المحيط
البرهاني في الفقه النعماني الفصل الثالث عشر في
التراويح والوتر مسائل التراويح تشتمل على أنواع:
النوع الأول في بيان صفتها وكميتها وكيفية أدائها
أما الكلام في صفتها، فنقول: التراويح سنّة هو الصحيح من المذهب، وهكذا روى
الحسن عن أبي حنيفة رحمة الله عليه نصاً، والدليل على أنها سنّة قوله عليه
السلام: «إن الله تعالى فرض عليكم صيامه وسننت لكم قيامه» ، وقد صح أنه
عليه السلام أقامها في بعض الليالي، وبين العذر في ترك المواظبة عليها، وهو
خشية أن تكتب علينا ثم واظب عليها الخلفاء الراشدون، وقال عليه السلام:
«عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي» ، وقال عليه السلام في حديث
سلمان؛ «إن الله تعالى فرض عليكم صيامه وسن لكم قيامه» ، فهذا الخبر يشير
إلى أنه سنّة الله، ومعناه: موضع الله ومرضاته وإنها سنة الرجال والنساء
جميعاً ما روى عرفجة بن عبد الله الثقفي عن علي رضي الله عنه، بدليل أنه
كان يأمر النساء بصيام رمضان، وكان يجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال
عرفجة: فأمرني فكنت إماماً للنساء. وعن هشام بن عروة عن أبي مكية أن عائشة
رضي الله عنها أعتقت ديجون عن دين، مكان قومها ومن معها في رمضان في
المصحف، وقال أبو حنيفة رحمه الله لم يرد ذلك، فإنه روى في إبراهيم النخعي
رحمه الله أنه قال: كانوا يكرهون أن يؤم الوصل في المصحف، لما فيه من الشبه
باليهود.
وأما الكلام في كمها، فنقول إنها مقدرة العشرين ركعة عندنا والشافعي رحمه
الله، وعند مالك رحمة الله عليه أنه مقدرة بست وثلاثين ركعة اتباعاً لعمر
وعلي رضي الله عنهما، فإن قاموا بما قال مالك بالجماعة، فلا بأس به عند
الشافعي، وعندنا يكره بناءً على أن التنفل بجماعة.......، والمكروه عندنا
خلافاً للشافعي رحمه الله، وإن أتوا ما على العشرين إلى تمام ست وثلاثين
فرادى، فلا بأس به وهو مستحب.
وأما الكلام في كيفيته أدائها، روي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمة الله
عليهما أن الإمام يصلي بالقوم ويسلم في كل ركعتين، وكلما يصلي ترويحة ينتظر
بعد الترويحة قدر ترويحة، وينتظر بعد الترويحة الخامسة قدر ترويحة ويوتر
بهم والانتظار بين كل
(1/456)
ترويحتين مستحب بقدر ترويحة عند أبي حنيفة
رحمه الله. وعليه عمل أهل الحرمين، غير أن أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين
أسبوعاً، وأهل المدينة يصلون بدل ذلك أربع ركعات، وأهل كل بلدة بالخيار
يسبحون أو يهللون أو ينتظرون سكوتاً، وهل يصلون؟ اختلف المشايخ، ومنهم من
كره ذلك فكان أبو القاسم الصفار وإبراهيم بن يوسف، وخلف وشداد رحمهم الله،
لا يكرهون ذلك، وكان إبراهيم بن يوسف يقولون: ذلك حسن جميل، وأما الانتظار
والاستراحة على رأس خمس تسليمات، فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا
يكره، وعامتهم على أنه يكره؛ لأنه يخالف أهل الحرمين.
وإذا صلى كل تسليمة إمام على حدة حتى يصير لكل ترويحة إمامان، فقد جوزه
وبعض المشايخ. وعامتهم على أنه مكروه، وينبغي أن يؤدي كل ترويحة إمام على
حده، وهو عمل أهل الحرمين وغيرهم.
نوع آخر في بيان أن الجماعة
ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن المعلى، عن أبي يوسف رحمهما الله أنه
قال: من قدر على أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في شهر رمضان، فأحب
إليّ أن يصلي في بيته، وذكر نحوه عن مالك، وكان الشافعي رحمه الله يقول في
القائم صلاة المنفرد في قيام رمضان أحب إليّ.
أن قال الطحاوي رحمه الله: وقد قال قوم: إن الجماعة في ذلك أفضل، منهم عيسى
بن أبان رحمه الله، وقد ذكر الطحاوي في «مختصره» استحب له أن يصلي التراويح
في بيته، إلا أن يكون فقيهاً عظيماً يقتدى به، ويكون في حضوره ترغيب لغيره
في الامتناع عن الحضور تقليل الجماعة، فحينئذٍ (لا) يستحب له أن يصلي في
بيته ينبغي أن يحضر المسجد.
وفي «نوادر هشام» قال سألت محمداً رحمه الله عن القيام في شهر رمضان في
المسجد أحب إليك أم في البيت؟ قال: إن كان عمله يقتدى به فصلاته في المسجد
أحب إليّ، وقال أبو سليمان كان محمد بن الحسين رحمه الله يصلي مع الناس
التراويح ويؤم ثم يرجع، وهكذا كان يفعل أبو مطيع وخلف وشداد وإبراهيم بن
يوسف رحمهم الله، فمن المشايخ من قال: من صلى التراويح منفرداً كان تاركاً
للسنّة، وهو مسيء، وبه كان يعني ظهير الدين المرغيناني رحمه الله لما روي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقدر ما صلى التراويح صلى بجماعة، وهكذا
نقل عن الصحابة رضون الله عليهم، ومن المشايخ من قال يكون تاركاً لفضيلة،
فلا بأس به، فقد صح عن ابن عمر وسالم ونافع أنهم كانوا ينصرفون، ولا
يقومون، فدل عن الجماعة، وليست السنّة ولكن المشايخ على أن إقامتها
بالجماعة سنّة على سبيل ثبوته حتى لو ترك أهل مسجد كلهم إقامتها بالجماعة،
فقد أساؤوا وتركوا السنّة.
وإن أقيمت التراويح بالجماعة في المسجد و........، وزاد الناس وصلى
(1/457)
في بيته، فقد ترك الفضيلة، ولم يكن مسيئاً،
وإن صلوا بالجماعة في البيت، فقد اختلف المشايخ فيه، والصحيح أن للجماعة في
البيت نصيبه؟...... فضيلة أخرى، فهذا قد جاء إحدى الفضيلتين وترك الفضيلة
الزائدة.
ولو أن إماماً يصلي التراويح في مسجدين في كل مسجد على الكنار لا يجوز؛
لأنه لو؟....... هكذا حكي عن أبي بكر الإسكاف رحمه الله، ثم قال أبو بكر،
سمعت أبا نصر يقول يجوز لأهل كل المسجدين، قال أبو الليث رحمه الله: قول
أبو بكر أحب إليّ، وذكر القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله فمن صلى
العشاء والتراويح والوتر في مسجد، ثم أم قوماً آخرين في التراويح ونوى
الإمامة كره له، ولا يكوه للمأمومين.
ولو لم ينوِ الإمامة وشرع في الركوع، فاقتدى الناس لم يكره لواحد منهما،
والمقتدي إذا صلى في مسجدين لا بأس به؛ لأن اقتداءه في المسجد الثاني يكون
اقتداء المتطوع بمن يصلي السنّة، ولكن ينبغي أن يوتر في المسجد الثاني،
هكذا حكي عن الفقيه أبي القاسم رحمه الله معناه لا يوتر في المسجد الأول،
ويوتر في المسجد الثاني.
ولو صلى التراويح ثم أرادوا أن يصلوا....... يصلون فرادى.
نوع آخر في بيان وقت التراويح
قال الشيخ الإمام الزاهد إسماعيل المستملي، وجماعة من متأخري مشايخ بلخ
رحمة الله عليهم إلى وقت طلوع الفجر وقت إنهاء بعد العشاء قبل الوتر وبعد
الوتر؛ لأنها مقام الليل فوقتها الليل.
وقال كافة مشايخ بخارى رحمة الله عليهم: وقتها ما بين العشاء والوتر، فإن
صلاها قبل العشاء، أو بعد الوتر لم يؤدها في وقتها، وأكثر المشايخ على أن
وقتهما ما بين العشاء إلى طلوع الفجر، حتى لو صلاها قبل العشاء لا تجوز،
ولو صلاها (72ب1) بعد الوتر يجوز؛ لأنها نوافل سنّت بعد العشاء، فأشبهت
التطوع المسنون بعد العشاء في غير شهر رمضان، قال القاضي الإمام أبو علي
النسفي رحمه الله: هذا القول يصح قال القاضي الإمام هذا أراد مشايخ بلدتنا
تقديم التراويح على العشاء، لتعجيل الناس العشاء في ليالي رمضان؛ لأجل
التراويح مخافة أن يقع العشاء قبل الوقت، لكن كرهوا مخالفة السلف.
وفي «الفتاوى» : إمام صلى العشاء بغير وضوء وهو لا يعلم، ثم صلى بهم إمام
أخر التراويح ثم علموا، فعليهم أن يعيدوا العشاء والتراويح، وهذا الجواب في
التراويح على قول من يقول أن وقت التراويح ما بين العشاء إلى آخر الليل.
(1/458)
نوع آخر في نية التراويح
إذا نوى التراويح أو سنة الليل (أو) الوقت، أو قيام الليل في النيتين يجوز
وصار كما إذا نوى الظهر أو فرض الوقت، فإنه يجوز وإن نوى صلاة مطلقة، أو
نوى تطوعاً فحسب، اختلف المشايخ فيه، ذكر بعض المتقدمين أنه لا يجوز؛ لأنها
سنّة والسنّة لا تتأدى بنية التطوع أو بنية الصلاة المطلقة روى الحسن عن
أبي حنيفة رحمة الله عليهما ذلك في ركعتي الفجر، أو يقول: هذه الصلاة
مخصوصة كالمكتوبات، فلا تتأدى بمطلق النية ولا بنية التطوع كالمكتوبات،
وأكثر المتأخرين على أن التراويح وسائر السنن تتأدى بمطلق النية، لأنها
نافلة لكن واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم والنوافل تتأدى بمطلق
النية، والاحتياط في التراويح أن ينوي التراويح، أو بنية الوقت أو قيام
الليل، وفي سائر السنن الاحتياط أن ينوي الصلاة متابعاً لرسول الله عليه
السلام.
ولو صلى التراويح بنية الفوائت من صلاة الفجر لم تكن محتسبة في
التراويح........ ليشترط النية في كل شفع، فقد اختلف المشايخ فيه.
نوع آخر في بيان قدر القراءة في التراويح
اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم؛ يقرأ في كل ركعة كما يقرأ في المغرب؛ لأن
التراويح أخف من أخف المكتوبات، وقال بعضهم: يقرأ في كل ركعة كما يقرأ في
العشاء، وقال بعضهم: يقرأ في كل ركعتين في عشرين أية إلى مائتين.
وعن أبي حنيفة رحمة الله عليه: أنه يقرأ في كل ركعة عشر آيات.
والحاصل: أن السنّة الختم في التراويح مرة، والختم مرتين فضيلة، والختم
ثلاث مرات في كل عشر مرة أفضل؛ لأن كل عشر من رمضان مميز مخصوص، والختم مرة
يقع بقراءة عشر آيات في كل ركعة؛ لأن عدد ركعات التراويح في ثلاثين ليلة
ستمائة، وآيات القرآنستة آلاف وشيء، فيكون في كل ركعة عشر آيات والختم
مرتين يقع بقراءة عشرين آية في كل ركعة والختم ثلاث مرات يقع بقراءة ثلاثين
آية في كل ركعة.
قال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمة الله عليه، إذا قرأ بعض القرآن في
سائر الصلوات بأن كان القوم الختم في التراويح، فلا بأس به. ويكون لهم ثواب
الصلاة، ولا يكون لهم ثواب الختم.
وسئل أبو بكر الإسكاف رحمه الله عن الإمام في شهر رمضان أيجرد للفريضة
قراءة على حدة، أو يخلط قراءة الفرض بقراءة التراويح؟ قال سهل إلى ما هو
أخف للقوم.
وسئل أيضاً: عن الإمام إذا فرغ من التشهد هل يزيد عليها أو يقتصر، قال؛ إن
علم
(1/459)
أن ذلك لا يمل القوم يزيد في الصلوات
والاستغفار ما شاء. وإن علم أنه يثقل على القوم لا يزيد.
قالوا: ويكره للإمام إذا ختم في التراويح أن يقرأ الإمام في ركعة واحدة إذا
علم أن القوم يملون، وكذا يكره له أنه يعجل، ويختم القرآن في ليلة إحدى
وعشرين إذا علم أن القوم يملون.
قال مشايخ بخارى: وينبغي للإمام إذا أراد الختم أن يختم في ليلة السابع
والعشرين، أكثره ما جاء في الأخبار فيها أنها ليلة القدر، وإذا غلط في
القراءة في التراويح، فترك سورة أو آية وقرأ ما بعدها، فالمستحب له أن يقرأ
المتروكة ثم المقروءة ليكون قد قرأ القرآن على نحوه
وإذا فسد شفع وقد قرأ فيه هل يعتبر بما قرأ؟ اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم:
لا يعتد ليكون الختم في صلاة صحيحة، وقال بعضهم: إذا فسد شفع وقرأ.....
يعتد؛ لأن المقصود هو القراءة ولا فساد في القراءة؛ وإذا ختم القرآن، فله
أن يبدأ من حيث شاء بقية الشهر.
قال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله، وإذا ختم في التراويح مرة
وصلى العشاء يقية الشهر من غير تراويح يجوز من غير كراهة؛ لأن التراويح ما
شرعت بحق نفسها بل لأجل القراءة فيها، فالسنّة هو الختم مرة وقد ختم مرة،
فلو أمرناه بالتراويح بعد ذلك أمرناه بهابحق نفسها وإنها ما شرعت بحق
نفسها.
وعن هذا قلنا: إن في النساء من كانت قارئة تصلي عشرين ركعة في كل ليلة
وتختم القرآن في الشهر مرة، ومن لم تكن قارئة منهن تصلي ستاً وثمانياً
وعشراً.
قال القاضي الإمام هذا رحمه الله: إذا كان إمامه يخلط لا بأس بأن يترك
مسجده ويطوف، وكذلك إذا كان غيره أخف قراءة وأحسن صوتاً، وهذا يبين أنه إذا
كان لا يختم في مسجد حيّه يطوف. وما ذكر الصدر الشهيد رحمه الله أنه إذا
كان يقرأ في مسجد حيه قدر المسنون لا يترك مسجد حيه لم يتضح في معناه.
ومما يتصل بهذا النوع
أن الفضل تعديل الصراط بعد التسليمات، هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمة
الله عليهما وبنحوه ورد الأثر عن عمر رضي الله عنه وإن خالف هذا، فلا بأس؛
لأن السنّة هي الختم، وإنها لا تفوت بترك التعديل، وأما في التسليمة
الواحدة، فلا يستحب تطويل الركعة الثانية على الركعة الأولى، كما في سائر
الصلوات، أما تطويل الركعة الأولى على الركعة الثانية فقد قيل لا بأس به،
من غير ذكر خلاف، وقد قيل ذكر يجب أن..... المسألة على الخلاف على قول أبي
حنيفة، وأبي يوسف رحمه الله لا يطول.
(1/460)
بل يسوي وقال محمد رحمه الله: يستحب تطويل
الأولى كما في الظهر والعصر والعشاء.
نوع آخر في القوم يصلون التراويح قعوداً
اعلم بأن هذا النوع على وجوه:
الأول: أن يصلي الإمام والقوم جميعاً التراويح قعوداً من غير عذر، والكلام
فيه في موضعين في الجواز وفي الاستحباب. أما الكلام في الجواز فقد اختلف
المشايخ فيه، قال بعضهم: لا يجوز؛ لأنها سنّة فصار كركعتي الفجر، وقال
بعضهم: يجوز وهو القائل بفرق بين التراويح وبين سنّة الفجر.
والفرق: أن هذه نافلة لم تختص بزيادة تأكيد، فأشبهت سائر النوافل بخلاف
ركعتي الفجر. وعلى قول من يقول بالجواز يكون ثوابه على نصف ثواب القائم،
هكذا حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي رحمه الله، وأيضاً الكلام في
الاستحباب بلا خلاف أنه لا يستحب؛ لأنه (73أ1) خلاف المتوارث، وخلاف عمل
السلف.
الوجه الثاني: أن يصلي القوم والإمام جميعاً قعوداً بعذر، وإنه جائز بغير
كراهة، والكلام فيه ظاهر.
الوجه الثالث: أن يصلي الإمام التراويح قاعداً بعذر أو بغير عذر، واقتدى به
قوم قيام، والكلام فيه في موضعين أيضاً، في الجواز والاستحباب، أما الكلام
في الجواز فقد اختلف المشايخ فيه: قال بعضهم على قول أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله لا يجوز بناءً على اختلافهم في اقتداء القائم بالقاعد في
الفرض.
ومنهم من قال يجوز الاقتداء إجماعاً، قال القاضي الإمام أبو علي النسفي
رحمة الله عليه هو الصحيح، وإذا صح الاقتداء على الوفاق على قول هؤلاء هل
يستحب للقوم القيام؟ اختلفوا فيما بينهم، قال بعضهم: لا يستحب احترازاً عن
صورة المخالفة، وقال بعضهم عن قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله عليهما
يستحب القيام، وعلى قول محمد يستحب القعود.
وذكر أبو سلمان عن محمد رحمهما الله: في رجل أم قوماً في رمضان جالساً
أيقومون؟ يعني القوم قال: نعم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله،
فبعض مشايخنا قالوا: إن محمداً خص قول أبي حنيفة وأبي يوسف في بيان حكم
الجواز، يعني على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: يجوز لقوم أن يصفوا
قياماً، والإمام قاعد وتخصص قولهما في بيان حكم الجواز دليل على أنه لا يصح
اقتداؤهم به عند محمد رحمة الله عليه، وبعض مشايخنا قالوا خص قوليهما في
بيان حكم الاستحباب يعني يستحب لهم القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله.
وعند محمد رحمه الله لا يستحب، وهذا لأن عند محمد رحمه الله الاختلاف بين
الإمام والقوم في القيام والقعود اختلاف معتبر حتى يمنع الفرض من الجواز،
فيمنع النفل في الاستحباب أيضاً.
(1/461)
نوع آخر
فيما إذا صلى ترويحة واحدة أو أكثر أو أقل بتسليمة واحدة.
يجب أن يعلم بأن هذه المسلة على وجهين:
الأول: أن يقعد على رأس الركعتين، في هذا الوجه اختلاف المشايخ، قال بعض
المتقدمين: لا يجزئه إلا عن تسليمة واحدة، وقال بعض المتقدمين، وعامة
المتأخرين: إنه يجزئه عن تسليمتين، قال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه
الله: لأنه أكمل ولم يجد بشيء إنما جمع المتفرق، واستدام التحريم، وإنه لا
يؤثر في المنع في الجواز.
ألا ترى أن من أوجب على نفسه أن يصلي أربع ركعات بتسليمتين فصلى أربعاً
بتسليمة واحدة، وقعد على رأس الركعتين يجوز عن جميع ما أوجبه على نفسه، كذا
ها هنا. روى ذلك أصحاب «الأمالي» عن أبي يوسف رحمة الله عليه.
ولو صلى ستاً أو ثمانياً بتسليمة واحدة، وقعد على رأس كل ركعتين لم يجزئه
إلا عن ركعتين في قول بعض المتقدمين، وبعض المتقدمين وعامة المتأخرين الذين
قالوا بالجوار عن تسليمتين إذا صلى أربعاً وقعد على رأس الركعتين اختلفوا
فيما بينهم، عامتهم على أنه يجزئه كل ركعتين عن تسليمه تسليمتين؛ لأنه أكمل
كل ركعتين بالقعود في آخرهما، وسائر الأفعال والتسليم قطع، وخروج، وليس
بمقصود.
وقال بعضهم: متى صلى عدداً بتسليمة واحدة، وهي مستحبة في صلاة الليل، وكل
ركعتين من ذلك يجزىء عن تسليمة واحدة، ومتى صلى بتسليمة واحدة عدداً بعضها
مستحبة في صلاة الليل، وبعضها غير مستحبة في صلاة الليل فإنما يجزئه عن
القدر المستحب؛ لأنه في الزيادة مسيء، فكيف ينوب..... عن التراويح وما كان
في..... اختلاف كان في هذا اختلاف أيضاً.
فعلى هذا إذا صلى ستاً أو ثمانياً بتسليمة واحدة، وقعد على رأس كل ركعتين
قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: يجزئه عن تسليمتين؛ لأن عندهما الزيادة
على الأربع في صلاة الليل بتسليمة واحدة مكروهة، فلا تنوب الزيادة عن
التراويح، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: فيما إذا صلى ستاً يقع ذلك عن
ثلاث تسليمات باتفاق الروايات؛ لأن عنده إلى الست بتسليمة واحدة لا تكره
باتفاق الروايات.
وفيما إذا صلى ثمانياً يقع عن أربع تسليمات على ما ذكر في «الأصل» وعلى ما
ذكر في «الجامع الصغير» يقع عن ثلاث تسليمات، وعلى ما قاله بعض المشايخ:
إنه ليس في المسألة اختلاف الروايتين، ولكن طول في الأصل وأوجز في «الجامع»
يجوز عن أربع تسليمات.
ولو صلى عشر ركعات بتسليمة وقعد في كل ركعتين، فعلى قولهما: يجوز عن أربع
ركعات، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله في الروايات الظاهرة يجوز عن أربع
تسليمات؛
(1/462)
لأن ما زاد على الثماني ليس بمستحب عنده
باتفاق الروايات الظاهرة، وعلى قول العامة وهو الصحيح يجوز عن خمس تسليمات
كل ركعتين عن تسليمة.
ولو صلى التراويح كلها بتسليمة واحدة، وقعد على رأس كل ركعتين، فعندهما
يجزئه عن أربع ركعات، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: يجوز عن ثماني ركعات
وعلى قول عامة المشايخ: يجوز على كل ركعتين عن تسليمة عن أبي حنيفة رحمه
الله.
ولو صلى أربعاً بتسليمة واحدة، ولم يقعد على رأس الركعتين، ففي هذا الوجه
القياس، وهو قول محمد رحمه الله وزفر وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمهم
الله: إنه تفسد صلاته، ويلزمه قضاء هذه الترويحة.
وفي الاستحسان وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وهو المشهور، وقول أبي يوسف
رحمه الله: يجوز، ولكن يجوز عن تسليمة واحدة، وعن تسليمتين، وقال بعضهم: عن
تسليمتين، وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله، وهكذا كان يفتي الشيخ
الإمام أبو عبد الله الخيزاخزي رحمه الله، وكان يقول التراويح سنّة مؤكدة،
فكان كسنّة الظهر.
ولو صلى سنّة الظهر أربعاً، ولم يقعد على رأس الركعتين أجزأه عن الأربع،
كذا ههنا، وكان الفقيه أبو جعفر الهنداوي رحمه الله يقول: يجزئه عن تسليمة
واحدة، وبه كان يفتي الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله.
قال القاضي الإمام أبو علي النسفي قول الفقيه أبي جعفر والشيخ الإمام أبي
بكر محمد بن الفضل رحمه الله أقرب إلى الاحتياط، فكان الأخذَ بالاحتياط،
فكان الأخذ به أولى فهكذا اختار الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله، وعليه
الفتوى.
فهذا لأن القعدة على رأس الثانية في التطوع فرض، فإذا تركها كان ينبغي أن
تفسد صلاته أصلاً، كما هو وجه القياس.
وإنما جاز استحساناً، فأخذنا بالقياس، فقلنا بفساد الشفع الأول، وأخذنا
بالاستحسان في حق بقاء التحريمة.
وإذا بقيت التحريمة صح الشروع في الشفع الثاني، وقد أتمهما بالقعدة فجاز عن
تسليمة واحدة.
وعن أبي بكر الإسكاف رحمه الله: أنه سئل عن رجل قام إلى الثالثة في
التراويح، (73ب1) ولم يقعد على رأس الثانية، قال: إن تذكر في القيام،
فينبغي أن يعود إلى القعدة فيعود ويسلم، وإن تذكر بعد ما ركع الثالثة وسجد،
فإن أضاف إليها ركعة أخرى كانت هذه الأربعة عن تحريمة واحدة، ورأيت في نسخة
فيما إذا صلى أربعاً بتسليمة واحدة، ولم يقعد على رأس الركعتين إن على قول
أبي حنيفة رحمه الله: يجوز عن تسليمتين، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله يكون
عن تسليمة واحدة.
(1/463)
وأما إذا صلى ثلاثاً بتسليمة واحدة، إن قعد
على رأس الثانية يجرئه عن تسليمة واحدة، وعليه قضاء ركعتين؛ لأنه شرع في
الشفع الثاني وصح الشروع فيه، وقد أفسده فيجب عليه قضاء الشفع الثاني.
وإن لم يقعد على رأس الثانية، ساهياً أو عامداً لا شك أن صلاته باطلة
قياساً، وهو قول محمد وزفر وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمهم الله في
المشهور، وهو قول أبي يوسف رحمهما الله اختلف المشايخ، قال بعضهم: يجزيه عن
تسليمة، وقال بعضهم: لا يجزيه أصلاً، وكذلك الاختلاف في غير التراويح في
قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الثالثة قد صحت حيث حكم بصحة التحريمة إن قعد
في آخر الصلاة، ولم يكملها بضم أخرى إليها فيلزمه القضاء، وعلى قول من
يقول: لا يجزئه الثلاثة أصلاً لزمه قضاء الأوليين، وهل يلزمه؛ لأجل الثالثة
شيء؟ إن كان ساهياً لا شيء عليه، لأنه شرع في مظنون. وإن كان عامداً لزمه
ركعتان في قول أبي يوسف لبقاء التحريمة، وفي قول أبي حنيفة رحمه الله: لا
يلزمه شيء؛ لأن التحريمة قد فسدت حين لم يقعد على رأس الثالثة، ولم يأتِ
بالرابعة، فإذا قام إلى الثالثة، فقد قام إليها بتحريمة فاسدة، وذلك موجب
القضاء عند أبي يوسف رحمه الله، وعند أبي حنيفة لا في الصحيح من مذهبه.
فعلى هذا إذا صلى التراويح....... تسليمات كل تسليمة ثلاث ركعات، ولم يقعد
على رأس الركعتين، فعلى جواب القياس، وهو قول محمد وزفر رحمه الله: عليهما
وهو رواية عن أبي حنيفة رحمة الله عليه قضاء التراويح كلها، ولا شيء عليه
سوى ذلك.
وأما قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
فعلى قول من يقول: إذا صلى ثلاث ركعات لا غير بتسليمة واحدة يجزئه عن
تسليمة واحدة أجزأه هنا عن التراويح كلها، ولا شيء عليه إن كان قام ساهياً،
وإن كان قام عامداً فعليه قضاء عشرين ركعة، وعلى قول من يقول: لا يجزئه
الثلاث عن تسليمة واحدة عليه قضاء التراويح كلها، ولا شيء عليه سوى ذلك في
قول أبي حنيفة رحمه الله كيف ما كان. وفي قول أبي يوسف رحمه الله: إن كان
ساهياً فهو كذلك، وإن كان عامداً فعليه مع التراويح قضاء عشرين ركعة أخرى
أيضاً.
وإذا صلى التراويح كلها ثلاثاً ثلاثاً يصلي إحدى وعشرين ركعة بسبع تسليمات،
كل تسليمة ثلاث ركعات، ولم يقعد على رأس الركعتين ساهياً رأيت في نسخة
«مجموع النوازل» : أن عليه قضاء ركعتين لا غير عندهما، وعند محمد رحمه الله
يعيد التراويح كلها، ولا يلزمه بالقيام إلى الثالثة شيء قال ثمة: والصحيح
قولهما؛ لأنه لما صلى ثلاثاً ولم يقعد في الثانية وسلم ساهياً على رأس
الثالثة فهذا السلام لم يخرجه عن حرمة الصلاة، ولو قام وكبّر وصلى ثلاث
ركعات صار ست ركعات قد قعد في آخرهن فقام مقام ثلاث تسليمات، ثم
الثلاث....... لهذه التسليمة عما عليه، فكان عليه قضاء الركعتين وثلاث
وثلاث هكذا، فتصير ثماني عشرة ركعة قائمة مقام تسع تسليمات بقي
(1/464)
عليه تسليمة واحدة، فإذا صلى ثلاث ركعات
وترك القعدة على رأس الركعتين من هذا الوجه حتى لو تذكر، وضم إلى الثالثة
ركعة أخرى جاز ترويحه، ولا شيء عليه.
نوع آخر في الشك في التراويح
إذا سلم الإمام في ترويحة، فاختلف القوم عليه قال بعضهم: صلى ثلاثاً وقال
بعضهم: صلى ركعتين، قال أبو يوسف رحمه الله يأخذ الإمام بعلم نفسه، ولا يدع
علمه بقول غيره، وقال محمد رحمة الله عليه: يقبل قول غيره، ويكتمل بقول من
معه. وإن كانوا أقل، وكذلك إذا وقع الاختلاف بين الإمام، وجميع القوم، وإن
شك الإمام فأخبره عدلان يأخذ بقولهما.
وإذا شك أنه صلى عشر تسليمات، أو تسع تسليمات اختلف المشايخ فيه، قال
بعضهم: لا يعيدون تسليمة؛ لأن الزيادة على التراويح ليست بمشروعة، وقال
بعضهم: عليهم أن يعيدوا تسليمة بالجماعة، وليس في هذا زيادة على التراويح
بجماعة، بل هو إتمام التراويح، فالزيادة على التراويح إن يتموا التراويح،
ثم يصلوا ويريدوا الزيادة بنية التراويح، وها هنا يشرعون في هذه التسليمة
بنية إتمام التراويح، فلا يكره.
وهو نظير التطوع بعد العصر إذا شرع فيه مع العلم أنه يكره، وإذا شرع في
التطوع بنية العصر، ثم علم أنه كان أذن فإنه يتم صلاته، ولا يكره كذا هنا.
وقال بعضهم: يريدون، ولا...... تسليمة أخرى احترازاً عن الزيادة على
التراويح. وقال بعضهم: يصلون تسليمة واحدة فرادى، حتى يقع الاحتياط من بعد
السنّة بتمامها، ويقع الأخير من غيره إذ النافلة غير التراويح في الجماعة،
وهو الصحيح.
نوع آخرإذا صلى التراويح مقتدياً بمن صلى مكتوبة أو نافلة غير التراويح
اختلف المشايخ فيه، منهم من بنى هذا الاختلاف في النية، حتى قال.....
المشايخ: إن التراويح لا تتأدى إلا بنيتها نقول ها هنا لا يصح؛ لأنها لو
كانت لا تتأدى إلا بنيتها منه لا تتأدى بنية إمامه، وهي تخالف نيته، ومن
قال بأنها تتأدى من غير نيتها بل بنية مطلقة يجب أن يقول بصحة الاقتداء
هاهنا، ومنهم من قال: لا يصح، قال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله،
وهو الأظهر والأصح.
وعلى هذا الخلاف إذا لم يسلم من العشاء حتى بنى عليه التراويح الصحيح: إنه
لا يصح، وهذا أظهر؛ لأنه مكروه وعلى هذا الخلاف إذا بناها على السنة بعد
العشاء الصحيح أنه لا يصح.
وكذلك لو كان الإمام يصلي التراويح واقتدى به رجل، ولم ينوِ التراويح، ولا
صلاة للإمام لا يجوز، كما لو اقتدى رجل يصلي المكتوبة فنوى الاقتداء به،
ولم ينوِ
(1/465)
المكتوبة ولا صلاة للإمام لا يجوز وفي
التراويح للقاضي الإمام أبو علي (74أ1) النسفي رحمه الله:
رجل صلى العشاء بمنزله ثم أتى مجسداً، ووجد الإمام في الصلاة ظن أنه في
التراويح، فاقتدى به ثم ظهر أنه في العشاء، قال هذا متنفل اقتدى بمفترض
بتحريمة، ولم يقل يجزيه عن التراويح أو عن النفل.
وفي «فتاوى النسفي» : إذا ظن المقتدي أن إمامه افتتح الوتر وأتم التراويح،
ونوى الوتر ثم تبين أنه في التراويح فتابعه في ذلك قال: يجوز عن شفع يتأدى
بنية النفل، هكذا: ونحوه في «فتاوى النسفي» وقد ذكرنا في قصد النية أن
التراويح لا تتأدى إلا بنية التراويح، أو بنية سنّة الوقت أو قيام الليل في
شهر رمضان عن بعض المشايخ.
وفي التراويح للقاضي الإمام أبي علي النسفي رحمه الله: إذا اقتدى الإمام في
التراويح ينوي العشاء، بأن لم يأت لسنّة العشاء حتى قام الإمام إلى
التراويح أجزأه.
وإذا اقتدى في التسليمة الأولى أو الثانية ثم يصلي التسليمة الخامسة أو
السادسة، اختلف المشايخ فيه، قال الصدر الشهيد رحمه الله؛ فالصحيح أنه يجوز
قال؛ لأن الصلاة واحدة ونية الأولى أو الثانية لغو الأولى أنه لو نوى
الثالثة بعد الأولى لم يكن إلا الثانية.
وألا ترى أنه لو اقتدى في الركعتين بعد الظهر، فمن يصلي الأربع بعد الظهر
يجوز، فهذا كذلك. وإذا لم يدر المقتدي أن الإمام في التراويح أو العشاء،
فنوى أنه إن كان في العشاء، فقد اقتديت به. وإن لم يكن في العشاء وكان في
التراويح ما اقتديت به لا يصح الاقتداء، سواء كان في العشاء أو في
التراويح.
وإن نوى أنه إن كان في العشاء اقتديت به وإن كان في التراويح أيضاً اقتديت،
فظهر أنه كان في التراويح أو في العشاء صح الاقتداء، وإذا فاتته ترويحة أو
ترويحتان، وقام الإمام إلى الوتر يتابعه في الوتر أم يأتي بما زاد فإنه من
الترويحات؟ فقد اختلف مشايخ زماننا فيه.
وذكر في «واقعات الناطفي» عن أبي عبد الله الزعفراني أنه يوتر مع الإمام،
ثم يقضي ما فاته من الترويحات.
نوع آخر في إمامة الصبي في التراويح
جوزها أكثر علماء خراسان، ولم يجوزها مشايخ العراق، وفي «الفتاوى» عن نصر
بن يحيى قال: لا بأس بأن يؤم الصبي في شهر رمضان، إذا بلغ عشر سنين يعني في
التراويح، وقال أحمد بن سلمة رحمه الله: إنه لا يجوز، وعن محمد بن مقاتل
رحمه الله: أنه قال: يجوز في التراويح خاصته.
وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يؤم عائشة رضي الله عنها في التراويح،
وإنه صبي، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله: يفتي بالجواز وكان
شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: يفتي بعدم الجواز، وكان يقول الإمام ضامن
والصبي لا يصلح
(1/466)
للضمان، ولأن صلاة القوم صلاة حقيقية،
وصلاة الصبي ليست حقيقية، ولا يجوز بناء الحقيقي على غير الحقيقي،
فعلى..... لو أن هذا الصبي أم صبياً....
وفي «المنتقى» : لو أن قوماً صلوا خلف صبي لا تجوز صلاتهم؛ لأنهم يصلون
للتقيد لا تقيد فيما ينفله الصبي، ولهذا قلنا إن الصبي لو أحرم ثم بلغ لا
يمضي على إحرامه.
