قبل
إكمال الفريضة وهذا هو الأصل في هذا الجنس من
المسائل أن المتروكات من السجدات متى كانت أقل
من المأتى بها أو مثل المأتى بها لا يرتفع
الفساد، وإن كان المأتى بها أقل فالآن يرتفع
الفساد حتى إذا تذكر أنه ترك منها أربع سجدات
فهذا إنما أتى بسجدتين ولا يتقيد بسجدتين إلا
ركعتان فقد تيقنا أنه غير مصلي الركعة الثالثة
فلهذا يرتفع الفساد ثم يسجد سجدتين ويصلي ركعة
لأن من وجه عليه سجدتان وهو أن يكون أتى بهما
في ركعتين، ومن وجه عليه ركعة فيسجد سجدتين ثم
يقعد لأن صلاته قد تمت من وجه ثم يقوم فيصلي
ركعة.
قال: "وإن كان ترك خمس سجدات فهذا ما سجد إلا
سجدة واحدة" فيسجد سجدة أخرى ثم يصلي ركعة ثم
يسجد للسهو وهذا كله إذا كان قد صلى الركعة
الثالثة. وإن كان قد
ج / 2 ص -78-
تذكر
في ركوعه في الركعة الثالثة أو حين رفع رأسه
منها قبل أن يسجد لم تفسد صلاته لأنه إنما زاد
ما دون الركعة وبزيادة ما دون الركعة قبل
إكمال الفريضة لا تفسد صلاته.
قال: "رجل صلى الظهر خمس ركعات وترك منها سجدة
فصلاته فاسدة" لأنه زاد ركعة كاملة قبل إكمال
الفريضة وكذلك لو ترك منها سجدتين أو ثلاثا أو
أربعا أو خمسا لم يرتفع الفساد لجواز أن يكون
ترك خمس سجدات من خمس ركعات.
فإن قيل: إذا تذكر أنه ترك منها سجدتين لماذا
لا يجعل هاتان السجدتان مما هو خطأ وهو الركعة
الأخيرة حتى يرتفع الفساد؟.
قلنا: وإن جعلناه كذلك لا يرتفع به الفساد
لاحتمال أنه تركهما من ركعتين والصلاة متى
فسدت من وجه واحد يكفي ذلك لوجوب الإعادة
احتياطا.
فإن تذكر أنه ترك منها ست سجدات فقد ارتفع
الفساد لأنه ما أتى إلا بأربع سجدات فيتيقن
بأنه لم يصل أكثر من أربع ركعات ثم وجه
الإتمام أن يقول من وجه عليه قضاء أربع سجدات
وهو أن يكون سجد سجدة في كل ركعة. ومن وجه
عليه قضاء ركعة وهو أن يكون سجد سجدتين في
ركعتين وسجدتين في ركعة. ومن وجه: عليه قضاء
ركعتين وهو أن يكون سجد أربعا في ركعتين
فيحتاط فيسجد أولا أربع سجدات ثم يقعد لأن
صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي
ركعة ثم يقعد لأن صلاته قد تمت باعتبار الوجه
الثاني ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال الوجه
الثالث.
فإن ترك منها سبع سجدات، فإنما أتى بثلاث
سجدات. فإن كان أتى بها في ثلاث ركعات فعليه
ثلاث سجدات وركعة وإن كان أتى بسجدتين في ركعة
وسجدة في ركعة فعليه سجدة وركعتان فيحتاط
فيسجد ثلاث سجدات ثم يصلي ركعة ثم يقعد لأن
صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي
ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني.
فإن ترك منها ثمان سجدات فإنما أتى بسجدتين.
فإن كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان
وركعتان وإن كان أتى بهما في ركعة فعليه ثلاث
ركعات فيسجد أولا سجدتين ثم يصلي ركعتين ثم
يقعد، لأن صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول
ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني.
فإن ترك منها تسع سجدات، فإنما أتى بسجدة
واحدة فيسجد سجدة ليتم ركعة ثم يصلي ركعة ثم
يقعد وهذه القعدة سنة ثم يصلي ركعتين ويقعد
لختم صلاته.
فإن ترك منها عشر سجدات فهذا قد ركع خمس
ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ثم يصلي
ثلاث ركعات ويسجد للسهو وكذلك الجواب في العصر
والعشاء. فإن صلى المغرب أربع ركعات فصلاته
فاسدة لأنه لم يقعد في الركعة الثالثة حتى صلى
بعدها
ج / 2 ص -79-
ركعة
كاملة. فإن تذكر أنه ترك منها سجدة أو سجدتين
أو ثلاثا أو أربعا لم يرتفع الفساد لجواز أنه
ترك من كل ركعة سجدة فلا يخرج من أن يكون
مصليا أربع ركعات.
فإن تذكر أنه ترك منها خمس سجدات فقد ارتفع
الفساد بيقين لأنه ما سجد إلا ثلاث سجدات فلا
يتقيد بها إلا ثلاث ركعات فيتيقن أنه غير مصل
أربع ركعات ثم إن كان أتى بثلاث سجدات في ثلاث
ركعات فعليه ثلاث سجدات، وإن كان أتى بسجدتين
في ركعة وسجدة في ركعة فعليه سجدة وركعة
فيحتاط أولا فيسجد أولا ثلاث سجدات ثم يقعد
لأن صلاته قد تمت باعتبار الوجه الأول ثم يصلي
ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني.
وإن تذكر أنه ترك منها ست سجدات فهو ما أتى
إلا بسجدتين فإن كان أتى بهما في ركعتين فعليه
سجدتان وركعة وإن أتى بهما في ركعة فعليه
ركعتان فيحتاط فيسجد سجدتين ثم لا يقعد ولكنه
يصلي ركعة ثم يقعد لأن صلاته قد تمت باعتبار
الوجه الأول ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال الوجه
الثاني.
فإن تذكر أنه ترك منها سبع سجدات فهذا ما سجد
إلا سجدة واحدة فيسجد سجدة ليتم ركعة ثم يصلي
ركعتين يقعد بينهما وهذه القعدة سنة وبعدهما
وهي قعدة الختم.
وإن تذكر إنه ترك ثمان سجدات فهذا ركع أربع
ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ليتم ركعة
ثم يصلي ركعتين يقعد بينهما، وهذه القعدة سنة
وبعدهما وهي قعدة الختم.
قال: "رجل افتتح الصلاة خلف الامام ثم نام حتى
صلى الإمام أربع ركعات وترك من كل ركعة سجدة
وانتبه النائم فأحدث الإمام وقدمه" قال "لا
ينبغي له أن يتقدم" لأن المقصود من الاستخلاف
إتمام صلاة الإمام وغيره أقدر على هذا الإتمام
منه فإنه لاحق حين أدرك أول الصلاة فعليه أن
يبدأ بالأول فالأول فلهذا لا ينبغي له أن
يتقدم فإن تقدم جاز لأن صحة الاستخلاف تعتمد
المشاركة بينه وبين الإمام في الصلاة وهذا
شريكه فيها فيبدأ فيصلي الأولى ويسجد القوم
معه لأن عليهم قضاء هذه السجدة من هذه الركعة
مع الإمام ثم يقوم فيصلي ركعة بسجدة من غير أن
يصلي القوم معه لأنهم قد أدوا هذه الركعة. ثم
يسجد تلك السجدة التي تركها الإمام من الركعة
الثانية ويسجد القوم معه لأن عليهم قضاء هذه
السجدة من هذه الركعة مع الإمام ثم يقوم فيصلي
الركعة الثالثة بسجدة من غير أن يصلي القوم
معه لأنهم قد أدوا هذه الركعة ثم يسجد السجدة
الثانية من هذه الركعة ويسجد القوم معه لأن
عليهم قضاء هذه السجدة من الركعة الثالثة مع
الإمام ثم يقوم فيصلي الركعة الرابعة بسجدة من
غير أن يصلي القوم معه لأنهم قد أدوا هذه
الركعة ثم يسجد السجدة الثانية ويسجد القوم
معه لأن عليهم قضاء هذه السجدة من هذه الركعة
مع الإمام ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو ويسجد
القوم معه، لأنه
ج / 2 ص -80-
خليفة
الإمام الأول وقد كان على الأول سجود السهو
فعليه أن يأتي به.
يقول في الكتاب: أنه تفسد عليه صلاته قال
ولماذا تفسد؟ قلت: لأن الإمام يصير مرة للقوم
إماما ومرة غير إمام وهذا قبيح ولو كان هذا في
ركعة استحسنت أن أجيزه، فقد أشار إلى أن في
هذه الواقعة تفسد الصلاة في القياس لأنه فيما
يشتغل به من الإتمام ليس بإمام للقوم لأنهم قد
فرغوا منها فلم يبق لهم إمام في المسجد فتفسد
صلاتهم وصلاة الإمام الأول وصلاة الإمام
الثاني لأنه لاحق واللاحق في حكم المقتدي إلا
أني أستحسن في ركعة واحدة لأنه لا يتكرر خروجه
من حكم الإمامة وحرمة الصلاة حرمة واحدة
فللقوم أن ينتظروه حتى يصلي الركعة التي بقيت
عليه ثم يسجد بهم السجدة المتروكة. فأما إذا
كان ذلك في أربع ركعات فصلاته وصلاتهم فاسدة
لأنه يقبح أن يتكرر خروجه من الإمامة في كل
ركعة حين يشتغل بإتمام ما عليه خاصة ثم عوده
إلى الإمامة حين انتهى إلى السجدة التي تركها
الإمام من تلك الركعة فلهذا تفسد صلاتهم وعليه
أن يستقبل الصلاة بهم، والله أعلم.
باب نوادر الصلاة
بسم الله
الرحمن الرحيم
قال: الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة
وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
رحمه الله تعالى بنى مسائل أول الكتاب على ما
بينا في كتاب الصلاة أن مراعاة الترتيب بين
الفوائت وبين فرض الوقت واجب إلا في حالة
النسيان أو ضيق الوقت أو كثرة الفوائت.
وقال: "لو أن رجلا نسي الظهر فصلى من العصر
ركعة في أول وقتها ثم ذكر فإنه يقطع العصر ثم
يصلي الظهر ثم يصلي العصر" لأنه لو كان ذاكرا
للظهر عند الشروع لم يصح شروعه في العصر في
أول وقتها فإذا ذكرها قبل الفراغ من العصر لا
يمكنه إتمام العصر أيضا كالمتيمم إذا أبصر
الماء قبل الفراغ من الصلاة. وفي قوله "يقطع
العصر" إشارة إلى أنه بمجرد تذكر الظهر لا
يصير خارجا من العصر على الإطلاق وهذا لاختلاف
العلماء واشتباه الآثار فيه.
والسبيل في العبادات الأخذ بالاحتياط وتمام
الاحتياط في أن يقطع العصر، قال: "فإن مضى في
العصر لم يجزه" لانعدام شرط الجواز فإن مراعاة
الترتيب بعد التذكر شرط لجواز العصر ثم يجزيه
عن التطوع في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى
وهو أظهر الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى رواه الحسن. وفي قول محمد رحمه الله
تعالى لا يجزئه عن التطوع وهو رواية عن أبي
حنيفة أيضا وهو قول زفر رحمه الله تعالى بناء
على ما بينا في كتاب الصلاة أن عند محمد رحمه
الله تعالى للصلاة جهة واحدة فإذا فسدت صار
خارجا من الصلاة. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله تعالى: بفساد الجهة لا يفسد أصل
ج / 2 ص -81-
الصلاة
إذا لم يكن ما اعترض منافيا لأصل الصلاة وتذكر
الظهر لا ينافي أصل الصلاة وإنما يمنع أداء
العصر فيفسد العصر ويبقى أصل الصلاة بمنزلة
المكفر بالصوم إذا أيسر في بعض اليوم.
وعلى هذا لو افتتح العصر الأول وقتها وهو ذاكر
للظهر لم يجزه عن العصر وعند محمد رحمه الله
تعالى لا يصير شارعا في الصلاة حتى لو ضحك
قهقهة لا يلزمه الوضوء وعند أبي يوسف رحمه
الله تعالى وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى يصير شارعا في الصلاة وفرق بين أول
الوقت وبين آخر الوقت فقال عند ضيق الوقت عليه
أن يبدأ بفرض الوقت، ولو بدأ بالفائتة أجزأه
إذا كان الوقت قابلا للفائتة وعند سعة الوقت
عليه أن يبدأ بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم
يجزه لأن عند ضيق الوقت النهي عن البداءة
بالفائتة لم يكن لمعنى فيها بل لما فيه من
تفويت فرض الوقت ألا ترى أنه كما ينهى عن
البداءة بالفائتة ينهى عن الاشتغال بالتطوع
والنهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا
يكون مفسدا كالنهي عن الصلاة في الأرض
المغصوبة وعند سعة الوقت النهي عن البداءة
بفرض الوقت لمعنى فيها بدليل أنه لا ينهى عن
الاشتغال بالتطوع في هذه الحالة والنهي متى
كان لمعنى في المنهي عنه كان مفسدا له. فإن
افتتح العصر في آخر وقتها وهو ناس للظهر فصلى
منها ركعة ثم احمرت الشمس ثم تذكر أن الظهر
عليه فإنه يمضي في صلاته لأن تذكر الظهر في
هذا الوقت لا يمنع افتتاح العصر فلا يمنع
المضي فيها بطريق الأولى وهذا لأنه لو قطعها
واشتغل بالظهر لم يجز له أداء الظهر ففيه
تفويت الصلاتين عن الوقت فكان تذكر الظهر
وجودا وعدما بمنزلة.
قال: "وهي تامة" يعني من حيث الجواز لا من حيث
الاستحباب فإن أداء العصر في هذا الوقت مكروه
على ما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما
أحب أن يكون لي صلاة حين تحمر الشمس بفلسين.
وإن كان قد افتتح العصر لأول وقتها وهو ذاكر
للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس فإنه
يقطع الصلاة لأنه ما صح شروعه في العصر في أول
وقتها مع ذكره للظهر والبناء على الفاسد غير
ممكن فعليه أن يقطع صلاته ثم يستقبل العصر
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
تعالى لأن عندهما صار شارعا في التطوع ولكن
أداء التطوع بعد ما احمرت الشمس منهي عنه
وأداء عصر اليوم مأمور به في هذا الوقت فعليه
أن يقطع المنهي عنه ويشتغل بالمأمور به. وعلى
قول محمد رحمه الله تعالى هو غير شارع في
الصلاة أصلا فعليه أن يستقبل العصر.
وإن افتتح العصر والشمس حمراء وهو ذاكر للظهر
فإنه يجزئه لأن هذه ساعة لا يجوز فيها أداء
الظهر ولا غيرها من الصلاة سوى عصر اليوم
فعليه أن يشتغل بما يكون الوقت قابلا له ولأن
في تأخير العصر عن هذا الوقت تفويتها لأن
تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها يكون تفويتا
ج / 2 ص -82-
لأدائها وذلك لا يجوز ولو اشتغل بالفائتة كان
متداركا لما فوت بتفويت مثله وذلك لا يليق
بالحكمة فإن غربت الشمس وهو في العصر فأنه
يتمها. وطعن عيسى في هذا وقال الصحيح أنه
يقطعها بعد غروب الشمس ثم يبدأ بالظهر، ثم
بالعصر، لأن ما بعد غروب الشمس الوقت قابل
للظهر والمعنى المسقط لمراعاة الترتيب ضيق
الوقت وقد انعدم لغروب الشمس لأن الوقت قد
اتسع فهو بمنزلة ما لو افتتح العصر في أول
الوقت وهو ناس للظهر ثم تذكر.
وقد بينا هناك أنه يلزمه مراعاة الترتيب فكذلك
في هذا الموضع وهذا لأن ما يعرض في خلال
الصلاة يجعل كالموجود عند افتتاحها كالمتيمم
إذا وجد الماء أو العاري إذا وجد الثوب. وما
ذكره عيسى رحمه الله تعالى فهو القياس ولكن
محمدا رحمه الله تعالى استحسن فقال لو قطع
صلاته بعد غروب الشمس كان مؤديا جميع العصر في
غير وقتها ولو أتمها كان مؤديا بعض العصر في
وقتها.
وكما سقط مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء جميع
العصر في وقتها يسقط مراعاة الترتيب لحاجته
إلى أداء بعض العصر في وقتها. يوضحه أنه
بالابتداء كان مأمورا بالشروع في العصر وإن
كان يعلم يقينا أن الشمس تغرب قبل فراغه منها
ولو كان هذا المعنى مانعا له من إتمام العصر
لكان تيقنه به عند الشروع مانعا له من افتتاح
العصر. وأحد لا يقول أنه لا يفتتح العصر عند
ضيق الوقت، وإن كان يعلم أن الشمس تغرب قبل
الفراغ منها. يوضحه أن عند ضيق الوقت قد سقط
عنه مراعاة الترتيب في هذه الصلاة وبعد ما سقط
الترتيب في صلاة لا يعود في تلك الصلاة بخلاف
حالة النسيان فهناك الترتيب غير ساقط عنه
ولكنه يعذر بالجهل فإذا زال العذر قبل الفراغ
من الصلاة بقي عليه مراعاة الترتيب كما كان.
قال: "فإن كان افتتح العصر بعد ما غربت الشمس
وهو ذاكر للظهر فإنه يقطعها ويصلي الظهر ثم
العصر ثم المغرب" لأن الوقت واسع وقد صارت
العصر فائتة كالظهر فعليه مراعاة الترتيب
بينهما وبين فرض الوقت وإن كان ناسيا للظهر
حين افتتح العصر بعد غروب الشمس فلما صلى منها
ركعة ذكر أن الظهر عليه فإنه يفسد عصره ويصلي
الظهر لأن التذكر في هذا الوقت يمنعه من
افتتاح العصر فيمنعه من إتمامها أيضا وهذا لأن
الترتيب غير ساقط عنه ولكنه يعذر للنسيان فإذا
زال العذر في خلال الصلاة صار كأن لم يكن.
وان افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر
فلما صلى منها ركعة احمرت الشمس ثم ذكر أن
الظهر عليه فإنه يمضي فيها لأن شروعه في العصر
قد صح في الابتداء لكونه ناسيا للظهر وإنما
تذكر بعد ما احمرت الشمس ومراعاة الترتيب ساقط
عنه في هذه الحالة فكان تذكره وجودا وعدما
بمنزلة يوضحه أنه لو قطع صلاته حين تذكر لكان
يستقبل العصر ولا فائدة في أن يقطع عصرا صح
شروعه فيه ثم يستقبلها، بخلاف ما إذا كان
ذاكرا
ج / 2 ص -83-
للظهر
حين افتتحها لأن هناك ما صح شروعه في العصر
فهو إنما يقطع التطوع ليشتغل بأداء العصر في
وقتها وذلك مفيد.
ثم الحاصل أنه إن أمكنه أداء الظهر والعصر قبل
تغير الشمس فعليه مراعاة الترتيب، وإن كان لا
يمكنه أداء الصلاتين قبل غروب الشمس فعليه
أداء العصر، وإن كان يمكنه أداء الظهر قبل
تغير الشمس ويقع العصر كله أو بعضه بعد تغير
الشمس فعليه مراعاة الترتيب إلا على قول الحسن
بن زياد رحمه الله تعالى فإن عنده ما بعد تغير
الشمس ليس بوقت للعصر، وقد بينا هذا في كتاب
الصلاة وبينا الاختلاف في أن المعتبر تغير
الضوء أم تغير القرص؟.
ويحكى عن أبي جعفر الهندواني رحمه الله تعالى
أنه كان يقول في هذا الفصل على قول أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه مراعاة
الترتيب. وعند محمد رحمه الله تعالى لا يلزمه
لأن ما بعد تغير الشمس، وإن كان وقتا للعصر
ولكن تأخير العصر إليه مكروه. وعلى أصل محمد
رحمه الله تعالى معنى الكراهة يسقط مراعاة
الترتيب كما أن معنى تفويت الوقت يسقط، ذلك
بيانه في مصلي الجمعة إذا تذكر الفجر وكان
بحيث لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة ولا يفوته
الوقت عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
تعالى يلزمه مراعاة الترتيب، وعند محمد رحمه
الله تعالى لا يلزمه ولكن يتم الجمعة لأن ترك
الجمعة للصحيح المقيم في المصر مكروه فينزل
ذلك منزلة خوف فوات الوقت في سقوط مراعاة
الترتيب فهذا مثله.
قال رضي الله عنه: "وأكثر مشايخنا على أنه
يلزمه مراعاة الترتيب ها هنا عند علمائنا
الثلاثة" والفرق لمحمد رحمه الله أن الجمعة
أقوى من الفجر فإنها أدعى للشرائط ولهذا لو
صلى الظهر ثم أدرك الجمعة كان فرضه الجمعة
فالأضعف لا يكون مفسدا للأقوى وخوف فوات
الأقوى يمنعه من الاشتغال بالأدنى وها هنا
الظهر والعصر يستويان في القوة فلا يسقط عنه
مراعاة الترتيب إلا بخوف فوات الوقت.
رجل توضأ بالنبيذ وصلى ثم أصاب الماء في الوقت
فصلاته تامة في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى" لأن من أصله أن نبيذ التمر طهور في حال
عدم الماء وهو بدل عن الماء فإذا قدر على
الأصل بعد حصول المقصود بالبدل فلا يلزمه
الإعادة كالمتيمم إذا وجد الماء بعد الفراغ من
الصلاة والمكفر بالصوم إذا أيسر بعد الفراغ من
التكفير بالصوم.
فإن قيل: الوقت باق فينبغي أن يجعل وجود الماء
في آخر الوقت كوجوده في أول الوقت.
قلنا: وجوب استعمال الماء عليه لأجل الصلاة لا
لأجل الوقت وما وجد الماء إلا بعد الفراغ من
الصلاة وكذا المكفر بالصوم إذا أيسر بعد
الفراغ من التكفير بالصوم، فلا يعتبر وجوده في
هذه الصلاة وإنما يعتبر في صلاة أخرى فعليه أن
يتوضأ لصلاة أخرى.
ج / 2 ص -84-
"رجل فاتته ركعة من الظهر مع الإمام فلما رفع الإمام رأسه من السجدة
الأخيرة قام الرجل ولم يقعد معه فإن كان قرأ
بعد ما قعد الإمام قدر التشهد مقدار ما يتأدى
به فرض القراءة جازت صلاته وإلا لم تجزه" لأن
قيامه وقراءته غير معتد به ما لم يقعد الإمام
قدر التشهد لمعنيين أحدهما أنه مقتد ما لم
يفرغ الإمام من التشهد لأنه كان شريك الإمام
مقتديا به فلا يجوز أن يخرج من الاقتداء إلا
في وقت لو خرج الإمام فيه من الصلاة جازت
صلاته وما لم يقعد الإمام مقدار التشهد لو خرج
من الصلاة لم تجزئه صلاته فكذلك لا يخرج هو من
الاقتداء ولا يعتد بقراءة المقتدي ولأن العود
إلى القعود مع الإمام مستحق عليه ما لم يفرغ
من التشهد فيجعل هو في الحكم كالقاعد وإن كان
قائما في الصورة فإذا ركع قبل فراغ الإمام من
التشهد فكأنه ترك القيام والقراءة في هذه
الركعة فلا تجزئه صلاته وإن قرأ بعد ما قعد
الإمام من التشهد فكأنه ترك القيام والقراءة
في هذه الركعة فلا تجزئه صلاته وإن قرأ بعد ما
قعد الإمام قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض
القراءة جازت صلاته بمنزلة ما لو قام في هذه
الحالة.
فإن قيل: القعدة الأخيرة ركن وقد تركها فينبغي
أن تفسد صلاته.
