المحيط البرهاني في الفقه النعماني

الفصل الثامن في الحيض
ثوب أصابه عصير ومضى على ذلك أيام إلا أنه يوجد منه رائحة الخمر لا يحكم بنجاسته لأن العصير لا يصير خمراً في الثوب والله أعلم بالصواب.
هذا الفصل يشتمل على أنواع:
نوع منه في تفسيره بيان فنقول:
الحيض لغة: اسم لدرور الدم من أي شخص كان، تقول العرب حاضت الأرنب إذا خرج الدم من فرجها.
وشرعاً: اسم لدم دون دم، فإنها: اسم لدم خارج من رحم المرأة، فأما الخارج من فرج المرأة دون الرحم فهو استحاضة وليس بحيض شرعاً، الدليل عليه ما روي أن فاطمة بنت حبيش سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّموقالت: «إني امرأة أستحاض فلا أطهر الشهر والشهرين فقال عليه السلام: ليس تلك بالحيضة إنما هي دم عرق انقطع فإذا أجليت

(1/208)


الحيضة فدعي الصلاة أيام أقرائك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة» .
وفي «الفتاوى» لأبي الليث رحمه الله: أن الدم الخارج من الدبر لا يكون حيضاً، ويستحب لها أن تغتسل عند انقطاع الدم. وإن أمسكت زوجها عن الاستمتاع بها أحب إلي لجواز أنها خرجت من الرحم، ولكن من هذ السبيل.
ثم الدم الخارج من الرحم نوعان: حيض ونفاس، فالنفاس: هو الدم الخارج بعقب الولادة وسيأتي الكلام فيها في نوعها وأما الحيض: فقد قال الكرخي رحمه الله في «مختصره» الحيض: الدم الخارج من الرحم تصير المرأة بالغة بالبداية بها. كان الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله يقول: الحيض هو الدم التي ينفضها رحم المرأة السالمة عن الداء والصغر والله أعلم.
(نوع آخر)
في بيان الدماء الفاسدة التي لا يتعلق بها حكم الحيض.
وإنها كثيرة فمن جملة ذلك القاصر ... عن أقل مقدار الحيض لأنه مقدر شرعاً، والتقدير الشرعي يمنع أن يكون لما دون المقدر حكم المقدر، وعند ذلك يحتاج إلى بيان أقل مقدار الحيض فيقول: أقل الحيض مقدر بثلاثة أيام ولياليها في «ظاهر رواية» أصحابنا، وروى ابن سماعة في «نوادره» وأبو سليمان في «نوادر الصلاة» عن أبي يوسف رحمه الله أنه يومان والأكثر من اليوم الثالث، وجه «ظاهر الرواية» ما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» وقال عليه السلام لفاطمة بنت حبيش: «دعي الصلاة أيام أقرائك» .
والأيام اسم جمع وأقل الجمع ثلاثة. وعن عمر وعثمان وعلي وزيد وثابت وابن مسعود وابن عباس وابن عمر ومعاذ وأنس بن مالك وعائشة وجابر وعبد الله وعثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنهم مثل مذهبنا.
ومن جملة ذلك الدم الذي جاوز أكثر مدة الحيض فإن أكثر الحيض مقدر شرعاً والتقدير الشرعي يمنع أن يكون لما فوق المقدر حكم المقدر كيلا تفوت فائدة التقدير. وفي هذا المقام يحتاج إلى بيان أكثر مقدار الحيض فنقول: أكثر الحيض عشرة أيام، وقال الشافعي: خمسة يوماً، فالحجة لعلمائنا ما روينا من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

ومن جملة ذلك الدم المتخلل في أقل مدة الطهر ولا يمكن معرفة ذلك إلا بعد معرفة أقل الطهر وأقله خمسة عشر يوماً عندنا، وقال عطاء بن أبي رباح ويحيى بن أكثم

(1/209)


ومحمد بن شجاع رحمهم الله إنه تسعة عشر يوماً، هم يقولون: إن الشرع أقام الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام الحيض والطهر إذ هما يوجدان في الشهر عادة والشهر قد ينتقص بيوم، والحيض لا يزيد على عشرة فيبقى الطهر تسعة عشر، وعلماؤنا قالوا: إن مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إنه يجب فيها ما كان سقط من الصوم والصلاة. ثم أقل مدة الإقامة تقدر بخمسة عشر يوماً على ما عرف في موضعه فكذا أقل مدة الطهر، وقد قسنا أقل مدة الحيض بأقل مدة السفر من حيث إن كل واحد يؤثر في الصوم والصلاة، فجاز لنا أن نقيس أقل مدة الطهر بأقل مدة الإقامة من حيث إن كل واحد يؤثر في الصوم والصلاة أيضاً.
وأما أكثر مدة الطهر فالمنقول من أصحابنا أنه لا غاية له. وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحواني رحمه الله يقول: قول أصحابنا لا غاية له أن كانوا عَنَوا به أن الطهر طهر وإن طال فصحيح، وإن عنوا به أن الطهر الذي يصلح لنصب العادة عند وقوع الحاجة إليه لوقوع الاستمرار غير مقدر، فهو ليس بصحيح بل هو مقدر عندهم جميعاً إلا عند أبي عصمة سعد بن معاذ المروزي رحمه الله فإنه لا يقدر طهرها بشيء إذا احتيج إلى بقية العادة لها إذا استمر بها الدم وصلت أيامها لكنها تبني على ما رأت وإن امتدت.
وعامة مشايخنا قالوا بتقديره واختلفوا فيما بينهم، وبيان هذا: مبتدأة رأت عشرةً دماً وستةً طهراً واستمر بها الدم. قال أبو عصمة سعد بن معاذ: حيضها وطهرها ما رأت لأنها (رأت) دماً صحيحاً وطهراً صحيحاً والمبتدأة إذا رأت دماً صحيحاً وطهراً صحيحاً يجعل ذلك عادة لها حتى إن على قوله تنقضي عدتها إذا طلقها زوجها بثلاث سنين وثلاثين يوماً.

وقال محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله: تجعل عادتها من الطهر ستة أشهر إلا ساعة اعتباراً بمدة الحبل، فإن أقل مدة هي طهر كلها ستة أشهر مدة الحبل، غير أن مدة الحبل تكون أمد من مدة الطهر عادة فينقص عنها شيء ليقع الفرق بينهما.
وأقل ذلك ساعة حتى إن عدة هذه المرأة إذا طلقها زوجها على قول محمد بن إبراهيم الميداني تنقضي عدتها ثمانية عشر شهراً إلا ثلاث ساعات لجواز أن يكون وقوع الطلاق عليها في حالة الحيض فيحتاج إلى ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وإلى ثلاث حيض كل حيض عشرة أيام.
وقال بعضهم: تجعل عادتها من الطهر سبعة وعشرون يوماً لأن المرأة ترى الدم والطهر في كل شهر عادة.
وأقل الحيض ثلاثة أيام، فيجعل الباقي وذلك سبعة وعشرون طهراً ثم تكمل الحيض عشرة أيام مع هذه الثلاثة في الثاني وهكذا دأبها ما دام بها الاستمرار عشرة حيضها وسبعة وعشرون طهرها. وقال أبو علي الدقاق: يجعل عادتها من الطهر سبعة وخمسون يوماً. وكان أبو عبد الله الزعفراني رحمه الله يجعل عادتها من الطهر ستون يوماً

(1/210)


وحيضها عشرة، وهكذا أثبته الحاكم الشهيد في المختصر.
ومن جملة ذلك ما تراه الحامل من الدم فقد ثبت عندنا أن الحامل لا تحيض، وكذا روي عن عائشة رضي الله عنها وعرف أن المرأة إذا حبلت يُسدّ فم رحمها فلا يكون ذلك الدم خارجاً من الرحم فكان فاسداً.
ومنها الدم الذي جاوز أكثر مدة النفاس فإن أكثر النفاس مقدر شرعاً، والتقدير الشرعي ينفي أن يكون لما فوق المقدر حكم المقدر حتى لا تبطل فائدة التقدير وفي هذا المقام يحتاج إلى معرفة أكثر مدة النفاس، وسيأتي بيان ذلك بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ومن جملة ذلك ما تراه الصغيرة جداً من الدم لأن هذا دم سبق أوانه فلا يعطى له حكم الحيض، إذ لو أعطي له حكم الحيض يحكم ببلوغها، وإنه محال في الصغيرة.

هذا واختلف في أدنى المدة التي يحكم ببلوغ الصغيرة فيه برؤية الدم، فكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله يقدرها بتسع سنين لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنه تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين. والظاهر أنه كان يبني بها بعد البلوغ. وكان لأبي مطيع البلخي بنّية صارت جدة وهي بنت تسع عشرة سنة وكان أبو مطيع يقول فضحتنا هذه الجارية.
وبعضهم قدروها بسبع سنين قال عليه السلام: «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً» والأمر للوجوب، ولا وجوب إلا بعد البلوغ. ولا تصور له إلا في هذا الموضع. وقد سئل أبو نصر محمد بن محمد بن سلام البلخي عن بنت ست سنين إذا رأت الدم هل يكون حيضاً؟ قال: نعم إذا تمادى هذا مدة الحيض فلم يكن نزوله عن آفة. وأكثر مشايخ زماننا على ما قاله محمد بن مقاتل، وبعض مشايخ زماننا قدروا ذلك بثنتي عشر سنة.
فإذا رأت الدم وهي صحيحة لأداء بها فهو حيض وإلا فهو من المرض، والأغلب في زماننا رؤية الدم في ثلاثة عشر سنة أو في أربع عشر سنة. وأصحابنا المتقدمون لم يجدوا في ذلك حدّاً لأن ذلك يختلف باختلاف الهواء وباختلاف البلدان والبيئة ولكن قالوا: إذا بلغت مبلغاً فرأت الدم ثلاثة أيام فهو حيض.

ومن جملة ذلك ما تراه الكبيرة جدّاً هكذا وقع في بعض الكتب. وقد ذكر محمد رحمه الله في «نوادر الصلاة» أن العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة الحيض فهو حيض. قال محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله رواية «النوادر» محمولة على ما إذا لم يحكم بإياسها، فأما إذا انقطع الدم وحكم بإياسها وهي بنت تسعين سنة أو نحوه فرأت الدم بعد ذلك لا يكون حيضاً كما وقع في بعض الكتب، وهو مروي عن عطاء بن أبي رباح

(1/211)


والشعبي وجماعة من التابعين رحمهم الله. وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله يقول: ما ذكر في «النوادر» محمول على ما إذا رأت دماً سائلاً و (ذلك) حيض، وما وقع في بعض الكتب محمول على ما إذا رأت بلة مدة يسيرة وذلك ليس بحيض، وعامة المشايخ أن على رواية «النوادر» لا تقدير في حد الآيسة بالستين. وتفسير الآيسة على هذه الرواية أن تبلغ من السن ما لا يحيض مثلها، فإذا بلغت هذا المبلغ وانقطع دمها يحكم بإياسها. فإن رأت بعد ذلك دماً فلا يكون حيضاً على هذه الرواية ويظهر كونها حيضاً في حق بطلان الاعتداد بالأشهر، وفي حق فساد الأنكحة.
وعلى رواية بعض الكتب لحد الآيسة تقدير واختلفت الأقاويل في التقدير: قال بعضهم: إذا بلغت المرأة مبلغاً لا تحيض نساء تلك البلدة في ذلك المبلغ. ولم يرد ما يحكم بإياسها. وقال بعضهم: يعتبر إبراؤها من قرائنها وقال: يعتبر ستركيبها وهذا لأن طبائع النساء يختلف باختلاف الهواء والبلدان والأغذية، ألا ترى أن المرأة المنعمة يبطىء إياسها والفقيرة البائسة يسرع إياسها فلا يمكن التقدير فيهن بالزمان فقدرنا ببراءتها وتركيبها وكثير من المشايخ منهم أبو علي الدقاق اعتبروا ستين سنة، وهو مروي عن محمد رحمه الله أيضاً: واعتبر بعضهم خمسين سنة وهو مذهب عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها أنها قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم يُرَ في بطنها قرة عين.

ومشايخ مرو أفتوا بخمس وخمسين سنة، وكثير من مشايخ بخارى كذلك أفتوا بخمس وخمسين سنة وهو أعدل الأقوال، فإن رأت بعد ذلك دماً هل يكون حيضاً؟ على هذه الرواية اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يكون حيضاً ولا يبطل به الاعتداد بالأشهر لأن الحكم بالإياس بعد خمسين سنة وأشباه ذلك كان بالاجتهاد. والدم حيض بالنص وإذا رأت الدم فقد وجد النص بخلاف الاجتهاد فيبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد، وهذا القائل يقول: الدم المرئي بعد هذه المدة إنما يكون حيضاً إذا كان أحمر أو أسود، فإذا كان أخضر أو أصفر لا يكون لأن كون هذا المرئي حيضاً ثبت بالاجتهاد فلا يبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد فعلى قول هذا القائل يبطل الاعتداد بالأشهر. ويظهر فساد الأنكحة وقال بعضهم: إن كان القاضي قضى بجواز ذلك النكاح ثم رأت الدم (32أ1) لا يقضى بفساد ذلك النكاح.
وطرق القضاء أن يدعي أحد الزوجين فساد النكاح بسبب قيام العدة فيقضي القاضي بجوازه وبانقضاء العدة بالأشهر، وكان الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله يفتي بأنها لو رأت الدم بعد ذلك على أي صفة رأت يكون حيضاً ويفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل تمام الاعتداد بالأشهر ولا يفتي ببطلان الاعتدال بالأشهر ولا بفساد النكاح إن كانت رأت الدم بعد تمام الاعتداد بالأشهر قضى القاضي بجواز ذلك النكاح أو لم يقض.

(1/212)


ومن جملة ذلك ما رأته المرأة على غير ألوان الدم، وعند ذلك يحتاج إلى معرفة ألوان الدم: ما تراه المرأة في حالة الحيض من الدماء ستة: بعضها على الوفاق وبعضها على الخلاف. أما الذين على الوفاق إنهم قالوا: السواد والحمرة والصفرة حيض، وهذا لأن الأصل بالدم الحمرة، إلا أن غلبة السواد انصرف إلى السواد، وعند غلبة الصفرة انصرف إلى الصفرة. فأما الذات واحد.

وكان الشيخ الإمام الزاهد الماتريدي رحمه الله مرة يقول في الصفرة إذا رأتها ابتداء في زمان الحيض: إنها حيض، فأما إذا رأتها في زمان الطهر واتصل ذلك بزمان الحيض فإنها لا تكون حيضاً، ومرة يقول: إذا اعتادت المرأة أن ترى أيام الطهر صفرة وأيام الحيض حمرة فحكم صفرتها يكون حكم الطهر حتى لو امتدت هي بها لم يحكم لها بالحيض في شيء من هذه الصفرة لأن الحال دل على أن طهرها بهذه الصفة فقيل يحتمل أنه اعتبر ذلك في صفرة يغلب على لونها البياض وحكمها حكم الطهر على قول أكثر المشايخ.
ثم إن بعض مشايخنا ... بصفرة القز، وبعضهم بصفرة التين وبعضهم بصفرة السّبر وعن محمد بن مقاتل رحمه الله: أن يعتبر فيه أدنى ما ينطلق عليه اسم الصفر، وهذا كله في المرأة إذا كانت في ذوات الأقراء، فأما إذا كانت آيسة وحكم بإياسها ثم رأت شيئاً قليلاً يباشر الصفرة لا يكون حيضاً لأن ذلك أثر البول فلا يبطل به حكم الإياس وأما الذي على الخلاف فمن جملتها الكدرة وهي كالماء الكدر فإنها حيض عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تقدمت على الدم أو تأخرت عنها، وقال أبو يوسف رحمه الله: إن تقدمت على الدم لا يكون حيضاً وإن تأخرت يكون حيضاً.
ثم اختلف المشايخ على قوله في الكدرة المتأخرة على الدم أنها متى تصير حيضاً، والصحيح: ما ذكره أبو علي الدقاق رحمه الله أن ما دون خمسة عشر يوماً لا يفصل بينها وبين الدم كما لا يفصل هو بين الدمين.

ومن جملة ذلك: الخضرة، وقد أنكر بعض مشايخنا وجودها حتى محمد بن محمد بن سلام البلخي رحمه الله حين سئل عن الخضرة كأنها أكلت قصيلاً على سبيل الاستبعاد. وقال أبو علي الدقاق رحمه الله إنها كالكدرة. والخلاف فيهما واحد، وعنه

(1/213)


أيضاً أنها حيض من غير ذكر الخلاف. قال الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي رحمة الله عليه: والذي عليه عامة المشايخ أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء فالخضرة منها حيض، وإن كانت كبيرة يعني آيسة ولا ترى عندها الخضرة لا يكون حيضاً، ويحمل هذا على فساد المنبت، والأول على فساد الغذاء.
ومن جملة ذلك التُرْبِيَّة وقال الشيخ الإمام نجم الدين النسفي رحمه الله: من الناس من يخفق هذه اللفظة، ومنهم من يشددها، وكان الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني يقول: التُرْبِيَّة ليست بشيء. ويقول قيل لأن موضع الفرج إذا اشتدت فيه الحرارة يخرج منه ماء رقيق فهو التُرْبِيَّة، وقيل: هي بين الكدرة والصفرة وكان نجم الدين النسفي رحمه الله يقول: هي على لون التربة مشتقة منها، وقيل: هي التربة بزيادة الياء مستوية إلى التراب وهي التي على لون التراب، وعامة المشايخ على أنها حيض، فقد صح عن أم عطية رضي الله عنها وقد كانت غزت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّمثنتي عشر غزوة أنها قالت كنّا نعد التربية والخضرة حيضاً.
والأصل فيه قول الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} (البقرة:222) وجميع هذه الألوان هي في معنى الأذى على السواء وقد صح أن النساء كن يبعثن بالكراسف إلى عائشة رضي الله عنها فكانت تنظر إليها وتقول: لا حتى ترين القصة البيضاء. جعلت ما سوى القصة البيضاء حيضاً قيل: هي شيء كالخيط الأبيض فالقصة الحيض ومنه النهي عن تفصيص القبور، أي عن لا تجصيصها فإنما يعتبر اللون على الكرسف حتى يرفع وهو طري لا حين يجف لأنه قد يتغير بالجفاف.
(نوع آخر)

في بيان أنه متى يثبت حكم الحيض والنفاس والاستحاضة.

يجب أن يعلم بأن حكم الحيض والنفاس والاستحاضة لا يثبت إلا بخروج الدم، وظهوره هذا هو مذهب أصحابنا وعليه عامة مشايخنا، وعن محمد رحمه الله في غير رواية الأصول أن حكم الحيض والنفاس يثبت في حقها إذا أحسّت بالنزول وإن لم يظهر ولم يخرج ولا يثبت حكم الاستحاضة في حقها إلا بالظهور.
وأشار إلى الفرق فقال: للحيض والنفاس وقت معلوم، فجاز أن يثبت حكمها باعتبار وقتها إذا أحست بالنزول فأما الاستحاضة فليس لها وقت معلوم، وهي حدث كسائر الأحداث، فلا يثبت حكمه بالظهور، والفتوى على «ظاهر الرواية» فقد صح أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها بإن فلانة تدعو المصباح ليلاً لتنظر إلى نفسها، فقالت «عائشة ما كانت إحدانا تكلف لذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّمولكنها تعرف ذلك بالمسّ» ، وذلك منها إشارة إلى الظهور ولأنه ما لم يظهر فهو في معدنه والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم، وإنما يعطى الحكم له إذا ظهر ويستوي في جميع ما ذكرنا من دم الحيض والنفاس والاستحاضة أن تكون كثيراً سائلاً أو قليلاً غير سائل.
ولكن لا بد من معرفة الخروج والنزول ولا بد لمعرفة ذلك من معرفة مقدمة أخرى وبيانها: أن للمرأة فرجان فرج ظاهر وفرج باطن على صورة الفم وللفم شفتان وأسنان وجوف الفم.

(1/214)


فالفرج الظاهر بمنزلة ما بين الشفتين والأسنان، وموضع البكارة بمنزلة اللسان، الإليتان بمنزلة الشفتين والفرج الباطن بمنزلة المأكل ما بين الأسنان وجوف الفم. وحكم الفرج الباطن حكم قصبة الذكر لا يعطى للخارج إليه حكم الخروج والفرج الظاهر بمنزلة القلفة يعطى للخارج إليه حكم الخروج.
وإذا وضعت المرأة الكرسف في الفرج الخارج وابتل الجانب الداخل منه دون الجانب الخارج فإن ذلك يكون حيضاً لأنه صار ظاهراً وإن وصعته في الفرج الداخل وابتل الجانب الداخل منه دون الجانب الخارج لا يكون حيضاً، وإن نفذت البلة إلى الجانب الخارج فإن كان الكرسف غالباً عن جزء الفرج الداخل وإن كان محاذياً له فذلك حيض. وإن كان الكرسف متسفلاً متجانباً عنه فذلك ليس بحيض.
وعلى هذا: الرجل إذا حشا إحليله فابتل الجانب الداخل دون الجانب الخارج لا ينتقض وضوءه وإن ابتل الجانب الخارج فكذلك إذا كانت القطنة متسفلة عن رأس الإحليل متجافية عنه، وإن كانت القطنة غالبة على رأس الإحليل أو محاذية له ينتقض وضوءه، وهذا كله إذا لم تسقط القطنة أو الكرسف، فأما إذا سقط وقد ابتلّ الجانب الداخل كان حيضاً، وينتقض وضوءه نفذت البلة إلى الجانب الخارج أو لم تنفذ.
وذكر الشيخ الإمام الأجل أبو الفضل الكرماني رحمه الله في «شرح كتاب الحيض» أن الدم إذا نزل من الرحم إلى الفرج، فإن خرج فهو حيض وإلا فلا عند أبي حنيفة رحمه الله استدلالاًبقصبة الذكر إذا نزل إليها البول، فإن ظهر على رأس الإحليل ينتقض وضوءه وما لا فلا. وقال محمد رحمه الله هو حيض وإن لم يخرج استدلالاً بقصبة الأنف إذا أنزل إليها الدم فإنه ينتقض وضوءه، وإن لم يخرج ولم يفصل بين الفرج الداخل والخارج وإنه مشكل، لأنه إن أراد بقوله نزل الدم من الرحم إلى الفرج الداخل، فذلك ليس بحيض بلا خلاف إلا رواية عن محمد رحمه الله في غير «الأصول» وإن أراد به الفرج الخارج فذلك حيض بلا خلاف.

ومما يتصل بهذا النوع من المسائل (32ب1) أن اتخاذ الكرسف سنّة عند الحيض، الثيّبْ يستحب لها اتخاذ الكرسف بكل حال لأنها لا تأمن خروج شيء منها فيحتاط في ذلك خصُوصاً في حالة الصلاة. وأما البكر فيستحب لها وضع الكرسف في حالة الحيض فلا يستحب لها ذلك في غير حالة الحيض. والطاهر إذا صلّت بغير كرسف وأمنت أن يخرج منها شيء جازت صلاتها، والأحسن أن تضع الكرسف. وعن محمد بن سلمة البلخي رحمه الله أنه يكره للمرأة أن تضع الكرسف في الفرج الداخل، قال: لأن ذلك يشبه النكاح بيدها.
وإذا وضعت الكرسف في أول الليل وهي حائض ونامت فنظرت إلى الكرسف حتى أصبحت رأت البياض الخالص فعليها قضاء العشاء للتيقن بطهرها من حين وضعت الكرسف ولو كانت هي طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم انتبهت بعد طلوع الفجر فوجدت البلة على الكرسف فإنها تجعل كأنها رأت الدم في آخر يومها حتى لا يسقط عنها العشاء احتياطاً، وكذلك حكم النفاس وانقطاعه.

(1/215)


(نوع آخر) في الأحكام التي تتعلق بالحيض يجب أن يعلم بأن الأحكام
فمنها: أنها لا تصوم ولا تصلي قال عليه السلام: «تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» والمراد منه: زمان الحيض.
ومنها أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وقالت عائشة رضي الله عنها: كنا على عهد رسول الله نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضي الصلاة.
ومنها: أن لا يأتيها زوجها. قال تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النّسَآء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} . (البقرة: 222)
ومنها: أن لا تمس المصحف ولا الدرهم المكتوب عليه آية تامة من القرآن ولا اللوح المكتوب عليه آية تامة من القرآن لقوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} . (الواقعة: 79) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنه كتب إلى بعض القبائل: «لا يمس مصحف القرآن حائض ولا جنب» .
وهل يكره لها مس المصحف بكمها أو ذيلها؟ قال بعض مشايخنا: يكره لأن الكم والذيل تبع لها. ألا ترى لو حلف لا يجلس على الأرض فجلس عليها مفترشاً ثوبه يحنث في يمينه، وجعل ثوبه تبعاً له حتى لم يعتبر حائلاً. وعامتهم على أنه لا يكره لأن المحرّم هو المس وإنه اسم للمباشرة باليد من غير حائل. ألا ترى أن المرأة إذا وقعت في ردغة حلّ للأجنبي أن يأخذ بيدها بحائل ثوب، وكذا حرمة المصاهرة لا تثبت بالمسّ بحائل بخلاف مسألة اليمين لأن مبنى الأيمان على العرف والجالس على الأرض بثوبه يعد جالساً على الأرض عرفاً وعادة.
b
ولا بأس لها بأن تمس المصحف بغلاف، والغلاف هو الجلد الذي عليه في أصح القولين. وقيل: هو المنفصل كالخريطة ونحوها لأن المتصل بالمصحف من المصحف. ألا ترى أنه يدخل في بيع المصحف من غير ذكر، وهو نظير الاختلاف في المس بالكم.
ولا بأس لها بكتابة القرآن عند أبي يوسف رحمه الله إذا كانت الصحيفة على الأرض لأنها لا تحمل المصحف، والكتابة تقع حرفاً حرفاً وليس الحرف الواحد بقرآن، وقال محمد رحمه الله أحب إليّ أن لا تكتب لأنه في حكم المساس للحروف وهي بكليتها قرآن.
ومنها أن لا تقرأ القرآن عندنا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّمكان «نهى الحائض والجنب عن قراءة القرآن» والآية وما دونها في تحريم القراءة سواء. هكذا ذكر الكرخي رحمه الله في كتابه لأنه قرآن فتمنع الحائض من قراءة كالآية التامة، وقيد الطحاوي القراءة بآية تامة لأنه تعلق بقراءة القرآن حكمان: جواز الصلاة وحرمة

(1/216)


القراءة على الحائض والجنب. ثم فصّل في حق جواز الصلاة من بين الآية التامة وما دونها فكذا في حق حرمة القراءة على الحائض وهذا إذا قصدت القراءة.

