المحيط البرهاني في الفقه النعماني

الفصل السابع في أداء الزكاة والنية فيه
وإذا كان للرجل على رجل دين حال عليه الحول، فوهبه ممن عليه دين أو تصدق به عليه، فهذا على وجهين:
الأول: أن يكون الموهوب له غنياً، وفي هذا الوجه لا يجزئه عن زكاته، وهذا ظاهر؛ لأن محل صرف الزكاة الفقراء دون الغني، وهل يصير ضامناً للزكاة؟ ذكر في «الجامع» وعامة الروايات أنه يصير ضامناً، وذكر في «نوادر الزكاة» (137أ1) لأبي سليمان أنه لا يصير ضامناً؛ لأنه استهلك النصاب قبل وجوب الأداء، فلا يصير ضامناً كما لو استهلكها قبل الحول.
بيانه: أن أداء الزكاة عن الدين إنما تجب بعد القبض على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء، فقبل القبض لا يكون الأداء واجباً.
وجه ما ذكر في عامة الروايات: أنه استهلك النصاب بعد وجوب الزكاة، فيضمن كما لو وهب النصاب العين من الغني.
بيانه: أن الدين الواجب بدلاً عما هو مال نصاب قبل القبض بالإجماع على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى. وما يقول بأن الأداء ليس بواجب قبل القبض، قلنا:

(2/277)


أصل الوجوب ثابت قبل القبض بالإجماع إن لم يكن وجوب الأداء ثابتاً، فباعتبار أصل الوجوب يصير مستهلكاً، وباعتبار وجوب الأداء لا يصير مستهلكاً، فرجحنا جانب الاستهلاك ليمكننا إيجاب الضمان احتياطاً لأمر العبادة.

الوجه الثاني: إذا كان الموهوب له فقيراً، فهذا على وجهين أيضاً:
الوجه الأول: أن يهب كل الدين منه، وإنه على وجهين أيضاً: أما إن لم ينو الزكاة، وفي هذا الوجه يجزئه عن زكاة هذا الدين استحساناً. ولو كان مكان الهبة صدقة يجزئه عن زكاة هذا الدين قياساً واستحساناً. هكذا ذكر في «الجامع» ، وذكر القدوري في كتابه «فضل الصدقة» ، وجعل على القياس والاستحسان كالهبة.
أما الكلام في الصدقة، فوجهه: أنه وجد أصل نية العبادة؛ لأن الصدقة ما ينبغي بها وجه الله إلا أنه لم يوجد نية الفرض، لكن نية الفرض مستغنى عنها لكون النصاب متعيناً. يوضحه: أن قدر الزكاة من النصاب صار حقاً للفقير، فإذا وصل ليد الفقير بأي طريق ما وصل يقع عن المستحق على ما عرف.
وفي «المنتقى» : روى المعلى عن أبي يوسف: رجل له مائتا درهم حال عليها الحول، فتصدق بها كلها، ولا نية له، فعليه أن يتصدق بخمسة دراهم لزكاتها. وروى ابن سماعة عنه أنه يجزئه عن الزكاة.
أما الكلام في الهبة فإنما لم يجزه عن زكاة هذه الدراهم ... قياساً؛ لأنه لم يوجد نية القربة أصلاً، ويجزئه استحساناً؛ لأن نية المال من الفقير يقصد بها أيضاً مرضاة الله تعالى، فصارت الهبة من الفقير والتصدق عليه سواء.
الوجه الثاني: إذا وهب كل الدين ممن عليه ناوياً الزكاة، وإنه على ثلاثة أوجه: إما إن نوى زكاة العين الذي عنده، وأنه لا يجزئه قياساً واستحساناً؛ لأنه أدى الكامل بالناقص؛ لأن الدين في المالية أنقص من العين على ما عرف، وأداء الكامل بالناقص لا يجوز؛ ولأن النصاب إذا كان عيناً، فالواجب تمليك جزء منه من كل وجه، وهبة الدين لمن عليه تمليك من وجه، إسقاط من وجه، ولهذا يصح من غير قبول وإنما يصح من حيث أنه إسقاط، والتمليك من وجه دون التمليك من كل وجه، والشيء لا يتأدى بما دونه.

وإما إن نوى زكاة دين آخر له على رجل آخر، وإنه لا يجزئه أيضاً قياساً واستحساناً؛ لأن الدين الآخر بمحل أن يصير عيناً بالقبض، والدين الموهوب له ليس بمحل أن يصير عيناً، فيصير مؤدياً الدين عن العين باعتبار المال، وقد ذكرنا أن أداء الدين عن العين لا يجوز.
وإما أن يؤدي زكاة هذا الدين، وفيه قياس واستحسان، القياس: أن لا يجزئه؛ لأن الواجب في باب الزكاة التمليك من كل وجه، ولهذا لا يتأدى بالإعتاق، وهبة الدين إسقاط من وجه على ما مر.

(2/278)


وفي الاستحسان: يجزئه؛ لأن المؤدى المثل عن المثل؛ لأن المؤدى عنه دين كالمؤدى، والمؤدى عنه لا يصير عيناً في الثاني كالمؤدى، فيجزئه وما قول من المعنى.
قلنا: التمليك من كل وجه إنما يجب إذا كان الواجب في النصاب فائدة للتمليك من كل وجه، إما حالاً كما في العين، أو مآلاً كما في الدين له على آخر، أما إذا كان لا يقبل التمليك إلا من وجه كما في مسألتنا لا يجب إلا هذا القدر، هذا إذا وهب كل الدين ممن عليه، وهو فقير، فأما إذا وهب بعض الدين ممن عليه وهو فقير إن لم ينوِ الزكاة لا يسقط عنه شيء من الزكاة، عند أبي يوسف إذا كان الباقي بعد الهبة بقي بحق الفقير، حتى لو وهب منه مائة وخمسة وتسعين، وبقيت خمسة كان عليه أن يؤدي خمسة؛ لأن ما بقي يصلح زكاة هذا الدين، ولو وهب مائة وستة وتسعين كان عليه أن يؤدي أربعة دراهم، وعلى قول محمد: تسقط عنه زكاة ما وهب من الفقير، وإنما عليه زكاة الباقي لا غير حتى لو وهب له مائة سقط عنه درهمان ونصف وبقي عليه درهمان ونصف، وعلى هذا الخلاف إذا وهب البعض من الفقير ناوياً عن التطوع.
وذكر القدوري في «شرحه» : إذا تصدق ببعض ماله، ولم ينوِ الزكاة وجعله على الخلاف على نحو ما ذكرنا في الهبة.