قلنا: هذه القعدة في حقه ليست هي القعدة
الأخيرة وإنما تلزمه لمتابعة الإمام فإن
القعدة الأخيرة ما يكون ختم الصلاة بها وذلك
بعد فراغه من القضاء وقد أتى بها. وإن كان
أدرك مع الإمام ركعة من الظهر والمسئلة بحالها
قال إن كان قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد
شيئا قليلا أو كثيرا أجزأته صلاته إن قرأ في
الثالثة والرابعة، وإن كان لم يقرأ بعد قعود
الإمام مقدار التشهد شيئا استقبل الصلاة ولم
يرد حقيقة القراءة وإنما أراد القيام فكنى
بالقراءة عنه لأن القيام محل القراءة.
والحاصل أنه إن بقي قائما بعد فراغ الإمام من
التشهد جازت صلاته لأن القيام ركن في كل ركعة
وفرض القراءة ركن في ركعتين وفرض القيام يتأدى
بأدنى ما يتناوله الاسم وقد بينا أنه لا يعتبر
قيامه ما لم يفرغ الإمام من التشهد فإذا بقي
قائما بعد فراغ الإمام فقد وجد فرض القيام في
هذه الركعة وقد قرأ في الركعتين بعدها فتتم
صلاته وإن كان ركع قبل أن يقعد الإمام قدر
التشهد لم تجزئه صلاته لانعدام القيام المعتد
به في هذه الركعة. وإن افتتح الصلاة قاعدا مع
الإمام من غير عذر وصلى معه حتى فرغ الإمام لم
تجز صلاته لأن القيام ركن. وأما قوله تعالى:
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً}[آل عمران: 191] الآية، فالمراد بيان أحوال المصلي بحسب الإمكان.
قال الله تعالى:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[سورة
البقرة: 238]. وكذلك إن افتتحها قائما ثم قعد
من غير عذر فجعل يركع ويسجد وهو قاعد لم تجزه
صلاته. وإن كان حين قعد من غير عذر بعد ما
افتتحها قائما جعل يومئ للركوع والسجود فعليه
أن يقوم ويتبع الإمام في صلاته وهي تامة بخلاف
الأول والفرق من وجهين:
أحدهما: أن ركوعه وسجوده على
الأرض وهو قاعد يتأدى به التطوع في حال
الاختيار، فإذا لم يجزئ ما أدى عن الفرض كان
نفلا واشتغاله بأداء النفل قبل إكمال الفرض
مفسد
ج / 2 ص -85-
للفرض
فعليه استقبال الصلاة وأما الإيماء في غير
حالة العذر فلا يجوز أداء التطوع به كما لا
يجوز أداء الفرض فلم يكن هو مؤديا للنفل ولكنه
مؤخر أداء الأركان بعد ما صح اقتداؤه بالإمام
فعليه أن يقوم ويؤدي أركان الصلاة ويكون مسيئا
لمخالفته الإمام بالتأخير.
والثاني: أن الركوع والسجود
عمل كثير وهو ليس من عمل صلاته لأنه غير معذور
واشتغاله بعمل كثير ليس من أعمال صلاته يكون
مفسدا لصلاته. فأما الإيماء فليس بعمل وهو
يسير فالاشتغال به لا يكون قطعا لصلاته
كالالتفات فلهذا يقوم ويبني على صلاته. ولو ظن
القوم أن الإمام قد كبر ولم يكن فعل فكبروا ثم
قهقه بعض القوم فلا وضوء عليهم لأنه لم يصح
شروعهم في الصلاة قبل الإمام فضحكهم لم يصادف
حرمة الصلاة. وقد ذكر في كتاب الصلاة أنه لو
كبر قبل الإمام ثم كبر الإمام ثم كبر الرجل
يكون شارعا في صلاة الإمام ويكون تكبيره هذا
قطعا لما كان فيه وشروعا في صلاة الإمام فهذا
يدل على أنه شارع في الصلاة بالتكبير قبل
الإمام.
فمن أصحابنا من يقول موضوع المسألة هناك أنه
نوى أصل الصلاة ونوى الاقتداء بالإمام فصحت
نيته أصل الصلاة ولم تصح نية الاقتداء فيكون
شارعا في صلاة نفسه وموضوع المسألة ها هنا أنه
نوى صلاة الإمام ولم تصح نيته هذا حين لم يكبر
الإمام فلا يصير شارعا في الصلاة. والأصح أن
ما أجاب به في كتاب الصلاة قول أبي يوسف وهو
إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمهما الله
تعالى لأن بفساد الجهة عندهما لا يفسد أصل
الصلاة فكذلك في الابتداء وإذا لم تصح نية
الجهة تبقى نية أصل الصلاة فيصير شارعا في
صلاة نفسه.
وعلى قول محمد رحمه الله تعالى: بفساد الجهة
يفسد أصل الصلاة فكذلك ببطلان نية الجهة ها
هنا تبطل نية الصلاة هنا فلا يصير شارعا فيها
بالتكبير قبل الإمام من غير نية. ولو أن إماما
صلى بقوم وسلم من أحد الجانبين فضحك بعض من
خلفه أو ضحك الإمام بنفسه قبل أن يسلم من
الجانب الأيسر فصلاته تامة ولا وضوء عليه. أما
الإمام إذا ضحك فلأنه بالتسليمة الواحدة صار
خارجا من الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام:
"وتحليلها التسليم"، وقد وجد وتسليمه من
الجانب الآخر للتحرز عن الجفاء ولتعميم جميع
القوم بالسلام فلا يتوقف خروجه من الصلاة على
وجوده وإذا صار خارجا بالتسليمة الواحدة فضحكه
لم يصادف حرمة الصلاة.
وأما المقتدي إذا ضحك في هذه الحالة فلأنه تبع
للإمام وثبوت الحكم في التبع ثبوته في المتبوع
وكما أنه في حق الإمام السلام من الجانب
الأيسر تبع فلا يتوقف الخروج من الصلاة عليه
فكذلك السلام في حق المقتدي تبع فلا يتوقف
خروجه من الصلاة عليه، وقيل: هذا قول محمد
وأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
تعالى فالمقتدي إنما يصير خارجا من الصلاة
بسلام نفسه وإذا ضحك قبل أن يسلم كان عليه
الوضوء، لأن كل
ج / 2 ص -86-
صار
خارجا بسلام الإمام يعني عند محمد رحمه الله
تعالى وعلى ما ذكر في الكتاب من الجواب مطلقا
يكون خارجا على قول الكل فإن الجواب مطلق في
الكتاب أنه يصير خارجا بسلام الإمام لا بسلام
نفسه فلا تكون دعواته في حرمة الصلاة.
وقد بينا في كتاب الصلاة أن الأولى عند أبي
حنيفة رضي الله عنه أن يكبر مع الإمام وكذلك
يأتي بسائر الأفعال معه وفي التسليم روايتان
إحداهما أنه يسلم مع الإمام لأنه شريك الإمام
والمشاركة تقتضي المقارنة، وعندهما الأولى أن
يكبر عقيب تكبير الإمام وكذلك سائر الأفعال
لأنه تبع لإمامه وعلى هذا لو كان الإمام حين
سلم عن يمينه اقتدى به رجل لم يكن داخلا معه
في الصلاة لأنه بالتسليمة الواحدة صار خارجا
منها فكيف يقتدي به غيره بعد خروجه من الصلاة؟
ولو نام المقتدي فلم يتشهد حتى سلم الإمام
فإنه لا يصير خارجا بسلام الإمام ها هنا ولكن
ينبغي له أن يتشهد ثم يسلم لأنه قد بقي عليه
واجب من واجبات الصلاة وإنما يصير خارجا بسلام
الإمام إذا لم يبق عليه شيء من واجبات الصلاة
فأما مع بقاء شيء من أعمال الصلاة عليه فلا
يصير خارجا بسلام الإمام كاللاحق والمسبوق.
فإن ضحك الرجل النائم في هذه الحالة كانت
صلاته تامة لأنه لم يبق عليه شيء من أركانها.
وقراءة التشهد واجبة وليست بركن، ولكن عليه
الوضوء لصلاة أخرى لأن ضحكه لاقى حرمة الصلاة
فيكون حدثا إلا على قول زفر رحمه الله تعالى
فإنه يقول الضحك متى لم يوجب إعادة الصلاة لا
يوجب إعادة الوضوء. وإن سلم هذا النائم عمدا
كانت صلاته تامة لأنه لم يبق عليه شيء من
أركانها وإن سلم ساهيا فعليه أن يتشهد ثم يسلم
لأنه قد بقي عليه واجب من واجبات صلاته فلا
يصير خارجا بسلامه ساهيا كمن سلم ساهيا وعليه
سجود التلاوة. ولو أدرك الإمام في الركوع فكبر
ثم انحط يركع فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع ثم
ركع الرجل لم يجزئ عندنا، وعلى قول زفر رحمه
الله تعالى يجزئه وهو قول بن أبي ليلى لأن
حالة الركوع كحالة القيام فإن القائم إنما
يفارق القاعد في النصف الأسفل لأن النصف
الأسفل من القاعد منثن ومن القائم مستو فأما
النصف الأعلى فيهما سواء، والراكع
ج / 2 ص -87-
كالقائم في استواء النصف الأسفل منه ولهذا
يجعل مدركا للركعة إذا أدرك الركوع مع الإمام
فيكون اقتداؤه بالإمام وهو راكع بمنزلة
اقتدائه بالإمام قبل أن يركع. ولو كبر قبل أن
يركع الإمام ولم يتابعه في الركوع حتى رفع
رأسه منه جازت صلاته فكذلك ها هنا.
ولكنا نستدل بحديث أبي بكر رضي الله عنه حيث
كبر وركع عند باب المسجد ثم دب راكعا حتى
التحق بالصف. أفلو لم تكن مشاركته مع الإمام
في الركوع شرطا للإدراك لما فعل هكذا ولأن
القيام ركن في كل ركعة فلا يصير مدركا للركعة
إلا بمشاركة الإمام في حقيقة القيام أو فيما
هو مشبه بالقيام وهو الركوع ولم يوجد ذلك حين
رفع الإمام رأسه قبل أن يركع هو فكان هذا وما
لو أدركه في السجود سواء بخلاف ما إذا أدركه
في حالة القيام لأن هناك قد وجدت المشاركة
بينهما في حقيقة القيام.
ولو انتهى إلى الإمام وهو ساجد فكبر ثم رفع
الإمام رأسه وسجد السجدة الثانية ولم يسجد هذا
الرجل معه واحدة من السجدتين فعليه أن يتبعه
في السجدة الثانية دون الأولى لأن هاتين
السجدتين لا يحتسب بهما من صلاته لعدم شرطه
وهو تقدم الركوع فإن الركوع افتتاح السجود ولم
يوجد في حقه وإنما يأتي بهما لمتابعة الإمام
فإنما يلزمه المتابعة فيما أتى به الإمام بعد
ما صار هو مقتديا به وقد سجد الإمام السجدة
الأولى قبل أن يصير هو مقتديا به فلا تلزمه
بذلك السجدة للمتابعة، وسجد السجدة الثانية
بعد ما صار هو مقتديا به، فعليه أن يأتي بها
ما لم يركع الإمام الركعة الأخرى ويسجد فإذا
فعل ذلك فحينئذ لا يشتغل بها وإنما يشتغل بما
هو الأهم وهو الركوع وسجدة الركعة الثانية
لأنها محسوبة من صلاته.
قال: "رجل رفع رأسه من السجود قبل الإمام ثم
عاد فإن نوى عند عودة السجدة الأولى أو متابعة
الإمام أو لم يكن له نية فهو عائد في السجدة
الأولى" لأن ذلك مستحق عليه. وكذلك لو نوى
السجدة الثانية ومتابعة الإمام لأن متابعة
الإمام تكون فيما فيه الإمام وهي السجدة
الأولى فصار ناويا لهما والجمع بينهما غير
متأت فتلغو نيته ويصير كأنه لم تحضره النية.
ولو نوى السجدة الثانية خاصة فلم يزل ساجدا
حتى رفع الإمام رأسه وسجد السجدة الثانية فذلك
يجزئه عن السجدة الثانية لأنه سجد للثانية في
وقت لو سجدها إمامه جاز وقد وقعت المشاركة
بينه وبين الإمام في آخرها حين أدركه فيها فهو
كما لو وقعت المشاركة بينه وبين الإمام في
أولها بأن سجد الثانية مع الإمام. وإن رفع
الإمام رأسه وسجد الثانية ثم رفع المقتدي رأسه
فظن أن الإمام في السجدة الأولى فسجد ينوي
الأولى أو متابعة الإمام أو الثانية أو لم يكن
له نية فسجوده هذه هي الثانية لأن السجدة
الأولى قد تمت حين رفع رأسه منها وجاء أوان
السجدة الثانية فعلى أي نية أتى بها كانت هي
الثانية.
ولو أن قارئا اقتدى بأمي ثم قهقهه لم يكن عليه
وضوء لأن على إحدى الطريقتين وإن صار شارعا في
الصلاة لكن تفسد صلاته إذا جاء أوان القراءة
لأن الإمام يتحمل عنه فرض
ج / 2 ص -88-
القراءة فإذا عجز عن إيفائه فسدت صلاتهما فهذا
الضحك منه في صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فهو
كالضحك في صلاة الجنازة. وكذلك لو افتتحها خلف
أخرس أو صبي أو مجنون أو مريض يومئ لأن هؤلاء
لا يصلحون للإمامة فلا يصير شارعا في الصلاة
إذا اقتدى بهم.
ولو أن غلاما صلى العشاء الآخرة ثم نام فاحتلم
وانتبه قبل أن يذهب وقت العشاء فعليه أن
يعيدها عندنا، وعلى قول الشافعي رحمه الله
تعالى ليس عليه أن يعيدها لأن وقت الصلاة في
حكم حالة واحدة فالمؤدى في أول الوقت بمنزلة
المؤدى في آخر الوقت على معنى أن ما أداه في
أول الوقت كان موقوفا فإذا تحققت الفريضة في
آخر الوقت وقع المؤدى عن الفرض بمنزلة ما لو
عجل الزكاة ثم تم الحول ووجبت عليه الزكاة،
ولكنا نقول: المؤدى وقع نفلا لأنه لم يكن أهلا
للفرض حين أدى فإن الأهلية للفرض باعتبار
الخطاب والصبي غير مخاطب ثم لما بلغ في آخر
الوقت لزمه أداء الفرض والنفل لا يقوم مقام
الفرض، والقول بالتوقف ينبني على الأهلية
للفرض وهو ليس بأهل له بخلاف الذي عجل الزكاة
لأنه أهل للفرض وإنما أدى بعد كمال سبب
الوجوب.
وهذه هي المسألة التي سمعها محمد رحمه الله
تعالى من أبي حنيفة رضي الله عنه أولا على ما
يحكى عنه أنه كان من أولاد بعض الأغنياء فمر
يوما ببني حرام ووقف عند باب المسجد يسمع كلام
أبي حنيفة رضي الله عنه كما يفعله الصبيان
وكان هو يعلم أصحابه هذه المسألة وكان محمد
رحمه الله تعالى قد ابتلي بها في تلك الليلة
فدخل المسجد وأعاد العشاء فدعاه أبو حنيفة رضي
الله عنه وقال ما هذه الصلاة التي صليتها
فأخبره بما ابتلى به فقال يا غلام الزم مجلسنا
فإنك تفلح فتفرس فيه خيرا حين رآه عمل بما
تعلم من ساعته. ولو لم ينتبه حتى طلع الفجر
الثاني فقد قال بعض مشايخنا لا قضاء عليه لأنه
لم يصر مخاطبا في وقت العشاء فإنه كان في أول
الوقت صبيا وفي آخر الوقت نائما والنوم يمنع
توجه الخطاب عليه ابتداء، واستدلوا بظاهر لفظ
الكتاب فإنه شرط الانتباه قبل ذهاب الوقت
والأصح أنه يلزمه القضاء لأن النوم يمنع توجه
خطاب الأداء ولكن لا يمنع الوجوب. ألا ترى أن
من بقي نائما وقت صلاة أو صلاتين كان عليه
القضاء إذا انتبه وقد جعل النائم كالمنتبه في
بعض الأحكام خصوصا على أصل أبي حنيفة رحمه
الله تعالى فيلزمه القضاء إذا علم أنه احتلم
قبل طلوع الفجر وإن لم يعلم ذلك بأن انتبه في
آخر وقت الفجر وهو يتذكر الاحتلام ويرى الأثر
ولا يدري متى احتلم فحينئذ لا يلزمه قضاء
العشاء لأن الاحتلام حادث فإنما يحال حدوثه
على أقرب الأوقات.
ولو أن مسلما صلى الظهر ثم ارتد والعياذ بالله
تعالى ثم أسلم في وقت الظهر كان عليه أن
يعيدها عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه، وهو
بناء على الأصل الذي بينا في كتاب الصلاة أن
عنده مجرد الردة لا يحبط عمله ما لم يمت
عليها. قال الله تعالى:
{وَمَنْ
ج / 2 ص -89-
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ
وَهُوَ كَافِرٌ}[البقرة: 217] الآية، وعندنا بنفس الردة قد حبط عمله قال الله
تعالى:
{وَمَنْ
يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ}[المائدة:
5] والتحق بالكافر الأصلي الذي أسلم الآن
فيلزمه فرض الوقت لأنه أدرك جزأ منه. وعلى هذا
الأصل لو حج حجة الإسلام ثم ارتد ثم أسلم
فعليه حجة الإسلام عندنا، وعند الشافعي رضي
الله عنه لا يلزمه ذلك. ولو صلى الظهر في
منزله ثم جاء وهو ناس أنه قد صلى فدخل مع
الإمام ينوي الظهر ثم ذكر أنه قد صلاها
فأفسدها لم يكن عليه قضاؤها إلا على قول زفر
رحمه الله تعالى لأنه شرع فيها على ظن إنها
عليه فإن رعف الإمام واستخلف هذا الرجل
فصلاتهم جميعا فاسدة لأنه متنفل فلا يصلح أن
يكون إماما للمفترض. واشتغال الإمام باستخلاف
من لا يصلح أن يكون خليفة له يكون مفسدا
لصلاته ثم تفسد صلاة القوم بفساد صلاة الإمام.
ولو أن الإمام قرأ في الأوليين من الظهر ثم
أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم إلا على قول
زفر والحسن بن زياد رحمهما الله تعالى قالا
لأن فرض القراءة في الأوليين وقد أداه الإمام
وليس في الأخريين قراءة والأمي والقارئ فيهما
سواء. ولكنا نقول القراءة فرض للصلاة تؤدى في
محل مخصوص. قال عليه الصلاة والسلام:
"لا صلاة إلا بقراءة". وهذه الصلاة افتتحها القارئ والأمي لا يصلح للإمامة فيها واشتغال
الإمام باستخلاف من لا يصلح أن يكون خليفة له
يكون مفسدا لصلاته. ولو أن رجلا قال: لله علي
أن أصلي ركعتين فصلاهما عند زوال الشمس لم
تجزئه لأنه بمطلق النذر يلزمه الصلاة بصفة
الكمال والمؤدى في الأوقات المكروهة ناقص ولأن
بالنذر يلزم أداء صحيح والمؤدى في الأوقات
المكروهة يكون فاسدا لما فيه من ارتكاب النهي
فلا يحصل الوفاء بها.
ولو نسي صلاة في أيام التشريق فذكرها بعد أيام
التشريق فقضاها لم يكبر عقيبها وهذه أربع فصول
بيناها في الصلاة:
أحدها: هذه.
والثانية: ما إذا نسي صلاة في
غير أيام التشريق ثم قضاها في أيام التشريق.
والثالثة: ما إذا نسيها في أيام التشريق
وقضاها في أيام التشريق من قابل. وفي هذه
الفصول لا يكبر لأن التكبير مؤقت بوقت مخصوص
فلا يقضى بعد مضي ذلك الوقت كصلاة الجمعة ورمي
الجمار وهذا لأن ما يكون سنة في وقته يكون
بدعة في غير وقته وإذا كان يقضي في أيام
التشريق صلاة نسيها قبله فالقضاء بصفة الأداء.
وأما إذا نسيها1 في أيام التشريق وقضى في أيام
التشريق في تلك السنة كبر عقيبها عندهما
المنفرد والجماعة فيه سواء وعند أبي حنيفة رضي
الله عنه إذا كانوا جماعة كبروا لأن وقت
التكبير باق والقضاء بصفة الأداء فهو نظير رمي
الجمار إذا تركها في اليوم الأول والثاني
يقضيها في اليوم الثالث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "وأما إذا نسيها" هذا هو الفصل الرابع
من الفصول الأربعة. اهـ. "مصححه".
ج / 2 ص -90-
ولو
صلى الوتر في منزله ثم جاء إلى قوم في شهر
رمضان يصلون الوتر وهو يرى أنهم في التطوع
فدخل في صلاتهم ثم قطع حيث علم أنهم في الوتر
فعليه قضاء أربع ركعات لأنه بالشروع التزم
صلاة الإمام وصلاة الإمام ثلاث ركعات ومن
التزم ثلاث ركعات يلزمه أربع ركعات كمن نذر أن
يصلي ثلاث ركعات وهذا لأن مبنى التطوع على
الشفع دون الوتر والشفع الواحد لا يتجزأ
فالتزام بعضه التزام لكله. وإن دخل يريد الوتر
ولم يكن أوتر وقد فاتته ركعتان مع الإمام وهو
في الركعة الأخيرة فأوتر معهم أو أدركهم ركوعا
فركع معهم ثم قام فقضاهما فليس عليه أن يقنت
فيما يقضي، قال: لأنه يقضي أول صلاته وقد بينا
هذا الأصل في كتاب الصلاة أنه في حكم القنوت
يجعل ما أدرك مع الإمام آخر صلاته لأن القنوت
لم يشرع مكررا في وتر واحد فلو جعلنا ما أتى
به مع الإمام أول صلاته كان يقنت فيما يقضي
فيؤدي إلى تكرار القنوت وكذلك إن أدركهم في
الركوع لأنه مدرك لهذه الركعة وهي محل للقنوت
فيجعل إدراكه محل القنوت مع الإمام بمنزلة
قنوته مع الإمام.
"رجل افتتح المغرب فصلى منها ركعة ثم ظن أنه
لم يكن افتتح الصلاة فجدد التكبير وصلى ثلاث
ركعات مستقبلات" قال يجزئه لأنه بقي في صلاته
الأولى لأنه نوى إيجاد الموجود ونية الإيجاد
في الموجود لغو فلما صلى ركعتين فقد تمت
فريضته ثم كانت الركعة الثالثة نفلا له لأنه
اشتغل بها بعد إكمال الفريضة. ولو كان صلى
ركعتين والمسئلة بحالها لم تجز صلاته لأنه بقي
بعد تجديد التكبير في صلاته الأولى فلما صلى
ركعة كان عليه أن يقعد ولم يفعل حتى صلى ركعة
أخرى فكان قد اشتغل بالنفل قبل إكمال الفريضة
وذلك مفسد لصلاته. ولو اقتدى بالإمام في
المغرب بنية التطوع فصلى منها ركعة وفاتته
ركعتين ثم رعف فانطلق فتوضأ وقد أدرك أول
الركعة يعني نام خلف الإمام حتى صلى ركعتين ثم
أحدث فتوضأ ثم جاء وقد فرغ الإمام فعليه أن
يصلي ركعة بغير قراءة ويقعد ثم يصلي ركعة بغير
قراءة ويقعد لأنه لاحق في هاتين الركعتين
فيصليهما بغير قراءة ثم يصلي ركعة بقراءة
ويقعد لأنه ليس بتبع للإمام في الركعة الرابعة
فإنها لم تكن على إمامه ولكنها نفل مقصود في
حقه فعليه أن يصليها بقراءة وفيما كان تبعا
للإمام عليه أن يؤديه كما أداه الإمام ولهذا
قلنا يقعد في الثالثة كما قعد الإمام.