فإن لم تقصدها نحو أن تقرأ الحمد لله رب العالمين شكراً للنعمة فلا بأس به، وذكر الصدر الشهيد رحمه الله في مختصر كتاب الحيض أن الآية إذا كانت طويلة فقرأتها حرام عليها، وإن كانت قصيرة إن كانت تجري على (اللسان عند) عن الكلام كقوله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين يحرم أيضاً، وإن كانت لا تجزىء على اللسان عند الكلام كقوله: {ثم نظر} (المدثر: 21) ، كقوله: {لم يولد} (الإخلاص: 3) فلا بأس به، وإذا حاضت المعلمة فينبغي لها أن تعلم الصبيان كلمة كلمة وتقطع بين الكلمتين على قول الكرخي رحمه الله، وعلى قول الصحاوي تعلم نصف آية وتقطع ثم تعلم نصف آية.
ولا يكره لها التهجي بالقرآن وكذا لا يكره لها قراءة دعاء القنوت «اللهم إنا نستعينك» .
ومنها: أن لا تدخل المسجد قال عليه السلام: «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» . ولأن ما بها من الأذى فوق الجنابة لتمكنها من إزالة أذى الجنابة دون أذى الحيض، ثم الجنابة تمنعها عن دخول المسجد فالحيض أولى.
ومنها: أنها لا تطوف بالبيت للحج والعمرة لأن البيت في المسجد وقد منعت عن الدخول في المسجد وقد صح أن رسول الله عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت بسرف «اصنعي جميع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» مع هذا لو طافت بالبيت تحللت.
ومنها: أن يلزمها الاغتسال عند انقطاع الدم.
ومنها: أن يتقدر الاستبراء قال صلى الله عليه وسلّم «لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة» .

ومنها: أن تنقضي بها العدة قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوء} (البقرة: 288) وهي عبارة عن الحيض. وإذا مضت مدة الحيض وهي أكثر المدة عشرة أيام يحكم بطهارتها انقطع الدم أو لا، اغتسلت أو لم تغتسل مبتدأة كانت أو معتادة. ولا تؤخر الاغتسال لوقوع التيقن بخروجها من الحيض، لأن الحيض لا يزيد على عشرة أيام، وتنقطع الرجعة ويحل لها التزوج بزوج آخر، ولكن لا يستحب لها ذلك، ويحل للزوج قربانها ولكن لا يستحب له ذلك، وهي بمنزلة الجنب ما لم تغتسل.
وإن انقطع دمها فيما دون العشرة إن كانت مبتدأة ومضى عليها ثلاثة أيام فصاعداً أو كانت معتادة وانقطع الدم على عادتها أو فوق عادتها، أخرّت الغسل إلى آخر وقت

(1/217)


الصلاة فإذا خافت فوت الصلاة اغتسلت وصلّت، وإنما أخرت الاغتسال والصلاة احتياطاً لاحتمال أن يعاودها الدم في العشرة، وليس في هذا التأخير تفويت، شيء، وإنما تؤخر الاغتسال والصلاة إلى آخر الوقت المستحب دون الوقت المكروه، فإذا اغتسلت حكم بطهارتها في حق جميع الأحكام التي ذكرنا حتى حلّ قربانها، وكذلك لو لم تغتسل ومضى عليها أدنى وقت الصلاة.
ولو كانت مسافرة فتيمّمت، أو كانت في الحضر وتيممت لمكان المرض إن صلّت أو مضى عليها أدنى وقت الصلاة فكذلك، وإن لم تصل ولم يمض عليها أدنى وقت الصلاة لا يحل للزوج قربانها، ولا يحل لها التزوج بزوج آخر عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله عليهما. وإن كانت معتادة وانقطع الدم فيما دون العادة ولكن بعدما مضى ثلاثة أيام واغتسلت أو مضى عليها الوقت كره للزوج قربانها، وكره لها التزوج بزوج آخر حتى تأتي عادتها وتغتسل وتصوم وتصلي في هذه الأيام، ولو كانت أيامها دون العشرة فانقطع الدم دون عادتها أخرت الاغتسال إلى آخر الوقت أيضاً.

قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: تأخر الاغتسال في هذه الصورة على طريق الاستحباب دون الإيجاب، وفيما إذا انقطع الدم فيما دون عادتها وباقي المسألة بحالها فتأخر الاغتسال بطريق الإيجاب. ولو كان حيضها عشرة أيام فحاضت ثلاثة أيام وطهرت ستة لا يحل للزوج قربانها عند أبي يوسف رحمه الله لأن احتمال بأن يصير الكل حيضاً قائم بأن رأت الدم في اليوم العاشر أو تمام اليوم العاشر ساعة وعلى هذا القياس تخرج جنس هذه المسائل والله أعلم.
(فرع)
إذا عاودها في العشرة بطل الحكم بطهارتها مبتدأة كانت أو معتادة وكأنها لم تطهر أصلاً عند أبي يوسف رحمه الله، لأن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر لا يكون فاصلاً عنده ويكون كالدم المتوالي، وهذا الذي ذكرنا إذا عاودها الدم في العشرة ولم يزد على العشرة وطهرت بعد ذلك طهراً صحيحاً خمسة عشر يوماً، ويكون جميع ذلك حيضاً.
أما إذا زاد على العشرة أو لم يزد لكن انتقص الطهر بعد ذلك عن خمسة عشر، ففي المبتدأة العشرة حيض، وفي المعتادة أيامها (33أ1) المعتادة حيض لأنه صار كالدم المتوالي، وفي الدم المتوالي الجواب على نحو ما ذكرنا.
وإن انقطع الدم بعدما رأت يومين وهي مبتدأة أو معتادة أخرت الصلاة إلى آخر الوقت، فإذا خافت الفوت توضأت وصلّت، وليس عليها مراعاة الترتيب صلّت في أول الوقت أو في آخر الوقت، وإن انقطع الدم بعدما رأت يوماً أو أقل وتوضأت؛ فإن أرادت أن تصلي في أول الوقت فعليها مراعاة الترتيب بقضاء الفوائت أولاً.
وإن كانت معتادة وعادتها في أيام حيضها أنها ترى يوماً دماً ويوماً طهراً هكذا إلى العشرة، فإن رأت الدم في اليوم الأول تترك الصوم والصلاة، وإن طهرت في اليوم الثاني تتوضأ وتصلي، فإن رأت الدم في اليوم الثالث فإنها تترك الصلاة والصوم لأنه تبين أنه حيض فإذا طهرت في اليوم الرابع تغتسل وتصلي هكذا تفعل إلى العشرة والله أعلم.

(1/218)


(نوع آخر) من هذا الفصل
مراهقة رأت الدم تركت الصلاة كما رأته وهو اختيار الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص الكبير والفقيه محمد بن إبراهيم الميداني والفقيه محمد بن سلمة البلخي رحمهم الله، وعن أبي حنيفة رحمه الله في غير رواية «الأصول أنها لا تترك الصلاة ما لم يستمر بها الدم ثلاثة أيام، وبه كان يقول بشر بن غياث المريسي وجه هذا القول: أنها على يقين بالطهارة وفي شك من الحيض لجواز أن ينقطع الدم فيما دون الثلاث، ولا يُزال اليقين بالشك فلا تترك الصلاة والصوم برؤيتها الدم، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فصاعداً إلى عشرة تبين أنها كانت حيضاً فلزمها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلوات. وجه القول: أن الله تعالى وصف الحيض بكونه أذىً قال تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (البقرة 222) وقد رأته المرأة في وقته فتعلق به حكمه.
وإنما يخرج المرئي من أن يكون حيضاً بالانقطاع فيما دون الثلاث، وفي ذلك شك، فإن انقطع دمها على رأس العشرة، فالعشرة كلها حيض، وإن جاوز العشرة، فالعشرة من أول ما رأت حيض، وباقي الشهر يكون طهراً، لما ذكرنا أن الحيض لا يزيد على العشرة والشهر يشتمل على الحيض والطهر عادة، فإذا جعلت العشرة من أول ما رأت حيضاً كان باقي الشهر طهراً ضرورة، وعن أبي يوسف رحمه الله أنها تأخذ بالاحتياط فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلي سبعة أيام بالشك ولا يقربها زوجها ثم تغتسل هي بعد تمام العشرة وتقضي صيام الأيام السبعة لكن الاحتياط في باب العبادة واجب، ومن الجائز أن حيضها كان أقل الحيض فيحتاط لهذا، ولكن هذا ضعيف لأنا عرفنا هذه المرأة حائضاً، ودليل كونها حائضاً ظاهر هو سيلان الدم فلا معنى للاحتياط، وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يقدر حيضها بحيض نساء عشيرتها وهو ضعيف لأنها تختلف باختلاف الطبائع والأغذية.
(فرع)

في دائرة هذا الفصل الأصل عند أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة آخراً أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً لا يفصل بين الدمين ويجعل الكل كالدم المتوالي. وإذا كان خمسة عشر أو أكثر يعتبر فاصلاً ثم ينظر إلى الدمين إن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده حيضاً يجعل ذلك حيضاً.
ومن أصله أيضاً إذا أمكن أن يجعل كل واحد منهما حيضاً يجعل كل واحد منهما حيضاً. ومن أصله أنه يبتدأ الحيض بالطهر ويختمها بالطهر وإن كان قبل البداية وبعد الختم دم. وجه قوله في ذلك: بأن طهر ما دون خمسة عشر يوماً طهرٌ فاسدٌ فلا يتعلق به حكم الطهر الصحيح ولا يفصل بين الدمين، فمن حكم الطهر الصحيح، بيان قوله في أن طهر ما دون خمسة عشر لا يفصل بين الدمين في المبتدأة، أما إذا رأت يوماً دماً وأربعة عشر يوماً طهراً ويوماً دماً فالعشرة من أول ما رأت حيض بحكم بلوغها به، وكذلك إذا رأت يوماً دماً وتسعة طهراً أو يوماً دماً وتسعة طهراً أو يومين دماً في المعتادة فمعروفها حيض وما زاد على ذلك استحاضة.

(1/219)


وبيان قوله في ابتداء الحيض بالطهر وفي ختمه بالطهر يشرط بأن يكون قبل البداية وبعد الختم دم في المرأة إذا كانت عادتها في الحيض في كل شهر خمسة، فرأت قبل أيامها يوماً دماً ثم طهرت خمستها ثم رأت يوماً دماً، فعنده خمسها حيض لإحاطة الدمين بها، ويقع الختم والابتداء ههنا بالطهر، وفي المبتدأة لا يتصور الابتداء إلا بالدم، وكذلك لو رأت قبل خمستها يوماً دماً ثم طهرت أول يوم من خمستها ثم رأت ثلاثة دماً ثم طهرت آخر يوم من خمستها ثم استمر بها الدم فحيضها خمستها عنده وإن كان ابتداء الخمسة وختمها بالطهر لوجود الدم قبلها وبعدها.
وبعض مشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف رحمه الله، وبه كان يفتي القاضي الإمام صدر الإسلام أبو اليسر رحمه الله وكان يقول: قول أبي يوسف أيسر وأسهل على النساء وعلى المفتي، ولا حرج في ديننا فكان الأخذ بقوله أولى، وعليه استقر رأي الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله وبه يفتي، والأصل عند محمد رحمه الله وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه فتوى كثير من المشايخ أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يصير فاصلاً بين الدمين ويجعل ذلك كله كالدم المتوالي.

وإن كان ثلاثة أيام فصاعداً إن كان الطهر مثل الدمين أو أقل من الدمين لا يعتبر فاصلاً أيضاً، ويجعل ذلك كله بمنزلة الدم المتوالي لأن الثلاثة من الدم نصاب شرعي، ألا ترى أنه يصلح لنصب العادة والثلاثة من الطهر نصاب ضروري، ألا ترى أنه لا يصلح لنصب العادة، فكان اعتبار النصاب الشرعي عند الاستواء أولى من اعتبار النصاب الضروري ولأن المرأة لا تخلو في زمان الحيض عن طهر قليل غالباً، فلو اعتبر هو فاصلاً لا يتصور وجود الحيض أصلاًأما (لا) تخلو هي في زمان الحيض عن طهر كثير غالباً. فلو اعتبر هو فاصلاً يتصور معه وجود الحيض فأصبح ثلاثاً الحد الفاصل بين القليل والكثير فقدر الكثير بثلاثة أيام لأن الكثيرة ثبت بالجمع، وأقل الجمع المتيقن عليه ثلاثة إلا إذا كان أقل من الدمين لا يعتبر فاصلاً، وإن كان الطهر ثلاثة فصاعداً لأن الطهر مغلوب، والمغلوب ساقط الاعتبار شرعاً بمقابلة الغالب ولأن من عادة النساء غلبة دمهن على الطهر في زمان الحيض، فلو اعتبر الطهر فاصلاً حال غلبة الدم لا يتصور وجود الحيض أصلاً، وكذلك إذا كان الطهر مثل الدمين لا يعتبر هو فاصلاً أيضاً لأن الدم يتناول الطهر في العدد فيجعل الدم راجحاً لكونه مرئياً في وقته، وكون الطهر مرئياً في غير وقته والوقت وقت الحيض لا وقت الطهر ولأن الدم يحرم عليها أداء الصلاة والطهر يبيح لها أداء الصلاة والمبيح مع المحرم إذا اجتمعا كانت العبرة للمحرم فصار الدم في حكم الغالب، فسقط اعتبار الطهر بمقابلته فلم يصح الفصل بين الدمين.

وأما الطهر إذا كان أكثر من الدمين فيصير فاصلاً لأن الطهر غالب على الدم، والعبرة للغالب، وليس من عادة النساء غلبة الطهر على الدم في زمان الحيض فلو اعتبر الطهر فاصلاً والحالة هذه لا يؤدي إلى أن لا يتصور الحيض فجعل حاصلاً، ثم ينظر إن أمكن أن يجعل أحد الدمين بانفراده حيضاً يجعل ذلك حيضاً وهذا ظاهر، وإن أمكن

(1/220)


اعتبارهما حيضاً يجعل المتقدم حيضاً لأنهما استويا في إمكان الاعتبار ويترجح السابق منهما بقوة السبق.
وإذا اعتبر المتقدم حيضاً لا يعتبر المتأخر حيضاً معه لأنه لا بد من وجود طهر تام بين الحيضتين وأقله خمسة عشر يوماً ولم يوجد.
(نوع آخر) من الجنس
اختلف المشايخ فيه على قول محمد رحمه الله أنه إذا اجتمع طهران معتبران يفتى به أن كل واحد منهما يصلح للفصل بين الدمين، وصار أحدهما لإحاطة لدمين بطرفيه واستوائه، فالطهر كالدم المتوالي هل يتعدى حكمه إلى الطهر الآخر؟ قال أبو زيد الكبير وأبو علي الدقاق: بأنه يتعدى. وقال الفقيه أبو سهل الغزالي: لا يتعدى.
صورة المسألة: مبتدأة رأت يومين دماً وثلاثة طهراً ويوماً دماً وثلاثة طهراً ويوماً دماً فالسنة الأولى حيض بلا خلاف لاستواء الدم والطهر فيها، والأربعة بعدها حيض عند أبي زيد الكبير (33ب1) لأن الأولى صارت كالدم المتوالي فصار كأنها رأت ستة دماً وثلاثة طهراً ويوماً دماً، وعند أبي سهل: حيضها الستة الأولى، فأما الأربعة بعدها لا تكون حيضاً.
وجه قول أبي زيد وأبي علي الدقاق: وهو أن الطهر الأول صار مغلوباً بالدم لما عرف، والمغلوب في حكم المعدوم فصار من حيث الحكم كأنه لم يوجد ورأت كل الستة حيضاً ولو رأت كذلك وباقي المسألة بحالها كانت العشرة حيضاً بالإجماع، وكذا هذا.
وجه قول أبي سهيل وهو أن طهر ثلاثة أيام سقط اعتباره لإحاطة الدم بطرفيه واستوائه بالدم، فيعتبر هو حيضاً في حق نفسه، ولا يصير هو حيضاً في حق غيره لأن ما صار حيضاً تبعاً لغيره لا يصير غيره حيضاً تبعاً له.
قال مشايخنا رحمهم الله؛ والأول هو الأصح لأنهم أجمعوا أن المرأة إذا رأت يوماً دماً ويومين طهراً أو يوماً دماً وخمسة طهراً ويوماً دماً كانت العشرة حيضاً، ولم يقل أحد إن طهر يومين لما صيّر حيضاً تبعاً لغيره لا يصير غيره حيضاً تبعاً له، وكذلك لو رأت يوماً دماً وثلاثة طهراً ويومين دماً وثلاثة طهراً ويوماً دماً فالستة الأولى حيض بالإجماع، وفي الأربعة الأخيرة خلاف.
فإن رأت يوماً دماً وثلاثة طهراً ويوماً دماً وثلاثة طهراً ثم استمر بها الدم فعلى قول أبي زيد الكبير وأبي علي الدقاق يجر يومان من أول الاستمرار إلى ما سبق، فتكون العشرة كلها حيضاً عند محمد رحمه الله، وعلى قول أبي سهيل حيضها عشرة بعد اليوم والثلاثة الأولى، فيكون ستة من أول الاستمرار حيضاً عنده.
ولو رأت يومين دماً وثلاثة طهراً ويوماً دماً وثلاثة طهراً ثم استمر بها الدم، فعند أبي زيد الكبير وأبي علي الدقاق حيضها عشرة من أول ما رأت فيكون أول يوم من الاستمرار من جملة حيضها تتم به العشرة لأن الستة الأولى صارت كدم الاستمرار

(1/221)


لاستواء الدم والطهر فيها فيتعدى حكمها إلى الطهر الآخر، وعند أبي سهيل: حيضها ستة من أول ما رأت ولا يكون شيء من أول الاستمرار حيضاً لها فتصلي إلى موضع حيضها الثاني لأنه لا يتعدى عنده حكم الستة إلى الطهر الآخر إن صارت هي كالدم المتوالي.
في الأوقات الساعات وآخر النهار.
(نوع آخر)

هذا النوع لا يتأتى على قول أبي يوسف رحمه الله، وإنما يتأتى على قول محمد رحمه الله فنقول: يجب أن يعلم بأن الوقت الواحد لا يتكرر وجوده في يوم واحد: كطلوع الفجر وطلوع الشمس، فإذا كان ابتداء الوقت من عند طلوع الشمس فتمام اليوم والليلة يكون قبيل طلوع الشمس من الغد لأن قبل اسم الوقت يتصل به الوقت المذكور بخلاف قبيل. وبيانه فيمن قال لامرأته وقت الضحوة: أنت طالق قبل غروب الشمس طلقت قبل غروب الشمس، طلقت في الحال. ولو قال: قبيل غروب الشمس لا تطلق حتى تغرب الشمس. فإذا عرفت هذا وسئلت عن امرأة رأت الدم عند طلوع الشمس ثم انقطع دمها ثم رأت الدم قبل طلوع الشمس من اليوم الرابع فقل: ان الثلاثة كلها حيض لأن الكل ثلاثة أيام، وقد رأت الدم فيها في جزأين فنقص الطهر عن ثلاثة أيام فلم يفصل وجعل الكل كالدم المتوالي.
وكذلك لو رأت الدم في اليوم الرابع عند طلوع الشمس فالكل حيض لأن الكل ثلاثة أيام غير ساعة فيجعل كالدم المتوالي. وإن رأت الدم في اليوم الرابع عند طلوع الشمس لم يكن شيء من ذلك حيضاً لأنه ختم المدة بقبيل طلوع الشمس من اليوم الرابع، فإذا ضمت إلى ذلك وقت الطلوع وبعد الطلوع صار ثلاثة أيام وساعتين، والدم وجد في ساعتين فيبقى الطهر المتخلل ثلاثة أيام فصار فاصلاً، فلهذا لم يجعل شيء من ذلك حيضاً.

فإن رأت الدم عند طلوع الشمس ثم انقطع ثم رأته من اليوم الرابع عند طلوع الشمس ثم انقطع ثم رأته من الغد من اليوم السابع بعد طلوع الشمس فالكل حيض لأن الطهر الأول لما قصر عن الثلاث صار كالدم المتوالي فصار الدم غالباً حكماً. وإن رأت الدم عند طلوع الشمس ثم انقطع ثم رأت في اليوم الرابع قبل طلوع الشمس ثم انقطع ثم رأت الدم في اليوم السابع بعد طلوع الشمس ثم رأت الدم في العاشر بعد طلوع الشمس. فعند أبي زيد الكبير وأبي علي الدقاق: الكل حيض على قول محمد رحمه الله لأن الطهر الأول لقصوره عن الثلاث فصاركالدم المتوالي، وصار الطهر الباقي مغلوباً به فيتعدى أثره إلى الطهر الثالث.
وعلى قول أبي سهل: الأحوال الستة الأولى حيض وما بعدها ليس بحيض لأن الطهر الثاني ثلاثة أيام، وهو وإن صار مغلوباً بالدم إلا أنه لا يتعدى أثره إلى الطهر الثالث على ما مرّ قبل هذا.
جئنا إلى بيان الساعة فنقول: الساعة اسم الوقت ممتد على ما يقوله المنجمون فيحتمل اليوم والليلة عندهم على أربعة وعشرين ساعة، فتارة ينتقص الليل حتى يكون تسع

(1/222)


ساعات ويزداد النهار حتى يكون خمس عشرة ساعة، وتارة ينتقص النهار حتى يكون تسع ساعات ويزداد الليل حتى يكون خمس عشرة ساعة. وهذا أمر حقيقي إلا أنها إذا أطلقت يراد بها في عرف لسان الفقهاء جزءاً من النهار.
فإذا عرفت هذا وسئلت عن مبتدأة رأت ساعة دماً وثلاثة أيام غير ساعتين طهراً وساعة دماً (فقل) إن الكل حيض لأن الكل ثلاثة أيام فكان الطهر دون الثلاث فصار كالدم المتوالي.

وإن رأت ساعة دماً وثلاثة أيام غير ثلاث ساعات طهراً وساعة دماً لم يكن شيء من ذلك حيضاً لأن الكل دون ثلاثة أيام إلا رواية عن أبي يوسف رحمه الله فإنه يقيم الأكثر من اليوم الثالث في رؤية الدم مقام كله، إن رأت ساعة دماً وثلاثة أيام غير ساعة طهراً وساعة دماً فالكل حيض لأن الكل ثلاثة أيام وساعة وقد رأت الدم في ساعتين فيقصر الطهر عن ثلاثة أيام فكان كالدم المتوالي.
وإن رأت ساعة دماً وثلاثة أيام طهراً وساعة دماً لم يكن شيء من ذلك حيضاً عند محمد رحمه الله لأن الطهر ثلاثة أيام.
تفصيل: وإن رأت ساعة دماً وثلاثة أيام غير ساعة طهراً وساعة دماً وثلاثة أيام طهراً وساعة دماً وثلاثة أيام طهراً وساعة دماً، فعلى قول أبي زيد الكبير وأبي علي الدقاق رحمهما الله: الكل حيض لأن الطهر الأول لقصوره عن الثالث صار كالدم المتوالي فصار الطهر الثاني مغلوباً بالدم فيتعدى أثره إلى الطهر الثالث وعلى قول أبي سهل: حيضها ستة أيام وساعة من أول ما رأت لأن الطهر الثاني كامل، وهو وإن صار مغلوباً إلا أنه لا يتعدى أثره إلى الطهر الثالث وأما آخر النهار فيحسب ما تذكر من ربع أو وثلث أو غيره.
فإذا سئلت عن مبتدأة رأت ربع يوم دماً ثم يومين وثلث يوم طهراً ثم ربع يوم دماً فقل: لا يكون شيء منه حيضاً لأن الكل دون الثلاث فيقدر بسدس يوم وإن رأت ربع يوم دماً ثم يومين ونصف يوم طهراً ثم ربع يوم دماً فالكل حيض، لأن الكل ثلاثة أيام والطهر فيه قاصر، وإن رأت ربع يوم دماً وثلاثة أيام طهراً وربع يوم دماً لم يكن شيء من ذلك حيضاً لأن الطهر ثلاثة أيام، فيصير فاصلاً عند محمد رحمه الله.
H
وهذا النوع من المسائل لا يقع غالباً ولكن وضعت لتشحذ الخاطر.
(فرع)

هو قريب مما تقدم من المسائل مبتدأة رأت يوماً دماً ويوماً طهراً واستمر كذلك أشهر، فعلى قول أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة أخراً الجواب في جنس هذه المسائل واضح، فإنه يرى بداية الحيض بالطهر وختمه بالطهر فيكون العشرة في أول ما رأت حيضَها، وطهرُها عشرون وذلك دأبها في كل شهر وعليه الفتوى. وأما على قول محمد رحمه الله: حيضها من أول ما رأت تسعة وطهرها أحد وعشرون لأن اليوم العاشر طهر كله، وهو لا يرى ختم الحيض بالطهر.
ويحتاج على قول محمد إلى معرفة ختم العشرة وإلى معرفة ختم الشهر ليتبين به حكم بداية الحيض في الشهر الثاني، ولذلك طريقان. أحدهما: (34أ1) أن الأوتار من

(1/223)


أيامها دم والشفوع طهر، واليوم العاشر من الشفوع فعلم أنه كان طهراً واستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان في الشهر الأول والثاني، وهو طريق الحساب وعليه تخرج هذه المسائل فنقول في معرفة ختم العشرة اعدد دماً وطهراً، وذلك اثنان ونضربه فيما يوافق العشرة وذلك خمسة، واثنان في خمسة فكان آخره طهراً، وفي معرفة ختم الشهر نأخذ دماً وطهراً ونضربه فيما يوافق الشهر، وذلك خمسة عشر فيكون ثلاثين، فيكون آخره طهراً وكذلك في الشهر الثاني حيضها عند محمد رحمه الله تسعة من أول ما رأت وطهرها أحد وعشرون، فإن رأت يومين دماً ويوماً طهراً واستمر كذلك فالعشرة من أولها حيض عند محمد أيضاً لأن ختم العشرة بالدم.
وإذا أردت معرفة في حق العشرة فخذ دماً وطهراً وذلك ثلاثة واضربها فيما يقارب العشرة وذلك ثلاثة لأنك لا تجد ما يوافقها وثلاثة في ثلاثة يكون تسعة فآخر المضروب طهر ثم بعده يوم دم فيكون ختم العشرة بالدم.
وإن أردت معرفة ختم الشهر فخذ دماً (و) طهراً وذلك ثلاثة واضربه فيما يقارب الشهر وذلك عشرة فيكون ثلاثون وآخر المضروب طهر، أو استقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان لها في الشهر الأول، ويكون دورها في كل شهر عشرة حيضها وعشرون طهراً.

وكذلك إن رأت يوماً دماً ويومين طهراً فهو على هذا التخريج وإن رأت يومين دماً ويومين طهراً واستمر كذلك فحيضها عشرة من أول ما رأت عند محمد رحمه الله لأن ختم العشرة بالدم.
وطريق معرفته: أن نأخذ دماً وطهراً وذلك أربعة، ونضربه فيما يقارب العشرة، وذلك اثنان فيكون ثمانية، وأحد المضروب طهر ثم بعده يومان دم تمام العشرة، فعلم أن ختم العشرة بالدم فكانت العشرة من أول ما رأت حيضاً.
وإن أردت أن تعرف ختم الشهر فخذ دماً وطهراً وذلك أربعة واضربها فيما يقارب الشهر وذلك سبعة فيكون ثمانية وعشرين، وأحد المضروب طهر ثم بعده يومان دم تمام الشهر، واستقبلها في الشهر الثاني يومان طهراً وبداية الحيض بالطهر لا يكون عند محمد رحمه الله فتصلي في هذين اليومين ثم بعدها يومان دم ويومان طهراً ويومان دم. فهذه السبعة تكون حيضاً لها في الشهر الثاني لأن ختم العشرة في الشهر الثاني بيومين طهر وهو ما يختتم الحيض بالطهر ثم ينظر إن ختم الشهر الثاني فماذا يكون فتأخذ دماً وطهراً وذلك أربعة، ونضربه فيما يوافق الشهرين وذلك خمسة عشرة فيكون ستين وآخر المضروب طهر فتصلي إلى هذا الموضع، واستقبلها في الشهر الثالث يومان دم فكان دورها في كل شهرين في الشهر الأول عشرة حيض واثنان وعشرون طهر وفي الشهر الثاني ستة حيض بعد يومين فصار اثنان وعشرون طهر، وعلى قياس ما قلنا نخرج ما يسأل عن هذا الجنس من المسائل.
(نوع آخر)
في نصيب عادة المبتدأة.
يجب أن يعلم بأن المبتدأة على وجهين: أما إن ابتدأت وبلغت بالحيض إذا ابتدأت

(1/224)


فبلغت بالحبل فنبدأ بما إذا بلغت بالحيض وإنه على وجوه.