فوجه قول محمد رحمه الله: أن الواجب شائع في الكل، ولو وهب الكل ليس يسقط عنه جميع الزكاة، فإذا وهب البعض يجب أن يسقط قدر ما فيه اعتباراً للبعض بالكل، ولأبي يوسف أن بعد حَوَلان الحول صار النصاب مشتركاً بين الفقير وصاحب المال، فإذا وهب منه البعض، ولم تحضره النية، أو نوى التطوع انصرفت الهبة إلى نصيبه بقي حق الفقير بكماله، فيلزمه الأداء بخلاف ما إذا وهب كل النصاب؛ لأن بعد هبة الكل ليس له مال تصرف الهبة إلى نصيبه خاصة، فصرفناها إلى النصيبين جميعاً.
فأما إذا وهب بعض النصاب ممن عليه ناوياً الزكاة، إن نوى زكاة العين أو زكاة دين له على رجل آخر لا يجزئه قياساً واستحساناً، وإن نوى زكاة هذا الدين لا شك أنه لا يجزئه عن زكاة الباقي قياساً واستحساناً؛ لأن الباقي يصير عيناً في الباقي بالقبض، وكان بمنزلة ما نوى زكاة دين له على رجل آخر، فأما عن قدر ما وهب، ودفعت المرأة عنه للمدفون لا يجزئه قياساً، ولا تسقط زكاة ذلك القدر، ويجزئه استحساناً، حتى أنه لو وهب منه مائة تسقط عنه درهمان ونصف حصة الموهوب، ويؤدي درهمين ونصف عن الباقي، ولو وهب منه خمسة دراهم يؤدي عن الباقي خمسة دراهم إلا ثمن درهم، والقياس والاستحسان في هذا نظر القياس والاستحسان إذا وهب الكل منه ناوياً عن الدين الذي له عليه.
وفي «القدوري» : إذا نوى أن يؤدي الزكاة، فجعل يتصدق إلى آخر السنة، ولم تحضره النية، يعني وقت التصدق لا يجزئه، فإن أفردها للزكاة، فتصدق مال أرجو أن يجزئه.

وفي «نوادر هشام» : سألت محمداً رحمه الله عن رجل قال: ما تصدقت به إلى آخر

(2/279)


السنة، فقد نويت أنه من الزكاة، وفي وقت التصدق لم تحضره النية قال: أرجو أن يجزئه، ولو تصدق بخمسة ينوي بها التطوع والزكاة بل عن الزكاة في قول أبي يوسف، وقال محمد: يقع عن التطوع؛ لأنه لا وجه إلى اعتبار النيتين لتناف سببهما، ولا وجه إلى اعتبار أحديهما لا بعينها ولا بغير عينها، فبطلتا فتقع عن التطوع كما لو لم تحضره النية أصلاً، ولأبي يوسف أن الفرض أقوى من النفل، والتعيين بالنية يحتاج إليه في الفرض دون النفل، فيندفع النفل بالفرض، والله أعلم.

الفصل الثامن في المسائل المتعلقة بمن توضع الزكاة فيه
قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} (التوبة: 60) (138أ1) . والآية جامعة محل الصدقات من جملة ذلك الفقراء والمساكين، وفيها ما يدل على أن المساكين والفقراء صنفان، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
ووجه الدلالة: أن الله تعالى عطف المساكين على الفقراء، والمعطوف غير المعطوف (عليه) ، وعن أبي يوسف أنهما صنف واحد.

بيانه: فيمن أوصى بثلث ماله لفلان، وللفقراء والمساكين، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لفلان ثلث الكل، ولكل صنف ثلث آخر، وعلى ما روي عن أبي يوسف لفلان نصف الثلث، وللفريقين نصف الثلث كأنهما فريق واحد، والصحيح قول أبي حنيفة رحمه الله، ثم اختلفت الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله في معنى المسكين والفقير، روى أبو يوسف عنه أن الفقير الذي لا يسأل؛ لأنه يجد ما يكفيه للحال، والمسكين الذي يسأل؛ لأنه لا يجد شيئاً، قال الله تعالى: في صفة الفقراء: {لا يسألون الناس إلحافاً} (البقرة: 273) قيل: لا إلحافاً ولا غير إلحاف، وقال الله تعالى في المساكين: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً} (الإنسان: 8) قيل: وقد جاء يسأل، وهذه الرواية تدل على أن الفقر أفقر، وفائدة ذلك تظهر في الوصايا لا في الزكاة لجواز صرف الزكاة إلى صنف واحد على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله.
وأما العاملين: فهم العمال الذين نصبهم الإمام لاستيفاء صدقات المواشي، فيعطيهم ما في يده من مال الصدقة ما يكفيهم وعيالاتهم وأعوانهم في مجيئهم وذهابهم، وإن أحاط ذلك بنصف العشر أو بثلاثة أرباعه ذكره المعلى في «نوادره» ؛ وهذا لأنهم حبسوا أنفسهم لعمل المسلمين، فيستحقون كسواتهم في مالهم كالقاضي والمفتي والمحتسب ومن بمعناهم..
قال «القدوري» في «كتابه» : لو هلك المال في يد العامل سقط حقه، وأجزأت عن الزكاة، أما سقوط حقه؛ فلأن حقه في المال الذي في يديه، فيسقط بهلاكه كما في المضاربة إذا هلك في يد المضارب بعد العمل، وأما جواز الزكاة؛ فلأن قبض العاشر

(2/280)


بعد الحول واقع للفقير، وكان كقبض الفقير بنفسه.
قال القدوري أيضاً: وُكِلَ للعامل أخذ العمالة، وإن كان غنياً، ولم يذكر ما إذا كان العامل هاشمياً، وذكر الكرخي والطحاوي والجصاص أنه لا يحل له ذلك عند علمائنا؛ لأن المأخوذ من أجر الصدقة، فتكون فيه شبهة الصدقة، قلنا: والشبهة في هذا الباب تعمل على الحقيقة في حق الهاشمي منها؛ لقرابة النبي صلى الله عليه وسلّم ولا تعمل عمل الحقيقة في حق غيره، ألا ترى أن الصدقة حرمت على مولى الهاشمي الغني، ولم تحرم على مولى الغني.
وفي «المنتقى» : رجل من بني هاشم استعمل على الصدقة، ونوى له فيها رزق، فإنه لا ينبغي أن يأخذ من ذلك، وإن عمل فيها ورزق من غيرها، فلا بأس بذلك.
وأما المؤلفة قلوبهم: فهم قوم من المشركين كان رسول الله عليه السلام يعطيهم شيئاً تألفاً لهم حين كان بالمسلمين ضعف وبالكفار قوة، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّمسقط ذلك لوقوع الاستغناء عن تألفهم لما كثر أهل الإسلام وقوي حالهم، وهو معنى ما نقل عن الشعبي قال: انقطع الرأي بوفاة رسول الله عليه السلام.
وأما الرقاب فالمراد منه المكاتبون، هكذا روي عن علي رضي الله عنه، فالله تعالى جعل لهم سهماً من الصدقة عوناً لهم على أداء المكاتبة، وهو المراد من قوله تعالى: {وآتوهم من مال االذي آتاكم} (النور: 33) وعن هذا قلنا: يجوز صرف الزكاة إلى مكاتب غيره.
وأما الغارمون: فهم الذين لزمهم الدين، فهم محل الصدقة، وإن كان في أيديهم مال إذا كان ذلك المال لا يزيد على الدين قدر مائتي درهم فصاعداً؛ لأن مقدار الدين من ماله مستحق بحاجته الأصلية، فيجعل كالمعدوم، كالماء المستحق بحاجة العطش، وما وراء ذلك إذا كان لا يبلغ مائتي درهم لا يعتبر في جريان الصدقة على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما قوله: {وفي سبيل ا} (التوبة: 60) قال القدوري: في «كتابه» قال أبو يوسف: المراد به فقراء الغزاة، وقال محمد: الحاج المنقطع، وذكر بعض مشايخنا في شرح «الجامع الصغير» أراد الغازي والحاج المنقطع على قول من يقول: إن المراد هو الغازي فقير رقبة أو يداً لا رقبة؛ بأن كان منقطعاً عن ماله، فيكون فقيراً يداً غنياً رقبة، أما إذا كان غنياً رقبة ويداً، فلا يحل له الأخذ، والمراد من قوله عليه السلام: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة» ، وذكر من جملتهم الغازي الغني بقوة البدن، والقدرة على الكسب لا الغنى بملك المال، والغازي وإن كان مكتسباً مستغنياً به يحل له أخذ الصدقة؛ لأن الكسب أقعده عن الجهاد.