نوع آخرإذا فاتت التراويح عن وقتها هل تقضى؟
اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يقضي ما لم يدخل وقت تراويح آخر، وقال بعضهم:
يقضي ما لم يمضِ رمضان، وقال بعضهم: لا يقضي أصلاً وهو الأصح؛ لأن التراويح
ليست بأكثر من في السنّة بعد المغرب والعشاء، وهي لا تقضى، فهذا أولى.
والدليل عليه: أنها لا تقضى بالجماعة بالإجماع، ولو كانت تقضى لقضيت كما
فانت، فإن قضاها منفرداً كان نفلاً مستحباً كسنّة المغرب إذا قضيت.
وفي «الفتاوى» ، من ترك السنّة سئل عن تركها وإذا فاتت عن وقتها لا يؤمر
بالقضاء، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: من ترك السنّة بعذر، فهو معذور
في تركه بغير عذر، فهو غير معذور، وإذا تذكرها في الليلة الثانية أنه فسد
عليهم شفع سنّته الأولى، فأرادوا أن يقضوا يكره لهم؛ لأنهم لو قضوا بنية
التراويح تزيد على تراويح هذه الليلة، وإنه مكروه.
نوع آخر في المتفرقات
إمام شرع في الوقت على ظن أنه...... التراويح، فلما صلى ركعتين تذكر أنه
ترك تسليمة يسلم على رأس الركعتين، لم يجزىء ذلك عن التراويح؛ لأنه ما صلى
بنية التراويح، ويكره للمقتدي أن يقعد في التراويح، فإذا أراد الإمام أن
يركع يقوم؛ لأن هذا إظهار للكاسد في الصلاة والتشهد كالمنافقين، قال الله
تعالى {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} (النساء: 142) وكذلك إذا غلبه
النوم يكره له أن يصلي، بل ينصرف حتى يسقط لأن في الصلاة مع النوم تهاوناً
وغفلة وترك تقيد.
وكذا لو صلى على السطح في شدة الحر، لقوله تعالى {قل نار جهنم أشد حراً لو
كانوا بفقهون} (التوبة: 81) ، وكذا يكره أن يضع يديه على الأرض عند القيام،
بل يقوم بواحدة؛ لأن وضع اليد على الأرض تشبه بالمنافقين، إلا أن لا
يستطيع، فحينئذٍ لا يكره، ويكره عد الركعات في التراويح لما فيه من إظهار
الملالة، ولا يصلي تطوعٌ بجماعة إلا قيام رمضان، لما روي عن رسول الله صلى
الله عليه وسلّمأنه قال: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجده إلا
مكتوبة» ، ولو كان أداء النافلة بالجماعة لكان أداؤها في المسجد أفضل،
(1/467)
كما في المكتوبة، ولأن الجماعة لإظهار
السعاية، فيختص بالمكتوبات فأما قيام رمضان، فقد صلى رسول الله صلى الله
عليه وسلّمفي المسجد..... الحديث، واستشهاد عمر رضي الله عنه الصحابة رضوان
الله عليهم أن يجمع الناس على قارىء فلم يخالفوه، فجمعهم على أبي بن كعب،
فدل ذلك على جوازه فباعده، فردوه إلى الأصل وحكي من الشيخ الإمام الأجل شمس
الأئمة السرخسي رحمه الله أن التطوع بالجماعة إذا صلوا التطوع...... سبيل
التداعي أما إذا اقتدى واحد بواحد لا يكره، وإذا اقتدى ثلاثة بواحدة، ذكر
هو رحمه الله: أن فيه اختلاف المشايخ، قال بعضهم: يكره وقال بعضهم: لا
يكره. وإذا اقتدى أربعة بواحد يكره بلا خلاف.
(فصل في الوتر)
جئنا إلى مسائل الوتر: ذكر القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله: أن
الوتر بالجماعات أحب إليّ في رمضان، قال وأجاز علماؤنا رحمهم الله: أن يوتر
في منزله في رمضان كما اجتمعوا على التراويح فيها بعمر رضي الله عنه كان
يؤمهم فيها في رمضان، وأبي بن كعب كان لا يؤمهم فيها.
والوتر ثلاث ركعات عندنا. وقال الشافعي إن شاء أوتر بركعة أو ثلاث أو خمس
أو سبع أو إحدى عشرة، لقوله عليه السلام: «من شاء أوتر بركعة، ومن شاء أوتر
بثلاث أو بخمس» .
ولنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم:
أن النبي عليه السلام «أوتر بثلاث ركعات» ، وقال الحسن أجمع المسلمون أنه
يصلى الوتر (74ب1) ثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، وما روى الخصم محمول
على ما قبل استقرار الوتر، وإنها سنّة عن أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهما
وعن أبي حنيفة رحمه الله في الوتر ثلاث روايات، في رواية هي واجبة، وفي
رواية قال هي سنّة وفي رواية هي فرض.
وفي الصحيح أنها واجبة عنده، ومعنى قولنا إنه فرض عنده أنها فرض عملاً لا
اعتقاداً حتى إن جاحده لا يكفر، ومعنى قوله على رواية: إنها سنّة أن وجوبه
ثلاث بالسنّة.
حجة أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهما في المسألة قوله عليه السلام: «ثلاث
كتبت علي ولم تكتب عليكم الوتر والضحى والأضحى» ، وفي رواية: «خصصت بثلاث
وهي لكم سنّة الوتر الضحى والأضحى» ؛ ولأن هذه صلاة لم يشرع لها أذان ولا
(1/468)
إقامة، ولا جماعة ولا يشرع لها وقت على حدة
وشرعت القراءة في الركعات، وكل ذلك إبانة كونها سنّة.
ولأبي حنيفة رحمه الله ما روي عن..... رضي الله عنه خرح علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلّممستبشراً وقال: «إن الله تعالى زادكم صلاة على صلواتكم
الخمس ألا وهي الوتر، فحافظوا عليها» فالاستدلال بها من وجهين:
أحدهما: أن النبي عليه السلام سمى الوتر زيادة، والزيادة من جنس المزيد
عليه، لا يقال زادني الثمر إذا وهب.
والثاني: أمر بالمحافظة عليها، والأمر للوجوب، وما روي من الحديث محمول على
الابتداء، وإنما لم يشرع لها أذان وإقامة وجماعة؛ لأن هذه الأشياء شرعت
فيما هو فرض عملاً واعتقاداً والوتر عندنا، فرض عملاً لا اعتقاداً، ولأنه
شرع باسم الزمان، فلا يلحق بالأصل في حق الشرائط، وإنما شرعت القراءة في
الكل لأنها سنّة عملاً، فأوحينا القراءة في الكل احتياطاً على أنه يجوز أن
تجب القراءة في الفريضة في جميع الركعات احتياطاً، فإن من دخل في صلاة إمام
قد سبقه بركعتين وأحدث الإمام، واستخلف هذا المسبوق يجب عليه أن يقرأ في
هاتين الركعتين، وإذا أتم صلاة الإمام..... يستخلف أحداً أدرك أول الصلاة
حتى يسلم بهم، يقوم ويصلي ركعتين بقراءة فهذه صلاة فريضة مع ذلك افترضت
القراءة فيها في جميع الركعات.
وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف رحمه الله، قال: سمعت أبا حنيفة رحمه الله
يقول: الوتر فريضة واجبة فقد جمع بين صفة الفرضية وصفة الوجوب، والواجب عند
أهل الفقه غير الفريضة.
والجواب: أنها فريضة عملاً لا علماً، وواجبة علماً، وتفسيره أن من نفى
فرضيته لا يكفر أو نقول بين بقوله واجبة أن وجوبها لم يثبت بطريق قطعي،
كسائر الواجبات في اليوم والليلة.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: الوتر سنّة واجبة قيل في طريق الجمع بين
السنّة والواجب إنه أراد بالسنّة الطريقة بمعنى قوله الوتر سنّة واجبة
ووجوب الوتر طريقة مسنونة.
وقيل أراد به بيان الطريق الذي عرفنا وجوب الوتر به؛ لأن وجوب الوتر ما عرف
إلا بالسنّة، ففي القولين استناد إلى أن الوتر واجبة عند أبي يوسف رحمه
الله، وإنه خلاف المشهور من قوله.
وفي «النوازل» : أهل قرية اجتمعوا على ترك الوتر آذاهم الإمام وحبسهم، فإن
لم
(1/469)
يمتنعوا قاتلهم، هذا الجواب ظاهر على قول
أبي حنيفة، وكذلك على قولهما على ما اختاره........ بخارى رحمهم الله،
فإنهم قالوا إذا اجتمع أهل البلدة على الامتناع من أداء الوتر فجواب أئمة
بخارى أن الإمام يقاتلهم كما يقاتلهم على ترك الفريضة.
ولو ترك الوتر حتى يطلع الفجر، فعليه قضاؤها في ظاهر رواية أصحابنا رحمهم
الله، وعن أبي يوسف رحمه الله في غير رواية «الأصول» أنه لا قضاء عليه، وعن
محمد رحمه الله في غير رواية «الأصول» أحب إليّ أن يقضيها، وما ذكر في
الجواب في ظاهر الرواية ظاهر على مذهب أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الوتر على
مذهبه واجب، والواجب تقضى بعد فواتها يشكل على قولهما لأنها سنّة عندهما،
والسنّة إذا فاتت عن وقتها لا تقضى وبهذا الفصل يستدل أبو حنيفة رحمه الله
أن قضية القياس أن لا تقضى، لكن تركنا القياس بالأثر، وهو ما روي أن النبي
عليه السلام قضى الوتر ليلة....... وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «من نام عن وتر أو نسيه، فليصله إذا
ذكره» ، وربما تذكر بعد ذهاب الوقت، والله أعلم.
ومتى قضي الوتر قضي بالقنوت؛ لأنه لا وتر بدون القنوت، فإذا وجب قضاء الوتر
وجب قضاؤه بقنوته.
ثم إذا أراد أن يصلي الوتر كبر وفعل بعد التكبير ما يفعل في سائر الصلوات
فإذا فرغ من نوع القراءة في الركعة الثالثة كبّر ورفع يديه حذاء أذنيه
ويقنت، والأصل فيه قوله عليه السلام: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن،
وذكر في جملتها قنوت الوتر» .
والكلام في الوتر في مواضع.
أحدها: أنه لا قنوت إلا في الوتر عندنا.
والثاني: أن القنوت في الوتر مشروع عندنا قبل الركوع، وعند الشافعي بعد
الركوع.
والثالث: أن القنوت في الوتر في جميع السنّة عندنا. وقال الشافعي لا قنوت
إلا في النصف الآخر من شهر رمضان.
والرابع: أن مقدار القيام في القنوت قدر سورة إذا السماء انشقت وليس فيه
دعاء مؤقت؛ لأن القراءة أهم من القنوت، فإذا لم يؤقت في القراءة بشيء من
الصلاة، ففي الدعاء أولى، وقد روي عن محمد رحمه الله أن التوقيت في الدعاء
يذهب برقة القلب.
قال بعض مشايخنا رحمهم الله: يريد بقوله ليس فيه دعاء مؤقت ليس فيه سوى
قوله: اللهم إنا نستعينك دعاء مؤقت، والصحابة اتفقوا على هذا في الوتر وقال
بعضم لا بل ليس فيه شيء مؤقت أصلاً مما ذكرنا والأولى أن يقأ: اللهم إنا
نستعنيك ويقرأ بعده
(1/470)
اللهم اهدنا فيمن هديت، هكذا علم رسول الله
صلى الله عليه وسلّمالحسن بن علي رضي الله عنهما.
والخامس: إذا نسي القنوت حتى ركع فذكر في الركوع، ففي أصحابنا عنه روايتان
نسي القنوت، وتذكر في الركوع في رواية يعود إلى القيام ويقنت؛ لأن الركوع
له حكم القيام الأولى أنه لو أدرك الإمام في الركوع كان مدركاً للركعة، وهي
رواية أخرى يمضي على ركوعه، ولا يرفع رأسه للقنوت؛ لأنها شيء فائت عن وقتها
فتسقط بخلاف تكبيرات العيد إذا تذكرها في الركوع، فإنها لا تسقط.
والفرق: أن محل القنوت القيام المحض، فكذا محل القنوت، ولا يمكن أن يأتي به
في الركوع؛ لأن الركوع ليس بمحله ولا يمكن نقض الركوع لأجله؛ لأن الركوع
فرض والقنوت سنّة، ولا يجوز نقض الفرض لأداء السنّة، وأما تكبيرات العيد
فكما شرعت في القيام المحض شرعت (75أ1) فيما له حكم القيام، وهو الركوع.
وذكر في بعض المواضع يعود إلى القيام، ويأتي بهما ثم إذا عاد إلى القيام
وقنت على إحدى الروايتين، لا يعيد الركوع؛ لأن ركوعه لم يرتفض بالعود إلى
القيام للقنوت لأن الركوع فرض والقنوت واجبة، ولا يجوز رفض الفرض لإقامة
الواجب.
ولو أوتر وقرأ في الثالثة القنوت ولم يقرأ الفاتحة ولا السورة أو قرأ
الفاتحة دون السورة، وركع ثم تذكر ذلك في الركوع فإنه يعود إلى القيام
ويقرأ ثم يركع؛ لأن ركوعه قد ارتفض في هذه الصورة، أما إذا لم يقرأ أصلاً
لأن القراءة فرض وجاز أن يرتفض الفرض بالفرض، وأما إذا قرأ الفاتحة دون
السورة؛ فلأن ضم السورة إلى الفاتحة، وإن كان من الواجبات، ولكن إذا ضم
السورة إلى الفاتحة يصير الكل فرضاً، فيكون هذا نقض الفرض، لأجل الفرض، ثم
قال: وعليه السجود للسهو عاد أو لم يعد قنت أو لم يقنت.
السادس: إنه يجهر بالقنوت أو يخافت به وقع في بعض الكتب أن على قول محمد
رحمه الله يخافت؛ لأنه دعاء والسبيل في الدعاء الإخفاء، على قول أبي يوسف
رحمه الله يجهر به لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنه كان يجهر
به، حتى روي أن الصحابة رضي الله عنهم تعلموا القنوت في قراءة رسول الله
عليه السلام، ووقع في بعض الكتب الخلاف على عكس هذا على قول أبي يوسف رحمه
الله (كانت) به، وعلى قوله محمد رحمه الله يجهر به وذكر القاضي الإمام علاء
الدين المعروف.... رحمه الله في «شرح المختلفات» : أن المنفرد يخافت
بالقنوت، والإمام يخافت عند بعض المشايخ.
منهم: الشيخ الإمام أبو بكر بن محمد الفضل، والشيخ الإمام أبو حفص الكبير
رحمه الله فلولا علم في إشارة محمد بن الحسن رحمة الله عليه: أنه من سنّته
المخافتة وإلا لما خالف أستاذه، وهذا لأنه دعاء على الحقيقة وخير الدعاء
الخفي قال رحمه الله، وقد كانوا يستحسنون الجهر في بلاد العجم، ليتعلموا
كما جهر عمر رضي الله عنه إلينا حين قدم وفد العراق، وقال بعض مشايخ زماننا
إن كان الغالب في الفقه أنهم لا يعلمون دعاء القنوت،
(1/471)
فالإمام يجهر به ليتعلموا منه. وقد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلّمجهر به، والصحابة تعلموا القنوت في قراءته،
وإن كان الغالب فيهم أنهم يعلمون يخفي به، لأنه دعاء، والسبيل في الدعاء
الخفية، وقال بعض المشايخ: يجب أن يجهر به، لأن له شبهاً بالقرآن، فإن
الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا فيه، قال بعضهم هما سورتان من القرآن
ويجهر بما هو فرض على الحقيقة، فكذا بما له نسبة بالقرآن، وقال صاحب «شرح
الطحاوي» : الإمام يجهر بالقنوت، ويكون ذلك الجهر دون الجهر بالقراءة في
الصلاة.
السابع: في بيان المقتدي هل يقرأ القنوت؟
ذكر القاضي الإمام عز الدين في «شرح المختلفات» : إن على قول أبي يوسف رحمه
الله: يقرأ، وعلى قول محمد رحمه الله: لا يقرأ، وهكذا ذكر في «الفتاوى» ،
وذكر في موضع آخر أن القوم يُؤمنون عند محمد رحمه الله ويسكتون، عند أبي
يوسف رحمه الله القوم بالخيار إن شاؤوا قرأوا، وإن شاؤوا سكتوا.
وقال محمد رحمه الله: إن شاؤوا قرؤوا وإن شاؤوا أمنوا لدعائه، وذكر الطحاوي
رحمه الله: أن القوم يتابعونه إلى قوله؛ إن عذابك بالكفار ملحق، فإذا دعا
الإمام، فعند أبي يوسف رحمه الله يتابعونه، وعند محمد رحمه الله يؤمنون.
الثامن: أن في حالة القنوت يرسل يديه أو يعتمد: كان الفقيه أبو بكر الإسكاف
رحمه الله يعتمد، وكان الفقيه أبو بكر بن أبي سعيد يرسل، وكذلك في صلاة
الجنازة، وكذلك في الركوع والسجود، وكان الفقيه أبو جعفر يختار هذا القول.
التاسع: في الصلاة على النبي عليه السلام في القنوت، وفي الشك الواقع فيه.
قال بعضهم: هذا ليس موضع الصلاة على النبي عليه السلام يعني لا يصلي عليه،
وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله: هذا دعاء، والأفضل في الدعاء أن يكون فيه
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم فإن صلى على النبي في القنوت وفي
الشك الواقع فيه لم يصلِ في القعدة الأخيرة عند بعضهم، وروى الحسن عن أبي
حنيفة رحمه الله: أن عليه السهو، وقال محمد رحمه الله:؟..... أن ألزمه
السهو لأجل الصلاة على النبي عليه السلام. وإذا قنت في الركعة الأولى أو
الثانية ساهياً لم يقنت في الثالثة لأنه لا يتكرر في الصلاة الواحدة، وإن
شك أنه قنت أم لا يعني في الثالثة وهو في قيام الثالثة تحرى، فإن لم يحضره
شيء قنت، لأنه عسى لم يقنت.
وذكر في «الواقعات» : رجل شك في الوتر وهو في حالة القيام أنه في الأولى أو
الثانية أو في الثالثة فإنه يأخذ بالأقل احتياطاً إن لم يقع تحريه على شيء
ويقعد في كل ركعة، ويقرأ، وأما القنوت: فقد قال أئمة بلخ: إنه يقنت في
الركعة الأولى لا غير، وعن أبي حفص الكبير رحمه الله: إنه يقنت في الركعة
الثانية أيضاً، وبه أخذ القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله.
(1/472)
ولو شك في حالة القيام أنه في الثانية أو
في الثالثة تمت تلك الركعة، ويقنت فيها، لجواز أنها الثالثة ثم يقعد ويقوم
فيضيف إليها أخرى، ويقنت فيها أيضاً على قول أبي حفص الكبير، والقاضي
الإمام أبي علي النسفي، فرقا بين هذا وبين المسبوق ركعتين في الوتر في شهر
رمضان إذا قنت مع الإمام في الركعة الأخيرة من صلاة الإمام حيث لا يقنت في
الركعة الأخيرة إذا قام إلى القضاء في قولهم جميعاً.
والفرق: أن المسبوق هو مأمور بأن يقنت مع الإمام فصار ذلك موضعاً له فما
أدى به مع الإمام وقع في موضعه فلا يقنت مرة أخرى لأن تكرار القنوت ليس
بمشروع.
أما في مسألة الشك لم يتيقن بوقوع الأولى في موضعها فيقنت مرة أخرى، وعن
الشيخ الإمام أبي بكر الفضل رحمه الله أن في مسألة الشك لا يقنت مرة أخرى
كما هو قول أئمة بلخ في المسألة الأولى.
وإذا صلى الفجر خلف (من) لا يقنت فيها لا يتابعه في القنوت في قول أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: يتابعه، ولو صلى الوتر
خلف من يقنت في الوتر بعد الركوع تابع فيه.
وكذلك لو اقتدى بمن نوى سجود السهو قبل السلام تابعه فيه، وكذلك لو اقتدى
بمن يرى الزيادة في تكبير العيد يتابعه فيها ما لم يخرج عن حد الاجتهاد،
وإن اقتدى في صلاة الجنازة بمن يرى التكبير خمساً لا يتابعه في الخامسة.
الفصل الرابع عشر فيمن يصلى ومعه شيء من
النجاسات
صلى ومعه نافجة مسك ذكر الفضلي في «فتاويه» إن كانت النافجة بحال متى
أصابها الماء لم تفسد جاز وصلاته، لأنها بمنزلة جلد ميتة دبغ، فإن كانت
وأصابها تفسد فإن كانت هذه نافجة..... لم تزل تجز صلاته بمنزلة جلد ميتة لم
يدبغ.
وفي «البقالي» : فأما نافجة المسك فيبسها دباغها فهذا إشارة إلى جواز
الصلاة معها على كل حال.
وفي «القدوري» : وكل شيء دبغ به الجلد مما يمنعه من الفساد ويعمل عمل
الدباغ فإنه يطهر وإذا ألقى جلداً للنشر في الشمس حتى يبس أو عولج بالتراب
حتى نشف فهو طاهر، هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله، وهذا لأن الدباغ إنما
يؤثر في الجلد لاستحالته، فإذا استحال بالشمس والتراب، كان كما لو
استحال..... والقرظ حتى قيل: لو لم يستحل وخف لم يطهر، وعن أبي يوسف رحمه
الله إذا أتاه من الشمس والدبغ ما لو ترك لم يفسد كان دباغاً، وذكر الكرخي
رحمه الله في «جامعه» عن محمد
(1/473)
رحمه الله في جلد الميتة إذا يبس ووقع في
الماء لم يفسده من غير فصل، وكذا روى عنه داود بن رشيد.
ذكر رواية داود في «المنتقى» : وقيل: في جلد الميتة إذا يبس بالتراب أو
الشمس ثم أصابه الماء هل يعود نجساً فعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان،
واختلاف الروايات في عود النجاسة عند إصابة الماء دليل على الطهارة (75ب1)
قبل إصابة الماء، وهذا يعني أن الصحيح في مسألة النافجة جواز الصلاة معها
من غير التفصيل.
ولو صلى ومعه جلد حية أكثر من قدر الدرهم لا تجوز الصلاة، مذبوحة كانت أو
غير مذبوحة، لأن جلدها لا يحتمل الدباغ لتقام الذكاة فيه مقام الدباغ، فأما
قميص الحية فقد ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «صلاة المستفتي» قال
بعضهم: هو نجس، (وقال بعضهم) هو طاهر. وأشار إلى أن الصحيح أنه طاهر، فإنه
قال عين الحية طاهر، حتى لو صلى وفي كبد حية خرء الحية يجوز، وإذا كان عين
الحية طاهراً كان قميصها طاهراً، وخرء الحية وبولها نجس نجاسة الطير.
وفي «المنتقى» : عن محمد رحمه الله: رجل صلى ومعه حية أو سنور أو فأرة
أجزأه، ولو صلى ومعه جرو كلب أو ثعلب لم تجزئه صلاته. وذكر لجنس هذه
المسائل أصلاً فقال: كل ما يجوز التوضؤ بسؤره تجوز الصلاة معه، وما لا يجوز
التوضؤ بسؤره لا تجوز الصلاة معه.
وذكر مسألة الجرو في متفرقات الفقيه أبي جعفر رحمه الله فقال: إذا كان فم
الجرو أكثر من قدر الدرهم فمه خارج الفم.
وفي «القدوري» : عين الكلب نجس، فإن محمداً رحمه الله يقول في «الكتاب» :
وليس الكلب بأنجس من الخنزير وقد ذكرنا المسألة مع ما فيها في الاختلاف في
كتاب الطهارات.
وفي «البقالي» : في قطعة من جلد كلب ترق على جراحة في الرأس فيثبت أنه في
معنى الدباغ ويعيد ما صلى قبل ذلك، وفي صلاة «النوازل» إذا صلى ومعه مرارة
الشاة فمرارة كل شيء كقوله فكل حكم ظهر في البول فهو الحكم في المرارة
والله أعلم.
وتطهر الجلود كلها بالدباغ إلا جلد الإنسان والخنزير، وهذا قول علمائنا
رحمهم الله في المشهور، وعن أبي يوسف رحمه الله في جلد الخنزير إنه يطهر
بالدباغ، وفي بعض الروايات عن أصحابنا رحمهم الله في جلد الكلب روايتان: في
رواية يطهر وهو الصحيح، وما طهر جلده ولحمه (بالدباغ، فإنه يطهر) بالذكاة.
وقال الشافعي رحمه الله لا تؤثر الذكاة فيما لا يؤكل لحمه.
قيل: ويشترط عند علمائنا رحمهم الله أن تكون الذكاة من أهلها ما بين اللبة
واللميين وتكون الذكاة مقرونة بالتسمية بحيث لو كان المذبوح مأكولاً تحل
بتلك التسمية.
(1/474)
حكي فصل التسمية عن شمس الأئمة الحلواني
رحمه الله.
قال أصحابنا رحمهم الله بأن صوف الحيوانات الميتة وعصبها ووبرها وشعرها
وعظمها طاهر. ألا ترى أنه يكون على العظم دسم سواء كان مأكول اللحم أو غير
مأكول اللحم حتى تجوز الصلاة مع هذه الأشياء عندنا جز قبل الموت أو بعده.
وقال الشافعي رحمه الله: إن كانت هذه الأشياء في مأكول اللحم جُزَّ منها
قبل موتها فهي طاهرة يجوز الانتفاع بها، وإن جز منها بعد موتها فإنها نجسة،
وإن كانت هذه الأشياء في غير مأكول اللحم، فإنها نجسة لا يجوز الانتفاع جز
قبل الموت أو بعده.
حاصل الاختلاف راجع إلى أن لهذه الأشياء روح أم لا، فعندنا لا روح في هذه
الأشياء. وعند الشافعي رحمه الله في هذه الأشياء روح كما في اللحم، وإذا لم
يكن فيها روح عندنا لا تحلها الوفاة فيجعل وجود الموت في الأصل وعدمه سواء
وعندنا لما كان في هذه الأشياء، فالشافعي رحمه الله احتج بقوله تعالى:
{حرمت عليكم الميتة} (المائدة: 3) والميتة اسم لجميع أجزائها فيحرم
الانتفاع بجميع أجزائها عملاً بهذا الطاهر، والدليل عليه قوله عليه السلام:
«لا تنتفعوا في الميتة بشيء» ، والمعنى فيه أن هذا جزء، ويتصل بذي
روح....... الأصل فيتنجس بالموت قياساً على سائر الأطراف.
والدليل على (أن) في العظم حياة أنه يتألم المرء بكسر العظم كما يتألم يقطع
اللحم فتلحقه الوفاة ويتنجس بالموت، وكذا العظم وعلماؤنا رحمهم الله احتجوا
بقوله تعالى: {أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومقاماً إلى حين} (النحل:
80) الله تعالى من علينا بأن يجعل هذه الأشياء مستمتعاً لنا من غير فصل
بينما إذا أخذ منه قبل الموت أو بعده، في مأكول اللحم أو من غير مأكول
اللحم، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه السلام أنه قال: «لا......
الجلود الميتة إذا دبغت ولا بقرونها ولا بشعورها إذا غسلت بالماء» والمعنى
فيه. وهو أن هذا بمعنى لو انفصل منه حالة الحياة حكم بطهارته، فكذلك إذا
انفصل بعد الموت قياساً على البيض والولد.
والدليل على أنه لا روح في هذه الأشياء أن الحي لا يتألم بقطعها، فلو كان
فيه حياة لتألم بقطعها كما في اللحم، ولا نقول إن العظم يتألم بل ما هو
متصل به من اللحم يتألم.
فالحاصل: أن عظم ما سوى الخنزير والآدمي من الحيوانات، إذا كان الحيوان
ذكاة إنه طاهر سواء كان العظم رطباً أو يابساً، وأما إذا كان الحيوان
ميتاً، فإن كان عظمه رطباً فهو نجس، وإن كان يابساً فهو طاهر؛ لأن اليبس في
العظم بمنزلة الدباغ من حيث
(1/475)
إنه يقع الأمن في العظم باليبس عن الفساد
كما يقع الأمن في الجلد بالدباغ، فكذا العظم باليبس، وأما عظم الخنزير فنجس
وفي عظم الآدمي اختلفوا، بعض مشايخنا قالوا: إنه نجس، وبعضهم قالوا: إنه
طاهر، واتفقوا (أنه) لنقص بكرامته؛ لأن الآدمي مكلف بجميع أجزائه، وفي
الانتفاع بأجزائه نوع إهانة به، والله أعلم.
وأما العصب ففيه روايتان: في رواية لا حياة ((فيه، فلا ينجس، وفي رواية)
فيه حياة فيتنجس بالموت، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله.
وأما شعر الآدمي ففي (قول) محمد رحمه الله فيه روايتان: في رواية نجس وفي
رواية طاهر حتى لو صلى ومعه شعر الآدمي أكثر من قدر الدرهم تجوز صلاته، نص
عليه الكرخي رحمه الله وهو الصحيح. وحرمة الانتفاع به لكرامته لحرمة
الانتفاع بعظمه، وهذا لا يدل على النجاسة.
وأما شعر الخنزير فهو نجس هو الظاهر في مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه،
وروي أنه رخص للخزازين استعماله؛ لأن منفعه الخرز عادة لا تحصل إلا به وجرت
العادة في زمن الصحابة رضوان الله عليهم إلى يومنا هذا في استعماله في
الخرز من غير نكير منكر، وعن أبي يوسف رحمه الله؛ أنه لا يفسد إلا أن يغلب
على..... هل يجوز بيعه؟
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: إذا لم يجد الخزاز شعر الخنزير إلا
بالشراء يجوز له الشراء، ويكره للبائع بيعه لأنه لا ضرورة للبائع بخلاف
المشتري، وعن ابن سيرين وجماعة من الزهاد رحمهم الله أنه لم يجوزوا
الانتفاع به كذا ذكره الإمام الزاهد الصفار رحمه الله، وكانوا يقولون غيره
يقوم مقامه وهو......
وأما عظم الفيل روي عن محمد رحمه الله أنه نجس؛ لأن الفيل لما يزكى
كالخنزير، فيكون عظمه كعظم الخنزير، وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه طاهر،
وهو الأصح.
ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله لحديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلّم «اشترى لفاطمة سواراً من عاج سوارين» وظهر استعمال الناس
العاج من غير نكير منكر، والعاج عظم الفيل فدل أنه طاهر.
وأما السبع إذا ذبح (هل) تجوز الصلاة مع لحمه؟ ولو وقع في الماء القليل هل
ينجسه؟ قال أبو الحسن الكرخي رحمه الله: تجوز الصلاة مع لحمه ولا ينجس
الماء لا يؤكل، وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: لا تجوز الصلاة وينجس،
وكان الصدر الشهيد رحمه الله يفتي بطهارة لحمه، وجواز الصلاة معه مطلقاً من
غير قيد.
وأما سباع الطير كالبازي وأشباهه، والفأرة، والحية تجوز الصلاة مع لحمها
إذا
(1/476)
كانت مذبوحة؛ لأن سؤر هذه الأشياء ليس
بنجس، وما لا يكون سؤره نجساً لا يكون لحمه نجساً، فتجوز الصلاة معه.
وعن نصر بن يحيى أنه كان يفرق بين سباع ما يكون سؤرها نجساً، وبين سباع ما
يكون سؤره طاهراً، وكان يجوز الصلاة (مع) ما يكون سؤره (76أ1) طاهراً، ولا
يجوزها مع مع تجوز ما يكون سؤره نجساً، وفي صلاة «المنتقى» لشمس الأئمة
الحلواني رحمة الله عليه: أن لحم الكلب وغيره من السباع سوى الخنزير يطهر
بالذكاة، إذا كانت من اللبة واللحيين فيها إنهار الدم وإفراء الأوداج، وأما
إذا عقر ومات من ذلك لا يطهر جلده. قال ثمة: وهذا إذا كان الكلب ألفاً،
فأما إذا توحش فرمي بسهم، فمات من ذلك، فذلك ذكاة له، فيطهر جلده ولحمه
وكذا الذئب والأسد والثعلب.
وفي «العيون» جلد ومعها صبي ميت هي حامل له، فإن كان لم يستهل فصلاتها
فاسدة، غسل لو لم يغسل لأن بالغسل إنما يطهر الميت الذي كان حياً، وكذلك إن
استهل ولم يغسله، وإن استهل وغسل فصلاتها جائزة.
وكذلك إذا صلى الرجل وهو حامل رجلاً ميتاً إن غسل فصلاته جائزة وإن لم يغسل
فصلاته فاسدة، وهذا في المسلم، فأما إذا كان حاملاً ميتاً كافراً فصلاته
فاسدة وإن غسل الميت، وإن صلى وهو حاملٌ شهيداً عليه دمه جازت صلاة، وإن
أصاب دم الشهيد ثوب إنسان أفسده.
وفي «نوادر المعلى» عن أبي يوسف رحمهما الله: من صلى وهو حامل ميتاً قد
غسله، فعليه إعادة الصلاة.
وفي «متفرقات الفقيه أبي جعفر» رحمه الله: لو أن رجلاً صلى ومعه صبي، وعلى
صبي يستمسك بنفسه وهو الذي يركب عليه فإن صلاته معه تجوز، وإن كان لا
يستمسك بنفسه، ويحتاج إلى من يمسكه عليه فصلاته فاسدة.
وفي «العيون» : عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قطع فضل أذنه أو قلع سنّه،
وأعاد ذلك فصلى مع ذلك أول إلى مكانه، وإن أعاد سنّه وأذنه المقطوع أو السن
المقلوعة في كمه، فصلاته قائمة وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وبه أخذ الفقيه
أبو الليث رحمه الله، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: إن كانت سنّه جازت
صلاته، وإن كان شيء غيره لم تجز صلاته، قال: وبينهما فرق وإن لم يحضرني.
وفي «متفرقات» الفقيه أبي جعفر رحمة الله عليه: إذا صلى ومعه عظم إنسان
عليه لحم أو قطعة من لحمه لا تجوز، وإن كان ذلك مغسولاً، وفي العضو، نحو
اليد والرجل إذا كان مغسولاً روايتان.
وفي «الجامع الأصغر» : في سن الإنسان وعظمه إذا كان أكثر من قدر الدرهم لم
(1/477)
تجز الصلاة معه، واعتبر الوزن، وفي شعر
الآدمي على الرواية التي تقول بأنه نجس اعتبر...... حتى قال: لو صلى ومعه
شعر الآدمي أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته.
وفي «صلاة المستفتي» إن أسنان الكلب الميت طاهرة لو صلى معها يجوز وأسنان
الإنسان إذا سقطت بحبسه لو...... معها لا تجوز.
وحكى الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله عن المتقدمين أصحابنا رحمهم الله
أن من أثبت مكان أسنانه أسنان آدمي آخر منع ذلك جواز صلاته؛ لأن فمه......
من النجاسة، ولو أثبت مكان أسنّته أسنان الكلب لا يمنع ذلك جواز الصلاة.
قال الفقيه أبو جعفر هذا رحمه الله: وتأويله عندي إذا أمكن قلع أسنانه من
غير إلحاح ولا ضرر، أما إذا كان لا يمكن قلعها إلا بالإلحاح بالإجماع لا
يمنع جواز الصلاة، وكذا إذا كسر ساقه ووصل فيه ساق إنسان أو عظم آخر من
عظامه منع جواز الصلاة، وإن وصل فيه عظم كلب لا يمنع جواز الصلاة، وتأويله
عند الفقيه أبي جعفر رحمه الله ما قلنا وكذا إذا احتمل الدباغ، فعولج ودبغ
يطهر حتى لو صلى معه تجوز الصلاة، ولو جعل منه.... كرش الميتة يتنجس، وإن
كان مائعاً.