"رجل افتتح الصلاة مع الإمام فنام خلفه حتى
فرغ الإمام ثم انتبه وقد كان الإمام ترك سجدة
من الركعة الأولى فقضاها في الثانية ولم يقعد
في الثانية مقدار التشهد ساهيا ثم علم الرجل
كيف صنع الإمام" قال "يتبعه ويصلي بغير قراءة"
لأنه قد أدرك أول الصلاة مع الإمام والتزم
الاقتداء به فكان هو مقتديا بالإمام فيما يأتي
به وليس على المقتدى قراءة ويسجد في موضعها من
الركعة الأولى لأن الإمام قضى تلك السجدة
فالتحقت بمحلها وصار كأنه أداها في موضعها،
ولا يقعد مقدار التشهد في الركعة الثانية
عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى:
ج / 2 ص -91-
يقعد
لأن الأمام لما استتم قائما إنما لم يعد إلى
القعود لما فيه من ترك الفريضة لأداء السنة،
وذلك المعنى غير موجود في حق هذا الرجل، فعليه
أن يأتي بالقعدة كما كان ذلك على الإمام قبل
أن يقوم إلى الثالثة، وقاس بالسجدة، فإنه يأتي
بها في موضعها كما كان على الإمام أن يأتي
بها. ولكنا نقول: هو في الحكم كأنه خلف
الإمام، ومن كان خلف الإمام تسقط عنه القعدة
الأولى بسقوطها عن الإمام ألا ترى أن الإمام
لو قام إلى الثالثة ساهيا ولم يقم القوم كان
عليهم أن يتبعوه ولا يأتون بتلك القعدة فكذلك
هذا الرجل وبه فارق السجدة فإن تلك السجدة ما
سقطت عن الإمام بالترك ولهذا قضاها وقد سقطت
القعدة عن الإمام ألا ترى أنه لا يقضيها فتسقط
عن المقتدي.
ولو نام خلف الإمام حتى صلى ركعة ثم رعف فقدمه
فإنه لا ينبغي له أن يتقدم لأن غيره أقدر على
إتمام صلاة الإمام منه فهو أولى بأن يكون
خليفة له وإن فعل جاز لأنه شريك الإمام في
الصلاة فيصلح أن يكون خليفة له ثم ينبغي له أن
يشير إلى القوم لينتظروه حتى يقضي الركعة التي
نام فيها لأنه لاحق فيبدأ بالأول فالأول. فإن
لم يفعل ولكن صلى بهم بقية صلاة الإمام ثم أخذ
بيد رجل فقدمه حتى سلم بهم وقام هو فقضى ركعته
جاز عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى وهو
بناء على الأصل الذي بينا في الصلاة أن مراعاة
الترتيب في أعمال صلاة واحدة ليست بركن عندنا
وعنده ركن. وإن بدأ بالتي نام فيها فأتبعه
القوم فصلاته تامة لأنه في حق نفسه كالمنفرد
وصلاة من ائتم به فاسدة لأنهم صلوا ركعة قبل
أن يصليها إمامهم فإن إمامهم مشغول بالركعة
التي أدوها هم مع الأول وهم قد صلوا ركعة أخرى
وذلك مفسد لصلاتهم.
ولو أن رجلا قال: لله علي أن أصلي ركعتين
فاقتدى فيهما بمتطوع لم يجزه عن الركعتين لأن
المنذور واجب عليه قبل الشروع فيه والتطوع ليس
بواجب وصلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام
وبناء القوي على الضعيف لا يجوز بمنزلة
المفترض يقتدي بالمتطوع وهذا بخلاف ماإذا قال
والله لأصلين ركعتين فأداهما خلف متطوع فإن
ذلك يجزيه لأنه بيمينه ما وجب عليه الصلاة
فكان هو في الأداء متطوعا وإن كان يبر به في
يمينه ألا ترى أن البر في اليمين يحصل بما هو
حرام لا يجوز التزامه بخلاف النذر والذي يوضح
الفرق أنه لو قال لله علي أن أصلي ركعتين
اليوم فلم يفعل كان عليه قضاؤهما. ولو قال:
والله لأصلين اليوم ركعتين فلم يفعل حتى مضى
اليوم لم يكن عليه قضاؤهما، فبهذا يتضح الفرق.
ولو أن مسافرا ومقيما نسيا صلاة فأم أحدهما
صاحبه بعد ما تذكرا فإن أم المسافر المقيم جاز
وإن أم المقيم المسافر لم تجز صلاة المسافر
وقد بينا هذا الفرق في كتاب الصلاة أن اقتداء
المقيم بالمسافر يجوز بعد خروج الوقت كما يجوز
في الوقت لأن فرضه لا
ج / 2 ص -92-
يتغير
بالاقتداء. واقتداء المسافر بالمقيم يجوز في
الوقت ولا يجوز بعد خروج الوقت لأن فرضه يتغير
بالاقتداء.
ولو أن رجلا صلى مع الإمام الفجر فجعل يركع
معه ويسجد قبله فعليه أن يسجد سجدتين وصلاته
تامة لأنه لما سجد قبله ورفع رأسه قبل أن يسجد
الإمام لم يعتد بهذه السجدة فلما سجد الإمام
وسجد الرجل ينوي الثانية كانت هذه هي السجدة
الأولى في حقه فإنما صلى مع الإمام ركعتين
وترك من كل ركعة سجدة فعليه أن يسجد سجدتين
وليس مراده من هذه المسألة أنه سجد قبل الإمام
ثم سجد الإمام قبل أن يرفع هو رأسه لأن هناك
لا يلزمه قضاء شيء فإن الإمام لما أدركه في
آخر السجدة فقد وجدت المشاركة بينهما في هذه
السجدة وليس مراده أنه سجد سجدتين جميعا ورفع
رأسه منهما قبل أن يسجد الإمام لأنه حينئذ لا
تجوز صلاته بأداء السجدتين فإنه في الحقيقة
يكون مصليا ركعة فإنما عليه أن يصلي أخرى
فعرفنا أن مراده ما بينا.
ولو صلى ركعة وترك منها سجدة ثم صلى ركعة أخرى
بسجدتين فهما لهذه الركعة لأن الركعة تتقيد
بالسجدة الواحدة فقد سجد للركعة الثانية في
أوانها فيكون سجوده عن الركعة الثانية وسجدة
الركعة الأولى صارت في حكم القضاء لفوات محلها
فلا تتأدى بدون النية. فإن طاف بالبيت أسبوعا
ثم صلى ركعتين عند طلوع الشمس أو بعد ما تغيرت
الشمس لم يجزئه عندنا عن ركعتي الطواف خلافا
للشافعي رضي الله تعالى عنه لحديث جبير بن
مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال:
"لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت"، أي ساعة شاء من ليل أو نهار وليصل لكل أسبوع ركعتين. ولكنا نستدل
بحديث معوذ بن عفراء رضي الله عنه فإنه طاف
بعد العصر أسبوعا ثم لم يصل. فقيل له في ذلك
فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الصلاة في هذه الساعة. وعن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه أنه طاف بعد العصر أسبوعا فقال
عطاء ارمقوا صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، هل يصلي؟ فرمقوه فلم يصل حتى غربت
الشمس. وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه طاف
بعد صلاة الفجر أسبوعا ثم خرج من مكة فلما كان
بذي طوى وارتفعت الشمس صلى ركعتين ثم قال
ركعتان مكان ركعتين. ولأن ركعتي الطواف تجب
بسبب من جهة العبد فهي كالمنذورة. وقد بينا أن
المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس
ولا بعد العصر قبل غروب الشمس. وتأويل حديث
جبير وليصل لكل أسبوع ركعتين في الأوقات التي
لا تكره الصلاة فيها.
رجل صلى ركعتين تطوعا ثم اقتدى به رجل ثم رعف
فانطلق يتوضأ فصلى إمامه ركعة أخرى ثم تكلم
الذي أحدث فصلى هذا الإمام تمام ست ركعات فعلى
الرجل الداخل معه أن يقضي أربع ركعات لأنه
اقتدى بالإمام في الشفع الثاني فيصير ملتزما
لهذا الشفع والشفع الأول الذي أداه الإمام
بهذه التحريمة فعليه قضاء الشفعين ثم هو قد
أفسد الاقتداء
ج / 2 ص -93-
قبل
قيام الإمام إلى الشفع الثالث وإنما يلزمه
الشفع الثالث بالقيام إليه كما لو لم يكن
إماما له حين قام إليها لم يكن عليه قضاؤها.
ولو أن رجلين افتتحا الصلاة معا ينوي كل واحد
منهما أن يكون إماما لصاحبه فصلاتهما تامة لأن
الإمام في حق نفسه كالمنفرد فإن صلاته لا
تنبني على صلاة غيره فنية كل واحد منهما
للإمامة ونيته الانفراد سواء. وإن نوى كل واحد
منهما أن يأتم بصاحبه فصلاتهما فاسدة لأن كل
واحد منهما نوى الاقتداء عند الشروع ونيته
الاقتداء بالمقتدي لا تصح ألا ترى أن المسبوق
إذا قام إلى قضاء ما فات فاقتدى به إنسان لم
يصح اقتداؤه وهذا لأن المقتدي تبع، ويستحيل أن
يكون كل واحد منهما تبعا لصاحبه في صلاة واحدة
فلهذا تفسد صلاتهما.
ثم ذكر مسألة المغمى عليه وقد بيناها في كتاب
الصلاة وفرق بين الإغماء والنوم فإن النوم لا
يسقط القضاء وإن كان أكثر من يوم وليلة لأن
النائم في حكم القضاء كالمنتبه ألا ترى أنه
إذا نبه انتبه بخلاف المغمي عليه؟ وجعل الجنون
كالإغماء فقال "إذا جن يوما وليلة أو أقل
فعليه قضاء الصلوات وإذا جن أكثر من يوم وليلة
فليس عليه قضاء الصلوات" وهذا لأن الجنون
يعجزه عن فهم الخطاب مع بقاء الأهلية للفرض
ألا ترى أن فرضه المؤدى يبقى على حاله يعني
حجة الإسلام والصلاة المؤداة حتى لو أفاق قبل
مضي الوقت لم يكن عليه إعادة الصلاة فعرفنا أن
الجنون إذا قصر فهو كالإغماء فإن كان يوما
وليلة أو أقل كان عليه قضاء الصلوات. وقد ظن
بعض أصحابنا أن الجنون إذا استوعب وقت صلاة
كاملة لم يكن عليه قضاؤها بخلاف الإغماء قالوا
لأن الجنون يزيل العقل ألا ترى أن من قال: جن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من عمره
كفر وقد أغمي عليه في مرضه ولكن الأصح أنه في
حكم الصلاة لا فرق بين الجنون والإغماء كما نص
عليه ها هنا.
"رجل نسي صلاتين من يومين وهو لا يدري أي
صلاتين هما فعليه إعادة صلاة يومين أخذا
بالاحتياط وليس عليه مراعاة الترتيب في
القضاء" لأن ما لزمه قضاؤها أكثر من ست صلوات
فيسقط مراعاة الترتيب للكثرة وكذلك لو نسي
صلاة من يوم وهو لا يدري أيها هي أو نسي سجدة
من صلاة. وعلى قول سفيان الثوري رضي الله عنه
يعيد الفجر والمغرب ثم يصلي أربع ركعات بنية
ما عليه. وعلى قول محمد بن مقاتل رحمه الله
تعالى يصلي أربع ركعات بثلاث قعدات، وهذا ليس
بصحيح عندنا لأن تعين النية في القضاء شرط
للجواز والصلوات وإن اتفقت في أعداد الركعات
فهي مختلفة في الأحكام لأن اقتداء من يصلي
الظهر بمن يصلي العصر لا يجوز فلا يتحقق تعيين
النية فيما يقول محمد بن مقاتل رحمه الله
تعالى ولا فيما يقول سفيان رضي الله عنه فلهذا
ألزمناه قضاء صلاة يوم وليلة.
ولو أن رجلا أم قوما شهرين ثم قال قد كان في
ثوبي قذر فعلى القوم أن يصدقوه
ج / 2 ص -94-
ويعيدوا صلاتهم لأنه أخبر بأمر من أمور الدين
وخبر الواحد في أمر الدين حجة يجب العمل بها
إلا أن يكون ماجنا فحينئذ لا يصدق لأن خبره في
أمور الدين غير مقبول إذا كان ماجنا والذي
يسبق إلى الأوهام أنه يكذب في خبره على قصد
الإضرار بالقوم لمعنى دخله من جهتهم والماجن
هو الفاسق فإن المجون نوع جنون وهو أن لا
يبالي بما يقول ويفعل فتكون أعماله على نهج
أعمال المجانين. وكان شيخنا الإمام رضي الله
عنه يقول الماجن هو الذي يدعى "سبب نبت" وهو
الذي يلبس قباطاق 1 ويتمندل بمنديل خيش ويطوف
في السكك ينظر في الغرف أن النساء ينظرن إليه
أم لا.
ولو طلعت الشمس وهو في خلال صلاة الفجر ثم
قهقه قبل أن يسلم فليس عليه وضوء لصلاة أخرى
أما على قول محمد رحمه الله تعالى فلأنه صار
خارجا بطلوع الشمس وهو إحدى الروايتين عن أبي
حنيفة رضي الله عنه وفي الرواية الأخرى وأن لم
يصر خارجا من أصل التحريمة فقد فسدت صلاته
بطلوع الشمس لأنه لا يجوز أداء النفل في هذا
الوقت كما لا يجوز أداء الفرض فالضحك في هذه
الحالة دون الضحك في صلاة الجنازة فلا يجعل
حدثا. وعلى قياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى
يلزمه الوضوء خصوصا على الرواية التي رويت عنه
أنه يصبر حتى تطلع الشمس ثم يتم الفريضة، فعلى
هذه الرواية لا يشكل أن ضحكه صادف حرمة صلاة
مطلقة فكان حدثا.
ولو افتتح التطوع حين طلعت الشمس، ثم أفسدها
متعمدا ثم قضاها حين احمرت الشمس أجزأه إلا
على قول زفر رحمه الله تعالى فإنه يقول لما
أفسدها فقد لزمه قضاؤها وصار ذلك دينا في ذمته
فلا يسقط بالأداء في الوقت المكروه بمنزلة
المنذورة التي شرع فيها في وقت مكروه، ولكنا
نقول لو أداها حين افتتحها لم يكن عليه شيء
آخر فكذلك إذا قضاها في مثل ذلك الوقت لم
يلزمه شيء آخر لأن القضاء بصفة الأداء فهو
والمؤدي حين شرع فيه سواء وقد بينا نظائره في
كتاب الصلاة والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "سبب نبت" هكذا في نسخة أخرى "نبت
سبب"، فليحرر. وقوله: "قباطاق"،لعله القباطي،
وهي الثياب المشهورة. اهـ "مصححه".
باب صلاة المسافر
"رجل صلى بمسافرين ومقيمين ركعتين وقعد قدر
التشهد ثم قام بعض من خلفه من المسافرين
فتكلموا ثم نوى الإمام الإقامة فعليه أن يتم
صلاته" لأن نيته حصلت في حرمة الصلاة وعلى من
خلفه من المسافرين إتمام الصلاة أيضا لأنهم
صاروا مقيمين في هذه الصلاة تبعا لإمامهم ومن
تكلم منهم في صلاته فصلاته تامة لأنه خرج من
حرمتها في وقت لو خرج إمامهم منها كانت صلاته
تامة وإنما يلزمهم صلاة المقيمين باعتبار
التبعية. ومن
ج / 2 ص -95-
تكلم
منهم فقد خرج من أن يكون تبعا للإمام قبل أن
يتغير فرض الإمام ومن تكلم منهم بعد ما نوى
الإمام الإقامة فسدت صلاته بمنزلة ما لو تكلم
الإمام في هذه الحالة وهذا لأن فرضه تغير بنية
الإمام الإقامة فيكون هو متكلما في وسط
الصلاة.
فإن قام بعض من خلفه من المقيمين فقرأ وركع
وسجد ثم نوى الإمام الإقامة فهذا الرجل خارج
من صلاته يتم بقية الصلاة وحده لأنه استحكم
انفراده حين قيد الركعة بالسجدة قبل أن ينوي
الإمام الإقامة فإن عاد إلى متابعته في
الرابعة فسدت صلاته لأنه اقتدى به بعد ما
استحكم انفراده وإن كان قد قرأ وركع ولم يسجد
حتى نوى الإمام الإقامة فعليه أن يعود إلى
متابعته لأنه لم يستحكم انفراده بمجرد القيام
والركوع فكان كغيره ممن لم يقم بعد من
المقيمين فعليه أن يتابع الإمام في إتمام
الصلاة فإن لم يفعل ولكنه سجد فصلاته فاسدة
لأنه انفرد في موضع كان عليه الاقتداء فيه ومن
اقتدى في موضع كان عليه الانفراد أو انفرد في
موضع كان عليه الاقتداء فيه فسدت صلاته.
وإنما قلنا: إن انفراده إنما استحكم بتقييده
الركعة بالسجدة لأن ما دون الركعة يحتمل الرفض
والركعة الكاملة لا تحتمله ولأن زيادة ما دون
الركعة لا يفسد الصلاة، وزيادة الركعة الكاملة
يفسدها فإن الركعة الكاملة إذا لم يحتسب بها
من الفريضة كانت نافلة وخلط النفل بالفرض قبل
إكمال الفرض مفسد للصلاة. فإن كان الإمام لم
يقرأ في الأوليين ثم تكلم بعض من خلفه بعد ما
قعد قدر التشهد فصلاة من تكلم فاسدة لأن
الإمام لو تكلم في هذه الحالة كانت صلاته
فاسدة ويقوم الإمام فيتم ما بقي من صلاته
ويقرأ في الآخريين في قول أبي حنيفة رضي الله
عنه وأبي يوسف رضي الله عنه. وفي قول محمد
وزفر رحمهما الله تعالى صلاته وصلاة من خلفه
فاسدة لأن عندهما ظهر المسافر كفجر المقيم
فترك القراءة فيهما أو في إحداهما يفسد صلاته
على وجه لا يمكن تصحيحه، وفي قول أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يتوقف حكم الفساد
بتوقف حال فريضته فإن فرضه في الوقت بعرض
التغيير بنية الإقامة فإذا نوى الإقامة في
الانتهاء يجعل ذلك كنيته في الابتداء وترك
القراءة في الأوليين من المقيم لا يكون مفسدا
لصلاته حتى إذا قرأ في الآخريين كانت صلاته
تامة فكذلك هنا وهو بناء على الأصل الذي بينا:
أن بمجرد ترك القراءة لا يخرج عن حرمة الصلاة
عندهما. فإن كان بعض من خلفه من المقيمين قام
فقرأ وركع وسجد ثم نوى الإمام الإقامة فصلاة
هذا الرجل فاسدة لأنه استحكم انفراده قبل تمام
صلاة الإمام في حال لو تكلم فيه الإمام كانت
صلاته فاسدة وإن كان قرأ وركع ولم يسجد حتى
نوى الإمام الإقامة فإنه يرفض ما صنع ويعود
إلى إتمام صلاته مع الإمام لأنه لم يستحكم
انفراده بعد وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي
يوسف رحمهما الله تعالى. فإن سجد بعد ما نوى
الإمام الإقامة فصلاته فاسدة لأنه انفرد في
موضع كان عليه الاقتداء فيه.
ج / 2 ص -96-
ولو أن
مسافرا صلى ركعتين بغير قراءة فظن بعد ما قعد
قدر التشهد أنه إنما صلى ركعة فقام وقرأ وركع
ثم رفع رأسه ثم نوى الإقامة فإنه يعيد القراءة
والركوع ويمضي في صلاته وإن سجد قبل أن ينوي
الإقامة فصلاته فاسدة وكذلك إن سجد بعد نية
الإقامة قبل أن يعيد القراءة والركوع لأن ما
دون الركعة يحتمل الرفض. فإن نوى الإقامة قبل
أن يسجد صار هذا ونية الإقامة قبل أن يقوم إلى
الثالثة سواء فإن كان سجد فهذه الركعة نافلة
في حقه لا تحتمل الرفض واشتغاله بالنفل قبل
إكمال الفرض مفسد لصلاته وكذلك إن سجد بعد
النية لأن بهذه السجدة يتقيد ما أدى من الركعة
وهي نافلة والنفل لا ينوب عن الفرض وإن كان هو
أعاد القراءة والركوع. فقد صار رافضا لما زاد
مؤديا للفرض فتجوز صلاته في قول أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله تعالى. وإن كان قرأ في
الأوليين وقعد قدر التشهد ثم قام فقرأ وركع
وسجد ثم نوى الإقامة فقد استحكم خروجه من
الفرض بتقييد الركعة بالسجدة فلا يتغير فرضه
بنية الإقامة ولكنه متنفل بركعة فيضيف إليها
ركعة أخرى ليكون شفعا وإن كان ركع ولم يسجد
حتى نوى الإقامة فإنه يعيد الركوع لأن فرضه
تغير بهذه النية على ما بينا أنه لا يستحكم
خروجه من الفرض ما لم يقيد الركعة بالسجدة
فعليه إعادة القيام والركوع لأن ما أدى كان
نافلة والقيام والركوع فرض في كل ركعة.
وفي الكتاب ذكر إعادة الركوع خاصة لأنه إنما
يركع عن قيام وفرض القيام إنما يتأدى بأدنى ما
يتناوله الاسم وإن لم يعد فصلاته فاسدة لترك
القيام والركوع في الفريضة وأداء النافلة قبل
إكمال الفريضة فإن لم يقعد في الركعتين حتى
قام ساهيا ثم نوى الإقامة فإنه يمضي على قيامه
ولا يعود إلى القعدة لأنه صار مقيما في هذه
الصلاة والمقيم بعد ما قام إلى الثالثة ساهيا
لا يعود إلى القعدة لما فيه من العود من الفرض
إلى السنة فإن كان عاد إلى القعدة قبل أن ينوي
الإقامة ثم نواها قبل إتمام التشهد فإنه يتم
التشهد لأنه قبل نية الإقامة العود مستحق عليه
وإنما تغير فرضه بنية الإقامة وهو قاعد فعليه
أن يتم التشهد ثم يقوم لإتمام صلاته.
"مسافر اقتدى بمقيم فعليه أن يصلي أربعا" لأنه
التزم متابعة الإمام بالاقتداء به فإن تكلم
صلى ركعتين لأنه مسافر على حاله وإنما كان
يلزمه الإتمام لأجل المتابعة وقد زال ذلك حين
تكلم وهذا بخلاف ما لو اقتدى به بنية النفل ثم
تكلم فإنه يلزمه قضاء أربع ركعات لأن هناك
بالشروع يكون ملتزما صلاة الإمام وصلاة الإمام
أربع ركعات وهنا بالشروع ما قصد التزام شيء
وإنما قصد إسقاط الفرض عن ذمته وتغير فرضه
حكما للمتابعة فإذا انعدمت صار كأنه لم يشرع
في صلاته أصلا. ولو نام هذا المسافر خلف
المقيم حتى دخل وقت العصر فعليه أن يصلي أربعا
لأنه لاحق واللاحق في حكم المقتدي فإن تكلم
صلى ركعتين وكذلك إن نوى الإقامة بعد ما تكلم
لأنه بالكلام يخرج عن متابعة الإمام فتبقى نية
الإقامة منه بعد خروج الوقت وذلك لا يغير
فرضه.
فإن قيل: هذا إذا كان الواجب عليه عند خروج
الوقت ركعتين وهنا الواجب عليه عند خروج الوقت
أربع ركعات.
ج / 2 ص -98-
الحيرة
نويا الإقامة بالقادسية شهرا فعلى الكوفي أن
يصلي أربعا والخراساني يصلي ركعتين حتى يدخل
القادسية على نيته لأن وطن الكوفي بالكوفة وطن
أصلي فلا ينتقض بالخروج منه على قصد السفر
فإنما نوى الإقامة في فناء وطنه الأصلي لأن
القادسية على مرحلتين من الكوفة فصار هو مقيما
من ساعته ووطن الخرساني بالكوفة كان مستعارا
فانتقض بالخروج من الكوفة على قصد السفر فهو
مسافر نوى الإقامة في موضع فما لم يدخل ذلك
الموضع لا يصير مقيما فإذا دخلا القادسية صليا
أربعا حتى يخرجا منها إلى مكة.