(2/281)


وأما ابن السبيل، فهو المنقطع عن ماله، ويجوز الدفع إليه وإن كان له مال كثير في وطنه؛ لأنه غني باعتبار ملك الرقبة فقير باعتبار اليد فلِغنَاه أوجبنا عليه الزكاة، ولفقره أبحنا له الصدقة.
وفي كتاب علي بن صالح للعائر: أن ابن السبيل هو الذي لا يقدر على ماله، وهو غني على أن يستقرض، والقرض عزله من قبول الصدقة، وإن قبل الصدقة أجزأ من يعطيه.

وإذا صرف الصدقة إلى صنف واحد من هذه الأصناف، أو صرفها إلى واحد من صنف واحد بأن أعطى مسكيناً واحداً، أو فقيراً واحداً أجزأه عندنا، وقال الشافعي: لا يجوز، والصحيح مذهب علمائنا لقوله تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (البقرة: 271) والآية تقتضي جواز الصرف إلى فقير واحد؛ لأن الله ذكر الفقراء بلام التعريف، والاسم المذكور بلام التعريف يكون للتجنيس إذا لم يكن ثمة معهود، وليس للفقراء ههنا معهود، وكان هذا الاسم للتجنيس، واسم الجنس عند الإطلاق ينصرف إلى الواحد على ما عرف في موضعه؛ ولأن المقصود دفع الحاجة، فصار التنصيص على الأصناف السبعة، والتنصيص على المحتاجين سواء، ولو وقع التنصيص على المحتاجين، فإن قال الله تعالى: إنما الصدقات للمحتاجين، فإن الصرف إلى محتاج واحد لتعلق الحكم باسم الجنس عند انعدام المعهود، وكذا ههنا.
ولا يعطي من الزكاة والداً وإن علا، ولا ولداً وإن سفل، والأصل في ذلك أن الزكاة عبادة لله تعالى ركنها إخراج المال إلى الله تعالى بواسطة كف الفقر، والإخلاص في العبادة شرط، ولا يتحقق الإخلاص إلا بالانقطاع لحق المؤدي عن المؤدى؛ لأن منافع الأموال مشتركة.
ولا يعطي زوجته بلا خلاف من أصحابنا؛ لأن منافع الأموال مشتركة، فلا ينقطع حق المؤدى عن المؤدى، وكذا لا تعطي المرأة زوجها عند أبي حنيفة لما قلنا، وعندهما تعطيه لما روي أن امرأة ابن مسعود قالت لرسول الله عليه السلام: إني أريد أن أتصدق على زوجي، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة» وأبو حنيفة رحمه الله يحمل الحديث على الصدقة النافلة.

ولا يعطي عبده ومدبره وأم ولده؛ لأن مولاهما يملكه رقبة ويداً، ومنفعة أكسابهم له، فلا يتحقق الإخراج إلى هؤلاء أصلاً، وكذا لا يعطي مكاتبه؛ لأنه مملوك رقبة وكسبه متردد بين أن يكون له وبين أن يكون للمولى، فلا يخلص الإخراج إلى الله تعالى، ولا يصرف في بناء مسجد وقنطرة، ولا يقضي بها دين ميت، ولا يعتق عبداً، ولا يكفن ميتاً، والحيلة لمن أراد ذلك أن يتصدق (138ب1) بمقدار زكاته على فقير، ثم يأمره بعد ذلك

(2/282)


بالصرف إلى هذه الوجوه، فيكون لصاحب المال ثواب الصدقة، ولذلك الفقير ثواب هذه القُرَب، ولا يعطي منها غنياً ولا ولد غني إذا كان صغيراً، وإن كان كبيراً فقيراً جاز الدفع إليه، وهذا لأنه إذا كان صغيراً يعد غنياً بمال أبيه؛ لأن كفايته عليه، ولا كذلك ما إذا كان كبيراً، فهو ليس بغني بغنى الأب؛ لأن كفايته ليس على الأب هكذا. ذكر القدوري في «كتابه» .
وبعض مشايخنا ذكروا في «شرح الجامع الصغير» خلافاً في المسألة، فذكر أن على قول أبي حنيفة يجوز الدفع إلى أولاد الأغنياء إذا كانوا فقراء صغاراً كان الأولاد، أو كباراً، وعلى قول أبي يوسف ومحمد يجوز الدفع إلى الكبار، ولا يجوز الدفع إلى الصغار، وبه أخذ جلال الرازي، وجه قولهما ما ذكرنا.
وجه قول أبي حنيفة أنهم فقراء حقيقة، ووجوب النفقة على غيرهم يدل على فقرهم لا على غناهم؛ لأن الغني لا يستوجب النفقة على الغير، وقال الفقيه أبو بكر الأعمش: إذا كان الأب يوسع عليهم في النفقة لا يجوز الدفع إليهم، وإن كانوا كباراً، وروى أبو سليمان عن أبي يوسف لو أعطي من الزكاة صبياً فقيراً، أبوه غني أو كبير زمناً، أو أعمى لا يعتمل له، وهما في عيال الأب لم يجز، وإن لم يكن الزمن في عياله جاز، وكذلك إذا كانت بنتاً كبيرة في عياله جاز الدفع إليها، هو لفظ «المنتقى» .

وفي «الحاوي» سئل الفقيه عمن دفع زكاة ماله إلى بنت رجل غني، والابنة فقيرة كبيرة، ولها زوج، أو ليس لها زوج، قالوا: قال بعضهم: يجوز، وقال بعضهم: لا يجوز، وعن أبي يوسف أنه قال: إذا كان الأب من المكثرين لا يجوز، قال: وكذلك الاختلاف في المرأة لرجل غني، والمرأة فقيرة، فسئل الفقيه، وكيف يفتي الفقيه في هذين القولين؟ قال: لا أفتي بأحدهما لكن أذكر الاختلاف.
وفي «العيون» : إذا كان ولد الغني بالغاً جاز الدفع إليه، ذكراً كان أو أنثى، صحيحاً كان أو زمناً، قال: وكذا الأب إذا كان محتاجاً، والابن موسر جاز الإعطاء إلى الأب، قال القدوري في كتابه: وقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز الدفع إلى امرأة الغني إذا كانت فقيرة، وعن أبي يوسف: أنه لا يعطي امرأة الغني إذا قضي لها بالنفقة؛ لأنها غنية بمال الزوج، فتستحق النفقة عليه، فهي نظير ولد صغير لغني، إلا أنه شرط القضاء بالنفقة؛ لأن الاستغناء به يتأكد؛ لأن النفقة بدون قضاء القاضي لا تصير ديناً على الزوج، ولهما أن المرأة لا تصير غنية بمقدار ما يقضى لها من النفقة، فإن لها حوائج أخر سوى النفقة تستحق بملك على الزوج، وبه فارق الصبي، ولا يجوز الصرف إلى عبد الغني ومدبره وأم ولده؛ لأن الملك يقع للمولى بالصرف إليهم، وعن أبي يوسف أنه إذا أعطى عبداً زمناً، وليس في عيال مولاه، ولا يجد شيئاً أجزأه، ولو دفع إلى مكاتب الغني يجوز؛ لأن الملك لا يقع للمولى في مكاتبه إلا بعد العجز، وأنه موهوم.

وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف إذا أعطي عبد الغني من الصدقة، والمولى غائب جاز وإن كان المولى غنياً، وفي «الجامع الأصغر» : سئل عبد الكريم عمن دفع زكاة ماله

(2/283)


إلى صبي قال: إن كان حراً حقاً يعقل الأخذ يجوز، وإلا فلا يجوز، ولو دفع إلى المعتوه، فهو على هذا التفصيل، ولو دفع إلى المجنون لا يجوز، وسئل الفقيه أبو إبراهيم عمن دفع زكاة ماله إلى صبي غير عاقل، ثم دفع الصبي إلى الوصي، أو إلى أبويه لا يجوز قال: وهو بمنزلة ما لو وضع الرجل ماله زكاة على الدكان، فأخذها الفقير، فذلك لا يجوز، فهذا كذلك.
قال القدوري في «كتابه» : ولا تجوز الزكاة إلا إذا قبضها الفقير أو بعضها من يجوز قبضه له بولايته عليه، كالأب والوصي يقبضان للمجنون والصبي، وكذلك أقاربهما إذا كانا في عيالهم، وكذلك الأجنبي الغني بقوله، وكذلك الملتقط يقبض للقيط، فأما الفقير البالغ فلا يقع القبض له إلا بتوكيله؛ لأنه غير مولى عليه بخلاف الصبي والمجنون.
ولا يجوز أن يعطى من الزكاة فقراء بني هاشم، ولا مواليهم، قال عليه السلام «الصدقة محرمة على بني هاشم» ومولى القوم من أنفسهم، وقال عليه السلام: «يا بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة الناس، وعوضكم منها بخمس الخمس من الغنيمة» .
قال: وبنو هاشم الذي تحرم عليهم الصدقة آل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل علي، وولد الحارث بن عبد المطلب؛ لأن الله تعالى إنما حرم الصدقة على من عوضه عنه خمس الخمس من الغنيمة، وهو خمس ذوي القربى، ومنهم ذوي القربى يختص هؤلاء، فكذا تحرم الصدقة، وإنما تحرم على هؤلاء الصدقة الواجبة من العشور والبذور والكفارات، فأما الصدقة على وجه الصلة والتطوع، فلا بأس؛ لأن في الواجب المؤدي نفسه بإسقاط الفرض، فيتدنس المؤدى بمنزلة من استعمل الماء في الوضوء، وهو معنى قوله يا بني هاشم «إن الله تعالى كره لكم غسالة الناس» .

فأما في النفل يتبرع المؤدي بأداء ما ليس عليه، فلا يتدنس المؤدى بمنزلة من تبرد بالماء وروى عن أبي يوسف: أنه جوز صرف صدقات الأوقاف إليهم إذا سموا في الوقف؛ لأن حال بني هاشم في حرمة الصدقة كحال الأغنياء، ثم يجوز صرف صدقات الوقف إلى الأغنياء إذا سموا في الوقف، فكذا إلى بني هاشم، فأما إذا لم يسموا في الوقف لا يجوز الصرف إليهم كما لا يجوز إلى الأغنياء.
وحكى أبو عصمة الكبير عن أبي حنيفة: أنه تجوز الصدقة لفقراء بني هاشم، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال: لا بأس بصدقة بني هاشم بعض على بعض، ولا أرى الصدقة عليهم، ولا على مواليهم من غيرهم.
وفي «العيون» : إذا كان يعوله يتيماً، فجعل يكسوه ويطعمه، ويجعل ما يكسوه

(2/284)


ويأكل عنده من زكاة ماله، فالكسوة أشك أنه تجوز من زكاته لوجود الركن، وهو التمليك فيها، وأما الطعام، فما يدفع إليه بيده أيضاً يجوز لوجود الركن فيه، وهو التمليك، وما يأكله بنفسه من غير أن يدفع إليه لا يجوز لانعدام الركن فيه.
وفي «المنتقى» : قال هشام: سألت أبا يوسف رحمه الله عن صبي فقير يعوله يكسوه ويطعمه، ويده مع يده، فيحتسب ما يأكل عنده من زكاة ماله بالقيمة يجوز، وقال محمد رحمه الله: لا يجزئه في الطعام بطريق الإباحة والتمكين، وإنما يجزئه إذا دفعه إليه بطريق الهبة والكسوة يجزئه بالقيمة.
قال محمد رحمه الله: ولا تحل الزكاة لمن له مائتا درهم فصاعداً، ولا بأس بأن يأخذها من له أقل من مائتي درهم.

يجب أن يعلم بأن الغنى محرم للصدقة، ولا خلاف لأحد فيه، وإنما الخلاف في يده، والصحيح أنه مقدر بملك مائتي درهم وما يبلغ قيمته مائتي درهم فاضلاً عن مسكنه، وأثاث مسكنه وخادمه، ومركبه وسلاحه وثياب بدنه، وهذا لأن ملك المائتين أو ما يبلغ قيمته مائتين فاضلاً عن هذه الأشياء أمارة الغنى، بدليل أنه وجب على صاحبه وظائف الغني من الزكاة والأضحية، وصدقة الفطر، أما ملك ما دون مائتين عن هذه الأشياء (فليس) أمارة الغني، بدليل أنه لو ما تبلغ قيمته دون المائتين ليس أمارة الغنى ألا ترى أنه لم يجب على صاحبه (139أ1) . شيء من وظائف الغني، وإذا لم يكن غنياً كان أو فقيراً، ومحل الصدقات الفقراء وإنما يعتبر في المسكن والكسوة وأثاث البيت مقدار الكفاية، بدليل ما روى هشام عن محمد أنه سئل عمن له فضل على كسوته، أو عن متاع بيته، أو فضل على مسكنه قدر مائتي درهم، أيعطى من الزكاة؟ قال: لا إذا كان مستغنياً عنه. يعني عن فضل الكسوة والمتاع.
وذكر ابن سماعة عن محمد، إذا كان للرجل داراً تساوي عشرة آلاف درهم لجودة موضعه، وقربه من السوق، وليس فيها فضل عن سكناه، قال: تحل له الزكاة، وإنما لا تحل له الزكاة إذا كان في مسكنه فضل عن سكناه ما يساوي مائتي درهم.
وفي «البقالي» : وأطلق في الكتب عن محمد رحمه الله: إذا كان له دار تساوي عشرة آلاف درهم، ولو باعها، واشترى بألف لوسعته بذلك لا آمره ببيعها، وعن نصر رحمه الله: إذا كان فيها بستان لا يحتاجون إليها اعتبرت قيمتها وقيمته أيضاً، ويعتبر ما زاد على الدار الواحدة في (العادة) ، وكذا ما زاد على الثوب للبسه من الثياب للشتاء والصيف (دينوي البلد في الباب هنا والصيف) وكذا ما زاد على الفرسين للغازي.