أما إن رأت دماً صحيحاً وطهراً صحيحاً ثم ابتليت بالاستمرار، وفي (هذا) الوجه يعتبر المرئي عادة لها في زمان الاستمرار لأنه لو لم يعتبر ذلك عادة لها ودت هي إلى العشرة والعشرين ولم تر هي ذلك قط فكان ردها إلى ما كانت رأته مرة أولى، بخلاف صاحبة العادة إذا رأت بخلاف عادتها مرة ثم استمر بها الدم لا تنتقل عادتها إلى المخالف عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن هناك لو لم يعتبر المخالف عادة لها ردت هي إلى أول العادة الأصلية، وذكر مزية مؤكدة بالتكرار أما ههنا بخلافه، توضيحه أن الحاجة في حق صاحبة العادة إلى فسخ العادة الأولى ونصب العادة الثانية، والشيء إنما ينفسخ بما هو مثله أو فوقه لا ما هو دونه، والثانية ردت الأولى لأن الأولى تأكدت بالتكرار والثانية لم تتأكد أما في حق المبتدأة الحاجة إلى نصب العادة، فلو لم يجعل المرئي مرة واحدة عادة لها يحتاج إلى ردها إلى غير المرئي، ولا شك أن اعتبار المرئي أولى من اعتبار غير المرئي.
ثم تفسير الدم الصحيح أن لا ينتقص عن ثلاثة أيام ولا يزيد على عشرة أيام، ولا يصير مغلوباً بالطهر.
وتفسير الطهر الصحيح أن لا يكون أقل من خمسة عشر، ولا يصل المرأة فيه شيء من الدم من أوله أو أوسطه أو آخره، وأن يكون بين الحيضتين.
فإذا رأت دماً صحيحاً وطهراً صحيحاً مرة واحدة على التفسير الذي قلنا، ثم ابتليت بالاستمرار تجمل أيام حيضها في زمان الاستمرار (ما رأت) من الدم قبل الاستمرار، وأيام طهرها ما رأت من الطهر قبل الاستمرار.
بيان ذلك: مبتدأة رأت خمسة دماً وعشرين يوماً طهراً ثم استمر بها الدم أشهراً فإنها تترك الصلاة من أول الاستمرار خمسة وتصلي عشرين، وذلك دأبها في جميع زمان الاستمرار.
الوجه الثاني: إذا رأت دماً فاسداً ثم ابتليت بالاستمرار، وبيان ذلك: مبتدأة رأت أربعة عشر يوماً دماً وأربعة عشر يوماً طهراً واستمر بها الدم، فههنا الدم والطهر كلاهما فاسدان، الدم للزيادة على العشرة والطهر للنقصان عن خمسة عشر، فيجعل كأنها ابتليت بالاستمرار من الابتداء، فيجعل حيضها عشرة من أول ما رأت: أربعة عشر يوماً دماً وبقية الشهر وذلك عشرون طهرها، ومعناه ثمانية عشر إلى زمان الاستمرار فيجعل من أول الاستمرار يومين من طهرها فتصلي في هذين اليومين، ثم تقعد عشرة وتصلي عشرين وذلك دأبها.
وكذلك إذا كان الدم خمسة عشر والطهر أربعة عشر يجعل حيضها عشرة من أول ما رأت خمسة عشر دماً وبقية الشهر وذلك عشرون طهرها. ومعناه بتسعة عشر فيجعل من أول الاستمرار يوماً من طهرها فتصلي فيه ثم تقعد عشرة وتصلي عشرين.
وكذلك إذا كان الدم ستة عشر والطهر أربعة عشر يجعل حيضها عشرة من أول ما رأت الدم ستة عشر وبقية الشهر وذلك عشرون طهرها، ومعناه عشرين فأول الاستمرار في

(1/225)


هذه الصورة يوافق ابتداء حيضها، فتدع الصلاة عشرة أيام من أول الاستمرار وتصلي عشرين وذلك دأبها، ثم تسوق المسألة هكذا إلى أن اتفق الدم ثلاثة وعشرون والطهر أربعة عشر ثم استمر بها الدم فإن العشرة من أول ما رأت حيض، وما بعد ذلك ابتداء طهرها سبعة أيام، فمن الأربعة العشر التي هي طهرها تسعة أيام تمام طهرها وسبعة من موضع حيضها الثاني ولم تر فيه شيئاً جاء الاستمرار وقد بقي من موضع حيضها الثاني ثلاثة أيام والثلاثة حيض كامل، فتدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة ثم تصلي عشرين ثم تدع الصلاة عشرة ثم تصلي عشرين وذلك دأبها.
وإن (رأت) الدم أربعة وعشرون والمسألة بحالها يعني: والطهر أربعة عشر ثم استمر بها الدم فستة من طهر أربعة عشر بقية طهرها.

بقي ثمانية أيام من موضع حيضها الثاني ولم تر فيها دماً ثم جاء الاستمرار وقد بقي من موضع حيضها يومان فلا يكون حيضاً، فهذه امرأة لم تر مرة فيصار إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان وعشرون يوماً من أول الاستمرار ثم تدع الصلاة عشرة وتصلي عشرين، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، ومحمد رحمه الله يقول بالإبدال على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، وأبو يوسف رحمه الله يقول بنقل العادة لعدم الرؤية، حتى إن على قوله من هذه الصورة أن المرأة تستأنف الحساب من أول الاستمرار فتدع الصلاة من أول الاستمرار عشرة، وتصلي عشرين فتنتقل عادتها من حيث المكان والعدد على حاله وهذا دأب لكل امرأة لم تر (دماً) في موضع حيضها مرة ثم استمر بها الدم إنها تسأنف الحساب من أول الاستمرار، فيجعل حيضها من أول الاستمرار فينتقل المكان والعدد على حاله.
الوجه الثالث: إذا رأت دماً فاسداً وطهراً صحيحاً من حيث الظاهر، وبيان ذلك: مبتدأة رأت أحد عشر يوماً دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم، فالدم ههنا فاسد لكونه زائداً على العشرة، والطهر الصحيح طاهر لأنه يستكمل خمسة عشر يوماً إلا أنه فسد معنىً بفساد الحيض لأنها صلت في أول يوم منه (34ب1) بالدم، فعلى قول محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله يكون حيضها عشرة من أول ما رأت وطهرها عشرون، كما لو بلغت واستمر بها الدم تيقناً من طهرها ستة عشر اليوم الحادي عشر من الدم، خمسة عشر بعد ذلك لم تر فيها الدم، جاء الاستمرار وقد بقي من طهرها أربعة فتصلي أربعة من أول الاستمرار، ثم تدع الصلاة عشرة ثم تصلي عشرين، وعلى قول أبي علي الدقاق حيضها عشرة وطهرها ستة عشر وقد مضت ستة عشر يوماً فتدع الصلاة من أول الاستمرار عشرة، وتصلي ستة عشر وذلك دأبها.
فوجه أبي علي الدقاق: أن فساد الدم في اليوم الحادي عشر لم يؤثر في الدم حتى جعلت العشرة عادة لها في الحيض في زمان الاستمرار فكذا لا يؤثر في الطهر لأن المفسد واحد، فإذا لم يؤثر في جنسه لا يؤثر في خلاف جنسه من طريق الأولى. وجه قول محمد بن إبراهيم أن اليوم الحادي عشر من الطهر لا من الحيض، ورؤية الدم العاشر مؤثر في الطهر.

(1/226)


الوجه الرابع: إذا رأت دماً صحيحاً وطهراً فاسداً واستمر بها الدم. بيان ذلك: مبتدأة رأت خمسة أيام دماً وأربعة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم، فحيضها خمسة وطهرها بقية الشهر خمسة وعشرون. جاء الاستمرار وقد بقي من طهرها أحد عشر يوماً فتصلي أحد عشر يوماً من أول الاستمرار، ثم تدع الصلاة خمسة وتصلي خمسة وعشرون وذلك دأبها.
الوجه الخامس: إذا رأت دماً وطهراً كل واحد منهما صحيح من حيث الظاهر ولكنها يفسدان بطريق الضرورة فلا يصح لنصب العادة.
وبيان ذلك: مبتدأة رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً، ثم يوماً دماً ثم يومين طهراً واستمر بها الدم فههنا وجد دم صحيح في الظاهر وهي ثلاثة أيام وطهر صحيح في الظاهر وهو خمسة عشر يوماً، ولكنها لما رأت يوماً دماً بعدها ويومين طهر لا يمكن اعتبار هذه الثلاثة حيض لأن ختمها بالطهر. ومحمد رحمه الله لا يرى ذلك ولا وجه فيه إلى الإبدال لأنه لا يبقى بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني طهر خمسة عشر يوماً.

ولا يجوز الإبدال في المسألة على ما يأتي بيانه بعد هذا فتصلي في هذه الأيام ضرورة فيفسد به ذلك الطهر لأنها صلت فيه بالدم، ويخرج من أن يكون صالحاً لنصب العادة، فيكون حيضها ثلاثة أيام وطهرها بقية الشهر تسعة وعشرون، وقد مضى منه ثمانية عشر يوماً، فتصلي من أول الاستمرار تسعة أيام ثم تدع الصلاة ثلاثة وتصلي سبعة وعشرين، وهذا الذي ذكرنا قول محمد رحمه الله. فأما على قول أبي يوسف رحمه الله لما رأت بعد طهر خمسة عشر يوماً دماً ويومين طهراً، واستمر بها الدم أمكن اعتبار هذه الثلاثة حيضاً لأنه يرى ختم الحيض بالطهر إذا كان بعده دم، فجعلنا تلك الثلاثة حيضاً فلم يفسد بالطهر بل يبقى صحيحاً، فيجعل الطهر عادتها في الدم. فالطهر ما رأت، وقد وافق ابتداء الطهر ابتداء الاستمرار، فتصلي من أول الاستمرار خمسة عشر وتدع الصلاة ثلاثة وذلك دأبها.
ولو رأت في الابتداء أربعة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ثم يوماً دماً ويومين طهراً ثم استمر بها الدم، وههنا الطهر صحيح صالح لنصب العادة لأن بعده دم يوم وطهر يومين ويوم من أول الاستمرار تمام الأربعة، فابتداء الحيض الثاني وختمه بالدم. فيمكن أن يجعل ذلك حيضاً، فبقي الطهر على الصحة فيصلح لنصب العادة فتدع الصلاة من أول الاستمرار يوماً ثم تصلي خمسة عشر ثم تدع الصلاة أربعة وتصلي خمسة عشر، وذلك دأبها في زمان الاستمرار. وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
فإن رأت الدم عشرة والطهر خمسة عشر ثم استمر بها الدم يوماً، ثم الطهر ثلاثة ثم الدم يوماً، ثم الطهر ثلاثة، ثم استمر بها الدم، فعلى قول أبي يوسف رحمه الله: هذا بمنزلة ما لو رأت الدم عشرة والطهر خمسة عشر، ثم استمر بها الدم فيجعل حيضها من أول الاستمرار عشرة وطهرها خمسة عشر. فأما على قول محمد رحمه الله فقد اختلف أبو زيد الكبير وأبو علي الدقاق وأبو سهل الغزالي رحمهم الله.

(1/227)


قال أبو زيد وأبو علي يجر من أول الاستمرار يومان ويصير إلى ما رأت بعد الخمسة عشر فتصير العشرة بعد الخمسة عشر حيضاً فيصلح البناء عليه فتدع الصلاة من أول الاستمرار يومين ثم تصلي خمسة عشر ثم تقعد عشرة ثم تصلي خمسة عشر، وذلك دأبها، وعلى قول أبي سهيل تقعد من أول الاستمرار سبعة ثم تصلي خمسة عشر ثم تقعد عشرة ثم تصلي عشرين وذلك دأبها.
فإن رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر طهراً ويوماً دماً وخمسة عشر طهراً ثم استمر بها الدم فهذه امرأة رأت دماً صحيحاً وطهراً فاسداً لأن الدم المتخلل بين الطهرين لا يصلح حيضاً لأنه قصر عن ثلاثة أيام فيفسد الطهر لأنه صار مستوياً بدم أمرت بالصلاة فيه فيكون أيام حيضها ما رأت ابتداء وذلك ثلاثة وأيام طهرها بقية الشهر سبعة وعشرون فنقول: موضع حيضها الثاني من ثلاثين إلى ثلاثة وثلاثين، ومن ابتداء ما رأت إلى يوم الاستمرار أربعة وثلاثين فقد مضى أيام حيضها الثاني بكماله ولو لم تر فيها شيئاً، فتنتقل عادتها من حيث المكان، والعدد على حاله عند أبي يوسف رحمه الله فتستأنف الحساب من أول الاستمرار فتقعد ثلاثة وتصلي سبعة وعشرون وذلك دأبها في زمان الاستمرار.

وإن رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ويوماً دماً وأربعة عشر يوماً طهراً، ثم استمر بها الدم فهذه امرأة رأت دماً صحيحاً وطهراً صحيحاً، لأن الطهر الثاني لما كان أقل من خمسة عشر لم يعتبر، وصار كأنها رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم فيجعل ذلك عادة لها في زمان الاستمرار. ويجعل بعد طهر خمسة عشر ثلاثة أيام من حيضها، وخمسة عشر من طهرها ومن بعد طهر خمسة عشر إلى يوم الاستمرار خمسة عشر، فجاء الاستمرار وقد بقي من طهرها الثاني ثلاثة: فتصلي من أول الاستمرار ثلاثة أيام بقية طهرها الثاني وتقعد عشرة وتصلي خمسة عشر وذلك دأبها، بخلاف ما إذا رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ويوماً دماً وخمسة عشر يوماً طهراً، فإن هناك جعلنا حيضها ثلاثة أيام وطهرها بقية الشهرين سبعة وعشرون؛ لأن هناك الطهر الثاني لم يصر كالدم المتوالي لأنه بلغ خمسة عشر وصار فاصلاً بين الدم يوم وبين دم الاستمرار، ودم يوم لا يمكن أن يجعل حيضاً فتصلي فيه، فيفسد الطهر الأول لمكان هذا اليوم لأنه شابه دم أمرت بالصلاة فيه.
أما أن يصير الطهر الثاني كالدم المتوالي فلا. أما ههنا: الطهر الثاني قصر عن خمسة عشر فصار كالدم المتوالي فلهذا افترقا. والله أعلم.
هذا إذا رأت دماً وطهراً، فأما إذا رأت دماً صحيحاً وأطهاراً ثم استمر بها الدم فإنه على وجوه:
الأول: أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين.
نحو أن ترى ثلاثة دماً وخمسة عشر طهراً وثلاثة دماً وخمسة عشر طهراً ثم استمر بها الدم. وفي هذا الوجه تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر لأن ما رأت صارت عادة قديمة لها بالتكرار، ولو كانت رأته مرّة واحدة تعتبر عادة لها في زمان الاستمرار، وأراد به مرتين أولى.

(1/228)


الوجه الثاني: إذا رأت يومين دمين مختلفين وطهرين مختلفين، فإن رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً وأربعة دماً وستة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم فلا رواية في هذا الفصل. وقد اختلف المشايخ فيه، وقال الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله: تبني ما رأته في المرة الثانية على ما رأته في المرة الأولى. وتفسير ذلك أنها لما رأت أربعة دماً فثلاثة من ذلك مدة حيضها واليوم الرابع من حساب طهرها إلا أنها تترك الصلاة فيه لرؤية الدم، فلما طهرت ستة عشر فأربعة عشر منها تمام طهرها ويومان مدة حيضها، فلا تترك الصلاة فيه لأن ابتداء الحيض بالطهر لا يكون، فجاء الاستمرار وقد بقي من مدة حيضها يوم، واليوم الواحد لا يكون حيضاً فتصلي إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر ثم تقعد ثلاثة وتصلي خمسة عشر أبداً.
وجه قوله: أن المرة الواحدة في حق المبتدأة لنصب العادة كالمرتين في المعتادة، فصار ما رأته أول مرة عادة لها، وصاحبة العادة تبني عند الاستمرار ما لم يُوجد ما ينقصها، كما إذا كانت رأت ذلك مرتين ولم يوجد ما ينقصها لأنها لم تر ما يخالف عادتها مرتين، وقال الفقيه أبو عثمان سعد بن مزاحم السمرقندي رحمه الله: لا تبني ما رأته في المرة الثانية على ما رأته في المرة الأولى ولكن تستأنف الحساب وتبني في زمان الاستمرار على أول المرئي.
ووجه قوله: أن ما رأته أول مرة لم يصر عادة لها لأن العادة مشتقة من العود، ولا عود في حق المرئي أولاً لترد إليه فلا ترد إليه بخلاف ما إذا رأت الأول مرتين، والثاني مرة واحدة، ثم جاء الاستمرار حيث تبني الثاني على الأول لأن هناك ما رأته أول مرة صار عادة لها بالتكرار فجاز أن تبني الثاني على الأول، أما ههنا بخلافه ولكن تستأنف الحساب من أول الاستمرار وتبني على أول المرتين لوجود الأقل في الأكثر فتقعد في أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر وذلك دأبها، وهذا الاختلاف إنما يتأتي على قول محمد رحمه الله.
أما على قول أبي يوسف رحمه الله تبني الأمر في زمان الاستمرار على ما رأته آخر مرة لأن عنده العادة تنتقل برؤية المخالف، مرة فأكثر ما فيه أن ما رأته أول مرة صار عادة لها إلا أنها انتقلت إلى ما رأته الأمر فتبني الأمر في زمان الاستمرار على ما رأته آخراً.
الوجه الثالث: أن ترى ثلاثة دماء مختلفة وثلاثة أطهار مختلفة كلها صحاح بأن رأت الدم ثلاثة والطهر خمسة عشر ثم رأت الدم أربعة والطهر ستة عشر، ثم رأت الدم خمسة والطهر سبعة عشر، وفي هذا الوجه لا تبني البعض على البعض بلا خلاف، فرّق الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني على قول محمد رحمه الله بين هذا الوجه وبين الوجه الثاني من حيث إن ههنا رأت خلاف ما رأته أولاً مرتين والعادة تنتقل برؤية المخالف مرتين بخلاف الوجه الثاني لأن هناك رأت المخالف مرة واحدة.
ثم إذا لم تبني البعض على البعض في هذا الوجه. ماذا تصنع قال الفقيه محمد بن إبراهيم رحمه الله: تبني أمرها هي على أوسط الأعداد، وهو قول أبي نصر أحمد بن سهل

(1/229)


وأبي عثمان سعد بن معاذ المروزي وأبي بكر الأعمش رحمهم الله، وعلى قول أبي عثمان سعد بن مزاحم السمرقندي رحمه الله أمرُها على أول المرتين الآخرتين، وهو قول أبي يعقوب الغزالي وأبي سهل الغزالي وأبيه أبي نصر رحمهم الله.

وثمرة الخلاف لا تظهر في هذه الصورة التي ذكرها، فإن أوسط الأعداد في هذه الصورة أربعة وستة عشر. وأقل المرتين الآخرتين أيضاً أربعة وستة عشر، وإنما تظهر ثمرة الخلاف عند قلب هذه الصورة بأن كانت رأت خمسة دماً وتسعة عشر يوماً طهراً ثم رأت أربعة دماً وستة عشر يوماً طهراً ثم رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً، فعلى قول من يقول بأوسط الأعداد تقعد من ابتداء الاستمرار أربعة وتصلي ستة عشر وذلك دأبها، وعلى قول من يقول بأقل المرتين الآخرتين تقعد من ابتداء الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر.
وجه قول من قال بأوسط الأعداد: أن الوسط هو العدل لأن له حظاً من الجانبين وتأكد ذلك بالأثر قال عليه السلام: «خير الأمور أوساطها» فكان اعتباره أولى، وجه قول من قال بأقل المرتين الآخرتين تأكد التكرار لوجود الأقل من الأكثر، فكان اعتباره عادة لها من زمان الاستمرار أولى، والفتوى على هذا لأنه أيسر على النساء، وعلى المفتين، فإن على قول من يقول بأقل المرتين الآخرتين يحتاج إلى حفظ عددين ولا شك أن حفظ عددين أيسر من حفظ ثلاثة أعداد، ويجب أن يكون مبنى الحيض على السعة واليسر لأنه يتعلق بالنساء، وفي عقلهن نوع نقصان، ألا ترى أن مشايخنا أفتوا وأجازوا قول أبي يوسف رحمه الله في انتقال العادة برؤية المخالف لأنه أيسر عليهن.
وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

وعلى هذا الاختلاف صاحبة العادة إذا اختلفت أيامها في الحيض والطهر ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم ينظر إلى أوسط الأعداد الثلاثة في آخر الطهر والحيض، وعلى قول أبي عثمان ينظر إلى أقل المرتين الآخرتين، وسيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى وكان الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام على البزدوي رحمه الله يفتي بأوسط الأعداد إذا كانت المرأة تذكرها وإن لم تذكرها فبأقل المرتين الآخرتين إذا ذكرتهما، وإن لم تذكرهما فبالأخيرة أخذاً بقول أبي يوسف رحمه الله في انتقاض العادة بمرّة على ما يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
الوجه الرابع: إذا رأت دمين متفقين وطهرين متفقين، ثم إذا رأت بعد ذلك مخالف لهما بأن رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ثم رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ثم رأت أربعة دماً وستة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم، وفي هذا الوجه على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تصلي من أول الاستمرار بستة عشر لأن عندهما العادة لا تنتقل

(1/230)


برؤية المخالف فيجب البناء على تلك العادة فإذا رأت أربعة دماً فثلاثة من ذلك من حساب حيضها واليوم الرابع من حساب طهرها، فإذا رأت بعد ذلك ستة عشر يوماً طهراً وأربعة عشر من ذلك تمام طهرها ويومان من حساب حيضها ولم تر هي فيهما دماً فلا يمكن اعتباره حيضاً فجاء الاستمرار وقد بقي من حيضها يوم، ولا يمكن اعتبار يوم واحد حيضاً فتصلي هي إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر يوماً ثم تقعد ثلاثة وتصلي خمسة عشر، وذلك دأبها.
وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: العادة تنتقل برؤية المخالف مرة وهو المختار للفتوى فتقعد من أول الاستمرار أربعة وتصلي ستة عشر وذلك دأبها.

الوجه الخامس: أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين وبينهما ما يخالفهما بأن رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً. ثم رأت أربعة دماً وستة عشر يوماً طهراً ثم رأت ثلاثة دماً وخمسة عشر يوماً طهراً ثم استمر بها الدم، وفي هذا الوجه تقعد من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر، ويكون ذلك عادة جميلة لها، وإنما سميت هذا عادة جميلة لأنه تكرر على الاتفاق لكنها صحت لتخلل المخالف فسميت جميلة لهذا. أو قيل: إنما سميت هذا عادة جميلة لأنها لو رأت المتفقين على الولاء كان ذلك عادة أصلية لها. وإذا كان بينها ما يخالفهما يجعل ذلك عادة لها على معنى أن يعتبر ما رأته آخراً كالمضمومة إلى ما رأته أولاً لما بينهما من الموافقة فتتأكد هي بالتكرار ويصير عادة لها في زمان الاستمرار، وتغيير العادة الجعلية وأحكامها يأتي بعد هذا على سبيل الاستقصاء إن شاء الله.
وهذا التكلف إنما يحتاج إليه لتخريج المسألة على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا على قول أبي يوسف رحمه الله لأن على قوله: العادة تنتقل برؤية المخالف مرة، فحين رأت أول مرة ثلاثة وخمسة عشر صار ذلك عادة أصلية لها. فإذا رأت بعد ذلك أربعة وستة عشر صار ذلك عادة أصلية لها، فإذا رأت بعد ذلك ثلاثة وخمسة عشر صار ذلك عادة أصلية يبنى عليها في زمان الاستمرار.
هذا الذي ذكرنا إذا ابتدأت وبلغت بالحيض، فأما إذا ابتدأت وبلغت بالحبل وقد يكون ذلك بأن حبلت من زوجها قبل أن تحيض فيكون بلوغها بالحبل فولدت (واستمر) بها الدم فنفاسها أربعون يوماً عندنا، وعند الشافعي ساعة وهو يعتبر أقل النفاس لكونه منتفعاً به.

ونحن نعتبر أكثرها للإمكان لأنها مبتدأة في حق النفاس، ألا ترى أن في المبتدأة بالحيض اعتبرنا أكثر الحيض وهي عشرة إذا استمر بها الدم لوجود الإمكان، فكذا في حق النفاس ولأن الصلاة قد تسقط عنها برؤية دم النفاس بيقين فلا يرتفع السقوط إلا بيقين مثله قبل الأربعين وبعد الأربعين يجعل عشرون يوماً طهراً لأنه لا يتوالى نفاس وحيض لا طهر بينهما كما لا يتوالى حيضان لا طهر بينهما، وإنما قدرنا الطهر بالعشرين في حقها لأن العشرة الأخيرة من النفاس استحق العشرة الأولى من الشهر الثاني. ولو صارت العشرة من الشهر مستحقة بالحيض كما (35ب1) في المبتدأة بالحيض إذا استمر بها الدم كان الباقي من الشهر وذلك عشرون طهراً فلذا إذا استحقت بالنفاس لأن النفاس نظير

(1/231)


الحيض ثم بعد ذلك حيضها عشرة لأنها مبتدأة في حقّ الحيض وطهرها عشرون وذلك دأبها.
وكذلك لو طهرت بعد الأربعين أقل من خمسة عشر ثم استمر بها الدم كان الجواب كما قلنا لأن هذا طهر قاصر لا يصلح للفصل بين الحيض والنفاس فكان كالدم المتوالي. فإن طهرت بعد الأربعين خمسة عشر يوماً ثم استمر بها الدم فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار عشرة أيام لأن طهر خمسة عشر طهر صحيح فتصير عادة لها بالمرة الواحدة. ولا عادة لها في الحيض فيكون حيضها عشرة فتدع الصلاة من أول الاستمرار عشرة وتصلي خمسة عشر ويكون دورها في كل خمسة وعشرين ثم نسوق المسألة إلى أن تقول طهرت بعد الأربعين أحد وعشرين ثم استمر بها الدم ولا رواية في هذه الصورة، وقد اختلف المشايخ فيه، قال محمد بن إبراهيم رحمه الله: تدع الصلاة من أول الاستمرار تسعة وتصلّي أحد وعشرون وذلك دأبها قال: لأن طهر أحد وعشرين طهر صحيح وعادتها في الطهر والحيض على ما عليه الغالب توجد في كل شهر فإذا صار أحد وعشرون طهراً لا يبقى الحيض إلا تسعة.