فإن بدا لهما أن لا يقيما بالقادسية بعد
نيتهما الأولى وهما بالحيرة بعد فإن الكوفي
يصلي أربعا والخراساني يصلي ركعتين لأن الكوفي
مقيم بنيته الأولى في هذا الموضع فلا يصير
مسافرا برفض النية ما لم يخرج منها. وإن شخصا
من ذلك الموضع صليا ركعتين.
وإن نويا من الحيرة أن يخرجا إلى خراسان
ويمران بالكوفة فالخراساني يصلي ركعتين
والكوفي يصلي أربعا لأنه عزم على الرجوع إلى
وطنه الأصلي وبينه وبين وطنه دون مسيرة سفر
فيصير مقيما في الحال حتى يخرج من الكوفة إلى
خراسان.
وإن نويا الذهاب إلى خراسان ولا يمران بالكوفة
صليا ركعتين لأن الكوفي لم يعزم على الرجوع
إلى وطنه فهو ماض على سفره يصلي ركعتين
كالخراساني.
وإن خرج الكوفي والخراساني يريدان قصر بن
هبيرة وهو على ليلتين من الكوفة صليا أربعا
لأنهما لم يعزما على السفر من الكوفة فإن أدنى
مدة السفر ثلاثة أيام، فإن بدا لهما أن يقيما
بالقصر خمسة عشر يوما ثم يمضيان إلى بغداد
صليا أربعا لأن من القصر إلى بغداد دون مدة
السفر.
فإن بدا لهما الرجوع من بغداد إلى الكوفة
ويمران بالقصر فالخراساني يصلي أربعا والكوفي
يصلي ركعتين لأن وطن الخرساني بالقصر كان وطنا
مستعارا فانتقض به وطنه بالكوفة وصار وطنه
القصر وقد عزم على الرجوع إلى وطنه وبينه وبين
وطنه دون مسيرة سفر فيصلي أربعا وأما وطن
الكوفي بالقصر فكان وطن السكنى لأنه في فناء
وطنه الأصلي ولا يكون له وطنا مستعارا في فناء
وطنه الأصلي فإن الوطن الأصلي ينقض الوطن
المستعار لأنه فوقه ووطن السكنى ينتقض بالخروج
منه لا على قصد السفر فالتحق هو بعد ما وصل
إلى بغداد بمن لم يدخل القصر فإذا عزم على
الرجوع إلى وطنه فقد أنشأ سفرا من بغداد إلى
الكوفة.
وإن كانا أوطنا ببغداد خمسة عشر يوما ثم بدا
لهما الرجوع صليا جميعا ركعتين، لأن وطن
الخرساني بالقصر قد انتقض بمثله وهو وطنه
ببغداد وإن لم يكونا نويا الإقامة بالقصر ولا
ببغداد فإذا خرجا من بغداد إلى الكوفة صليا
ركعتين لأن وطنهما بالقصر كان وطن السكنى وقد
انتقض بالخروج منه.
ج / 2 ص -99-
ولو أن
كوفيا باع داره وخرج مع عياله يريد أن يوطن
مكة فلما انتهى إلى الثعلبية بدا له أن يوطن
خراسان فمر بالكوفة صلى أربعا لأن الوطن
الأصلي لا ينقضه إلا وطن أصلي مثله ولم يظهر
له وطن أصلي في موضع آخر فكانت الكوفة وطنا له
فيصلي بها أربعا.
فإن كان أتى مكة ودخلها على عزيمته ثم بدا له
أن يرجع إلى خراسان فمر بالكوفة صلى ركعتين
لأنه لما دخل مكة بأهله وثقله على قصد التوطن
بها صار ذلك وطنا أصليا له وانتقض وطنه
بالكوفة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان متوطنا بمكة فلما توطن بالمدينة انتقض
وطنه بمكة حتى لما دخلها قال:
"أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر". فإن بدا له أن يرجع إلى اليمن ويمر بمكة صلى أربعا لأنها صارت
وطنا أصليا له ولم يتخذ بعدها وطنا آخر.
ولو أن كوفيا قدم مكة في عيد الأضحى يريد الحج
ويريد أن يقيم بمكة سنة فإنه يصلي ركعتين حتى
يخرج من منى لأنه على عزم الخروج منها إلى منى
وعرفات فلا يصير مقيما بهذا الدخول حتى يرجع
من منى إلا أن يكون حين أتاها كان بينه وبين
يوم التروية خمسة عشر يوما أو أكثر فحينئذ
يصير مقيما ثم بالخروج إلى منى وعرفات لا يصير
مسافرا وإن بدا له قبل أن يرجع إلى منى أن
ينصرف إلى الكوفة بعد ما قضى حجه صلى ركعتين
بمكة في المسألة الأولى لأنه بعد الرجوع من
منى ما دخلها على عزم الإقامة فلا يصير مقيما
وإن كان إنما بدا له هذا بعد ما رجع من منى
صلى أربعا حتى يخرج من مكة يريد سفرا لأنه صار
مقيما بها حين دخلها على عزم الاقامة.
ولو أن خراسانيا أوطن الكوفة والحيرة عشرين
يوما صلى ركعتين لأنه نوى الإقامة في الموضعين
وإنما تعتبر نية الإقامة في موضع واحد إلا أن
يكون نوى أن يكون بالليل بالحيرة وبالنهار
بالكوفة فحينئذ يصير مقيما إذا انتهى إلى
الحيرة لأن موضع إقامة المرء حيث يبيت فيه ألا
ترى أنك تسأل السوقي أين يقيم فيقول في محله
كذا ويشير إلى مبيته وإن كان هو بالنهار يكون
في السوق.
ولو أن كوفيا خرج حاجا ثم رجع إلى الحيرة فنوى
بها الإقامة صلى أربعا فإن بدا له أن يخرج إلى
مكة فلما انتهى إلى النجف وهو على رأس فرسخين
بدا له أن يرجع إلى الكوفة فإنه يصلي ركعتين
ما لم يدخل الكوفة لأن الحيرة كانت وطن السكنى
في حقه فانتقض بالخروج منها والتحق بمن لم
يدخلها. وكذلك لو بدا له أن يرجع إلى الحيرة
فإنه يصلي ركعتين وإن كان هو على أقل من يوم
من أهله لأنه ماض على سفره ما لم يدخل الكوفة
فإن وطنه بالحيرة كان وطن السكنى.
ولو أن كوفيين خرج أحدهما من أهله يريد مكة
وأقبل الآخر من الشام يريد الكوفة فالتقيا
بالحيرة وقد حضرت الصلاة فافتتحا الصلاة ثم
رعفا فأقبلا يريدان الكوفة ثم أصابا ماء قبل
أن ينتهيا إلى بنيان الكوفة فالذي خرج من
الكوفة يصلي أربعا والذي أقبل من الشام يصلي
ركعتين،
ج / 2 ص -100-
لأن
الذي أقبل من الشام ماض على سفره ما لم يدخل
الكوفة والذي خرج عزم على الرجوع إلى وطنه
الأصلي الذي خرج منه فصار مقيما في الحال
فلهذا صلى أربعا وإن كانا دخلا الكوفة فتوضيأ
صليا أربعا لأن الذي أقبل من الشام بدخوله إلى
وطنه الأصلي صار مقيما. فإن كانا مقتديين
بمسافر فدخلا الكوفة قبل أن يفرغ إمامهما صليا
أربعا لأن حالهما معتبر بحال إمامهما. ولو دخل
إمامهما وطنه في هذه الحالة صلى أربعا وإن كان
فرغ إمامهما من صلاته وقد أحدثا فدخلا الكوفة
صلى كل واحد منهما ركعتين لأنهما مقتديان به
وإمامهما لو صار مقيما في هذه الحالة لم يتغير
فرضه فكذلك لا يتغير فرضهما وإن تكلما صليا
أربعا لأن حكم المتابعة قد انقطع حين تكلما
وقد دخلا وطنهما الأصلي فكانا مقيمين فيه
يصليان أربعا.
قال: "اللاحق إذا نوى الإقامة بعد فراغ الإمام
لم يتغير فرضه بخلاف المسبوق" لأن اللاحق في
حكم المقتدي فيكون تبعا للإمام والإمام لو نوى
الإقامة في هذه الحالة لم يتغير فرضه والمسبوق
في حكم المنفرد ولو نوى اللاحق الإقامة قبل
فراغ الإمام تغير فرضه لأن إمامه لو نوى
الإقامة في هذه الحالة تغير فرضه وإن تكلم
اللاحق بعد ما نوى الإقامة بعد فراغ الإمام في
المسألة الأولى تغير فرضه لأنه خرج من حكم
المتابعة فصار أصلا ونية الإقامة في الوقت ممن
هو أصل يكون مغيرا للفرض.
ولو أن الإمام المسافر سبقه الحدث فأخذ بيد
رجل ثم نوى الإقامة صلى بهم أربعا لأنه بمجرد
الأخذ بيده لم تتحول الإمامة عنه البتة فإنما
نوى الإقامة وهو إمام فتغير فرضه وفرض القوم
ولو أخذ بيد مقيم فقدمه لم يتغير فرض
المسافرين فإذا أتم بهم المقيم الصلاة وقعد في
الركعتين وقرأ في الأوليين جازت صلاته وصلاة
المسافرين لأنهم اشتغلوا بالنفل بعد أداء
الفرض فأما صلاة غيره من المقيمين ففاسدة
لأنهم اقتدوا في موضع كان عليهم الانفراد فيه
وإن لم يقرأ هذا الخليفة في الركعة الثانية
فسدت صلاته وصلاة القوم لأنه قائم مقام الأول
والأول لو ترك القراءة في هذه الحالة فسدت
صلاته وصلاة جميع القوم.
ولو أن أمة افتتحت الصلاة بغير قناع فرعفت
فذهبت لتتوضأ فأعتقت أو كانت أم ولد فمات
سيدها فأخذتا القناع من ساعتيهما قبل أن تعودا
إلى مكان الصلاة جازت صلاتهما استحسانا وفي
القياس عليهما استقبال الصلاة وفيه قياسان
كلاهما في كتاب الصلاة.
أحدهما: أن فرض التقنع لما
لزمهما في خلال الصلاة أوجب استقبال الصلاة
كالعاري لو وجد ثوبا في خلال الصلاة.
والثاني: أنهما لما رعفتا
وهما في حرمة الصلاة بعد فكأنهما في مكان
الصلاة فإذا تركتا التقنع ساعة فسدت صلاتهما.
وفي الاستحسان قال: هذا الفرض لم يكن عليهما
في أول الصلاة وإنما لزمهما في
ج / 2 ص -101-
خلال
الصلاة، وقد أتيا به بخلاف العريان فهناك فرض
الستر كان واجبا عليه في أول الصلاة ولكنه كان
معذورا للعجز.
والثاني: أنهما بعد سبق الحدث وإن كانتا في
حرمة الصلاة فهما غير مشغولتين بأداء أعمال
الصلاة فإذا أخرتا التقنع فلم يوجد منهما أداء
شيء من الصلاة مكشوفتي العورة بخلاف ما إذا
رجعتا إلى مكان الصلاة ثم تقنعتا فقد وجد هناك
أداء جزء من الصلاة مكشوفتي العورة وهو القيام
فيكون ذلك مفسدا لصلاتيهما وهذا نظير ما ذكر
في كتاب الصلاة أن من سبقه الحدث فذهب ليتوضأ
إذا لم يجد ماء فتيمم ثم وجد ماء قبل أن يعود
إلى مكان الصلاة فتوضأ لم تفسد صلاته استحسانا
ولو عاد إلى مكان الصلاة فتوضأ لم تفسد صلاته
استحسانا ولو عاد إلى مكان الصلاة بطهارة
التيمم ثم وجد ماء فعليه استقبال الصلاة.
"رجل صلى بالقوم الظهر ركعتين في مصر أو قرية
وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم فصلاة القوم
فاسدة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين" لأن
الظاهر من حال من كان في موضع الإقامة أنه
مقيم والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه
ألا ترى أن من كان في دار الحرب إذا لم يعرف
حاله يجعل من أهل دار الحرب بخلاف من كان في
دار الإسلام فإنه يجعل من المسلمين إذا لم
يعرف حاله وإن كان هذا الإمام مقيما باعتبار
الظاهر فسدت صلاته وصلاة جميع القوم حين سلم
على رأس الركعتين وذهب فإن سألوه فأخبرهم أنه
مسافر جازت صلاة القوم إن كانوا مسافرين أو
مقيمين فأتموا صلاتهم بعد فراغه لأنه أخبر بما
هو من أمور الدين وبما لا يعرف إلا من جهته
فيجب قبول خبره في ذلك والله أعلم بالصواب.
باب السهو
قال رضي الله عنه: "رجل أم قوما فنسي أن يتشهد
حتى قام إلى الثالثة فعلى القوم أن يقوموا
معه" لأنهم تبع له وقد جاء في الحديث أن النبي
صلى الله عليه وسلم قام من الثانية إلى
الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى
قاموا وإن كان الإمام تشهد فنسي بعض من خلفه
التشهد حتى قاموا جميعا فعلى من لم يتشهد أن
يعود فيتشهد ثم يتبع إمامه وإن خاف أن تفوته
الركعة الثالثة لأنه تبع لإمامه فيلزمه أن
يتشهد بطريق المتابعة وهذا بخلاف المنفرد لأن
التشهد الأول في حقه سنة وبعد ما اشتغل بفرض
القيام لا يعود إلى السنة وهنا التشهد فرض
عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك
الإمام في السجود فلم يسجد معه السجدتين فإنه
يقضي السجدة الثانية ما لم يخف فوت ركعة أخرى
فإن خاف فوت ذلك تركها لأن هناك هو يقضي تلك
الركعة بسجدتيها فعليه أن يشتغل بإحراز الركعة
الأخرى إذا خاف فوتها وهنا لا يقضي هذا التشهد
بعد هذا فعليه أن يأتي به ثم يتبع إمامه
بمنزلة الذي نام خلف الإمام إذا انتبه فإنه
يأتي بما يأتي به الإمام وإن سها هذا المقتدي
في الركعة الرابعة عن التشهد حين سلم الإمام
ثم قهقه فعليه الوضوء لصلاة أخرى ومراده أنه
سها عن قراءة.
ج / 2 ص -102-
التشهد
لا عن القعدة لأنه إذا لم يقعد حتى سلم الإمام
ثم قهقه هو فعليه استقبال الصلاة وهذا لأن
القعدة الأخيرة ركن فتركها يفسد الصلاة فأما
قراءة التشهد واجب فهو لا يصير خارجا بسلام
الإمام إذا بقي عليه واجب فضحكه يكون مصادفا
حرمة الصلاة فعليه الوضوء لصلاة أخرى لكن لا
يلزمه استقبال الصلاة لأن ترك الواجب لا يفسد
صلاته.
ولو أن إماما سلم ناسيا وعليه سجدة صلبية ثم
اقتدى به رجل صح الاقتداء لأن الإمام بسلام
السهو لم يصر خارجا من الصلاة فإن ذهب الإمام
ولم يسجد فسدت صلاة المقتدي كما فسدت صلاة
الإمام وإن سجد الإمام سجد الرجل معه ثم قام
إلى قضاء ما سبقه به فإن قيد الركعة بالسجدة
قبل أن يسجد الإمام فسدت صلاته لأنه يتعذر
عليه العود إلى متابعته بعد أن صلى ركعة كاملة
فقد انفرد في موضع كان عليه الاقتداء فيه. وإن
كانت السجدة التي تركها الإمام سجدة تلاوة وقد
قيد هذا الرجل ركعته بالسجدة قبل أن يعود
الإمام إليها ففي رواية هذا الكتاب قال صلاته
تامة ولا يعود إلى متابعته، وفي رواية كتاب
الصلاة يقول صلاته فاسدة.
وجه تلك الرواية أن العود إلى سجدة التلاوة
ينقض القعدة كالعود إلى السجدة الصلبية فكان
هذا المسبوق قيد ركعته بالسجدة قبل قعود
الإمام وذلك مفسد لصلاته.
وجه هذه الرواية: أنه انفرد في موضع لو تكلم
فيه إمامه كانت صلاته تامة فلا يكون ذلك مفسدا
لصلاته بخلاف ما إذا كانت السجدة التي تذكرها
سجدة صلبية وهذا لأن انتقاض القعدة في حق
الإمام إنما كان بالعود إلى سجدة التلاوة وقد
صار هذا المقتدي خارجا عن متابعته قبل ذلك فلا
يؤثر ذلك في حقه كالإمام إذا ارتد بعد السلام
حتى بطلت صلاته ولم تبطل صلاة القوم.
ولو صلى بقوم الظهر يوم الجمعة، ثم راح الإمام
إلى الجمعة فأدركها انقلب ما أدى نفلا في حقه
وبقي فرضا في حق القوم على ما كان وإن تذكر
الإمام سجود السهو واقتدى به هذا الرجل قبل أن
يعود إليها ففي صحة اقتدائه خلاف معروف بيناه
في كتاب الصلاة. وإن كان قد اقتدى به قبل أن
يسلم ثم قام وقيد ركعته بالسجدة قبل أن يعود
الإمام إلى سجدة السهو جازت صلاته ولم يعد إلى
متابعته بعد ذلك لأن عود الإمام إلى السهو
يرفع السلام ولا ينقض القعدة. ولو نسي سجدة من
صلب الصلاة وسجدة من تلاوته حتى سلم فإن كان
ناسيا لهما لم تفسد صلاته لأنه سلم ساهيا وذلك
غير مفسد لصلاته فيعود ويسجد السجدة الصلبية
ثم سجدة التلاوة وإن كان ذاكرا لإحداهما
فصلاته فاسدة. أما إذا كان ذاكرا للصلبية
فسلامه قطع للصلاة لأنه تعمد السلام وعليه ركن
من أركان الصلاة. وإن كان ذاكرا للتلاوة ناسيا
للصلبية فكذلك في ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى: أن صلاته لا
تفسد ها هنا حين سلم فهو غير ذاكر لما
ج / 2 ص -103-
بقي
عليه من ركن الصلاة. وفي ظاهر الرواية يقول
سلامه هذا قطع لصلاته لأنه سلم وهو ذاكر لواجب
من واجبات الصلاة محله قبل السلام فيكون سلامه
قطعا لا نهاية وبعد قطع الصلاة لا يمكنه أن
يبني عليها. يوضحه أنه لو نسي فأتى بالصلبية
فلا بد أن يأتي بسجدة التلاوة أيضا وقد كان
ذاكرا لها حين سلم فلا يمكنه أن يأتي بها.
وعلى هذا أيضا لو سلم وعليه سجدة صلبية وقراءة
التشهد الأخير وهو ذاكر لهما أو لإحداهما
فصلاته فاسدة فلو سلم وعليه سجدة تلاوة وقراءة
التشهد وهو ذاكر لهما أو لإحداهما كان سلامه
قاطعا أيضا حتى لا يمكنه أن يأتي بهما ولكن لا
تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه شيء من أركانها.
فإن سها الإمام في صلاته فسجد للسهو ثم اقتدى
به رجل في القعدة التي بعدها صح اقتداؤه لأن
الإمام في حرمة الصلاة بعد وليس على الرجل
سجود السهو فيما يقضي لأنه ما سها وإنما يلزمه
متابعة الإمام فيما أدرك الإمام فيه، وهو لم
يدركه في هاتين السجدتين فلا تلزمه بحكم
المتابعة.
ثم ذكر ما إذا جهر الإمام فيما يخافت فيه أو
خافت فيما يجهر فيه قال هنا إذا جهر فيما
يخافت فيه فعليه السهو قل ذلك أو كثر وإن خافت
فيما يجهر فيه فكان ذلك في أكثر الفاتحة أو في
ثلاث آيات من غيرها فعليه السهو وفيما دون ذلك
لا يلزمه السهو وقد بينا اختلاف الروايات في
هذه المسألة في كتاب الصلاة.
ولو أن إماما نسي أن يقرأ في الأوليين ثم
اقتدى به رجل ثم رعف الإمام فقدم هذا الرجل
فعليه أن يقرأ في الأخريين لأنه قائم مقام
الإمام الأول وإن قرأ فيهما ثم تأخر وقدم من
أدرك أول الصلاة وقام هو لإتمام صلاته فعليه
أن يقضي الركعتين بقراءة حتى إذا ترك القراءة
فيهما أو في إحداهما فسدت صلاته لأنه في
الآخريين كان خليفة الإمام الأول فتلتحق
قراءته بمحلها بمنزلة ما لو قرأ الإمام الأول
ولا يتأدى بذلك فرض القراءة في حقه وهو فيما
يتم مسبوق فعليه أن يقضي بقراءة.
ومن عليه سهو وتكبير وتلبية بدأ بالسهو ثم
بالتكبير ثم بالتلبية لأن السهو مؤدى في حرمة
الصلاة بدليل أنه يسلم بعده والتكبير مؤدى في
فور الصلاة لا في حرمتها فلهذا لا يسلم بعده
والتلبية تؤدى لا في حرمة الصلاة ولا في فورها
فيؤخرها فإن سلم في خلال صلاته ساهيا ثم كبر
ثم تذكر أتم صلاته وأعاد التكبير ولو لبى ثم
تذكر استقبل الصلاة لأن التكبير ذكر فلا تفسد
به الصلاة والتلبية كلام فإنه إجابة للداعي
فيكون من جنس الكلام ومن تكلم ساهيا في خلال
صلاته فسدت صلاته. ثم خروج الوقت قبل سجود
السهو في كل موضع لو كان في خلال الصلاة كان
مفسدا لصلاته فإنه يسقط عنه سجود السهو أيضا
نحو طلوع الشمس أو خروج وقت الظهر في صلاة
الجمعة أو تغير الشمس في حق من يقضي فائتة
عليه وفي كل موضع لو كان ذلك في خلال الصلاة
لم يمنعه من إتمام الصلاة فذلك لا يمنعه من
سجود السهو أيضا نحو دخول وقت العصر في حق من
يصلي الظهر.
ج / 2 ص -104-
ولو
قرأ الفاتحة ثم ركع ساهيا ثم رفع رأسه فقرأ
سورة ثم ركع فاقتدى به رجل في الركوع الثاني
فهو مدرك للركعة لأن المعتد به هو الركوع
الثاني والأول حصل قبل أوانه لأن الركوع ما
كان بعد قراءة الفاتحة والسورة ولو كان قرأ
الفاتحة والسورة ثم ظن بعد ما رفع رأسه من
الركوع أنه لم يقرأ فقرأ وركع الثاني فأدرك
رجل معه الركوع الثاني لم يكن مدركا للركعة
لأن المعتد به هو الركوع الأول فإنه حصل في
أوانه والركوع الثاني وقع مكررا فلا يكون
معتدا به.
ولو صلى من الظهر ركعة وترك سجدة ثم قام فقرأ
وركع وسجد ثلاث سجدات فالسجدة الثالثة لا تكون
من الركعة الأولى إلا بالنية لأن الركعة تتقيد
بالسجدة الواحدة وقد صارت السجدة المتروكة في
حكم الدين حين صلى بعدها ركعة تامة فلا تتأدى
بدون نية القضاء بخلاف ما إذا لم يركع في
الثانية حتى سجد فإنه يقع عما عليه ولا يحتاج
إلى النية لأن محل تلك السجدة لم يفت ولم يأت
محل الثانية. فلو سها عن سجدة من الركعة
الأولى حتى صلى الثانية وقام ساهيا قبل أن
يتشهد ثم تذكر فسجد تلك السجدة لم يقعد بعدها
ولكنه يقوم لأنه لما أدى تلك السجدة فقد
التحقت بمحلها وهي الركعة الأولى ويبقى هو في
حكم القائم إلى الركعة الثالثة قبل أن يقعد
فلا يعود للقعدة. وإن كان ترك من الثانية أيضا
سجدة والمسألة بحالها فإنه يأتي بالسجدتين ثم
يقعد لأن السجدة الأولى تلتحق بمحلها من
الركعة الأولى والسجدة الثانية تلتحق بمحلها
من الركعة الثانية وبعدها أوان القعدة فعليه
أن يقعد وهذا لأن الثانية في حكم العين بعد إذ
لم يصل بعدها ركعة وكانت مؤداة في محلها
وارتفض ما أدى من القيام به فكأنه لم يقم إلى
الثالثة فيتشهد ثم يقوم. وكذلك لو كان تشهد
فإنه يعيد التشهد لأن بالعود إلى السجدة
المتروكة من الركعة الثانية انتقض تشهده كما
انتقض قيامه.