وسئل الفقيه أبو القاسم عمن له كتب العلم، وهو من أهله، وأنه يساوي مائتي درهم هل يحل له أخذ الزكاة؟ قال: روى محمد بن سلمة عن أصحابنا: أنه يحل، وإن كان له مصاحف لا يحل، ثم رجع، وقال: يحل، قال أبو القاسم: من كان له كتب،

(2/285)


وهو يحتاج إليها لحفظها، ودراستها يحل له أخذ الزكاة أدباً كان، أو فقهاً أو حديثاً، وقال أبو بكر: في الكتب كذلك، وفي المصاحف والأسابع وغيرها قال: لا يحل له أخذ الزكاة، قال: لأنه يجد مصحفاً آخر مثله، أما لا يجد كتباً مثل كتبه؛ لأنه ربما قابله وأحكمه، وكان الفقيه أبو الليث يقول: لا فرق بين الكتب، والمصاحف ويحل له أخذ الزكاة إذا كان من الكتب، والمصاحف ما يحتاج إليه، وبه كان يقول بصير، وإليه مال الصدر الشهيد حسام الدين، وإن كان عنده من المصاحف والكتب ما لا يحتاج إليه، ويبلغ قيمته مائتي درهم فصاعداً، لا يحل له أخذ الزكاة.
وسئل محمد بن الحسن عمن له أراضي يزرعها، أو حوانيت يستعملها، قال: إن كان غلتها تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة لا يحل له أخذ الزكاة، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، وإن كان غلتها لا تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة، قال محمد: يحل له أخذ الزكاة إذا كان بلغ قيمتها الوفاء، قال محمد رحمه الله: لست أنظر في هذا إلى ثمنها، وإنما أنظر إلى دخلها، وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: لا يحل له أخذ الزكاة إذا كان تبلغ قيمتها نصاباً.
والحاصل: أن ما يكون مشغولاً بحاجته الحالية نحو الخادم والمسكن، وثيابه التي يلبسها في الحال لا تعتبر في تحريم الصدقة بالإجماع، وما يكون فاضلاً عن حاجته الحالية لا يعتبر في تحريم الصدقة، وإنما اعتبرنا الفراغ عن الحاجة الحالية في التحريم، بأنا لو اعتبرنا الفراغ عن الحاجة الحالية لا يتصور التحريم؛ لأن الإنسان خلق محتاجاً يحتاج إلى جميع ما في يديه في التالي.

إذا ثبت هذا فنقول: الضيعة فارغة عن الحاجة الحالية حقيقة، فاعتبرناها في تحريم الصدقة اعتباراً للحقيقة، وبقولهما أخذ أبو عبد الله البلخي، ومحمد رحمه الله: اعتبرها من الحاجة الحالية؛ لأن الملك في الضيعة ما لا يستخلف ساعة فساعة، فمتى لم تبح له الصدقة يحتاج إلى بيعها إذا كانت غلتها لا تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة، ويشق على كل أحد بيع الضيعة، فاعتبر الضيعة من الحاجة دفعاً للمشقة عن الناس، وبقوله أخذ محمد بن مقاتل ومحمد بن سلمة، بخلاف ما إذا كان غلتها تكفي لنفقته ونفقة عياله سنة؛ لأنه إذا كان كذلك لا يحتاج إلى بيعها لو لم تبح له الصدقة، فلا تعتبر الضيعة والحالة هذه من الحوائج الحالية، فتعتبر في تحريم الصدقة، وقيل: على قول محمد رحمه الله، إذا كان غلة الضياع لا تكفيه لتقصيره في العمل، فهو غني.
وإن كان عنده بقر يحتاج إليه للحراثة، فعندهما يعتبر في تحريم الصدقة، وعند محمد لا يعتبر؛ لأنه من توابع الضيعة، فلا يعطى له حكم نفسه، بل يكون له حكم الضيعة والله أعلم.

وفي «البقالي» : ما زاد على الثورين وآلة العددين يعتبر في تحريم الصدقة، والبقرة تعتبر في تحريم الصدقة، وإذا اشترى طعاماً، لقوته مقدار ما يكفيه شهراً، أو أكثر من ذلك أو أقل، وهو يساوي مائتي درهم فصاعداً، فإن كان قوت شهر أو أقل حل له أخذ

(2/286)


الزكاة بلا خلاف بين المشايخ؛ لأنه مشغول بحاجته وإن كان أكثر من الشهر اختلفوا فيه، قال بعضهم: لا يحل له أخذ، وبه قال نصير، وهو اختيار الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله؛ لأن الشهر هو العدل فيما يدخر الناس لأنفسهم قوتاً، وكان ما وراء ذلك فاضلاً عن حاجته، وبعضهم قالوا: يحل له ذلك إلى سنة، فقد صح «أن النبي عليه السلام ادخر لنسائه قوت سنة» ، وإن كان أكثر من سنة لا يحل له أخذ الزكاة بلا خلاف، وقال نصير: فيمن كان له كسوة الشتاء، وهو لا يحتاج إليها في الصيف، أنه يحل له أخذ الزكاة، وإن بلغ قيمتها مائتي درهم وزيادة، وقال أبو القاسم: فيمن كان له على آخر دين مؤجل واحتاج، حل له الأخذ مقدار كفايته إلى حلول الأجل، قال: وكذلك المسافر إذا كان له مال في وطنه واحتاج، فله أن يأخذ من الزكاة قيمة ما يبلغه إلى وطنه، وسئل نصير عمن له دار وبستان في الدار، وقيمة البستان مائتا درهم فصاعداً، قال: إن كان البستان ليس فيه من مرافق الدار نحو المطبخ، والموضأ، وغيره مما يحتاجون إليه، لا يحل له أخذ الزكاة.
وفي «الواقعات» للصدر الشهيد رجل له مائتا درهم على إنسان والمديون مقر به، هل يحل لصاحب الدين أخذ الزكاة؟ قال: إن كان المديون معسراً، فقد اختلف المشايخ المتأخرون فيه، والمختار أنه يحل؛ لأن يده زائل عن ماله، وكان بمنزلة ابن السبيل، وإن كان موسراً لا يحل له أخذ الزكاة، وإن كان ما به جاحد لدينه، فإن كانت له بينه عادلة، لا يحل له أخذ الزكاة أيضاً؛ لأن ماله في يده معنى؛ لأنه يمكنه أخذه متى شاء بواسطة إقامة البينة، وإن لم يكن له بينة عادلة يحل له أخذ الزكاة للحال، وإنما يحل له إذا رفع الأمر إلى القاضي، وحلفه القاضي فحلف؛ لأن قبل ذلك الوصول إليه مأمول، وبعد ذلك وقع اليأس عنه بحكم الظاهر، فيحل له الأخذ.
وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا دفع زكاة ماله إلى أخته، وهي تحت زوج، إن كان مهرها أقل من مائتي درهم، أو أكثر من مائتي درهم، إلا أن المعجل أقل من مائتين أو كان أكثر، إلا أن الزوج معسر جاز الدفع، وهو أعظم للأجر، وإن كان المعجل أكثر من مائتي درهم، والزوج موسر، فعند أبي حنيفة الآخر، فكذلك الجواب، وعندهما لا يجوز الدفع، ولا يحل لها الأخذ بناءً على أن المهور قبل القبض، هل تكون نصاباً؟ ووجوب الأضحية وصدقة الفطر عليها، على هذا قال الصدر الشهيد رحمه الله: يفتى بقولهما احتياطاً.
في «العيون» : رجل يعول أخته أو أخاه أو عمه، فأراد أن يعطيه الزكاة إن لم يكن فرض عليه القاضي نفقته جاز؛ لأن التمليك من مولاه بصفة القربة يتحقق من كل وجه، فيتحقق ركن الزكاة، وإن كان القاضي فرض عليه نفقته، إن لم يحتسب المؤدى إليه نفقته