وإذا استنجى رجل بالماء ثم خرج منه ريح بعد أن..... لا يتنجس من.... الموضع
الذي يمر فيه الريح عند عامة المشايخ، وكذلك لو كان السراويل مبتلاً وأصابه
هذا الريح لا يتنجس سراويله عند عامة المشايخ، وكذلك إذا دخل إنسان المربط
في الشتاء وبدنه مبتل بالماء أو بالعرق يجفف البلل من حر المربط وأدخل شيء
مبتل في المرابط يجف ذلك الشيء من حر المربوط، لا يتنجس البدن وذلك الشيء
عند عامة المشايخ إلا (أن) يظهر أثره كصفرة ظهرت في السراويل المنبذ بعد
خروج الريح، أو في ذلك الشيء بعد الإدخال في المربط إذا نشر، فإن هذا
يتنجس، لأنه صار متجمد الظهور......، وكذلك بخار المربط إذا ارتفع؟......
واستجمد أو خرج من شق الباب، واستجمد أو ارتفع بخار الكنيف إلى السقف،
واستجمد ثم ذاب فأيما أصاب فتلك البلة تنجسه.
وإذا ارتفع بخار البيت إلى الطاق، واستجمد إن كان ارتفاعه من موضع نجس، فهو
نجس، وإذا ذاب ذلك، وأصاب شيئاً نجسه. وإن كان ارتفاعه من طاهر فهو طاهر
ورأيت في موضع..... الطاق نجس قياساً وليس بنجس استحساناً، فصور ذلك فقال:
إذا أحرقت...... في بيت فأصاب ماء الطاق ثوب إنسان لا يفسده استحساناً ما
لم يظهر أنه النجاسة فيه وبه كان يفتي الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل
البخاري رحمه الله، وهو اختيار ظهير الدين المرغيناني رحمة الله عليه.
وكذلك الإصطبل إذا كان حالاً أو على كوته طاق أو بيت أو على كونه طابقاً أو
(1/478)
ثبت البالوعة إذا كان عليه طائق فعرق
الطائق، وتقاطر منه، وكذلك الحمام ارتفعت فيه النجاسات فعرقت حيطانه وكوته
وتقاطرت، وكذلك لو كان في الإصطبل كوز معلق فيه ماء يترشح من أسفل الكوز
وتقاطر في القياس ويكون نجساً؛ لأن أسفل الكوز صار نجساً بنجاسة الإصطبل.
وفي الاستحسان: لا يكون نجساً؛ لأن الكوز كان طاهراً في الأصل، وكذا الماء
الذي فيه وصيرورة..... نجساً موهوم والمتيقن لا يزول بالموهوم.
وإذا صلى وفي كمه بيضه حال محها دماً مذرة وما جازت صلاته، وكذلك البيضة
فيه فرخ ميت والبيضة الرطبة أو السحلة إذا وقعت في...... لا تفسده في قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله.
وفي «الجامع الأصغر» والبيضة المذرة لا يجوز معها الصلاة عند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله، وعلى قياس أبي حنيفة والحسن بن زياد رحمهما الله يجوز.
وفي «الفتاوى» عن أبي عبد الله البلخي: إن الصلاة مع البيضة المذرة جائزة،
فإذا صلت امرأة ومعها دود القز لا تفسد صلاتها؛ لأنها ليست بنجسة، ولو
صلى..... من شعر الكلب لا تفسد صلاته، وإذا اختصت...... نجسته وصلت بعدما
غسلت اليد ثلاثاً بماء طاهر جازت صلاتها؛ لأن الذي في وسعها هذا، وقد مرت
المسألة في كتاب الطهارات، وإذا كان على يد الرجل نفطة يبست ما تحتها من
الرطوبة ولم تذهب الجلدة عنها، فتوضأ وأمر الماء على الجلدة جاز، وإن لم
يصب الماء تحتها لأن الواجب غسل الظاهر دون الباطن.
إذا صلى ومعه درهم تنجس جانباه لا يمنع جواز الصلاة؛ لأن الكل درهم واحد
إذا صلى وفي كمه قارورة فيها بول لا تجوز الصلاة سواء كانت ممتلئة أو غير
ممتلئة؛ لأن هذا ليس في؟.
..... ولا في معدته.
إذا صلى الرجل وفي كمه فرخة حية فلما فرغ من الصلاة رآها ميتة، فإن لم يكن
في غالب رأيه أنها ماتت في الصلاة بأن كان مشكلاً لا يعيد الصلاة؛ لأنه لم
تجب الإعادة غالباً، وإن كان في غالب رأيه أنها ماتت في الصلاة أعادها؛
لأنه وجبت الإعادة غالباً، وإذا شق جبته فوجد فيها فأرة ميتة، ولا يعلم متى
دخلت فيها إن لم يكن للجبة ثقب يعيد صلوات ثلاثة أيام ولياليها، وعندهما لا
يعيد إلا أن يعلم متى ماتت فيها كما في مسألة البئر.
وإن صلى في ثوب أياماً ثم اطلع على نجاسة (76ب1) بدون أن يعلم متى أصابت
الثوب، لا يعيد شيئاً مما صلى حين يتيقن هو متى الإصابة.
ذكر في «الكتاب» : أن هذا قولهم جميعاً، قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة رحمة
الله عليه عن هذه المسألة، فقال؛ لا يعيد صلاة صلاها قبل ذلك حين يتيقن
بوقت الإصابة
(1/479)
ولا أرى هذا يشبه البئر، وروى أبو حمزة
السكوتي عن أبي حنيفة رحمة الله عليهما أنه قال في الثوب يعيد صلاة يوم
وليلة، وروي عنه في رواية أخرى إن كان ظنياً يعيد صلاة يوم وليلة، وإن كان
متيقناً يعيد صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وبعض مشايخنا قالو: إن كان بولاً
يجوز لأول ما بال فيه، وإن كان رعافاً، فلأول ما ترعف، وإن كان منياً فلأول
ما احتلم أو جامع فيه.
وذكر ابن رستم في «نوادره» : إن وجد منياً في ثوبه يعيد الصلاة من آخر نومة
نامها فيه، وعن ابن رستم رحمه الله أيضاً: إن وجد في ثوبه منياً يعيد
الصلاة من آخر ما احتلم، أو جامع فيه، وإن رأى لا يعيد حتى يتيقن أنه صلى
وهو فيه، هذا إذا كان ثوباً يلبسه بنفسه، وإن كان الثوب قد يلبسه غيره،
فالنطفة والدم في ذلك سواء لا يلزمه الإعادة حتى يتيقن بوقت الإصابة، رطباً
كان أو يابساً....... التي خرجت في المقعد أو غسلت وأمسكها مصلي، وصل معها
جازت صلاته. والله أعلم. هذه المسائل قد ذكرناها في كتاب الطهارات.
رجل به جرح سائل لا يرقأ ومعه ثوبان، أحدهما نجس، والآخر طاهر فأيها صلى
فيه يجوز إذا كان الثوب الطاهر يفسده الدم إن لبسه؛ لأن لبس الطاهر غير
مأجور عليه إذا كانت الحالة هذه؛ لأنه يفسده من ساعته.
وفي «نوادر هشام» رحمه الله، قال: سألت محمداً رحمه الله عن رجل صلى وفي
ثوبه أكثر من قدر الدرهم من النبيذ السكر أو نبيذ المنصف أو من نقيع
الزبيب، يعني إذا غلى..... أن أبا حنيفة رحمه الله، قال يعيد الصلاة.
وكذلك قول أبي يوسف رحمه الله، قلنا: فما قول أبي حنيفة فيمن صلى وفي ثوبه
نبيذ نقيع يعني نبيذ الزبيب المطبوخ، قال: صلاته تامة؛ لأنه كان لا يرى
بشربه بأساً، قال؛ وهو قول أبي يوسف رحمه الله، قال محمد: وأما أنا فأرى
يعيد الصلاة بناءً على أن محمداً رحمه الله لا يرى للطبخ أثراً في الجلد،
فسوَّى بين الطبيخ؛ إذ في طبخه وهي غير الطبيخ، والله أعلم.
قد ذكرنا في أول هذا الفصل بعض مسائل الجلود قال محمد رحمه الله: وما لا
تقع الذكاة عليه إذا دبغ جلده لم يطهر مثل الخنزير، أما الأسد إذا دبغ جلده
فقد طهر، وكذا الثعلب المفتى عن أبي يوسف رحمهما الله في شعر الخنزير يفسد
الماء وقد ذكرنا قول أبي يوسف في شعر الخنزير قبل هذا أنه يفسد الماء إنما
أوردنا رواية المعلى لزيادة فائدة فيها، فإن رواية المعلى شعر الخنزير يفسد
الماء إن كانت شعرة، وعنده أيضاً برواية المعلى لو صلى في جلد خنزير مدبوغ،
فصلاته تامة وقد أساء، قد ذكرنا حكم عظم الفيل مثل هذا، وذكرنا الخلاف فيه
نهي أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
وفي كتاب الحج لمحمد قال أبو حنيفة رحمه الله: لا بأس ببيع عظام الفيل
وغيره
(1/480)
من الميت إذا نزع عنه اللحم ويبس وغسل،
وكذلك جلدها إذا دبغ.
وفي «نوادر إبراهيم» : عن محمد رحمة الله عليهما: امرأة صلت وفي عنقها
قلادة فيها سن ثعلب، أو كلب أو أسد، فصلاتها تامة؛ لأنه لا يقع عليها
الذكاة، قال ألا ترى أنه أجيز بيع الكلب، فأجيز بيعه وبيع جلد الأسد
والثعلب، والله أعلم.
إبراهيم عن محمد رحمهما الله مصارين شاة وصلى وهو معه، فصلاته جائزة، ألا
ترى أنه يتخذ منه الأوتار قال: وكذلك لو دبغ المثانة، وأصلحها، فجعل فيها
لبناً جاز ولا يفسد اللبن، قال؛ وأما الكرش فإن كنت تقدر على إصلاحه كما
تقدر على إصلاح المثانة، فلا بأس بجعل اللبن فيه، وإن صليت وهو معك أجزأك،
وعن أبي يوسف رحمه الله في الكرش أنه مثل اللحم أكرهه، وإن يبسه والله
أعلم.
وفي «عيون المسائل» : رجل زحمه الناس يوم الجمعة فخاف أن يضيع نعله، فرفعه
وهو يجيء الصلاة وكان فيه نجاسة أكبر من قدر الدرهم فقام ثم وضعه لا تفسد
صلاته حتى يركع ركوعاً تاماً أو يسجد سجوداً تاماً، والنعل في يده حتى يصير
مؤدياً ركناً تاماً مع النجاسة من غير خلاف، بخلاف حالة القيام لأنه له في
رفع النعل حالة القيام حالة كيلا يضيع نعله، وبخلاف ما إذا شرع في الصلاة،
والبول النجس في يده لأن الشروع في الصلاة لم يصح.
وفي «المنتقى» : عن إبراهيم عن محمد رحمه الله، لو أن مصلياً حمل نعله وفيه
قذر أكثر من قدر الدرهم، ووضعه من ساعته فصلاته جائزة، وكذا ذكر ثمة أصلاً
فقال جر النجاسة أكثر من قدر الدرهم إذا كان قليلاً لا يوجب فساد الصلاة،
وإذا كان كثيراً، ولا كذلك......
الفصل الخامس عشر في الحدث في الصلاة
قال: رجل دخل في الصلاة ثم أحدث حدثاً من بول أو غائط أو ريح أو شيء.... لا
يتعمد به، فلا يخلو إما إن كان إماماً أو مقتدياً أو منفرداً،.
فإن كان إماماً تأخر وقدم رجلاً من خلفه ليصلي بالقوم، ويذهب هو فيتوضأ
ويبني صلاته إن لم يتكلم عندنا استحساناً.
وفي القياس: وهو قول الشافعي رحمه الله يستقبل الصلاة وكان مالك يقول أولاً
يبني ثم رجع وقال: يستقبل فعابه محمد رحمه الله في كتاب الحج ارجوعه من
الآثار إلى القياس، ولم يذكر في «الكتاب» أن المستحب أن هذا، وقد روى الحسن
بن زياد عن أبي حنيفة رحمة الله عليهما أنه قال: المستحب أن يقطع الصلاة
ويستقبل، وأجمعوا أنه لو أحدث متعمداً لا يجوز له البناء، إنما الاختلاف
فيا إذا سبقه الحدث من غير قصد.
(1/481)
وأجمعوا أنه لو نام في الصلاة واحتلم لا
يجوز له البناء استحساناً، وأجمعوا على أنه لو أغمي عليه أوجن في الصلاة لا
يجوز له البناء، احتج الشافعي رحمه الله في المسألة، وقال هذا حدث وجد في
وسط الصلاة، فيمنع البناء مقاساً على الحدث العمد، والاحتلام في النوم
والجنون والإغماء، هذا لأن الطهارة كما هي شرط صحة التحريمة فهي شرط بقاء
التحريمة؛ لأن المقصود لا يحصل بدون الطهارة، فكما لا يتحقق شروعه في
الصلاة بدون الطهارة، فكذلك بقاؤها؛ لأن الحدث منافٍ للصلاة، قال عليه
السلام: «لا صلاة إلا بطهور» ولا بقاء للعبادة مع وجود ما ينافيها، والدليل
عليه أنه لو أخلد ساعة بعدما أحدث ثم انصرف وتوضأ لا يبني، فكذلك ها هنا.
وعلماؤنا رحمهم الله قالوا القياس ما قال الشافعي رحمه الله، إلا أنا تركنا
القياس بالأثر، وهو ما روي عن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي
عليه السلام أنه قال: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته، فلينصرف وليتوضأ،
وليبنِ على صلاته ما لم يتكلم» وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «من قاء أو رعف انصرف وتوضأ وليبنِ على
صلاته ما لم يتلكم» .
وفي المسألة إجماع في صلاة الصحابة رضوان الله عليهم، فإنه روي عن أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن
مالك وسلمان الفارسي رضوان الله عنهم أجمعين أنهم قالوا مثل قولنا، وترك
علماؤها القياس بهذه الآثار وبقينا التحريمة بالآثار بخلاف القياس، والآثار
وردت في الحدث السماوي، فلا يقاس عليه الحدث العمد؛ لأن الحدث العمد فوق
السماوي.
ألا ترى أن الشرع ما أوجب القضاء والكفارة في أكل الناسي، وأوجب في أكل
العامد فنأخذ (به) ولا نقيس هذا على ذلك فكذلك ها هنا (77أ1) .
والدليل على الفرق بينهما: أن في الحدث العمد يأثم، وها هنا لا يأثم وليس
هذا كالاحتلام؛ لأنا عرفنا البناء في الحدث الصغرى بخلاف القياس، والنص
الوادر في شيء يكون وارداً لما هو مثله أو دونه، (أو ما لا) يكون وارداً
فيما هو فوقه، والجنابة فوق الحدث الصغرى فالنص الوارد ثم لا يكون وارداً
ها هنا.
وليس هذا كالإغماء والجنون؛ لأنه إذا أغمي عليه أو جن صار محدثاً من ساعته،
وكما صار محدثاً لا يمكنه الانصراف في تلك الساعة نفسها به، بل يمكث ساعة
ثم يفيق، والمفيق إذا سبقه الحدث في الصلاة، فمكث ساعة ثم انصرف تفسد صلاته
فلا يمكنه البناء بعد ذلك؛ وهذا لأنه متى مكث ساعته يصير مؤدياً جزءاً من
الصلاة مع الحدث، وأداء الصلاة مع الحدث لا تجوز، ففسد ما أدى، وإذا أفسد
ما أدى يفسد الباقي ضرورة، وإن كان مقتدياً يذهب ويتوضأ، وإن كان فرغ من
الوضوء قبل أن يفرغ
(1/482)
الإمام من الصلاة فعليه أن يعود إلى مكانه
لا محالة؛ لأنه بقي مقتدياً ولو أتم يعيد الصلاة في بيته لا يجزئه؛ لأن
بينه وبين إمامه ما يمنع صحة الاقتداء..... لوقوع إمامه تجير المقتدي بين
أن يعود إلى المسجد، وبين أن يتمه في بيته على ما بين، وإن كان منفرداً
يذهب ويتوضأ ثم يتخير بين الرجوع إلى المسجد ليكون مؤدياً جميع الصلاة في
مكان واحد وبين أن يتم في بيته إذ ليس..... المشي في الصلاة، وذلك لا يضره،
واختلف المشايخ في فضله للمنفرد وللمقتدي إذا فرغ الإمام من صلاته.
ذكر الإمام السرخسي رحمه الله، والإمام خواهر زاده رحمه الله: أن العود إلى
المسجد أفضل، وبعض مشايخنا قالوا: الصلاة في بيته أفضل لما فيه من تقليل
المشي.
وذكر في «نوادر ابن سماعة» : في المقتدي أنه إذا عاد إلى المسجد بعد ما فرغ
الإمام تفسد صلاته؛ لأنه مشى في صلاته من غير حاجة، إلا أن محمد بن الحسين
رحمة الله عليه لم يقسم هذا التقسيم، والصحيح ما بينا.
والرجل والمرأة في حق حكم البناء سواء، هكذا ذكر محمد رحمة الله عليه في
الباب الأول من «الجامع الكبير» : وهذا لأن جواز البناء عرف بالحديث الذي
روينا أنه يتناول الرجل والمرأة لأن النبي عليه السلام ذكره بكلمة (من)
عامة للرجال والنساء جميعاً.
وعن أبي يوسف رحمة الله عليه في غير رواية «الأصول» : إذا أمكنها البناء من
غير كشف العورة بأن أمكنها غسل ذراعها مع الكمين، وأمكنها مسح الرأس مع
الخمار بأن كانا رقيقين يصل الماء إلى ما تحتهما فكشفتها لا تبني، لأنها
كشفت عورتها من غير حاجة، فهو نظير الرجل إذا كشف عورته حالة البناء من غير
حاجة، وإن لم يمكنها المسح والغسل بدون الكشف بأن كان عليها جبة وخمار ثخين
لا يصل الماء إلى ما تحتها، فكشفت الذراعين والرأس فإن لها البناء لأنها
كشفت عورتها لحاجة.
فهو نظير الرجل إذا كشف عورته لحاجة بأن جاوزت النجاسة موضع الخروج أكثر من
قدر الدرهم، حتى وجب عليه غسل ذلك الموضع يجوز له البناء، كذا هنا إلا أن
محمداً رحمه الله أطلق الجواب في «الجامع» : إطلاقاً لأنه لا يمكنها غسل
الذراعين من غير الكشف إلا بالغسل مع الكمين وفي ذلك حرج عليها، والحرج في
الأحكام ملحق بالعجز ولو عجزت عن البناء إلا بعد كشف العورة جاز لها
البناء، وكذا إذا خرجت.
وعن إبراهيم بن رستم رحمه الله: أنه قال: لا يجوز للمرأة البناء، لأن
المرأة من قرنها إلى قدمها عورة فتحتاج إلى كشف العورة، فلا يجوز لها
البناء.
بعض مشايخنا قالوا: ليس الأمر كما قال إبراهيم، والإطلاق في الجواب أنه لا
يجوز لها البناء لا وجه إليه، لأن وجه المرأة ليس بعورة، وكذا الذراعين
منها ليس بعورة في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، والقدم منها ليس
بعورة في رواية أبي حنيفة رحمه الله، بقي الرأس منها، فإن أمكنها أن تمسح
على خمارها وتصل البلة إلى شعرها لا
(1/483)
يحتاج إلى كشف العورة فيجوز لها البناء،
وإن لم يصل البلة إلى شعرها، لأن يحتاج إلى كشف العورة، فلا يجوز لها
البناء، ولكن كلا القولين بخلاف قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله.
وعن محمد رحمه الله في «النوادر» : أن الرجل إذا سبقه الحدث لا يستنجي، إن
استنجى من تحت ثيابه فإن صلاته لا تفسد وبنى، وإن كشف عورته فسدت صلاته،
ولا يبني، وهكذا ذكر القدوري في «شرحه» ، وهذا لأنه إن لم يكن مصلياً فهو
في حرمة الصلاة وقد حصل الكشف عن غير ضرورة وحاجة؛ لأن الاستنجاء سنة فإن
قاء في صلاته مرة أو طعاماً أو ماء أو تقيأ هل يبني على صلاته؟ فهذا على
وجهين:
إن كان أقل من ملء الفم لا تفسد صلاته ولا حاجة إلى البناء، القيء والتقيؤ
في سواء، وإن كان ملء الفم ففي القيء، وهو ما إذا ذرعه القيء من غير قصد،
فيذهب ويتوضأ ويبني عليه صلاته ما لم يتكلم كما في الرعاف، وفي التقيؤ: لا
يبني، لأن هذا حدث عمد فيفسد الصلاة، فيمنع البناء، وإذا فعل بعدما سبق
الحدث فعلاً ينافي الصلاة، فإن كان فعلاً لا بد منه كالمشي والاغتراف من
الإناء لا يمنع البناء، وإن كان فعلاً له منه بد بأن دخل المخرج أو جامع
أهله أو تغوط أما أشبه ذلك منع البناء، لأن تحمل ما لا بد منه لأجل
الضرورة، وذلك لا يوجد فيما له منه بد، فيرد إلى ما يقتضيه القياس.
وكذلك إذا فعل فعلاً لا بد منه بحكم الحال، وله منه بد في الجملة نحو أن
يستقي ماء الوضوء من البئر؛ لا يبني لأن الأحوال يعتبر لبقاء الأحكام
الشرعية وإنما تعتبر الجملة وفي الجملة لا يحتاج إلى الاستقاء من البئر؛
لأن الحاجة تندفع بالاغتراف من الجب.
وفي «الفتاوى» : إذا سبقه الحدث والماء بعيد ويقربه بئر يذهب إلى الماء
لأنه لو نزح الماء من البئر استقبل الصلاة.
وفي «متفرقات الفقيه أبي جعفر» رحمه الله: إذا سبقه الحدث وفي إناء (ماء)
فيتوضأ بذلك الماء حمل ذلك الإناء إلى موضع صلاته جاز له البناء إن كان حمل
الإناء على..... حده لأنه عمل يسير، وإن ملأ الإناء وحمل مع نفسه ليتوضأ لا
يبني.
ولو أدى شيئاً من صلاته مع الحدث قد فسد فيفسد الباقي ضرورة عدم التحري.
وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا تفكر الإمام المحدث من يقدم
ولم ينو بمقامه الصلاة لم تفسد صلاته شرط في حال تفكره أن لا ينوي بمقامه
أبطل الأداء مع الحدث.
وفي «نوادر إبراهيم» عن محمد رحمه الله: إمام أحدث في سجوده فرفع رأسه وكبر
وكبر معه الناس، قال: فسدت صلاته وصلاة القوم، قال: لأنه كبر بعد الحدث
ومعه الناس فقد مع الحدث.
(1/484)
وفي «الفتاوى» : لأبي الليث رحمه الله: إذا
صلى فسبقه الحدث في قيامه في موضع القراءة، فذهب ليتوضأ، فسبح في ذلك الوقت
قبل أن يتوضأ فصلاته تامة وإن قرأ فصلاته فاسدة، لأنه أدى ركناً من الصلاة
مع الحدث، والجواب بينما إذا قرأ ذاهباً أو عائداً عند بعض المشايخ، ومن
المشايخ.... فقال: إن قرأ ذاهباً تفسد، وإن قرأ عائداً لا تفسد، ومنهم من
قال على العكس، والمختار أنه لا فرق؛ لأنه إن قرأ ذاهباً فقد أدى ركناً من
الصلاة مع الحدث، وإن قرأ عائداً فقد أدى ركناً من الصلاة مع عمل السير.
وفي «المنتقى» : قال الحاكم: وفي «نوادر الصلاة» : أحدثت..... فاقتضت في ما
لها فتوضأت ثم تقنعت بنت، وإن رجعت إلى الصلاة غير..... قامت ثم تقنعت
استقبلت، وإن قهقهة في صلاته توضأ واستقبل الصلاة ناسياً كان أو عامداً لأن
البناء لأجل البلوى، وذلك لا يتحقق في القهقهة، ولأن جواز البناء عرف بخلاف
القياس بالشرع في الحدث الحقيقي الذي يسبقه، والقهقهة حدث حكمي فيكون
مردوداً إلى أصل القياس (77ب1) وإن ضحك دون القهقهة يبني على صلاته؛ لأن
القهقهة عرفت حدثاً بخلاف القياس في الشرع.
ألا ترى أنه لا يكون حدثاً خارج الصلاة، والضحك دون القهقهة.
ألا ترى أن القهقهة لا تكون وارداً في الضحك، وإن قهقه بعدما قعد قدر
التشهد قبل أن يسلم لا تفسد صلاته، لأنه خارج من الصلاة بالقهقهة وليس عليه
ركن من أركان الصلاة، ولا واجب من واجباتها، وعليه الوضوء لصلاة أخرى
عندنا، خلافاً لزفر رحمة الله عليه؛ لأن هذه القهقهة لا توجب فساد الصلاة،
والشرع إنما جعل القهقهة موجبة أيضاً انتقاض الطهارة في موضع أوجبت فساد
الصلاة.... يرد إلى الأصل، ولعلمائنا رحمهم الله أن القهقهة لاقت حرمة
الصلاة.
ألا ترى أنه لو اقتدى به إنسان في هذه الحالة إلا أن الصلاة لا تفسد؛ لأنه
صار خارجاً عن الصلاة بالقهقهة وليس عليه ركن ولا واجب والله أعلم.
وإذا أصاب المصلي حدث من غير فعله بأن شجه إنسان استقبل في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: يبني؛ لأن الحدث سبق بغير
صنعه فهو كالحدث السماوي.
ولهما: أن العذر فيها جاء من لا قبل من له الحق، وفي الحدث السماوي جاء من
قبل من له الحق.
ألا ترى أن المريض يصلي قاعداً ثم لا يلزمه الإعادة إذا بره...... فصلى
قاعداً ثم يعيد إذا زاد من العبد.
والفقه فيه: أن التحرز عن العباد ممكن في الجملة بخلاف العذر السماوي، فإن
التحرز عنه لا يمكن فلم يجز إلحاق هذا بذلك، ولو سقط من السطح....... يسبح
(1/485)
برأسه رأيته إن كان بمرور الماء فهو على
الاختلاف، وإن كان لا بمرور ماء فمن مشايخنا من قالوا: شيء فلا خلاف؛ لأنه
حصل لا بصنع من جهة العباد، ومنهم من قال: على الاختلاف؛ لأن الشرط مضاف
إلى الواضع، ولو وقع الكمثري من الشجر على رأسه فهو على هذا.
منهم من قال: لا يبني لأنه حصل بصنعه، فإنه يمكنه التحفظ منه، ومنهم من
قال: على الاختلاف، ولو أضاف بدنه أو ثوبه نجاسة إن أصاب بسبب مطلق له
البناء بأن قاء أو رعف فأصاب ثوبه أو بدنه من ذلك يغسل ويبني؛ لأن هذه
نجاسة حقيقية أصابته لا بصنع من جهة العباد فيعتبر بنجاسة تصيبه لا من جهة
العباد، ولأن الشرع لما جوز البناء بمطلق رعاف مع علمه أن ذلك قد لا يخلو
عن النجاسة علم أنه جعله عفواً، فأما إذا أصابته لا بسبب يطلق له البناء،
فإن انتضح البول على ثوبه أكثر من قدر الدراهم فغسلها يبني.
وعن أبي يوسف رحمة الله عليه: إنه يبني، وقيل الغسل: لو أمكنه النزع فإن
يجد ثوباً آخر ينزع من ساعته أجزأه، لأن النجاسة الكثيرة في مدة قليلة
بمنزلة النجاسة القليلة في مدة كثير، كما أن الكشف الكبير من مدة قليلة
بمنزلة الكشف القليل في مدة كثيرة.
وإن لم يمكنه النزع من ساعته بأن لم يجد ثوباً آخر، فإن أدى جزءاً من
الصلاة مع ذلك الثوب تفسد صلاته بالإجماع، وإن لم يؤد جزءاً من الصلاة ولكن
مكث كذلك لم تفسد صلاته، وإن طال مكثه وإن أمكنه النزع في ساعته بأن كان
يجد ثوباً آخراً، فلم ينزع ولم يؤد جزءاً من الصلاة اختلف أصحابنا فيه، قال
أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: تفسد صلاته فيذهب ويغسل الثوب ويستقبل
الصلاة، وقال محمد رحمه الله: لا تفسد صلاته، فيغسل ويبني...... أصاب جسده.
وعلى هذا الاختلاف مسائل: إحداها في النجس حملت ساعة فإن كان بعذر بأن لم
يمكنه أن يتحول ولم يؤد شيئاً، فإن صلاته لا تفسد، وإن مكث بغير عذر، ولم
يؤد شيئاً فهو على الاختلاف.
وكذلك المصلي إذا سقط عنه ثوبه فمكث عرياناً ولم يستتر من غير عذر ولم يؤد
شيئاً فعلى هذا الاختلاف محمد رحمه الله يقول: لم يؤد شيئاً في الصلاة فلا
تفسد، كما لو مكث بعذر وهما يقولان: مكث من غير عذر فتفسد كما لو أدى
ركناً، وهذا لأن بقاء الحرمة بعد فوات هذه الشرائط بخلاف القياس والشرع
إنما...... الانصراف من ساعته، والله أعلم.
وإن أصابه الدم بسبب الرعاف وأصابه بغير أدنى سبب آخر، وذلك أقل من قدر
الدرهم لكن مع الرعاف أكثر من قدر الدرهم فغسل النجاسة التي لا تسبب الرعاف
تثبت صلاته سواء كانا في محلة واحدة أو في محلتين، وإن سال من دمل به دم
توضأ وغسل
(1/486)
ويبني ما لم يتكلم، ولو أصاب ثوبه من ذلك
الدم، فإنه يغسل الثوب ويبني بخلاف ما إذا أصابته نجاسة أخرى فغسلها حيث لا
يبني، وإن عصر الدمل حتى سال أو كان في موضع ركبتيه فانفتح من اعتماده على
ركبتيه في سجوده فهذا بمنزلة الحدث العمد فلا يبني على صلاته، ولو خاف
المصلي سبق الحدث فانصرف ثم سبقه فتوضأ ليس له أن يبني في قول أبي حنيفة
ومحمد وزفر رحمهم الله.
وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يبني ذكر الاختلاف في اختلاف.m
.... ويعقوب.
حجته: أن الخوف من سبق الحدث كسبق الحدث من حيث الحكم، والمعنى حجة أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله: أن جواز البناء عرف بالنص بخلاف القياس عند سبق
الحدث، فلا يجوز الانصراف قبل سبق الحدث، ولو ظن الإمام أنه أحدث ثم علم
أنه لم يحدث، وهو في المسجد رجع وبنى.
وروي عن محمد رحمه الله: أنه لا يبني وإن خرج من المسجد فسدت صلاته ولو ظن
أنه على غير وضوء أو أن في ثوبه نجاسة فابتعد وتحول إلى القبلة فسدت صلاته،
وكذا المتيمم إذا رأى سراباً فظنه ماء ولم يسلم في الركعتين ساهياً على ظن
أنه تيمم ثم يبني له ذلك صار حكمه وحكم الذي ظن أنه أحدث سواء على الاختلاف
الذي ذكرنا.
وجه (ما) روي عن محمد رحمة الله عليه وهو القياس أنه انحرف عن القبلة بغير
عذر فتفسد صلاته كالذي ظن أنه على غير وضوء كالمتيمم إذا رأى سراباً ظنه
ماء.
وجه الاستحسان؛ إن عرضه إصلاح صلاته والاستدبار بهذا القصد ليس بقاطع بدليل
أنه لو تحقق ما توهم بنى فلم يكن على هذا القصد قاطعاً، لأن الصلاة يلائمها
ما يصلحها الأداء..... مسجد؛ لأن اختلاف المكانين قاطع للصلاة لا عند العذر
وبخلاف ما لو ظن أنه على غير وضوء، والمتيمم إذا رأى سراباً ظنه ماء؛
لأن..... لم يكن فيما صنع قاصداً إلى إصلاح صلاته بل كان قاصداً رفض
التحريمة بدليل أنه لو تحقق ما توهم يبني والانحراف عن القبلة بهذا القصد
مفسد للصلاة، وإذا كان يصلي في الصحراء فظن أنه أحدث فذهب عن مكانه ثم علم
أنه لم يحدث بأن كان يصلي وحده فموضع سجوده ككونه في المسجد، وكذلك يمينه
وشماله وخلفه، وإن كانوا يصلون بالجماعة فإن انتهى إلى آخر الصفوف ولم
يجاوز الصفوف صلى ما بقي استحساناً، وإن جاوز الصفوف استقبل الصلاة، وإن
تقدم إمامه وليس بين يديه بناء ولا سترة إن تقدم بمقدار ما لو قام جاوز
الصفوف فسدت صلاته، وإن كان أقل من ذلك لا تفسد وصلى ما بقي.
وإن كان بين يديه حائط أو سترة، فإذا جاوزها بطلت صلاته، وذكر هشام عن محمد
رحمة الله عليهما: لا تفسد صلاته حتى يتقدم مثل ما لو تأخر خرج من الصفوف
(1/487)
وجاوز أصحابه وإن كان بين يديه سترة، والله
أعلم.
الفصل السادس عشر في الاستخلاف
وكل موضع جاز البناء فللإمام أن يستخلف؛ لأنه عجز عن إتمام ما ضمن القوم،
الوفاء به فيستوي بمن تعذر عليه (78أ1) والأثر في ذلك ما روي عن النبي عليه
السلام لما ضعف في مرضه قال: «مروا أبا بكر رضي الله عنه يصلي بالناس،
فقالت عائشة رضي الله عنها لحفصة: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إن
أبا بكر رجل أسيف إذا وقف في مكانك لا يملك نفسه فلو أمرت غيره، فقالت ذلك،
فقال:؟..... «صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس» ، فلما افتتح أبو بكر
رضي الله عنه الصلاة وجد رسول الله عليه السلام في نفسه خفة، فخرج وهو
يتهادى بين علي والفضل بن عباس رضي الله عنهم، وتصل رجليه بخطاب الأرض حتى
دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه فناجز القوم رسول الله صلى الله عليه
وسلّم وصلى أبو بكر فصلى بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر يعني: أبو بكر
يصلي بتكبير الرسول والناس يصلون بتكبير أبي بكر بين يدي الله ورسوله، فصار
هذا أصلان: إن في كل موضع عجز الإمام عن الإتمام أن يتأخر ويستخلف معه، وما
لا يصح منه البناء كالحدث العمد، فلا استخلاف فيه، لأن الاستخلاف في
القائم، وقد فسدت صلاته بما صنع والإمام يحدث على بناء إمامته ما لم يخرج
من المسجد أو يستخلف رجلاً ويقوم الخليفة في مقام ينوي أن يقوم الناس فيه
أو يستخلف القوم غيره حتى لو لم يوجد شيء من ذلك يقوما في جانب المسجد
والقوم ينتظر فيه ورجع إلى صلاته وأتم صلاته بهم آخر أتم.
وإنما صح فنفذت ولايته عليهم فيما يرجع إلى تصحيح صلاتهم، فإذا استخلف
القوم الخليفة فيه فصار هو الإمام وبطلت الإمامة في حق الأول؛ لأنه لا
يجتمع في الصلاة الواحدة إمامان، وكذا إذا استخلف القوم صح استخلافهم
بحاجتهم إلى تصحيح صلاتهم، وصار المقدم إماماً وبطلت الإمامة في حق الأول
لما مر، فإن لم يستخلف الإمام ولا القوم حتى خرج من المسجد فسدت صلاة
القوم، ويتوضأ الإمام ويبني لأنه في حق نفسه كالمنفرد.