ثم ذكر المسألة المعروفة التي بيناها في كتاب
الصلاة وهي الخمس إمامية إلا أنه أجاب هنا في
المسبوقين أن الإمام الخامس يسجد السجدة
الأولى ويسجد معه جميع القوم والأئمة الأربعة
وفي كتاب الصلاة يقول لا يسجد معه الإمام
الأول لأنه قد أتى بتلك الركعة وإنما بقي له
هذه السجدة منها. فأما غيره من الأئمة فعليهم
قضاء هذه الركعة بسجدتيها فلا يتابعونه فيها
وفي هذه الرواية قال على المسبوق متابعة
الإمام فيما أدركه معه وإن كان يقضي ذلك إذا
قام إلى القضاء بمنزلة ما لو أدرك الإمام في
السجود واقتدى به فإنه يتابعه في السجدتين.
وإن كان عليه قضاء ركعة يسجد بعد فراغ الإمام.
ولو قرأ سجدة في وسط السورة ثم أتم السورة ثم
ركع بعد وسجد ينوي التلاوة فإن هذه السجدة
تكون من صلب الصلاة ولا تكون من التلاوة لأنها
صارت في حكم الدين فلا تؤدى بغيرها بخلاف ما
إذا ركع وسجد في موضع التلاوة لأنها في حكم
العين فتجعل مؤداة بغيرها لحصول المقصود
بمنزلة ما لو أراد دخول مكة وأحرم بحجة
الإسلام، فذلك
ج / 2 ص -105-
يجزئه
عما يلزمه لدخول مكة ولو دخل مكة بغير إحرام
ثم بعد ما تحولت السنة خرج وأحرم بحجة الإسلام
فإنه لا ينوب هذا عما يلزمه لدخول مكة لأنه
صار في حكم الدين. ثم اللفظ المذكور هنا دليل
على أنه إذا ركع وسجد في موضع التلاوة فإن
السجدة التي بعد الركوع هي التي تنوب عن سجدة
التلاوة دون الركوع وقد بينا اختلاف المشايخ
في هذا الفصل وأقسام هذه المسألة في كتاب
الصلاة.
ولو أن إماما صلى ركعة بغير قراءة ثم قام فقرأ
وركع وسجد سجدة وقام فقرأ وركع ثم تذكر ما فعل
فإنه ينحط فيسجد ويتشهد لأن السجدة التي بقيت
عليه من الركعة الثانية في حكم العين فإنه لم
يقيد الركعة الثالثة بالسجدة فيسجدها ويرتفض
ما أدى بعدها فلهذا يتشهد ثم يقوم فيقرأ لأنه
لم يقرأ في الركعة الأولى فعليه أن يقرأ في
الركعة الثالثة فإن اعتد بذلك الركوع وسجد
ثلاث سجدات لم يجزه ذلك لأن الركعة الثالثة
لما أداها بسجدتيها فقد فات محل السجود من
الركعة الثانية فلا يتأدى إلا بالنية ولم
ينوها فلا تجزئه صلاته إذا لم يقض تلك السجدة
والله الموفق والهادي للصواب.
باب الحدث
قال رضي الله عنه: "ولو أن إماما صلى بقوم
ركعتين من الظهر ثم اقتدى به رجل ثم أحدث
الإمام فقدمه فظن الرجل أنه صلى ثلاث ركعات
فصلى بهم ركعة أخرى ثم تأخر فأخذ بيد رجل ممن
أدرك أول الصلاة فسلم بهم فصلاتهم جميعا
فاسدة" لأن الإمام الثاني استخلف في غير
موضعه. ولو أن الأول استخلف في غير موضعه من
غير عذر كان ذلك مفسدا لصلاته وصلاة القوم
فكذلك الثاني إذا فعل ذلك وإن كان ظن أنه إنما
صلى ركعة فصلى ثلاث ركعات ولم يقعد في رابعة
الإمام فصلاتهم أيضا فاسدة لأنه قائم مقام
الأول والأول لو قام إلى الخامسة قبل أن يقعد
وقيد الركعة بالسجدة فسدت صلاته وصلاة جميع
القوم فكذلك الثاني.
ولو أن إماما أحدث فتقدم رجلان ممن خلفه ونوى
كل واحد منهما أن يكون إماما فائتم بكل واحد
منهما طائفة فصلاة الذي ائتم به الأكثر من
القوم تامة وصلاة الآخرين فاسدة لأن هذه صلاة
افتتحت بإمام فلا يمكن إتمامها بإمامين والأقل
لا يزاحم الأكثر فالإمام هو الذي ائتم به أكثر
القوم. وبما ذكر هنا تبين أنه لا معتبر بما
قاله بعض مشايخنا أنه إذا ائتم بكل واحد منهما
طائفة أنه تفسد صلاة الفريقين ولا عبرة بالأقل
والأكثر بعد أن وجد جمع متفق عليه مع كل واحد
منهما فإنه نص هنا على الترجيح بالكثرة وهو
أصل في الفقه فإن للأكثر حكم الكمال والذي
ائتم به أكثر القوم في حكم ما لو ائتم به جميع
القوم وإن لم تزد بعض الطائفة على بعض فصلاتهم
فاسدة لأنه لا ترجيح لأحد الفريقين، ولا وجه
لتصحيح صلاة الفريقين لأن الصلاة التي افتتحت
بإمام لا يمكن إتمامها بإمامين.
ج / 2 ص -106-
ولو
قدم الإمام رجلا قبل أن يخرج من المسجد وتقدم
آخر وائتم بكل واحد منهما طائفة من القوم فهذا
والأول سواء لأن الذي تقدم بنفسه قبل خروج
الإمام في حكم من قدمه الإمام إذا اقتدى به
القوم فإن الإمام إنما يستخلف لإصلاح صلاتهم
ولهم أن يشتغلوا بإصلاح صلاتهم كما يكون ذلك
للإمام واقتداء القوم بمن تقدم بمنزلة تقديم
الإمام إياه ألا ترى أن اجتماع الناس على رجل
بمنزلة استخلاف الإمام الأعظم إياه في حكم
ثبوت الإمامة له؟.
ولو أن رجلا أم رجلين في مسجد فأحدث فقدم
أحدهما ثم أحدث الثاني فخرج ونوى الثالث أن
يكون إماما فهذا لا معتبر به فإنه متعين
للإمامة سواء نوى أو لم ينو تحولت الإمامة
إليه فإن أحدث فخرج من المسجد قبل أن يعود أحد
الأولين فسدت صلاتهما لأنه لم يبق لهما إمام
في المسجد ولم تفسد صلاته لأنه في حق نفسه
كالمنفرد ولو لم يخرج من المسجد حتى استقبله
الرجلان ثم خرج قبل أن يستخلف أحدهما وقبل أن
يتقدم أحدهما فصلاة الرجلين فاسدة لأنه ليس
أحدهما بتحول الإمامة إليه بأولى من الآخر وإن
تقدم أحدهما للإمامة أو قدمه الإمام ثم خرج
فصلاتهم جميعا تامة لأن الإمامة قد تحولت إلى
من قدمه الإمام أو تقدم بنفسه فلم يخل مكان
الإمامة عن الإمام.
ولو أن رجلا أم قوما في المسجد والمسجد ملآن
وصف خارج من المسجد متصل بهم يصلون فأحدث وأخذ
بيد رجل ممن هو خارج المسجد فقدمه فصلاتهم
جميعا فاسدة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله تعالى. فأما على قول محمد وزفر
رحمهما الله تعالى فصلاتهم تامة قال لأن
الصفوف متصلة وبحكم اتصال الصفوف تصير الأمكنة
المختلفة كمكان واحد ألا ترى أنهم إذا كانوا
يصلون في الصحراء فاستخلف الإمام من آخر
الصفوف قبل أن يجاوزها صح الاستخلاف ولم تفسد
صلاتهم بتأخير الاستخلاف إلى آخر الصفوف فكذلك
إذا كان الإمام في المسجد، والدليل عليه أن
القوم الذين هم خارج المسجد صح اقتداؤهم
بالإمام وإنما صح اقتداؤهم به لأن الموضع
الذين هم فيه بمنزلة المسجد في حكم الصلاة
فكذلك في حكم الاستخلاف وهذا لأن الاستخلاف
إنما يكون لإصلاح صلاة القوم وحاجة الذين هم
خارج المسجد إلى ذلك كحاجة الذين هم في المسجد
ألا ترى أنه قبل أن يخرج من المسجد لو أشار
إلى بعض من كان خارج المسجد حتى دخل فتقدم كان
استخلافه صحيحا؟ فكذلك إذا خرج إليه فقدمه قبل
أن يجاوز الصفوف فقلنا بأن استخلافه يكون
صحيحا.
وجه قولهما أن الإمام خرج من المسجد قبل
الاستخلاف وذلك مفسد لصلاة القوم كما لو لم
تكن الصفوف متصلة خارج المسجد وتحقيق هذا
الكلام أن القياس أن تفسد صلاته بترك
الاستخلاف من أول الصفوف وإن كان في المسجد
لخلو موضع الإمامة وهو المحراب عن الإمام،
ولكن تركنا هذا القياس ما دام الإمام في
المسجد لأن جميع المسجد في حكم مكان واحد
ولهذا صح اقتداء من وقف في آخر المسجد بالإمام
وإن لم تكن الصفوف
ج / 2 ص -107-
متصلة
بينه وبين الإمام وهذا المعنى لا يوجد خارج
المسجد لأن ذلك لم يجعل في حكم المسجد فأخذنا
فيه بالقياس وإنما جعلنا ذلك في حكم صحة
الاقتداء بمنزلة المسجد لأجل الضرورة ألا ترى
أنه في غير موضع الضرورة وهو ما إذا لم يكن
المسجد ملآنا لا يجعل كذلك حتى لا يصح
اقتداؤهم بالإمام فكذلك في حكم الاستخلاف لا
ضرورة لأنه يتمكن من الاستخلاف في المسجد وهذا
بخلاف ما إذا كانوا يصلون في الصحراء لأن تلك
الأمكنة قبل افتتاح الصلاة فيها لم تكن في حكم
مكان واحد وإنما صارت كذلك باتصال الصفوف
فالمواضع التي فيها الصفوف متصلة تكون بمنزلة
المسجد وها هنا المسجد في حكم مكان واحد بدون
اتصال الصفوف. ألا ترى أن الإمام لو جاوز
الصفوف قبل أن يستخلف وهو في المسجد بعد ثم
استخلف كان استخلافه صحيحا فلما كان فيما يرجع
إلى تصحيح صلاتهم يعتبر المسجد ها هنا ولا
يعتبر اتصال الصفوف فكذلك فيما يرجع إلى فساد
صلاتهم.
ولو أن رجلا صلى ركعة وهو إمام وليس خلفه أحد
ثم جاء قوم واقتدوا به وأحدث ثم أخذ بيد رجل
منهم فقدمه وقد كان سها قال يتم هذا بقية صلاة
الإمام الأول فإنه قائم مقامه ثم يتأخر فيقضون
ما فاتهم وحدانا لأنهم مسبوقون في ذلك فإذا
فرغوا سجدوا للسهو ولا يسجدون عند إتمام صلاة
الإمام لأن موضع سجود السهو بعد السلام وليس
هنا مدرك لأول الصلاة حتى يسلم بهم فلهذا لا
يسجدون للسهو حتى يفرغوا من قضاء ما عليهم
فإذا سلموا سجدوا للسهو بمنزلة المسبوق إذا لم
يتابع الإمام في سجود السهو حتى يفرغ من قضاء
ما عليه فإنه يسجد للسهو استحسانا فهذا مثله.
ولو أن رجلا صلى مع الإمام ركعة ثم رعف فذهب
وتوضأ وقد فرغ الإمام من صلاته ثم صلى هذا في
منزله ما بقي من صلاته قال يجزئه لأنه لم يوجد
منه إلا ترك المشي في الصلاة وذلك لا يضره.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا؟ واللاحق في حكم
المقتدي فيما يتم فإذا كان بينه وبين الإمام
ما يمنع صحة الاقتداء به من طريق أو نهر ينبغي
أن لا تجوز صلاته.
قلنا: نعم، هو فيما يؤدي من الأفعال بمنزلة
المقتدي ولكن الإمام قد خرج من حرمة الصلاة
فكيف يراعي ترتيب المقام بينه وبين من خرج من
الصلاة وربما خرج أو أحدث أو نام وإن كان
الإمام لم يفرغ من صلاته بعد فصلاة هذا الرجل
فاسدة إذا كان أمام الإمام أو كان بينه وبين
الإمام ما يمنع صحة الاقتداء به إلا أن يكون
بيته بجنب المسجد بحيث لو اقتدى به من بيته
يكون اقتداؤه صحيحا فحينئذ يجوز له أن يؤدي
بقية تلك الصلاة في بيته لأن البقاء على الشيء
أيسر من الابتداء. وإن كان يجوز اقتداؤه
بالإمام ابتداء وهو في هذا الموضع إذا كان
المسجد ملآنا فلأن يجوز له إتمام الصلاة في
هذا الموضع مع الإمام كان أولى والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
ج / 2 ص -108-
باب الجمعة
قال: رضي الله عنه "وإذا سجد الإمام في الركعة
الأولى من الجمعة فلم يستطع بعض من خلفه أن
يسجد لكثرة الزحام حتى قام الإمام في الثانية
فقرأ وركع وهذا الرجل معه يريد اتباعه في
الثانية فسجد معه" قال "هذه السجدة للثانية"
لأنه نوى بها متابعة الإمام فسجدة الإمام
للركعة الثانية فنيته متابعة الإمام بمنزلة
نيته أن يسجد للثانية فيقيد الركوع الثاني
بالسجدة ولم يتقيد الركوع الأول بها وكل ركوع
لم يعقبه سجود فإنه لا يعتد به فعليه قضاء
الركعة الأولى بركوعها وسجودها ولا يقرأ فيها
لأنه مدرك لأول الصلاة ولا يتابع الإمام في
التشهد ولكن يقوم فيقضي ركعة لأنه لاحق فهو
بمنزلة النائم خلف الإمام إذا انتبه.
ومراعاة الترتيب في ركعات صلاة واحدة ليست
بركن فلا يضره هذا التقديم والتأخير وإن لم
يركع يتبعه في الثانية ولكنه سجد معه ينوي
اتباعه لم تجزه هذه السجدة لواحدة من الركعتين
لأنه نواها للثانية حين نوى متابعة الإمام
وشرط جوازها للثانية تقدم الركوع فإن الركوع
افتتاح للسجود ولم يوجد فلا يمكن تجويزها
للأولى، لأنه قصد متابعة الإمام فيها وإن انحط
للسجدة على نية متابعة الإمام فسجد قبله ثم
أدركه الإمام فيها فهذا يجزئه من الركعة
الأولى لأن نية المتابعة لا تكون نية لسجدة
الركعة الثانية فإن الإمام ما اشتغل بها،
وإنما يتابع الإمام فيما أداه الإمام أو هو
فيه فإنما أدى الإمام سجدة الركعة الأولى
فنيته هذه بمنزلة نية السجدة للركعة الأولى
ويرتفض ركوعه الثاني فعليه أن يقضي الركعة
الثانية بركوع وزعم بعض مشايخنا أن جواب هذا
الفصل فيما إذا لم يركع مع الإمام الثانية.
قال رضي الله عنه: "والصحيح عندي أنه سواء ركع
معه أو لم يركع إذا سجد قبله" فإن سجوده
للركعة الأولى وكذلك لو سجد بعد ما رفع الإمام
رأسه من الركوع ينوي اتباعه في الثانية كانت
للأولى وإن سجد مع الإمام في الثانية ينوي
الأولى فهي للأولى أيضا لأنه لم يقصد متابعة
الإمام وإنما قصد أداء ما سبقه الإمام به وله
ما نوى وإن كان ركع في الثانية وسجد ينوي
اتباعه وهو ساجد فهي الثانية. وبقوله: هو ساجد
تبين أن الصحيح من الجواب فيما سجد قبله أنها
للأولى سواء ركع أو لم يركع.
ولو أن إماما كبر يوم الجمعة ومعه قوم متوضؤون
فلم يكبروا معه حتى دخل قوم المسجد فأحدث
هؤلاء وكبر الذين دخلوا فصلاتهم تامة لأن
الإمام حين كبر كان مستجمعا لشرائط الجمعة فإن
من شرط الجمعة الجماعة والقوم الذين كانوا معه
قد كانوا مستعدين للجمعة فانعقدت تحريمته
للجمعة ثم مشاركة الفريق الآخر معه ومشاركة
الفريق الأول أن لو كبروا معه سواء فإن أحدث
الذين كانوا معه قبل أن يجيء أولئك ثم جاؤوا
فكبروا قبل أن يخرج هؤلاء من المسجد فصلاتهم
تامة أيضا لأن الذين أحدثوا لو وجدوا الماء في
المسجد فتوضؤوا واقتدوا به كانت صلاتهم تامة
فكذلك الفريق الثاني. وهذا لأن سبق الحدث لما
كان
ج / 2 ص -109-
لا
ينافي صفة الإمامة عن الإمام ما دام في المسجد
لا ينافي الاستعداد للجمعة عن القوم ما داموا
في المسجد. وإن كانوا على غير وضوء فكبر
الإمام ثم جاء قوم آخرون فدخلوا معه فعليه أن
يستقبل بهم التكبير وإلا لم يجزه لأنه حين كبر
لم يكن مستجمعا جميع شرائط الجمعة فإن نصاب
الجماعة لا يتم في الجمعة بالمحدثين فانعقدت
تحريمته للظهر ثم لا تتحول إلى الجمعة باقتداء
القوم به ما لم يجدد التكبير.
ولو أن أميرا قدم والوالي الأول يخطب فاستمع
الخطبة والأول لا يعلم به ثم تقدم الأول فأدى
الفرض فصلاتهم تامة لأن الأول لا ينعزل ما لم
يعلم بقدوم الثاني فإنما صلى بهم وهو إمام.
وإن كان الأول قد علم بقدوم هذا فإن أمره
الآخر أن يعتزل الصلاة لم تجزهم صلاتهم لأنه
كما علم بالعزل صار كغيره من الرعية وإن تقدم
الثاني فصلى الجمعة لم يجزهم إلا أن يعيد
الخطبة لأن الثاني لما نهى الأول عن الصلاة
صار هو كغيره من الرعية، فلا يعتد بخطبته
والثاني لم يخطب ومن شرط الجمعة الخطبة وإن
كان الثاني أمره بأن يمضي في خطبته ففعل ثم
تقدم الآخر فصلى بهم أجزأهم لأن خطبة الأول
بأمر الثاني كخطبة الثاني بنفسه وهذا إذا كان
الثاني شهد خطبة الأول فإن لم يشهد لم تجزئهم
الجمعة لأن شرط الجمعة انعدم في حق الثاني حين
لم يشهد الخطبة إلا أن يأمر الأول بأن يصلي أو
تقدم الأول واقتدى به الثاني يكون ذلك منه
دليل الرضا بإمامته ودليل الرضا كصريح الرضا
فيجزيهم حينئذ لأن من افتتح الجمعة كان
مستجمعا لشرائطها.
ولو أن أميرا فتح أبواب القصر وأمر المؤذن
فأذن فجمع بالناس في قصره فإنه يجزيهم.
والمراد من فتح أبواب القصر الإذن للعامة
بالدخول وقد أدى الجمعة وهو مستجمع لشرائطها
ولكنه مسيء فيما صنع لأن الموضع المعد لإقامة
الجمعة فيه المسجد وقد جفا ذلك الموضع وفي
فعله نوع ترفع حيث لم يخرج من قصره إلى المسجد
ففعله هذا مخالف فعل السلف فكان مسيئا في ذلك
وإن لم يفتح باب قصره ولم يأذن للناس بالدخول
وصلى بحشمه ومواليه لم يجزهم لأن من شرط
الجمعة الإذن العام ولم يوجد وإنما جعلنا
الإذن العام شرطا لأنه مأمور بأن يصلي الجمعة
بأهل المصر فإن موضع إقامة الجمعة فيه المصر
وإذا لم يفتح باب قصره ولم يأذن للناس بالدخول
لم يكن مصليا بأهل المصر وإنما جعلنا السلطان
شرطا في الجمعة لئلا يفوت بعض أهل المصر على
البعض صلاة الجمعة لذلك لا يكون للسلطان أن
يفوت الجمعة على أهل المصر فلهذا شرطنا الإذن
العام في ذلك.
"ولو أمر الأمير إنسانا فصلى بالناس الجمعة في
المسجد الجامع وانطلق في حاجة له ثم دخل المصر
في بعض المساجد فصلى الجمعة" قال "يجزئ أهل
المسجد الجامع" لأن خليفته مستجمع لشرائط
الجمعة وقد صلى بأهل المصر ولا يجزئه صلاته
إلا أن يكون علم
ج / 2 ص -110-
الناس
بذلك بأن أذن لهم إذنا عاما في الصلاة معه
فحينئذ يجوز لأنه لا يكون مستجمعا شرائط
الجمعة إلا بذلك.
قال: "وهذا إقامة الجمعة في موضعين" واختلفت
الروايات في إقامة الجمعة في موضعين في مصر
واحد فالصحيح من قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى: أنه يجوز إقامة الجمعة في مصر
واحد في موضعين وأكثر من ذلك وعن أبي يوسف
رحمه الله تعالى فيه روايتان في إحدى
الروايتين تجوز في موضعين ولا تجوز في أكثر من
ذلك. وفي الرواية الأخرى لا يجوز إقامة الجمعة
في مصر واحد في موضعين إلا أن يكون في وسط
المصر نهر عظيم كما هو ببغداد فحينئذ يكون كل
جانب في حكم مصر على حدة.
ووجه هذه الرواية: أن في زمن رسول الله صلى
الله عليه وسلم والخلفاء بعده فتحت الأمصار
ولم يتخذ أحد منهم في كل مصر أكثر من مسجد
واحد لإقامة الجمعة ولو جاز إقامتها في موضعين
جاز في أكثر من ذلك فيؤدي إلى القول بأن يصلي
أهل كل مسجد في مسجدهم وأحد لا يقول بذلك وفي
تجويز إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد
تقليل الجماعة وإقامة الجمعة من أعلام الدين
فلا يجوز القول بما يؤدي إلى تقليلها.
ووجه الرواية الأخرى أن المصر قد يكون متباعد
الجوانب فيشق على الشيوخ والضعفاء التحول من
جانب إلى جانب لإقامة الجمعة فلدفع هذا العسر
جوزنا إقامتها في موضعين والأصل فيه حديث علي
رضي الله عنه حين خرج يوم العيد إلى الجبانة
استخلف من يصلي بالضعفة في المسجد الجامع وما
ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وهذه الضرورة ترتفع
بتجويزها في موضعين فلا نجوزها في أكثر من
ذلك.
وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع"، فإنما شرط لإقامة الجمعة المصر الواحد وهذا الشرط في حق كل فريق
ولأن الحرج مدفوع وفي القول بأنه لا تجوز
إقامتها إلا في موضع واحد معنى الحرج ومعنى
تهييج الفتنة فقد يكون بين أهل مصر واحد
اختلاف على وجه لو اجتمعوا في موضع كان ذلك
سببا لتهييج الفتنة وقد أمرنا بتسكينها فلهذا
جوزنا إقامتها في موضعين وأكثر من ذلك.