(2/287)


جاز أيضاً، وإن كان يحتسب لا يجوز؛ لأن هذا أداء الواجب بواجب آخر.
وقال في «الحاوي» : قال أبو بكر الإسكاف: لو دفع الزكاة إلى أخته، وهي في عياله جاز، وكذلك لو فرض الحاكم عليه نفقتها جاز من الزكاة، والنفقة جميعاً، قال به، وقيل: لم يجز بعد الفرض.

وفي «المنتقى» عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: رجل فرض عليه القاضي نفقة قرابته، وأعطاه من زكاة ماله جاز.
وكذلك إذا نوى أن تصير (139ب1) .
h
النفقة التي ينفق عليهم بأمر القاضي من زكاته أجزأه، وذكر عن الحسن بن مالك عن أبي يوسف: إن نوى بما يعطيهم ما فرض القاضي عليه لم يجز، ووجهه ما ذكرنا أن هذا أداء الواجب بواجب آخر، ووجه ما روي عن أبي حنيفة: أن بعد فرض القاضي ما تغيرت ماهية النفقة، فإنها صلة شرعاً، فلا يمنع وقوعها عن الزكاة، ألا ترى أن على أصله من اشترى أباه ناوياً عن كفارة يمنه أجزأه عن الكفارة، وهذا الشراء واجب صلة للقرابة ثم وجوبه بجهة الصلة لم يمنع وقوعه بجهة الكفارة، كذا ههنا.
أبو سليمان عن أبي يوسف: رجل له مائة ألف وعليه مائة ألف، قال: استحسن أن لا يعطى من الزكاة، وإن أعطي أجزأه من المعطي.
وفي «فتاوى ما وراء النهر» سئل الشيخ الإمام الزاهد أبو حفص الكبير عمن يعطي الزكاة إلى الفقراء أحب إليك، أم إلى من عليه دين ليقضي دينه؟ قال: إلى من عليه دين.
وفي «الواقعات» للناطفي: ولا ينبغي لأحد أن يسأل إليك وعنده قوت يومه؛ لأن السؤال لا يجوز إلا لضرورة. قال محمد رحمه الله: في «الأصل» إذا أعطى زكاة ماله مائتي درهم أو ألف درهم إلى فقير واحد، فإن كان عليه دين مقدار ما دفع إليه، أو كان صاحب عيال يحتاج إليه للإنفاق عليهم، فإنه يجوز ولا يكره، وإن لم يكن عليه دين، ولا صاحب عيال، فإنه يجوز عند أصحابنا الثلاثة، ويكره، وقال زفر: لا يجوز، وذكر في «الجامع الصغير» وقال أبو يوسف: يجوز في المائتين، ولا يجوز في الزيادة عليها.

وجه قول زفر: أن الغنى صارت ههنا؛ لأن الغنى حكم الأداء، والحكم يقارن العلة، فيحصل الأداء إلى الغني، ولعلمائنا الثلاثة على ما ذكر في «الأصل» ، أن الأداء يلاقي كف الفقير من كل وجه، وإنما ثبت الغنى بعد ذلك حكماً للأداء، إلا أن الأداء يلاقي كف الغني من وجه، وكف الفقير من وجه.
بيانه: أن الغنى حكم الملك، والملك إنما ثبت بعد تمام التمليك، فكان الغنى متأخراً عن التمليك، فلا يصلح مانعاً من التمليك؛ لأن المانع من الشيء سابق عليه، ولا يكون متأخراً عنه إلا أنه يكره؛ لأن الغنى أفضل بالدفع، ولهما به منع الجواز، فإذا اتصل به، وقرب منه أوجب الكراهة.
قال في «الجامع الصغير» : ولا بأس بأن يعطي أقل من مائتين، وأن يغني به إنساناً واحداً أحب من أن يفرقها، لم يرد بقوله: وأن يغني إنساناً أحب إلى الغنى المطلق؛ لأن

(2/288)


تحصيل ذلك مكروه على ما بيناه، وإنما أراد به الغنى الحالي، وهو الغنى عن السؤال لحاجة الوقت؛ لأن المقصود من الصدقة دفع حاجة الوقت قال عليه السلام: «أغنوهم عن السؤال في مثل هذا اليوم» وإنما استحب هذا الإغناء؛ لأنه يوافق أمر الشرع، ويحقق ما هو المقصود من شرع الصدقة، وعن هذه المسألة قال مشايخنا: من أراد أن يتصدق بدرهم ينبغي له أن يتصدق به على فقير واحد، ولا يشتري به فلوساً، ويفرقها على المساكين، إن الفقيه من أغنى الفقير عن السؤال، وإنما يحصل الإغناء بصرف الدرهم إلى فقير واحد.
وفي «المنتقى» قال همام: سألت أبا يوسف عن الرجل له مائة وتسعة وتسعون درهماً، فتصدق عليه بدرهمين، قال: يأخذ واحداً، ويؤدي واحداً.
وفيه قال هشام: سألت محمداً عن رجل له تسعة عشر ديناراً تساوي ثلثمائة درهم، هل يسعه أن يأخذ الزكاة؟ قال: نعم، ولا يجب عليه صدقة رأسه، أشار إلى أن الغنى إنما يثبت في يده، والمالية ليست في يده، وإنما في يده العين، وبالعين لا يثبت الغنى شرعاً.

وفيه أيضاً: وقال أبو يوسف: في رجل نوى أن يعطي رجلاً ألف درهم من زكاة ماله والرجل معسر، وليس عليه دين، فجاء المعطي بألف درهم فوزنها له مائة، كلما وزن مائة دفعها إليه، قال تجزئة الألف من زكاته إذا دفعها في مجلس واحد، ويجعل كأنه دفع الكل إليه بدفعة واحدة، وهذه الرواية عن أبي يوسف مخالفة لما حكى عنه في «الجامع الصغير» في المسألة المتقدمة.
قال في «المنتقى» : وكذلك لو نوى أن يعطيه ألف درهم، فجاء المعطي بألف درهم قبل أن يزن له، وقال: إني أعطيك ألف درهم من زكاتي، فهذا مثل الأول، وتجزئه إذا كان في مجلس، وكانت الألف حاضرة عنده، وإن كانت الألف غائبة عنه، ونوى أن يعطيه ألف درهم من زكاة ماله، فأتى بمائتي درهم فوزنها له، فإنه تجزئه من الزكاة المائتان والباقي تطوع.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : وتقسم صدقة كل بلدة في فقرائها، ولا يخرجها إلى بلدة أخرى، واعلم بأن فقراء تلك البلدة مع فقراء بلدة أخرى، إن كانوا في الحاجة على السواء تصرف إلى فقراء تلك البلدة، ولا يصرفها إلى فقراء بلدة أخرى، وإن صرفها إلى فقراء بلدة أخرى يكره؛ وهذا لأن فقراء تلك البلدة مع فقراء بلدة أخرى، إذا كانا في الحاجة على السواء، ففي صرفها إلى فقراء تلك البلدة مراعاة حقين حق الفقير وحق الجوار، وفي الصرف إلى فقراء بلدة أخرى مراعاة حق واحد؛ ولأن في صرفها إلى فقراء بلدة أخرى، والحالة هذه تعريض المال على التلف من غير فائدة.