والقياس: أن لا تفسد صلاة القوم فإن بعد الحدث بقوا مقتدين به حتى لا يوجد
الماء في المسجد فتوضأ وعاد إلى مكانه وأتم تتمة الصلاة أجزأه فكذلك بعد
خروجه ولكن استحسن...... أن يكون قوم في الصلاة في المسجد وإمامهم في
الصلاة في
(1/488)
المسجد وإمامهم في أهله وإماماً آخر في
المسجد فكأنه في المحراب؛ لأن المسجد في كونه مكان الصلاة كبقعة واحدة فلم
يكن بينه وبينهم في الاقتداء بخلاف ما نحن فيه وكل من يصلح إماماً للإمام
الذي سبقه الحدث في الابتداء يصلح خليفة له، ومن لا يصلح إماماً له في
الابتداء لا يصلح خليفة.
ولو لم يكن مع الإمام إلا رجل واحد فهو إمام نفسه قدمه المحدث أم لا، لأن
التقديم إنما يحتاج إليه للتعيين، والذي مع الإمام المحدث بناء معتبر
فاستغنى عن التعيين، ولو اقتدى رجل بهذا الإمام المحدث قبل أن يخرج من
المسجد صح دخوله، وإن كان بعد انصرافه؛ لأن حكم الإمامة قائم بخيار البناء
عليه، وإن كان بعد انصرافه لأن المسجد مع تباين أطرافه وتباعد أكنافه جعل
بمكان واحد بدليل جواز الاقتداء به، وإن كان المقتدي في آخر المسجد، فصار
كأن الإمام في مكان الإمامة بعد فيؤد ذلك ينظر إن قدم المحدث خليفة يصلي
بالقوم جازت صلاة الداخل، وإن لم يقدم حتى خرج من المسجد فصلاة الداخل
فاسدة، وهذا هو الحكم في حق الذي كان مع الإمام قبل الحدث.
ولو قدم الإمام امرأة فسدت صلاتهم جميعاً الرجال والنساء، والإمام المقدم،
وقال زفر رحمه الله: صلاة المقدمة والنساء تامة، لأنها صلحت إماماً للنساء
واعتبر ذلك بالابتداء.
ولنا: أن المرأة..... لما تصلح لإمامة الرجال صار الإمام ولا استقبال
باستخلاف من لا يصلح خليفة له معرضاً عن الصلاة فتفسد صلات النساء، وصلاته
تفسد صلاة القوم، لأن الإمامة لم تتحول عنه.
وكذلك إذا قدم صبياً فسدت صلاته وصلاة القوم؛ لأن الصبي لا يصلح إماماً في
الفرض ولا يصلح خليفة له.
وكذلك إذ قدم رجلاً على غير وضوء فسدت صلاته وصلاة القوم؛ لأن المحدث لا
يصلح إماماً له، فلا يصلح خليفة له فصار بمنزلة ما لو استخلف امرأة.
ولو أن الإمام حين قدم واحداً من هؤلاء لم يتقدم المقدم بنفسه، ولكن استخلف
هو رجلاً آخر ذكر هذه المسألة في باب الجمعة: وإن المقدم على غير وضوء فإن
استخلافه غير جائز، وإن كان المقدم امرأة أو صبياً أو كافراً لا يجوز
استخلافه غيره.
والفرق: أن المقدم إذا كان على غير وضوء فهو من أهل الإمامة في الجملة، فإن
أهلية الإمام بالإسلام والذكورة والبلوغ من عقد وقد وجد ذلك من حقه فصح
استخلافه؛ إلا أنه عجز عن الأداء لعدم الطهارة فيعتبر كما لو كان الأول على
حاله وعجز عن الأداء لعدم الطهارة، وهناك يجوز الاستخلاف كذا هنا.
فأما المرأة ليست من أهل الإمامة للرجال، وكذا الصبي ليس بأهل إمامة
البالغين
(1/489)
فلم يصح استخلافها أصلاً، وإذا لم يصح
استخلافهما كيف يصح الاستخلاف منهما؟
وإذا أحدث الإمام وخلفه نساء لا رجال معهن، فتقدمت واحدة منهن من غير تقديم
الإمام قبل خروج الإمام، قال: هذا والأول سواء، قيل: أراد به مسألة استخلاف
واحدة منهن يعني تفسد صلاة الإمام وصلاة النسوة.
وهكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمة الله عليهما، نصاً أن صلاة
الإمام تفسد بتقدم واحدة منهن من غير تقديم منه؛ لأن تقديم الإمام واحداً
من القوم وتقدم النسوة، ولا تفسد صلاة الإمام وقد روي عن محمد نصاً في هذه
الصورة، وهو ما إذا تقدمت واحدة منهن بنفسها من غير تقديم الإمام أنه لا
تفسد صلاة الإمام والله أعلم.
وإذا كان مع الإمام صبي أو امرأة إن استخلفه فسدت صلاتهما وقدم هذا وإن لم
يستخلفه وخرج من المسجد، اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: تفسد صلاته؛ لأنه
لما تعين صار كأنه استخلفه.
وقال بعضهم: إذا كان معه امرأة أنه تفسد صلاته وتفسد صلاة المقتدي وهذا
أصح؛ لأن تعين الواحد للإمامة إنما كان للحاجة إلى إصلاح صلاة المقتدي، وفي
جعلهما إماماً منهما فساد صلاتهما فلم...... إما ما بقي الإمام إماماً
وليست المرأة تعذر به لا إمام لها في المسجد وعلى هذا: إذا كان خلف الإمام
من يصلي التطوع إن استخلفه فسدت صلاته، وإن لم يستخلفه وخرج من المسجد يجب
أن يكون فيه اختلاف المشايخ؛ لأن المتنفل لا يصلح إماماً للمفترض فصار نظير
مسألة المرأة.
وإذا أحدث الإمام ولم يقدم أحداً حتى خرج من المسجد فصلاة القوم فاسدة؛
لأنهم مقتدون فيها لم يتولهم إمام في مكانه وهو المسجد.
ولم يذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : حكم صلاة الإمام، وذكر الطحاوي رحمه
الله: أن صلاته تفسد أيضاً؛ لأن بعد سبق الحدث كان عليه الاستخلاف فيصير هو
(78ب1) في حكم المقتدي به.....، فكما تفسد صلاة غيره من القوم، فكذا تفسد
صلاته، وذكر أبو عصمة سعد بن معاذ المروزي عن محمد رحمه الله: أن صلاته
ثابتة، وذكر في «مختصر الكرخي» : أنه لا تفسد صلاة الإمام، ولم ينتسب هذا
القول إلى أحد.
ووجه ذلك: أن الإمام ما كان يحتاج إلى الاستخلاف لإصلاح صلاته، وإنما كان
يحتاج إليه لإصلاح صلاة القوم، فبقي هو منفرداً، والمنفرد إذا سبقه الحدث
وخرج من المسجد ليتوضأ لم تفسد صلاته كذا هنا.
وإذا أم رجلاً واحداً، فأحدثا وخرجا من المسجد فصلاة الإمام تامة لما مر،
وصلاة المقتدي فاسدة إذا لم يبق له إمام في المسجد، وإذا أم الرجل قوماً
فسبقه الحدث فقدم الإمام رجلاً والقوم رجلاً ونوى كل واحد أن يكون إماماً
فإمامٌ هو الذي قدمه الإمام.
(1/490)
وإذا أحدث الإمام وقدم كل فريق من القوم
إماماً، اقتدى كل فريق بإمامه فسدت صلاتهم؛ لأن هذه صلاة افتتحت بإمام، ولا
يجوز إتمامها بإمامين، وليس أحدهما؛ بأن يجبذ إماماً بأولى من الآخر ففسدت
صلاة المعتدين، ومن ضرورة فساد صلاة القوم، وهذا إذا استوى الفريقان في
العدد، فأما إذا قدم جماعة القوم أحد الإمامين إلا رجلاً أو رجلين واقتدى
به، وقدم الآخر رجلٌ أو رجلان واقتديا به فصلاة من اقتدى به الجماعة
وصلاتهم صحيحة، وصلاة الآخرين مع إمامهما فاسدة.
فأما إذا اقتدى بكل إمام جماعة، وأحد الفريقين أكبر من الآخر عدداً، فقد
قال بعض مشايخنا رحمهم الله: صلاة الأكثرين جائزة ويبتني الفساد في حق
الآخرين كما في الواحد والمثنى، وقال بعضهم: صلاة الكل فاسدة، وفي «نوادر
الصلاة» : صلاة الطائفة الأكثر جائزة؛ لأن الحكم للغالب.
ولو قدم الإمام رجلين فهذا وتقديم القوم إياهما سواء، ولو فضل أحدهما إلى
وضع الإمامة قبل الآخر يعتبر هو للإمامة وجازت صلاته وصلاة من اقتدى به؛
لأن الاستخلاف كان للضرورة، وقد ارتفعت الضرورة بوصول هذا إلى موضع
الإمامة، فاستخلاف الآخر وجوده وعدمه بمنزلة.
ولو تقدم رجل من غير تقديم آخر، وقام مقام الأول قبل أن يخرج الإمام من
المسجد وصلى بالقوم أجزأهم ولو كان الإمام قد خرج من المسجد قبل وصول هذا
إلى موضع الإمامة فسدت صلاتهم، وصلاة الإمام تامة.
وإذا كان مع الإمام رجل وأحدث الإمام وتعين الرجل الذي خلفه للإمامة على ما
مر، فتوضأ الإمام ورجل دخل مع هذا في صلاته؛ لأن هذا قد تعين للإمامة، وإن
لم يرجع الأول حتى أحدث هذا وخرج من المسجد فسدت صلاة الأول؛ لأن الإمامة
تحولت إلى الثاني، فإذا خرج الثاني عن المسجد لم يبق للأول إمام في المسجد
فسدت صلاته، هكذا ذكر القاضي الإمام علاء الدين في «شرح المختلفات» .
وذكر الحكم في «المختصر» : عن علي قول أبي عصمة رحمه الله: لا تفسد صلاته،
ووجه ذلك: أن صيرورة الباقي إماماً كان بطريق القصد ليظهر في حق الأحكام
كلها، وإنما كان بطريق الضرورة حتى لا تفسد صلاته بخروج الإمام عن المسجد
ليتطهر، والله أعلم.
وصلاة الثاني تامة؛ لأنه منفرد في حق نفسه، وإن لم يخرج الثاني من المسجد
حتى رجع الأول ثم خرج الثاني صار الإمام هو الأول؛ لأنه متعين لإصلاح هذه
الصلاة، فيكون متعيناً للإمامة، وإذا كان الأول متعيناً للإمامة صار الثاني
مقتدياً، فجازت صلاتهما جميعاً، وإن جاء ثالث واقتدى بالثاني فسبقه الحدث
فخرج من المسجد فحولت الإمامة إلى الثالث لكونه متعيناً، فإن أحدث الثالث
فخرج من المسجد قبل رجوع أحد الأولين فسدت صلاتهما، لأنه لم يبق لهما إمام
في المسجد وإن كان رجع أحد الأولين قبل خروج الثالث تحولت الإمامة إلى ذلك
بخروج الثالث، وإن كانا رجعا جميعاً، فإن
(1/491)
استخلف الثالث أحدهما صار هو الإمام، وإن
لم يستخلف حتى خرج فسدت صلاتهما، لأنه لم يبق لهما إمام في المسجد، لأنه
ليس أحدهما بالإمامة بأولى من الآخر.
وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا أحدث الإمام وليس معه إلا رجل
واحد، فوجد الماء في المسجد وتوضأ، قال: يتم صلاته مقتدياً بالثاني، لأنه
متعين للإمامة بنفس الانصراف تتحول الإمامة إليه، فإن كان معه جماعة فتوضأ
في المسجد عاد إلى مكان الإمامة وصلى بهم، لأن الإمامة لا تتحول منه إلى
غيره في هذه الحالة إلا بالاستخلاف ولم يوجد.
إمام صلى برجلين فسبقه الحدث فقدم أحدهما وذهب صار المقدم إماماً لهما، فإن
سبقه الحدث فخرج فهذا الذي بقي صار إماماً إذا نوى الإمامة كذا قال في
«نوادر الصلاة» ، قالوا: معناه: ترك المضي على الاقتداء، حتى لو بقي على
اقتدائه بإمامه ولم يعمل عمل المنفرد لم يجز، فأما نية الإمامة ليست بشرط،
ويختار بكون الجواب فيما إذا كان خلف الإمام رجل واحد هكذا أنه لو بقي على
اقتدائه، فإمامه ولم يعمل عمل المنفرد إنه لا يجوز في «الخصائل» .
إمام أحدث فانتقل وقدم رجلاً جاسياً....... فإنه ينظر إن كبّر قبله سبق
الإمام الحدث صح استخلافه؛ لأنه........ الإمام في الصلاة، وكذلك إذا نوى
الدخول في صلاة الإمام وكبّر قبل خروج الإمام من المسجد، لأنه ما دام في
المسجد كأنه في الصلاة، وعلى قول...... رحمه الله؛ لا يصح استخلافه هنا،
قال: لأن حدث الإمام من المقتدي، كحدثه. بنفسه، وكونه محدثاً يمنع من
الشروع في الصلاة ابتداء، فيمنع الاقتداء به أيضاً، فإن بقاء الاقتداء بعد
الحدث عرفناه بالسنّة، والابتداء ليس في معنى البقاء، ولكنا نقول: التحريمة
باقية في حق الإمام حتى إذا عاد بنى على صلاته، وكذلك صفة الإمامة له باقية
ما لم يخرج من المسجد، حتى لو توضأ في المسجد عاد إلى مكان الإمامة جاز
فاقتداء صحيح في هذه الحالة، وإذا صح الاقتداء جاز استخلافه.
وإن كان حتى كبّر نوى الدخول في صلاة نفسه ولم ينوِ الاقتداء بالأول فصلاته
تامة، لأنه افتتحها منفرداً وأداها منفرداً ولم ينوِ الاقتداء، فتكون صلاته
تامة، وصلاة القوم فاسدة؛ لأنهم كانوا مقتدين بالأول، فلا يمكنهم إتمامها
مقتدين بالثاني لأن الصلاة الواحدة لا تؤدى بإمامين بخلاف خليفة الأول،
فإنه قائم مقام الأول، فكأنه هو نفسه، فكان الإمام واحداً معنىً، وإن كان
مثنى صورة، وها هنا الثاني ليس بخليفة الأول، لأنه لم يقتد به قط فتحقق إذ
الصلاة الواحدة خلف إمامين صورة ومعنى، فبهذا لا تجزئهم صلاتهم، وأما صلاة
الإمام الأول لم يذكر في «الكتاب» ، واختلف المشايخ: قال بعضهم: لا تفسد
صلاته (79أ1) ، وقال: تفسد وهو الأصح، لأنه اقتدى بمن ليس في الصلاة فتفسد
صلاته كما لو استخلفوا جنباً أو محدثاً أو امرأة.
(1/492)
إمام أحدث فقدم رجلاً من آخر الصفوف ثم خرج
من المسجد، فإن نوى الثاني أن يكون إماماً من ساعته، ونوى أن في ذلك المكان
جازت صلاة الخليفة وصلاة الإمام الأول، ومن كان على يمين الخليفة وعلى
يساره في صفه ومن كان خلفه، ولا تجوز صلاة من كانوا أمامه في الصفوف؛ لأنهم
صاروا أمام الإمام، وإن نوى الثاني أن يكون إماماً إذا قام مقام الأول،
وخرج الإمام الأول قبل أن يصلي الثاني إلى مقام الأول فسدت صلاتهم؛ لأنه
كما خرج الإمام الأول فلا مكان للإمامة عن الإمام، والإمام الأول يتوضأ
ويبني على صلاته في الأحوال كلها.
إذا أحدث واستخلف رجلاً من خارج المسجد والصفوف متصلة بصفوف المسجد لم يصح
استخلافه، وتفسد صلاة القوم في «نوادر أبي حنيفة» وأبي يوسف رحمهما الله،
وفي فساد صلاة الإمام روايتان، فقيل: والأصح هو الفساد.
إمام سبقه الحدث واستخلف رجلاً، واستخلف الخليفة غيره: قال الشيخ الإمام
أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله: إن كان الإمام لم يخرج من المسجد، ولم
يأخذ الخليفة مكانه حتى استخلف غيره جاز، ويصير كأن الثاني تقدم بنفسه، أو
قدمه لإحكام ما للأول وإن كان غير ذلك لا يجوز.
إمام توهم أنه رعف فاستخلف غيره، فقبل أن يخرج الإمام من المسجد ظهر أنه
كان ماء ولم يكن دماً، قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله:
إن كان الخليفة أدى ركناً من الصلاة لم يجز للإمام أن يأخذ الإمامة مرة
ثانية، لكنه يقتدي بالخليفة؛ لأن الخلافة تأكدت بأداء ركن، وإن لم يؤدِ
ركناً لكنه قام في المحراب، قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمة الله عليهما: له
أن يأخذ الإمامة مرة أخرى؛ لأن المسجد كمكان واحد، فيجعل كأن لم يحول وجهه
عن القبلة، وقال محمد رحمه الله: لا يجوز؛ لأنه حول وجهه عن القبلة بالشك
لا بالتيقن بالحدث، فتفسد صلاته عند محمد رحمه الله.
وفي «متفرقات الفقيه أبي جعفر رحمه الله» : إذا ظن الإمام أنه أحدث من غير
حدث فاستخلف رجلاً ثم تبين له قبل أن يخرج من المسجد أنه لم يحدث قال: إن
كان لم يأت بالركوع جازت صلاتهم يعني الخليفة، وإن أتى بالركوع فسدت
صلاتهم.
قال الفقيه: هذا وفي رواية محمد بن سماعة عن محمد رحمة الله عليهما: أنه
قال: إذا قام مقام الإمام فسدت صلاتهم وإن لم يأت بركن من أركان الصلاة،
وإذا لم يقم الخليفة مقام الإمام الأول جازت صلاتهم، قال: وكان الشيخ
الإمام يفتي بهذا إذا ظن الإمام أنه أحدث فاستخلف رجلاً وخرج من المسجد، ثم
علم أنه لم يكن حدثاً فسدت صلاة الكل هو الصحيح.
ظن الإمام أنه أحدث، وأنه على غير وضوء، فانصرف القوم رجلاً (رجلاً) ثم
استيقن بالطهارة فسدت صلاة الكل خرج الإمام من المسجد أو لم يخرج الإمام.
إذا صار مطالباً بالبول، فذهب واستخلف غيره لا يصح استخلافه، إنما يصح
الاستخلاف بعد خروج البول، وكذا إذا أصابه وجع البطن أو غير ذلك، وكذلك إن
عجز
(1/493)
عن القيام بذلك السبب قعد وصلى قاعداً لا
يجوز.
إمام سبقه الحدث فاستخلف رجلاً وتقدم الخليفة ثم تكلم الإمام قبل أن يخرج
من المسجد أو أحدث متعمداً، قالوا: يضره ولا يضر غيره، ولو جاء رجل في هذه
الحالة، فإنه يقتدي بالخليفة ولو بدا للأول أن يقعد في المسجد فلا يخرج كان
الإمام هو الثاني، ولو توضأ الأول في المسجد وخليفته قائم في المحراب لم
يؤد ركناً يتأخر الخليفة ويتقدم الإمام الأول، ولو خرج الإمام الأول من
المسجد، فتوضأ ثم رجع إلى المسجد وخليفته لم يؤد ركناً كان الإمام هو
الثاني، وإن نوى الثاني بعدما تقدم إلى المحراب أن لا يخلف الأول ويصلي
صلاة نفسه لا تفسد ذلك صلاة من اقتدى به.
رجل صلى في المسجد وأحدث، وليس معه غيره، فلم يخرج من المسجد حتى جاء رجل
وكبّر ينوي الدخول في صلاته ثم خرج الأول، فإن الثاني يكون خليفة الأول عند
أصحابنا رحمهم الله، وكذا لو توضأ الأول في ناحية من المسجد، ورجع ينبغي أن
يقتدي بالثاني؛ لأن الثاني صار إماماً له عينه أو لم يعينه.
إذا أحدث الإمام واستخلف رجلاً وخرج من المسجد ثم أحدث الثاني ثم جاء الأول
بعدما توضأ قبل أن يقوم الثاني مقام الأول جاز للثاني أن يقدمه، وإذا حضر
الإمام من القراءة فتأخر وقدم رجلاً أجزأهم، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله،
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجزئهم.
حجتهما: أن...... في القراءة بأن ينسى جميع القرآن نادر غاية الندرة، فلا
يلحق بالحدث، بل ملحق بالجنابة.
حجة أبي حنيفة رحمة الله عليه: أن العلة في حق الذي سبقه الحدث عجزه عن
الأداء، والعجز ها هنا ألزم؛ لأن المحدث ربما يصيب ماء في المسجد فيتوضأ
ويبني من غير استخلاف، وأما الذي ينسى ما حفظ ذلك لا يعلم إلا بالتعلم أو
بالتذكر، وذلك يكون بعد مدة، فيمتنع المعنى لا محالة، وهذا إذا لم يقرأ
مقدار ما تجوز به، ولا يجوز الاستخلاف بالإجماع، وإذا صار جانياً بحيث لا
يصدر على المعنى ذكر في غير رواية «الأصول» : أن على قول أبي حنيفة رحمه
الله: ليس له أن يستخلف، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: له ذلك، فأبو حنيفة
رحمه الله فَرَّق بين هذه المسألة وبين مسألة.H
......
والفرق: وهو أن العجز عن القراءة ليس بنادر، أما صيرورته جانباً في الصلاة
على وجه يعجز عن المعنى نادر فبمنزلة الجنابة.
لو أن قارئاً صلى بقوم ركعتين من الظهر، وقرأ منهما، وسبقه الحدث ثم استخلف
أمياً جاز عند أبي يوسف رحمه الله؛ لأن الإمام قد أدى فرض القراءة، فلا
حاجة إليها في الأخريين، فكان الأمي وغيره فيهما سواء.
(1/494)
وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: فسدت
صلاة الكل؛ لأن استقباله باستخلاف من لا يصلح إماماً له تفسد، وكذا استخلاف
الأمي في القعدة الأخيرة قبل قدر التشهد على هذا إذا قعد قدر التشهد.
قال في «الجامع الصغير» : يجوز عند أبي يوسف رحمه الله وسكت عن ذكر قول أبي
حنيفة رحمه الله، قالوا وعنده: يجوز أيضاً.
وفي «النوادر» : الإمام إذا نسي القراءة في الأوليين من الظهر ثم سبقه
الحدث فاستخلف رجلاً.....، فعلى الثاني أن يقرأه في الأخريين قضاء عن
الأولين (79ب1) ، وإذا انتهى إلى موضع سلام الإمام واستخلف من يسلم بهم،
وقام لقضاء الأولين، وقرأ فيهما، ولو ترك القراءة فيهما فسدت صلاته وإن قرأ
مرة في ركعتين، لأن تلك القراءة التحقت بالأولين، فتعينت الأخريان. بغير
قراءة، فإذا قضى الأولين فلا بد له من القراءة فيهما، والله أعلم.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : صلى رجل بقوم الظهر، فلما صلى ركعة وسجدة
ثم أحدث فقدم مدركاً، فسهى عن الثلاث السجدات، وصلى بهم ركعة وسجدة ثم
أحدث، فقدم مدركاً وتوضأ الأئمة الأربعة وجاؤوا قال: ينبغي للإمام الخامس
أن يسجد السجدة الأولى؛ لأن الأئمة كلهم خلفاً للأول فعليهم ما على الأول
ويسجد معه القوم وللأئمة جميعاً؛ لأنهم أدركوا أول الصلاة وقد فاتتهم تلك
السجدة، فإذا أدركوها في موضعها كان عليهم أداؤها ثم يقوم الإمام الأول
فيصلي ثلاث ركعات بغير قراءة؛ لأنه قد أدرك أول الصلاة وكأنه خلف الإمام.
ثم يسجد الإمام الخامس السجدة الثانية ويسجد معه القوم والأئمة؛ لأنهم
أدركوها في موضعها إلا أن الإمام الأول لا يسجد السجدة الثانية؛ لأن عليه
أركاناً يصليها وهي الركعة الثانية؛ إلا أن يكون أدى الركعة الثانية،
وانتهى إلى هذه السجدة، فحينئذٍ يسجد مع الإمام الخامس هذه ثم يقوم الإمام
الثاني فيصلي ركعتين بغير قراءة، لأنه مدرك لأول الصلاة وكأنه خلف الإمام
ثم يسجد الإمام الخامس السجدة الثالثة، ويسجد معه القوم والأئمة الأول
والثاني؛ لأنهم أدركوها في موضعها على ما ذكرنا.
ثم يقوم الإمام الثالث فيصلي ركعة بغير قراءة على ما بينا، ثم يسجد الإمام
الخامس السجدة الرابعة ويسجد معه القوم والإمام الرابع لما بينا، ولا يسجد
مع الأول والثاني والثالث؛ إلا أن يكونوا فرغوا من أداء ما عليهم وانتهوا
إلى هذه السجدة، ثم يتشهد الإمام الخامس ويسجد السهو ويسجد معه القوم
والإمام الرابع، ولا يسجد معه الإمام الأول والثاني والثالث؛ لأنهم مدركون،
والمدرك لا يتابع الإمام في سجود السهو إلا أن يكون فرغ من أداء ما عليه،
هذا هو الجواب في هذه المسألة.
وإذا عرفت الجواب في ذوات الأربع ظهر لك الجواب في ذات الركعتين؛ لأن
(1/495)
الكلام في ذات الركعتين أظهر وأوضح؛ لأن
هنا نحتاج إلى بيان أحكام الأئمة الخمسة، وهناك نحتاج إلى بيان أحكام
الأئمة الثلاثة.
قال محمد رحمه الله: الأول مقيم صلى بقوم مقيمين ركعة من الظهر وسجدة، ثم
أحدث فقدم رجلاً جاسياً....... وصلى بهم ركعة وسجدة ثم أحدث وقدم رجلاً
جاسياً......... وصلى بهم ركعة وسجدة ثم...... وقدم رجلاً....... ثم توضأ
الأئمة الأربعة وجاؤوا، قال: ينبغي للإمام الخامس أن يسجد بهم والسجدة
الأولى لما ذكرنا أنه خليفة للأول ويسجد معه القوم والإمام الأول لما ذكرنا
أنهم أدركوها في موضعها؛ لأنهم أدركوا أول الصلاة، ولا يسجد معه الإمام
الثاني والثالث والرابع؛ لأنهم مستوفون بهذه الركعة، وإذا حضرا هذه
الركعة..... يسجد بهما، فلا فائدة في متابعتهم الإمام الخامس فيها، فلا
يتابعونه ثم يقوم الأول فيصلي ثلاث ركعات بغير قراءة؛ لأنه مدرك أول الصلاة
فهو فيما يأتي مؤدٍ وليس بقاضٍ، فهذا لا يقرأ، ثم يسجد الإمام الخامس
السجدة الثانية، ويسجد معه القوم والإمام الثاني ولا يسجد معه الإمام الأول
إلا أن يكون قد انتهى إلى هذه السجدة، وكذا لا يسجد معه الإمام الثالث
والرابع؛ لأنه لا فائدة من ذلك؛ لأنهم مستوفون بهذه الركعة وهي الركعة
الثانية فيقضونها بسجدتيها عند قضاء الركعة ثم يقوم الإمام الثاني فيقضي
ركعتين بغير قراءة؛ لأنه مدرك لهما، فهو فيهما مؤدٍ ثم يسجد بهم الإمام
الخامس السجدة الثالثة.
ويسجد معه القوم والإمام الثالث، ولا يسجد معه الإمام الأول، والإمام
الثاني إلا أن يكونا انتهيا إلى هذه السجدة، وكذلك لا يسجد معه الإمام
الرابع ثم يقوم الإمام الثالث، ويؤدي ركعة بغير قراءة، ثم يسجد الإمام
الخامس السجدة الرابعة، ويسجد معه القوم والإمام الرابع، ولا يسجد معه
الإمام الأول والثاني والثالث، إلا أن يكونوا انتهوا إلى هذا الموضع، ثم
يتشهد الإمام الخامس، فإذا انتهى إلى موضع السلام تأخر من غير أن يسلم وقدم
رجلاً أدرك أول الصلاة، فيسلم بهم، ويسجد سجدتي السهو، ويسجد معه القوم
والإمام الربع والخامس؛ لأن الإمام الرابع والخامس مسبوقان، والمسبوق يتابع
الإمام في سجود السهو، ولا يسجد معه الإمام الأول والثاني والثالث؛ إلا أن
يكونوا انتهوا إلى هذا الموضع، ويسلم الإمام السادس، ويسلم معه القوم، ولا
يسلم معه واحد من الأئمة، إلا أن الإمام الأول إذا كان فرغ من أداء ما عليه
ثم يقوم الثاني، فيقضي ركعة بقراءة إن كان فرغ من الأداء؛ لأنه مسبوق
بركعة، ويقوم الإمام الثالث ويقضي ركعتين بقراءة إن كان فرغ من الأداء؛
لأنه سبق بهما، ويقوم الرابع ويقضي ثلاث ركعات يقرأ في الركعتين منهما، وفي
الثالثة بالخفاء ثم يقوم الإمام الخامس ويقضي أربع ركعات يقرأ في الأوليين
وفي الأخريين بالخفاء.
وذكر في «نوادر الصلاة» : أن الإمام الخامس إذا سجد السجدة الأولى سجد معه
(1/496)
القوم والأئمة جميعاً، وإذا سجد السجدة
الثانية سجد معه القوم والأئمة الإمام الأول، وكذلك على هذا القياس في
الثالثة والرابعة، وإنما أجزأهم بذلك وإن كان لا يحتسب ذلك من صلاتهم بطريق
المتابعة، ألا ترى أن المسبوق يتابع الإمام في السجدة التي أدركها وإن كان
لا يحتسب ذلك من صلاته والله أعلم.
قال في «الأصل» أيضاً: إمام أحدث فاستخلف مدركاً قد نام خلفه حتى صلى
الإمام ركعة وقدمه، قال أبو حنيفة رحمه الله: لا ينبغي للإمام أن يقدم هذا
ولا لهذا أن يتقدم، وهذا؛ لأن الذي لم ينم خلف الإمام والذي هو مسبوق قدر
على إمامة ما بقي على الإمام من غير مكث ولبث، وكذا المسبوق، وهذا لا يقدر
على إتمام ما بقي على الإمام إلا بعد مكث ولبث؛ لأنه يلزمه أن يبدأ بالأول
فالأول، فكان غيره أولى، مع هذا لو قدمه الإمام وتقدم هو جاز، والأصوب له
أن يشير إلى القوم حتى..... هذا هو بما قام خلف الإمام، فيؤدي ذلك، فإذا
انتهى إلى ما انتهى إليه إمامه أمهم من ذلك، فلو لم يفعل هكذا، ولكن بدأ
بما بقي على الإمام وأخر ما نام فيه إلى أن يتشهد ثم قام، فأدى ما كان نام
فيه، ثم سلم جازت صلاته استحساناً، وللقياس أن لا يجزئه (80أ1) هو قول زفر
رحمه الله وعلى هذا القياس والاستحسان؛ إذا نام المقتدي خلف الإمام حتى صلى
الإمام ركعة أو ركعتين، ثم استيقظ يتابع الإمام فيما أدرك فيه وأخر ما نام
فيه إلى آخر الصلاة، فلم يعتبر الترتيب في حق اللاحق، واعتبره في حق
المسبوق حتى قال بأن المسبوق يتابع الإمام فيما أدرك مع الإمام ثم ينتقل
ببعض ما سبق، فلو أنه استقبل نقصاناً سبق أولاً قبل أن يتابع الإمام فيما
أدرك تفسد صلاته.
والفرق يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولو أن هذا الذي تقدم، استقبل فإذا
ما بقي على الإمام..... ركعة تذكر ركعته تلك، والأفضل له أن يومي إليهم
لينتظروه حتى يقضي تلك الركعة، ثم يصلي بهم بعيد صلاته كما كان في الابتداء
يفعله وإن لم يفعل وتأخر حتى يذكر ذلك وقدم رجلاً منهم يصلي بهم فهو أفضل
من الأول..... إن لم يتأول، ولكنه صلى بهم وهو ذاكر لركعة أجزأه أيضاً لما
بينا، وإذا أتم صلاة الإمام فقدم رجلاً من المدركين حتى يسلم بهم، والله
أعلم.
وفي «نوادر ابن سماعة» : عن أبي يوسف رحمهما الله: رجل صلى بقوم ركعة من
الظهر فأحدث، وانتقل ليتوضأ وقد قدم رجلاً ثم تذكر أن عليه صلاة الغداة
فصلاته فاسدة وصلاة القوم تامة، ولم يظهر فساد صلاته في حق فساد صلاة
القوم؛ لأن فساد صلاته بسبب فوات الترتيب مختلف فيه؛ لأن الشافعي رحمه الله
لا يرى الترتيب مستحقاً، فلم يكن الفساد قوياً، فلا يظهر في حق القوم، ولم
يفصل في رواية ابن سماعة بينما إذا تذكر ذلك بعد خروجه من المسجد أو قبل
خروجه من المسجد ورأيت في الموضع أن الإمام المحدث إذا تذكر فائتة قبل أن
يخرج من المسجد فسدت صلاته وصلاة الثاني والقوم؛
(1/497)
لأن الإمام الأول ما دام في المسجد وكأنه
في المحراب بعد.
ولو كان في المحراب وباقي المسألة بحالها، فإن الجواب كما بينا ويجب أن
يشترط ها هنا شرط آخر، وهو أن يتذكر الأول الفائتة قبل أن يخرج من المسجد
وقبل أن يقوم الخليفة في مقام ينوي أن يؤم الناس فيه لفساد صلاة الكل وإن
تذكر فائتة بعدما خرج من المسجد فسدت صلاته خاصة؛ لأن بعد الخروج من المسجد
أو قبل خروجه ولكن بعدما قام الثاني في مقام ينوي أن يؤم الناس فيه.
وفي «القدوري» إذا صلوا في غير مسجد يعني في الصحراء وأحدث الإمام فمجاوزة
الصفوف كالخروج من المسجد يريد به إذا رجع الإمام خلفه حتى جاوز الصفوف ولم
يقدم أحداً فسدت صلاة القوم بمنزلة ما لو صلى في المسجد وخرح الإمام من
المسجد بعدما أحدث قبل أن يقدم أحداً؛ لأن مكان الصفوف بحكم الاقتداء صار
كالمسجد وإن لم يرجع خلفه ولكن مشى قدامه وليس بين يديه بناء ولا سترة لم
تفسد صلاتهم حتى جاوز من بين يديه مقدار الصفوف إلى خلفه هكذا روى المعلى
عن أبي يوسف رحمه الله اعتباراً ما بجنبه الأخرى؛ لأن...... لا يختلف
القاطع، وهكذا روي عن محمد رحمه الله.
وإن كان بين يديه حائط أو سترة، فإذا تجاوز أحداً فسدت صلاتهم، هكذا روي عن
أبي يوسف رحمه الله، لأن السترة تجعل ما دونها في حكم المسجد بدليل اقتصار
كراهة المرور على ما دون الستر ولم يذكر في القدوري ما إذا كانت السترة
سوطاً موضوعاً بين يديه في الطول أو بالعرض.
وفي «نوادر المعلى» عن أبي يوسف رحمهما الله: أنه لا تفسد صلاتهم حتى يجاوز
قدر موضع أصحابه الذي خلفه كما لو لم يكن بين يديه سترة أصلاً إذا ذهب
الإمام المحدث ليتوضأ وقد كان قدم رجلاً فتوضأ وأراد أن يصلي في بيته أو في
مسجد آخر ينظر إن كان الخليفة قد فرغ من صلاته صلاة الإمام في بيته وفي
مسجد آخر وإن لم يكن فرغ الخليفة من صلاته لا تجوز صلاة الإمام في بيته ولا
في مسجد آخر هكذا ذكر في «الأصل» .