ولو خرج الإمام يوم الجمعة إلى الاستسقاء وخرج
معه ناس كثير وخلف إنسانا فصلى بهم في المسجد
الجامع وصلى هو بمن معه الجمعة في الجبانة وهو
على غلوة من المصر فصلاة الفريقين جائزة لأن
فناء المصر في حكم جوف المصر فكان هذا وما لو
صلى الإمام في جوف المصر سواء ثم المصر كما
يشترط لإقامة الجمعة يشترط لإقامة صلاة العيد
وهو إنما يؤدى في الجبانة على غلوة من المصر
أو أكثر من ذلك فكذلك تجوز إقامة الجمعة في
مثل هذا الموضع.
فإن قيل: أليس في حق المسافر هذا الموضع في
حكم المفازة لا في حكم جوف
ج / 2 ص -111-
المصر؟
حتى أن من خرج من أهل هذا المصر على نية السفر
يصلى صلاة المسافرين في هذا الموضع ومن قدم
مسافرا من أهل هذا المصر فانتهى إلى هذا
الموضع صلى صلاة المسافرين أيضا فكذلك في حق
إقامة الجمعة ينبغي أن يجعل هذا الموضع بمنزلة
المفازة.
قلنا: فناء المصر موضع معد لحوائج أهل المصر
بإقامتهم في المصر لا بإقامتهم في فنائها
وإنما يتغير فرض المسافر بالإقامة فيعتبر فيه
موضع الإقامة وهو ما بين الأبنية وأما إقامة
صلاة الجمعة والعيدين من حوائج أهل المصر وهذا
موضع معد لذلك فيجعل في حق هذا الحكم فناء
المصر كجوف المصر.
رجل صلى الظهر في منزله يوم الجمعة ثم راح إلى
الجمعة قد بينا هذه المسألة بفصولها في كتاب
الصلاة والذي زاد هنا حرف واحد وهو ما إذا كان
خروجه من أهله بعد فراغ الإمام من الجماعة
وأجاب بأنه لا ينتقض ظهره ومعنى هذا أنه إذا
كان سعى في داره قبل فراغ الإمام من الجمعة
ففرغ منها قبل أن يخرج هو من باب داره فإنه لا
يرتفض ظهره بالاتفاق لأن أبا حنيفة رحمه الله
تعالى جعل السعي إلى الجمعة على الخصوص بمنزلة
إدراك الجمعة في ارتفاض الظهر وسعيه في داره
لا يكون في الجمعة على الخصوص وإنما سعيه إلى
الجمعة على الخصوص بعد خروجه من باب داره ولم
يوجد ذلك حين خرج بعد فراغ الإمام من الجمعة.
ولو أحدث الإمام بعد ما دخل في الصلاة فتقدم
رجل وأتم الصلاة بالقوم أجزأهم بمنزلة ما لو
قدمه الإمام وقد بينا هذا في سائر الصلوات: أن
تقدم بعض القوم كتقديم الإمام لحاجتهم إلى
إصلاح الصلاة وهذا المعنى موجود في الجمعة بل
أظهر فإن هنا لو فسدت صلاتهم لم يقدروا على
استقبالها بأنفسهم بخلاف سائر الصلوات وهذا
بخلاف ما لو أحدث الإمام قبل أن يدخل في
الصلاة فتقدم رجل من العوام من غير أن يقدمه
الإمام فإنه لا يجزيهم لأن المتقدم هنا يحتاج
إلى افتتاح الجمعة ولا يصح افتتاح الجمعة ممن
لا يكون مستجمعا لشرائطها ومن شرائطها السلطان
فلهذا لا يجزيهم إلا أن يكون المتقدم ذا
سلطان.
فأما في الأول فحاجة المتقدم إلى البناء على
الصلاة ولا يعتبر استجماع الشرائط في حق من
بنى على الصلاة وهو نظير ما لو قدم الإمام
رجلا لم يشهد الخطبة فإن كان ذلك بعد الشروع
في الصلاة صح تقديمه وإن كان قبل الشروع فيها
لم يصح تقديمه. يوضحه أن الإمام حين افتتح بهم
الجمعة فقد صار مستعينا بهم فيما يعجز هو عن
إقامته بنفسه وذلك دلالة الإذن منه لكل واحد
من القوم في التقدم لإتمام الصلاة عند سبق
الحدث وهذا المعنى لا يوجد قبل دخوله في
الصلاة فلا يكون تقدمه بإذن الإمام.
ولو أن الإمام قدم رجلا لم يشهد الخطبة قبل أن
يدخل في الصلاة، لم يجز له أن يصلي بهم الجمعة
لأنه غير مستجمع لشرائطها. فإن قدم هذا المقدم
غيره ممن شهد الخطبة فصلى
ج / 2 ص -112-
بهم
الجمعة قال هنا يجزيهم لأنه مستجمع لشرائط
الجمعة وفي غير هذا الموضع لا يجزيهم، وهو
الأصح لأن الاستخلاف إنما يصح ممن يملك إقامة
الجمعة بنفسه والذي لم يشهد الخطبة لا يملك
إقامتها بنفسه فهو نظير ما لو قدم صبيا أو
امرأة فقدم هذا المقدم غيره. وإن كان الإمام
إنما قدم من لم يشهد الخطبة بعد ما دخل في
الصلاة أجزأهم، لأن خليفته يبني على صلاته
واستجماع الشرائط غير معتبر في البناء ولأنه
لما صح تحرمه للجمعة التحق بمن شهد الخطبة في
الحكم وهذا هو الأصح. وقد قال: إن تكلم هذا
المقدم استقبل بهم الجمعة وهو يحتاج الآن إلى
افتتاح الجمعة فعرفنا أن المعنى الصحيح ما
قلنا إنه لما صح تحرمه للجمعة صار هو بمنزلة
من شهد الخطبة في الحكم والله أعلم.
باب صلاة العيدين
قال: رضي الله عنه "ولو
أن رجلا أدرك الركعة الثانية من العيد مع
الإمام فكبر ثم رعف فتوضأ ثم جاء وقد صلى
الإمام" قال "يقوم مقدار القراءة ثم يكبر
ثلاثا ثم يركع بالرابعة" وهذا لأنه لاحق في
الركعة الثانية مسبوق في الركعة الأولى فإنما
يبدأ بما هو لاحق فيه وهي الركعة الثانية
فيقضيها بغير قراءة والذي قال أنه يقوم مقدار
القراءة على طريق الاستحباب فأما فرض القيام
فيتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم فإذا فرغ من
هذه الركعة قام فقضى الركعة الأولى بقراءة
لأنه مسبوق فيها. ثم ذكر ها هنا أنه يبدأ
بالقراءة فيها ثم بالتكبير وذكر بعد هذا هذه
المسألة في الكتاب وقال يبدأ بالتكبير ثم
بالقراءة ففيها روايتان كلاهما في صفحة واحدة.
فالرواية التي قال: يبدأ فيها بالتكبير جواب
القياس لأنه إنما يقضي ما فاته فيقضيه كما
فاته، والرواية التي قال: يبدأ فيها بالقراءة
جواب الاستحسان وهو أظهر الروايات على ما ذكره
في كتاب الصلاة والجامع والزيادات والسير
الكبير وقد بينا وجوه هذا في كتاب الصلاة.
وإذا صلى الرجل مع الإمام في العيد ركعة ثم
تكلم فلا قضاء عليه في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى ولم يذكر قولهما في الكتاب وقد
ذكرنا في بعض النوادر أن عليه قضاء ركعتين في
قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وجه
قولهما: أنه بالشروع التزم أداء ركعتين ولو
التزم ذلك بالنذر كان عليه أداؤهما فكذلك إذا
التزم ذلك بالشروع وقياسا بسائر الصلوات. وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى، يقول: هو بالشروع ما
قصد أداء شيء ليس عليه وإنما قصد إقامة ما هو
من أعلام الدين وذلك مستحق على جماعة المسلمين
فكان هذا في المعنى بمنزلة الشروع في أداء
الفريضة وذلك لا يلزمه شيئا ليس عليه فكذلك
هذا الشروع، والمعنى أنه قصد الإسقاط لا
الالتزام ألا ترى أن من شرع في صلاة الجمعة مع
الإمام ثم تكلم لم يلزمه إلا ما يلزمه قبل
الشروع وهو أداء الظهر فكذلك هنا. يوضحه أنا
لو أوجبنا
ج / 2 ص -113-
عليه
القضاء فإما أن يقضي مع التكبيرات أو بدون
التكبيرات ولا يمكنه أن يقضي مع التكبيرات لأن
ذلك غير مشروع إلا في صلاة العيد والمنفرد لا
يتمكن من أداء صلاة العيد ولا يجوز أن يقضيه
بدون التكبيرات لأن القضاء بصفة الأداء.
وردوا هذه المسألة إلى الخلاف الذي بينا في
كتاب الصوم أن من شرع في صوم يوم النحر ثم
أفسده لم يلزمه القضاء في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى، وعندهما يلزمه قضاء يوم آخر وهذا
في المعنى متقارب فإن أبا حنيفة رحمه الله
يقول لا يلزمه القضاء بغير صفة الأداء ولا
يمكن إيجاب القضاء عليه بصفة الأداء، وهما
يعتبران الأصل لإيجاد القضاء بدون الصفة فكذلك
هنا.
ثم ذكر باب التكبير في أيام التشريق ولم يذكر
فيه من المسائل إلا ما بينا في كتاب الصلاة
وذكر باب صلاة الخوف أيضا ومسائله عين ما بينا
في كتاب الصلاة إلا أنه نص هنا على قول أبي
يوسف رحمه الله أنه لا تجوز صلاة الخوف بصفة
الذهاب والمجيء اليوم إنما كان ذلك في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وهذا القول
لم يذكره في كتاب الصلاة وقد بينا المسألة
هناك.
ثم ذكر أن الإمام لو رعف في الركعة الثانية
فقدم رجلا من الطائفة الثانية فإنه يصلى بقية
صلاة الإمام ثم ينفتل هو ومن خلفه فيقومون
بإزاء العدو وهذا لا يشكل في حق القوم لأنهم
الطائفة الثانية فأوان انصرافهم من الصلاة إلى
العدو عند تمام صلاة الإمام فأما في حقه فنقول
هو خليفة الإمام في إتمام بقية صلاته وقد فعل
ففيما وراء ذلك هو من جملة الطائفة الثانية
فلهذا ينصرف مع الطائفة الثانية ثم يعود معهم
لإتمام صلاته والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب صلاة المريض
قال: "ولو أن مريضا يصلي
بالإيماء فأم قوما يومئون وقوما يسجدون فإنه
تجوز صلاته وصلاة من هو في مثل حاله ولا تجوز
صلاة من يسجد" إلا على قول زفر رحمه الله
تعالى وقد بينا هذا في كتاب الصلاة أن المقتدي
يبني صلاته على صلاة الإمام ويجوز بناء الضعيف
على الضعيف ولا يجوز بناء القوي على الضعيف.
ثم فرع على هذا الأصل هنا فقال "إذا كان
الإمام مستلقيا يومئ إيماء وخلفه من يومئ
مستلقيا ومن يومئ قاعدا فإنه تجوز صلاته وصلاة
من هو في مثل حاله ولا تجوز صلاة القاعد" لما
فيه من بناء القوي على الضعيف فإن حال
المستلقي في الإيماء دون حال القاعد. ألا ترى
أنه لا يجوز الإيماء مستلقيا ممن يقدر على
القعود في النافلة ولا في المكتوبة وبهذا
الحرف يفرق أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله
تعالى بين هذا وبين اقتداء القائم بالقاعد
الذي يركع ويسجد فإنهما يجوزان هناك لأن حال
الإمام قريب من حال المقتدي حكما ألا ترى أنه
يجوز أداء النفل قاعدا مع القدرة على القيام
مع أن أبا يوسف رحمه الله تعالى ذكر في
الأمالي أن القياس أن لا يجوز
ج / 2 ص -114-
اقتداء
القائم بالقاعد وإنما جوزنا ذلك بخلاف القياس
بالسنة فإن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأصحابه في المسجد كان هو قاعدا وهم
خلفه قيام والمخصوص من القياس بالأثر لا يلحق
به إلا ما يكون في معناه من كل وجه وهذا ليس
في معنى المنصوص من كل وجه على ما بينا فلهذا
أخذنا فيه بالقياس.
ولو افتتح المكتوبة وهو صحيح مع الإمام قاعدا
ثم قام فلم يعد التكبير فصلاته فاسدة وكذلك لو
مرض بعد ما كبر ولم يستطع القيام إلا أن يعيد
التكبير بعد أن يقوم أو بعد ما يعجز عن القيام
لأن القيام شرط عند التحرم في حق من يقدر عليه
وقد انعدم ذلك فلم تنعقد تحريمته للمكتوبة إلا
أن يجدد التكبير لها بعد العجز وهو نظير ما لو
افتتح صلاة الظهر قبل زوال الشمس ثم زالت
الشمس فأداها لم يجزه عن المكتوبة لانعدام
شرطها وهو الوقت عند الافتتاح إلا أن يجدد
التكبير بعد زوال الشمس فهذا مثله والله
سبحانه وتعالى أعلم.
باب الصلاة على الجنازة
قال رضي الله عنه: "ولو
أن رجلا صلى على جنازة وهو مريض قاعدا وصلى
القوم معه قياما فإنه يجزئهم في قول أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ولا يجزئ في قول
محمد وزفر رحمهما الله تعالى" لأن القيام فرض
في حق من يقدر عليه في صلاة الجنازة كما هو
فرض في سائر المكتوبات وقد بينا اقتداء القائم
بالقاعد أنه على الإطلاق في سائر المكتوبات
وكذلك اقتداء القائم بالقاعد في التطوعات
كالقيام في شهر رمضان فإنه على الخلاف فكذلك
في صلاة الجنازة إلا أن معنى قول محمد رحمه
الله تعالى ها هنا لا يجزئ أنه لا يجزئ القوم
فأما الصلاة على الجنازة فتتأدى بأداء الإمام
وحده لأن الجماعة ليست بشرط للصلاة على
الجنازة والإمام الذي صلى قاعدا عليها كان
مريضا فجازت صلاته والصلاة على الجنازة فرض
على الكفاية تسقط بأداء الواحد إذا كان هو
الولي وليس للقوم أن يعيدوا بعد ذلك.
ولو أن جنازة تشاجر فيها قوم أيهم يصلي عليها
فوثب رجل غريب فصلى عليها وصلى معه بعض القوم
فصلاتهم تامة وإن أحب الأولياء أعادوا الصلاة
لأن حق الصلاة على الجنازة للأولياء فلا يكون
لغيرهم أن يبطل حقهم وهم بمنزلة ما لو صلى غير
أهل المسجد المكتوبة بالجماعة في المسجد كان
لأهل المسجد حق الإعادة بخلاف ما إذا صلى فيه
أهل المسجد فإنه ليس لغيرهم حق الإعادة بعد
ذلك فإن كان حين افتتح الرجل الغريب صلاة
الجنازة اقتدى به بعض الأولياء فليس لمن بقي
منهم حق الإعادة لأن الذي اقتدى به رضي
بإمامته فكأنه قدمه ولكل واحد من الأولياء حق
الصلاة على الجنازة كأنه ليس معه غيره لأن
ولايته متكاملة فإذا سقط بأداء أحدهم لم يكن
للباقين حق الإعادة.
ج / 2 ص -115-
وقد
بينا في كتاب الصلاة جواز أداء الصلاة على
الجنازة بالتيمم في المصر زاد ها هنا فقال
وكذلك لو كان هو بنفسه الإمام وقد روى الحسن
عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يجوز
للإمام أن يصلي على الجنازة بالتيمم في المصر.
قال عيسى رحمه الله تعالى وهو الصحيح لأن
التيمم إنما يجوز في حال عدم الماء فأما مع
وجود الماء فلا يكون طهارة إلا عند الضرورة
وهو خوف الفوت وهذا لم يوجد في حق الإمام الذي
يكون حق الصلاة على الجنازة له لأن الناس
ينتظرونه ولو لم يفعلوا كان له حق إعادة
الصلاة عليها فلا يجزيه الأداء بالتيمم مع
وجود الماء.
وجه ظاهر الرواية حديث ابن عباس رضي الله عنه
إذا فجئتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل
عليها ولأن الإمام قد يحتاج إلى ذلك كما يحتاج
إليه القوم فإنه عند كثرة الزحام ربما يلحقه
الحرج إذا ذهب إلى موضع الماء ليتوضأ أولا
ينتظره الناس فيصلون عليها ويدفنون الميت قبل
أن يفرغ هو من الطهارة ولو انتظره الناس ربما
يلحقهم الحرج في ذلك فلدفع الحرج جوزنا له
الأداء بالتيمم "فإنما التيمم إنما جعل طهارة"
لدفع الحرج قال الله تعالى:
{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[المائدة: 6] الآية وفيه معنى آخر في حق القوم وهو أن الصلاة على
الجنازة دعاء وليست بصلاة على الحقيقة فإنه
ليس فيها أركان الصلاة من القيام والقراءة
والركوع والسجود.
والطهارة شرط صلاة مطلقة فكان ينبغي أن تتأدى
الصلاة على الجنازة بغير طهارة بمنزلة الدعاء
ولكن لكونها صلاة تسمية شرطنا فيها نوع طهارة
وفي هذا المعنى لا فرق بين الإمام والقوم.
وعلى هذا قال: لو كان جنبا في المصر تيمم وصلى
عليها أيضا لأنها بمنزلة الدعاء وذلك صحيح من
الجنب إلا أنه أمره بأن يتيمم لها كما تيمم
رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرد السلام في
حديث معروف بيناه في الصلاة.
فإن تيمم وصلى على الجنازة، ثم أتي بجنازة
أخرى فإن تمكن من أن يتوضأ فلم يفعل أعاد
التيمم للصلاة على الجنازة ثانيا لأنه لما
تمكن من استعمال الماء فقد انتهى تيممه الأول
ولو لم يتمكن من ذلك وخاف إن اشتغل بالوضوء أن
تفوته الصلاة على الجنازة ثانيا فعلى قول أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يصلي عليها
بذلك التيمم وعلى قول محمد رحمه الله تعالى
يعيد التيمم على كل حال لأن تيممه الأول كان
لحاجته إلى إحراز الصلاة على الجنازة الأولى
وقد حصل مقصوده بالفراغ منها فانتهى حكم ذلك
التيمم ثم حدثت له حاجة جديدة إلى إحراز
الصلاة على الجنازة الثانية فيلزمه أن يتيمم
لها لأن الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة
ويتجدد بتجددها وقاس بما لو تمكن من الوضوء
بين الصلاتين.
وجه قولهما: أن المعنى الذي لأجله جوزنا
الصلاة على الجنازة الأولى بالتيمم قائم
ج / 2 ص -116-
بعد
وهو خوف الفوت فيبقى تيممه ببقاء المعنى بخلاف
ما إذا تمكن من الطهارة بين الصلاتين. يوضحه
أن التيمم بعد ما صح لا ينتقض إلا بالقدرة على
استعمال الماء وهو لم يقدر على استعمال الماء
بالفراغ من الصلاة على الجنازة الأولى إذا كان
يخاف فوت الثانية بخلاف ما إذا تمكن من
الطهارة بينهما وإذا ثبت أنه غير متمكن من
استعمال الماء كان فرض استعمال الماء ساقطا
عنه فيكون وجود الماء وعدمه في حقه سواء.
وإن صلى على جنازة فكبر تكبيرة ثم جيء بأخرى
فوضعت إلى جنبها فإن كبر الثانية ينوي الصلاة
على الأولى أو عليهما أو لا نية له فهو في
الصلاة على الأولى على حاله يتمها ثم يستقبل
الصلاة على الجنازة الثانية لأنه نوى ما هو
موجود وعند عدم النية يكون فعله مما هو مستحق
عليه والمستحق عليه اتمام الصلاة على الأولى
وإن كبر ينوي الصلاة على الجنازة الثانية فهو
رافض للأولى شارع في الصلاة على الجنازة
الثانية لأن الصلاة على كل جنازة فرض على حدة
ومن كان في فريضة فكبر ينوي فريضة أخرى كان
رافضا للأولى شارعا في الثانية فهذا مثله.
ولو أن امرأة حائضا انقطع عنها الدم في مصر
فتيممت فصلت على جنازة فإن كانت أيامها عشرا
فذلك يجزئها لأنا تيقنا بخروجها من الحيض بمضي
أيامها وإنما بقي عليها الاغتسال فقط فهي
بمنزلة الجنب في ذلك وكذلك إن كانت أيامها دون
العشر وقد مضى عليها وقت صلاة كامل بعد ما
انقطع عنها الدم لأنها صارت طاهرة حكما حتى
وجبت الصلاة دينا في ذمتها ولهذا حل للزوج
غشيانها وحكم بخروجها من العدة فأما إذا كانت
أيامها دون العشر ولم يمض عليها وقت صلاة كامل
فإنه لا تجزئها الصلاة على الجنازة بالتيمم
لأنها لم تخرج من الحيض حقيقة ولا حكما ولهذا
لا يحل للزوج أن يقربها ولا ينقطع حق الرجعة
بنفس انقطاع الدم.
وإذا كانت حائضا حكما فليس للحائض أن تصلي على
الجنازة إلا أن تكون في سفر وهي عادمة للماء
فحينئذ لها أن تتيمم بعد انقطاع الدم وتصلي
على الجنازة لأن التيمم في حقها بمنزلة
الاغتسال في هذا المكان ولهذا يجوز لها أداء
المكتوبة بالتيمم فكذلك الصلاة على الجنازة ثم
هذا على أصل محمد رحمه الله تعالى ظاهر فإنه
يقول الرجعة تنقطع بنفس التيمم وعلى أصل أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الرجعة وإن
كانت لا تنقطع بنفس التيمم ولكن التيمم طهارة
بالنص في حكم الصلاة والصلاة على الجنازة دون
سائر الصلوات فمن ضرورة كونه طهارة في حق سائر
الصلوات أن يكون طهارة في الصلاة على الجنازة
أيضا.
فإن غسل ميت وبقي منه عضو لم يصبه الماء فكفن
فإنه يخرج من الكفن فيغسل ذلك الموضع ثم يكفن
لأن بقاء العضو الكامل في حكم الاغتسال كبقاء
جميع البدن حتى لا تنقطع
ج / 2 ص -117-
الرجعة. إذا اغتسلت المرأة وبقي منها عضو
فيكون هذا وما لو كفن قبل أن يغسل سواء وهناك
يخرج من الكفن ويغسل لأنه في أيديهم على حاله
بعد ما كفن فلا يسقط فرض غسله بخلاف ما بعد
الدفن فإنه خرج من أيديهم حين أهالوا التراب
عليه فيسقط فرض الغسل عنه وإن كان بقي موضع
أصبع أو نحو ذلك فإنه لا يخرج من الكفن لأجل
ذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
تعالى وفي قول محمد رحمه الله تعالى يخرج
فيغسل ذلك الموضع لأن بقاء اللمعة كبقاء جميع
البدن في حكم الصلاة في اغتسال الحي فكذلك في
غسل الميت وهذا لأن البدن في حكم الطهارة كشيء
واحد.
فكما لا يتجزأ حكم الغسل في البدن وجوبا فكذلك
لا يتجزأ سقوطا وما بقي شيء منه قل أو كثر
كانوا مخاطبين بغسله وقيام الخطاب بغسله عذر
لهم في الإخراج من الكفن فكان هذا وما لو
علموا به من قبل التكفين سواء وأبو حنيفة وأبو
يوسف رحمهما الله تعالى يقولان لا يتيقن بقيام
فرض الغسل عليهم لأن ذلك القدر مما يسرع إليه
الجفاف فلعله وصل إليه الماء ثم جف وقد
اعتبرنا هذا المعنى في حكم الرجعة فقلنا
بانقطاع الرجعة عند بقاء اللمعة لهذا فكذلك في
حكم الإخراج من الكفن لأن ذلك نوع بأس لا يجوز
الإقدام عليه إلا عند تحقق الضرورة. يوضحه أن
ذلك القليل يتأدى فرض الغسل فيه بدون استعمال
ماء جديد بأن تحول البلة من موضع آخر إليه على
ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ثم
رأى لمعة على بدنه فغسلها بحمة أي أخذ البلة
منها فغسل تلك اللمعة فإذا ثبت أنه لا يجب
عليهم استعمال ماء جديد في غسله كان هذا وما
لو فرغوا من غسله سواء فلا يجوز إخراجه من
الكفن بخلاف ما إذا بقي عضو أو أكثر منه.