قال أبو عثمان سعد بن إبراهيم: تدع الصلاة من أول الاستمرار عشرة وتصلي أحد وعشرون ويكون دورها في كل أحد وثلاثين يوماً.
قال: لأن أكثر الحيض وهو عشرة معلوم في نفسه فلا ضرورة إلى تقديره....... الشهر بخلاف الطهر إذ ليس لأكثر الطهر غاية معلومة فإذا تعين بعض الشهر للحيض تعين الباقي للطهر قال الصدر الشهيد رحمه الله: هذا القول أليق مذهب أبي يوسف رحمه الله ظاهراً فيفتى به.
ثم يسوق المسألة إلى أن تقول: طهرت بعد الأربعين تسعة وعشرين ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله حيضها من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي لأنه هو الباقي من الشهر، ويمكن أن يجعل حيضها فتدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي سبعة وعشرون وذلك دأبها، وعلى قول أبي عثمان: حيضها من أول الاستمرار عشرة فتدع الصلاة من أول الاستمرار عشرة وتصلي سبعة وعشرين وذلك دأبها ويكون دورها على قول أبي عثمان في كل سبعة وثلاثين.
وإن طهرت بعد الأربعين ثمانية وعشرين يوماً ثم استمر بها الدم فههنا حيضها من أول الاستمرار عشرة ودورها في كل ثمانية وثلاثين بالاتفاق لأنه لم يبق من الشهر ههنما ما يمكن أن يجعل حيضاً، فرجعنا إلى أكثر الحيض وتركنا معنى اجتماع الحيض والطهر في شهر واحد على قول من قال بذلك في الفصل المتقدم.
فإن رأت بعدما ولدت أحداً وأربعين يوماً دماً ثم خمسة عشر طهراً ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله: نفاسها أربعون وطهرها عشرون لأنها صلت

(1/232)


في اليوم الحادي والأربعين بالدم فيفسد طهر خمسة عشر ولا يصلح لنصب العادة فصار كما لو ولدت واستمر بها الدم، وهناك يجعل نفاسها أربعون، وبعد الأربعين يجعل عشرين لطهرها، وبعد ذلك عشرة لحيضها، ومن بعد الأربعين إلى وقت الاستمرارستة عشر، بقي إلى تمام طهرها أربعة، فمن ابتداء الاستمرار تصلي أربعة وتدع الصلاة عشرة ثم تصلي عشرين ثم تدع الصلاة عشرة، وذلك دأبها.

على قول أبي علي الدقاق رحمه الله طهرها ستة عشر وحيضها عشرة، فمن أول الاستمرار تدع الصلاة عشرة وتصلي ستة عشر وذلك دأبها.
(نوع آخر) في الانتقال
يجب أن يعلم بأن الانتقال نوعان: أنتقال الحيض عن موضعه وانتقاله عن عدده، فصورة أنتقال الموضع أن يكون لها أيام حيض معروفة، فلا ترى هي في موضع حيضها مرتين على الولاء، فينتقل حيضها عن موضعه والعدد على حاله، وتستأنف الحساب من أسرع ما يمكن وذلك من أول الاستمرار فتدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة أيام ثم تصلي خمسة عشر، ثم تدع ثلاثة وتصلي خمسة عشر وذلك دأبها، وكما تنتقل العادة في الحيض بعدم الرؤية في موضعه مرتين تنتقل بعدم الرؤية في موضعه مرة واحدة والعدد على حاله عند أبي يوسف رحمه الله وعليه الفتوى.
وعلى قوله لا تتفرع مسائل الإبدال لأن مسائل الإبدال، إنما يتفرع على قول من لا يرى الانتقال بعدم الرؤية مرة.
صورة انتقال العدد أن يكون لها أيام معروفة في الحيض والطهر، فرأت خلاف عادتها مرتين متفقتين على الولاء، فإنه تنتقل عادتها في الحيض والطهر عن موضعها وعددها، وتصير عادتها ما رأت مرتين في الحيض والطهر بلا خلاف لأن العدد الأول إنما صار عادة لها لرؤيتها ذلك مرتين متفقتين على الولاء فإذا رأت خلاف ذلك مرتين فقد زال ما ثبت لها به العادة الأولى، ووجد مثل ذلك في حق الثانية عادة لها. وتبطله الأولى حتى ترد عند الاستمرار إلى ما رأته آخراً.
وإن رأت خلاف عادتها الأصلية مرة ثم استمر بها الدم لم تنتقل عادتها إلى ما رأته آخراً في الروايات الظاهرة عن أصحابنا، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله أنها تنتقل.
وجه «ظاهر الرواية» : أن الأولى صارت عادة لها لتأكدها بالتكرار على الولاء ولم يوجد التكرار في الثانية فلم تكن الثانية مثل الأولى بل كانت دونها فلا تبطل بها الأولى.

ووجه رواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمهما الله: أن القياس ما قال. إلا أني استحسنت هذا لتيسير الأمر على النسوان لأن العادة الأصلية إذا لم تنتقض برؤيتها خلافها مرة احتاجت هي إلى حفظ ثلاثة دماً وثلاثة أطهاراً إن كانت رأت دماً وأطهاراً مختلفة على قول من يقول بأوسط الأعداد وإلى حفظ دمين وطهرين على قول من يقول بأقل المرتين الأخريين.

(1/233)


وإذا انتقلت عادتها الأصلية برؤية المخالف مرة تحتاج هي إلى حفظ دم واحد وطهر واحد، ولا شك أن حفظ الشيء الواحد أيسر من حفظ المثنى والثلاث. وكثير من المشايخ أفتوا برواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمهما الله، ونحن نفتي به أيضاً والله أعلم.
ومما يتصل بهذا النوع: معرفة أنواع العادة فنقول:
العادة نوعان: أصلية وجعلية فالأصلية أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين على الولاء أو دماء متفقة وأطهاراً متفقة على الولاء.
والجعلية أنواع:
جعلية في حق الطهر والدم جميعاً: وذلك بأن ترى أطهاراً مختلفة ودماء مختلفة أو ترى دمين متفقين وطهرين متفقين وبينهما مخالف ثم استمر بها الدم، فيجب البناء، إما على أوسط الأعداد الثلاثة الأخيرة أو على أقل المرتين الأخريين على حسب ما اختلفوا فنسمي ذلك عادة جعلية في الدم والطهر جميعاً.
وجعلية في الطهر دون الدم بأن ترى هي أطهاراً مختلفة، أو ترى طهرين متفقين وبينهما طهر يخالفهما ثم يستمر بها الدم فيجب البناء في حق الطهر على أوسط الأعداد الثلاثة (36أ1) الأخيرة أو على أعلى المرتين الأخرتين تصير عادتها في الطهر جعلية.
وجعلية في حق الدم دون الطهر بأن ترى دماء مختلفة أو دمين متفقين وبينهما دم يخالفهما ثم يستمر بها الدم، فيجب البناء في حق الدم على أوسط الأعداد الثلاثة الأخيرة أو على أقل المرتين الآخرتين فتصير عادتها في الدم جعلية، وهذا لأن العادة مشتقة من العود، ومطلق العود إنما ينطلق على العود على الولاء اسماً ومعنىً.

فإذا اختلفت الدماء والأطهار والعود في أوسط الأعداد أو أقل المرتين الآخرتين على حسب ما اختلفوا، وجد من حيث المعنى دون الاسم، وكذلك في حق الطهرين والدمين وبينهما مخالف، والعود في حق المعنى: أن يوجد اسماً لم يوجد التوالي، فلوجود بعْض ما اشتق منه العادة اعتبرناها عادة لها عند الضرورة، ولعدم بعض ما اشتق منه لم يسمها عادة أصلية، بل سميناها عادة جعلية.
وهذه العادة الجعلية إذا اعترضت على العادة الأصلية ثم جاء الاستمرار هل تنتقض العادة الأصلية؟ قال مشايخ بلخ: لا تنتقض الأصلية، وقال مشايخ بخارى: تنتقض، وبيان ذلك: أن المرأة إذا كانت لها عادة أصلية في الحيض والطهر فرأت دماء مختلفة وأطهاراً مختلفة ونصبت بأوسط الأعداد. وأقل المرتين الآخرتين عادة لها، ثم جاء الاستمرار فإنها تبني الأمر في بيان الاستمرار على ما جعل عادة لها عند مشايخ بخارى، وعند مشايخ بلخ: تبني الأمر في زمان الاستمرار على ما كانت عادة لها في الأصل.
وجه قول مشايخ بلخ أن العادة الجعلية دون العادة الأصلية على ما مرّ، فلا تنتقض العادة الأصلية ولأن الجعلية اعتبرت عادة لها بطريق الضرورة ليمكن اعتبار حكم الحيض والطهر في حقها مع وجود المنافي لكونه عادة لها، وهو كونها فرداً والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة، ولا ضرورة إلى نقض العادة الأصلية، فلا ينتقض بها.

(1/234)


وجه قول مشايخ بخارى: أن العادة الجعلية لا تنفك عن تكرار المخالف للعادة الأصلية إلا أنه مختلف في نفسه ولكن مع اختلافه على مخالفة الأصل، فكان هذا بعض المكرر بالمكرر وإنه جائز، وهذه العادة الجعلية تنتقض برؤية المخالف مرة بالإجماع لأن العادة الجعلية فرد في نفسه لأنه أوسط الأعداد الثلاثة أو أقل المرتين الأخريين، والفرد ينتقض بالعدد.

والحاصل: أن العادة الجعلية لا تنفك عن تكرار المخالف للعادة الأصلية لكن وجب، فيعتبر واحد من هذه الأعداد بضرب اجتهاد ضرورة نصب العادة لها، وذلك الواحد فرد في نفسه فنقض بالعدد لكونه مثلاً له، ولكن الجملة المخالفة لأصل عدد في نفسها فانتصبت بها العادة الأصلية، وهذا الكلام في غاية الظهور ونهاية الوضوح والله أعلم.
ومما يتصل بهذا النوع من المسائل
إذا كان للمرأة عادة أصلية في الحيض والطهر، فوقعت الحاجة إلى نصب العادة لها برؤية أطهار مختلفة ودماء مختلفة، ونصب العادة أوسط الأعداد عادة لها على قول من يقول به، فوافق ذلك العادة الأصلية، فإنه يطرح المأخوذ ثم ينظر إلى أوسط الأعداد من الباقي أو إلى أقل المرتين الآخرتين، فإن وافق ذلك العادة الأصلية علم أن العادة الأصلية باقية فتبني عليها، فإن لم توافق هذه العادة الأصلية علم أن العادة الأصلية قد بطلت فيصير المطروح عادة جعلية لها.
بيان هذا: المرأة عادتها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرون، طهرت ثلاثين يوماً ثم رأت الدم عشرة ثم طهرت أربعين يوماً، ثم رأت الدم عشرة ثم طهرت خمسة عشر يوماً ثم رأت الدم عشرة أيام، ثم طهرت عشرون ثم استمر بها الدم. فنقول: أوسط الأعداد في الطهر عشرون لأنها طهرت مرة ثلاثين ومرة أربعين ومرة خمسة عشر ومرة عشرون، فعشرون أوسط الأعداد الثلاثة الأخيرة.
وإنما يعتبر أوسط الأعداد من الثلاثة التي قبل الاستمرار فإنه موافق للعادة الأصلية فيطرح ذلك، فيبقى بعده خمسة عشر وثلاثون وأربعون. وأوسط الأعداد منها ثلاثون فإنه ليس بموافق للعادة الأصلية، فعلم أن العادة الأصلية قد انتقضت لأنها رأت بخلافها مرتين فتبني على المطروح، وهو دم عشرة وطهر عشرين ويصير ذلك عادة جعلية لها.

ولو رأت الدم عشرة والطهر ثلاثين والدم عشرة والطهر خمسة عشر والدم عشرة والطهر عشرين ثم استمر بها الدم، فأوسط الأعداد عشرون وإنه يوافق العادة الأصلية فيطرح ذلك، فتبني بعده خمسة عشر وثلاثون، وما كان في الأصل عادة لها وذلك عشرون فالأوسط عشرون، فعلمنا أن العادة الأصلية لم تنتقض لأنه لم ير بخلافها إلا مرة فيبنى عليها ما بعدها.
فإذا طهرت ثلاثين يوماً فعشرون منها زمان طهرها وعشرة من حساب حيضها، ثم رأت الدم عشرة وهو ابتداء طهرها فإن رأت الطهر خمسة عشر فعشرة من ذلك من حساب طهرها وخمسة من حساب حيضها، ثم رأت الدم بعده عشرة فخمسة من ذلك بقية حيضها

(1/235)


وخمسة من حساب طهرها ثم رأت الدم بعده عشرين يوماً فخمسة عشر يوماً من ذلك بقية طهرها وخمسة من حساب حيضها ثم استمر بها الدم، وقد بقي من مدة حيضها فتدع الصلاة خمسة أيام من أول الاستمرار ثم تصلي عشرين ثم تدع الصلاة عشرة وذلك دأبها والله أعلم بالصواب.
(نوع آخر)
في الإبدال على قول من يرى ذلك. إذا كان للمرأة أيام حيض وأيام طهر معروفة فلم تر هي في موضع حيضها بمرة فإنها تصلي إلى موضع حيضها بمرة الثاني ولا يبدل لها في وقت طهرها وإن رأت الدم فيه عند أبي حنيفة رحمه الله لما فيه من نقل العادة بمرة وقال محمد رحمه الله: يبدل لها بقدر أيامها إذا أمكن الإبدال.
وإنما يثبت الإمكان بأن كان يبقى بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني طهر خمسة عشر يوماً، فإن كان لا يبقى بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني طهر خمسة عشر إلا أنه يمكن أن يجر من موضع حيضها الثاني إلى بقية طهرها ما يتمه خمسة عشر يوماً ويبقى بعد الجر في موضع حيضها الثاني ما يكون حيضاً فإنه يجر لأن مبنى الحيض على الإمكان وإنه موجود إذا بقي بعد الإبدال مدة طهر تام أو أمكن تتميمه بالجر، وهذا لأن المرأة لا تبقى عادتها في الحيض على صفة واحدة ولكنها تتقدم تارة وتتأخر أخرى، فيعتبر المرئي فيها حيضاً ما أمكن اعتباره حيضاً من الوجه الذي بيّنا.
وكان أبو زيد الكبير وأبو يعقوب الغزالي يأخذان بقول محمد رحمه الله بالبدل ما لم يحتج إلى الجر، فإذا احتيج إليه لا يأخذان بقوله، وكان الشيخ الإمام الزاهد وأبو حفص الكبير البخاري رحمه الله والفقيه محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله يقولان يبدل لها بقدر ما يفني فيه عن الجر وكثير من المشايخ المتأخرين أخذوا بقول محمد رحمه الله واختاروا قول الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص والفقيه محمد بن مقاتل رحمهما الله.
حجة أبي حنيفة رحمه الله في نفي البدل أصلاً، ما ذكرنا في البدل اتهام بنقل العادة برؤية المخالف مرة واحدة.

وجه قول محمد رحمه الله في إثبات أصل البدل أن هذا دم خارج من قبل المرأة في وقته لخروجه عقيب طهر صحيح فيجعل هو حيضاً كالأصل وهو الدم المرئي في وقته، وهذا لأن الغالب من عادات النساء أنها لا تدوم على وقت واحد وعلى عدد واحد، بل تتقدم مرة وتتأخر مرة وتزداد مرة وتنقص مرة أخرى، ثم يجوز أن يسقط اعتبار العدد برؤية المخالف مرة، فإن المرأة إذا كان أيام حيضها خمسة، رأت خمسها واستمر بها الدم إلى العشرة كانت العشرة كلها حيضاً بالإجماع، فكذا يجوز أن يسقط اعتبار الوقت مرة لم تر في وقتها المعروف مرة، وما قال أبو حنيفة رحمه الله من إيهام النقل برؤية المخالف مرة فكذلك من حيث الصورة لا من حيث الحكم لأن البدل يلتحق بموضع الأصل، ألا ترى أن الإمام إذا لم يقرأ في الأوليين من الظهر وقرأ في الأخريين فإنه تنتقل قراءته إلى (36ب1) الأوليين، حتى لو اقتدى به رجل في الأخريين ولم يقرأ فيما، يقضي في ركعة

(1/236)


واحدة أو في ركعتين تفسد صلاته؛ لحصولها بغير قراءة، لانتقال قراءة الإمام إلى الأوليين كذا ههنا، وإذا ثبت الإبدال على قول محمد رحمه الله يبدل لها ما أمكن، والإمكان بالطريق الذي قلنا.
وإذا لم يبق بعد الجر في موضع حيضها الثاني ما يصلح أن يكون حيضاً لا يبدل لها؛ لأن إثبات البدل في هذه الحالة يؤدي إلى إسقاطه ثابتاً؛ لأنما يثبت البدل لها عن عادتها الأولى، فإذا لم تبق بعد الجر في موضع حيضها الثاني ما يمكن اعتباره حيضاً لم يرَ الحيض في موضعها مرتين على الولاء، فيجب الانتقال، وإبطال العادة الأولى واستئناف الحساب في موضع البدل، فيفسد البدل؛ لأنه كان بدلاً عن العادة الأولى، وقد بطلت العادة الأولى، فلم يجز القول بالبدل في هذه الحالة فتصلي إلى موضع حيضها الثاني، كما قاله أبو حنيفة رحمه الله.

وجه قول أبي زيد وأبي يعقوب الغزال: أن القول بالجر يؤدي إلى محال وهو إيجاب الصلاة عليها في حالة الحيض، وإيجاب ترك الصلاة في حالة الطهر.
بيانه: أن المجرور حيض حقيقة، وإذا صح الجر يصير طهراً فتصلي فيه، والبدل حيض حقيقة إن كان دماً فهو في حالة الطهر؛ إذ العادة لم تنتقل برؤيتها خلافها مرة لا من حيث الموضع، ولا من حيث العدد، فتعينت هذه الحالة طهراً حكماً، فلو صح البدل تركت من الصلاة فيه فهو معنى قولنا: إن الجر يؤدي إلى المحال وما يؤدي إلى المحال فهو محال، ومحمد رحمه الله يقول: في الجر وقوع الخلل في بعض الحيض، وهو الصلاة في المقدار الذي يُجره وفي نفي الجر وقوع الخلل في دم البدل، فإنه دم خارج عن القبل في أوانه، فكان حيضاً كالأصل، فيجب ترك الصلاة فيه.
وإذا لم تجز صلّت هي في جميعه، ولا شك أن وقوع الخلل في البعض أهون من وقوع الخلل في الكل ثم يجوز أن يبدل لها أكثر من أيامها وأقل من أيامها، ولا يجوز أن يبدل لها أكثر من أيامها إلا أن يكون قبله أو بعده طهر تام؛ وهذا لأن البدل في أصول الشرع قد يكون مثل الأصل كضمان المتلفات وأروش الجنايات، وقد يكون هو دون الأصل كالتيمم الذي هو بدل عن الوضوء، فللبدل مثل أيامها وأقل من أيامها نظير في الشرع فيجوز البدل به أما لا يوجد في أصول الشرع بدل هو أكثر من المبدل، فإن البدل لا يربو حاله قط على حال المبدل، فلا يمكن اعتباره بدلاً على الإطلاق، فقيل: إذا كان قبله وجد طهر ناقص لم يكن اعتباره أصلاً، فجعل قدر أيامها بدلاً لا غير؛ لأنه دم فاسد؛ لأنه دم استحاضة، ولا يراد حيض المستحاضة على أيامها، وقيل: إنه إذا كان هو تاماً بين طهرين تاميين بأن كان حيضها ثلاثة فرأت في عشرة دماً، ولم يجاوز كان كله حيضاً؛ لأنه دم خال عن الاستحاضة، فكان هو أصلاً لا بدلاً، ثم يجوز البدل بعد أيامها كيف ما كان، ولا يجوز البدل قبل أيامها إلا أن تكون على أثر طهر تام؛ لأن الطهر الصحيح متى وجد إنما وجد بتوقع بعدها وجود دم حيض عند محمد رحمه الله، فإن من مذهبه أن المرأة إذا رأت عشرة أيام دماً خمسة قبل أيامها، وخمسة في أيامها إن كل ذلك

(1/237)


حيض إذا كان الطهر قبله وبعده تاماً، فإذا انقضت أيامها ولم ترَ فيه ما يكون حيضاً بتوقع منها بعده وجود دم الحيض، فإذا وجد كيف ما كان حكم بالبدل منه.

وكذا الذي قبل أيامها إذا كان على إثر طهر تام، فإنه مرئي في وقت كان دم الحيض متوقعاً منها، فجعل هو حيضاً وحكم بالبدل منه تامّاً إذا لم يكن هو على إثر طهر تام، فهو غير مرئي في وقت كان دم الحيض متوقعاً منها؛ لأن المرئي بعد الطهر الناقص لا يكون حيضاً ولم تجىء عادتها بعد، فإذا رأت الدم فقد رأتْهُ في وقت لم تتوقع منها دم الحيض، فأُمرت بالصلاة فيه.

ثم اختلف المشايخ في مراد محمد رحمه الله في قوله: لا يبدل لها قبل أيامها إلا أن يكون على إثر طهر تام، قال الحاكم أبو نصر أحمد بن مهروبه: أراد التصحيح الخالص الذي لا يشوبه دم تؤمر المرأة بالصلاة فيه لا التام مع الفساد، وقال بعض المشايخ: أراد بالتام أن يكون خمسة عشر يوماً، لا أن يكون صحيحاً خالصاً؛ لأن الصحة والخلوص في الطهر إنما يشرط لتنقل العادة؛ لأن الأصل صار عادة لها لرؤيتها الدم الخالص من طهرين خالصين، فلا تنتقل هي إلا برؤيتها، خلافاً على هذه الصفة، فأمّا الخلوص لغير شرط لضرورة الدم بعده حيضاً، وإذا أمكن البدل من موضعين يبدل من أسرعهما، وهو معنى قول محمد رحمه الله في «الكتاب» : إذا أمكن البدل قبل أيامها، وبعد أيامها يبدل لها قبل أيامها، وهذا لأن البدل يعتبر بالأصل وفي الأصل، وهي المبتدأة متى أمكن اعتبار الحيض في الموضعين جعل هو من أسرعهما إمكاناً، فكذا في البدل.
ثم علامة مسائل البدل على قول محمد رحمه الله: أن كل امرأة وجب عليها أن تصلي إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر أو أقل من ذلك، فلا يبدل لها عند محمد رحمه الله، وكل امرأة وجب عليها أن تصلي إلى موضع حيضها الثاني ثمانية عشر أو أكثر من ذلك يبدل لها عنده.
جئنا إلى تخريج المسائل على الأصول فنقول: المرأة إذا كانت عادتها في الدم خمسة، وفي الطهر عشرون وطهرت من اثنين وعشرين ثم استمر بها الدم يجعل حيضها من أول الاستمرار ثلاثة؛ لأنها رأت في أيامها ما يمكن أن يجعل حيضاً، ولو طهرت ثلاثة وعشرون ثم استمر بها الدم، فعند أبي حنيفة رحمه الله: أن تصلي إلى موضع حيضها الثاني، ذلك اثنان وعشرون يوماً، وعند محمد رحمه الله يبدل لها خمسة أيام من أول الاستمرار؛ لأن الباقي بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر يوماً، وكذلك إن طهرت أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين يوماً ثم استمر بها الدم، فإنه يبدل لها خمسة أيام عند محمد رحمه الله؛ لأن الباقي بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني ستة عشر أو خمسة عشر، فتدع الصلاة من أول الاستمرار خمسة، ثم تصلي خمسة عشرة ثم تدع خمسة وتصلي عشرين.
ولو طهرت بستة وعشرين يوماً ثم استمر بها الدم فعلى قول أبي يعقوب، وأبي زيد

(1/238)


الكبير لا يبدل لها، لأن الباقي بعد البدل أربعة عشر، فلا يمكن القول بالبدل إلا بطريق الجر، وهما لا يريان الجر، ولكنها تصلي إلى موضع حيضها الثاني، كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله، فتصلي من أول الاستمرار تسعة عشر يوماً ثم تدع الصلاة خمسة، وتصلي عشرين، قول محمد رحمه الله يبدل لها خمسة أيام؛ لأن البدل بطريق الجر ممكن، فيجر من موضع حيضها الثاني يوماً إلى بقية طهرها حتى يتم خمسة عشر يوماً، وتدع الصلاة من أول الاستمرار أربعة وتصلي عشرين، ثم تدع خمسة وتصلي عشرين، وعلى قول الشيخ الإمام أبي حفص، والفقيه محمد بن مقاتل رحمهما الله: تبدل لها أربعة حتى يستغنى عن الجر فتدع الصلاة من أول الاستمرار أربعة وتصلي خمسة عشر، ثم تدع خمسة وتصلي عشرين وكذلك إن طهرت تسعة وعشرين ثم استمر بها الدم، فالتخريج على هذا.

وإن طهرت في ثمانية وعشرين يوماً، فلا يبدل لها ولكنها تصلي إلى موضع حيضها الثاني؛ لأنه يبقى بعد الإبدال من طهرها اثنا عشر يوماً، فلو جررنا إليها ثلاثة من موضع حيضها الثاني ما أمكن اعتباره حيضاً، فلا يبدل لها ولكنها تصلي إلى موضع حيضها الثاني، وذلك سبعة (عشر) يوماً، ثم تدع الصلاة خمسة وتصلي عشرين إذا كان أيام حيضها خمسة وأيام طهرها عشرون، وطهرت خمسة عشر يوماً، ثم رأت خمسة دماً وطهرت أيامها فعند محمد رحمه الله يبدل لها الخمسة المتقدمة.
ولو طهرت أربعة عشر يوماً ثم رأت ستة دماً طهرت أيامها فلا يبدل لها من المتقدم لفساده؛ لأنها صلّت في يوم منه، وهو اليوم الخامس عشر، وإنه يريد قول الحاكم أبي نصر، ولو كانت عادتها في الحيض ثلاثة وفي الطهر سبعة وعشرون، فطهرت خمسة عشر يوماً، ثم رأت الدم ثلاثة ثم طهرت في اثني عشر يوماً ثم رأت الدم؛ (37أ1) فإنها لم ترَ في أيامها شيئاً، فيبدل لها الثلاثة التي رأتها بعد طهر خمسة عشر؛ لأنها مرئية عقيب طهر صحيح، فيبدل لها تلك الثلاثة إلا ما رأته بعد أيامها؛ لأن تلك الثلاثة أسرعهما إمكاناً.
(نوع آخر) في الزيادة والنقصان في أيام الحيض
صاحبة العادة المعروفة في الحيض إذا رأت الدم زيادة على معروفها يجعل ذلك كلّه (حيضاً) ما لم يجاوز المرئي عشرة، فإن جاوز المرئي العشرة ردت إلى معروفها، والثاني يكون استحاضة؛ وهذا لأن طبعها لا يكون على صفة واحدة بل قد يقوى ويزداد حيضها وقد يضعف فيتعين حيضها ومبنى الحيض الإمكان، فإذا اقتصر على العشرة أمكن أن يجعل ما زاد على معروفها حيضاً.
وإذا جاوز العشرة لا يمكن أن يجعل ما زاد على معروفها حيضاً؛ لأنه تجاذبه جانبان فاعتباره بمعروفها يجعله حيضاً واعتباره بما زاد على العشرة يجعله استحاضة، والترجيح بجانب ما زادت على العشرة؛ لأن الزيادة على معروفها لم تظهر إلا مع مدة الاستحاضة، فالظاهر أنه عن علة.