وذكر في «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله: أن صلاة الإمام المحدث في
بيته فاسدة حتى تكون صلاته بعدما يشهد هذا الإمام المقدم قالوا: وهذا إذا
كان بين الإمام المحدث وبين خليفتهما يمنع صحة الاقتداء من الحيطان والجدر
والنهر وما أشبه ذلك، وإن لم يكن بينهما ما يمنع صحة الاقتداء تجوز صلاة
الإمام المحدث في بيته قبل فراغ الخليفة من الصلاة أو بعده.
(1/498)
الفصل السابع عشر في
سجود السهو
الأصل في سجود السهو ما روي أن النبي عليه السلام سها في صلاته فسجد، وفي
حديث ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم (قال) لكل سهو سجدتان بعد
السلام، وهكذا الفصل يشمل على أنواع:
الأول في بيان صفة هذه السجدة وكيفيتها ومحلها
أما بيان صفتها: كان أبو الحسن الكرخي رحمه الله يقول: هو واجب استدلالاً.
بما قال محمد رحمه الله: إذا سها الإمام وجب على المؤتم أن يسجد.
ووجهه: أنه جبر لنقصان العبادة، وكان واجباً..... قرأ بجبر في الحج، وهذا
لأن أداء العبادة بصفة الكمال واجب، وصفة الكمال لا تحصل إلا بجبر النقصان.
وقال غيره من أصحابنا رحمهم الله: إنه سنّة استدلالاً لما قاله محمد رحمه
الله: إن العود إلى سجود السهو لا يرفع التشهد ولو كان واجباً لكان رافعاً
للتشهد كسجدة التلاوة ولأنه يجب بترك بعض السنن والخلف لا يكون فوق الأصل.
وأما الكلام في كيفيتهما
قال القدوري رحمه الله: في كتابه يكبر بعد سلامة الأول ويخر ساجداً ويسبح
في سجوده ثم يفعل ثانياً كذلك ثم يتشهد ثانياً، قوله يكبر بعد صلاته الأول
يشير إلى أنه يكتفي بتسليمة واحدة، وهذا فصل اختلف فيه المشايخ عامتهم على
أنه يكتفي بتسليمة واحدة لأن الحاجة إلى السلام للفصل بين الأصل وبين
الزيادة الملحقة به، وهذا يحصل بتسليمة واحدة، وذكر الشيخ الإمام شيخ
الإسلام رحمة الله عليه في شرح كتاب الصلاة أنه لو سلم تسليمتين؛ لأن
محمداً رحمه الله ذكر السلام في «الأصل» مطلقاً، فينصرف إلى السلام من
الجانبين.
ثم اختلفوا في الصلاة على النبي عليه السلام، وفي الدعوات أنها في قعد
الصلاة أم في قعدة سجدتي السهو.
ذكر الكرخي رحمه الله في «مختصر» : أنها في قعدة سجدتي السهو؛ لأنها من
القعدة الأخيرة في الحاصل، فإن ختم الصلاة بها والفراغ منها يحصل بهذه
القعدة.
الطحاوي رحمه الله قال: لكل قعد في آخرها سلام ففيها صلاة على النبي
(1/499)
عليه السلام، فعلى هذا يصلي على النبي عليه
السلام في القعدتين جميعاً، ومنهم من قال: في المسألة اختلاف، عند أبي
حنيفة رحمه الله يصلي في القعدة الأولى، وعند محمد رحمه الله يصلي في
القعدة الأخيرة وهو قعدة سجود السهو بناءً على أصل أن سلام من عليه السهو
يخرجه من الصلاة عندنا، فإذا كان يخرجه (80ب1) من الصلاة كانت القعدة
الأولى من قعدة الختم، فيصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلّمويدعو الله
تعالى فيه ليكون خروجه منها بعد الفراغ من الأدعية والسنن والمستحبات.
وعند محمد رحمه الله: سلام من عليه سجود السهو لا يخرجه من الصلاة فيؤخر
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّمإلى قعدة سجدتي السهو؛ فإنهما من
الأخيرة له.
وهذا الاختلاف إنما يظهر إذا ضحك بعد السلام قبل سجود السهو لا تنتقض
طهارته عندهما، وعند محمد رحمه الله تنتقض، قال الشيخ الإمام الأجل شمس
الأئمة الحلواني رحمه الله: القعدة بعد سجدتي السهو ليست بركن، وإنما أمر
بها بعد السجود ليقع ختم الصلاة بها، فيوافق ذلك موضوع الصلاة ويوليها،
وأما أن يكون ركناً فلا، حتى لو تركها بأن سجد سجدتين بعد السلام ثم قام
وذهب لم تفسد صلاته؛ لأنه لو لم يسجد للسهو لا تفسد صلاته، فإذا سجد ولم
يقعد أولاً أن لا تفسد صلاته.
وأما بيان محلها
فنقول سجود السهو بعد السلام سواء كان من زيادة أو نقصان، وقال الشافعي
رحمه الله: يسجد قبل السلام.
حجته: حديث عبد الله بن مسعود أن النبي عليه السلام سجد سجدتي السهو بعد
السلام، ولأن السجدة شرعت تجبر النقصان فيجب أن يقع في الصلاة.
ولنا: حديث ثوبان على ما مر، وما روى محمول على ما قبل السلام الثاني، فإن
عندنا يسجد للسهو بعد السلام الأول قبل السلام الثاني، عليه عامة المشايخ
رحمهم الله ولأن سجدة السهو تأخرت عن وقت السهو مع أن الحكم لا يتأخر عن
السبب في الأصل لحكمة، وهو: التحرز عن وهم التكرار، وما قبل السلام متوهم
فيه السهو فيتوهم التكرار، فيؤخر عن السلام، ثم يعود إلى حرمة الصلاة
بالسجود لتحقق الجبر في الصلاة، ولو سجد بعد السلام أجزأه عندنا.
قال القدوري رحمه الله: هذا رواية «الأصول» ، قال: وروي عنهم أنه لا يجزيه؛
لأنه أراه قبل، وفيه وجه رواية «الأصول» : أن فعله حصل في فصل مجتهد فيه،
فلا يحكم بفساده..... بالإعادة يتكرر السجود، وهذا لم يقل به أحد من
العلماء، وحكم السهو في صلاة الفرض والنفل سوى حديث ثوبان على ما مر، من
غير فصل، ولأن الفرض والنفل إنما يفترقان في وصف الفريضة والنفلية دون
الأركان والشروط.
(1/500)
نوع في بيان ما يجب به سجود السهو وما لا
يجب
تكلم المشايخ رحمهم الله في هذا وأكثرهم على أنه يجب بستة أشياء: بتقديم
ركن، وبتأخير ركن، وتكرار ركن، وبتغيير واجب، وبترك واجب، وبترك سنّة تضاف
إلى جميع الصلاة.
أما تقديم الركن؛ فهو أن يركع قبل أن يقرأ، أو يسجد قبل أن يركع.
وتأخير الركن أن يترك سجدة صلبية سهواً فيتذكرها في الركعة الثانية،
فيجسدها، أو يؤخر القيام إلى الثالثة بالزيادة على قدر التشهد.
وتكرار ركن: أن يركع ركوعين أو يسجد ثلاث سجدات.
وتغيير الواجب: أن يجهر فيما يخافت، أو يخافت فيما يجهر.
وترك الواجب: نحو أن يترك القعدة الأولى في الفرائض.
وترك السنّة المضافة إلى جميع الصلاة: نحو أن يترك التشهد في القعدة
الأولى، وكان القاضي الإمام صدر الإسلام رحمه الله يقول: وجوبه شيء واحد،
وهو ترك الواجب، وهذا أجمع ما قيل فيه.
فإن هذه الوجوه الستة تخرج على هذا، أما التقديم والتأخير؛ فلأن مراعاة
الترتيب واجبة عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله: وإن لم يكن فرضاً كما قاله
زفر رحمة الله عليه، فإذا ترك الترتيب فقد ترك واجباً، وإذا كرر ركناً فقد
أخر الركن الذي بعده، والركن واجب من غير تأخير، والجهر في محله واجب،
والمخافتة كذلك، فأما التشهد في القعدة الأولى فإنه كان يقول: إنه واجب،
وعليه المحققون من أصحابنا، وهو واضح.
وكذلك يجب سجود السهو في ترك التكبير الأولى، في القنوت (وعليه المحققون
من) أصحابنا وهو واضح وفي القراءة وفي تكبيرات العيد وقراءة التشهد وفي
السلام، أما في تكبيرة الافتتاح بأن شك في حالة القيام أو بعده...... كبر
للافتتاح أم لا وطال تفكره فيه وعلم أنه قد كبر فبنى أو ظن أنه لم يكبّر
فكبّر وقرأ شيء عليه، فعليه سجدتا السهو فيهما، وأما في القراءة، فمن كان
من واجب القراءة يجب سجود السهو بتركه حتى إذا ترك فاتحة الكتاب أو السورة
فعليه، وتذكر بعدما قرأ بعض السورة يعود فيقرأ بالفاتحة ثم بالسورة، وكذلك
إذا تذكر بعد الفراغ من السورة أو في الركوع، فإنه يأتي بالفاتحة ثم يعيد
السورة ثم يسجد للسهو.
وذكر ابن سماعة في «نوادره» وعن محمد رحمهما الله: إذا قرأ فاتحة الكتاب
ساهياً فعليه السهو يريد به إذا لم يقرأ السورة.
وعلل فقال من قبل أنه ترك قراءة السورة التي بعد الفاتحة، وقراءة السورة
بعد الفاتحة واجبة، ولو قرأ فاتحة الكتاب وسورة ثم قرأ فاتحة الكتاب فلا
سهو عليه.
(1/501)
وعن هذا قيل: إذا قرأ في صلاة الجمعة سورة
السجدة وسجد لها ثم قام وقرأ الفاتحة وقرأ: {ننجافى جنوبهم} (السجدة: 16)
لا سهو عليه، وإن قرأ الفاتحة مرتين؛ لأن ما قرأها على الولاء.
وروى إبراهيم عن محمد رحمة الله عليهما: إذا قرأ الفاتحة في ركعة مرتين،
فإن كان ذلك في الأولين فعليه السهو من غير فصل بينهما إذا قرأ بينهما سورة
أو لم يقرأ، وإن كان في الآخريين فلا سهو عليه.
وذكر هشام عن محمد رحمه الله: إذا سها عن....... من فاتحة الكتاب فعليه
السهو، وإذا بدأ بقراءة غيرها في الركعة الأولى أو الثانية وقرأ آخر فأوجب
عليه السهو، وإذا قرأ في الآخرين من الظهر أو العصر الفاتحة والسورة ساهياً
فلا سهو عليه هو المختار.
فإن محمداً رحمه الله يقول في «الكتاب» : إن شاء قرأ في الآخرين وإن شاء
سكت، ذكر القراءة مطلقاً.
وإذا قرأ في الركعة الثانية سورة قبلها، فلا سهو عليه، ولو قرأ مع فاتحة
الكتاب آية قصيرة وركع ساهياً، فعليه السهو؛ لأن قراءة ثلاث آيات فصاعداً
مع الفاتحة أو آية طويلة مع الفاتحة من واجب الصلاة بالإجماع.
وعن الحسن عن أبي حنيفة رحمة الله عليه إذا لم يقرأ في الأخريين من الظهر
أو العصر أو العشاء ولم يسبح..... إن كان متعمداً وإن كان ساهياً فعليه
سجود السهو وروي (81أ1) عن أبي يوسف رحمه الله.
وكذلك إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر ساهياً يجب عليه سجود السهو
عندنا، خلافاً للشافعي رحمه الله.
حجته: ما روى قتادة أن رسول الله عليه السلام كان يسمعنا الآية، والآيتين
في الظهر والعصر، ولو كان ذلك يوجب السهو لما فعل رسول الله عليه السلام
الجهر والمخافتة من هيئة القراءة، فتكون سنّة كهيئة الفعل نحو أخذ الركب،
وهيئة العقدة.
ولو قعد متوركاً أو متربعاً اختياراً ساهياً لا يجب عليه سجود السهو كذا
هنا، بل أولى؛ لأن الفعل في الركعتين أقوى من القراءة.
ولنا قوله عليه السلام: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» من غير فصل بين سهو
وسهو، ولأن الجهر في حق الإمام واجب؛ لأن قراءته أقيمت مقام قراءة المقتدي،
لأن ما هو المقصود وهو التأمل يحصل بالإسماع فيقوم الاستماع مقام القراءة
كان ذلك وكذلك المخافتة واجبة؛ لأن المخافتة في الأصل شرعت صيانة للقرآن عن
إلغاء الكفرة و...... وإليه و..... الإشارة في قوله تعالى: {لا تسمعوا لهذا
القرآن والغوا فيه
(1/502)
لعلكم تغلبون} (فصلت: 26)
وصيانة القرآن عن مثل هذا واجب، فإذا خافت فيما يجهر أو جهر فيما يخافت فقد
ترك واجباً من واجبات الصلاة فيلزمه سجود السهو، وأما هيئة الفعل فمن
مشايخنا رحمهم الله من قال: هيئة الفعل واجبة إذا تركها اختياراً ساهياً
يجب سجود السهو، ومن مشايخنا من قال: عرفنا الأخذ بالركب سنّة لحديث عمر
رضي الله عنه فإنه قال: سن لكم الركب نقيس عليه هيئات سائر الأفعال.
وأما الحديث فتأويله أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمكان يقول ذلك عمد
السنن أن القراءة مشروعة في الظهر والعصر، ومع العمد لا يجب سجود السهو
عندنا في ظاهر رواية «الأصل» سوى بين الجهر والمخافتة، فقال: إذا جهر فيما
يخافت أو خافت فيما يجهر فعليه سجود السهو من غير تفضيل، وذكر في «النوادر»
: أنه إن جهر فيما يخافت فلعليه السهو قل ذلك أو كثر.
وإن خافت فيما يجهر إن كان ذلك في فاتحة الكتاب أو في أكثرها فعليه السهو
وإلا فلا.
وإن وقع هذا في سورة أخرى إن خافت ثلاث آيات أو آية طويلة عند الكل أو آية
قصيرة عند أبي حنيفة رحمه الله فعليه السهو، وإلا فلا، وهذا لأن حكم الجهر
فيما يخافت غلط من حكم المخافتة فيما يجهر؛ لأن حكم الشرع في ابتداء
الإسلام الجهر في الصلاة كلها الصلاة ثم انتسخ الجهر في البعض دون البعض،
فإذا جهر فيما يخافت فقد عمل بالمنسوخ خف حكمه، ولأن للصلاة بالجهر حظاً من
المخافتة حتى يخافت بالفاتحة في الآخرين.
وكذلك المنفرد يتخير بين الجهر والمخافتة، فأما صلاة المخافتة لا حظ لها من
الجهر والمنفرد لا يتخير فأوجبنا السهو في الجهر قل أو كثر، وشرطنا الكثير
في المخافتة، ففي الفاتحة شرطنا أكثرها؛ لأنها إن كانت قولها على الحقيقة
أقيم مقام الدعاء في الآخرين.
ولو كان دعاء من كل وجه لا يجب عليه السهو بتغيير هيئة، وإذا كان دعاء من
وجه أوجب.... فاكتفي فيها بما يتعلق به جواز الصلاة.
ووجه التسمية على رواية «الأصل» ما ذكرنا أن الجهر على الإمام في صلاة
الجهر واجب، وكذلك المخافتة في صلاة المخافتة واجب عليه، فإن ذلك ترك فقد
ترك الواجب، وقيل ما ذكر في كتاب الصلاة قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن جواز
الصلاة عنده يستوي فيه القليل والكثير.
وذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله فيما إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما
يجهر أنه إذا فعل ذلك مقدار ما تجوز به الصلاة من فاتحة الكتاب أو غيرها
فعليه السهو، وما لا فلا، وأما المنفرد فلا سهو عليه، أما إذا خافت فيما
يجهر؛ لأنه ما ترك واجباً من واجبات الصلاة، لأن الجهر غير واجب عليه،
ولهذا خير بين الجهر والمخافتة.
(1/503)
والتخيير ينافي الوجوب، وكذلك إذا جهر فيما
يخافت لم يترك واجباً عليه؛ لأن المخافتة إنما وجبت لنفي، وإنما يحتاج إلى
هذا في صلاة تؤدى على سبيل الشهرة، والمنفرد يؤدي على سبيل الخفية، وذكر
أبو سليمان في «نوادره» : أن المنفرد إذا نسي حالة في الصلاة حتى ظن أنه
إمام فجهر في صلاته كما يجهر الإمام سجد للسهو؛ لأن الجهر بهذه الصفة سنّة
الإمام دون المنفردين، فإذا جهر كذلك فقد غير نظم القراءة، وها هنا بعدها
سجود السهو.
وكذلك إذا أخر القراءة إلى الآخرين فعليه السجود فاختلف المشايخ في حد
الجهر والمخافتة، قال الشيخ أبو الحسن الكرخي رحمه الله: أدنى الجهر أن
يسمع نفسه، وأقصاه أن يسمع غيره، وأدنى المخافتة تحصل الحروف.
وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن
الفضل البخاري رحمه الله: أدنى الجهر أن يسمع غيره، وأدنى المخافتة أن يسمع
نفسه، وعلى هذا يعتمد، وإذا و...... التشهد وقراءة الفاتحة سهو فلا سهو
عليه، وإذا قرأ الفاتحة مكان التشهد فعليه السهو.
وكذلك إذا قرأ الفاتحة ثم التشهد كان عليه السهو، كذا روي عن أبي حنيفة
رحمه الله في «واقعات الناطفي» رحمه الله، وذكر هناك إذا بدأ في موضع
التشهد بالقراءة ثم تشهد فعليه السهو، ومثله لو بدأ بالتشهد ثم بالقراءة
فلا سهو عليه؛ لأن في الوجه الأول لم يقع التشهد موضعه.
وفي الوجه الثاني وضع التشهد موضعه، وفي غريب الرواية: إذا قرأ قاعداً يعني
في حالة التشهد، فعليه السهو؛ لأن الموضع ليس موضع القراءة.
وكذلك لو قرأ آية في ركوعه أو سجوده، ولو قرأ التشهد قائماً أو راكعاً أو
ساجداً لا سهو عليه، لأن التشهد ثناء، والقيام موضع الثناء والقراءة.
أرأيت لو افتتح فقال: السلام عليك أيها النبي إلى قوله عبده ورسوله، فإنه
يكون بمنزلة الدعاء، ولا سهو عليه.
وعن أبي يوسف رحمه الله: فيمن تشهد قائماً فلا سهو عليه، وإن قرأ في جلوسه
فعليه السهو، أرأيت لو كبّر فقرأ بعد الثناء؛ أشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقال هذا أو نحوه هل يجب عليه سجود السهو
لأنه إن كان في موضع الثناء، فموضع الثناء منه معروف، وإن قرأ في الركعتين
الأخيرتين، فليس عليه سجود السهو؛ لأنه يتخير في الركعتين الآخيرتين.
وأما السهو في القنوت إن ترك القنوت ساهياً ثم يتذكر بعدما يركع أو يسجد
وفي هذه الصورة لا يعود إلى القيام ولا يقنت بل يمضي في صلاته ويسجد للسهو
في آخره.
وكذلك إذا تذكر بعدما قام من الركوع، يمضي أم يقنت، ولو تذكر في الركوع هل
يعود إلى القيام ففيه روايتان، وقد ذكرنا المسألة من قبل.
(1/504)
وأما السهو في تكبيرات العيد فهو بتحصلها
في غير محلها أو بالزيادة (81ب1) فيها أو بالنقصان عنها أو تركها، وفي كل
ذلك يجب سجود السهو، فأما السهو في التشهد بأن نسي حتى قام إلى الثالثة ثم
تذكر وتشهد في القعدة الأخيرة حتى سلم سجد للسهو في ذلك كله، ولو ترك
تكبيرات الركوع والسجود وتسبيحاتهما فلا سهو فيهما.
والقياس في قراءة التشهد وقنوت الوتر وتكبيرات العيد لا سهو عليه؛ لأن هذه
الأذكار سنّة، بتركها لا يتمكن النقصان كما في تكبيرات الركوع والسجود
وتسبيحاتهما استحساناً ذلك في قراءة التشهد، وقنوت الوتر وتشهد الصلاة،
فبتركهما يتمكن النقصان والتغيير في الصلاة فيجب الجبر بسجدتي السهو بخلاف
تكبيرات الركوع والسجود؛ لأنها سنّة لا تضاف إلى جميع الصلاة، وإنما تضاف
إلى ركن فيهما، فبتركهما لا يتمكن النقصان في الصلاة.
وكذلك إذا ترك الاستفتاح لم يسجد لأنها سنّة لا تضاف إلى جميع الصلاة بل
إلى الافتتاح، وإذا شرع في الصلاة على النبي عليه السلام بعد الفراغ من
التشهد في الركعة الثانية ناسياً، ثم تذكر فقام إلى الثالثة.
قال السيد الإمام أبو شجاع والقاضي الإمام الماتريدي؛ غير أن السيد الإمام
قال: إذا قال: اللهم صلِ على محمد وجب، وقال القاضي الإمام: لا يجب ما لم
يقل وعلى آل محمد، وفي أخريات الدخول في الصلاة، ولا يزيد في القعدة الأولى
في التشهد، ولا يصلي على النبي عندنا، ولم يذكر.....، وفي «أمالي» الحسن عن
أبي حنيفة رحمه الله: الصلاة..... عندك أنه يلزمه سجود السهو، وعن أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله: أنه لا يلزمه في «شرح الكافي» للصدر الشهيد رحمه الله،
وكان الشيخ الإمام ظهر الدين المرغيناني رحمة الله عليه يقول: لا يجب سجود
السهو بقوله: اللهم صلِ على محمد ونحوه إنما المعتبر مقدار ما يؤدي فيه
ركناً.
وفي «واقعات الناطفي» : إذا زاد في التشهد الأول حرفاً قال أبو حنيفة رحمه
الله: وجب سجود السهو.
وفي غريب الرواية ذكر الشعبي أن من زاد في الركعتين على التشهد فعليه
السهو، قال ابن مقاتل رحمه الله: ذكرت ذلك لابن زياد رحمه الله قال: هو في
قول أبي رحمة الله عليه، قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: بلغني عن أبي قاسم
الصفار رحمه الله: أنه لا سهو عليه في هذا، وإذا تشهد مرتين فلا سهو عليه.
قيل: أراد به في القعدة الأخيرة وفي صلاة جمع.....: إذا كرر التشهد في
القعدة الأولى فعليه سجود السهو، وإن كررها في القعدة الثانية فلا، ولا
كذلك في سجود السهو في الأفعال بأن قام في موضع القعود، أو قعد في موضع
القيام، أو سجد في موضع الركوع، أو ركع في موضع السجود، أو كرر الركن أو
قدم الركن أو أخره.
(1/505)
ففي هذه الفصول كلها يجب سجود السهو في
القدوري: ومن ترك من صلاته فعلاً وضع فيه ذكر فعليه سجود السهو لما روي أن
النبي عليه السلام قام إلى الثالثة فسبح له ولم يرجع وسجد للسهو، ولأن
الفعل إذا وضع فيه ذكر فذاك أمارة كونه مقصوداً في نفسه فيتمكن بتركه النقص
في صلاته فيجب جبره بسجدتي السهو، وإن كان فعل لم يوضع فيه ذكر وليس فيه
سجود السهو كوضع اليمنى على الشمال وكقومته التي من الركوع والسجود، لأنه
إذا لم يكن فيه ذكر لم يكن مقصوداً في نفسه فلا يجب له السهو؛ لأن السهو
مقصود بنفسه.... الأحكام شيء مقصود، وإن زاد فعلاً من جنس أفعال الصلاة،
فعليه سجود السهو.
والأصل فيه ما روي أن النبي عليه السلام قام إلى الخامسة، فسبح له ورجع
وسجد للسهو، ولأن الزيادة في الصلاة نقصان إذ لا بد وأن يتأخر بسببها شيء
من أفعال الصلاة، وذلك يوجب نقصاً في الصلاة، وإذا قعد المصلي في صلاته قدر
التشهد ثم شك في شيء من صلاته بأن شك أنه صلى ثلاثاً أو أربعاً حتى شغله
ذلك عن التسليم لم أستيقن أنه صلى أربعاً وليتم صلاته فعليه سجدتا السهو؛
لأنه أخر فرضاً من فرائض الصلاة، وهو السلام.
وإن شك في ذلك بعدما سلم تسليمة واحدة، فلا سهو عليه؛ لأنه بالتسليمة
الواحدة خرج على حرمة الصلاة، فإنما وقع الشك بعد الخروج عن الصلاة، فلا
يعتبر لما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وإذا أحدث في صلاته وذهب ليتوضأ فوقع له هذا الشك حتى شغله عن وضوءه؟.....،
فعليه سجدتا السهو، لأن حرمة الصلاة باقية بهذا شك وقع لحرمة الصلاة وقد
أخر واجباً أو ركناً فيلزمه سجود السهو.
نوع آخر في سهو الإمام..... إلى صاحبه
سهو الإمام موجب عليه وعلى من خلفه السجود، أما عليه فظاهر، وأما على من
خلفه لوجهين:
أحدهما: أن السجود إنما وجب على الإمام لجبر نقصان تمكن في صلاته بسبب
السهو وصلاة من خلفه بصلاته صحة وفساداً، وكذا في حق تمكن النقصان.
والثاني: أن القوم مع الإمام فما يجب على الإمام يجب على القوم بحكم
التبعية، ألا ترى أن الإمام لو نوى الإمامة في وسط الصلاة تصير صلاة
المقتدي أربعاً، وإن لم توجد منهم النية، وما كان ذلك إلا بحكم التبعية.
وكذلك إذا تلا الإمام آية السجدة في صلاة يخافت بها وسجد، فعلى القوم أن
(1/506)
يسجدوا وإن لم توجد منهم النية، وما كان
ذلك إلا بطريق التبعية كذا ها هنا وسهو المؤتم لا توجب السجدة، أما على
الإمام فلا، صلاة الإمام غير متعلقة بصلاته صحة وفساداً، فكذا في حق تمكن
النقصان، ولأنه ليس يتبع للمؤتم ليلزمه السجدة بحكم التبعية، وأما على
المؤتم؛ لأنه لو وجب عليه السجدة صار مخالفاً لإمامه، وقد قال عليه السلام:
«فلا تختلفوا عليه» ولو ترك الإمام سجود السهو فلا سهو على المأموم؛ لأنه
إنما وجب الأداء على المقتدي بحكم التبعية، فلا يمكنه الأداء منفرداً.
نوع آخر
فيمن صلى الظهر خمساً وفيه السهو عن القعدة
رجل صلى الظهر خمساً وقعد في الرابعة قدر التشهد يضيف إليها ركعة أخرى،
ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهود، ويتشهد ويسلم ثانياً، لم يرد محمد رحمه
الله بقوله؛ صلى الظهر خمساً الظهر على وجه الحقيقة لأن الظهر لا يكون
خمساً وإنما أراد به المجاز كما يقال؛ صلى فلان بغير طهارة؛ لأن الظهر لا
يكون خمساً، والصلاة بغير (طهارة) لا تكون صلاة على الحقيقة، وإنما يراد به
المجاز، وإنما وضع محمد رحمه الله المسألة في الظهر وإن كان الجواب لا
يختلف بين الظهر والعصر والعشاء؛ لأن هذه واقعة رسول الله صلى الله عليه
وسلّمثم هذه المسألة على وجهين:
إما إن قعد في الرابعة قدر التشهد أو لم يفعل، وبدأ محمد رحمه الله بما إذا
قعد قدر التشهد في الرابعة، ثم قام إلى الخامسة وإنه على وجهين:
إن تذكر قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة أنها الخامسة عاد إلى القعدة وسلم
ليكون خروجه من الفرض بالسلام، فإصابة لفظ السلام عندنا واجب (82أ1) لم يكن
فرضاً ولا يسلم قائماً كما هو؛ لأن السلام حالة القيام في الصلاة المطلقة
غير مشروع، وبعد ذلك، أو سلم لا تفسد صلاته، وإن تذكر بعدما قيد الخامسة
بالسجدة لا يعود إلى القعدة، ولا يسلم بل يضيف إليها ركعة أخرى بخلاف ما
إذا لم يقيد الخامسة بالسجدة حيث يعود إلى القعدة؛ لأن ما دون الركعة ليس
له حكم الصلاة، فلم يستحكم خروجه من الفرض فيعود إلى القعدة ليكون الخروح
عن القعدة بالسلام، فأما الركعة فهي صلاة حقيقة وحكماً فيستحكم خروجه عن
الفريضة بها، فلا يعود إلى القعدة، ألا ترى أن المسبوق إذا قام إلى قضاء ما
سبق، ثم عاد الإمام إلى سجود السهو قبل أن يعيد المسبوق الركعة بالسجدة
تابع الإمام فيها.
وإن عاد الإمام إليها بعد ما قيد المسبوق الركعة بالسجدة لا يتابعه فيها،
وإنما يضيفه إلى الخامسة ركعة أخرى، لأنها نفل فيضيف إليها ركعة أخرى حتى
يصير شفعاً، فإن النفل شرع شفعاً لا وتراً ثم لا يحكم بفساد الفرض.
وإن انتقل من الفرض إلى النفل؛ لأنه انتقل بعد تمام الفرض؛ لأن تمام الفرض
بأداء أركانها، ومن أدى جميع الأركان إنما بقي إضافة لفظ السلام، وإنها
عندنا واجب
(1/507)
وليس بركن، وترك الواجب لا يفسد الصلاة.
وقد صح عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال له: «إذا رفعت
رأسك من السجدة الأخيرة، وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك» ثم إن محمداً
رحمه الله ذكر في «الجامع الصغير» : أنها تضاف إليها ركعة أخرى ولم يذكر
أنه على معنى التخيير أو على معنى الاستحباب أو على معنى الإيجاب، وفي
«الأصل» : ما يدل على الوجوب، فإنه قال في.....: عليه أن يضيف، وكلمة على
للإيجاب، وإذا أضاف إليها ركعة أخرى يتشهد ويسلم، ويسجد سجدتي السهو ثم
يتشهد ويسلم، وإنما وجب سجدتا السهو، لأنه ترك لفظة السلام وإصابة لفظ
السلام عندنا واجب حتى إذا شك في صلاته، فسلم يدر أصلى ثلاثاً أو أربعاً،
فشغله تفكره حتى آخر السلام لزمه سجود السهو، والضمان إنما يجب بتأخر
الواجب، فقد ترك واجباً من واجبات الصلاة، فيلزمه سجود السهو، هذا جواب
الاستحسان، والقياس أن لا يلزمه سجود السهو.
وجه القياس: أن هذا سهو وقع في الفرض وقد انتقل منه إلى النفل، ومن سها في
صلاة لا يجب عليه أن يسجد في صلاة أخرى.
وجه الاستحسان: أنه انتقل إلى النفل إلى الفرض؛ إلا أن النفل بناءً على
التحريمة الأولى، فيجعل في حق وجوب السهو كأنها صلاة واحدة، هذا كما صلى ست
ركعات تطوعاً بتسليمة واحدة فقد سها في الشفع الأول، فسجد للسهو في آخر
الصلاة، وإن كان كل شفع في التطوع كصلاة على حدة لهذا إن الشفع الثاني
والثالث كله بناءً على التحريمة الأولى، فيجعل في حق السهو كأنه صلاة واحدة
كذلك في هذا قالوا.
وهذا القياس والاستحسان بناءً على مسألة أخرى، وهو أن المسبوق إذا انتقل
بقضاء ما فاته ولم يتابع الإمام في سجود السهو، هل يسجد في آخر الصلاة أو
لا يسجد؟ ولأن السهو وقع في صلاة الإمام وهو انتقل إلى صلاة أخرى.
وفي الاستحسان: يجب، لأن صلاته بناءً على صلاة الإمام، فيجعل كأنها صلاة
واحدة في حق وجوب السهو، كذلك في هذا قبل هذا القياس، والاستحسان على قول
محمد رحمه الله؛ لأن عنده سجود السهو في هذه المسألة وجب لنقصان تمكن في
الفرض بترك السلام.
وجه القياس: أن السهو في صلاة والسجدة في صلاة أخرى، أما على قول أبي يوسف
رحمه الله: سجود السهو في هذه المسألة إنما تجب لنقصان تمكن في النفل حيث
شرع فيها من غير تحريمة مبتدأة، والشرع جعل الشروع في الصلاة بالتحريمة،
فيكون السهو والسجدة في صلاة واحدة، فتجب السجدة قياساً واستحساناً، ثم إذا
أضاف إليها ركعة أخرى فيها، فهاتان الركعتان هل تنوبان عن التطوع المسنون
بعد الظهر؟ لم يذكر
(1/508)
محمد رحمه الله هذا الفصل في «الأصل» ، وقد
اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: ينوبان، قيل: هذا قولهما، وبعضهم قالوا؛
لا ينوبان، وقيل: هذا قول أبي حنيفة رحمه الله: وهو الصحيح.
واختلفت عبارة المشايخ في تخريج المسألة على مذهب أبي حنيفة رحمة الله
عليه، بعضهم قالوا: لأن المشروع صلاة كاملة على صفة السنّة، فلا تتأدى
بالناقص، وفي هذا نقصان؛ لأنه شرع فيها من غير تحريمة مقصودة، وقال بعضهم:
لأن السنّة عبارة عن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلّم ولا يظن برسول الله
صلى الله عليه وسلّمأنه يصلي بركعتين من غير قصد و...... إنه لم يضف إلى
الخامسة ركعة أخرى وأفسدها فليس عليه قضاء شيء عندنا، خلافاً لزفر رحمه
الله بناءً على أن من شرع في التطوع على ظن الفرض ثم تبين أنه لم يكن عليه
شيء يبقى في نفل غير لازم عندنا.
المحيط البرهانى
وعند زفر رحمة الله عليه: يبقى في نفل لازم، وكذلك في الصوم، وأجمعوا على
أنه لو شرع في الحج على ظن أنه عليه، ثم تبين أنه ليس عليه يبقى في إحرام
لازم.
وكذلك من تصدق على فقير على ظن أنه عليه الزكاة ثم تبين أنه لم يكن عليه
شيء تبقى الصدقة ماضية بصفة اللزوم لا يتمكن من استردادها بحال، المسألة
معروفة في المختلف.
قال: جاء إنسان واقتدى به في هاتين الركعتين وجب عليه أن يصلي ست ركعات عند
محمد رحمه الله، وعند أبي يوسف يجب عليه ركعتان بناءً على أن إحرام الفرض
انقطع عند أبي يوسف لما انتقل إلى النفل؛ إذ لا يتصور كونه في أخراهن، فمن
ضرورة انتقاله إلى النفل انقطاع الفرض.
وعند محمد رحمه الله: إحرام الظهر باقٍ؛ لأن إحرام الفرض كان مشتملاً على
أصل الصلاة، ووصف الفريضة والانتقال إلى النفل موجب انقطاع الوصف دون
الأصل، وقول محمد رحمه الله أقيس، فإن كان المبتدي قضاء ركعتين ذكر
الاختلاف في «النوادر» محمدٌ رحمه الله كما لا قضاء على الإمام لو أفسدها.
وعند أبي يوسف رحمه الله: يجب على المقتدي قضاء ركعتين، ذكر الاختلاف في
«النوادر» محمد رحمه الله: يقول: هذه الصلاة غير مضمونة على الإمام، فلا
يكون مضمونة على المقتدي، لأن المقتدي مع الإمام، والتبع لا يخالف الأصل،
ولأنها لو كانت مضمونة على المقتدي وحتى غير مضمونة على الإمام يكون هذا
مفترضاً خلف المتنفل، وذا لا يجوز.