(2/289)


وعن أبي حنيفة في غير «روايات النوادر» أنه إنما يكره الإخراج إلى بلدة أخرى، إذا كان الإخراج في حينها، بأن أخرجها بعد حَوَلان الحول، فأما إذا كان الإخراج قبل حينها، فلا بأس به، هذا إذا لم يكن فقراء بلدة أخرى ذوي قرابة منه، فأما إذا كان فقراء بلدة أخرى ذو قرابة منه، فعن أبي حنيفة فيه روايتان، روى الحسن في «المجرد» عنه: ولا يخرج الزكاة إلى بلدة أخرى لا لذي قرابة ولا لغيره، وإن أخرج جاز إلا أنه أساء.
وذكر هشام في «نوادره» عن ابن المبارك عن أبي حنيفة: أنه سئل عن إخراج الزكاة إلى بلدة أخرى، فقال: لا إلا لذي قرابته، وروى ابن رستم عن محمد رحمه الله في «نوادره» لا يخرج الزكاة إلى فقراء بلدة أخرى إلا لذي قرابته، وجه الرواية التي قال: لا يخرج إلى فقراء بلدة أخرى قوله عليه السلام لمعاذ رضي الله عنه: «خذها من أغنيائهم، وردها في فقرائهم» من غير فصل.
وجه الرواية الأخرى: أن في الإخراج إلى ذوي قرابته مراعاة حق القرابة، وفي عدم الإخراج مراعاة حق الجوار، ولا شك أن مراعاة حق القربة أولى، ثم يعتبر جوار المال دون المالك، فقد ذكر هشام في «نوادره» عن محمد فيما كان بالرقة، ومعه عشرة آلاف درهم، وعشرة آلاف له بالكوفة أنه يزكي الذي معه بالرقة بالرقة، والذي بالكوفة بالكوفة، وهذا لأن الزكاة كما تجب على المالك تجب بسبب المال، ففي صرفها إلى فقراء جوار المال مراعاة جانب المال، وفي نقلها إلى بلدة المالك مراعاة جانب المالك، وكان في النقل إلى بلدة المالك تعريض المال على التلف من غير فائدة، فكره هذا الذي ذكرنا، إذا كان فقراء تلك البلدة، وفقراء بلدة أخرى في الحاجة على السواء.

فأما إذا لم يكن فقراء تلك البلدة محتاجين، إلا أن فقراء بلدة أخرى أكثر حاجة، فالصرف إلى فقراء بلدة أخرى أولى، فقد صح أن معاذاً كان يأخذ صدقات أهل اليمن، ويبعث إلى النبي عليه السلام بالمدينة، وكان النبي عليه السلام يقسمها بين المهاجرين والأنصار، وإنما كان معاذ يفعل ذلك؛ لأن فقراء المدينة كان أشد حاجة.

وفي «فتاوى ابن الليث» من لا يحل له أخذ الصدقة، فالأفضل له أن لا يقبل (140أ1) . جائزة السلطان؛ لأنها تشبه الصدقة، ولا يحل له قبول الصدقة، فكذا لا يحل له قبول الجائزة وهذا إذا أدى ذلك من بيت المال، فأما إذا أدى ذلك من مال موروث جاز القبول؛ لأنها لا تشبه الصدقة، وإن كان فقيراً، فإن كان السلطان يؤدي ذلك من بيت المال، ولا يأخذ ذلك غصباً من الناس يحل له الأخذ؛ لأنه تحل له الصدقة حقيقة، فههنا أولى، وإن كان يأخذ ذلك غصباً، فإن كان لا يخلط بدراهم أخرى لا يحل له الأخذ، وإن كان يخلط فلا بأس به؛ لأنه ملكه عند أبي حنيفة، حتى وجب عليه

(2/290)


الزكاة، وورث عنه، وقوله: أرفق بالناس؛ لأن أموال الناس لا تخلو عن قليل غصب.
قال محمد في «الأصل» : قوم من الخوارج غلبوا على قوم من أهل العدل، وأخذوا صدقات السوائم، ثم ظهر عليهم الإمام، لا يكون له أن يأخذ الزكاة منهم ثانياً. من المشايخ من قال: إنما لا يكون للإمام ذلك؛ لأن حق الأخذ للإمام بسبب الحماية حتى اختص الأخذ بالأموال التي تكون محمياً بحماية الإمام، نحو السوائم وأموال التجارة التي تكون في المفاوز والأسفار، ولا يثبت حق الأخذ في الأموال الباطنة التي تكون في البلدان؛ لأنها لا تكون محمية بحماية الإمام، والإمام في هذه الصورة لم يحمهم، فلا يثبت له حق الأخذ منهم.

ومن المشايخ من قال: إنما لا يكون للإمام ذلك لا؛ لأن حق الأخذ للإمام بسبب الحماية، بل لأن حق الأخذ للإمام بسبب ولاية أثبتت له بالشرع، ألا ترى أن أخذ الصدقات من الأموال الباطنة كان مفوضاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذلك في زمن أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما كان أخذ الصدقة من الأموال الباطنة مفوضاً إلى الإمام؟ إلا أن عثمان رضي الله عنه في زمنه فوض ذلك إلى أربابها لمصلحة رأى في ذلك، ولما كان حق الأخذ للإمام بسبب الولاية، فنقول: ولايته قد انقطع بسبب تخلية الخوارج، فيبطل حقه في الأخذ، وهل يؤمر أرباب الأموال بالأداء ثانياً، فيما بينهم وبين الله تعالى؟ فالمسألة على وجوه:
الأول: إذا علموا أنهم صرفوا الصدقات إلى الفقراء، وفي هذا الوجه لا يؤمرون بالأداء ثانياً، فيما بينهم وبين ربهم؛ لأنه وصل الحق إلى مستحقه.
الوجه الثاني: إذا علموا بأنهم لم يصرفوها إلى الفقراء، إنما صرفوها إلى شهوات أنفسهم، وفي هذا الوجه يؤمرون بالأداء ثانياً.
الوجه الثالث: إذا لم يعلم من حالهم أنهم ماذا يصنعون بما يأخذون؟ وفي هذا الوجه روايتان: وجه الرواية التي قال: يؤمرون بالأداء ثانياً؛ لأن الحق لم يصل إلى المستحق، ولا إلى نائبه، أما إلى المستحق فظاهر، وأما إلى نائبه؛ فلأن السلطان إنما يصير نائباً عن الفقراء في الأخذ إذا كان يأخذ للفقراء، والخارجي لم يأخذ للفقراء إنما أخذ لنفسه، وجه الرواية التي قال: لا يؤمرون بالأداء ثانياً أن ظاهر البغي، إن كان يدل على الصرف إلى شهوات نفسه، فظاهر العقل والإسلام يدل على الصرف إلى الفقراء، وظاهر العقل والإسلام أدل من ظاهر البغي، فقد وصل الحق إلى باب المستحق، فلا يؤمرون بالإعادة ثانياً ذلك لتهمة البغي يندبون إلى الإعادة وفي «فتاوى أبي الليث» السلطان الجائر إذا أخذ صدقات السوائم فهذا على وجهين:

إما أن ينوي المؤدي عند الأداء الصدقة عنهم، وفي هذا الوجه اختلف المتأخرون منهم قال مفتي أرباب الصدقات بالأداء ثانياً بينهم وبين الله تعالى؛ لأنهم لا يصرفون الصدقات إلى مصارفها. قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: لا يؤمرون بالأداء ثانياً؛ لأن أخذ السلطان منهم صح لأن ولاية الأخذ له، فسقطت الصدقات عن أربابها، فلا يعود

(2/291)


عليهم بعد ذلك، فإن لم يضع السلطان مواضعها، قال الصدر الشهيد رحمه الله: وبهذا أفتي.
هذا هو الكلام في صدقات الأموال الظاهرة، فأما إذا أخذ صدقات الأموال الباطنة ونوى صاحب المال الصدقة عند الأداء، اختلف المشايخ فيه، قال الصدر الشهيد: الصحيح أنه يفتى بالأداء ثانياً؛ لأن أخذ السلطان منه لم يصح، إذ ليس له ولاية أخذ صدقات الأموال الباطنة.

الفصل التاسع في المسائل المتعلقة بمعطي الزكاة
وفي «الجامع الأصغر» : سئل أبو حفص عمن دفع زكاة ماله إلى رجل وامرأة أن يتصدقا بها، فأعطى ولد نفسه الكبير أو الصغير أو امرأته، وهم محاويج، جاز هذا إذا كان المأمور فقيراً، فأما إذا كان المأمور غنياً يجب أن تكون المسألة على الخلاف، كما إذا أدى صاحب المال بنفسه.
وفي «الفتاوى» عن الحسن: رجل أعطى رجلاً دراهم يتصدق بها على الفقراء، فلم يتصدق حتى نوى الآمر من زكاته من غير أن يقول شيئاً، ثم تصدق المأمور، جاز من زكاته، وكذا لو أمره أن يتصدق بها عن كفارة يمينه، ثم نوى زكاة ماله، ثم تصدق.
وفي «المنتقى» : رجل أمر رجلاً أن يؤدي عنه زكاة ماله فأداه قال: يجوز عنه، ولا يرجع على الآمر بما أدى، قال: وكذلك الشريك المفاوض وشريك العنان، أمر شريكه بأداء الزكاة عنه، فأداها لم يرجع على الآمر إلا أن يقول: على أنها لك حل.

وفي «مجموع النوازل» : سئل نجم الدين: عن المؤذن يقوم عند حضور السؤال من الفقراء لأخذ الصدقات من أهل الجماعة، فدفع إنسان إليه درهماً، ولم يحضر نية الزكاة، فقبل أن يدفع المؤذن ذلك إلى الفقير نوى عن الزكاة، ثم دفع المؤذن ذلك إلى الفقراء قال: تجزئة عن الزكاة، ويد المؤذن يد الدافع إلى أن يصل إلى الفقير، وسئل الفقيه عمن جمع دراهم الفقيه أخذها من الناس، والناس أعطوا الدرهم من زكاة مالهم واضح أكثر من مائتي درهم هل تجزئهم من الزكاة؟ فهذا على وجهين:
أما إن كان الذي جمع الدراهم جمع بأمر الفقيه أو من غير أمر الفقيه، فإن كان جمع بأمر الفقيه جاز لكل من أعطى قبل أن يبلغ مائتي درهم إذا كان الفقيه فقيراً، ولا يجوز لمن أعطى بعدما بلغ مائتي درهم، إذا لم يكن على الفقيه دين، وإن كانوا لا يعلمون ذلك جاز في قول أبي حنيفة، ومحمد.
وإن كان جمع الدراهم من غير أمر الفقيه، فإنه يجوز من زكاتهم في الحالين جميعاً، ولكن يكره لمن أعطى بعد المائتين؛ لأن الذي يجمع يصير وكيلاً للدافعين في دفع ذلك إلى الفقيه في هذه الصورة، وكأنهم دفعوا بأنفسهم، ولو دفعوا بأنفسهم إلى

(2/292)


الفقير مائتين أو أكثر عن زكاتهم أليس أنه يجوز؟ كذا ههنا، وهذا إذا لم يخلط أموالهم، فإذا خلط أموالهم، فهو ضامن، ولا يجوز لهم من زكاتهم لما يأتي في المسألة التي تلي هذه المسألة.
وفي «الفتاوى» : إذا دفع رجلان إلى رجل كل واحد منهما دراهم ليتصدق بها عن زكاة ماله، فخلط الدراهم قبل الدفع، ثم دفع، فهو ضامن، وكذلك المتولي إذا كان في يده أوقاف مختلفة، وخلط غلاتها صار ضامناً لها، وكذا السمسار إذ خلط غلات الناس وأثمانها، وكذلك البائع إذا خلط من أمتعة الناس، والحاصل أن الخلط سبب الضمان؛ لأنه استهلاك إلا في موضع جرت العادة والعرف ظاهراً بالإذن بالخلط.

إذا وجبت الزكاة على رجل، وهو لا يؤديها لا يحل للفقير أن يأخذ من ماله بغير علمه، وإن أخذ كان له أن يسترد إن كان قائماً، وإن كان هالكاً يضمن؛ لأن الحق ليس لهذا الفقير بعينه.
ولو كان عند رجل أربعمائة درهم، فظن أن عنده خمسمائة درهم فأدى زكاة خمسمائة درهم. (140ب1) ثم ظهر أن عنده أربعمائة، فله أن يحتسب الزيادة للسنة الثانية، لأنه أمكن أن يعجل الزيادة تعجلاً، ولو مر بأصحاب الصدقات، فأخذوا منه كثيراً مما عليه ظناً منهم أن ذلك عليه لما أن ماله أكثر يحتسب الزيادة للسنة الثانية؛ لأنهم أخذوا ذلك بجهة الزكاة، وإن علموا مقدار ماله، وأخذوا الزيادة منه جوراً، لا يحتسب؛ لأنهم أخذوا الزيادة غصباً.
ولو شك رجل في الزكاة، فلم يدرأزكى، أو لم يزكِ، فإنه يعيدها، فرق بين الزكاة وبين الصلاة، فإنه إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت أنه صلاها، أو لم يصلها، فإنه لا يعيدها، ولا فرق في المعنى؛ لأن العمر كله وقت أداء الزكاة، فصار الشك فيها بمنزلة شك وقع في الصلاة في الوقت أنه أدى، أو لم يؤد، وهناك يؤمر بالإعادة، فههنا كذلك، والله أعلم.