ولو خرج شيء من الميت بعد ما غسل فإنه يغسل
ذلك عنه على سبيل إماطة الأذى ولا يعاد غسله
لأن الميت لا يحدث ولا يجنب. ولو أن صبيا حمل
في سفط على دابة فصلوا عليها وهو على الدابة
لم تجزهم صلاتهم لأنهم أمروا بالصلاة على
الجنازة وهم إنما صلوا على الدابة وهذا
استحسان وفي القياس يجوز وهو نظير القياس
والاستحسان فيما إذا كان المصلي على الدابة
فإن في القياس يجوز لأن الصلاة على الميت دعاء
ودعاء الراكب والنازل سواء وفي الاستحسان لا
يجوز لأن الركن في الصلاة على الجنازة
التكبيرات والقيام فكما لا تتأدى بدون
التكبيرات لا تتأدى بدون القيام من غير عذر
وإذا ثبت هذا فيما إذا كان المصلي على الدابة
فكذلك إذا كان الميت على الدابة والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب.
باب الصلاة بمكة
قال رضي الله عنه: رجل أهل بعمرة ثم صلى مع
الإمام بعرفة الظهر ثم أهل بحجة ثم صلى العصر
معه لم يجزه إلا أن يصلي الصلاتين معه جميعا
وهو مهل بالحج في قول
ج / 2 ص -118-
أبي
حنيفة رحمه الله تعالى وذكر في اختلاف زفر
ويعقوب رضي الله عنهما أن على قول زفر رضي
الله عنه يجزئه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى ففيه روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى وهكذا عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى فيه روايتان.
وجه الرواية التي قال يجوز: أن التغير إنما
حصل في العصر من حيث أنه معجل على وقته ولا
تغير في الظهر لأنه مؤدى في وقته فإنما يشترط
الإحرام بالحج فيما وقع فيه التغير ولأن
الإحرام بالحج شرط الجمع بين الصلاتين وإنما
يحصل الجمع بأداء العصر دون الظهر.
وجه الرواية الأخرى أن من شرط صحة العصر في
هذا اليوم تقديم الظهر عليه على وجه الصحة
بدليل أنه لو صلى الظهر ثم العصر وكان اليوم
يوم غيم ثم تبين أنه صلى الظهر قبل الزوال
والعصر بعد الزوال، لم يجزه العصر وكذلك لو
صلى الظهر ثم جدد الوضوء ثم صلى العصر ثم تبين
أنه صلى الظهر بغير وضوء لم يجزه العصر فثبت
أن من شرط صحة العصر تقديم الظهر عليه
والإحرام بالحج شرط لأداء العصر فيشترط لأداء
الظهر أيضا كالخطبة يوم الجمعة فإنه لما كان
من شرط صحة الجمعة تقدم الخطبة والسلطان شرط
لإقامة الجمعة كان شرطا لإقامة الخطبة أيضا.
يوضحه أن الجمع بين الصلاتين للحاجة إلى
امتداد الوقوف وإنما يحتاج إلى ذلك المحرم
بالحج فيشترط الإحرام بالحج لهذا الجمع ثم
الجمع إنما يحصل بهما جميعا فيشترط الإحرام
فيهما.
ولو أن أمير الموسم جمع بمكة وهو مسافر جاز
لأنه فوض إليه أمر المسلمين فلا يكون هو دون
القاضي وصاحب الشرط في إقامة الجمعة بمكة ولو
صلى بهم بمنى لم يجزهم لأنه مسافر أمر بإقامة
المناسك وما أمر بإقامة الجمعة وحقيقة الفرق
أن مكة مصر وأهلها يحتاجون إلى إقامة الجمعة
فمن كان ذا سلطان فهو يملك إقامة الجمعة
مسافرا كان أو مقيما وأما أهل منى فلا يحتاجون
إلى إقامة الجمعة لأنه ليس عليهم ذلك فلا يكون
لأمير الموسم أن يقيم الجمعة بمنى فإن كان
أمير مكة أو أمير الحجاز أو الخليفة حج بنفسه
ففي إقامة الجمعة له بمنى خلاف قد بيناه في
كتاب الصلاة. فإن صلى الظهر والعصر بعرفات ولم
يخطب أجزأه لأن هذه خطبة وعظ وتذكير وتعليم
لبعض ما يحتاج إليه في ذلك الوقت فتركه لا
يمنع جواز الصلاة كالخطبة في صلاة العيد بخلاف
الخطبة في الجمعة فإنه بمنزلة شطر الصلاة على
ما قال ابن عمر رضي الله عنه وإنما قصرت
الجمعة لمكان الخطبة.
ثم ينبغي للإمام أن يخطب في الحج ثلاث خطب
خطبة قبل يوم التروية بيوم يخطبها بمكة بعد
الظهر وخطبة بعرفات بعد زوال الشمس يوم عرفة
قبل صلاة الظهر وخطبة في اليوم الثاني من أيام
النحر وهو يوم القر، كما روي في حديث عبد الله
بن قرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أفضل
الأيام عند الله تعالى يوم النحر ثم يوم القر"،
يريد اليوم الثاني من أيام النحر،
ج / 2 ص -119-
سمي
بهذا الاسم لأن الحاج يقرون فيه بمنى وهذه
الخطبة بعد الظهر وقال زفر رحمه الله تعالى
يخطب ثلاث خطب خطبة يوم التروية وخطبة يوم
عرفة وخطبة يوم النحر.
وما قلناه أحسن، لأن في يوم التروية هم يخرجون
من مكة إلى منى فلا يتفرغون لسماع الخطبة
فينبغي أن يخطب قبل التروية بيوم يعلمهم في
هذه الخطبة الخروج من مكة إلى منى ثم من منى
إلى عرفات ثم يخطب يوم عرفة يعلمهم في هذه
الخطبة كيفية الوقوف بعرفات والإفاضة إلى
المزدلفة والوقوف بالمزدلفة والرمي والذبح
والحلق والرجوع إلى مكة لطواف الزيارة والسعي
ثم العود إلى منى ثم يخطب في اليوم الثاني من
أيام النحر يعلمهم في هذه الخطبة بقية أعمال
الحج فيكون للتعليم يوم وللعمل يوم فكان هذا
أحسن مما ذهب إليه زفر رحمه الله تعالى والله
أعلم بالصواب.
باب السجدة
قال رضي الله تعالى عنه: رجل قرأ آية السجدة
في مكان ثم قام فدخل مع الإمام في صلاته في
موضعه فقرأها الإمام فسجدها وسجد هذا الرجل
معه فعليه أن يسجد الأولى إذا فرغ من صلاته
وفي كتاب الصلاة والجامع يقول ليس عليه أن
يسجد الأولى إذا فرغ من صلاته ووجه تلك
الرواية أن المتلو آية واحدة والمكان مكان
واحد والمؤداة أكمل فإن لها حرمتين حرمة
الصلاة وحرمة التلاوة ولو كانت المؤداة مثل
الأولى نابت عنها فإذا كانت أكمل من الأولى
فلأن تنوب عنها أولى ووجه هذه الرواية أنهما
مختلفتان في الحكم فإن إحداهما صلاتية والأخرى
ليست بصلاتية فلا تدخل إحداهما في الأخرى كما
لو كان المتلو آيتين.
وقيل: إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فإن
وضع المسألة ها هنا فيما إذا أعادها الإمام
فيكون هذا الرجل فيما يلزمه بحكم تلاوة الإمام
تبعا والأولى وجبت عليه بتلاوته مقصودا فلا
تتأدى بالتبع وهناك وضع المسألة فيما إذا قام
فدخل في الصلاة بنفسه ثم قرأها فيكون كل واحد
منهما مقصودا في حقه والمؤداة أكمل فإن سها
الإمام فلم يسجدها فعلى الرجل السجدة الأولى
وليس عليه الثانية لأن الثانية صلاتية عليه
فلا يمكنه أن يؤديها بعد الفراغ من الصلاة ولا
في الصلاة لأنه تبع للإمام وأما الأولى ففي
هذه الرواية لم تدخل في الثانية فعليه أن
يؤديها بعد الفراغ من الصلاة. وفي رواية
الجامع: ليس عليه أن يؤديها لأنها دخلت في
الصلاتية فتسقط بسقوط الصلاتية عنه.
ولو أن رجلين افتتحا التطوع كل واحد منهما على
حياله فقرأ كل واحد منهما سورة لم يقرأها
صاحبه وفيها سجدة فسجد كل واحد منهما التي
قرأها فعلى كل واحد منهما أن يسجد لما سمع من
صاحبه إذا فرغ لأن تلك السجدة سماعية في حقه
لا صلاتية بمنزلة ما لو سمعها من رجل ليس في
الصلاة وإن كانا قرأ سورة واحدة فسجد كل واحد
منهما لما
ج / 2 ص -120-
كان
قرآ فليس على كل واحد منهما أن يسجد إذا فرغ
لما سمع من صاحبه لأن المتلو آية واحدة،
والمكان مكان واحد والمؤداة أكمل لاجتماع
الحرمتين لها وإن سها كل واحد منهما أن يسجدها
في الصلاة فلا سجود على واحد منهما بعد الخروج
من الصلاة لأن السماعية قد دخلت في الصلاتية
بسبب اتحاد السبب وقد سقطت الصلاتية بالخروج
منها فتسقط السماعية أيضا. فإن قرأ آية السجدة
في الصلاة فسجدها ثم فرغ من صلاته فقرأها في
مقامه ذلك فلا سجود عليه.
وفي كتاب الصلاة يقول: إذا سلم وتكلم ثم
أعادها فعليه سجدة أخرى قيل إنما اختلف الجواب
لاختلاف الموضوع فهناك وضع المسألة فيما إذا
سلم ولم يتكلم وبمجرد السلام لا ينقطع فور
الصلاة ألا ترى أنه يأتي بسجود السهو بعد
السلام ولو أنه تذكر شيئا من أركان الصلاة بعد
السلام كان يأتي به ولا يأتي به بعد الكلام
وقيل بل ما ذكر هنا قول أبي يوسف الآخر وما
ذكر في كتاب الصلاة قوله الأول وهو قول محمد
رحمه الله تعالى وهو نظير الاختلاف فيما إذا
قرأها في ركعة وسجد ثم أعادها في ركعة أخرى
وقد بينا وجه الروايتين في كتاب الصلاة.
ولو أن امرأة انقطع عنها الدم فلم تغتسل حتى
سمعت السجدة فليس عليها قضاء تلك السجدة إذا
اغتسلت وهذا إذا كانت أيامها دون العشر فأما
إذا كانت أيامها عشرا فقد تيقنا بخروجها من
الحيض وإنما بقي عليها الاغتسال فقط فهي
كالجنب والجنب إذا سمع آية السجدة كان عليه أن
يسجدها بعد الاغتسال. وكذلك إن كانت أيامها
دون العشر وذهب وقت صلاة منذ انقطع الدم عنها
فقد حكمنا بطهارتها حين أوجبنا الصلاة عليها
فيلزمها السجدة بالسماع أيضا فأما إذا لم يذهب
وقت صلاة بعد ما انقطع الدم وهي في مصر فسمعت
آية التلاوة فلا سجود عليها لأنها حائض بعد
فإن مدة الاغتسال في حقها من جملة الحيض ألا
ترى أنه لا ينقطع حق الزوج في الرجعة ما لم
تغتسل والحائض لا يلزمها السجدة كما لا تلزمها
الصلاة.
وقد قال بعض مشايخنا: إذا تمكنت من الاغتسال
فلم تغتسل ثم سمعت آية السجدة يلزمها السجدة
لأن السماع سبب موجب للسجدة كما أن جزأ من
الوقت سبب موجب للصلاة ثم لو أدركت جزأ من
الوقت بعد التمكن من الاغتسال تلزمها الصلاة
فكذلك إذا سمعت بعد التمكن من الاغتسال. ولو
كانت في سفر فإن تيممت ثم سمعت فعليها السجدة
لأن التيمم في حقها بمنزلة الاغتسال في حكم
الصلاة فكذلك في حكم السجدة وإن لم تتيمم حتى
سمعت فلا قضاء عليها لأنها لم تخرج من الحيض
ما لم تتيمم أو يذهب وقت الصلاة.
ولو قرأ سجدة ثم ارتد ثم أسلم فلا سجود عليه
لأن الردة تحبط عمله وتجعله ككافر
ج / 2 ص -121-
أصلي
أسلم الآن في حكم سائر العبادات فكذلك في حكم
سجدة التلاوة. ولو قرأها الإمام في صلاة لا
يجهر فيها ولم يسمعها القوم فعليهم أن يسجدوا
لأنها وجبت على الإمام بالتلاوة وهي صلاتية
والمقتدي تبع للإمام في أعمال الصلاة فيجب
عليه ما هو واجب على الإمام وهذا بخلاف ما إذا
قرأها على المنبر يوم الجمعة فإن هناك لا تجب
السجدة على من لم يسمعها لأن الخطبة تؤدى في
غير تحريمة مشتركة فلا يكون بين القوم والإمام
فيها متابعة وإنما السبب الموجب للسجدة هناك
التلاوة والسماع فلا تجب إلا على من تقرر
السبب في حقه.
ولو قرأها رجل بالفارسية وسمعها قوم لا يفقهون
الفارسية وهم في غير الصلاة فعليه وعليهم أن
يسجدوها وهذا قياس قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى وذكر في الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله
تعالى قال إنما تجب السجدة ها هنا على من يعلم
أنه يقرأ آية السجدة ولا تجب على من لا يفهم
ذلك وهو قول محمد رحمه الله تعالى أيضا وهذا
لأن من أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن
القراءة بالفارسية كالقراءة بالعربية حتى قال
يتأدى بها فرض القراءة في الصلاة ولو قرأها
بالعربية وجبت السجدة على من سمعها لتقرر
السبب ويلزمه أداؤها إذا علم بذلك فكذلك إذا
قرأ بالفارسية فأما عندهما فالفارسية ليست
بقرآن على الإطلاق ولهذا لا يتأدى فرض القراءة
بها في حق من يعرف العربية ويتأدى في حق من لا
يعرف العربية فكذلك يجب بهذا السماع السجدة
على من يعرف أنه يقرأ القرآن ولا يجب على من
لا يعرف ذلك.
ولو أن سكرانا قرأ سجدة أو سمعها فعليه أن
يسجدها لأن السكران مخاطب تلزمه الصلاة بإدراك
الوقت فكذلك تلزمه السجدة بخلاف المجنون إذا
قرأها أو سمعها في حال جنونه لأنه غير مخاطب
قالوا وهذا إذا طال جنونه فأما إذا قصر فكان
يوما وليلة أو أقل ينبغي أن تلزمه السجدة
استحسانا كما يلزمه قضاء الصلوات على رواية
هذا الكتاب كما بينا ولو قرأها عند ارتفاع
الضحى فقضاها نصف النهار لم تجزه، لأنها وجبت
عليه بصفة الكمال والمؤداة عند الزوال ناقصة
وإن قرأها نصف النهار فسجدها أجزأه لأنه أداها
كما وجبت عليه وإن لم يسجدها حتى تغيرت الشمس
عند الغروب ثم أداها فإنه يجزئه وهذا قول أبي
يوسف رحمه الله تعالى وهو قياس قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى فأما على قول زفر
رحمه الله تعالى فلا تجزيه.
وأصل الخلاف فيما بينا إذا شرع في الصلاة عند
الزوال ثم أفسدها وقضاها عند الغروب أجزأه
عندنا ولم يجزئه عند زفر رحمه الله تعالى.
وكذلك إذا قرأ آية السجدة على الدابة ثم نزل
ثم ركب فأداها جاز عندنا بمنزلة ما لو أداها
قبل النزول وعند زفر لا يجزئه لأنه لما نزل
فقد لزمه أداؤها على الأرض فلا تتأدى بالإيماء
بعد ذلك كما لو قرأها وهو نازل فكذلك في هذه
المسألة والله أعلم بالصواب.
ج / 2 ص -122-
باب المسح على الخفين
قال: رضي الله عنه ولو
أن مستحاضة توضأت ولبست الخفين في وقت العصر
فلما صلت ركعة من العصر غربت الشمس فهذه
المسألة على ثلاثة أوجه:
في وجه عليها أن تتوضأ وتغسل قدميها وتستقبل
الصلاة، وفي وجه عليها أن تتوضأ وتمسح على
خفيها وتستقبل الصلاة، وفي وجه عليها أن تتوضأ
وتمسح على خفيها وتبنى على صلاتها.
أما بيان الوجه الأول فيما إذا توضأت والدم
سائل ولبست الخف فإن هذا اللبس حصل على طهارة
معتبرة في الوقت غير معتبرة بعد خروج الوقت
وتنتقض طهارتها عند خروج الوقت بالحدث المقارن
للوضوء وكان ذلك سابقا على الشروع في الصلاة
والأصل أن طهارة المصلي متى انتقضت في خلال
الصلاة بسبب سابق على الشروع في الصلاة يلزمه
استقبال الصلاة كالمتيمم إذا أبصر الماء فلهذا
يلزمها أن تتوضأ وتغسل قدميها وتستقبل الصلاة.
وبيان الوجه الثاني فيما إذا توضأت والدم
منقطع ولبست الخف ثم سال الدم قبل غروب الشمس
فهنا اللبس حصل على طهارة كاملة فيكون لها أن
تمسح في الوقت وبعد خروج الوقت إلى تمام المدة
ولكن انتقضت طهارتها عند خروج الوقت بسيلان
كان في الوقت فقد أدت جزءا من الصلاة بعد سبق
الحدث وذلك يمنعها من البناء على الصلاة.
وبيان الوجه الثالث فيما إذا توضأت والدم
منقطع ولبست الخف ثم لم يسل الدم حتى غربت
الشمس ثم سال الدم فها هنا طهارتها إنما تنتقض
بالحدث لا بخروج الوقت ولم يوجد منها أداء جزء
من الصلاة بعد سبق الحدث فيكون لها أن تتوضأ
وتبني على صلاتها ويكون لها أن تمسح على
الخفين لأنها لبست على طهارة كاملة. ولو لم
يسل الدم حتى فرغت من صلاتها ثم سال الدم
فصلاتها تامة لأنها أدت الصلاة بطهارة كاملة
فإن دخل الوقت والدم منقطع ثم توضأت ثم سال
الدم فعليها الوضوء وإنما أراد بهذا أن الدم
كان منقطعا حين توضأت ولم يسل بعد ذلك حتى دخل
وقت آخر فإن طهارتها لم تنتقض بخروج الوقت
وإنما تنتقض بسيلان الدم فلا ينفعها الوضوء
المتقدم لهذا السيلان فأما إذا كان الدم سائلا
حين توضأت ثم انقطع ثم دخل وقت آخر فتوضأت ثم
سال الدم فليس عليها وضوء آخر لأنه قد انتقضت
طهارتها بخروج الوقت فإنها توضأت والوضوء واجب
عليها، فلا يلزمها وضوء آخر بسيلان الدم ما
بقي الوقت.
ولو توضأ بالنبيذ في سفر وهو لا يقدر على ماء
ولبس خفيه ثم أصاب ماء كثيرا فعليه أن ينزع
خفيه ويغسل قدميه لأن الطهارة بالنبيذ بدل عن
الطهارة بالماء عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
فلا يكون معتبرا مع القدرة على الأصل فإنما
لبس الخف بطهارة غير معتبرة بعد وجود الماء
وكذلك لو توضأ بسؤر الحمار ثم تيمم ولبس الخف
ثم وجد ماء طهورا فعليه أن ينزع
ج / 2 ص -123-
خفيه
ويغسل قدميه لأن التوضؤ بسؤر الحمار لا يكون
طهارة بعد وجود الماء المطلق.
ولو أن رجلا انكسرت يده وهو على غير وضوء فربط
الجبائر عليها ثم توضأ فله أن يمسح على
الجبائر بخلاف ما إذا لبس الخف وهو على غير
وضوء لأن المسح على الجبائر كالغسل لما تحته
ما دامت العلة قائمة ألا ترى أنه لا يتوقت
بوقت وأنه يجمع بين المسح على الجبائر والغسل
في عضو واحد ولا يجوز الجمع بين البدل والأصل
فعرفنا أنه بمنزلة الغسل لما تحته فلا يضره
الحدث عند ربط الجبائر وأما المسح على الخف
فلم يجعل كغسل الرجل ولكن استتار القدم بالخف
يمنع سراية الحدث إلى القدم ولا يرفع الحدث
عنها وشرط جواز المسح اللبس على طهارة كاملة
كما قال عليه الصلاة والسلام: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان".
ولو ربط الجبائر وهو على غير وضوء ولبس خفيه
ثم أحدث فتوضأ مسح على خفيه لأن اللبس حصل على
طهارة فإن المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها
ما دامت العلة قائمة فلهذا كان له أن يمسح على
الخف والجبائر فإن بريء ما تحت الجبائر وهو
على طهارته فإنه يغسل موضعها ويصلي لأن المسح
على الجبائر كان معتبرا قبل البرء فإذا برئت
فقد انتهى حكم ذلك المسح فعليه غسل ذلك الموضع
والبرء ليس بحدث فلا ينتقض به وضوؤه فإن غسل
ذلك الموضع قبل أن يحدث ثم أحدث فله أن يتوضأ
ويمسح على خفيه لأنه لما غسل ذلك الموضع فقد
تمت طهارته وإنما اعترض أول الحدث بعد لبس
الخف على طهارة كاملة فيكون له أن يمسح على
الخف ولو أحدث قبل أن يغسل ذلك الموضع كان
عليه أن يتوضأ ويغسل قدميه لأن أول الحدث بعد
لبس الخف ما طرأ على طهارة كاملة فإن المسح
على الجبائر لا معتبر به بعد البرء فلهذا لزمه
غسل القدمين.
ولو أن جنبا معه من الماء ما يتوضأ به فإنه
يتيمم وقد بينا هذا في الصلاة فإن تيمم ثم
أحدث ثم توضأ ولبس خفيه ثم أحدث ومعه من الماء
ما يتوضأ به فإنه يتوضأ ويمسح على خفيه لأنه
بالتيمم قد خرج من حكم الجنابة ما لم يجد ماء
يكفيه للاغتسال فإنما لبس الخف بعد الوضوء على
طهارة تامة ما لم يجد ماء يكفيه للاغتسال ولو
لم يتيمم ولكنه توضأ ولبس خفيه ثم تيمم ثم
أحدث ومعه من الماء مقدار ما يتوضأ به فإنه
يلزمه غسل القدمين لأنه لبس الخف لا على طهارة
فإن الوضوء في حق الجنب لا يكون طهارة فإن
تيمم ثم أحدث ثم توضأ ولبس خفيه ثم مر بماء
يكفيه للاغتسال فلما جاوزه أحدث فعليه أن
يتيمم لأن حكم تيمم الأول قد انتهى بما أصاب
من الماء فإن تيمم ثم أحدث ومعه من الماء ما
يتوضأ به فإنه يتوضأ ويغسل قدميه لأنه حين مر
بماء يكفيه للاغتسال فقد عاد جنبا كما كان
ووجب عليه نزع الخفين فلا يكون له أن يمسح
عليهما بعد ذلك.