ولأبي يوسف رحمه الله: أن النفل مضمون الأصل؛ لأنه قربة يجب صيانتها عن
الإبطال، وإنما سقط الضمان على الإمام بعارض يخصه، وهو أنه شرع فيه (82ب1)
على عزم الإسقاط لا على عزم التطوع، هذا المعنى يحصل بسقط بإسقاط الضمان
على
(1/509)
الإمام، فبقي مضموناً على الإمام في حق
المقتدي، وكل جواب عرف في الظهر فهو الجواب في العشاء؛ لأن المعنى لا
يتفات، ولم يذكر محمد رحمه الله العصر في «الأصل» وقد اختلف المشايخ فيه.
قال بعضهم: يقطع، ولا يضيف إلى لخامسة ركعة أخرى؛ لأن التنفل بعد العصر
مكروه، وإلى هذا أشار محمد رحمة الله عليه «زيادات الزيادات» ، فإنه قال:
فيمن شرع في العصر على ظن أنه عليه ثم تبين أنه أداها قال: يقطعها، وبعضهم
قالوا: يضيف إليها ركعة أخرى، وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة، وهشام عن محمد
رحمهم الله؛ لأن المكروه يقتدي بالتطوع إما أن يصير ساهياً فيه فلا.
ألا ترى أن من صلى العصر ثم وجد جماعة يصلون العصر فشرع معهم وقد كان يسيء
صلاة نفسه، ثم تذكر أنه قد صلاها فإنه يمضي فيها، ولا يقطع كذا ها هنا.
ونظير هذا ما قلنا: إن التطوع يوم الجمعة بعد خروج الإمام مكروه.
ثم لو افتتح رجل التطوع قبل خروج الإمام بعدما صلى ركعة لا يقطعها بل يتمها
ركعتين أو أربعاً على حسب ما اختلفوا؛ لأن المكروه أن يبتدىء بالتطوع قبل
خروج الإمام إما أن يصير شارعاً فيه فلا، هذا إذا قعد في الرابعة قدر
التشهد ثم قام إلى الخامسة ساهياً، أما إذا لم يفعل على رأس الرابعة حتى
قام إلى الخامسة ساهياً إن تذكر قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة عاد إلى
القعدة؛ لأن في الفصل الأول يوفر بالعود لإصابة لفظة السلام مع أن للصلاة
جوازاً بدونها، فلأن يؤمر ها هنا بالعود ولا جواز للصلاة بدون الفعل كان
أولى، وإن قيد الخامسة بالسجدة فسد ظهره عندنا، خلافاً للشافعي رحمه الله
بناء على أن عنده الركعة وما دونها في احتمال الرفض سواء، وعندنا دون
الركعة يحتمل الرفض، والركعة لا تحتمل الرفض.I
ووجه الفساد عندنا: أنه ترك العودة الأخيرة والعودة الأخيرة فرض، فقد ترك
فرضاً من فرائض صلاته، فيفسد فرضه هذا.
ثم اختلف أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: فيما بينهما في وقت فساد ظهره، قال
أبي يوسف رحمه الله: لا تفسد صلاته حتى يرفع رأسه من السجود، ففرض السجود
عند أبي يوسف رحمه الله يتأدى بوضع الرأس، وعند محمد رحمه الله: بالوضع
والرفع.
وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا أحدث في هذه السجدة عند أبي يوسف رحمة الله
عليه: لا يمكنه إصلاحها، وعند محمد رحمه الله: يمكن إصلاحها، فيذهب ويتوضأ.
وجه قول أبي يوسف: أن السجدة هو الإنحناء والانخفاض، وذلك، يحصل بمجرد
الوضع.
وجه قول محمد رحمه الله: أن تمام كل شيء بآخره، وآخر السجدة الرفع، ألا ترى
أنه لو سجد قبل الإمام ثم أدركه الإمام في آخرها يجزئه، ولو تمت السجدة
بوضع الرأس لا يجزئه؛ لأن كل ركن أدي قبل الإمام لا يعتد به.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : عقيب هذه المسألة؛ وأحب إليّ أن يشفع
الخامسة
(1/510)
بركعة فيضيف إليها ركعة أخرى، ثم يسلم
ويستقبل الظهر، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
أما قول محمد رحمه الله: لا يضيف إليها ركعة أخرى بناءً على أن عند أبي
حنيفة رحمه الله: أن تطلب صفة الفرضية ها هنا لم تعطل أصل الصلاة، فيضيف
إليها ركعة أخرى يصير متنفلاً بست ركعات، وعند محمد رحمة الله عليه: بطل
أصل الصلاة ها هنا لأصلين مختلفين:
أحدهما: أن من أصل محمد رحمه الله: أن كل فرض فسد بسبب من الأسباب يبطل
التحريمة أصلاً؛ لأن للصلاة جهة واحدة عنده، فإذا فسدت صفة الفريضة بطل أصل
الصلاة.
والثاني: أن صلاته لو لم تفسد أصلاً ها هنا تصير تطوعاً، وترك القعدة على
رأس الركعتين في التطوع تفسد الصلاة عنده، فإذا لم يقعد على رأس الرابعة
تبطل صلاته أصلاً، وإذا بطلت صلاته لا يضيف إلى الخامسة ركعة أخرى.
وعندهما: ترك القعدة على رأس الركعتين في التطوع لا يبطل الصلاة، وإذا بطل
صفة الفريضة بسبب من الأسباب لا تبطل؛ لأن الفرضية صفة زائد على أصل
الصلاة، فبطلان التحريمة في حق صفة الفريضة لا توجب بطلان التحريمة في حق
أصل الصلاة، وإذا تعينت التحريمة في أصل الصلاة عندهما يضيف إليها ركعة حتى
يصير متنفلاً بست ركعات؛ لأن النفل شرع شفعاً لا وتراً.
وإذا بقي أصل الصلاة عندهما لو جاء إنسان واقتدى به في هذه الصلاة صح
اقتداؤه، فإن قطعها الإمام على نفسه، فلا شيء عليه؛ لأنه شرع في تطوع مظنون
لا يوجب اللزوم كما في الصوم.
ولو قطعها المقتدي على نفسه يلزمه قضاء ست ركعات عند أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمة الله عليهما.
فرق أبو يوسف بين هذا الفصل وبين الفصل الأول، وهو ما إذا قعد قدر التشهد
في الرابعة فإن هناك قال يقضي ركعتين، وها هنا قال: يقضي ست ركعات، بعض
مشايخنا رحمهم الله لم يشتغلوا بالفرق.
وقالوا: الفرق في غاية الإشكال، وبعضهم اشتغلوا قالوا بأن هناك لما قعد قدر
التشهد فقد تم فرضه فيصير شارعاً في النفل، ومن ضرورة شروعه في النفل خروجه
عن الفرض، فإذا اقتدى به إنسان قائماً التزم ركعتين لا غير، فلا يلزمه
بالإفساد إلا قضاء ركعتين، وههنا لم يتم الفرض حتى يصير شارعاً في النفل
ويخرج عن الفرض ضرورة شروعه في النفل بل بترك القعدة بطلت الفرضية أصلاً
وانعقد إخراجه في الابتداء لست ركعات، فإذا اقتدى به إنسان قائماً اقتدى به
في تحريمة انعقدت الست، فيصير ملتزماً الست، فيلزمه بالإفساد قضاء الست.
والجواب هنا في العشاء مثل الجواب في الظهر كما في الفصل الأول، وكذلك
(1/511)
الجواب في العصر هنا مثل الجواب في الظهر
والعشاء بغير خلاف، وفي الفصل خلاف؛ لأن ها هنا لما بطلت الفرضية صار
متنفلاً قبل العصر، والتنفل قبل العصر غير مكروه، وفي الفصل الأول الفرض قد
تم فيصير متنفلاً بعد العصر، والتنفل بعد العصر مكروه، باقي الخلاف على نحو
ما بينا، ولو كان هذا في صلاة الفجر، فإن قام إلى الثالثة وقيدها بالسجدة
إن كان قعد على رأس الثانية قدر التشهد فقد تمت صلاة الفجر فيقطع صلاته،
ولا يضيف إلى الثالثة ركعة أخرى عند بعض المشايخ، وهو رواية هشام عن محمد،
ورواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهم الله (83أ1) ولا يضيف إليها ركعة عند بعض
المشايخ؛ لأنه يصير متنفلاً قبل الفجر، والتنفل قبل الفجر مكروه كالتنفل
بعد الفجر عند بعض المشايخ، وهو رواية هشام عن محمد رحمة الله عليهما،
ورواية الحسن عن أبي (حنيفة) رحمة الله عليهما: لا يقطع، ويضيف إليه ركعة
أخرى؛ لأنه وقع في النفل؛ لأنه قصد.
ثم إن محمداً رحمة الله عليه في هذه المسائل: إذا قعد قدر التشهد ولم يبين
مقدار التشهد، وقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: هو مقدر بالشهادتين، وقال
بعضهم: هو مقدر بالتشهد إلى آخره، وهو الأظهر والأصوب.
نوع آخر في الرجل يسلِّم وعليه سجود السهو، فجاء رجل واقتدى به
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : عن أبي حنيفة رحمه الله في رجل
يسلم وعليه سجدتا السهو ورجل وصل في صلاته بعد التسليم فإن سجد الإمام كان
داخلاً وإلا لم يكن، وقال محمد رحمه الله: هو داخل سجد الإمام أو لم يسجد،
وأصله أن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة أصلاً عند محمد رحمه
الله، وعندهما يخرجه خروجاً موقوفاً إن عاد إلى سجود السهو ينبىء أنه لم
يخرجه، وإن لم يعد ينبىء أنه أخرجه، ويتولد من هذا الأصل ثلاث مسائل:
إحداهما: مسألة «الكتاب» : فإن عند محمد رحمه الله صح الاقتداء على سبيل
النيات، وعندهما وُقِف.
والثانية: إذا ضحك قهقهة في هذه الحالة عند محمد رحمه الله: عليه الوضوء
لصلاة أخرى خلافاً لهما.
الثالثة: إذا نوى المسافر الإقامة في هذه الحالة تحول فريضته أربعاً عند
محمد خلافاً لهما.
محمد رحمه الله يقول: المقصود من سجود السهو جبر نقصان تمكن في الصلاة،
وإنما ينجبر النقصان المتمكن في الصلاة بسجود السهو إذا كان حرمة الصلاة
قائمة؛ لأن القائم يجبر، أما المقضي؛ فلا يمكن جبره فيتأخر حكم السلام إلى
سجود السهو، وأحكام الأسباب قد تتراضى عنها الحاجة.
ولهما: أن هذا سلام عامد، فيوجب خروجه عن حرمة الصلاة؛ وهذا لأن السلام
(1/512)
محلل شرعاً، قال عليه السلام: «وتحليلها
السلام» والمحلل من وجه يجب أن يقيد حكمه بالحاجة، وهو التحلل لو لم يعمل؛
إنما لا يعمل لحاجته إلى أداء سجود السهو، والثابت بالحاجة يقدر بقدر
الحاجة، فإن عاد إلى سجدتي السهو جاءت الحاجة، فتعتبر الحرمة باقية وإن لم
يعد إلى سجدتي السهو لم توجد الحاجة، فيعمل المحلل عمله من حيث وجوده، ثم
إذا سجد الإمام حتى صار الرجل داخلاً في صلاته بالإجماع سجد هذا الرجل معه؛
لأن المسبوق يتابع الإمام فيما يدركه فيه، فإن سجد مع الإمام ثم قام يقضي
لم يكن عليه أن يعيد السهو وإن كان ذلك السهو وسط الصلاة، ومحله آخر
الصلاة؛ لأن هذا آخر صلاته حكماً، فإنه آخر صلاة الإمام حقيقة، فتكون آخر
صلاته كأنما تحقق للمتابعة، فإن سها الرجل فيما يقضي فعليه أن يسجد السهو
وسجوده الأول مع الإمام لا يجزئه عن سهوه؛ لأن المسبوق فيما يقضي منفرد،
والسجود مع الإمام لا يقع عن السهو في صلاته.
نوع آخر في بيان ما يمنع الإتيان بسجود السهو
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : وإذا سلم يريد به قطع الصلاة،
وعليه سجود السهو فعليه أن يسجد السهو، وبطلت من القطع عندهم جميعاً، أما
عند محمد رحمه الله؛ فلأن هذا لم يشرع محللاً للحال، فلا يصير محللاً
لقصده؛ إذ ليس للعبد تغيير المشروع.
وعندهما: هذا السلام اعتبر محللاً على سبيل التوقف، فمتى قصد أن يجعلها
محللاً على سبيل الثبات، فقد قصد تغيير الشروع، فيرد عليه قصده.
فقد ذكر في «الجامع الصغير» : مطلقاً أنه يسجد للسهو، وذكر هذه المسألة في
«الأصل» ، وشَرَطَ لأداء الصحة شرطاً زائداً، فقال: إذا سلم وهو لا يريد أن
يسجد لسهوه لم يكن تسليمه ذلك قطعاً، حتى لو بدا أن يسجد له وهو في مجلسه
قبل أن يقوم وقبل أن يتكلم، فإنه يسجد سجدتي السهو، فقد شرط لأداء سجدتي
السهو شرطاً زائداً، وهو أن لا يتكلم، ولا يقوم عن مجلسه ذلك، فهذا إشارة
إلى أنه متى قام عن مجلسه واستدبر القبلة أنه لا يأتي بسجدتي السهو، وإن
كان لم يخرج عن المسجد.
وذكر في «الأصل» : بعد هذه المسألة بمسائل أنه يأتي بهما قبل أن يتكلم
ويخرج من المسجد وإن مشى وانحرف عن القبلة، وبه قال بعض المشايخ.
وأشار محمد رحمه الله في مسألة أخرى إلى ما يدل على هذا، فإنه قال: إذا سلم
الرجل عن يمينه وسها عن التسليمة الأخرى، فما دام في المسجد يأتي بالأخرى
وإن استدبر القبلة، وعامة المشايخ على أنه لا يأتي بها متى استدبر القبلة؛
لأنه انحرف عن القبلة من غير عذر، ومثل هذا الانحراف يخرجه عن حرمة الصلاة.
(1/513)
كما لو انحرف عن القبلة على ظن أنه لم يمسح
رأسه، ثم تذكر أنه كان قد مسح رأسه وهو في المسجد بعد، فإنه يستقبل الصلاة،
وإن تكلم أو خرج من المسجد لا يأتي بهما؛ لأنه خرج عن حرمة الصلاة على
الثبات وبقاء حرمة الصلاة شرط لأدائهما، ولا تفسد صلاته؛ لأن سجود السهو
ليس بركن، بل هو واجبة، وترك الواجب لا يوجب فساد الصلاة، وإن كان في مكانه
ذلك فبدا له أن يسجد وفي القوم من تكلم أو خرج من المسجد ومنهم من لم يتكلم
ولم يخرج من المسجد فعلى من لم يتكلم أن يتابعه فيهما، ولا شيء على من
تكلم؛ لأن الذي تكلم أو خرج من المسجد خرج عن حرمة الصلاة بعد أداء أركانها
والفراغ منها، فلا شيء عليه، والذي لم يتكلم وهو في مكانه بعد لم يخرج عن
حرمة الصلاة، فيلزمه المتابعة، فإن كان من نيته حتى سلم أن يسجد السهو فلم
يسجد حتى تكلم أو خرح من المسجد فقد قطع صلاته، فلا شيء عليه، وإن لم يتكلم
ولم يخرج من المسجد وكان في مجلسه ذلك حتى تذكر عليه أن السهو، فإنه
يسجدهما.
نوع آخر في سلام السهو
إذا سلم في الظهر على رأس الركعتين ساهياً مضى على صلاته؛ لأن هذا سلام
السهو، وسلام السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة، ويسجد للسهو؛ لأنه أخر ركناً
من أركان الصلاة عن وقته، وقوله مضى على صلاته استحسان.
والقياس وهو: أن سلام الساهي ككلامه، ولو تكلم ساهياً فسدت صلاته، فكذلك
إذا سلم ناسياً يدل عليه أن سلام العامد جعل ككلامه وإن وجد في غير موضع
السلام فكذلك سلام الناسي وجب أن يجعل ككلامه.
وجه الاستحسان وهو: أن النبي عليه السلام سلم على رأس الركعتين من الظهر
ساهياً ثم قام فأتم صلاته، ولأن السلام ليس بكلام محض، وإنما هو كلام يشبه
معنى الذكر، وإنه ما يجزىء في السجدة، ولو كان كلاماً محضاً لم يصلح في
الصلاة، فثبت أنه يشبه الذكر من وجه، ويشبه الكلام من وجه، فيعطى له حظاً
منهما، ففي حالة النسيان عيّنّا جهة الذكر ولم تفسد صلاته، وفي حالة العمد
عيّنّا جهة الكلام وأفسدنا صلاته، ويجوز أن يكون الكلام واحداً ويختلف
الحكم بالقصد.
ألا ترى أن الجنب إذا قال: الحمد لله رب العالمين، وأراد به الشكر جاز له
ذلك من غير كراهة، وإن أراد به تلاوة القرآن كره له ذلك، فاختلف الجواب
لاختلاف القصد وإن كان الكلام واحداً كذا ها هنا.
ثم السهو عن التسليمة؛ لا يخلو التسليم عن أحد الوجهين:
إما إن وقع في أصل الصلاة أو في وصفها، إن وقع في أصل الصلاة يوجب فساد
الصلاة، وإن وقع في وصف الصلاة لا يوجب فساد الصلاة.
بيان الأول: إذا سلم في الركعتين (83ب1) على ظن أنه في صلاة الفجر أو في
(1/514)
الجمعة أو في السفر، فإنه تفسد صلاته؛ لأن
في زعمه أن عليه التسليم على رأس الركعتين، وهذا رأس الركعتين، فهذا في
التسليم وقع في أصل الصلاة، وكان هذا سلام عمد في أصل وسط الصلاة، فيوجب
فساد الصلاة ولا يوجب سجود السهو.
وبيان الثاني: إذا سلم على رأس الركعتين على ظن أنها رابعة لا تفسد صلاته؛
لأن في زعمه أن الواجب عليه التسليم على رأس الرابعة، وفي زعمه أنه أتمها
أربعاً، فإذا ظهر أنه لم يتم لكون هذا سهواً وقع في وصف الصلاة، لأن تمام
الشيء وصفه، وكان هذا سلام الساهي فلا تفسد صلاته، فعليه أن يقوم ويصلي
ركعتين ويسجد سجدتي السهو؛ لأنه آخر ركنه.
ومما يتصل بهذا الفصل
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا سلم ساهياً وعليه سجدة، فهذه المسألة
لا تخلو إما أن يكون عليه سجدة تلاوة أو سجدة صلبية أو سجدة سهو، وأياً ما
كان، فإنه يأتي بها؛ لأنه في حرمة الصلاة بعد؛ لأن سلام الساهي لا يجزئه عن
حرمة الصلاة، وإذا لم يخرجه عن حرمة الصلاة صار وجود هذا السلام والعدم
بمنزلة، ولو لم يوجد السلام أليس إنه يأتي بها، كذا ها هنا، وإذا أتى بها
بعد ترتفض القعدة، فإن كانت سجدة تلاوة أو سجدة صلبية ترتفض القعدة؛ لأن
القعدة شرعت بعدهما والإتيان بهما يوجب في رفض القعدة ضرورة، ثم هذا
الإشكال في السجدة الصلبية؛ لأن الصلبية ركن، والقعدة الأخيرة فرض، ورفض
السنن قبله جائز كما في الجمعة مع الظهر، فإنه يجوز رفض الظهر بالجمعة؛
لأنه فرض مثل الظهر، وإنما الإشكال في سجدة التلاوة؛ لأن سجدة التلاوة
واجبة، والقعدة الأخيرة فرض، ولا يجوز رفض الفرض بالواجب كما لو تذكر
القنوت في الركوع، فإنه لا يعود، لأنه متى عاد صار قضاء الركوع بالواجب،
فلا يجوز وقد فقد ها هنا وجهه؛ لأن القعدة الأخيرة وإن كانت فرضاً إلا أنه
لم يتم ما لم يخرج عن الصلاة؛ لأن القعدة ما شرعت بعينها وإنما شرعت
للخروج، فإن الخروج عن الصلاة لا يصح بدون القعدة فما لم يوجد ما هو
المقصود من القعدة، فإنها لا تتم، وإذا لم يتم حقيقة جاز رفضها بالتلاوة،
لأن رفض الفرض قبل التمام لمكان الواجب جائز، كمن شرع في الظهر، فصلى ركعة
أو ركعتين ثم أقيمت الصلاة، فإنه يتركها ويشرع مع الإمام في الجماعة ليدرك
فضيلة الجماعة، والجماعة سنّة، فلما جاز رفض الفرض قبل التمام لمكان
السنّة، فلما كان الواجب أولى بخلاف ما لو ترك القعدة الأولى ثم تذكر بعدما
استتم قائماً، فإنه لا يعود؛ لأن القيام مشروع نفسه، فإذا وجد أدنى ما يطلق
عليه اسم القيام تم الركن في نفسه، فلو عاد إلى القعدة يصير رافضاً للركن
بعد التمام لمكان الواجب، وهذا لا يجوز، وكذلك الركوع ركن شرع
لعينه فمتى وجد أدنى ما ينطلق عليه اسم الركوع وهو انحناء الظهر تم الركن
في نفسه لوجود نفسه.
فلو قلنا: إنه يعود إلى القنوت يصير رافضاً للركوع بعد التمام لمكان
الواجب، وإنه
(1/515)
لا يجوز، فلا يعد في إحدى الروايتين حتى لو
تذكر قبل أن تم انحناء..... بأنه يعود إلى القنوت باتفاق الروايات.
وكذلك إذا تذكر..... قبل أن يستتم قائماً، فإنه يعود إلى القعدة على ما
يأتي بيانه إن شاء الله.
فإن قيل: هذا يشكل بما لو تذكر السورة في حالة الركوع فإنه يعود إلى السورة
ويرتفض الركوع، وقراءة السورة واجبة والركوع ركن، بينا قراءة السورة واجبة
قبل أن يقرأها، فأما متى عاد إليها تصير فرضاً كما لو قرأ الفاتحة والسورة
قبل أن يركع؛ لأنه ليس أحدهما بأن يجعل فرضاً بأولى من الآخر، فيجعل الكل
فرضاً، فإذا عاد إليها يصير فرضاً، فلو ارتفض الركوع إنما يرتفض بفرض مثله،
فإنه جائز بخلاف القنوت والقعدة الأولى؛ لأنه وإن عاد إليهما لا يصيران
فرضاً بل يكونان واجباً، فإن قعد لو تذكر سجدة التلاوة في حالة الركوع يعود
إليها، وإن صار تاركاً الفرض لمكان الواجب، فإن سجدة التلاوة واجبة،
والركوع ركن.
قلنا: يعود إليها، ولكن لا يرتفض الركوع، بل يبقى الركوع معتبراً بعد العود
حتى لو لم يعد الركوع ثانياً تجزئة صلاته، فدل أنه لا يصير رافضاً الركوع
بالعود إلى التلاوة، وإنما يصير تاركاً الفرض، وترك الفرض لمكان الواجب
جائز، كما لو قرأ في حالة القيام سجدة التلاوة، فإنه يأتي بها وإن صار
تاركاً للفرض كذا هنا.
ورأيت في موضع آخر أن في ارتفاض القعدة بالعودة إلى سجدة التلاوة..... في
رواية، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: لا ترتفض، وإن كان عليه
سجدة سجود فعاد إليها يرتفض السلام ولا ترتفض القعدة؛ لأن محله بعد الفراغ
من القعدة والسلام إلا أن ارتفاع السلام به للضرورة حتى يكون مؤدياً في
حرمة الصلاة، ولا ضرورة إلى ارتفاع القعدة به، حتى لو تكلم بعد ما سجد قبل
أن يقعد فصلاته تامة.
وإذا سها عن قراءة التشهد في القعدة الأخيرة حتى سلم ثم تذكر، فإنه يعود
إلى قراءة التشهد؛ لأنه ترك واجباً وقد أمكنه التدارك؛ لأن سلام السهو لا
يخرج عن حرمة الصلاة، فقد أدرك الواجب في محله فيأتي به، وإذا عاد إلى
قراءة التشهد هل ترتفض القعدة؟ حتى لو تكلم قبل أن يقعد بعدها هل تفسد
صلاته؟
ذكر الشيخ الإمام شيخ الأئمة الحلواني، والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي
رحمهما الله في شرح كتاب الصلاة: أنه ترتفض القعدة كما ترتفض إذا عاد إلى
سجدة التلاوة والصلبية، وذكر الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل
البخاري رحمة الله عليه في «فتاويه» : أنه لا ترتفض القعدة، قال إلى أن
ترتفض قال: فإن قراءة التشهد واجبة ومحلها قبل الفراغ من القعدة، فالعود
إليها يرفع القعدة كما يعود إلى الصلبية، وسجدة التلاوة، ومن قال: فإنه لا
ترتفض يقول في سجدة التلاوة والصلبية: إنما ارتفضت القعدة
(1/516)
بالعود إليها؛ لأنه عاد إلى بين موضعه قبل
القعدة، فيصير رافضاً للقعدة، هذا المعنى لا يتأتّى هنا؛ لأن محل التشهد
القعدة فبالعود إليه لا يصير رافضاً للقعدة.
وذكر في «النوادر» : أن من نسي التشهد حتى يسلم ثم تذكر، فجعل يقرؤه، فلما
قرأه بعضه ندم فسلم قبل تمامه.
قال أبو يوسف رحمه الله: تفسد صلاته؛ لأن القعدة الأولى قد ارتفضت بعوده
إلى قراءة التشهد وقد سلم قبل تمام القعدة الثانية، فتفسد صلاته.
وقال محمد رحمه الله: لا تفسد صلاته؛ لأن قدر ما قرأ من التشهد يرتفض من
القعدة الأولى فأما ما ورده لا يرتفض، فإنما سلم عن قعود تام فتجزيه صلاته.
قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: ولهذا نظير اختلف فيه
المتأخرون، ولا رواية فيه، وهو أنه إذا نسي الفاتحة أو السورة حتى ركع ثم
تذكر في ركوعه فانتصب قائماً ليقرأ ثم ندم قبل القراءة، فسجد ولم يعد
للركوع منهم من قال: تفسد صلاته؛ لأنه قد ارتفض ركوعه حتى انتصب ليقرأ،
ومنهم من قال: لا تفسد صلاته (84أ1) ..... لا يرتفض، لأن عليه فرضي قيام
وقراءة، فما لم يأت بهم جميعاً لا ينتقض ركوعه.
قال شمس الأئمة هذا رحمه الله، وذكر في «النوادر» أنه إذا تلا آية السجدة
بعدها قدر التشهد فإنه يسجد لها ويعيد القعدة، والقعدة الأولى ترتفض
بسجوده، حتى إنه لو سجد لها ولم يعد القعدة فسدت صلاته، لأنه سلم قبل سجدة
قال رحمه الله: ومن أصحابنا رحمهم الله من لم يأخذ بهذه الرواية، وقال: ها
هنا لا ترتفض القعدة وإنما ترتفض في سجدة سبق القعدة وجوبها، وإذا.....
وعليه سجدة فقط قطع صلاته بسلامه، ثم ينظر إن كان المتروك سجدة صلبية فعليه
إعادة الصلاة؛ لأنها ركن، وترك الركن يفسد الصلاة..... كان المتروك سجدة
تلاوة فليس عليه إعادة الصلاة، وكذلك إذا كان المتروك قراءة التشهد؛ لأن
قراءة التشهد واجبة، وترك الواجب لا يوجب..... الفساد.
وفي «الأصل» : إذا سلم في الرابعة ساهياً بعد قعوده مقدار التشهد ولم يقرأ
التشهد، فإن عليه أن يعود إلى قراءة التشهد لما مر، ثم يسلم ويسجد للسهو
ويتشهد ويسلم، ولو سلم وهو ذاكر أنه قعد قدر التشهد لكنه لم يقرأ التشهد،
ثم تذكر أن عليه سجدة التلاوة لا يعود؛ لأنه سلام عمد، وصلاته تامة؛ لأنه
لم يترك ركناً.
وكذلك لو سلم وهو ذاكر أن عليه سجدة التلاوة ثم تذكر أنه لم يتشهد، فإنه لا
يعود إلى التشهد ولا يسجد للتلاوة، وصلاته تامة.
وفي «الأصل» أيضاً: وإذا نهض من الركعتين ساهياً فلم يستتم قائماً حتى ذكر
فقعد فعليه سجود السهو.
(1/517)
معناه: رجل صلى ركعتين من الظهر فقام إلى
الثالثة قبل أن يقعد مقدار التشهد، فإنه ينظر إن استتم قائماً يعني استوى
قائماً ثم تذكر، فإنه يمضي في صلاته ولا يعود إلى القعدة وسجد للسهو، أما
لا يعود لأن القيام ركن والقعدة واجبة أو سنّة، وليس من الصواب ترك الركن
لأجل الواجب أو السنّة، بخلاف القعدة الأخيرة؛ لأن ذلك فرض ورفض الشيء
بمثله جائز.n
... سجود السهو؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الصلاة أو سنّة مضافة إلى جميع
الصلاة فليزمه سجود السهو، وإن لم يستتم قائماً فإنه يعود ويسجد للسهو.
وأصل هذا ما روي عن النبي عليه السلام أنه قام من الثانية إلى الثالثة قبل
أن يقعد فسبحوا له فعاد، وروي أيضاً لم يعد، ولكن سبح...... فقاموا.
ووجه التوفيق بين الحديثين: أن ما روي أنه عاد كان لم يستتم قائماً، وما
روي أنه لم يعد كان بعدما استتم قائماً ويسجد للسهو لأنه بالتحريك للقيام
غير تسليم الصلاة، فيلزمه سجود السهو.
وذكر أبو يوسف رحمه الله في «الأمالي» : أنه إذا تذكر قبل أن يستتم قائماً
إن كان إلى القعود أقرب فإنه يعود ويقعد؛ لأنه كالقاعد من وجه، وإن كان إلى
القيام أقرب لا يعود كما لو استتم قائماً، ولو كان إلى القعود أقرب وعاد
وقعد هل يلزمه سجود؟ حكى الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله أنه
قال: لا يلزمه سجود السهو؛ لأنه إذا كان إلى السجود أقرب فكأنه لم يقم،
وقال غيره: يلزمه سجود السهو؛ لأنه أخر الواجب عن وقته لما اشتغل بالقيام،
فيلزمه سجود السهو، كذا ذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله
قال شمس الأئمة: ومشايخنا رحمهم الله استحسنوا رواية أبي يوسف.
قال: نسي فاتحة الكتاب في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية وقرأ السورة
ثم تذكر فإنه يبدأ فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يقرأ السورة هكذا ذكر في «الأصل»
، وروى الحسن عن أبي يوسف رحمة الله عليهما: أنه يركع ولا يقرأ الفاتحة؛
لأن فيه بعض الفرض بعد التمام لمكان الواجب؛ لأن قراءة السورة وقعت فرضاً،
وقراءة الفاتحة واجبة.
وجه ظاهر الرواية: أن باعتبار الحال هذا بعض الفريضة لأجل الفرض، فإذا قرأ
الفاتحة تصير جميع القراءة فرضاً وصار كما لو تذكر السورة في الركوع فإنه
يرجع إلا أن أبا يوسف رحمه الله: إنما يمنع تلك المسألة على قياس هذه
المسألة.
في «المنتقى» : إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل تشهد في الركعتين من الظهر
ثم تذكر أن عليه سجدة من صلب الصلاة، فسجدها، قال: إن كانت السجدة في
الركعة الأولى لم يعد التشهد، وإن كانت من الركعة الثانية أعاد التشهد من
أي ركعة كانت السجدة.
(1/518)
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف رحمه
الله: رجل صلى ركعة ونسي سجدة منها ثم تذكرها وهو ساجد في الثانية قال: إن
شاء رفض هذه السجدة التي هو فيها وسجد التي هي عليه ثم عاد إلى ما كان فيها
وأربعاً اعتد بها ورفع رأسه منها وسجد التي هي عليه، ثم يمضي في صلاته،
ورواه عن أبي حنيفة، وإن ذكر السجدة وهو راكع في الثانية قال أبو يوسف رحمه
الله: إن شاء اعتد بها ورفع رأسه منها، ثم سجد التي هي عليه ثم سجد سجدتي
الركعة الثانية، وسجد سجدتي من السهو، وإن شاء رفض ركوعه وسجد السجدة التي
عليه ثم أعاد القراءة الثانية وركع عليها.
وكذلك إن كانت السجدة التي تركها من الثانية تذكرها وهو راكع في الثالثة
فعلى نحو ما بينا في الركعة الثانية، وإن كان رفع رأسه من الركعة الثانية
في الفصل الأول أو من الركعة الثالثة في الفصل الثاني ثم تذكر السجدة التي
عليه لا ترتفض هذه الركعة؛ لأنها ركعة تامة، وإن لم يكن بعينها سجدة ويسجد
التي عليه ثم يسجد لهذه الركعة سجدتين.
نوع آخر
فيمن يصلي التطوع ركعتين ويسهو فيهما ويسجد لسهوه بعد السلام ثم أراد أن
يبني عليها ركعتين أخراوين.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : عن أبي حنيفة رحمه الله: في رجل
صلى ركعتين تطوعاً وسها فيهما وسجدة لسهوه بعد السلام ثم أراد أن يبني
عليهما ركعتين أخراوين: لم يكن له أن يبني، لأنه لو فعله فقد أبطل سجود
السهو لوقوعها في وسط الصلاة.
فرق بين هذا وبين المسافر إذا صلى الظهر ركعتين وسها فيها وسجد بسهوه ثم
نوى الإقامة، فإنه ملزم لإتمام صلاته؛ لأن هناك إن حصل سجود السهو في وسط
الصلاة ولكن بمعنى شرعي لا يفعل.... باختياره.
وحقيقة الفرق بينهما: أن السلام يحلل في جميع المواضع ثم بالعود إلى سجود
السهو يصير عائداً إلى حرمة الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
لضرورة أن يكون سجود السهو مؤدياً إلى حرمة الصلاة، وهذه الضرورة فيما يرجع
إلى إكمال تلك الصلاة لا فيما يرجع إلى صلاة أخرى، ونية الإقامة عملها في
إكمال تلك الصلاة، فتظهر عود الحرمة في حقها، فأما كل شفع من التطوع صلاة
على حدة، فلا يظهر عود الحرمة في حق شفع آخر، فلهذا لا يبني عليهما ركعتين،
ولو أنه بنى عليه ركعتين أخراوين (84ب1) جاز، وهل يعيد سجدتي السهو في آخر
الصلاة؟
فيه اختلاف المشايخ، والمختار أنه يعيد؛ لأن الشفع الثاني بناءً على
التحريمة التي يتمكن فيها السهو فلا يمنعه من أداء سجود السهو.
(1/519)
ومن هذا الجنس
لو صلى ركعتين تطوعاً فسها فيها، وتشهد ثم قام وصلى ركعتين أخراوين فعليه
أن يسجد للسهو في الأولين إذا سلم؛ لأن الشفع الثاني بناءً على التحريمة
التي تمكن فيها السهو، فلا يمنعه من أداء سجود السهو.
ومن هذا الجنس
رجل افتتح التطوع ونوى ركعتين فصلى ركعتين وسها فيها ثم بدا له أن يجعل
صلاته أربعاً فزاد عليه ركعتين أخراوين، فإنه يجب عليه سجود السهو في آخر
صلاته؛ لأن الشفع الثاني (بناءً) على التحريمة التي تمكن فيها السهو، فلا
يمنعه من أداء سجود السهو.
