المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب النكاح
هذا الكتاب يشتمل على خمسة وعشرين فصلاً:
1 * في الألفاظ التي ينعقد بها النكاح.
2 * في الألفاظ التي تكون إجارة أو إذناً في النكاح والتي تكون رداً وإبطالاً.
3 * فيما يكون إقراراً بالنكاح، وما لا يكون إقراراً به.
4 * في الشروط والخيار في النكاح.
5 * في تعريف المرأة والزوج في العقد بالتسمية أو الإشارة.
6 * في الكفارة.
7 * في الشهادة في النكاح.
8 * في الوكالة في النكاح.
9 * في معرفة الأولياء،
10 * في نكاح الصغار والصغائر وتسليمهن إلى الأزواج وتصرف الأولياء في المهر.
11 * في نكاح الأبكار.
12 * في النكاح بالكتاب والرسالة، وفي النكاح مع الغائب.
13 * في بيان أسباب التحريم.
14 * في بيان ما يجوز من الأنكحة وما لا يجوز.
15 * في الأنكحة التي لا تتوقف على الإجازة والتي تتوقف على الإجازة.
16 * في المهور.
17 * في النكاح الفاسد وأحكامه.
18 * في ثبوت النسب.
19 * في نكاح العبيد والإماء.
20 * في نكاح الكفار.

(3/3)


21 * في الخصومات الواقعة بين الزوجين.
22 * في بيان ما للزوج أن يفعل، وما ليس له أن يفعل، وفي بيان ما للمرأة أن تفعل وما ليس لها أن تفعل.
23 * في العنين والمجبوب.
24 * في بيان حكم الولد عند افتراق الزوجين.
25 * في المسائل المتعلقة بنكاح المحلل وما يتصل به ونكاح الفضولي وفي طلاق المضاف، والحيل في رفع اليمين في طلاق المضاف وقضاء القاضي في مسألة العجز عن النفقة وأمثالها.
26 * في المتفرقات.

(3/4)


الفصل الأول: في الألفاظ التي ينعقد بها النكاح
قال القدوري رحمه الله في «كتابه» : عقد النكاح ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي نحو أن تقول المرأة: زوجت، ويقول الرجل: قبلت، قال: وينعقد أيضاً بلفظين أيضاً، يعبر بأحدهما عن المستقبل نحو أن يقول الرجل: زوجت.

وفي نكاح «فتاوى أهل سمرقند» : إذا (قال) الرجل لغيره: دخرحوبش مراده، فقال: وادم، ينعقد النكاح، وإن لم يقل الخاطب: بدر فتم، ولو قال: دمتر حوبش مراد داي، فقال: دا دم، لا ينعقد النكاح ما لم يقل الخاطب: بدر فتم إلا إذا أراد أن يقول: دادي التحقيق دون السوام، فحينئذ يصح النكاح وإن لم يقل الخاطب: بدرفتم. ولو قال: حوبش بمن ذرى فقالت: دادم، فقال الزوج: لي بدرفتم، فها هنا لا يمكن حمل قوله: دادي على التحقيق؛ لأن معنى التحقيق لا يتضمن هذا الكلام، وقول الزوج: بدرفتم يعني خوبش بمن داري كه من بدرفتم، وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه مع التصريح بعدم القبول بعد ذلك.
وفي «مجموع النوازل» : عن الشيخ الإمام الزاهد نجم النسفي رحمه الله: إن في قوله: دمتر حوبش مراده لا بد وأن يقول: برني، ويقول الآخر: برني دادم، أما بدون ذلك لا ينعقد النكاح عند بعض المشايخ، وعند بعضهم ينعقد، فلا بد من هذه الزيادة لتصير المسألة محققة، وفي قوله: برى دادي، قال: اختلف مشايخ بلخ، بعضهم جعلوا هذا استفهاماً، وبعضهم جعلوه بمنزلة الأمر: خوبش بمنى برني ده، قال الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين عمر رحمه الله: ومعنى الأمر راجح، ألا ترى أن التعارف فيما بين الناس أنهم يقولون وقت العقد جوتشتن بفلان نولي دادي، ويريدون به الأمر.
وسئل نجم الدين عمن قال: لامرأة خوشتن بهزاردرم كبتن عن ترني دادي فقال: ما يسمع والطاعة قال: ينعقد النكاح. ولو قال: فساس دارم لا ينعقد؛ لأن الأول إجابة، والثاني عقد. وسئل هو أيضاً عمن قال: لأب امرأة: وجوحويشتن عقيد ركابين أصدر كردى مربن فلان راكضت كردم، وقيل للزوج بهذه اللفظة أيضاً، فقال: كردم، قال: لا ينعقد النكاح إن لم يسبق من غيرهما في حقهما عقد؛ لأن الإجازة الإمضاء لا الابتداء قيل للمرأة خويشتن بفلان ترني داري فقالت: دار. وقيل للزوج: بدرقتي، قال: بدرفتم ينعقد النكاح، وإن لم تقل المرأة: وادم ويدرفتم لمكان الفرق.
وعلى هذا البيع إذا قيل للبائع: فروخني، فقال: فروخت، وقيل للمشتري خريدي

(3/5)