(1/239)


ولو كانت عادتها في الحيض خمسة فرأت الدم في اليوم السادس، فعلى قول مشايخ بلخ رحمهم الله: تؤمر هي بالاغتسال والصلاة؛ لأن الدم في اليوم السادس متردد أن يكون حيضاً بأن اقتصر على العشرة، وبين أن يكون استحاضة بأن تزيد هي على العشرة، فلا تترك هي الصلاة مع التردد؛ لأن الدم في موضع الدم في اليوم السادس لا يكون حيضاً إلا بشرط الانقطاع على رأس العشرة، وإنه موهوم، فلا تترك الصلاة باعتبار أمر موهوم.
وكان الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله يقول: لا تؤمر بالصلاة ولا بالاغتسال لأنا عرفناها حائضاً بيقين لرؤيتها ما يكون حيضاً في حقها ودليل بقائها حائضاً ظاهر، وهو سيلان الدم وهذه الزيادة لا تكون استحاضة إثباتاً للاستمرار حتى تجاوز العشرة، وإنه غير ثابت للحال، فتبقى حائضاً حتى يستبين أمرها، فإن جاوز الدم العشرة حينئذٍ تؤمر بقضاء ما تركت من الصلاة بعد أيامها واعتبر هذه بالمبتدأة فإن المبتدأة لا تؤمر بالصلاة والاغتسال مع رؤية الدم ما لم تجاوز العشرة، وكان الصدر الشهيد حسام الدين يفتي في هذه الصورة: بأنها تؤمر بالاغتسال ولا تؤمر بالصلاة؛ لأن هذا أقرب إلى الاحتياط.
ولو كانت عادتها في الحيض خمسة، فطهرت في اليوم الرابع، فإنها تؤمر بالاغتسال إذا خافت فوت الوقت، وتؤمر بالصلاة ههنا؛ لأن هذه طهرٌ ظاهر وفي المسألة المتقدمة: هو دم ظاهر فأخذنا في كل ذلك بالاحتياط.

ولو كانت عادتها في الحيض خمسة في أول كل شهر، فرأت ثلاثة وماً في أول شهر، ثم انقطع دمها سبعة أيام أو ستة أيام ثم رأت يوماً فخمسة من أول الشهر حيض عند أبي يوسف رحمه الله؛ لأنه يجوز ختم الحيض بالطهر، وعند محمد رحمه الله الثلاثة الأول هي الحيض؛ لأنه لا يرى ختم الحيض بالطهر، هكذا ذكر محمد رحمه الله المسألة في «الأصل» والمسألة في الستة مشكلة؛ ثلاثة قبل الستة دم ويوماً بعدها دم فالجملة عشرة، فيمكن جعل الكل حيضاً عند أبي يوسف رحمه الله، وقد أجاب أن حيضها خمسة عند أبي يوسف.
والصحيح أن يزاد على طهر ستة ساعة أو ما أشبهها أو على يوم الحيض بعدها، ويصير تقدير المسألة: فرأت ثلاثة دماً في أول شهر، ثم انقطع دمها سبعة أيام أو ستة وساعة ثم رأت يوماً دماً، أو يصير تقدير المسألة: رأت ثلاثة دماً في أول الشهر ثم انقطع دمها سبعة أيام أو ستة ثم رأت يوماً دماً أو أكثر أو زيد على العشرة فيردّ إلى معروفها عند أبي يوسف رحمه الله.
ولو رأت يومين دماً في أول العشرة ويومين دماً في آخر العشرة، فخمستها المعروفة هي الحيض عند أبي يوسف رحمه الله: إذا كان اليومان الآخران هي اليوم العاشر واليوم الحادي عشر، فأما إذا كان اليومان الآخران هي اليوم التاسع فالعاشر، والكل حيض عند أبي يوسف، وعند محمد رحمه الله شيء من ذلك لا يكون حيضاً؛ لأن الطهر غالب على

(1/240)


الدمين، فصار فاصلاً بينهما، وكل واحد من الدمين بانفراده لا يصلح حيضاً فلا يجعل شيء من ذلك حيضاً.
ولو رأت في العشرة يومين دماً فرأت اليوم العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر دماً فحيضها خمستها عند أبي يوسف؛ لأن الطهر فيه قاصر، فصار كالدم المتوالي، وعند محمد الثلاثة الأخيرة حيض؛ لأن الإبدال ممكن فيه؛ لأنه يبقى إلى موضع حيضها الثاني مُدّة طهر كامل.
ولو رأت في أول خمستها يوماً دماً ويوماً طهراً، حتى جاوز العشرة فخمستها هي الحيض عندهم جميعاً؛ لأن ابتداء الخمسة وختمها كان بالدم والطهر قاصر، فإن طهرت يوماً من أول الشهر، ثم رأت يوماً دماً ويوماً طهراً حتى جاوز العشرة، فاليوم الأول ليس بحيض عندهم؛ لأنه لم يتقدَّمه دم وهو طهر في نفسه، وأبو يوسف رحمه الله إنما يجوز ابتداء الحيض بالطهر إذا تقدمّه دم الاستحاضة، والأربعة الباقية من أيامها حيض عند أبي يوسف؛ لأنه يختم الحيض بالطهر إذا تعقبه دم، وعند محمد رحمه الله حيضها اليوم الثاني، والثالث والرابع؛ لأن اليوم الأول والخامس كانا طهرين وإن وقف الدم على العشرة؛ لأن ما بعد اليوم الأول حيض كلّه، ولو رأت يوماً دماً قبل رأس الشهر ومن أول الشهر يوماً طهراً ثم يوماً دماً إلى العشرة، فجميع ذلك حيض عند أبي يوسف إلا اليوم العاشر؛ لأنه لم يُرَ فيه، ولا بعده وما سواه وجد فيه شرط إمكان الحيض، فيعتبر حيضاً، فإن جاوز الدم العشرة، فحيضها خمستها المعروفة عند أبي يوسف وعند محمد رحمه الله حيضها ثلاثة أيام من معروفها، وهو اليوم الثاني والثالث والرابع لطهرها في اليوم الأول والخامس، والله أعلم.
(نوع منه) في تقدم الحيض وتأخره
هذا النوع يشتمل على ثلاثة أقسام: قسم في المتقدم، وقسم في المتأخر، وقسم في الجمع بينهما.
أما القسم الأول: فهو على وجوه:
الأول: إذا رأت في أيامها ما يكون حيضاً، فرأت قبل أيامها ما لا يكون حيضاً، بأن كان المرئي في أيامها ثلاثة، والمرئي قبل أيامها أقلّ من ثلاثة، وفي هذا الوجه روايتان عن أبي حنيفة، روى محمد عنه: أن المتقدم لا يكون حيضاً، وروى الحسن عنه: أن الكل حيض.

وجه رواية محمد رحمه الله: أن المتقدم لو جعل حيضاً، جعل تبعاً لأيامها، ولا وجه إليه؛ لأن السابق لا يعتبر تبعاً إلا في وجه رواية الحسن أن المتقدم إذا كان أقلّ من ثلاثة أيام إن لم يمكن أن يعتبر هو حيضاً تبعاً لأيامها من حيث اللحوق، لكونه سابقاً على أيامها أمكن أنه يعتبر حيضاً تبعاً لأيامها من حيث إنه يستقل بنفسه، والمرئي في أيامها يستقل بنفسه. وذكر بعض مشايخنا في «شرح كتاب الحيض» في الوجه: أنّ الكل حيض من غير ذكر خلاف، وذكر بعضهم: أن الكل حيض بالاتفاق.

(1/241)


الوجه الثاني: إذا رأت قبل أيامها ما يصلح حيضاً، ولم ترَ في أيامها شيئاً، وفي هذا الوجه حكمها موقوف عند أبي حنيفة رحمه الله فإن طهرت أيامها مرّة أخرى في الشهر الثاني صار حيضها ما رأته، وانتقلت عادتها في الحيض عن موضعها، وإلا فالمرئي استحاضة، وعند أبي يوسف رحمه الله المتقدم حيض، ويصير ذلك عادة لها؛ لأنه يرى انتقال العادة برؤية المخالف مرّة وعليه الفتوى، وهو قول محمد، وعلى قول محمد رحمه الله يكون المتقدم حيضاً بدلاً عن أيامها ولكن لا يصير عادة لها؛ لأنه لا يرى انتقال العادة برؤية المخالف مرّة.
الوجه الثالث: إذا رأت في أيامها ما لا يصلح حيضاً، ورأت قبل أيامها ما يصلح حيضاً، الجواب في هذا الوجه نظير الجواب في الوجه الثاني؛ لأنها إذا رأت في أيامها ما لا يصلح حيضاً كان المرئي في أيامها في حكم العدم.

الوجه الرابع: إذا رأت في أيامها ما يصلح أن يكون حيضاً ولم يجاوز الكل العشرة وفي هذا الوجه عن أبي حنيفة رحمه الله روايتان، روى محمد والحسن بن زياد عنه أن المتقدم على أيامها لا يكون حيضاً، وروى بشر بن الوليد والمعلّى وغيرهما عن أبي يوسف رحمهم الله (37ب1) عنه: أن المتقدم حيض، غير أن في بعض روايات أبي يوسف أنه على قول أبي حنيفة، وفي بعض رواياته أنه قاس قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن المتقدم حيض إذا لم تجاوز به العشرة.
وجه الرواية الأولى عن أبي حنيفة رحمه الله: أن المتقدم على أيامها لا يمكن اعتباره حيضاً تبعاً لأيامها، والسابق لا يعتبر تبعاً للاحق، فلو اعتبر حيضاً اعتبر بطريق الاتصال، ولا وجه إليه أيضاً لما فيه من نقل عادتها من حيث الموضع برؤية المخالف مرّة، وأبو حنيفة رحمه الله لا يقول به.
وجه رواية الأخرى وهو قولهما: إن هذا دم رأته المرأة بين طهرين تامين ولم تجاوز العشرة فيكون حيضاً كالمتأخر؛ هذا لأن حيض المرأة قد يتقدّم وقد يتأخر، فإذا اعْتُدَّ بأحد الأمرين فكذا بالأمْر الآخر، ثم عند أبي يوسف يصير ذلك عادة لها، وعند محمد لا تصير عادة لها.

الوجه الخامس: إذا رأت في أيامها ما لا يصلح حيضاً، ورأت قبل أيامها ما لا يصلح حيضاً وإذا جمعا صلحا حيضاً، وفي هذا الوجه اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: إنه نظير الوجه الثاني والثالث؛ لأنها إذا رأت في أيامها ما لا يصلح حيضاً كان المرئي في أيامها كالعدم، وقال بعضهم: الجواب فيه كالجواب في الوجه الرابع؛ لأنها إذا لم ترَ في أيامها ما يكون حيضاً بنفسه، وإنما يصير حيضاً بوجود ما قبله صار كأنها رأت في أيامها ما يكون حيضاً، ورأت قبل أيامها ما يكون حيضاً، وذكر الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله في «شرح كتاب الحيض» : أن شيئاً من ذلك لا يكون حيضاً إلا أن ترى في بعض موضعها الثاني مثل ذلك، فتنتقل العادة إليها في الابتداء والله أعلم.

(1/242)


ومما يتصل بهذا القسم
امرأة تستفتي أنها ترى الدم قبل أيامها ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «مختصر كتاب الحيض» : أنها تؤمر بترك الصلاة إذا كان الباقي من أيام طهرها ما لو ختم إلى أيام حيضها لا يجاوز العشرة؛ لأنها رأت الدم عقيب طهر صحيح، فكان حيضاً لكن بهذا الشرط؛ لأن الظاهر أنها ترى الدم في أيامها المعروفة، وإذا عُدم هذا الشرط يكون استحاضة، وذكر الشيخ الإمام نجم الدين عمر النسفي رحمه الله في كتاب «الخصائل» : أن على قولهما تؤمر بترك الصلاة إذا كان المتقدم مع أيامها لا يجاوز العشرة، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: إذا كان المتقدم ثلاثة أيام لا تترك الصلاة، وإن كان أقل، فكذلك على قوله على ما اختاره مشايخ بخارى، وعلى ما اختاره مشايخ بلخ: تترك.
وأما القسم الثاني فهو على وجوه أيضاً:
الأول: إذا رأت في أيامها ما يصلح حيضاً، ورأت بعد أيامها ما يصلح حيضاً وفي هذا الوجه الكل حيض، وأيامها تستتبع ما بعدها وانتقلت العادة؛ لأن ما بعدها لا يستقل بنفسها وقد تتبعت أيامها مشاهدة فتتبعها حكماً.

الوجه الثاني: إذا رأت في أيامها، ورأت في آخر أيامها ما يصلح حيضاً، ورأت بعد أيامها ما يصلح حيضاً أيضاً، وفي هذا الوجه إن لم تجاوز الكل العشرة فالكل حيض، وإن جاوز فالمعروفة حيض، وما زاد على ذلك استحاضة؛ لأن المتأخر عن أيامها يمكن اعتباره حيضاً تبعاً لأيامها؛ لأنه لاحق بأيامها واللاحق يتبع السابق.
ألا ترى أنه جميع أيامها مشاهدة فتتبع أيامها حكماً، وإذا أمكن اعتباره حيضاً تبعاً لأيامها تعتبر ولم تنتقل عادته كما كانت عليه من حيث الحقيقة، إن انتقلت من حيث الصورة؛ لأن التبع حكمه حكم الأصل فصار من حيث الحكم كأنه جعل في أيامها.
الوجه الثالث: إذا لم ترَ في أيامها شيئاً، ورأت بعد أيامها ما يصلح حيضاً، وفي هذا الوجه الكل حيض ذكر المسألة في «الأصل» من غير ذكر خلاف، وقد اختلف المشايخ فيه، قال أبو علي الدقاق والزعفراني في كتابيهما والقدوري في «شرحه» ، وعامة مشايخ خراسان: إن ما ذكر في «الأصل» قول الكل، وقال أبو سهل الفرائضي وجماعة من البلخيين، وعامة من البخاريين: إن هذا على الاختلاف الذي بيناه في المتقدم فالكلام فيها كالكلام في المتقدم، فإن كانت المسألة على الخلاف الذي بيّناه في المتقدم فالكلام فيها كالكلام في المتقدم؛ وإن كانت هذه المسألة على الوفاق، فوجه الفرق بين المتقدم والمتأخر ظاهر إن وجود الشيء بعد وقته لا يمنع ثبوت حكمه خصوصاً في أمر الحيض، فإن المرأة ترى الدم بعد أيامها بأشهر ولا يتغير به الحكم، ولهذا قلنا: إن العجوزة الكبيرة إذا رأت الدم كان حيضاً على رواية «النوادر» فأما وجود الشيء قبل وقته فلا يعتد به في أكثر الأحكام خصوصاً في باب الحيض، ألا ترى أن الصغيرة جداً قد ترى الدم ولا يعتدّ به أصلاً.

الوجه الرابع: إذا رأت في أيامها ما لا يصلح حيضاً، ورأت بعد أيامها ما يصلح

(1/243)


حيضاً، والجواب في هذا الوجه كالجواب في الوجه الثالث؛ لأنها إذا رأت في أيامها ما لا يصلح أن يكون حيضاً كان المرئي في أيامها ملحقاً بالعدم.
والوجه الخامس: إذا رأت في أيامها ما لا يصلح حيضاً، ورأت بعد أيامها ما لا يصلح حيضاً أيضاً، ولكن إذا جُمعا صلحا حيضاً، فالجواب في هذا الوجه نظير الجواب في الوجه الثالث والرابع؛ لأنها لها رأت في أيامها ما لا يصلح حيضا كأنها لم ترَ في أيامها شيئاً والله أعلم.
ومما يتصل بهذا القسم
امرأة جاءت تستفتي عما رأت بعد أيامها، ذكر نجم الدين النسفي رحمه الله في كتاب الخصائل أنّ الأصح أنها تؤمر بترك الصلاة إلا إذا جاوز العشرة فتؤمر بالقضاء.
أما القسم الثالث: وهو ما إذا اجتمع المتقدم والمتأخر، وذلك كله دون العشرة كان المتأخر حيضاً، والمتقدم يكون هل حيضاً على ما فسّرنا، هو على وجوه:
إما أن يكون المتقدم والمتأخر كل واحد منهما نصاباً.
وصورتها: امرأة عادتها في الحيض أربعة، فرأت أيامها دماً، ورأت قبل أيامها ثلاثة دماً ورأت بعد أيامها ثلاثة دماً، فالكل حيض عندهما، وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله في رواية، وفي رواية أخرى المتقدم ليس بحيض، وإذا لم يكن المتقدم حيضاً على هذه الرواية هل يجعل المتأخر استحاضة؟ فقد اختلف فالمشايخ فيه، والصحيح: أن يجعله.
وإما أن لا يكون المتقدم ولا المتأخر نصاباً.
وصورتها: امرأة أيام حيضها ستة فرأت أيامها دماً ورأت قبل أيامها يومين دماً وقد رأت بعد أيامها يومين دماً، فالكل حيض عندهما، وكذلك عند أبي حنيفة في رواية.
وإما أن يكون المتقدم نصاباً والمتأخر لا يكون نصاباً.

وصورتها: امرأة أيام حيضها خمسة رأت بأيامها دماً ورأت ثلاثة قبل أيامها دماً ورأت يومين بعدها دماً فعندما العشرة حيض، وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله في رواية، وفي رواية أخرى: المتقدم ليس بحيض، فإذا لم يكن المتقدم حيضاً على هذه الرواية هل يجعل المتأخر استحاضة فقد اختلف المشايخ، والأظهر أن لا يجعله، هكذا ذكره نجم الدين النسفي رحمه الله.
وإما أن لا يكون المتقدم نصاباً والمتأخر يكون نصاباً:
وصورتها: امرأة أيام حيضها خمسة رأت أيامها دماً، ورأت يومين قبل أيامها دماً ورأت ثلاثة بعد أيامها دماً فالكل حيض عندهما، وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله في رواية على نحو ما بينا.
وإن كان عند الجمع يزيد على العشرة، فإن كان كل واحد منهما على انفراده

(1/244)


استحاضة بنفسه فحيضها أيامها المعروفة، والمتقدم والمتأخر يكون استحاضة ونعني بقولنا: إذا كان كل واحد منهما استحاضة بنفسه أن يكون كل واحد منهما يعني المتقدم والمتأخر بحال لو انفرد وضم إلى أيامها ازداد على العشرة.
وبيان هذا في امرأة أيام حيضها تسعة ورأت قبلها يومين دماً، ورأت التسعة دماً ورأت بعدها يومين دماً فحيضها معروفها، وكذلك إذا كان أيام حيضها ستة فرأت قبلها ستة وبعدها ستة أو رأت قبلها خمسة وبعدها خمسة فحيضها معروفها.
g
وإن كان أحدها استحاضة:
ومعناه: أن يكون أحدها بحال لو ضم إلى أيامها يزيد على العشرة، والآخر لم يكن استحاضة على هذا التفسير فأيامها حيض والتي هي استحاضة لا يلحق بأيامها وهل يتعدى إلى الآخر حتى يجعله استحاضة فعن أبي حنيفة روايتان، ذكر في «الأصل» عنه أنه لا يتعدى؛ لأن أيامها فاصل من الدمين فبطل الجمع بين المتقدم والمتأخر.

بيان هذا في امرأة أيام حيضها تسعة فرأت قبلها يومين دماً وبعدها يوماً دماً فالمتقدم استحاضة؛ لأنه لو انفرد وضم إلى أيامها يزيد على العشرة، فالمتأخر ليس باستحاضة؛ لأنه لو انفرد وضم إلى أيامها لا يزيد على العشرة.

ففي هذه الصورة: (38أ1) أيامها حيض والمتقدم استحاضة، وهل يصير المتأخر استحاضة؟ فعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان في رواية «الأصل» : يعتبر استحاضة، وهو قولهما وهو الصحيح، وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا كان أيامها أربعة ورأت قبلها ثلاثة دماً إن المتقدم استحاضة في إحدى الروايتين عنه، ولا يجعل المتأخر استحاضة؛ لأن ذلك الدم بنفسه ليس باستحاضة، وإنما جعل استحاضة ضرورة العجز عن القول بالتبعية، فلا يعتبر استحاضة في غير موضع الضرورة، فأما هذا فاستحاضة مطلقة فجاز أن يؤثر في غيره.
وإذا كان أيامها ستة فرأت قبلها أربع وبعدها خمسة فههنا المتأخر استحاضة والمتقدم ليس باستحاضة، وهل يؤثر المتأخر في المتقدم فيجعله استحاضة فهو على ما قلنا.
ومن جملة صورة هذه المسألة: إذا كان أيامها خمسة فرأت أيامها دماً، ويومين قبلها وستة بعدها فههنا المتأخر دم استحاضة والمتقدم ليس بدم استحاضة وإن رأت أيامها دماً وستة قبلها أو يومين بعدها فههنا المتقدم دم استحاضة.
ومما يتصل بالمقدم من المسائل
امرأة أيام حيضها خمسة من رأس كل شهر فرأت هي قبل خمسها خمسة دماً وطهرت أيامها ثم رأت بعد ذلك يوماً أو يومين أو ثلاثة دماً فمعروفها هي الحيض في قول أبي يوسف رحمه الله.

وقال محمد رحمه الله: المتقدم هو الحيض، وكذلك إذا رأت يومين دماً من أول أيامها أو من آخر أيامها مع ذلك، فإن المرئي في أيامها لا يمكن اعتباره حيضاً بانفراده،

(1/245)


وإن رأت ثلاثة دماً في أيامها مع ذلك من أولها أو آخرها فهذه الثلاثة حيض عند محمد رحمه الله؛ لأنه يمكن جعله حيضاً ثلاثة من أول الشهر فتقدم حيضها قبل ذلك أحد عشر يوماً ثم طهرت أيامها فلم تر فيها ولا فيما بعدها دماً.

ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله: هو استحاضة إلا أن يعاودها الدم في مثل ذلك الحال أحد عشر، فإن عاودها كانت ثلاثة أيام من الأيام الأولى من أولها حيضاً، وثلاثة أيام من أول هذه الأحد عشر الآخرة؛ لأنه لا يرى الإبدال فيجعل ذلك موقوفاً بأن تأكد بالتكرار تنقل العادة ومالا فلا.
وأما على قول محمد رحمه الله: فثلاثة أيام من أول أحد عشر الأولى حيض بطريق البدل برؤيتها ذلك عقيب طهر صحيح، وحكمة انتقال العادة موقوفة على ما يرى في الشهر الثاني كما قاله أبو حنيفة رحمه الله، وإن كان حيضها خمسة من أول كل شهر فحاضتها ثم استمر بها الدم أيام الشهر، فانقطع خمسها ثم استمر بها بعدها، فعلى قول أبي يوسف رحمه الله حيضها خمستها لإحاطة الدمين.
وقال محمد رحمه الله: حيضها خمسة أيام بعد أيامها؛ لأن شرط الإبدال في المتقدم رؤيته عقيب طهر صحيح لا دم فيه، ولم يوجد ذلك، فيبدل لها بعد أيامها؛ لأنه يبقى بعدها الإبدال إلى موضع حيضها الثاني مدّة طهر تام.
وإن لم ترَ كذلك، ولكن رأت خمسة دماً قبل أيامها وطهرت أيامها فتلك الخمسة هي الحيض عند محمد رحمه الله أو وجود شرط الإبدال في المتقدم، فإن رأت في المرة الثانية تلك الخمسة، وأيامها المعروفة وزيادة يوم دماً فحيضها معروفها؛ لأن عادتها لم تنتقل؛ لأنها رأت المخالف مدّة، وإن لم ترَ في الثانية كذلك، ولكنها رأت الخمسة التي قبل أيامها، وطهرت أيامها ثم رأت في المرة الثالثة تلك الخمسة وأيامها ورأت زيادة يوم، فحيضها خمسة من أول ما رأت لانتقال العادة من حيث الموضع لعدم رؤيتها الدم في معروفها الدم مرتين.

وإن كانت هي طهرت أيامها مرة واحدة فحيضها من الخمسة المعروفة؛ لأن انتقال العادة لا يحصل بعدم الرؤية مرة إلا على قول أبي يوسف رحمه الله، وإن لم ترَ قبل أيامها لكن رأت بعدها خمسة ثم في المرة الثانية طهرت خمسها، وهذه الخمسة ثم استمر بها الدم فحيضها خمسة من حين استمر بها الدم؛ لأن عادتها قد انتقلت إلى موضع الرؤية بعدم الرؤية في أيامها مرتين.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : وما بعدها طهر إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم تكون حائضاً، كثير من مشايخنا قالوا هذا الجواب غلط والصحيح: أنها بعد ما تركت الصلاة من أول الاستمرار خمسة أيام تصلي ثلاثين يوماً؛ لأن عادتها في الطهر قد انتقلت إلى ثلاثين لرؤيتها ذلك مرتين على الولاء فف الشهر الأول طهرت خمسها بعدما مضى عن طهرها خمسة وعشرون، فذلك ثلاثون ثم رأت خمسة دماً ثم طهرت عشرون مقدمة الشهر وطهرت أيامها من أول الشهر الآخر وخمسة بعدها فذلك ثلاثون أيضاً فعلم

(1/246)


أنها طهرت ثلاثين يوماً على الولاء وانتقلت عادتها إليه في الطهر فتبقى هي على ذلك في زمان الاستمرار، ومن المشايخ من صحح ما ذكر في «الكتاب» وقال: المكان قد انتقل أما العدد لم ينتقل فبقي اعتبار العدد الأول والله أعلم.
(نوع آخر) في رسم الفتوى

المرأة إذا أخبرت أنها طهرت عشرة أيام ينبغي للمفتي أن يسألها إنك طهرت اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر إن قالت: اليوم العاشر أخذ تسعة، وإن قالت اليوم الحادي عشر أخذ عشراً، واعلم بأن تمام العشرة الأيام في اليوم الحادي عشر قبل الساعة التي رأت الدم فيه في اليوم الأول بلا فصل، أما لو استقصينا في الساعات في مثل هذا تعسّر عليها الأمر فلا يستقصي في ذلك ولكن يسألها على نحو ما بيّنا.

وكذلك في هذا الأطهار، إذا أخبرت أنها طهرت عشرين ينبغي للمفتي أن يسألها أنك رأيت الدم دم العشرين أو يوم الحادي والعشرين، فإن قالت: يوم العشرين أخذنا تسعة عشر، وإن قالت: ويوم الحادي والعشرين أخذنا عشرين يفعل هكذا في جميع الصور إلا في دم ثلاثة أيام في طهر خمسة عشر، فإنا نستقصي في دم ثلاثة أيام إذا أخبرت أنها طهرت في اليوم الرابع في الساعات فخامة أن ينتقص الدم إليه عن ثلاثة أيام ولياليها، وكذلك تستقصي في طهر خمسة عشر إذا أخبرت أنها رأت الدم يوم السادس عشر، فخامة أن يقصر الطهر عن خمسة عشر.
وينبغي للمفتي أنها إذا أخبرت أنها اغتسلت من حيضها وطهرت، فلا تنقطع أن يسألها عن أيام حيضها وطهرها فإن أخبرت أن عادتها في الطهر عشرون وعادتها في الحيض عشرة أمرها بالصلاة من تمام العشرة عشرين يوماً ثم تدع الصلاة عشرة إذا رأت الدم وتصلي عشرين.
وإن أخبرت أن عادتها في الطهر عشرون، وفي الحيض ستة أيام أمرها بإعادة ما تركت من الصلاة بعد تمام الستة، وذلك أربعة وهو أول الطهر ثم يأمرها أن تصلي من ذلك الوقت إلى تمام طهرها، وذلك ستة عشر يوماً حتى يتم أيام طهرها عشرون يوماً ثم تدع الصلاة ستة أيام من موضع حيضها إن رأت الدم وهذه المرأة قد كانت أصابت كما رأت أيام حيضها ستة أيام، فتركت الصلاة إلى تمام العشرة؛ لأن هذا دم على إثر طهر تام فيكون حيضاً، وهكذا الجواب في كل دم كان على إثر طهر تام، إن المرأة تؤمر بترك الصلاة فيه من غير تقدير؛ لأن ما زاد على أيام حيضها دم على إثر الحيض فيكون تبعاً للمحيض حتى يظهر أنه ليس بحيض وذلك بأن تجاوز العشرة أو إن لم تجاوز، ولكن الطهر بعده ينتقص عن خمسة عشر.