نوع آخر
فيمن يصلي الظهر أو العشاء ويسلم وعليه سجدة صلبية وسجدة سهو وسجدة تلاوة
رجل صلى العشاء فسها فيها وقرأ سجدة التلاوة فلم يسجدها، وترك سجدة من ركعة
ساهياً ثم سلم، والمسألة على أربعة أوجه.
إما إن كان ناسياً الكل أو عامداً للكل أو ناسياً للتلاوة عامداً للصلبية
أو على العكس.
أما على الوجه الأول: لا تفسد صلاته بالاتفاق؛ لأن هذا سلام السهو وسلام
السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة على ما ذكرنا.
وفي الوجه الثاني والثالث: تفسد صلاته بالاتفاق لما ذكرنا أن سلام العمد
يخرجه عن حرمة الصلاة.
وفي الوجه الرابع، فكذلك في ظاهر الرواية؛ تفسد صلاته، وروى أصحاب
«الإملاء» عن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا تفسد صلاته.
ووجه ذلك الرواية: أن سجد التلاوة من الواجبات لا من الأركان فسلامه فيما
هو ركن سلام سهو وذلك لا يفسد الصلاة.
ووجه ظاهر الرواية وهو: أنه سلم وهو ذاكر لواجب يؤدى قبل السلام وكان سلامه
قطعاً لصلاته، وإنما قطعها قبل إتمام أركانها، ولأنا لو لم نفسد صلاته حتى
يأتي بالصليبية...... أن يقول يأتي بسجدة التلاوة بعد السلام عامداً أيضاً،
لبقاء التحريمة، ولا وجه إلى ذلك، فقد سلم وهو ذاكر للتلاوة وكان قطعاً في
حقه.
قال شمس الأئمة رحمه الله: وصاحب «الكتاب» ذكر في «شرحه» معنىً آخر فقال:
لأن التلاوة وإن لم تكن فرضاً ولكن العود إليها يوجب القعدة لما ذكر من أن
العود إلى سجدة التلاوة يرفض القعدة، وتلك القعدة فرض، فإذا كان يعقب فرضاً
ويؤدي إليه استوى الصلبية فصار كأنه ترك ركعتين وسلم وهو ذاكر لأحدهما ناس
للآخر، وهناك صلاته فاسدة فكذلك هنا.
(1/520)
نوع آخرمن هذا الفصل في المتفرقات
رجل يصلي المغرب فيجيء رجل ويقتدي به يصلي المغرب تطوعاً، فقام الإمام إلى
الرابعة ناسياً ولم يقعد على رأس الثالثة وقيد الرابعة بالسجدة وتابعه
المقتدي في ذلك، قال: فسدت صلاة الإمام فرضاً لا نفلاً عند أبي حنيفة رحمه
الله وأبي يوسف رحمه الله. ولا يقال على هذا بأن صلاة الإمام انقلبت نفلاً
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: فينبغي أن لا تفسد صلاة المقتدي؛
لأنا نقول: صلاة الإمام وإن صارت نفلاً إلا أنها كانت فرضاً، فصار في الحكم
منتقلاً من تحريمة الفرض إلى تحريمة النفل، وصار كأنه صلى صلاتين
بتحريمتين، وصار المقتدي كأنه صلى صلاته واحدة...... فلا يجوز.
ومن عليه سجود السهو في صلاة الفجر إذا لم يسجد حتى طلعت الشمس وكان ذلك
بعد السلام لم يسجد، وكذلك إذا كان في قضاء الفائتة فلم يسجد حتى احمرت
الشمس لم يسجد؛ لأنها تجب لجبر نقصان مجزى حتى يجزىء القضاء؛ لأن الإكمال
عليه، والقضاء لا يصح في هذا الوقت.
ومن سلم عن يساره قبل سلامه عن يمينه فلا سهو عليه، ومن سلم وعليه سهو
فبعدما يقطع الصلاة لم يسجد؛ لأن الحادث منعه عن العود إلى التحريمة، فلا
يمكنه إلا ذا وقد صحت صلاته؛ لأن ترك سجود السهو لا يوجب فساد الصلاة.
وإذا سها في الجمعة وخرج الوقت بعدما سلم قبل أن يسجد للسهو سقط عنه السجود
وإذا ترك الصلاة ترك العشاء وقضاها نهاراً وأمّ وخافت ساهياً بالليل ناسياً
وقضاها في النهار وأم فيها وخافت ساهياً، كان عليه السهو، وينبغي أن يجهر
ليكون القضاء على وفق الأداء. وإن أم ليلاً في صلاة النهار يخافت ولا يجهر،
وإن جهر ساهياً كان عليه السهو، ولو أم في التطوع في الليل وخافت متعمداً
فقد أساء، وإن كان ساهياً فعليه السهو إذا سبقه الحدث بعدما سلم قبل أن
يسجد للسهو وقبل ما سجد سجدة واحدة للسهو توضأ وعاد وأتم الصلاة؛ لأن حرمة
الصلاة ناهية، وسبق الحدث لا يمنع البناء بعد الوضوء.
وإذا أحدث الإمام وقد سها فاستخلف رجلاً، سجد خليفته للسهو بعد السلام؛
لقيامه مقام الأول، وإن سها خليفته فيما يتم أيضاً كفاه سجدتان لسهوه
ولسهوه الأول، كما لو سها الأول مرتين، وإن لم يكن الأول سها وإنما سها
خليفته؛ لأن الأول صار مقتدياً بالباقي كغيره من القوم، فيلزمه سجدتا السهو
لسهو إمامه.
ألا ترى أنه لو أفسد الصلاة على نفسه فسدت صلاة الأول، فكذا السهو الثاني،
فتمكن النقصان في صلاة الأول ولو سها الأول بعد الاستخلاف لا يوجب سهوه
شيئاً؛ لأنه مقتدٍ بالثاني.
وإذا سلم المسبوق حتى سلم الإمام ساهياً بنى على صلاته، وعليه سجود السهو،
(1/521)
أما البناء؛ فلأن هذا سلام سهو، وإنه لا
يخرجه عن حرمة الصلاة، وأما وجوب سجدة السهو فلأنه متى سلم الإمام صار هو
كالمنفرد وقد سها حتى سلم قبل هذا فتلزمه سجدة السهو قبل هذا إذا سلم بعد
الإمام، فأما إذا سلم مع الإمام فلا سهو عليه؛ لأن الإمام لم يخرج عن
الصلاة بعد، فكان كأنه سها خلف الإمام.
إذا لم يرفع المصلي رأسه من الركوع حتى خر ساجداً ساهياً جازت صلاته في قول
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعليه السهو.
المصلي إذا نسي سجدة التلاوة في موضعها ثم ذكرها في الركوع أو في السجود أو
في القعود، فإنه يخر لها ساجداً ثم يعود إلى ما كان، يعيده استحساناً، وإن
لم يعد جازت صلاته، وإن أخرها إلى آخر صلاته أجزأه؛ لأن الصلاة واحدة، وإن
كان إمام فصلى ركعة وترك فيها سجدة، وصلى ركعة أخرى وسجد لها وتذكر
المتروكة في السجود، فإنه يرفع رأسه في السجود ويسجد المتروكة ثم يسجد ما
كان فيها؛ لأنها ارتفضت فيعيدها استحساناً، فأما ما قبل ذلك إلى المتروكة
(85أ1) .... وبعض إن كان ما تخلل بين المتروكة وبين الذي تذكر فيه ركعة
تامة لا يرتفض باتفاق الروايات، فلا يلزمه إعادة ذلك، وإن لم يكن ركعة تامة
فكذلك في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمة الله عليهما أنه
يرتفض.
إذا سلم الإمام وعليه سجدة التلاوة فتذكر من مكانه بعدما تفرق القوم فإنه
يسجد للتلاوة ويقعد قدر التشهد، فإن سجد للتلاوة ولم يقعد فسدت صلاته
لارتفاض القعدة أيضاً باتفاق الروايات. وفي رواية على ما مر، ولا تفسد
صلاة....... لانقطاع المتابعة يصلي الأربع إذا رفع رأسه من الركوع من
الركعة الثالثة وتذكر أنه لم يسجد في الثانية إلا سجدة واحدة فإنه يسجد تلك
السجدة ثم يتشهد..... ثم يسجد الثالثة سجدتين ثم يتم صلاته؛ لأن عوده إلى
السجدة المتروكة لا يرتفض الركوع بعد تمامه، وهذا إنما يستقيم على ظاهر
الرواية على ما ذكرنا في المسألة المتقدمة، ويلزمه السهو؛ لأنه أخر السجدة
في الركعة الثانية عن محلها.
وإن تذكر وهو راكع في الثالثة أنه ترك من الثانية سجدة، فإنه يسجد السجدة
المتروكة ويتشهد ثم يقوم ويصلي الثالثة والرابعة بركوعهما وسجودهما؛ لأن
الركوع والسجود قبل التمام قابل للرفض، فإذا.... من الركوع من الركعة
الثالثة أن عليه سجدة الركعة الثانية وعاد إليها فقد ارتفض هذا الركوع،
فيجب إعادته بخلاف ما بعد رفع الرأس من الركوع؛ لأن الركوع قد تم بعد رفع
الرأس منه، والركوع بعد التمام ليس بقابل للرفض على ظاهر الرواية.
(1/522)
الفصل الثامن عشر في
مسائل الشك، وفي الاختلاف الواقع بين الإماموالقوم في مقدار المؤدى
قال محمد رحمة الله عليه في «الأصل» : إذا سها ولم يدر ثلاثاً صلى أو
أربعاً، وذلك أول ما سها استقبل الصلاة، قال عليه السلام: «من شك في صلاته
فلم يدر أثلاثاً أو أربعاً فليستقبل» ، ولأن الاستقبال لا يريبه، والمضي
بعد الشك يريبه، وقال عليه السلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، ولأنه
قادر على إسقاط ما عليه من الفرض بيقين من غير شك فيلزمه ذلك قياساً على ما
لو شك في أصل الصلاة أنه صلى أو لم يصلِ وهو في الوقت لزمه أن يصلي،
وقياساً على ما لو ترك صلاة واحدة في يوم وليلة ولا يدري أيّة صلاة.....
يصلي خمس صلوات حتى يخرج عما عليه بيقين، وكذلك ها هنا.
وإن بقي ذلك غير مرة تجزىء الصلاة وليتم الصلاة على ذلك، لحديث ابن مسعود
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من شك في صلاته
فليتحرّ الصواب» ، ولأنا لو أمرناه بالاستقبال يقع له الشك ثانياً وثالثاً
إذا صار ذلك عادة له، فتعذر عليه المضي في الصلاة، فلهذا يجزىء، فإن وقع
تحريه على شيء أخذ به، وإن لم يقع تحريه على شيء أخذ بالأول؛ لحديث عبد
الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من شك في
صلاته فليأخذ بالأول» ، ولأن الأداء واجب عليه بيقين، فلا يترك هذا اليقين
إلا بيقين مثله، وذلك في الأقل، إلا أن في كل موضع فتوهم أنه أخر صلاته
يقعد لا محالة؛ لأن القعدة الأخيرة فرض، والاشتغال بالنفل قبل إكمال الفرض
يفسد الصلاة.
ثم اختلف المشايخ في معنى قوله: أول ما سها، قال بعضهم: معناه: أنه أول سهو
وقع له في عمره ولم يكن سها في صلاته قط من حيث بلغ فها هنا استقبل الصلاة،
فأما إذا وقع له ذلك في شيء من الصلوات فإنه يتحرى. وقال بعضهم: معناه أنه
أول سهو وقع له في تلك الصلاة، فإن ها هنا يستقبل، وإن وقع ذلك مرة أو
مرتين يتحرى ويبني على الأول. والأول أشبه.
ثم الشك لا يخلو إما إن وقع في ذوات المثنى كالفجر أو في ذوات الأربع
كالظهر
(1/523)
والعصر، أو في ذوات الثلاث كالمغرب، وإن
وقع الشك في صلاة الفجر فلم يدر أنها الركعة الأولى أم الثانية وهو قائم
يتحرى في ذلك بأن وقع تحريه على شيء عمل به، وإن لم يقع تحريه على شيء وهو
قائم يبني على الأول ويجعلها أولى، يتم تلك الركعة، ثم يقعد لجواز أنها
ثانية، ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى ويقعد لجواز أن ما صلى كان أولى وهذه
ثانيته ثم يسلم لأنها ثانيته حكماً، وإن شك في الفجر أنها ثانية أو ثالثة
عمل بالتحري كما ذكرنا، فإن لم يقع تحريه على شيء وإن كان قائماً، فإنه
يقعد في الحال ولا يركع؛ لجواز أنها ثالثته.
فلو قلنا: إنه يمضي ولا يقعد فقد ترك القعدة على رأس الركعتين فتفسد صلاته،
فلهذا قال: لا يمضي ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى يقعد لجواز أن القيام الذي
رفضها بالقعود ثانيته وقد ترك ذلك، فعليه أن يصلي ركعة أخرى حتى يتم صلاته،
وإن كان قاعداً والمسألة بحالها، فإنه يتحرى في ذلك إن وقع تحريه أنها
ثانيته مضت صلاته على الصحيح.
وإن وقع تحريه أنها ثالثته يتحرى في القعدة إن وقع تحريه أنه قعد على رأس
الركعتين يمضي على صلاته على الوجه الذي عرف.
وإن وقع تحريه أنه لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاته؛ لأن القعدة على
رأس الركعتين فرض وقد ترك ذلك، وترك الفرض يوجب فساد الصلاة، وإن لم يقع
يجزيه..... فسدت أيضاً؛ لأنه يحتمل أنه قعد على رأس الركعتين فصحت صلاته،
ويحتمل أنه لم يقعد ففسدت صلاته، فدارت الصلاة بين الصحة والفساد، فتفسد
على ما هو الأصل المعروف.
وإن وقع الشك في ذوات الأربع أنها الأولى أو الثانية عمد بالتحري كما
ذكرنا، فإن لم يقع تحريه على شيء يبني على الأول، فيجعلها أولى ثم يقعد
لجواز أنها ثانيته، فتكون القعدة فيها واجبة، ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى لأنا
جعلناها في الحكم ثانيته ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى ويقعد لجواز أنها رابعته،
والقعدة على رأس الرابعة فرض.
وكذلك إذا شك أنها الثانية أم الثالثة عمل بالتحري كما ذكرنا، فإن لم يقع
يجزيه على شيء يقعد في الحال لجواز أنها رابعته ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى
ويقعد؛ لأنها جعلناها رابعته، فالحكم وإن وقع الشك في ذوات الثلاث فهو على
قياس ما ذكرنا في ذوات المثنى والأربع، وهذا كله إذا وقع الشك في الصلاة.
وأما إذا وقع الشك بعد الفراغ من الصلاة بأن شك بعد السلام في ذوات المثنى
أنه صلى واحدة أو شك في ذوات الأربع بعد السلام أنه صلى ثلاثاً أو أربعاً،
أو في ذوات الثلاث شك بعد الصلاة أنه صلى ثلاثاً أو ثنتين، فهذا عندنا على
أنه أتم الصلاة حملاً لأمره على الصلاح، وهو الخروج عن الصلاة في أولته.
(1/524)
ولو شك بعد ما فرغ من التشهد في القعدة
الأخيرة على نحو ما بينا، فكذلك الجواب عمل على أنه أتم صلاته هكذا روي عن
محمد رحمه الله.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمهما الله فيمن نسي ثلاث (85ب1) سجدات أو
أكثر من صلاته، فإن كان ذلك أول ما وقع له في صلاته استقبلها، وإن كان يقع
له ذلك كثيراً مضى على أكثر رأيه فيه، وإن لم يكن له في ذلك رأي أعاد
الصلاة، هكذا ذكر ها هنا، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: هذا خلاف ما
ذكره محمد رحمه الله في كتاب الصلاة، وإذا شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى
أم أربعاً وتفكر في ذلك تفكراً ثم استيقن أنه صلى ثلاث ركعات فإن لم يطل
تفكره حتى لم يشغله تفكره عن أداء ركن بأن يصلي ويتفكر فليس عليه سجود
السهو؛ لأنه لم يؤخر ركناً ولم يترك واجباً لم يؤخره وإن طال تفكره حتى
شغله عن ركعة أو سجدة أو يكون في ركوع أو في سجود فيطول في تفكره ذلك،
ويعبر عن حاله بالتفكير فعليه سجود السهو استحساناً.
وفي القياس: لا سهو عليه؛ لأن تفكره ليس إلا إقامة القيام أو الركوع أو
السجود، وهذه الأذكار سنّة، وتأخير الأركان بسبب إقامة السنّة لا توجب
السهو كما لا يوجب الإساءة إذا كان عمداً.
وجه الاستحسان: أنه أخر واجباً أو ركناً ساهياً لا بسبب إقامة السنّة بل
بسبب التفكر، والتفكير ليس من أعمال الصلاة، فيلزمه سجود السهو، كما لو زاد
ركوعاً أو سجدة في صلاته بخلاف ما إذا أطال الركوع أو السجود أو القيام
ساهياً حيث لا يلزمه سجود السهو؛ لأن التأخر حصل بفعل هو من أفعال الصلاة،
وذلك سنّة وإن لم يكن واجباً وتأخير الركن الواجب..... فإنه فعل من أفعال
الصلاة ساهياً لا يوجب سجدتي السهو.
قال الشيخ الإمام الزاهد الصفار رحمه الله: هذا كله إذا كان التفكر يمنعه
من التسبيح، فأما إذا كان لا يمنعه من التسبيح فإن سبح ويتفكر ويقرأ ويتفكر
لا يلزمه سجود السهو في الآخرين كلها، وإن شك لو شك في صلاة صلاها وهو في
صلاة أخرى قد صلاها قبل هذه الصلاة فيتفكر في ذلك، وهو في هذه الصلاة لم
يكن عليه سجود السهو وإن شغله تفكره؛ لأنه لم يشك في هذه الصلاة، ولأن
المصلي لا يخلو من هذا النوع من الشك، فلا يجب سجود السهو بهذا.
قال شمس الأئمة رحمه الله: ما قال في «الكتاب» : وإن شغله تفكره ليس يريد
به أنه شغله الشك عن ركن أو واجب فإن ذلك يوجب سجدتي السهو بالإجماع، ولكن
أراد به شغل قلبه بعد أن كانت جوارحه مشغولة بأداء الأركان على نحو ما بينا
في المسألة المتقدمة.
وفي «فتاوى أبي الليث رحمه الله» : رجل شك في صلاته أنه قد صلاها أم لا،
(1/525)
وكان في الوقت فعليه أن يعيد؛ لأن سبب
الوجوب قائم، فإنما لا يعمل هذا السبب بشرط الأداء قبله، وفيه شك، وإن خرج
الوقت ثم شك فلا شيء عليه؛ لأن سبب الوجوب قد فات، وإنما يجب القضاء.....
عدم الأداء..... وفيه شك، وكذلك لو شك في ركعة بعد الفراغ من الصلاة لا شيء
عليه، وفي الصلاة يلزمه أداؤها.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : أن من شك في إتمام وضوء إمامه جازت صلاته ما لم
يستيقن أنه ترك بعض أعضائه سهواً أو عمداً؛ لأن الظاهر أنه لم يترك.
قال: يصلي الفجر إذا شك في سجوده، أنه صلى ركعتين أو ثلاثاً، قالوا: إن كان
في السجدة الأولى يمكنه إصلاح صلاته بأن يعود إلى القعدة؛ لأنه إن كان صلى
ركعتين كان عليه إتمام هذه الركعة؛ لأنها ثانيته، فإذا عاد إلى القعدة فقد
أتمها فيجوز، ولو كان بالبدء لا تفسد صلاته عند محمد رحمة الله عليه؛ لأنه
لما تذكر في السجدة الأولى ارتفضت تلك السجدة أصلاً، وصارت كأن لم تكن، كما
لو سبقه الحدث في السجدة الأولى من الركعة الخامسة وإن كان هذا الشك في
السجدة الثانية فسدت صلاته لاحتمال أنه يصلي الثالثة بالسجدة الثانية وخلط
المكتوبة بالنافلة قبل إكمال المكتوبة تفسد المكتوبة.
ولو شك في صلاة الفجر في قيامه أيهما الأولى من صلاته أو ثالثته؟ قال الشيخ
الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله: يمكنه إصلاح صلاته بأن يرفض ما هو
إلى القيام ويعود إلى القعدة، فإن كانت هذه الركعة ثالثته فقد رفضها بالعود
إلى القعدة وتمت صلاته ثم يقوم فيصلي ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب
وسورة ثم يتشهد ويسجد سجدتي السهو؛ لأن تلك الركعة إن كانت هي الأولى فلم
يأت بشيء من صلاته...... بجميع أركانها ولا يقعد بينهما؛ لأنه في حال يلزمه
ركعتان وفي حال لا يلزمه شيء، فلا يقعد.
قد ذكرنا أنه إذا شك في صلاة الفجر أصلى ركعتين أم واحدة وكان الشك في حالة
القيام أنه يتم هذه الركعة ويقعد قدر التشهد ثم يقوم فيصلي ركعة ويقعد
ويسجد للسهو في آخرها بخلاف ما إذا شك أنها ثالثته أو الأولى، فإنه ها هنا
لا يتم ركعتين ثم يقعد قدر التشهد؛ لأن ها هنا يحتمل أنها ثالثته، فلو
بالمضي فيها تفسد صلاته فلذلك أم بالعود إلى القعدة، أما هناك شك في أنه
أدى الركعة الثانية أو لم يؤد، فإما أن تكون هذه الركعة الأولى أو الثانية،
وكيف ما كان لا تفسد صلاته فإتمام هذه الركعة، وإذا أتمها يقعد قدر التشهد
لاحتمال أنها ثانيته ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى.
وإن شك وهو ساجد إن شك أنها الركعة الأولى أو الثانية المعنى فيهما سواء شك
في السجدة الأولى أو في السجدة الثانية؛ لأنهما إن كانت الأولى يلزمه المضي
فيها، وإن كانت ثانية يلزمه تكميلها، وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية يقعد
قدر التشهد ثم يقوم ويصلي ركعة. ولو غدت على ظنه في الصلاة أنه أحدث في
الصلاة أجزأته لم يمسح تيقن
(1/526)
بذلك لا شك له فيه لم يتيقن أنه لم يحدث
وتيقن أنه قد مسح، قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمة الله عليه:
ينظر إن كان أدى ركنه حال ما كان مسبقاً بالحدث وتقدم المسح فإنه يستقبل
الصلاة، وإن لم...... فما معنى في صلاته؟
ولو شك في صلاته أنه هل كبّر للافتتاح أم لا؟ هل أحدث أم لا؟ أصابت النجاسة
ثوبه أم لا؟ هل مسح رأسه أم لا؟ إن كان ذلك أول مرة استقبل الصلاة، وإن كان
يقع له ذلك كثيراً جاز له المضي، ولا يلزمه الوضوء ولا غسل الثوب رجل دخل
في صلاة الظهر ثم شك أنه هل صلى الفجر أم لا؟ فلما فرغ من الصلاة تيقن أنه
لم يصلِ الفجر فإنه يصلي الفجر ثم يعيد الظهر، لأنه لما استيقن بعد الفراغ
من الصلاة أنه لم يصلِ الفجر كان مستيقناً في ذلك الوقت كالمصلي بالتيمم
إذا رأى ماء فظن (76أ1) أنه سراب، فلما فرغ من الصلاة تيقن أنه كان ماء
فإنه يتوضأ ويعيد، ولو تذكر يوم الجمعة وقت الخطبة أنه لم يصلِ الفجر فإنه
يقوم ويصلي الفجر..... ويسمع الخطبة؛ لأنه لو لم يصلِ الفجر حتى يفرغ
الإمام من الخطبة لا يمكنه قضاء الفجر مع الجمعة من الخطبة يصلي الظهر.
إذا صلى ركعة من الظهر ثم شك في الثانية أنه في العصر ثم شك في الثالثة أنه
في التطوع ثم شك في الرابعة أنه في الظهر، قالوا: هو في الظهر، والشك ليس
بشيء.
رجل صلى ركعتين وشك أنه مقيم أو مسافر فسلم في حالة الشك، ثم علم أنه مقيم،
فإنه يعيد صلاة المقيمين؛ لأنه سلام عمد والله أعلم.
مسائل الاختلاف الواقع بين الإمام والقوم
وإذا وقع الاختلاف بين الإمام والقوم فقال القوم: صليتَ ثلاثاً، فقال
الإمام: صليتُ أربعاً، فإن كان بعض القوم مع الإمام يؤخذ بقول من كان مع
الإمام ويترجح قول من كان مع الإمام بسبب الإمام، وإن لم يكن بعض القوم مع
الإمام ينظر إن كان الإمام على يقين لا يعيد الإمام الصلاة، فإن لم يكن على
يقين أعاد بقولهم، هكذا ذكر المسألة في «واقعات الناطفي» .
ورأيت في موضع آخر: إذا كان مع الإمام رجل واحد يترجح قوله بسبب الإمام،
ولا يعيد الصلاة، فإذا لم يكن مع الإمام واحد وأعاد الصلاة وأعاد القوم معه
مقتدين به صح اقتداؤهم؛ لأنه إن كان هو الصادق كان هذا اقتداء المتنقل
بالمتنفل، وإن كان الصادق هو القوم كان هذا اقتداء المفترض بالمفترض.
وفي «فتاوى واقعات الناطفي» : إمام صلى وقت الظهر فهي الظهر، وإن كان في
وقت العصر فهي العصر؛ لأن الظاهر شاهد من يدعي ما يوافقه الوقت، وإن كان
مشكلاً جاز للفريقين في القياس بمنزلة قطرة من الدم وقعت فمن خلف الإمام
ولا يدري ممن هو؛ لأن الشك في وجوب الإعادة، والإعادة لا تجب بالشك.
وفي «فتاوى أهل السمرقند» : إذا صلى الإمام بقوم واستيقن واحد منهم أن
الإمام
(1/527)
صلى أربعاً، واستيقن واحد منهم أنه صلى
ثلاثاً والإمام والقوم في شك، فليس على الإمام والقوم شيء؛ لأن هذا شك بعد
الفراغ من الصلاة وإنه غير معتبر، ولا يستحب للإمام الأعلى لما بينا، وعلى
الذي استيقن بالنقصان الإعادة؛ لأن تعيينه لا يبطل بتعيين غيره.
زاد في «المنتقى» : كذلك إذا كان......، فإن كان الإمام يستيقن بالنقصان
وواحد منهم يستيقن بالتمام يقتدي القوم بالإمام؛ لأن الإمام تيقن أنه لم
يؤد ولا يعيد الذي استيقن بالتمام؛ لأنه متيقن أنه......، هكذا ذكر من
«فتاوى أهل سمرقند» ، وهكذا وقع في بعض نسخ «المنتقى» ، وفي بعضها يقتدي
القوم بالإمام.
وفي هذا الموضع أيضاً؛ إذا شك الإمام فأخبره عدلان يأخذ بقولهما؛ لأنه لو
أخبره عدل يستحب أن يأخذ بقوله، فإذا أخبره عدلان يجب الأخذ بقولهما بخلاف
ما إذا شك الإمام والقوم واستيقن واحد بالتمام، واستيقن واحد من القوم
بالنقصان حيث يعيد الذي استيقن بالنقصان، فصلاة الإمام والقوم تامة وإن
أخبره المستيقن بالنقصان؛ لأن قول المستيقن بالنقصان عارضه قول المستيقن
بالتمام، فكأنهما لم يوجدا.
ولو شك الإمام والقوم ويستيقن واحد من القوم بالنقصان الأحب أن يعيدوا، فإن
لم يعيدوا ليس عليهم شيء حتى يكون.
رجلين عدلين رجل صلى واحدة، وصلى بقوم، فلما سلم أخبره رجل عدل أنك صليت
الظهر ثلاث ركعات، قالوا: إن كان عند المصلي أنه صلى أربع ركعات لا يلتفت
إلى قول المخبر وإن شك المصلي في المخبر أنه صادق أو كاذب روي عن محمد رحمه
الله أنه يعيد صلاته احتياطاً، وإن شك في قول رجلين عدلين أعاد صلاته وإن
لم يكن المخبر عدلاً لا يقبل قوله.
رجل صلى بقوم، فلما صلى ركعتين وسجد السجدة الثانية شك أنه صلى ركعتين أو
ركعة، أو شك في الرابعة والثالثة فلحظ إلى من خلفه ليعلم بهم إن قاموا قام
هو معهم وإن قعدوا قعد تعمد بذلك، فلا بأس به ولا سهو عليه والله أعلم.
وفي «نوادر إبراهيم» : عن محمد رحمهما الله: صلى الإمام بقوم فقال له
عدلان: إنك لم تتم الصلاة أعاد الصلاة، قال محمد رحمه الله: ولو كنت أنا
لأعدته بقول الواحد تنزهاً وليس يرجع إلى الحكم؛ لأن الصلاة صحت ظاهراً، أو
إبطال ما صح ظاهراً بقول الواحد لم يرد الشرع به والله أعلم.
في «الجامع الصغير» (روى) محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة رحمهم الله في رجل
تذكر وهو راكع أو ساجد أن عليه سجدة، فانحط من ركوعه فسجدها أو رفع رأسه من
سجوده أو سجدها، فإنه يعيد الركوع والسجود يريد به على سبيل الرواية وإن لم
يعد أجزأه، واختلف المشايخ في تعليل المسألة.
(1/528)
بعضهم قالوا: إنما يعيد لتكون صلاته على
الولاء والترتيب وإذا لم يعد إنما تجوز لأن الترتيب في أفعال الصلاة عندنا
ليس بشرط.
وقال بعضهم: الانتقال حصل مع الطهارة فيصلح متمماً لما فيه إلا أنه لم يكن
على قصد الإتمام، فمن حيث إنه يصلح متمماً لو اعتد بها أجزأه، ومن حيث إنه
لم يكن على قصد الإمام كان الإعادة أولى.
فإن قيل: الانتقال حصل لأداء ركناً..... فهلا جعله رافعاً لما كان فيه؟
قلنا: النفل يقصد قضاء با...... بمحل الأداء، فصار من حيث المعنى كأن الذي
وجد فيه بعده والله أعلم.
الفصل التاسع عشر في وقت لزوم الفرض
الأصل عند أبي حنيفة: أن وجوب الصلاة يتعلق بآخر الوقت وأوله بسبب الأداء،
وكان ابن شجاع رحمه الله يقول: الوجوب تعلق بأول الوقت وجوباً موسعاً
ويتضيق بآخر الوقت، وعلى هذا كل عبادة مؤقتة يتسع وقتها لأداء أمثالها
و...... الوقت..... يتخير المكلف بأول الوقت بين الاتخاذ والترك لا إلى بدل
على عدم تعلق الوجوب بأول الوقت؛ إذ الواجب ما لا يتخير المرء فيه من
الاتخاذ والترك.
وما قال ابن شجاع لا يصح، لأن وقوع الشيء موقع الفرض لا يدل على الوجوب كما
لو كره قبل الحول والتكفير بعد الجرح قبل الموت.
قال: واختلف قول أبي الحسن رحمه الله: فيما إذا صلى في أول الوقت، ففي
قول..... فرضاً ويتعين ذلك الوقت للوجوب فيه، وفي قول يتوقف فيه، فإن تبع
آخر الوقت وهل أهل الوجوب دفع فرضاً، وإن خرج من أن يكون أهلاً كان نفلاً،
وفي قول الواقع نفلاً، فإذا تبع آخر الوقت يسقط به الفرض، واختيار القاضي
الإمام الكبير أبي زيد الدبوسي رحمه الله: أن الوقت حول للأداء وكل الوقت
ليس بسبب؛ لأنه ظرف الأداء أيضاً، فلا يمكن أن يجعل كل الوقت سبباً بل
السبب خروجه، فإذا (86ب1) . وجد الجزء، والأول جعلناه سبباً لوجوده وعدم
غيره، وعند قوله: يجعل الجزء والذي يليه سبباً، هكذا إلى آخر الوقت، فإذا
شرع في الأداء بقي الجزء الذي تقدم على الشروع سبباً ضرورة تصحح الأداء.
قال: واختلف أصحابنا رحمهم الله في حكم آخر الوقت، فقال أكثرهم الوجوب
يتعلق بمقدار التحريمة من آخر الوقت، وقال زفر رحمه الله: يتعلق إذا بقي من
الوقت مقدار ما يؤدي فيه الصلاة، وهذا القول اختاره القدوري رحمه الله،
والأول اختاره الشيخ أبو الحسن، والمحققون من أصحابنا كالقاضي الإمام أبي
زيد الدبوسي رحمه الله تعالى.
(1/529)
وثمرة الاختلاف تظهر في الحائض إذا طهرت في
آخر الوقت، والصبي يبلغ والكافر يسلم، والمجنون، والمغمى عليه سيان،
والمسافر إذا نوى الإقامة والمقيم إذا سافر فعلى قول أكثر أصحابنا رحمهم
الله: يجب، ويتعين الفرض إذا بقي من الوقت مقدار ما توجد فيه التحريمة،
وعند زفر رحمه الله: ومن تابعه من أصحابنا لا يجب ولا يتعين الفرض إلا إذا
أدرك من الوقت ما يمكن الأداء فيه؛ لأن الخطأ والأداء، فلا بد من تصور
الأداء؛ ولأنه إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن الأداء لم يكن مخيراً بين
الإيجاد والترك، بل لزمه الإيجاد بل أثم، وهذا دليل على تعلق الوجوب به.
وجه قول أصحابنا رحمهم الله: أن الوقت لما تعين سبباً للوجوب في الذمة، ثم
الخروج عن عهدة ما وجب به يكون بالأداء، وقد يكون بالقضاء كالطهر في حق
الحائض سبب للوجوب في ذمتها، والخروج عن القضاء دون الأداء ومتى كان الوقت
معتبراً للوجوب في الذمة، ولا يعتبر الوقت الذي يمكن الأداء فيه لا محالة.
قال: وإذا اعترضت هذه العوارض في آخر الوقت سقط الفرض بالإجماع أما على قول
أبي الحسن وأكثر أصحابنا رحمهم الله؛ فلأن الوجوب يتعلق بآخر الوقت، وهذه
العوارض مانعة من الوجوب.
وأما على قول زفر رحمه الله: فلأن التكليف زال في البعض فيزول في الكل، ولو
أن غلاماً صلى العشاء ونام واحتلم في منامه، ولم يستيقظ حتى طلع الفجر،
فعليه قضاء العشاء إجماعاً، وهذه واقعة محمد سأل عنها أبا حنيفة رحمهما
الله، فأجابه بما قلنا، فأعاد العشاء.
الفصل العشرون في قضاء الفائتة
يجب أن تعلم بأن الترتيب في الصلوات المكتوبة فرض عندنا، وقال الشافعي رحمه
الله: سنة.
حجته في ذلك: أن كل واحد من الفرضين أصل بنفسه؛ فلأن يكون أداء أحدهما
شرطاً لجواز الآخر، ولهذا سقط الترتيب عند النسيان، وضيق الوقت، وكثرة
الفوائت، وشرائط الصلاة لا تسقط بعذر النسيان وضيق الوقت كالطهارة واستقبال
القبلة، وأما ما روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي عليه السلام قال:
«من نام عن الصلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو
فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام» فهذا دليل على فرضية
الترتيب، وبهذا الحديث أخذ أبو يوسف
(1/530)
رحمه الله من أوله إلى آخره، ومحمد رحمه
الله لم يأخذ بأوله، وأمر بقطع الصلاة التي فيها عند تذكر الفائتة، عملاً
بقوله عليه السلام: «من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها» ، فإن
ذلك وقتها وجعل وقت التذكير وقت الفائتة، فإذا صلى فيه غيرها لم يؤد الصلاة
في وقتها، فلا يجوز.