ولو أن جنبا اغتسل وبقي بعض جسده لم يصبه
الماء فلبس خفيه ثم أحدث، ثم أصاب
ج / 2 ص -124-
ماء
فعليه أن يغسل ما بقي من جسده ويتوضأ ويغسل
قدميه لأنه لبس الخف على غير طهارة فلا يكون
له أن يمسح ولو أن هذا الجنب الذي بقي من جسده
لمعة لم يصبها الماء تيمم وصلى ثم أحدث ثم
أصاب ماء فهذه المسألة على خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون الماء الموجود
يكفيه لما بقي من جسده وللوضوء فعليه أن يغسل
ما بقي من جسده ليخرج من الجنابة ثم هو محدث
معه من الماء ما يتوضأ به فعليه أن يتوضأ.
والثاني: أن يكون الماء بحيث
لا يكفيه لواحد من الأمرين فعليه أن يتيمم
ولكن يستعمل الماء الموجود فيما بقي من جسده
لتقليل الجنابة.
والثالث: أن يكون الماء
الموجود بحيث يكفيه للمعة ولا يكفيه للوضوء
فعليه أن يغسل به اللمعة حتى يخرج من الجنابة
ثم هو محدث لا ماء معه فيتيمم للحدث.
والرابع: أن يكون الماء الذي
معه يكفيه للوضوء ولا يكفيه لما بقي من جسده
فعليه أن يتوضأ به لأن تيممه للجنابة باق حين
لم يجد ماء يكفيه لإزالتها فهو محدث معه من
الماء ما يتوضأ به.
والخامس: أن يكون الماء بحيث
يكفي كل واحد منهما على الانفراد ولا يكفيه
لهما فعليه أن يصرف الماء إلى غسل ما بقي من
جسده لأن حكم الجنابة أغلظ ألا ترى أن الجنب
يمنع من قراءة القرآن والمحدث لا يمنع من ذلك
فعليه إزالة أغلظ الحدثين بالماء ثم يتيمم بعد
ذلك للحدث فإن تيمم أولا ثم غسل اللمعة بالماء
أجزأه في رواية هذا الكتاب، وفي الزيادات
يقول: لا يجزئه. وقيل ما ذكر في الزيادات قول
محمد رحمه الله تعالى. وما ذكر ها هنا قول أبي
يوسف رحمه الله تعالى.
وجه قول محمد: أنه تيمم ومعه من الماء ما
يكفيه لوضوئه فلا يعتبر تيممه وقاس هذا برجلين
في السفر وجدا ماء يتوضأ به أحدهما فإنه يجب
على أحدهما أن يتوضأ به ثم يتيمم الآخر بعد
ذلك فإن بدأ أحدهما فتيمم ثم توضأ الآخر
بالماء لم يجز تيمم المتيمم.
وجه هذه الرواية: أن الماء الذي معه مستحق
لإزالة الجنابة فيجعل كالمعدوم في حق المحدث
حتى يصح تيممه كما لو كان مستحقا لعطشه ثم شبه
هذا في الكتاب بمن كان معه سؤر الحمار وهو
محدث فإنه ينبغي له أن يتوضأ به ثم يتيمم فإن
تيمم أولا ثم توضأ به أجزأه لأن الواجب عليه
الجمع بينهما فبأيهما بدأ أجزأه فكذلك هنا
الواجب عليه التيمم واستعمال الماء في اللمعة
فبأيهما بدأ يجزئه.
ولو توضأ للفجر ولبس خفيه وصلى ثم أحدث في وقت
الظهر وتوضأ وصلى ثم في وقت العصر كذلك ثم ذكر
أنه لم يمسح برأسه في الفجر فعليه أن ينزع
خفيه ويغسل قدميه ويعيد الصلوات كلها لأنه
تبين أن اللبس لم يكن على طهارة تامة وأن
وضوءه في وقت الظهر والعصر لم يكن طهارة
بالمسح على الخفين فيلزمه إعادة الصلوات كلها
بعد إكمال
ج / 2 ص -125-
الطهارة. وإن تبين أنه ترك مسح الرأس في الظهر
فعليه إعادة الظهر خاصة لأن لبسه كان على
طهارة كاملة فتكون طهارته في وقت العصر بالمسح
بالخف تامة ولا يجب عليه مراعاة الترتيب عند
النسيان والاشتباه فلهذا لا يلزمه إلا قضاء
الظهر.
ولو سقطت الجبائر بعد ما مسح عليها في خلال
الصلاة عن غير برء فإنه يمضي على صلاته لأن
المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها ما دامت
العلة قائمة لعجزه عن الغسل لما تحتها. ولو
نسي أن يمسح على الجبائر حتى دخل في الصلاة ثم
سقطت عنه الجبائر فإنه يستقبل الصلاة بعد ما
يعيد الجبائر ويمسح عليها وهذا على الرواية
الظاهرة التي تقول أنه لا يجزئه ترك المسح على
الجبائر إذا كان يقدر عليها وقد بيناها في
الصلاة.
ولو توضأ بسؤر حمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا
فلم يتوضأ حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار
فعليه إعادة التيمم وليس عليه إعادة الوضوء
بسؤر الحمار لأن ذلك طهارة بالماء فلا تنتقض
بوجود الماء لمعنى وهو أن سؤر الحمار إن كان
طاهرا فقد توضأ به وإن كان نجسا فليس عليه
الوضوء به في المرة الأولى ولا في المرة
الثانية فلهذا يكفيه إعادة التيمم.
ومن صلى على بساط مبطن أو مصلى مبطن وفي
البطانة قذر أكثر من قدر الدرهم وهو قائم على
ذلك الموضع فإنه يجزئه وهو قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى. وروى الحسن بن أبي
مالك عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه لا
يجزئه قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع
فموضوع المسألة في الكتاب فيما إذا لم يكن
مضربا ولا كانت الظهارة متصلة بالبطانة بالعرى
أو غيرها فيكون هذا في حكم ثوبين يبسط أحدهما
فوق الآخر والأسفل منهما نجس فرش وذلك لا يمنع
جواز الصلاة وموضوع تلك الرواية فيما إذا كان
مضربا أو متصلا بالعرى فحينئذ يكون في حكم ثوب
واحد وفي الثوب الواحد إذا كانت النجاسة في
الوجه الأسفل منه فوقف على ذلك الموضع فإنه لا
تجزئه صلاته فهذا كذلك ومنهم من حقق الخلاف في
المسألة.
وجه قول أبي يوسف، رحمه الله تعالى أن هذا
المصلى وإن كان مبطنا فإنه يعد في الناس ثوبا
واحدا ويستعمل كذلك فيكون هو بالوقوف عليه
واقفا على النجاسة وشرط جواز الصلاة طهارة
مكان الصلاة وهذا بخلاف ما إذا كان فراشه نجسا
وعليه مجلس طاهر فصلى عليه لأن المجلس هناك
منفصل عن الفراش وهما ثوبان مختلفان وقيامه
يكون مضافا إلى الأعلى دون الأسفل.
ووجه ظاهر الرواية أن المصلى المبطن في
الحقيقة ثوبان وإن خيط جوانبه لتيسر الاستعمال
وإنما يضاف قيامه وجلوسه في العادة إلى الأعلى
دون الأسفل. ألا ترى أن الأعلى إذا كان ديباجا
يقال فلان جالس على الديباج فإذا كان الأعلى
طاهرا قلنا: تجوز صلاته كما في مسألة الفراش
والمجلس ومن هذا وقع عند العوام نزع المكعب
والقيام عليه في الصلاة
ج / 2 ص -126-
على
الجنازة وغيرها فإن النجاسة إنما تكون على
الصرم لا على المكعب فلا يكون ذلك مانعا من
جواز الصلاة على ظاهر الرواية. وقد قال بعض
مشايخنا: أن ذلك يمنع لأن الصرم متصل بالمكعب
بعرى فيكون في حكم شيء واحد.
ولو أن جبة مبطنة فيها دم قدر الدرهم وقد نفذ
من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر فصلى فيه لم
تجز صلاته لأن الظهارة مع البطانة ثوبان وفي
كل واحد منهما نجاسة بقدر الدرهم فإذا جمعت
بينهما كان أكثر من قدر الدرهم وهذا بخلاف
الثوب الذي هو طاق واحد إذا أصابته نجاسة قدر
الدرهم ونفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر
فإنه تجوز الصلاة فيه لأن ذلك الثوب شيء واحد
فباعتبار الوجهين لا تزداد النجاسة في ثوبه
على قدر الدرهم وها هنا الظهارة غير البطانة
فهما ثوبان مختلفان.
ولو أن رجلا به جرحان لا يرقآن فتوضأ وهما
سائلان ثم رقأ أحدهما فله أن يصلي في الوقت
لأن عذره قائم ولو لم يكن السائل حين توضأ إلا
أحدهما كأن يتقدر وضوؤه بالوقت فكذلك إذا رقأ
أحدهما وبقي الآخر سائلا. فإن سكن هذا وانفجر
الذي كان سكن وهو في خلال الصلاة فإنه يمضي
على صلاته قال لأن هذا بمنزلة جرح واحد يعني
في حكم الطهارة لأن طهارته وقعت لهما جميعا.
ثم حقيقة المعنى فيه أن الذي انفجر كان ساكنا
حين توضأ فيجعل بمنزلة ما لو لم يسكن أصلا
فتبقى طهارته ما بقي الوقت. ولو توضأ وصلى ثم
رقأ بعد الفراغ من الصلاة لم تفسد صلاته لأنه
أتم الصلاة بطهارة ذوي الأعذار والعذر قائم
فزوال العذر بعد الفراغ لا يفسد صلاته بخلاف
ما إذا زال العذر في خلال الصلاة وهو نظير
المتيمم يجد الماء في خلال الصلاة أو بعد
الفراغ منها.
وعلى هذا حكم المستحاضة والمبطون الذي لا
ينقطع استطلاق بطنه ومن به سلس البول أو سقوط
الدود أو انفلات الريح فإن طهارة هؤلاء تتقدر
بالوقت لأجل العذر فإن كان مع المستحاضة ثوبان
أحدهما طاهر والآخر غير طاهر فلها أن تصلي في
أيهما شاءت إذا كان الطاهر يفسد إذا لبسته أما
إذا صلت في الطاهر منهما فلا يشكل لأن ما لا
يمكن الاحتراز عنه عفو وإليه أشار رسول الله
صلى الله عليه وسلم في قوله لفاطمة بنت قيس:
"صلي وإن قطر الدم على الحصير قطرا". وكذلك إن
صلت في الثوب الآخر لأنه لا فائدة في لبس
الطاهر منهما لأنه يتنجس بما يصيبه من الدم
وتجعل صلاتها في الثوب النجس جائزة فالصلاة في
الثوب النجس جائزة عند العجز عن أدائها في
الثوب الطاهر ولا يجوز أن نلزمها بتنجيس الثوب
الطاهر فلهذا جوزنا صلاتها في أي الثوبين
لبسته والله أعلم بالصواب.
باب المستحاضة
قال رضي الله عنه: ولو أن امرأة كانت تحيض في
غرة كل شهر خمسا فتقدم حيضها في شهر خمسة أيام
ثم انقطع عنها الدم ولم تر في خمستها شيئا
فهذا المتقدم لا يكون
ج / 2 ص -127-
حيضا
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى نص عليه في
هذا الموضع وفي كتاب الصلاة أطلق الجواب فقال
المتقدم يكون حيضا وهو قول أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى والمسألة في الحاصل على
ثلاثة أوجه في وجه يكون المتقدم حيضا بالإتفاق
وفي وجه آخر اختلفوا فيه وفي وجه اختلفت
الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
أما الوجه الأول: وهو ما إذا
رأت قبل أيامها ما لا يكون حيضا بانفراده كيوم
أو يومين ورأت في أيامها ما يكون حيضا
بانفراده بأن رأت خمستها أو ثلاثة في خمستها
فالكل حيض لأن المتقدم لا يستقل بنفسه فيجعل
تبعا لأيامها، فإن إتباع ما لا يستقل بنفسه
لما يستقل بنفسه أصل.
والوجه الثاني: الذي اختلفوا
فيه ثلاثة فصول أحدها ما إذا رأت خمسة قبل
خمستها ولم تر في خمستها شيئا أو رأت في
خمستها مع ذلك يوما أو يومين أو رأت قبل
خمستها يوما أو يومين وفي خمستها يوما أو
يومين فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا
يكون شيء من ذلك حيضا وعندهما كل ذلك حيض.
والوجه الثالث: ما إذا رأت
قبل خمستها ما يكون حيضا بانفراده ورأت في
خمستها ما يكون حيضا بانفراده فعن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى فيه روايتان:
في رواية هذا الكتاب حيضها ما رأت في أيامها
وهي مستحاضة فيما رأت قبل أيامها.
وفي الرواية الأخرى عنه: الكل حيض وهو قول أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إلا أن على قول
أبي يوسف رحمه الله تعالى تنتقل عادتها بهذه
المرة لأنه يرى انتقال العادة برؤية المخالف
مرة وعلى قول محمد يكون حيضا ولكن يكون حكم
انتقال العادة به يتوقف على ما تراه في الشهر
الثاني فإن رأت في أيام عادتها المعروفة
فعادتها الأولى تكون باقية وإن رأت كما رأت في
هذه المرة فحينئذ تنتقل عادتها برؤية المخالف
مرتين وهذا إذا لم يجاوز الكل عشرة فإن جاوز
فحينئذ يكون حيضها أيامها المعروفة بالاتفاق
وهي مستحاضة فيما سوى ذلك وفي المتأخر اتفاق
أنه يكون حيضا تبعا لأيامها إذا لم يجاوز
العشرة فإن جاوز فحيضها أيامها المعروفة وهي
مستحاضة فيما زاد على ذلك.
فإن لم تر في أيامها ورأت بعد أيامها، فإن ذلك
لا يكون حيضا في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى وفي قول محمد رحمه الله تعالى يكون حيضا
بطريق الإبدال إن أمكن ذلك والإمكان بأن يبقى
بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني خمسة عشر
يوما أو أكثر حتى قال لو رأت بعد أيامها بعشرة
أيام فهي مستحاضة في القولين جميعا لأنا لو
أبدلنا لها خمسة من أول ما رأت لا يبقى إلى
موضع حيضها الثاني إلا عشرة أيام وذلك دون مدة
الطهر وقد بينا وجوه هذه الفصول بمعانيها في
كتاب الحيض.
فإن رأت الدم يوما من أيام أقرائها ثم انقطع
ثم رأته يوم العاشر من أيام أقرائها فهذا
ج / 2 ص -128-
حيض في
قول أبي يوسف رحمه الله تعالى بناء على مذهبه
أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من
خمسة عشر يوما يجعل كله كالدم المتوالي وإن
رأته في اليوم الحادي عشر فهي مستحاضة فيما
تقدم من حيضها وما تأخر وهي حائض في أيام
أقرائها في القولين جميعا لأن الكل جاوز
العشرة فلا يمكن أن يجعل جميع ذلك حيضا وإنما
يكون أيام أقرائها حيضا إذا رأت الدم فيها
فأما إذا لم تر إلا اليوم الأول من أيام
أقرائها، فعلى قول محمد رحمه الله تعالى: لا
تكون أيام اقرائها حيضا أيضا لأنه لا يرى ختم
الحيض بالطهر وقد بينا هذا في كتاب الحيض.
والنفساء إذا ولدت فرأت الدم خمسة عشر يوما ثم
انقطع خمسة عشرة يوما ثم رأته في تمام أربعين
يوما فهذا كله نفاس عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى لأن الأربعين للنفاس بمنزلة العشرة
للحيض فكما أن من أصله أن الطهر المتخلل بين
الدمين في مدة العشرة لا يصير فاصلا فكذلك
الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الأربعين لا
يكون فاصلا في النفاس وعندهما نفاسها خمسة عشر
يوما لأن الطهر خمسة عشر كما يصلح للفصل بين
الحيضين يصلح للفصل بين الحيض والنفاس. وإن
رأت الدم أكثر من أربعين يوما فهي مستحاضة في
الزيادة على الأربعين إذا كانت مبتدأة في
النفاس وإن كانت صاحبة عادة فهي مستحاضة في
الزيادة على أيام عادتها المعروفة لأن
الأربعين أكثر مدة النفاس كما أن العشرة أكثر
مدة الحيض وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"المستحاضة تدع الصلاة في أيام أقرائها".
ولو أن امرأة ولدت في غرة شهر رمضان فصامت
رمضان كله ثم جاءت بولد بعد رمضان بخمسة أشهر
ونصف فإنها تقضي صوم خمسة عشر يوما وصلاة خمسة
عشر يوما إذا كانت اغتسلت في غرة شوال لأن
أدنى مدة الحمل ستة أشهر فقد تيقنا أنها حبلت
في النصف من رمضان والحامل كما لا تحيض لا
تكون نفساء فإن النفاس أخو الحيض فإذا تيقنا
بخروجها من النفاس في النصف من شهر رمضان جاز
صومها في النصف الآخر فعليها قضاء النصف الأول
وهو خمسة عشر يوما وهي لم تصل في النصف الأخير
من رمضان بعد ما حكمنا بطهرها فعليها قضاء
خمسة عشر يوما فإن كانت اغتسلت يوم الفطر
وصامت شوال وصلت ثم جاءت بولد لخمسة أشهر ونصف
بعد ذلك فإنما تقضي يوما واحدا وهو يوم الفطر
لأنه لا يجوز صومها فيه من القضاء وعليها قضاء
صلاة خمسة عشر يوما لأنا حكمنا بطهرها حين
حملت وقد أخرت الإغتسال بعد ذلك خمسة عشر يوما
فعليها قضاء تلك الصلوات.
والعجوز الكبيرة إذا رأت الدم كانت حائضا في
ظاهر الرواية، وكان محمد بن مقاتل رحمه الله
تعالى يقول بعد ما حكم باياسها إذا رأت الدم
لا يكون ذلك حيضا لأن ذلك مستنكر مرئي في غير
وقته فلا يكون حيضا بمنزلة ما تراه الصغيرة
جدا.
ج / 2 ص -129-
وجه
ظاهر الرواية: أن مبنى الحيض على الإمكان
وفيما رأته العجوز إمكان جعله حيضا ثابت بخلاف
ما تراه الصغيرة جدا فإنه ليس فيه إمكان جعله
حيضا لأنه إذا جعل ذلك حيضا فلا بد من أن يحكم
ببلوغها، والصغيرة جدا لا تكون أهلا لذلك وكان
محمد بن إبراهيم الميداني رحمهما الله تعالى
يقول إن رأت دما سائلا ثلاثة أيام أو أكثر فهو
حيض وإن رأت شيئا قليلا ليس بسائل وإنما هو
بلة تظهر على الكرسف لم يكن ذلك حيضا بل هو من
نداوة الرحم فلا تجعل حائضا به. والمراهقة إذا
رأت الدم يوما أو يومين والأكثر من اليوم
الثالث فهي حائض يحكم ببلوغها به وهذا قول أبي
يوسف رحمه الله تعالى فأما على قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى فأقل الحيض ثلاثة
أيام ولياليها فإن كان ما رأت أقل من ذلك لم
يكن حيضا وقد بينا هذا في كتاب الحيض.
ولو أن امرأة رأت الدم أيام أقرائها عشرا ثم
انقطع الدم عنها قبل طلوع الفجر في رمضان في
وقت لا تقدر فيه على الغسل حتى يطلع الفجر
فهذه تصلي وتصوم ولا تقضي صوم هذا اليوم وتصلي
العشاء الأخيرة ولا يملك الزوج مراجعتها إن
كان طلقها لأنا تيقنا بخروجها من الحيض قبل
طلوع الفجر فتلزمها صلاة العشاء لأنها أدركت
جزءا من الوقت ويجوز صومها لأنها أهل لأداء
الصوم من أول النهار.
وإن كانت أيام أقرائها خمسا خمسا، ثم انقطع
الدم عنها قبل طلوع الفجر في وقت لا تقدر فيه
على الغسل حتى طلع الفجر فهذه تصوم وتقضي
ومعناه تمسك في هذا اليوم وعليها قضاء هذا
اليوم لأنه لا يحكم بخروجها عن الحيض ما لم
تغتسل فهي لم تكن من أهل أداء الصوم عند طلوع
الفجر فلا يجزئها صومها وزوجها يملك الرجعة
حتى تطلع الشمس ووقع في بعض النسخ وتصلي
العشاء وهذا غلط فإنها لم تدرك من وقت العشاء
مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه فلا يلزمها قضاء
العشاء ولو لزمها ذلك لانقطعت الرجعة بطلوع
الفجر وجاز صومها في هذا اليوم فإن كان بقي
إلى طلوع الفجر مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه
فحينئذ يلزمها قضاء العشاء ويجوز صومها في هذا
اليوم ولا يملك الزوج رجعتها بعد طلوع الفجر
لأنا تيقنا بطهارتها حين حكمنا بوجوب الصلاة
دينا في ذمتها عند طلوع الفجر.
ولو انقطع عنها الدم حين زالت الشمس وأيامها
دون العشرة فزوجها يملك الرجعة إلى دخول وقت
العصر لأن الحكم بطهارتها يكون ضمنا لوجوب
الصلاة دينا في ذمتها وإنما يكون ذلك بخروج
الوقت لا بدخول الوقت فبعد زوال الشمس هي حائض
بعد وإنما يحكم بطهارتها حين يدخل وقت العصر
لأن صلاة الظهر تصير دينا في ذمتها.
ولو أن نصرانية أيام أقرائها خمس خمس انقطع
عنها الدم في مقدار لا تقدر فيه على الغسل حتى
طلع الفجر في شهر رمضان ثم أسلمت فإنها تصوم
ولا تقضي وتصلي العشاء ولا يملك الزوج رجعتها
لأن النصرانية غير مخاطبة بالاغتسال. فبنفس
انقطاع الدم يحكم
ج / 2 ص -130-
بخروجها من الحيض لأنه لا غسل عليها فهي نظير
ما لو كانت أيامها عشرا ثم أسلمت قبل طلوع
الفجر وهي طاهرة فتلزمها صلاة العشاء ويجزيها
صومها من الغد ولا يملك الزوج رجعتها.
ولو أسلمت ثم انقطع عنها الدم في مقدار لا
تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر فإنها تصوم
وتقضي وزوجها يملك الرجعة إلا أن تطلع الشمس
لأنها لما انقطع الدم عنها بعد ما أسلمت
وأيامها دون العشرة فقد لزمها الاغتسال ولا
يحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل أو يمضي
عليها وقت صلاة فلهذا لا يجزيها صومها من الغد
ويكون للزوج حق المراجعة إلى طلوع الشمس. قال:
"وتصلي العشاء وهذا غلط كما بينا في الفصل
الأول" لأنا لو ألزمناها قضاء العشاء لحكمنا
بطهرها بطلوع الفجر فلا يملك الزوج رجعتها بعد
ذلك.
فإن توضأت المستحاضة في وقت الظهر وصلت والدم
سائل ثم انقطع دمها فصلاتها تامة لبقاء العذر
إلى الفراغ من الصلاة وإن كان الانقطاع قبل
الشروع في الصلاة أو في خلال الصلاة فعليها
إعادة الوضوء والصلاة لأنها صلت بطهارة ذوي
الأعذار بعد زوال العذر وهذا إذا تم الانقطاع
وقت صلاة أو أكثر فإن كان أقل من ذلك فصلاتها
تامة لأن القليل من الانقطاع غير معتبر فإن
صاحبة هذه البلوى لا تكاد ترى الدم على الولاء
ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى لأنها لو رأت
الدم على الولاء أضناها ذلك وربما يكون سببا
لهلاكها فجعلنا القليل من الانقطاع عفوا
وجعلنا الفاصل بين القليل والكثير وقت صلاة
كامل اعتبارا للانقطاع بالسيلان فإن السيلان
إذا كان دون وقت صلاة لا يثبت به حكم
الاستحاضة وإذا كان وقت صلاة أو أكثر يثبت به
حكم الاستحاضة وكذلك الانقطاع إذا كان دون وقت
صلاة لا يكون برأ وإن كان وقت صلاة أو أكثر
كان برأ والله أعلم بالصواب. |