ففي هذه الصورة كان حيضها معروفها، وما تأخر عن أيام حيضها يكون استحاضة، وتؤمر هي بإعادة الصلاة في ذلك، فأما إذا انقطع الدم على رأس العشرة أو فيما دون العشرة، والطهر بعده خمسة عشر يوماً لا يخالطه دم كان جميع ما رأته في أيامها وبعد أيامها حيضاً.

(1/247)


وإن أخبرت أن عادتها في الطهر كان عشرين يوماً، ولكن كان يختلف دمها إلا أنها تعلم أن الدماء كلها صحاح سألها عن دم واحد قبل هذا الدم الذي جاءت فيه وهي تستفتي، فيسألها: كم كان الدم الذي قبل الطهر الآخر، فإن قالت: عشرة لا يسألها عن شيء آخر عند أبي يوسف رحمه الله، وظهر له جواب مسألتها لأن العادة عنده تنتقل برؤية المخالف مرة، فإذا أخبرت أن الذي كان قبل الطهر الآخر عشرة والدماء كلها صحاح فقد عرف المفتي أن عادتها انتقلت إلى عشرة، فيأمرها أن تصلي إلى تمام عشرين يوماً ثم تترك الصلاة عشرة أيام إن رأت الدم، والفتوى على القول عشرة.

وإن أخبرت أن الدم الذي قبل الطهر الآخر كان سبعة أمرها بقضاء الصلاة ثلاثة أيام من هذه العشرة؛ لأنه ظهر أن عادتها في الحيض قد انتقلت إلى سبعة أيام، وقد رأت في هذه المدة فيأمرها بقضاء، وزيادة عليها فيكون حيضها عادتها، وذلك سبعة ويكون ما زاد على ذلك استحاضة، وذلك ثلاثة أيام..... ثلاثة أيام من هذه العشرة، لهذا.
فإن أخبرت أنها لا تحفظ الأطهر (38ب1) خمسة عشر ودم عشرة، فهذا لا يكفي الاستئناف؛ لأنها لو أخبرت عن ثلاثة أطهار، كأنها خمسة عشر وعن ثلاثة دماً كلها عشرة، فهذا لا يكفي الاستئناف لما نبين بعد هذا، فهذا أولى.

وإذا لم يصلح ذلك الاستئناف وجب البناء، ولا تدري على ما تبني فيقول لها المفتي اذهبي، وتذكري أيامك وإلا وأنت والضالة سواء، الحكم في الضالة يذكر بعد هذا أو إن أخبرت أن ما قبل ذلك من الأطهار كان خمسة عشر، إلا أنها لا تدري هل كان بينهما استحاضة أو لو لم يكن، فهذا يكفي الاستئناف؛ لأتيقنا بخلوص طهر خمسة عشر يوماً؛ لأنه بين دمين؟ يرى، وكانت الأطهار قبل هذا أكثر من خمس عشرة، فتنقل إليها أيامها برؤية خلافها مرة وتيقنا بخلوص دم عشرة؛ لأنه بين طهرين تامين فتجددت العادة، والعادة إذا تجددت وجب الاستئناف فمن أول الاستمرار عشرة حيض وخمسة عشر طهر فيأمرها بالصلاة تمام خمسة عشر، وتترك الصلاة بعد ذلك عشرة إن رأت الدم، وإن أخبرت أن أقل ذلك من الأطهار أكثر من خمسة عشر، وإنها لم تكن مستحاضة، فهذا اعلى ثلاثة أوجه:
أما إن أخبرت أن ما قبله من الأطهار المتقدمة كانت متفقة أو كانت مختلفة أو لا تدري، وفي الوجوه الثلاثة يكفيها ذلك الاستئناف؛ لأن عادتها المتقدمة أصلية كانت أو جعليه تنتقل إلى طهر خمسة عشر برؤية المخالف مرة، والعادة إذا تجددت وجب الاستئناف.

وإن أخبرت عن طهرين قبل هذا الدم الذي جاءت، وهي فيه كلاهما خمسة عشر وبينهما دم عشرة لا يحفظ ما قبل ذلك، فهذا لا يكفيها الاستئناف؛ لأن ما قبلها لعله لا يكون أكثر من طهر خمسة عشر، فلا تنتقل العادة إلى طهر خمسة عشر ولم تجدد العادة،

(1/248)


والعادة إذا لم تتجدد بالانتقال لا يجب الاستئناف، ويجب البناء وما تدري على ماذا تبني فتكون هي والضالة سواء.
وإن أخبرت أنها لم تكن مستحاضة إلا أنها لا تدري أن الأطهار المتقدمة كانت خمسة عشر أو أكثر من خمسة عشر، فهذا يكفي الاستئناف؛ لأنها إذا لم تكن مستحاضة قبل ذلك، فالأطهار المتقدمة إن كانت خمسة عشر تبقى كذلك، وإن كانت أكثر من خمسة عشر أو رأت طهراً طويلاً صار الطهر الطويل عادة لها؛ لأنها خالص ثم انتقلت العادة إلى خمسة عشر، فتترك الصلاة والصوم من أول الاستمرار عشرة وتصلي خمسة عشر بخلاف المسألة الأولى؛ لأن ثمة يحتمل أن الأطهار المتقدمة خمسة عشر ورأت طهراً طويلاً، خالطة دم لما تبين، فيجب البناء ثم لم ترَ طهراً أكثر من خمسة عشر لتنتقل العادة إليه، فلم تنتقل إلى خمسة عشر، فيجب البناء لا تدري على ماذا تبني.
وإن أخبرت أن الأطهار التي كانت قبل هذين الطهرين كانت أكثر من خمسة عشر لكنها لا تدري أنها كانت مستحاضة أو لم تكن فهذا أيضاً يكفيها للاستئناف؛ لأن الطهر الآخر خالص بتيقين؛ لأن الطهر الخالص ما بين دمين..... وقد وجد، وقد علم أن ما قبلها من الأطهار وأكثر منهما فتنتقل إليها العادة والعادة إذا تجددت بالانتقال يجب الاستئناف، فتدع عشرة وتصلي خمسة عشر.
وإن أخبرت عن ثلاثة أطهار كلها خمسة عشر، وعن المائة دماً كلها عشرة عشرة وليست تحفظ قبل هذا شيئاً، فهذا لا يكفي الاستئناف؛ لأنه يتوهم أن العادة كانت خمسة عشر ثم طهرت طهراً طويلاً أو هو ثلاثة وثلاثون في خلاله دم، فيجب البناء ولا تدري على ماذا تبني.

وإن أخبرت أنها لم تكن مستحاضة ولكن لا تدري أن ما قبل هذه الأطهار، وهذه الدماء الأطهار كانت أكثر من خمسة عشر أو خمسة عشر والدماء كانت عشرة أو أقل، فإن هذا يكفيها الاستئناف؛ لأنها لم تكن مستحاضة من قبل، فإن كانت الأطهار المتقدمة أكثر من خمسة عشر انتقلت إلى خمسة عشر، وإن خمسة عشر تبقى خمسة عشر، أكثر ما في الباب أنه يتوهم طهر طويل خالص، فيصير ذلك عادة لها في الطهر؛ لأن العادة تنتقل برؤية المخالف مرة ثم تتقل العادة إلى خمسة عشر، فإن أخبرت أن الأطهار المتقدمة كانت أكثر من خمسة عشر، فهذا يكفي الاستئناف من طريق الأولى.
والحاصل: أن شرط الاستئناف من أول الاستمرار شيئان اثنان:
أحدهما: أن تخبر عن طهر صحيح، والطهر الصحيح أن يكون خمسة عشر فصاعداً بين دمي....
والثاني: أن تخبر أنها لم تكن مستحاضة من قبل أو تخبر عن طهر صحيح آخر مخالفاً لهذا الطهر والله أعلم.

(1/249)


وإذا كانت للمرأة أيام حيض وطهر معروفة، فاستحاضت فلم تهتم لرؤيتها حتى أتى عليها زمان ثم ندمت على ما فرطت، فجاءت تستفتي وهي موضع حيضها ولا موضع طهرها، وتعلم عادتها في الحيض والطهر أو لا تعلم، فإنها تتحرى عندنا؛ لأن هذا اشتباه وقع في أمر من أمور الدين، فاشتبه اشتباه القبلة والسهو في أعداد الركعات، فإن استقرّ أكثر رأيها وظنها على موضع حيضها، وعددها فظنت على ذلك كما في باب القبلة، فتصلي في كل زمان هي طاهر بغالب الظن، ولكن بالوضوء لوقت كل صلاة، وتدع الصلاة في كل وقت هي خالص بغالب ظنها، وكل زمان لم يستقر رأيها فيه على شيء، وترددت بين الحيض والطهر لم تمسك عن الصلاة الفرض لاحتمال أنها طاهرة في ذلك الزمان، فعليها ذلك.

ويحتمل أنها خالص فليس عليها ذلك فاستوى فعل الصلاة وتركها في حق الحل والحرمة، والباب باب العبادات، فتحتاط فيها وتصلي؛ لأنها إن صلت وليس عليها ذلك خيراً لها من أن تتركها، وعليها ذلك، فعند ذلك ينظر إن كان التردد بين دخول الحيض، والطهر صلت فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك، وإن كان التردد بين الطهر وبين الخروج عن الحيض صلت فيه لا تغسل لوقت كل صلاة بالشك استحساناً، والقياس أن تغتسل في كل ساعة؛ لأنه ما من ساعة إلا وتتوهم وقت خروجها من الحيض، فتغتسل احتياطاً.
وجه الاستحسان: أن إيجاب الاغتسال عليها في كل ساعة حرج عظيم؛ لأنها تصير مشغولة عن إقامة الصلوات وإصلاح أمر المعيشة؛ ولأن الاغتسال لأداء الصلاة، فإنها تغتسل لتصير أهلاً لأداء الصلاة ولو وجب عليها الاغتسال في كل وقت لتقاعدت هي عن الصلاة، وإنا اكتفينا باغتسال واحد في كل صلاة؛ لأن لها حق شغل جميع الوقت بالصلاة، فهي وإن لم تفعل جعل حكماً كأنه شغلته وأقيم الوقت مقام الصلاة للضرورة.
قال الشيخ الإمام نجم الدين النسفي رحمه الله: والصحيح: أنها تغتسل لكل صلاة للنصوص، فإن زينب بنت جحش استحيضت سبع سنين فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلّمبالاغتسال لكل صلاة وبه أمر حبيبة رضي الله عنها أيضاً. وهكذا روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما، وعن الفقيه أبي سهيل أنها إذا اغتسلت في وقت صلاة وصلت ثم اغتسلت في وقت صلاة أخرى أعادت الصلاة الأولى ثم تصلي الوقتية، وهكذا تصنع في كل صلاة احتياطاً لاحتمال أنها كانت حائضاً في وقت الصلاة الأولى وتكون طاهرة في وقت الصلاة الثانية، فتفعل كذلك لتتيقن بأداء أحدهما بصفة الطهارة ولها أن تصلي السنن المشهورة، لكنها تبعاً للفرائض، لأنها شرعت جبراً النقصان لكن في الفرائض فيكون حكمها حكم الفرائض، وتصلي الوتر أيضاً، ولا تصلي تطوعاً سوى هذه السنن المشهورة، لترددها بين المباح والبدعة.

(1/250)


وإذا صلت الفريضة لا تطيل المرأة بل تقرأ الفاتحة وسورة قصيرة، وقال بعض مشايخنا: تقرأ في الأوليين عند أبي حنيفة رحمه الله آية واحدة وثلاث آيات قصار، وعندهما بقدر ما تجوز به الصلاة، وقيل: تقرأ الفاتحة في الأوليين من المكتوبات وفي كل ركعة من السنن، ولا تقرأ غيرها.
وقيل: إنها تقرأ في الأوليين من المكتوبات وفي كل ركعة من السنن، الفاتحة وسورة قصيرة أو ثلاث آيات؛ لأنها واجبة وهو الصحيح ولا تقرأ في الأخريين من المكتوبات أصلاً عند بعض المشايخ، وعند بعضهم تقرأ وهو الصحيح، لأن قراءتها واجبة في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله.
قال بعض مشايخنا (39أ1) : ولا تقنت باللهم إنا نستعينك؛ لأنهما سورتان من القرآن عند عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما، وغيرهما من الدعوات تقوم مقامه احتياطاً، ولا تقرأه احتياطاً وذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «مختصر كتاب الحيض» : أنها تقرأ اللهم إنا نستعينك.
ولا تقرأ القرآن في غير الصلاة لاحتمال قيام الحيض، هكذا وقع في بعض النسخ وفي بعض النسخ نقول: ولا تقرأ آية تامة في غير الصلاة، ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد، فإن سمعت سجدة وسجدت للحال سقطت عنها؛ لأنها إن كانت طاهرة فقد أدت ما لزمها وإن كانت حائضاً لم تلزمها، وإن سجدت بعد ذلك أعادتها بعد عشرة أيام، لجواز أن السماع كان في الطهر والأداء في الحيض، فإذا عادت بعد عشرة أيام، فقد تيقنت بالأداء في الطهر في إحدى المرتين. وإن كان عليها صلاة فائتة تقضيها، فعليها إعادتها بعد عشرة أيام عند مشايخ بخارى تيقناً أن إحدى العشرين أيام طهرها.
وقال أبو علي الدقاق: إعادتها بعد تمام العشرة قبل أن تزيد على خمسة عشر وهو الصحيح؛ لأن بعد انقضاء خمسة عشر يجوز أن يعود حيضها.

ولا تطوف للتحية؛ لأنه تردد بين البدعة وبين السنّة، وتطوف الزيارة ثم تعيد بعد عشرة أيام؛ وهذا لأن طواف الزيارة ركن فلا تتركه لاحتمال الحيض وتعيدها بعد عشرة أيام، لتتيقن بصحة أحدهما فتتحلل بيقين وتطوف للصدر ثم لا تعيدهأما تطوف؛ لأن طواف الصدر واجب، فلا تتركه لاحتمال الحيض ولا تعيده؛ لأنها إن كانت طاهرة، فقد خرجت عن العهدة، وإن كانت حائضاً فليس عليها طواف الصدر.
ولا يأتيها زوجها أبداً، ومن المشايخ من قال: يأتيها زوجها بالتحري؛ لأن الطهر غالب على الحيض؛ لأنه أكثر من الحيض وعند غلبة الحلال الحرام يجوز التحري كما في المشايخ، ولكن هذا باطل فقد نص محمد رحمه الله في كتاب التحري أن التحري في باب الفروج لا يجوز.
ولا تفطر في شيء من شهر رمضان لتوهم الطهر في كل يوم ثم بعدما مضى رمضان

(1/251)


تقضي أيام الحيض في الشهر، وأكثر ما يكون حيضها في الشهر عشرة أيام سواء كان الشهر كاملاً أو ناقصاً، لأن باقي الشهر يكون للطهر، فإن نقص الشهر ينقصو، في الطهر لا في الحيض.
وهذا إذا كان يعرف أن حيضها في كل شهر مرة إلا أنها لا تعرف مقدار حيضها، فإن في هذه الصورة يجعل حيضها عشرة ثم المسألة على ثلاثة أوجه:
إن علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالليل فعليها قضاء عشرين يوماً؛ لأن أكثر ما فسد صومها في الشهر عشرة، فربما وافق القضاء أيام حيضها في الشهر الثاني، فعليها أن تقضي عشرة أخرى لتخرج عن العهدة بيقين، ويستوي إن كانت تقضي بعد الفطر من غير تأخر أو كانت تؤخر القضاء مدة معلومة؛ لأن ما ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل.

وإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فإن أكثر ما يفسد من صيامها أحد عشر؛ لأن ابتداء الحيض إذا كان في بعض النهار فتمام العشرة يكون في اليوم الحادي عشر، فعليها أن تقضي بعد الفطر اثني وعشرين يوماً قضت هي بعد الفطر من غير تأخر أو أخرت القضاء مدة طويلة، لجواز أن يوافق شروعها في القضاء حيض عشرة أيام، فيفسد صوم أحد عشر يوماً، فعليها أن تصوم أحد عشر يوماً أخرى لتخرج عن العهدة بيقين.
وإن لم تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل أو بالنهار يحمل على أنه يكون بالنهار؛ لأن هذا أحوط الوجوه، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر رحمه الله، وغيرُه من المشايخ قالوا: تقضي من صيام عشرين يوماً؛ لأن الحيض في كل شهر تسعة أيام، وطهرها بقية الشهر إلا أنها لا تعرف موضع حيضها، فإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل، فإنها تقضي بعد رمضان ثمانية عشر يوماً.
h
فإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فإنها تقضي بعد رمضان ثمانية وعشرين يوماً؛ لأن أكثر ما تفسده من صيامها في الوجه الأول تسعة، وفي الوجه الثاني عشرة، فتقضي ضعف ذلك لاحتمال اعتراض الحيض في أول يوم القضاء.
وإن لم تعلم ابتداء حيضها كان يكون بالليل أو بالنهار فإنها تقضي عشرين يوماً بلا خلاف، هذا إذا علمت أن دورها كان في كل شهر، وإن لم تعلم أن دورها في كل شهر، فعليها أن لا تفطر في شيء في رمضان احتياطاً، وعليها إن عرفت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالليل قضاء خمسة عشر يوماً؛ لأنه يجعل حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر، وفي هذه الصورة بطريق الاحتياط، فإنها يفسد صومها، أما عشرة من أول الشهر وخمسة في آخره وخمسة من أول الشهر بقيّة حيضها وعشرة من آخر الشهر.

فبعد ذلك المسألة على وجهين: إما إن كانت تقضيه موصولاً لا بشهر رمضان، وفي هذا الوجه عليها قضاء خمسة وعشرين يوماً؛ لأنه إن كان فسد من صومها عشرة من أول الشهر وخمسة من آخر الشهر، فيوم الفطر هو السادس من حيضها لا تصوم فيه ثم يجزئها الصوم في أربعة عشرة، ثم لا يجزئها في عشرة ثم يجزئها في يوم فمن هذا الوجه كان عليها أن تصوم خمسة وعشرين فمن الوجه الأول عليها أن تصوم تسعة عشر فكان

(1/252)


الاحتياط في أن تصوم خمسة وعشرين.
وإن كانت تقضيه مفصولاً فكذلك تقضي خمسة وعشرين يوماً للاحتمال أن ابتداء القضاء يوافق أول اليوم من حيضها، فلا يجزئها الصوم في عشرة ثم يجزئها في خمسة عشرة، وهذا إذا كان شهر رمضان ثلاثين يوماً، فأما إذا كان تسعة وعشرين يوماً، فعليها أن تصوم بعد الفطر؛ إذا وصلت عشرين يوماً وإذا وصلت أربعة وعشرين، هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «مختصر كتاب الحيض» .
فإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فأكثر ما فسد من صومها في الشهر ستة عشر يوماً إلى أحد عشره من أوله وخمسة في آخره وأما خمسة من أوله بقية الحيض وأحد عشر من آخر.
فبعد ذلك المسألة على وجهين: أما إن كانت تقضيه موصولاً برمضان، وفي هذا الوجه عليها أن تقضي اثنين وثلاثين يوماً؛ لأن الاحتياط في هذه الأوجه يجوز أنها فسد من صومها أحد عشر من أول رمضان وخمسة من آخر رمضان ويوم الفطر هو السادس من حيضها لا تصوم فيه، ثم لا يجزئها صومها في خمسة أيام ثم يجزىء في أربعة عشر بعدها، ثم لا يجزىء في أحد عشر يوماً ثم يجزىء في يومين فتكون الجملة اثنا وثلاثون.

وإن كانت تقضيه مفصولاً عن رمضان فعليها قضاء ثمانية وثلاثون يوماً يجوز أن يوافق ابتداء القضاء أول زمان حيضها، فلا يجزئها صومها في أحد عشر يوماً ثم يجزئها في أربعة عشر يوماً لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في يومين، فجملة ذلك ثمانية وثلاثون فإذا صامت هذا العدد تيقنت بجواز صومها في ستة عشر يوماً، وذلك القدر كان واجباً عليها.
هذا إذا كان شهر رمضان ثلاثين يوماً، فأما إذا كان تسعة وعشرين يوماً فعليها أن تصوم بعد الفطر إذا وصلت اثنين وثلاثين يوماً فكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «مختصر كتاب الحيض» ، وإن كانت لا تدري أن هذا الحيض كان يكون بالليل أو بالنهار، فعند الفقيه أبي جعفر رحمه الله يأخذ بأحوط الوجهين، فتقضي ثمانية وثلاثين إن قضت مفصولاً، وإن قضت موصولاً تقضي اثنين وثلاثين، وعند عامة المشايخ تقضي خمسة وعشرين والصحيح قول أبي جعفر.
وإن كانت تعلم أن أيام حيضها ثلاثة ونسيت أيام طهرها يحمل طهرها على أقل الأطهار وخمسة عشر، فإذا صامت شهر رمضان كله ثم أرادت أن تقضي، فإن علمت بأن إنهاء حيضها كان يكون بالليل، وكان شهر رمضان ثلاثين يوماً صامت تسعة أيام وصلت بيوم الفطر أو فصلت.
أما إذا وصلت به؛ فلأنه يحتمل أنها حاضت في أول شهر رمضان ثلثه ثم طهرت خمسة عشر ثم حاضت ثلاثة ثم طهرت خمسة عشر، فقد فسد من صومها ستة أيام، فإذا وصلت، فقد جاز صيامها بعد يوم الفطر خمسة أيام، ثم تحيض ثلاثة فيفسد صومها، فصار ثمانية بقي عليها صوم يوم، فيصير تسعة، وأما إذا فصلت؛ فلأن الواجب عليها من

(1/253)


القضاء ستة أيام، ويحتمل (39ب1) اعتراض الحيض في أول يوم القضاء، فيفسد صومها في ثلاثة ثم يجوز في ستة، فتصير تسعة.

وإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار تصوم إثني عشر يوماً بعد يوم الفطر وصلت بيوم الفطر أو فصلت، أما إذا وصلت؛ فلأنه يحتمل أنها حاضت في شهر رمضان، فيفسد صومها في أربعة ثم يجوز في أربعة عشر، ثم يفسد في أربعة أيام، فقد فسد من صومها ثمانية، فإذا قضت موصولاً بالشهر جاز بعد الفطر صوم خمسة أيام ثم يستقبلها الحيض، فيفسد صوم أربعة أيام، وقد بقي عليها قضاء ثلاثة أيام، فجملة ذلك اثنا عشر، وأما إذا فصلت؛ فلأن الواجب عليها قضاء ثمانية ويحتمل أن بابتداء الحيض وافق أول يوم القضاء، فيفسد صومها في أربعة ثم يجوز في ثمانية فجملة ذلك اثنا عشر.
هذا إذا كان شهر رمضان ثلاثين يوماً، وإن كان تسعة وعشرين يوماً فتخريجه على قياس المسائل المتقدمة يعرف عند التأمل، وعلى هذا القياس يخرج جنس هذه المسائل.
وإن وجب على هذه المرأة صوم شهرين متتابعين في كفارة القتل أو في كفارة الفطر بأن كانت أفطرت قبل هذه الحالة، فإن الفطر في هذه الحالة لا توجب الكفارة لتمكن الشبهة في كل يوم لتردده بين الحيض والطهر فهذا على وجهين:
إن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل، وكان دورها في كل شهر، فعليها أن تصوم تسعين يوماً؛ لأن الواجب عليها صوم ستين يوماً، فإذا كان دورها في كل شهر يجوز صومها في عشرين يوماً من كل ثلاثين يوماً، فإذا صامت تسعين، فقد تيقنت بجواز صومها في ستين يوماً.
وإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار وكان دورها في كل شهر، فعليها أن تصوم مائة يوم وأربعة أيام، لجواز توافق ابتداء صومها ابتداء حيضها فلا يجوز صومها في أحد عشر يجزئها في تسعة عشر، ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في تسعة عشر، فبلغ العدد تسعين يوماً، وإنما جاز صومها في سبعة وخمسين يوماً ثم لا يجزئها أحد عشر ثم يجزئها في أربعة عشر تتمة ستين، فبلغ العدد مائة وخمسة عشر، وجاز صومها في ستين يوماً بتيقن.

وإن كانت لا تدري كيف ابتداء حيضها بالنهار أو بالليل فهو على الاختلاف الذي بينّا على قول الفقيه أبي جعفر رحمه الله: نأخذ بأحوط الوجهين، فتصوم مائة وأربعة أيام، وعلى قول أكثر مشايخنا تصوم تسعين يوماً.
وإن كانت لا تدري أن دورها كان في كل شهر، فإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل، فعليها أن تصوم مائة يوم لأنا نجعل في هذه الصورة عشرة وطهرها خمسة عشر، فكلما صامت خمسة وعشرين نتيقن بجواز صومها في خمسة عشر، فإذا صامت مائة جاز صومها في ستين يوماً بتيقن، فتسقط عنها الكفارة.
وإن كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار، فعليها أن تصوم مائة وخمسة عشر يوماً؛ لأن من الجائز أن ابتداء الصوم ابتداء حيضها، فلا يجزيها في أحد عشر ثم

(1/254)


يجزيها في أربعة عشر ثم لا يجزيها في أحد عشر ثم يجزيها في أربعة عشر، فبلغ العدد مائة، وإنما جاز الصوم في ستة وخمسين منها ثم لا يجزيها في أحد عشر، ثم يجزيها في أربعة عشر تتمة ستين فيبلغ العدد مائة وإنما جاز صومها فيه في ستين.
وإن كانت لا تدري كيف كان ابتداء حيضها، فهو على الاختلاف الذي بيّنا ولو وجب عليها صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين، فإن كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل، فعليها أن تصوم خمسة عشر يوماً؛ لأنه إن وافق ابتداء حيضها لم يجزها صومها في عشرة، ويجزئها في ثلاثة بعده وذلك ثلاثة عشر.