والمعنى فيه: وهو أن الصلوات المكتوبات وجبت مرتبة وقتاً وفعلاً، والترتيب
وإن سقط من جهة الوقت لمكان العذر وجب أن يراعى من جهة العقد، وكان الحسن
بن زياد رحمه الله يقول: إنما يجب مراعاة الترتيب على من علم به أي: علم
بوجوب الترتيب لا على من لا يعلم به أما الترتيب في نفس أفعال الصلاة ليس
يقرأ من عندنا، حتى أن من أدرك الإمام ونام في أول الصلاة خلفه أو سبقه
الحدث، فسبقه الإمام أو توضأ لعاد، فعليه أن يقضي أولاً ما سبقه الإمام به
ثم يتابع الإمام إذا أدركه، ولو تابع الإمام أولاً قبل قضاء ما لم يصل ثم
قضى ما لم يصل بعد تسليم الإمام جاز عندنا.
وكذلك في الجمعة إذا زحمه الناس، فلم يقدر على أداء الركعة الأولى مع
الإمام بعدما اقتدى به، وبقي قائماً كذلك، ثم أمكنه الأداء مع الإمام، فإنه
يؤدي الركعة الأولى أولاً، ولو أنه أدى الركعة الثانية أولاً مع الإمام ثم
قضى الركعة الأولى بعد فراغ الإمام جاز عندنا، فنقول هذا الترتيب يسقط بعذر
النسيان، وبضيق الوقت وبكثرة الفوائت، أما بالنسيان؛ فلأنه عاجز عن شرائط
التكليف ولا تكليف مع العجز؛ ولأن مراعاة الترتيب عرفت بالخبر، والخبر
يتناول حالة الذكر لا حالة النسيان بل في حالة النسيان خبر آخر بخلافه، وهو
ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمخرج يوماً ليصلح بين حيين، فنسي
صلاة العصر، وصلى المغرب بأصحابه ثم قال لأصحابه: «هل رأيتموني صليت العصر،
فقالوا: لا» فصلى العصر ولم يعد المغرب ولو أنه نسي صلاة، ثم ذكر في الوقت
الفائتة فصلى الفائتة وهو ذاكر للمنسية، وفي الوقت سعة لم يجز.
وأما إذا ذكرها بعد أيام فقد ذكر الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي
البزدوي رحمه الله: أنه لا تجوز الوقتية أيضاً، ونسب هذا القول إلى مشايخه
وأشار إلى المعنى، فقال وقت التذكر وقت الفائتة، قال عليه السلام: «من نام
عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» فإن صلى الوقتية فقد
صلاها في غير وقتها، فلا يجوز، وذكر محمد رحمة الله عليه في «الأصل» : أنه
يجوز.
هكذا ذكر الحاكم في «المنتقى» : عن بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمهم الله:
أنه تجوز الوقتية، وهكذا ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في «عيون المسائل»
، وعليه الفتوى؛
(1/531)
لأن الترتيب بين الوقتية وبين الفائتة ليس
بواجب؛ لأن المتخلل كثير والله أعلم.
أما بضيق الوقت؛ فلأنه لو لم يسقط الترتيب عند ضيق الوقت تفوته الوقتية عن
وقتها، وأداء الوقتية ثابت في وقتها بكتاب الله تعالى، ومراعاة الترتيب في
الصلوات ثبت بأخبار الآحاد، ولا شك أن العمل بما ثبت بالكتاب أولى من العمل
بما ثبت بالخبر الواحد، فإن عند سعة الوقت أيضاً لو بقي الترتيب معتبراً
يؤدي إلى ترك العمل بما ثبت بكتاب الله تعالى، ثبت الجواز كما زالت الشمس.
ولو أوجبنا الترتيب (87أ1) ومنعنا الجواز، قلنا: لو لم يبق الترتيب معتبراً
في هذه الحالة فقد تركنا ما ثبت بالخبر الواحد أصلاً، ولو بقي الترتيب
معتبراً لا يبطل ما ثبت بكتاب الله تعالى، بل يتأخر، ولا شك أن تأخير ما
ثبت بكتاب الله تعالى أولى من ترك ما ثبت بالخبر الواحد أصلاً.
ثم اختلف المشايخ فيما بينهم: أن العبرة لأصل الوقت، أم للوقت المستحب الذي
لا كراهة فيه؟ قال بعضهم: العبرة لأصل الوقت، وقال بعضهم: العبرة للوقت
المستحب، وقال الطحاوي على قياس قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله:
العبرة لأصل الوقت، وعلى قياس قول محمد رحمه الله: العبرة للوقت المستحب.
بيانه: إذا شرع في العصر وهو ناسٍ للظهر ثم تذكر الظهر في الوقت، لو اشتغل
بالظهر يقطع العصر في وقت مكروه على قول من قال: العبرة لأصل الوقت يقطع
العصر ويصلي الظهر ثم يصلي العصر، وعلى قول من قال: العبرة للوقت المستحب
يمضي في العصر ثم يصلي الظهر بعد غروب الشمس.
وفي «المنتقى» و «نوادر الصلاة» : إذا افتتح العصر من أول وقته وهو ناسٍ
للظهر ثم احمرت الشمس ثم ذكر الظهر يمضي في العصر، وهذا يظن شرع في العصر
في أول الوقت، وهو ذاكر للظهر أن العبرة للوقت المستحب، وإن افتتح العصر في
أول وقتها، وهو ذاكر للظهر ثم احمرت الشمس قطع العصر ثم استقبلها مرة أخرى؛
لأنه افتتحها فاسدة بخلاف الفصل الأول، لو افتتح العصر في آخر وقتها، فلما
صلى ركعتين غربت الشمس ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، فإنه يتم العصر ثم يقضي
الظهر؛ لأنه لو افتتح العصر في آخر وقتها مع تذكر الظهر يجوز، فهذا أولى،
ولو تذكر في وقت العصر أنه لم يصل الظهر وهو متمكن من أداء الظهر قبل تغير
الشمس، إلا أن عصره أو بعض عصره يقع بعد التغير عندنا يلزمه الترتيب، لا
يجوز أداء العصر قبل قضاء الظهر، وعلى قول الحسن: لا يلزمه الترتيب إلا إذا
تمكن من أداء الصلاتين قبل العصر.
وأما لكثرة الفوائت، فلأن كثرة الفوائت في معنى ضيق الوقت؛ لأن الفوائت إذا
كثرت لو راعى الترتيب فاتته الوقتية، فمراعاة الترتيب في هذه المواضع سقط
لأجل العذر، وليس إذا كان الحكم يثبت في موضع بعذر ما يدل على أنه يثبت في
موضع آخر بغير عذر، وقال زفر رحمه الله: الترتيب لا يثبت بكثرة الفوائت إذا
كان الوقت يسع لها وللوقتية، وإن كانت الفوائت عشراً أو أكثر؛ لأن مراعاة
الترتيب حكم الخبر الواحد،
(1/532)
وليس في العمل به ترك حكم الكتاب، فإن
الوقت يسع للكل فيجمع بينهما، أما إذا كان الوقت حد الكثرة يسع للكل،
فالعمل بخبر الواحد يؤدي إلى ترك العمل بالكتاب، فنقدم حكم الكتاب على حكم
الخبر حده الكثرة في ظاهر الرواية أن تصير الفوائت ستاً، وروى محمد بن شجاع
البلخي رحمة الله عليه عن أصحابنا رحمة الله عليهم: أن تصير الفوائت خمس
صلوات، والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية.
وفي «القدوري» قال أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمة الله عليهما: إذا فاتته ست
صلوات، ودخل وقت السابعة سقط الترتيب، وقال محمد رحمة الله: إذا دخل وقت
السادسة سقط الترتيب، ومن تذكر صلاة عليه وهو في الصلاة، فقد حكي عن الفقيه
أبي جعفر رحمه الله مذهب علمائنا رحمهم الله أن تفسد صلاته، قال: ولكن لا
تفسد حين ذكرها بل يتمها ركعتين، ويعدها تطوعاً سواء كان الفائت قديماً أو
حديثاً، ثم إذا كثرت الفوائت حتى سقط الترتيب، لأجلها في المستقبل سقط
الترتيب في نفسها أيضاً حتى قال أصحابنا رحمهم الله: فيمن كان عليه صلاة
شهر، فصلى ثلاثين فجراً ثم صلى ثلاثين ظهراً هكذا الضرورة؛ وهذا لأن
الفوائت عند كثرتها لما أسقطت الترتيب في أغيارها؛ فلأن يسقط في نفسها كان
ذلك أولى، هكذا ذكر بعض مشايخنا رحمهم الله المسألة في «شرح كتاب الصلاة» ،
وفي المسألة كلمات تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ثم الفوائت نوعان: قديمة وحديثة، فالحديثة تسقط الترتيب بلا خلاف، وفي
القديمة اختلاف المشايخ.
وتفسير القديمة: رجل ترك صلاة شهر في حال صباه ومجانه وفسقه ثم ندم على ما
وقع، فاشتغل بأداء الصلاة في مواقتها فقبل أن يقضي تلك الفوائت ترك صلاة،
وصلى أخرى وهو ذاكر لهذه المتروكة الحديثة، قال بعض المتأخرين من مشايخنا
رحمهم الله: لا تجوز هذه الصلاة، ويجعل الماضي من الفوائت كأن لم يكن
احتياطاً، وزجراً عن التهاون، وأن لا تصير المعصية المقضي وسيلة إلى
التخفيف والتيسير.
وبعضهم قالوا: يجوز وعليه الفتوى؛ لأن الاشتغال بهذه الفائتة ليس بأولى من
الاشتغال بتلك الفوائت والاشتغال بالكل يفوت الوقتية عن وقتها، ولم تنقل
هذه المسألة عن المتقدمين من مشايخنا رحمهم الله في كل موضع سقط الترتيب
بحكم كثرة الفوائت، ثم عادت الفوائت إلى القلة بالقضاء، هل يعود الترتيب؟
وعن محمد رحمه الله روايتان.t
وقد اختلف المشايخ فيه بيانه إذا ترك الرجل صلاة شهر، وقضاها إلا صلاة أو
صلاتين ثم صلى صلاة داخل وقتها، وهو ذاكر لما بقي عليه، بعض مشايخنا رحمهم
الله قالوا: لا تجوز، وإليه مال الفقيه أبو جعفر رحمه الله، وهو إحدى
الروايتين عن محمد رحمه الله، وبعضهم قالوا: تجوز، وإليه مال الشيخ الإمام
الزاهد أبو حفص الكبير رحمة الله عليه، وعليه الفتوى.
وعلل هو فقال الترتيب قد سقط والساقط لا يحتمل العود كما قليل نجس دخل عليه
الماء الجاري حتى كثر وسال ثم عاد إلى القلة، لا يعود نجساً والمعنى ما
قلنا، أنه سقط
(1/533)
اعتبار النجاسة بالسيلان والساقط لا يحتمل
العود كذا ههنا.
وروى ابن سماعة عن محمد رحمة الله عليهما: في رجل ترك صلاة يوم وليلة، ثم
صلى من الغد مع كل صلاة صلاة أمسيته إن الأمسيات كلها صحيحة، قدمها أو
آخرها، وأما اليوميات، فإن بدأ بها فهي فاسدة؛ لأنه متى أدى اليوميات صارت
سادسة المتروكات، إلا أنه إذا قضى متروكة بعدها عادت المتروكات خمساً
(87ب1) ثم لا يزول، هكذا فلا يعود إلى الجواز، وإن بدأ بالأمسيات وأخر
اليوميات، فاليوميات فاسدة إلا العشاء الآخرة، وإن العشاء الآخرة جائزة،
وأما فساد ما وراء العشاء الآخرة في اليوميات؛ لأنه كلما صلى أمسيته عادت
الفوائت أربعاً ففسدت الوقتية ضرورة، وأما العشاء الآخرة فما ذكر في الجواب
أنها جائزة محمول على ما إذا كان الرجل جاهلاً؛ لأنه صلاها وعنده أنه لم
يبق عليه فائتة، فصار كالناسي، فأما إذا كان الرجل عالماً لا تجزئه العشاء
الآخرة أيضاً؛ لأنه صلاها وعنده أن عليه أربع صلوات، وهذه الرواية هي
الرواية التي ذكرناها قبل هذا أن إحدى الروايتين عن محمد رحمه الله: إذا
كثرت الفوائت وسقط الترتيب ثم عادت الفوائت إلى القلة أنه يعود الترتيب.
قال في «الأصل» : رجل صلى الظهر على غير وضوء ثم صلى العصر على وضوء ذاكراً
لذلك، وهو يحسب أنه يجزئه، فعليه أن يعيدهما جميعاً.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمة الله عليه: معنى المسألة: أنه صلى الظهر بغير
وضوء ناسياً، فإنه لو تعمد ذلك كفر في أصح القولين لأصحابنا رحمهم الله،
وإنما كان عليه أن يعيدهما أما الظهر فظاهر، وأما العصر؛ فلأن مراعاة
الترتيب واجب على ما مر، ولمجرد ظنه لا يسقط عنه ما هو مستحق عليه، كمن ظن
أن الصلاة أو الزكاة ليس بواجب عليه، فإن أعاد الظهر وحدها ثم صلى المغرب،
وهو يظن أن العصر له جائز، قال: تجزئه المغرب ويعيد العصر فقط؛ لأن ظنه هذا
استند إلى خلاف معتبر بين العلماء.
فإن أهل المدينة لا يرون الترتيب في الصلوات، وهو قول الشافعي رحمه الله
الأول أن المغرب مجزئة وهذا موضع الاجتهاد، وأحوال المتأولين في المجتهدات
فيما لا، فإنه مخالف للنص لا يبطل بل يغير.
وإن كان الحكم فيما اجتهد بخلاف ذلك هذا كما يقول في القصاص، إذا كان بين
اثنين، فعفا أحدهما وظن صاحبه أن عفو أخيه لا يؤثر في حقه، فقتل ذلك
القاتل، فإنه لا يقاد منه ومعلوم أن هذا قتل بغير حق، ولكن لما كان جاهلاً
أو مجتهداً في ذلك صار ذلك التأويل مانعاً وجوب القصاص، وإن كان مخطئاً في
التأويل، كذلك ههنا حتى إذا كان عنده أن العصر لا تجزئه لا تجوز له المغرب
نص عليه ابن سماعة عن محمد رحمهم الله، هكذا ذكر الشيخ الإمام الزاهد أبو
نصر الصفار، والشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمهما الله.
وحاصل الفرق: أن فساد الصلاة بترك الطهارة فساد قوي مجمع عليه يظهر أثره،
فيما يؤدي بعده، فأما فساد العصر بسبب الترتيب فساد ضعيف مختلف فيه، فلا
يتعدى
(1/534)
حكمه إلى صلاة أخرى، كمن جمع بين حر وعبد
في البيع بثمن واحد، بطل العقد فيهما، بخلاف ما إذا جمع بين قن ومدبر حيث
صح العقد في حق القن، والمعنى ما ذكرنا كذلك ههنا.
وكذلك رجل صلى الظهر بغير وضوء تام بأن ترك مسح الرأس ناسياً، وظن أن وضوءه
تام فإنه تجزئه العصر إذا مسح الرأس أو جدد الوضوء للعصر؛ لأنه صلى العصر
وعنده أنه لا ظهر عليه، فيجزئه كما لو ترك الظهر أصلاً، وعنده أنه صلى
الظهر، فإنه يجزئه العصر، فإن لم يصل الظهر حتى صلى المغرب، وهو ذاكر للظهر
لا يجزئه المغرب؛ لأن هذا اجتهاد يخالف النص؛ لأنه صلاها وهو ذاكر للظهر
وذكر الظهر نص أو كنص، فكان هذا اجتهاد مخالف النص، فيلغو وعلى قول الحسن
بن زياد رحمه الله: تجزئه المغرب إذا كان يجتهد أن الترتيب ركن أو فرض كما
ذكرنا قبل هذا، وكثير من مشايخ بلخ أخذوا بقول الحسن بن زياد رحمه الله.
رجل ترك الصلاة شهراً ثم أراد أن يقضي المتروكات، فقضى ثلاثين فجراً ومعه
واحداً ثم ثلاثين ظهراً ثم ثلاثين عصراً، هكذا فعل في جميع الصلوات، قال
الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمة الله عليه: الفجر الأول جائزة،
لأنه ليس قبلها متروكة فتعين والفجر من اليوم الثاني فاسدة؛ لأن قبلها أربع
متروكات ظهر اليوم الأول وعصره ومغربه وعشاؤه والفجر من اليوم الثالث
جائزة؛ لأن قبلها ثمان صلوات أربع من اليوم الأول وأربع من اليوم الثاني ثم
ما بعدها من صلوات الفجر إلى آخر الشهر جائزة.
وأما صلوات الظهر، فالظهر من اليوم الأول جائزة؛ لأنه ليس قبلها متروكة
وظهر اليوم الثاني فاسدة؛ لأن قبلها ثلاث صلوات من اليوم الأول وصلاة الظهر
من اليوم الثالث جائزة؛ لأن قبلها ست صلوات متروكة ثلاث من اليوم الأول
وثلاث من اليوم الثاني وما بعدها من صلوات الظهر إلى آخر الشهر جائزة.
وأما صلوات العصر، فالعصر من اليوم الأول جائزة؛ لأنه ليس قبل العصر متروكة
من ذلك اليوم، وصلاة العصر من اليوم الثاني فاسدة؛ لأن عليه المغرب والعشاء
من اليوم الأول، وصلاة العصر من اليوم الثالث فاسدة؛ لأن عليه قبلها المغرب
والعشاء في اليوم الأول والمغرب والعشاء من اليوم الثاني، وصلاة العصر من
اليوم الرابع جائزة؛ لأن عليه قبلها ست صلوات المغرب.
فصلوات المغرب في اليوم الأول جائزة؛ لأنه ليس قبلها متروكة، وصلاة المغرب
من اليوم الثاني فاسدة؛ لأن قبلها متروكة وهي العشاء من اليوم الأول وصلاة
المغرب من اليوم الثالث فاسدة؛ لأن قبلها صلاتان العشاء من اليوم الأول
والعشاء من اليوم الثاني، وصلاة المغرب من اليوم الرابع فاسدة؛ لأن قبلها
ثلاث صلوات عشاء اليوم الأول وعشاء اليوم الثاني وعشاء اليوم الثالث ومن
اليوم الخامس كذلك؛ لأن قبلها أربع صلوات، ومن اليوم السادس كذلك؛ لأن
قبلها خمس صلوات ثم ما بعدها من صلوات المغرب إلى آخر الشهر جائزة.
(1/535)
وأما صلوات العشاء، فكلها جائزة؛ لأنه ليس
قبلها صلوات متروكة وهذه المسألة على الترتيب الذي قلنا: إنما تستقيم على
إحدى الروايتين عن محمد رحمه الله، وعلى قول من يقول من المشايخ: أن
الترتيب إذا سقط بكثرة الفوائت يعود إذا قلت الفوائت، فأما على إحدى
الروايتين عن محمد رحمه الله، وعلى قول من يقول من المشايخ: أن الترتيب لا
يعود وإن قلت الفوائت تجوز الصلوات كلها، وقد ذكرنا الروايتين مع اختلاف
المشايخ فيما تقدم.
قال في العصر: رجل صلى العصر (88أ1) وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر، فهو فاسد
إلا أن تكون في آخر الوقت بناءً على ما قلنا: أن الترتيب في الصلوات
المكتوبات فرض، وإنما سقط الترتيب بالنسيان أو بكثرة الفوائت أو بضيق
الوقت، ولكن إذا فسدت الفريضة لا تبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف
رحمهما الله، وعند محمد رحمه الله تبطل، والمسألة معروفة، ثم عند أبي حنيفة
رحمه الله فرض العصر يفسد صلاة موقوفة، حتى لو صلى ست صلوات أو أكثر، ولم
يعد الظهر عاد العصر جائزاً لا تجب إعادته.
وعندهما تفسد فساداً بائناً، لا جواز لها بحال، فالأصل: أن عند أبي حنيفة
رحمه الله مراعاة الترتيب بين الفائتة والوقتية كما يسقط بكثرة الفوائت
يسقط بكثرة المؤدى؛ وهذا لأن كثرة الفوائت إنما أوجبت سقوط الترتيب؛ لأن
الاشتغال بالفوائت يوجب فوات الوقتية عن وقتها، وهذا المعنى موجود عند كثرة
المؤدي؛ لأن الاشتغال بالمؤدى يفوت الوقتية عن وقتها، وإذا سقط مراعاة
الترتيب ظهر أن ما أدى كان جائزاً.
قال مشايخنا رحمهم الله: وإنما لا تجب إعادة الفوائت عند أبي حنيفة رحمة
الله عليه إذا كان عند المصلي أن الترتيب ليس بواجب، وأن صلاته جائزة، أما
إذا كان عنده فساد الصلوات بسبب الترتيب، فعليه إعادة كما قاله أبو يوسف
رحمة الله عليه؛ لأن العبد يكلف ما عنده.
ومن هذا الجنس مسألة أخرى: أن من ترك خمس صلوات، وصلى السادسة فهذه السادسة
موقوفة، فإن صلى السابعة بعد ذلك جازت السابعة بالإجماع، وجازت السادسة
بجواز السابعة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن التوقف كان لأجل الترتيب فإذا
صلى السابعة سقط الترتيب فعادت السادسة إلى الجواز، ولا يبعد أن يتوقف حكم
الصلاة المؤداة على ما تبين في الحال، كمصل الظهر يوم الجمعة إن أدرك
الجمعة تبين أن المؤدى كان تطوعاً، وإن لم يدرك كان فرضاً، كصاحبة العادة
إذا انقطع دمها فيما دون عادتها، وصلت صلوات ثم عاودها الدم تبين أنها لم
تكن صلاة صحيحة، وإن لم يعاودها الدم تبين أنها كانت صحيحة كذا هاهنا.
رجل ترك الظهر، وصلى بعدها ست صلوات، وهو ذاكر للمتروكة كان عليه المتروكة
لا غير، وقال أبو يوسف، ومحمد رحمهم الله يقضي المتروكة وخمساً بعدها، ولو
صلى بعد المتروكة خمس صلوات ثم قضى المتروكة، كان عليه الخمس التي صلاها في
قولهم جميعاً.
(1/536)
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» :
في رجل يصلي الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر فالفجر فاسد إلا أن تكون في آخر
وقت الفجر بخلاف أن يفوته الفجر تماماً، وقال أبو يوسف، ومحمد رحمهما الله
الوتر سنّة، وعند أبي حنيفة رحمه الله واجب.
وثمرة الاختلاف تظهر في موضعين: أحدهما في هذه المسألة، فإن عندهما الوتر
لما كان سنّة لا يجب مراعاة الترتيب ويثبت الفجر، فإن مراعاة الترتيب لها
يوجب في المكتوبات، وعند أبي حنيفة رحمه الله لما كان واجباً يجب مراعاة
الترتيب.
والمسألة الثانية: إذا صلى العشاء بغير وضوء فإنه يصلي العشاء، ولا يعيد
الوتر عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يعيد الوتر أيضاً؛ لأن الوتر
عندهما سنّة وكان تبعاً للفرض، فإذا وجبت إعادة ما هو فرض وجبت إعادة ما هو
تبعاً له، وعند أبي حنيفة رحمه الله: الوتر واجب كالعشاء، وقد أداه في وقته
بطهارة، فلا يلزمه الإعادة.
ومما يتصل بهذا الفصل
إذا وقع الشك في الفوائت.
رجل نسي صلاة، ولا يدري أي صلاة نسيها ولم يقع تحريمه على شيء يقدر صلاة
وليلة عندنا حتى يخرج عما عليه مضى، قال بعض مشايخ بلخ رحمهم الله: يصلي
الفجر بتحريمة ثم المغرب بتحريمة، ثم يصلي أربع ركعات، وينوي ما عليه من
صلاة هذا اليوم وليلته.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: يصلي أربع ركعات ويقعد على رأس الركعتين،
ورأس الثالثة ورأس الرابعة، وينوي ما عليه من صلاة يومه وليلته، فيجزئه عن
أي صلاة فاتت، ولا حاجة إلى قضاء الخامس لنا: أن ما قلنا أولى؛ لأن هذا
يؤدي إلى أركان، وهو القعود على رأس الثالث، وهو على ما قاله بعض مشايخ بلخ
يقع الخلل في هيئة القراءة، فإنه الخمس والثلاث يدرى أنه يجهر في القراءة
أو يخافت، وربما يؤدي إلى ترك الواجب، وهو الخروج عن الصلاة لا بلفظة
السلام، فالخروج عما عليه يبقى من غير أن يقع الخلل في شيء مما قاله
أصحابنا رحمهم الله، وعلى هذا إذا نسي صلاتين في يومين لا يدري أي صلاتين
هما، قال: يعيد صلاة يومين، هكذا رواه أبو سليمان عن محمد رحمهما الله،
وعلى هذا إذا نسي ثلاث صلوات من ثلاثة أيام، ولا يدري أي: صلوات هي قال:
يعيد صلاة ثلاثة أيام ولياليها، رواه إبراهيم عن محمد رحمهما الله.
ولو ترك صلاتين من يومين الظهر والعصر، ولا يدري أيهما تركها أولاً، ولا
يقع تحريمه على شيء، قال أبو حنيفة رحمه الله: بأنه يصلي إحدى الصلاتين
مرتين والأخرى مرة احتياطاً، فإن بدأ بالظهر ثم بالعصر ثم بالظهر كان أفضل؛
لأن الظهر أسبق وجوباً في الأصل، وإن بدأ بالعصر ثم بالظهر ثم بالعصر يجوز
أيضاً؛ لأنه صار مؤدياً ومراعياً للترتيب بيقين وتقع إحديهما نافلة،
وعندهما إن لم يقع تحريمه على شيء يصلي كل صلاة مرة إن شاء بدأ بالظهر، وإن
شاء بدأ بالعصر، فمن مشايخنا من قال: لا خلاف بينهم، فإن ما قاله أبو حنيفة
رحمه الله: جواب الأفضل، وما قالهما جواب الحكم ومنهم من
(1/537)
حقق الخلاف حجتهما: أنه لو وجب إعادة ما
بدأ به إنما يجب لمراعاة الترتيب، والترتيب ساقط، فإنه في معنى الناسي،
لأنه حتى بدأنا بأحديهما كان لا يعلم أن عليه صلاة قبلها، وأبو حنيفة رحمه
الله يقول بأنه ليس بمعنى الناسي؛ لأنه متى صلى الأولى كان يعلم أن عليه
صلاة أخرى، إلا أنه لا يعلم أنها قبل هذه أو بعدها، فدار بين أن يكون في
وقتها، فيجوز وبين أن لا يكون في وقتها فلا يجوز فتجب الإعادة ليخرج عن
الواجب بيقين؛ لأن الجواز لا يثبت بالشك، وفي الناسي أدى الوقتية في الوقت
حقيقة، فلو لم يجز لا يجوز لكون الوقت وقت الفائتة، ولها معتبر كذلك،
بالذكر، ولم يوجد.
فأما إذا كان المتروك ثلاث صلوات في ثلاثة أيام ظهر وعصر ومغرب، فالجواب
على قولهما ما سبق أنه يصلي كل صلاة مرة، وبأيهما بدأ جاز، وقول أبي حنيفة
رحمه الله غير مذكور في «الكتاب» ، وقد اختلف المشايخ (88ب1) على قوله
بعضهم قالوا: يصلي تسع صلوات؛ لأن المتروك لو كان صلاتين يصلي ثلاثاً على
ما سبق وكذا هاهنا، ثم يصلي بعد ذلك الثالثة وهو المغرب ثم الثلاث التي بدأ
بها لجواز أن تكون المغرب من المتروكة أولاً، وأما إذا كان المتروك أربعاً
بأن ترك معها العشاء، فالجواب عندهما على ما بينا.
وأما عند أبي حنيفة رحمه الله، فقد اختلف المشايخ قال بعضهم: يصلي خمسة
عشرة صلاة؛ لأن في الثلاث يصلي السبع على ما بينا؛ فكذلك هاهنا ثم يصلي
الرابعة، فصار ثمانية ثم يعيد السبع لجواز أن تكون الرابعة هي المتروكة
أولاً.
فأما إذا كان المتروك خمساً، فكذلك الجواب عندهما، وعلى قول أبي حنيفة رحمه
الله اختلف المشايخ بعضهم قالوا: يعيد إحدى وثلاثين؛ لأنه لو كان المتروك
أربعاً يصلي خمسة عشرة ثم يصلي الخامسة، فصار ست عشرة، ويحتمل أن تكون
الخامسة هي الأولى، وما أدي قبلها كان نفلاً، فيصلي خمسة عشرة، فصار إحدى
وثلاثين وبعض مشايخنا قالوا: الجواب في هذه المسائل، وهو ما إذا كان
المتروك ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً على قول أبي حنيفة رحمه الله نظير
الجواب على قولهما بخلاف ما إذا كان المتروك صلاتين؛ لأنه إذا كان المتروك
صلاتين أو اعتبرنا الترتيب على قوله يلزمه قضاء ثلاث صلوات، فلا يؤدي إلى
الحرج، ولا إلى فوات الوقتية عن الوقت، أما إذا احتاج إلى قضاء السبع أو
الزيادة على ذلك يؤدي إلى الحرج، وإلى فوات الوقتية عن الوقت، فيصلي ما
فاته، ويبدأ بأيهما شاء ولا يعيد شيئاً كما هو مذهبهما، وعليه الفتوى على
ما تقدم أن من نسي صلاة ذكرها بعد شهر وصلى الوقتية مع ذكرها جاز أداء
الوقتية، وعليه الفتوى، فها هنا كذلك يصلي العصر إذا تذكر أنه ترك سجدة
واحدة، ولا يدري أنها من صلاة الظهر أو من صلاة العصر التي هو فيها، فإنه
يتحرى، فإن لم تقع يجزئه على...... يتم العصر ويسجد سجدة واحدة لاحتمال أنه
تركها من العصر
(1/538)
ثم يعيد الظهر ثم يعيد العصر، وإن لم يعد
لا شيء عليه ولو توهم أنه لم يكبر تكبيرة الافتتاح ثم تيقن أنه كان كبر جاز
له المضي وإن أدى ركناً.
وإذا صلى الظهر ثم تذكر أنه ترك من صلاته فرضاً واحداً، قال: يسجد سجدة
واحدة ثم يقعد ثم يقوم، ويصلي ركعة بسجدة واحدة ثم يقعد ثم يسجد أخرى، هذا
إذا علم أنه ترك فعلاً من أفعال الصلاة، فإن تذكر أنه ترك قراءة تفسد صلاته
لاحتمال أنه صلى ركعة بقراءة ثلاث ركعات بغير قراءة.
ومما يتصل بهذا الفصل من المسائل المتفرقة
إذا أراد أن يقضي الفوائت ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» : أنه ينوي أول ظهر
لله عليه، وكذلك كل صلاة يقضيها، وإذا أراد ظهر آخر ينوي أيضاً أول ظهر لله
عليه؛ لأنه لما قضى الأول صار الثاني أول ظهر لله عليه، ورأيت في موضع آخر
أنه ينوي آخر ظهر لله عليه، وكذلك كل صلاة يقضيها، وإذا أراد ظهراً آخر
أيضاً أول ظهر لله عليه؛ لأنه لما قضى الأول صار الثاني أول ظهر لله عليه،
ورأيت في موضع آخر أنه ينوي آخر ظهر لله عليه، وكذلك كل صلاة يقضيها وإذا
أراد أن يصلي ظهراً ينوي أيضاً آخر، ظهر لله عليه، لأنه لما أدى الآخر صار
الذي قبله آخراً، وإذا قضى الفوائت إن قضاها بجماعة كانت صلاة يجهر فيها
بالقراءة يجهر فيها الإمام، وإن قضاها وحده يخير إن شاء جهر، وإن شاء خافت
والجهر أفضل ويخافت فيما يخافت فيها حتماً، وكذلك الإمام.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» مصلٍ نوى ظهر يوم الثلاثاء فتبين أنه يوم الأربعاء
الظهر إذا نوى أن هذا الظهر ظهر يومه هذا يوم الثلاثاء فتبين أن ذلك اليوم
يوم الأربعاء جاز لظهره؛ لأنه نوى صلاة بعينها وهو الظهر في وقت بعينه، وهو
اليوم الذي هو فيه إلا أنه غلط في اسم الوقت.
ونظير هذا ما ذكر في «النوازل» : إذا صلى الرجل خلف رجل وهو يظن أنه خليفة
فلان إمام هذا المسجد فاقتدى به وهو خليفة في زعمه، فإذا هو غيره يجزئه وإن
نوى الخليفة حتى كبر يريد به واقتدى بالخليفة لا يجوز؛ لأن في الوجه الأول
اقتدى بالإمام مطلقاً، وفي الوجه الثاني اقتدى بالخليفة ولم يوجد.
وفيه إذا افتتح المكتوبة ثم نسي، فظن أنها تطوع، فصلى على نية التطوع حتى
فرغ من صلاته، فالصلاة هي المكتوبة، ولو كان على العكس فالصلاة هي التطوع؛
لأن النية لا يمكن اقترانها بكل جزء من أجزاء الصلاة، فشرط قرانها بأول
الصلاة بقي الفصل الأول المقارن لأول الجزء من المكتوبة، وفي الفصل الثاني
المقارن لأول الجزء ونية التطوع، وإذا كبر للتطوع ثم كبر ونوى به الفرض،
وصلى فالصلاة هي الفرض ولو كان على العكس، فالصلاة هي التطوع؛ لأنه لما
كبّر ونوى الآخر صار داخلاً في الصلاة الأخرى، وإذا أخر الصلاة الفائتة عن
وقت التذكر مع القدرة على القضاء هل يكره، فالمذكور في «الأصل» أنه يكره؛
لأن وقت التذكر هو وقت الفائتة، وتأخير الصلاة عن وقتها مكروه بلا خلاف.
(1/539)
وفي «متفرقات الفقيه أبي جعفر» : عن خلف بن
أبي أيوب عن أبي يوسف رحمة الله عليهم، فيمن فاتته صلاة واحدة ومضى على ذلك
شهر ثم تذكرها فله أن يؤخرها ويقضي ثم يقضيها، قال الفقيه أبو جعفر رحمه
الله: وكذلك من وجبت عليه كفارة يمين، فأخرها جاز ذلك ولم يكره والله أعلم.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : رجل صلى خمس صلوات ثم علم أنه لم يقرأ في
الأوليين من إحدى الصلوات الخمس ولا يعلم تلك الفائتة، فإنه يعيد الفجر
والمغرب؛ لأنه إذا قرأ في الأخريين من الظهر والعصر والعشاء أجزأه بخلاف
الفجر والمغرب، فيعيدهما احتياطاً، ولو تذكر أنه ترك القراءة في ركعة واحدة
ولا يدري من أي صلاة تركها، قالوا: يعيد صلاة الفجر والوتر؛ لأنهما تفسدان
بترك القراءة في ركعة واحدة منهما؛ ولو تذكر أنه ترك القراءة في أربع ركعات
يعيد صلاة الظهر والعصر والعشاء ولا يعيد الوتر والفجر والمغرب، ولو أن ...
في بعض ... في صلاة الفجر في وقتها وصلى بعدها الظهر والعصر والمغرب
والعشاء أشهراً، كذلك على حسبان أنه يجوز، فالفجر الأول جائز؛ لأنه أداها،
ولا فائتة عليه والصلوات الأربع التي يعيدها لا تجوز، وكذلك الفجر الثاني؛
لأنه صلاها وعليه أربع صلوات والفجر الثالث يجوز؛ لأنه صلاها وعليه أكثر من
يوم وليلة (89أ1) ، قالوا وينبغي أن ينقلب الفجر الثاني جائزاً على قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن فساد الفجر الثاني موقوف عنده لما علم في
أصله، قال: وكذلك هل الفجر جائز وغير الفجر لا يجوز والله أعلم.
(1/540)
|