وإن كان عند ابتداء صومها قد بقي من طهرها يوم أو يومان جاز صومها فيهما، ثم لم يجز صومها في عشرة، وانقطع التتابع، فإن صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين يجب متابعة، وعدد الحيض فيه لا يكون عفواً لأنها تمر ثلاثة أيام خالية عن الحيض بخلاف الشهرين، وقد عرف ذلك في موضعه، فعليها أن تحتاط وتصوم خمسة عشر يوماً، حتى إذا كان الباقي من طهرها يومان حين شرعت في الصوم لم يجز صومها فيها عن الكفارة لانقطاع التتابع، وفي العشرة بعدها يقدر الحيض وجاز في ثلاثة بعده فكانت الجملة خمسة عشر، وإن شاءت صلّت ثلاثة أيام هي ثم بعده عشرة أيام وتصوم ثلاثة أخرى، فيتعين أن إحدى الثلاثين واتفقت زمان طهرها، وجاز صومها فيه من الكفارة.
وإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار، فعليها أن تصوم ستة عشر يوماً؛ لأن الجائز أن الباقي من طهرها حين شرعت في الصوم يومان فلا يجزيها صومها فيه عن الكفارة لانقطاع التتابع، ثم لا يجزيها في أحد عشر يوماً بسبب الحيض ثم يجزيها في ثلاثة أيام، فتكون الجملة ستة عشر يوماً بسبب الحيض ثم يجزيها في ثلاثة أيام، فتكون الجملة ستة عشر يوماً ثم أفطرت أحد عشر يوماً ثم صامت ثلاثة أيام، فيتعين أن إحدى الثلاثين كان في زمان طهرها فتجزيها عن الكفارة، كذا قاله محمد رحمه الله.
قال القاضي الإمام الشهيد المحسن بن أحمد المروزي رحمه الله هو خطأ فإنه يجوز أن يكون اليوم الأول من الثلاثة الأولى يوم خروجها من الحيض، واليوم الثاني من الثلاثة الأخرى يوم دخولها في الحيض، فلا يجزيها إحدى الثلاثين، قال: والصحيح ما قاله أبو علي الدقاق: إنها تصوم ثلاثة أيام، وتفطر سبعة أيام وتصوم أربعة أو تفطر على وتطهر وعلى هذا قضاء رمضان أيضاً بأن كان الواجب عليها قضاء عشرة أيام بأن كان دورها في كل شهر، فإن شاءت صامت عشرين يوماً كما بيّنا، وإن شاءت صامت عشرة أيام في شهر ثم في شهر آخر عشرة أخرى سوى العشرة الأولى، للتيقن أن إحدى العشرين حيضها كان يكون في كل شهر ثلاثة أو أربعة، فعليها بعد مُضي رمضان قضاء ضعيف عدد أيامها، وإن شاءت صامت أيامها في عشرة من شهر ثم في شهر آخر صامت مثل ذلك، لتتيقن أن إحداهما يوافق زمان طهرها، فيجزيها من القضاء إلا أنا لم نشتغل به في قضاء رمضان؛ لأنه لا يتحقق عليها لنقصان العدد، وقد بيّناه في صوم كفارة اليمين؛ لأن التحقيق متحقق فيه، ولو وجب عليها قضاء صلاة تركتها في زمان طهرها صلت تلك الصلاة بالاغتسال ثم

(1/255)


أعادتها بعد عشرة أيام ليخرج ما عليها بيقين، ليكون أحد الوقتين زمان طهرها.
ولو أن هذه المسألة كانت أمة، فاشتراها إنسان فعلى قول محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله استبرأها بستة أشهر وعشرين يوماً إلا ساعتين، لجواز أن الشراء كان بعد ما مضى حيضها، فلا تُحتسب بهذه الحيضة من الاستبراء لأنه عشرة أيام إلا ساعة ثم بعده طهر ستة أشهر إلا ساعة ثم بعده الحيض عشرة أيام، فتكون الجملة ست أشهر وعشرون يوماً إلا ساعتين فيستبر ئها به.

قال مشايخنا: هذا على قول من يجوز وطأها بالتحري، لأن المقصود من الاستبراء استباحة الوطء، أما على قول من لا يجوز وطأها أصلاً وهو الصحيح فلا حاجة له إلى هذا التكليف، ولو كانت المبتدأة حرّة وطلقها زوجها بعد الدخول بها، فعلى قول أبي عصمة سعد بن معاذ المروزي رحمه الله: لا تنقضي عدتها في حكم التزوج بزوج آخر أبداً، لما بيّنا أنها لا يقدر أكثر الطهر بشيء، وعلى قول محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله: تنقضي عدتها بمضي تسعة أشهر وعشرة أيام غير أربعة ساعات من وقت الطلاق؛ لأنه يقدر أكثر الطهر ستة أشهر غير ساعة على ما مرّ. ومن الجائز أن الطلاق كان بعد مُضي ساعة من حيضها، فلا تحتسب هذه الحيضة من العدة، وذلك عشرة أيام غير ساعة ثم بعده يحتاج إلى ثلاثة أطهار، كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وثلاث حيض كل حيض عشرة أيام، فإذا جمعت بين هذه الجملة كانت الجملة سبعة عشر شهراً وعشرة أيام غير أربع ساعات، فيحكم بانقضاء عدتها بمضي هذه المدة من وقت الطلاق، ويجوز لها أن تتزوج بزوج آخر بعدها.
وعلى قول من يقدر طهرها تسعة وعشرين على ما يأتينا تتزوج بزوج آخر بعد مضي أربعة أشهر ويوم واحد غير ساعة من وقت الطلاق؛ لأن من الجائز أن الطلاق كان بعد مضي ساعة من حيضها، (40أ1) فلا تحتسب هذه الحيضة من العدة، وذلك عشرة أيام غير ساعة على ما مر، ومن الجائز أن الطلاق كان بعد مضي ساعة من حيضها إلى الحيضة التي تنقضي بها العدة، وهي عشرة أيام بعد غير ساعة بعد ذلك يحتاج إلى ثلاثة أطهار كل طهر سبعة وعشرون إلى ثلاث حيض كل حيض عشرة، فتبلغ الجملة مائة وإحد وعشرين يوماً غير ساعة، فتتزوج بعد مضي هذه المدة وأما حكم انقطاع.
الرجعة للزوج في هذه المرأة، فنقول:

إذا مضى من وقت الطلاق تسعة وثلاثون يوماً يحكم بانقطاع الرجعة؛ لأن هذا أمر يُحتاط فيه. ومن الجائز أن حيضها كان ثلاثة وطهرها كان خمسة عشر، وكان وقوع الطلاق في آخر جزء من أجزاء طهرها، فتنقضي عدتها بمضي تسعة وثلاثين في هذه الصورة تنقضي عدتها بثلاثة حيض كل حيض ثلاثة وبطهرين كل طهر خمسة (عشر) ، وهذا الجواب في حق امرأة لا تعرف مقدار حيضها في كل شهر، والله أعلم.
في المرأة تضل عدداً في عدد
إن سئل المفتي عن امرأة أقبلت أيامها فيما دونها من العدد بأن قبل أيامها كانت عشرة وأضلت في أسبوع، فهذا السؤال محال لامتناع وجودها في أسبوع، وكذلك إذا

(1/256)


سئل عن امرأة أضلت أيامها في مثلها من العدد بأن قبل أيامها كانت سبعة، فأضلت ذلك في أيام خمسة، فهذا السؤال محال أيضاً؛ لأنها واجدة أيامها عالمة بها.
وإن سئل عن امرأة أضلت أيامها فيما فوقها من العدد، فهذا السؤال مستقيم ثم الأصل فيه ما ذكرنا أنّ كل زمان يتيقن بالحيض فيه تترك الصلاة والصوم، ولا يأتيها زوجها فيه بيقين وكل زمان يتردد فيه بين الحيض، والطهر لا تترك المكتوبات وصوم رمضان، فبعد ذلك إن كان التردد بين الطهر والخروج عن الحيض، فتصلي فيه بالاغتسال لكل صلاة أو لوقت كل صلاة على حسب ما اختلفوا بالشك، وإن كان التردد بين الطهر والدخول في الحيض تتوضأ لكل صلاة بالشك.
وأصل آخر أن المرأة متى أضلت أيامها في ضعفها من العدد أو أكثر منها، فإنها لا تتيقن بالحيض في شيء منه، ومتى أضلت أيامها فيما دون ضعفها من العدد، فإنها تتيقن بالحيض في شيء منها نحو ما إذا كانت أيامها ثلاثة، فأضلتها في خمسة، فإنها تتيقن بالحيض في اليوم الثالث منه، فإنه أول الحيض أو آخر الحيض أو الثاني منه بيقين فتترك الصلاة فيه.

إذا عرفت هذا فنقول: إن علمت أن أيامها كانت ثلاثة، فأصلتها في العشرة الآخرة من الشهر، ولا تدري هي في أي موضع من العشرة ولا رأي لها في ذلك فإنها تصلي ثلاثة أيام من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة للتردد بين الحيض والطهر ثم بعده تصلي إلى آخر الشهر بالاغتسال لوقت كل صلاة أو لكل صلاة على حسب ما ذكرنا من الاختلاف بين المشايخ، للتردد بين الطهر والخروج من الحيض، إلا إذا تذكرت أن خروجها من الحيض في أي وقت من اليوم كان يكون، ففي هذه الصورة تغتسل في كل (يوم) في ذلك الوقت مرة، وإن لم تتذكر ذلك تغتسل لكل صلاة أو لوقت كل صلاة، وإن أضلت أربعة في العشرة، فإنها تصلي أربعة من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة للتردد بين الحيض والطهر، ثم تغتسل بعد ذلك إلى آخر العشرة لكل صلاة أو لوقت كل صلاة للتردد بين الطهر والخروج عن الحيض.
وإن أضلت خمسة في العشرة، فإنها تصلي خمسة في أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تغتسل لوقت كل صلاة أو لكل صلاة على ما ذكرنا.
وإن أضلت ستة في العشرة من أول العشرة أربعة أيام أو بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تدع يومين، ثم تصلي أربعة أيام بالاغتسال لكل صلاة أو لوقت كل صلاة؛ لأن الخامس والسادس حيض بيقين؛ لأن أيامها إن كانت من أول العشرة، فالخامس والسادس آخر حيضها، وإن كانت من آخر الشهر فالخامس والسادس من أول حيضها ثم إلى أخرها ويتم الخروج، فتغتسل فإن أضلت سبعة في عشرة صلت في ثلاثة من أولها بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تدع أربعة لتيقننا بكونها أيام الحيض ثم تصلي ثلاثاً بالاغتسال لكل صلاة، أو لوقت كل صلاة.

وإن أضلت ثامنية في عشرة فإنها تصلي في يومين من أولها بالوضوء لكل صلاة ثم

(1/257)


تدع الصلاة في ستة لتيقننا بكونها أيام الحيض ثم تصلي يومين بالاغتسال لتوهم الخروج عن الحيض؛ وإن أضلت تسعة في عشرة فإنها تصلي من أول العشرة يوماً بالوضوء ثم الصلاة ثمانية ثم تصلي يوماً بالاغتسال.

فإن قالت أضللت عشرة في عشرة، فهي واحدة عالمة بها، وهذا السؤال منها محال وإن علمت أنه كانت تطهر في آخر الشهر، ولا تدري كم كان أيامها توضأت لوقت كل صلاة، إلى تمام سبعة وعشرين من الشهر وصلت ثم تدع الصلاة ثلاثة أيام ثم اغتسلت غسلاً واحداً في آخر الشهر، هكذا.
وذكر محمد رحمه الله في «الأصل» قالوا: والجواب الذي ذكره صحيح إلا أنه مبهم لأنه لم تميز وقت تيقنها بالحيض من وقت الطهر، وإنما تمام الجواب أنها إلى العشرين تتيقن بالطهر؛ لأن الحيض لا يزيد على عشرة أيام، فتتوضأ لوقت كل صلاة بيقين، ويأتيها زوجها ثم في تسعة بعد العشرين تردد حالها فيه بين الحيض والطهر؛ لأنه إن كان حيضها ثلاثة فهي السبعة من جملة طهرها، فتصلي فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك، وتترك الصلاة في ثلاثة أيام من آخر الشهر لتيقنها بالحيض فيه وقت الخروج من الحيض معلوم لها، وهو عند انسلاخ الشهر، فتغتسل في ذلك الوقت غسلاً واحداً، فإن ذكرت أنها كانت ترى الدم إذا جاوزت عشرين يوماً، لكن لا تدري كم كانت، فإنها بعد العشرين تدع الصلاة ثلاثاً بيقين؛ لأن الحيض لا يكون أقل منها ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخره لما قلنا.

وإن علمت أنها كانت ترى الدم يوم الحادي والعشرين، ولا تتذكر سوى ذلك، فالجواب أنها تتيقن بالطهر إلى الحادي عشر من الشهر، فتصلي بالوضوء لوقت صلاة بيقين، ويأتيها زوجها ثم تصلي سبعة أيام بالوضوء بالشك لجواز أن اليوم الحادي والعشرين آخر حيضها وأيامها عشرة، ولا يأتيها زوجها في هذه السبعة، ثم تدع الصلاة في اليوم الحادي والعشرين؛ لأن فيه تيقن الحيض ثم تصلي إلى آخره بالاغتسال لكل صلاة، وإن علمت أنها كانت ترى الدم بعد مضي تسعة عشر من الشهر، ولا تدري كم كانت أيامها، فقد ذكر في بعض النسخ أنها تدع ثلاثة أيام بعد سبعة عشر لتيقن الحيض، ثم تصلي سبعاً بالاغتسال لكل صلاة بالشك.

وتأويل هذا إذا كانت تذكرت أن ابتداء حيضها كان يكون بعد سبعة عشر وفي عامة النسخ كانت تصلي بالوضوء ثلاثة أيام ثم بالاغتسال سبعة أيام، وهو الذي ذكره الحاكم في «المختصر» . وإنما خالف بين جواب هذه المسألة وبين جواب المسألة الأولى؛ لأن موضوع هذه المسألة أنها لا تعلم أن حيضها، كان يكون متصلاً بمضي سبعة عشر من الشهر وإنما تعلم كونه في العشرة التي بعدها وإذا كان موضع المسألة هذا فهذه امرأة أضلت أيامها في العشرة، ولا تدري كم كان أيام حيضها وأقل الحيض بيقين ثلاثة، وقد بيّنا فيمن أضلت ثلاثة في عشرة أنها تتوضأ لوقت كل صلاة وثلاثة أيام من أولها، ثم الباقي بالغسل إن علمت أنها كانت تحيض في كل شهر مرّة في أوله أو آخره، ولا يدرى

(1/258)


كم كان حيضها، فإنها تتوضأ من أوّل الشهر لوقت كل صلاة ثلاثة أيام، ولا يأتيها زوجها لترددها بين الحيض والطهر ثم تغتسل سبعة أيام لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض، ولا يأتيها زوجها ثم تتوضأ إلى آخر الشهر.

ولم يتميز في هذا الجواب بالزمان الذي فيه تيقُّن الطهر، فنقول في العشرة الأوسط تتوضأ لوقت كل صلاة؛ لأنها تتيقن بالطهر ههنا، ويأتيها زوجها فيها ثم في العشرة الأخيرة، تتوضأ لوقت كل بالشك، ولا يأتيها زوجها فيها لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل هي أيام الشهر مرة واحدة.
وإن علمت أن أيامها خمسة، وأنها كانت ترى الدم (40ب1) في اليوم الحادي والعشرون، ولا تحفظ شيئاً آخر صلت بالوضوء من أول الشهر إلى خمسة عشر يتيقن الطهر ثم تصلي بالوضوء بالشك أربعة أيام، ثم تترك الصلاة في اليوم العشرين؛ لأنه من أيام الحيض بيقين ثم تغتسل بعدها أربعة أيام بالشك، لاحتمال الخروج عن الحيض.

وإذا كان للمرأة أيام معلومة في كل شهر انقطع عنها الدم أشهراً ثم عاودها الدم واستمر، ونسيت أيامها تركت من أول الاستمرار ثلاثة أيام لتيقنها بالحيض فيها، فإن عادتها قد انتقلت إلى موضع الاستمرار، لعدم رؤيتها الدم في موضعها مرتين وزيادة فتتيقن بالحيض في ثلاثة أيام، فتترك الصلاة فيها ثم تغتسل لوقت كل صلاة في سبعة أيام لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج عن الحيض ثم تتوضأ عشرين يوماً لوقت كل صلاة لتيقنها فيها بالطهر ويأتيها زوجها فيها، وذلك دأبها.
Y
هكذا ذكر محمد رحمه الله جواب المسألة في «الكتاب» : وتأويلها أنه يُعلم أن دورها في كل شهر، وإن لم يعرف ذلك فلا ذكر له في «الكتاب» عن محمد رحمه الله، والجواب أن هذا لا يخلو من وجوه إما إذا كانت لا تعرف مقدار حيضها ومقدار طهرها.

وفي هذا الوجه تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثاً بيقين ثم تصلي بالاغتسال بالشكل لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر والخروج عن الحيض، ولا يأتيها زوجها في هذه العشرة لاحتمال الحيض ثم تصلي ثمانية أيام بالوضوء لوقت كل صلاة، ويأتيها زوجها في هذه الثمانية لتيقنها بالطهر فيها، فإنه إن كان حيضها ثلاثة فهذا آخر طهرها، وإن حيضها عشرة، فهذا أول طهرها ثم تصلي ثلاثة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك، ولا يأتيها زوجها فيها، فقد بلغ الحساب أحد وعشرين، ثم تصلي بعد ذلك بالاغتسال لوقت كل صلاة بالشك؛ لأنه لم يبق بعده تيقين بالحيض أو بالطهر في شيء فما من وقت لا يتوهم أنه وقت خروجها من الحيض، أما بالزيادة في حيضها على ثلاثة أو بالزيادة في طهرها على خمسة عشر.

وأما إن عرفت مقدار طهرها، ولم تعرف مقدار حيضها وفي هذا الوجه تترك الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة أيام بيقين ثم تصلي سبعة أيام بالغسل لوقت كل صلاة بالشك؛ لأنها تتوهم في كل وقت أنه وقت خروجها من الحيض ثم تصلي ثمانية أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك، فبلغ الحساب أحد وعشرين، فلو كان حيضها ثلاثة، فابتداء

(1/259)


طهرها الثاني بعد أحد وعشرين، فلو كان حيضها عشرة، فابتداء طهرها الثاني من خمسة وثلاثين ففي هذه الأربعة عشر أعني بعد أحد وعشرين إلى خمسة وثلاثين تصلي بالاغتسال لوقت كل صلاة بالشك، لاحتمال خروجها عن الحيض من كل وقت من ذلك ثم تصلي يوماً واحداً بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين، وذلك بعدما تغتسل عند تمام خمسة وثلاثين؛ لأن هذا اليوم من طهرها بيقين ثم تصلي ثلاثة بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض.

والطهر ثم تغتسل بعد ذلك بالشك أبداً لوقت كل صلاة؛ لأنه لم يبق لها يقين الطهر بعده في شيء فما من ساعة لا يتوهم أنه وقت خروجها من الحيض، فأما إن عرفت مقدار حيضها، ولم تعرف طهرها بأن عرفت أن حيضها كان ثلاثة، ولا تدري كم كان طهرها وفي هذا الوجه تدع الصلاة ثلاثة أيام من أول الاستمرار بيقين، وتغتسل ثم تصلي خمسة عشر يوماً بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين، ويأتيها زوجها فيها ثم تصلي ثلاثة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر، فبلغ الحساب أحد وعشرين يوماً، ولم يبق لها يقين في شيء بعد ذلك فتصلي فيها بالاغتسال لوقت كل صلاة بالشك؛ لأن ما من وقت بعدها إلا وتتوهم أنه وقت خروجها من الحيض.
وأما إن عرفت أنّ مقدار طهرها خمسة عشر وتردد رأيها في الحيض بين الثلاثة والأربعة وفي هذا الوجه تركت من أول الاستمرار ثلاثة ثم اغتسلت وصلّت في اليوم الرابع بالوضوء بالشك، ثم تغتسل عند مضي اليوم الرابع مرة أخرى ثم تصلي بالوضوء أربعة عشر يوماً بيقين، فبلغ الحساب ثمانية عشر ثم تصلي اليوم التاسع عشر بالوضوء بالشك، ثم تدع اليوم الحادي والعشرين بيقين، وتغتسل لتمام الحادي والعشرين، لاحتمال أنه وقت خروجها من الحيضة الثالثة بأن كان حيضها ثلاثة وتصلي اليوم الثاني والعشرين بالوضوء بالشك، ولا تغتسل لتمام الثاني والعشرين؛ لأنه ما على الحيض في حال بأن كان حيضها أربعة وطهرها في حال بأن كان حيضها ثلاثة، فلا تغتسل فيه، ولكن تصلي فيه بالوضوء بالشك ثم تغتسل عند تمام الثلاث والعشرين، لاحتمال أوان أن خروجها من الحيضة الثانية بأن كان حيضها ثلاثة، وتصلي للثاني والعشرين بالوضوء بالشك، ولا تغتسل للثاني والعشرين في أربعة ثم تصلي بثلاثة عشر يوماً بالوضوء بيقين، فبلغ الحساب ستة وثلاثين ثم تصلي يومين بالوضوء بالشك، ثم تدع الصلاة يوماً واحداً؛ لأن هذا اليوم آخر حيضها إن كان حيضها ثلاثة وأول حيضها إن كان حيضها أربعة فتتيقن فيه بالحيض، فبلغ الحساب تسعة وثلاثين ثم تغتسل لجواز الخروج من الحيض ثم تصلي ثلاثة بالوضوء بالشك، فبلغ الحساب اثنين وأربعين، ثم تغتسل لاحتمال أن هذا أوان خروجها من الحيض بأن كان حيضها أربعة ثم تصلي اثني عشر بالوضوء بيقين، فبلغ الحساب أربعة وخمسين ثم تصلي ثلاثة بالوضوء بيقين، فبلغ الحساب أربعة وخمسين ثلاثة بالشك ثم تغتسل وتصلي أربعة بالوضوء بالشك ونسوق المسألة هكذا، ونأمرها بالاغتسال في كل وقت يتوهم خروجها من الحيض؟...........

(1/260)


إذا كانت المستحاضة لا تذكر أيامها غير أنها تستيقن بالطهر في اليوم العاشر والعشرين والثلاثين، فإنها تصلي ثلاثة أيام من أول الشهر بالوضوء لوقت كل صلاة، لترددها بين الحيض والطهر ثم تصلي ستة أيام بالاغتسال لوقت كل صلاة، لاحتمال خروجها من الحيض في كل ساعة، ثم تصلي اليوم العاشر بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين الطهر ثم تصلي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لترددها فيه بين الحيض والطهر، ثم تصلي بعد ذلك لستة أيام بالاغتسال لوقت كل صلاة أو لكل صلاة، لتوهم خروجها من الحيض في كل ساعة ثم تتوضأ في اليوم العشرين، وتصلي بيقين الطهر ثم تصلي ثلاثة أيام بعدها بالوضوء بالشك، ثم تصلي ستة أيام بالاغتسال ثم تصلي اليوم الثلاثين بالوضوء بيقين الطهر.
ولا يجزيها صومها في سبعة أيام من رمضان ولتصم ضعفها ثمانية عشر يوماً قال الحاكم الشهيد رحمه الله: لو قضت صوم رمضان في هذه الأيام الثلاثة اليوم العاشر واليوم العشرين واليوم الثلاثين كفاها لتيقنها بالطهر فيها، والسابع في صوم القضاء ليس بشرط وما قضت من الفوائت في غير هذه الثلاثة، فلتعدها في هذه الأيام الثلاثة، ولا يأتيها زوجها إلا في هذه الأيام لأنا لا نتيقن بالطهر إلا فيها، والله أعلم.
ومما يتصل بهذا النوع
إذا كان على المستحاضة صلوات فائتة قضت ما عليها في يوم إن قدرت عليها أو في يومين بالاغتسال لكل صلاة، ثم تعيدها بعد مضي عشرة أيام في اليوم الحادي عشر والثاني عشر لتتيقن بالأداء في زمان الطهر، والله تعالى أعلم.
(نوع آخر) في استخراج معروفة
امرأة كان حيضها عشرة وطهرها عشرين وطهرت أشهراً ثم استمرّ بها الدم فلم تستفت في ذلك حتى عليها سنون لعارض اعترض بأن جنت أو تركت الاستفتاء فسقاً أو مخافة ثم ندمت على ذلك جاءت تستفتي أنها في الحيض أو في الطهر في أوله أو آخره، وهي تعلم يوم الاستمرار أي يوم ومن أي شهر، ومن أي سنة بأن علمت أن يوم الاستمرار مثلاً يوم الأربعاء ااخامس من محرم سنة ثمان وستين وخمسمائة، ويوم الاستفتاء يوم الخميس الثامن عشر من رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، فإن على المفتي أن يجمع عدد الأيام من أول الاستمرار إلى يوم الاستفتاء، فيأخذ السنين الكوامل وهي في هذه الصورة ثلاث سنين، ويضربها في شهور السنة وهي اثنا عشر فيصير ستة وثلاثين (41أ1) ويأخذ أيضاً الشهور الكوامل بعد ثلاث سنين وذلك ههنا ستة، فتضم إلى الأول وذلك ستة وثلاثين، فيصير اثنين وأربعين ثم يضرب ما اجتمع، وذلك اثنين وأربعين في عدد أيام الشهور، وهو ثلاثون في الأصل، فيصير ألفاً ومائتين وأربعين في عدد أيام الشهور وهو ثلاثون في الأصل، فيصير ألفاً ومائتين وستين يضم إليها ما بقي من الأيام من يوم الاستمرار إلى يوم الاستفتاء بعد السنين الكاملة، والشهور الزائدة عليها وهي ثلاثة عشر، فيصير ألف ومائتين وثلاثة وسبعين إلا أن كل الشهور لا تكون كاملة

(1/261)


كلها، ولا تكون ناقصة بل يكون نصفها كاملة ونصفها ناقصة هذا هو الغالب. وبنحوه ورد الأثر عن عمر رضي الله عنه والذي أجتمع عندنا من الشهور اثنان وأربعون ينقص عما اجتمع عندنا عن الأيام أحد وعشرون، والذي اجتمع عندنا من الأيام ألف ومائتين وثلاثة وسبعين، فيطرح عنها أحد وعشرون يبقى هناك ألف ومائتان واثنان وخمسون، ثم ينظر المفتي إلى دورها، وذلك ثلاثون يوماً حيضها عشرة من أولها ثم طهرها عشرون، وهذا عدد له ثلث صحيح وعشر صحيح، فيطرح من جملة ما اجتمع عندنا ما له ثلاث صحيح وعشر صحيح، وذلك ألف ومائتان وثلاثون يبقى هناك اثنان وعشرون إلى

تمام ألف ومائتين وخمسين ليس ثلث له صحيح وعشر صحيح، فعشرة منها من أولها حيض واثنا عشر مضى من طهرها، وقد بقي من طهرها ثمانية ثم بقي معنا إن المعنى يجوز أن يكون مصيباً في أخذ الطرح بأن كان عدد الكوامل من الشهور مثل عدد النواقض من الشهور يجوز أن يكون مخطئاً فيها بأن كان عدد الكوامل أو النواقص أكثر، فالوجه في معرفة الصواب والخطأ في الطرح أن بعد المفتي ما حصل معه من الأيام من يوم الاستمرار أو إلى يوم الاستفتاء بأيام الجمعة سبعة سبعة؛ إذ أيام الجمعة تزيد على السبعة ولا تنتقص، فيحط سبعة سبعة ويحفظ عدد أيام التي تنتقص من السبعة في العافية، فيعامله بعدما مضى من يوم الاستمرار أو إلى يوم الاستفتاء في أيام الجمعة، وذلك سبعة، فإن استويا ظهر أنه كان مصيباً في الطرح. وإن تفاوتا ظهر أنه كان مخطئاً في الطرح، فيرفع الخطأ بأن يزيد في الطرح أو ينتقص في الطرح.
إذا ثبت هذا فنقول: أجتمع عندنا من الأيام من أول الاستمرار إلى يوم ستفتاء بعد طرح أحد وعشرين ألفاً، فيطرح منها سبعة يطرح أولاً سبعمائة، ثم يطرح نصفها ثلاثمائة وخمسون ثم؛ مائة وأربعون ثم ست وخمسون، فجملة المطروح ألف ومائتان وستة وأربعون، يبقى هناك ستة إلى تمام ألف ومائتين واثنين وخمسين، وأول الاستمرار كان يوم الأربعاء. والسؤال يوم الخميس، فذلك يومان والباقي ههنا ستة، فوقع الخطأ بأربعة، فيزيد المفتي في النواقص أربعة أيام ويلحقها بالكوامل، ويزيد هذه الأربعة على أصل الحساب، وذلك ألفاً ومائتان وخمسون، فيصير ألف ومائتين وستة وخمسين، وقد طرحنا من الابتداء ألفاً ومائتان وثلاثين بقي إلى تمام ما اجتمع عندنا في الآخرة، وذلك ألف ومائتين وستة وخمسون ستة وعشرون عشرة من أولها حيض وستة عشر يوماً مضت من طهرها بقي من طهرها أربعة، فتصلي أربعة ثم تفصل عشرة ثم تصلي عشرين.

الفصل التاسع في النفاس
هذا الفصل يشتمل على أقسام:
الأول: يجب أن يعلم بأن النفاس هو الدم الذي يخرج عقيب الولادة.
قيل: إنه مشتق من النفس التي هو عبارة عن الولد بخروج الولد لا ينفك عن بلّة دم.

(1/262)


وقيل: هو عبارة عن نفس الولادة يقال: نفست المرأة ولداً فهي نفساء، والولد منفوس والولد لا ينفك عن بلّة دم ولو ولدت ولم ترَ هي دماً، فهي نفساء في رواية الحسن عن أبي يوسف، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ثم رجع أبو يوسف، وقال هي طاهرة.
وثمرة الخلاف تظهر في حق وجوب الغسل، فأما الوضوء فواجب بالإجماع؛ لأن الولد لا ينفك عن بلّة تخرج معه، وتلك البلّة حدث يوجب الوضوء بالإجماع، فوجه قول أبي يوسف الآخر أن النفاس عبارة عن الدم الخارج من الرحم، يقال للمرأة إذا رأت الدم عقيب الولد: نفست، فإذا لم ترَ الدم لم تكن نفساء والغسل من حكم النفاس في هذه الصورة.
وجه قول أبي حنيفة رحمه الله: أن النفاس مأخوذ من كل واحد مما ذكرنا وكل واحد منهما لا يخلو عن بلّة دم، وأكثر المشايخ أخذوا بقول أبي حنيفة رحمه الله وبه كان يفتي الصدر الشهيد رحمه الله، وبعضهم أخذوا بقول أبي يوسف رحمه الله.
ثم الأمة أجمعت على وجوب الغسل بالنفاس، فإما أن يكون باجتماعهم بناءً على نص ورد فيه، واكتفوا بالإجماع عن نقل النص لكون الإجماع أكثر منه، أو يكونوا قاسوه على دم الحيض لعلة أنه دم خارج عن الرحم، ويجوز انعقاد الإجماع عن القياس، وليس لعله له غاية على ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله؛ لأنه لم يرد الشرع بتقديره، القليل منه كالكثير من حق كونه حدثاً فيكون هو نفاساً، بخلاف قليل الحيض حيث يقدّر وهو في نفسه لورود الشرع بتقديره، ولا تقدير ههنا فيتبع فيه القياس؛ ولأن دم الترك ما يكون من الرحم ولديه النفاس علامة يستدل بها على أنه من الرحم وهو خروج الولد بخلاف دم الحيض، فإنه له علامة عليه، فيستدل على ذلك بالامتداد ومقدار الاعتداد عرف بالشرع.

وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه قال أقل مدة النفاس مقدر بأحد عشر يوماً. وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قدره بخمسة وعشرين يوماً وأكثر مدة النفاس مقدر بأربعين يوماً عندنا. وقال الشافعي: بستين يوماً، وقال مالك: بسبعين يوماً واعتمادنا على حديث أم سلمة رضي الله عنها حيث قالت: كانت النفساء تعتد على عهد رسول الله عليه السلام أربعين يوماً، وفي حديث أبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: «وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلّمللنفساء أربعين صباحاً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك» ، وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: وقّت رسول الله عليه السلام للنفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، وإن زاد الدم على الأربعين فالزيادة على الأربعين استحاضة والأربعون نفاس في المبتدأة، وصاحبة العادة معروفها نفاس والزيادة عليها استحاضة (نوع منه)

(1/263)


في الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس
قال أبو حنيفة رحمه الله: الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس لا يعتبر فاصلاً بين الدمين، سواء كان أقل من خمسة عشر أو كان خمسة عشر أو أكثر منها، ويجعل إحاطة الدمين بطرفه كالدم المتوالي؛ لأن الأربعين في النفاس عنده بمنزلة العشرة في الحيض، ثم الطهر بين العشرة في الحيض لا يعتبر فاصلاً بين الدمين عنده، وتجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي، وكذا في النفاس.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا كان الطهر المتخلل بين أربعين خمسة عشر فصاعداً، يصير فاصلاً بين الدمين، ويجعل الأول نفاساً والثاني حيضاً إن أمكن وإن كان أقل من خمسة عشر لا يصير فاصلاً بين الدمين، ويجعل كالدم المتوالي، فأبو يوسف رحمه الله سوّى بين النفاس وبين الحيض، فلم يجعل الطهر أقل من خمسة عشر فاصلاً بين الدمين فيها ومحمد رحمه الله (فرق) بينهما فجعل الطهر أقل من خمسة عشر في العشرة فاصلاً، ولم يجعله في الأربعين فاصلاً.
ووجهه: أنه إنما جعل ما دون خمسة عشر من الطهر في العشرة فاصلاً إذا كان الطهر غالباً على الدم، ويتصور أن يكون طهرما دون خمسة عشر غالباً على الدم في العشرة، أما لا يتصور أن يكون طهر ما دون خمسة عشر، فالأربعين غالباً على الدم، في افترقا.
إذا رأت بعد الولادة يوماً دماً وثمانية وثلاثين يوماً طهراً ويوماً دماً، فالأربعون كلها نفاس عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما نفاسها الدم الأول. ولو رأت مبتدأة خمسة دماً بعد الولادة، فإن بلغت بالحبل وخمسة عشر يوماً طهراً ثم رأت خمسة دماً ثم رأت خمسة عشر يوماً طهراً ثم استمرّ بها الدم، فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله نفاسها هي الخمسة وعادتها في الطهر تكون خمسة عشر؛ لأنها رأت ذلك مرتين ولو رأت ذلك مرّة أليس أنها تصير عادتها لها، فههنا أولى ويكون حيضها هي الخمسة التي رأتها بعد العشرين، ويصير ذلك عادة لها برؤيتها إياها مرّة (41ب1) لكونها مبتدأة في الحيض.
وعند أبي حنيفة رحمه الله نفاسها يكون خمسة وعشرون، الطهر الأول غير معتبرة عنده أصلاً لإحاطة الدم بطرفيه في الأربعين، والطهر الثاني صحيح معتبر؛ لأنه تم الأربعون ما أحاط الدم بطرفيه في مدة الأربعين، وتصير عادتها في الطهر خمسة عشر لرؤيتها ذلك مرة لكونها مبتدأة ولاعادة لها في الحيض، فيجعل حيضها من أول الاستمرار خمسة؛ لأنها صارت عادة لها عندهما وطهرها خمسة عشر وتصير عادة لها في النفاس عند أبي حنيفة خمسة وعشرون، وعندهما خمسة.
قسم آخر في معرفة وقت النفاس
وقد اختلف العلماء قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله فهو من ولادة الولد الأول، وقال محمد وزفر رحمهما الله: هو من الولد الثاني.

(1/264)


وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا ولدت وفي بطنها ولد آخر. قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: كما ولدت الولد الأول تصير نفساء، وقال محمد (وزفر) رحمه الله: لا تصير نفساء ما لم تلد الولد الثاني.

حجة محمد وزفر رحمهما الله: أن النفاس حكم يتعلق بالولادة، كانقضاء العدة في حق انقضاء العدة يعتبر الولد الآخر، فكذا في حق النفاس وربما يقولان النفاس بمنزلة الحيض من حيث إن كل واحد منهما ينزل من الرحم ثم الحبل ينافي الحيض، فينافي النفاس أيضاً.
ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: أن النفاس مأخوذ من واحد مما ذكرنا، فإنه يحصل بولادة الولد ودم الحامل إنما لا يعطى له حكم الحيض؛ لأنه ليس من الرحم؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أنّ المرأة إذا حبلت ينسد فم رحمها، وهذا المعنى لا يوجد ههنا؛ لأن فم الرحم قد انفتح بخروج الولد الأول، فكان نفاساً. اعتبار النفاس بانقضاء العدة لا يصح، لأن انقضاء العدة متعلق بفراغ الرحم، ولا فراغ مع بقاء شيء من التنفل، فأما النفاس يتعلق بخروج الولد، وقد وجد خروج الولد.
وإن كان بين الولدين أربعون يوماً فصاعداً، فقد اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله قال بعضهم يجب عليها النفاس من الولد الثاني أيضاً عنده؛ لأن سبب النفاس ولادة الولد، وقد تحقق ولادتان فاستقام إيجاب نفاسين بخلاف الحيض؛ لأن سبب الحيض الوقت، ولا يجتمع وقتا الحيض على التوالي، وقال بعضهم: لا يجب عليها النفاس من الولد الثاني على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الصحيح، وإلى هذا أشار في «الجامع الصغير» ، فإنه ذكر المسألة الأولى، وذكر بعدها، وكذلك لو كان بين الولدين أربعون يوماً.
وحكي أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة رحمهما الله: أرأيت لو كان بين الولدين أربعون يوماً، قال: هذا لا يكون، قال أبو يوسف: وإن كان قال: لا نفاس لها من الولد الثاني، وإن رغم أنف أبي يوسف ولكنها تغتسل كما تضع الولد الثاني وتصلي، وهذا صحيح لأنه لا يتوالى نفاسان ليس بينهما طهر صحيح، كما لا يتوالى حيضان ليس بينهما طهر صحيح.
ومما يتصل بهذا القسم
امرأة ولدت ثلاثة أولاد بين كل ولدين أقل من ستة أشهر بين الولد الأول والثالث أكثر من ستة أشهر، فالأولاد الثلاثة هل تجعل من حَبَلٍ واحد؟ اختلف المشايخ: قال بعضهم منهم أبو علي الدقاق: يجعل من حَبَل واحد؛ لأن المحتمل يحمل على المقطوع به، وكون الأول مع الثاني من حَبَل واحد مقطوع به، وكذلك كون الثاني مع الثالث من حَبَل واحد مقطوع به، بخلاف ما إذا لم يكن الثاني؛ لأنه تمة ليس بمقطوع به يحمل عليه، أما ههنا بخلافه.

(1/265)


ومما يتصل بهذا القسم أيضاً
امرأة خرج بعض ولدها منها، فرأت الدم يسيل تصير نفساء. واختلَفت فيه الروايات روى خلف بن أيوب عن أبي يوسف رحمهما الله، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله: أنه يعتبر فيه خروج أكثر الولد كما عرف أن أكثر الشيء له حكم كماله. وروى المعلى عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: أنه إذ خرج بعض الولد صارت به نفساء، وروى هشام عن محمد رحمه الله: أنها لا تصير نفساء حتى يخرج الرأس ونصف اليدين والرجلين، وأكثر من نصف البدن.
وعن محمد رحمه الله: أنها لا تصير نفساء حتى يخرج جميع ولدها، وهذا على أصله مستقيم، فإن عنده النفاس معلق بوضع الحمل كله، وعن أبي حنيفة أيضاً رحمه الله أنها تصير نفساء بخروج بعض الولد؛ لانفتاح فم الرحم بخروج بعض الولد، وهو مستقيم على أصله أن النفاس من الولد الأول، وكذلك لو انقطع الولد الثاني في بطنها، فخرج أكثره تصير نفساء في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله وبخروج بعضه تصير نفساء على الرواية الأخرى.
ومما يتصل بهذا القسم أيضاً

المرأة إذا أسقطت سقطاً، فإن كان استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما رأت الدم، فإن لم يستبن شيء من خلقه فهي نفساء فيما رأت الدم، وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها، ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضاً بأن تقدّمه طهر تام يجعل حيضاً، وإن لم يمكن جعله حيضاً بأن لم يتقدمه طهر تام فهي استحاضة، وإن رأت دماً قبل إسقاط السقط، ورأت دماً بعد إسقاط السقط، فإن كان السقط مستبين الخلق، فما رأته قبل الإسقاط لا يكون حيضاً؛ لأنه تبيّن أنها حين رأته كانت حاملاً، وليس الحامل الحيض، وهي نفساء فيما رأت بعد إسقاط السقط، فإن لم يكن السقط مستبين الخلق، فما رأته قبل الإسقاط حيض إن أمكن جعله حيضاً بأن وافق أيام عادتها أو كان مرئياً عقيب طهر صحيح؛ لأنه تبين أنها لم تكن حاملاً.
u
ثم إن كان ما رأت قبل السقط مدة تامة بأن كان أيامها ثلاثة، فرأت قبل الإسقاط ثلاثة دماً استمر بها الدم بعد الإسقاط، فما رأته بعده يكون استحاضة، وإن لم تكن مدة تامة بأن رأت قبل الإسقاط يوماً أو يومين دماً تكمل مدتها، فما رأت بعد إسقاط السقط ثم هي مستحاضة بعده.

وإن كان لا يدرى حال السقط بأن أسقطت في المخرج، ولا يدرى أنه كان مستبين الخلق أو لم يكن واستمر بها الدم، وهي مبتدأة في النفاس، وصاحبة عادة في الطهر، والحيض كان عادتها في الحيض عشرة، وفي الطهر عشرون، فنقول: على تقدير أن السقط مستبين الخلق هي نفساء، ونفاسها يكون أربعون يوماً لأنها مبتدأة في النفاس، وقد استمر الدم، فيجعل نفاسها أكثر النفاس كما يجعل حيض المبتدأة في الحيض إذا استمر بحما الدم أكثر الحيض، وهي عشرة أيام، وعلى تقدير أن السقط لم يكن مستبين الخلق لا تكون نفساء، وتكون عشرة الأيام عقيب الإسقاط حيضاً إذا وافق عادتها أو كان ذلك

(1/266)


عقيب طهر صحيح، فنرك الصلاة هي عقيب الإسقاط عشرة أيام بيقين؛ لأنها فيه إما حائض أو نفساء، ثم تغتسل هي وتصلي عشرين يوماً بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر والنفاس، ثم تترك الصلاة عشرة أيام بيقين؛ لأنها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء، ثم تغتسل لتمام مدة النفاس والحيض ثم بعد ذلك يكون طهرها عشرون وحيضها عشرة، وذلك دأبها.
وإن كانت رأت قبل الإسقاط دماً، فإن كان ما رأت قبل الإسقاط مستقلاً بنفسه لا تترك هي الصلاة بعد الإسقاط، وإن لم يكن ما رأت قبل الإسقاط مستقلاً بنفسه، فإنها تترك بعد الإسقاط قدر ما تتم به مدة حيضها، لا تترك الصلاة فيما رأت قبل الإسقاط على كل حال، ولو تركت فعليها صلاتها.

وإنما لا تترك الصلوات فيما رأت قبل الإسقاط؛ لأن على تقدير أن السقط مستبين الخلق فهي مستحاضة فيما رأت قبل الإسقاط، ثم إذا كان معروفها في الحيض عشرة، وفي الطهر عشرين يوماً بعد السقط عشرة دماً اغتسلت وصلت عشرين يوماً بعد السقط؛ لأنه تردد حالها فيه بين النفاس والطهر ثم تترك عشرة بيقين؛ لأنها فيها نفساء لأنها مبتدأة في النفاس أو حائض إن كان السقط مستبين الخلق فهي نفساء، فيكون نفاسها أربعون، وإن لم يكن السقط مستبين الخلق فهي حائض فيها ثم تغتسل هي وتصلي عشرين يوماً عشرة بالشك، لتردُّدِ حالها فيه بين الطهر والنفاس ثم تغتسل وتصلي عشرة أخرى بيقين الطهر ثم تصلي عشرة أخرى بالشك لتردد حالها فيه بين (42أ1) الطهر والحيض ثم تغتسل، وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت يتوهم أنه وقت خروجها من الحيض أو النفاس، فإن رأت قبل الإسقاط خمسة دماً ثم أسقطت هكذا، فإنها تترك الصلاة خمسة أيام بعد السقط؛ لأن السقط إن لم يكن مستبين الخلق، فهذه الخمسة تتم مدة حيضها.
وإن كان مستبين الخلق فهو أول نفاسها فتترك الصلاة في الخمسة بيقين؛ لأنها حيض أو نفاس ثم تغتسل وتصلي عشرين يوماً بالوضوء بالشك للتردد بين النفاس والطهر، ثم تترك عشرة بيقين؛ لأنه حيض أو نفاس، فبلغ الحساب خمسة وثلاثين ثم تغتسل وتصلي خمسة بالوضوء بالشك ثم تغتسل لتمام الأربعين، ثم تصلي خمسة عشر يوماً بالوضوء بيقين؛ لأنه طهر فبلغ الحساب خمسة وخمسين ثم تصلي خمسة بالوضوء للتردد بين أول الحيض إن لم يكن السقط مستبين الخلق وبين آخر الطهر إن كان مستبين الخلق، فبلغ الحساب ستين ثم تترك خمسة أيام؛ لأنها أول حيضها أو آخر حيضها ثم تغتسل وتصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل مرة أخرى؛ لأنه آخر أيام حيضها إن كان مستبين الخلق ثم تصلي خمسة عشر بالوضوء بيقين.

وإن كانت المرأة معتادة في الحيض والطهر والنفاس، وكانت عادتها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرون، وفي النفاس أربعون، فأسقطت في أول أيام حيضها، ولم تدر حال السقط فإنها تترك الصلاة عشرة بيقين؛ لأنها حيض أو نفاس ثم تغتسل وتصلي عشرين بالوضوء بالشك؛ لأنه نفاس أو طهر ثم تترك الصلاة عشرة؛ لأنها حيض أو نفاس

(1/267)


ثم تغتسل وتصلي عشرين؛ لأنه طهر في الأحوال كلها، والله تعالى أعلم.
قسم في الضلال في النفاس
المرأة إذا كانت لها عادة معروفة في النفاس، فنسيت عادتها، وولدت بعد ذلك ولداً ورأت الدم، فعليها أن تقعد عن الصلاة أربعين يوماً إن كانت ترى الدم، فإن لم يجاوز دمها أربعين، وطهرت من بعد الأربعين طهراً كاملاً لم تعد هي شيئاً مما تركت من الصلاة؛ لأن الأربعين يعتبر نفاساً في حقها، كما إذا زاد دمها في الحيض على عادتها، ولم يُجاوز الدم العشرة، فإنه يعتبر ذلك كله حيضاً في حقها، فإن جاوز الدم الأربعين أو لم يجاوز ولكن طهرت بعد الأربعين أقل من خمسة عشر يوماً؛ فإنّ عليها أن تتحرى في ذلك، فإن وقع أكثر رأيها وغالب ظنها على عدد أنه كان عادة نفاسها ذلك مضت على ذلك، وأعادت ما تركت من الصلاة في أكثر أيام نفاسها المعتادة.
وإن لم يكن لها رأي في ذلك احتاطت، فصلّت صلاة الأربعين كلها لجواز أن نفاسها كان ساعة، وإن كان دمها مستمراً للحال انتظرت هي عشرة أيام قضت صلاة هذه الأربعين ثانباً، لاحتمال حصول القضاء في أول مرة في حالة الحيض، والاحتياط في العبادات واجب.
قسم آخر
وإذا ولدت ولداً فاستمر بها الدم وشكت في حيضها أو في طهرها أو فيهما، فهي ثلاثة أوجه: فإن شكت في حيضها أنه خمسة أو عشرة وتيقنت في الطهر أنه عشرون، فإنها تعد الأربعين للنفاس، فتغتسل وتصلي عشرين يوماً بيقين ثم تدع خمسة بيقين الحيض ثم تغتسل، فبلغ الحساب خمسة وعشرين يوماً ولها حسابان الأقصر والأطول ففي الأقصر استقبلها طهر عشرين، وفي الأطول بقي من حيضها خمسة فتصلي فيها بالوضوء بالشك، ثم تغتسل وتصلي خمسة عشر بالوضوء بيقين الطهر، فبلغ خمسة وأربعين وفي الأقصر استقبلها الحيض خمسة، وفي الأطول بقي من طهرها خمسة، فتصلي خمسة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب خمسين ثم تغتسل، وفي الأقصر استقبلها طهر عشرين، وفي الأطول استقبلها طهر عشرين فتصلي عشرة بيقين، فبلغ سبعين، وفي الأقصر استقبلها حيض خمسة، وفي الأطول بقي من حيضها عشرة، فتصلي خمسة بالوضوء بالشك فبلغ خمسة وسبعين فتغتسل ثم في الأقصر استقبلها طهر عشرين، وفي الأطول بقي من طهرها خمسة فتصلي خمسة بالوضوء بيقين فبلغ مائتين، ثم في الأقصر بقي من طهرها خمسة عشر وفي الأطول استقبلها حيض عشرة، فتصلي عشرة بالوضوء بالشك فبلغ تسعين، فتغتسل، وفي الأقصر بقي من طهرها خمسة، وفي الأطول استقبلها طهر عشرين فتصلي خمسة بالوضوء بيقين بلغ خمسة وتسعين، وفي الأقصر استقبلها حيض خمسة، وفي الأطول بقي من طهرها خمسة عشر فتصلي خمسة بالوضوء بالشك ثم تغتسل، فبلغ الحساب مائة، وفي الأقصر استقبلها حيض خمسة، وفي الأطول بقي من طهرها خمسة

(1/268)


عشر فتصلي خمسة بالوضوء بالشك ثم تغتسل، فبلغ الحساب مائة، وفي الأقصر استقبلها طهر عشرين، وفي الأطول بقي من طهرها عشرة، فتصلي عشرة بيقين بلغ مائة وعشرة ثم في الأقصر بقي من طهرها عشرة، وفي الأطول استقبلها حيض عشرة، فتصلي عشرة بالشك ثم تغتسل، فبلغ مائة وعشرين ثم في الأقصر استقبلها حيض خمسة، وفي الأطول استقبلها طهر عشرين، فتصلي خمسة بالوضوء بالشك، فبلغ مائة

وخمسمائة وعشرين، ثم في الأقصر استقبلها طهر عشرين، وفي الأطول بقي من طهرها خمسة عشر فتصلي خمسة بالوضوء بيقين، فبلغ مائة وأربعين، وفي الأقصر بقي من طهرها خمسة، وفي الأطول استقبلها حيض عشرة فتصلي خمسة بالوضوء بالشك بلغ مائة وخمسة وأربعين، ثم في الأطول بقي من حيضها خمسة وفي الأقصر استقبلها الحيض خمسة فتترك هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل، فبلغ الحساب مائة وخمسين، واستقام دورها.
وعلى هذا: يخرج إذا شكت في الطهر أنه خمسة عشر أو عشرون واستقامة دورها يكون في مائة وخمسين.
وعلى هذا يخرج إذا شكت ههنا شك في الحيض أنه خمسة أو عشرة، وشكت في الطهر أنه خمسة عشر أو عشرون، واستقامة دورها يكون في ثلاثمائة والله أعلم
نوع آخر
امرأة ولدت وانقطع دمها بعد يوم أو يومين، فانتظرت إلى آخر الوقت واغتسلت وصلّت أمّا الانتظار إلى آخر الوقت لتوهم أن يعاودها الدم، وأما الاغتسال في آخر الوقت والصلاة فلكونها طاهرة ظاهراً وقد بيّنا نظير ذلك في الحيض.
قسم آخر في المرأة إذا طلقها الزوج فأخبرت عن انقضاء العدة في كم تُصدَّق
وهذا فصل اختلف فيه العلماء، روى أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة رحمه الله رضي الله عنه: أنها لا تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوماً، وفي رواية الحسن عنه لا تُصدق في أقل من مائة يوم.
وذكر أبو سهل الفرائضي في «كتاب» الحيض عن أبي حنيفة رحمه الله: أنها لا تصدق، في أقل من مائة وخمسة عشر يوماً، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوماً، وقال محمد رحمه الله: لا تصدق في أقل من أربعة وخمسين يوماً وساعة هذا إذا كانت حرة.
فأما إذا كانت أمة وقد طلقها الزوج بعد الولادة، فعلى رواية محمد عن أبي حنيفة لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوماً، وعلى رواية الحسن عنه لا تصدق هي في أقل من خمسة وسبعين يوماً، على رواية أبي سهل الفرائضي لا تصدق هي في أقل من تسعين يوماً، وعلى قول أبي يوسف: لا تصدق في أقل من سبعة وأربعين يوماً. وعلى قول محمد: لا تصدق في أقل من ستة وثلاثين يوماً وساعة والله أعلم.

(1/269)


قسم آخر في ختم النفاس بالطهر الفاسد
يجب أن يعلم بأن أبا يوسف رحمه الله كان يرى ختم النفاس بالطهر الفاسد كما يرى ختم الحيض بالطهر الفاسد؛ إذ الأصل عنده أن كل طهر بين الدمين يكون هو أقل من خمسة عشر، فهو كدم مستمر وأبو حنيفة رحمه الله على ما يروي عنه أبو يوسف يرى ختم النفاس بالطهر الفاسد، وعلى ما يروي عنه محمد لا يرى ختم النفاس بالطهر الفاسد.
واختلف المشايخ فيه على قول محمد، الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني، والفقيه أبو بكر الأعمش رحمهما الله أن محمداً رحمه الله لا يرى ختم النفاس به كما لا يرى ختم الحيض به، وقال جماعة منهم إن محمداً رحمه الله يرى ختم النفاس به، وفرقوا بين النفاس وبين الحيض.
وبيان ذلك: امرأة بلغت بالحبل فرأت الدم ثلاثين يوماً ثم طهرت أربعة عشر يوماً، ثم استمر بها الدم (42ب1) أشهراً، فعند من يرى ختم النفاس بالطهر الفاسد يكون نفاسها أربعون يوماً عادة أصلّية لها وطهرها عشرون عادة أصلية لها وحيضها عشرة، فتصلي بعد الأربعين عشرين يوماً وتدع الصلاة عشرة أيام وتصلي عشرين، وذلك دأبها ما دامت ترى الدم وعلى قول من يرى ختم النفاس بالطهر الفاسد يكون نفاسها ثلاثون يوماً عادة أصلية لها، وطهرها عشرون عادة أصلية وحيضها عشرة عادة لها أصلية، فتصلي بعد الثلاثين عشرين وتقعد عشرة ثم عشرين، والله أعلم.
قسم آخر في انتقال عادة النفاس

يجب أن يُعلم بأن انتقال العادة في النفاس إنما يكون بالخالص من النفاس، وخالصه أن يكون عقيب النفاس طهر تام خمسة عشر يوماً فصاعداً، وإذا قصّر الدم بعد النفاس عن خمسة عشر يوماً، فكذلك النفاس فاسد غير خالص، ولا يفسد دم النفاس بدم يُرى قبل الولادة؛ لأنه لم يخرج من الرحم لانسداد فم الرحم بالولد، وتنتقل العادة في النفاس برؤية المخالف مرّة عند أبي يوسف رحمه الله، ويصير ذلك عادة لها، وعليه الفتوى.
وبيانه: امرأة كانت أيام حيضها، نفاسها أربعون يوماً عادة أصلية لها وأيام طهرها عشرون وأيام حيضها عشرة، فولدت فرأت الدم ثلاثين ثم طهرت خمسة عشر، ثم استمر بها الدم انتقلت عادتها في النفاس إلى ثلاثين، وفي الطهر إلى خمسة عشر وبقيت عادتها في الحيض عشرة، فتترك الصلاة من أول الاستمرار عشرة ثم تصلي خمسة عشر، وعلى هذا القياس فافهم، والله تعالى أعلم.

(1/270)