فقال: خريد ينعقد البيع وإن لم يقل: خريدم وفروختم، قيل لامرأة فلان رابا سيدي فقالت: يا شدم، قيل: لا ينعقد النكاح إلا إذا كان المخاطب قال لها: فلان رائرى ياشدي، فقال: يا شرم فحينئذ يكفي قولها جواباً، وانعقد النكاح بينهما، وقيل: ينعقد وهو الظاهر بحكم الفرق خويشتن دازن كر دانتدي، فقالت: كرد انيدم. وقال الزوج: بدرختم ينعقد النكاح في الأمر إذا قال لها: تزوجتك بكذا، فقالت: فعلت تم النكاح وإن لم تقل: قبلت.
وإذا قال لها: جئتك خاطباً، فقالت: فعلت، أو قالت زوجتك نفسي نكاحاً تاماً، وكذلك إذا قال لها: خطبتك إلى نفسك، فقالت: قد فعلت كان نكاحاً تاماً ذكرهما شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح «الكافي» .
وفي «نوادر المعلى» قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قال الرجل لرجل: جئتك خاطباً ابنتك، فقال الأب: زوجتك، فقد تم النكاح.
وينعقد النكاح بلفظ الهبة والصدقة والتمليك بأن قالت: وهبت نفسي منك، ملكت نفسي منك، تصدقت بنفسي عليك، ولا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة، وهل ينعقد بلفظة الإجارة؟ فعلى قول أبي بكر الرازي رحمه الله لا ينعقد، وعن الحسن الكرخي رحمه الله أنه ينعقد.
وإنما وقع الاختلاف في هذا لاختلاف روايات عن أصحابنا رحمهم الله روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن كل لفظ يملك به شيء ينعقد به النكاح، وهذه الرواية تدل على جواز النكاح بلفظ الإجارة.

في رواية ابن رستم عن أبي حنيفة رحمه الله: كل لفظ تملك به الرقاب ينعقد به النكاح، والأولى وهذه الرواية تدل على عدم جواز النكاح بلفظ الإجارة وفي العبارة بلفظ البيع والشراء بأن قالت المرأة: بعت نفسي منك، أو قال أبو البنت: بعت ابنتي منك بكذا، أو قال الرجل لامرأة: اشتريتك بكذا، وأجابت بنعم، اختلاف المشايخ. كان الفقيه أبو القاسم البلخي يقول بالعبارة، وإليه أشار محمد رحمه الله في كتاب الحدود، ورواية الحسن ورواية ابن رستم عن أبي حنيفة رحمه الله يدلان عليه وهو الصحيح.
وفي القرض والرهن اختلاف المشايخ كذلك وفي لفظ الإعارة اختلاف المشايخ. روي عن أبي الحسن الكرخي رحمه الله أن ينعقد، وكان يقول: الإعارة تفيد ملك المنفعة، ألا ترى أن إباحة استيفاء المنافع دون التمليك، ألا ترى أنه لا يملك الإجارة من غيره؟ فقال الفقيه أبو العباس الناطفي: وكان شيخنا أبو عبد الله رحمه الله يقول: النكاح.... أصلين مختلفين أحدهما الإباحة، فلا ينعقد بلفظة العارية بالشك، وأما لفظة الإقالة، فقد حكى الناطفي في «واقعاته» عن شيخه أبي عبد الله الجرجاني رحمه الله أنه لا ينعقد به النكاح؛ لأنها موضوعة لفسخ عقد سابق لا لعقد مبتدأ. قال: وعلى هذا

(3/6)


لا ينعقد النكاح بلفظة الجامع، وكذلك لا ينعقد بلفظ الصلح؛ لأن موضعه الحطيطة ولإسقاط الحق.

وذكر شيخ الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الصلح: الابتداء النكاح بلفظ الصلح العطية جائز، قال الناطقي رحمه الله: وكذلك لا ينعقد بلفظ الشركة، وإن كانت تفيد التمليك لمن قال لغيره: أشركتك في هذه الجارية، فإنه يفيد تمليكاً قال الناطقي رحمه الله: إنما كان كذلك؛ لأنها تفيد الملك في بعض رقبتها، لا في جميعها، فصار كمن قال لآخر: زوجتك نصف جاريتي، فإنه لا يصح النكاح؛ لأنه من حيث لم يزوج النصف الآخر، لا يستباح وطؤها، فاجتمع الحلال والحرام وكان الحكم الحرام، وفيه نظر، وقد ذكر في كثير من الكتب إذا أضاف النكاح إلى فضولي أضاف إليه الطلاق يقع الطلاق يصح النكاح أيضاً، وإن أضاف الطلاق إلى نصفها يقع الطلاق، فإذا أضاف النكاح إلى نصفها يصح النكاح أيضاً، وهذا لما عرف أن المرأة في حق محلية النكاح لا تتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ ذكر كله (187أ1) .
t
وفي «البقالي» : إذا تزوج نصفها، فقد ذكر بعضهم أنه يجوز، والنكرة غيره، وأما لفظ الرد هل ينعقد به النكاح ذكر في نكاح «إملاء بشر بن غياث» أن من طلق امرأته طلاقاً بائناً، فقالت: رددت نفسي عليك، فقال الرجل: قبلت كان نكاحاً هذا لفظ كتابه. قال أبو العباس الناطفي رحمه الله قال: وقد يكون في حكم الابتداء النفي.
في «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله، لو مرض الموهوب له، فرد الموهوب على الواهب بغير قضاء جاز في قدر ثلثه، ولا يجوز في قدر ثلثيه، وأما لفظ المتعة فقد اختلفت الروايات فيها ذكر في «الأصل» ، وفي «نوادر هشام» عن أبي حنيفة رحمه الله لو قال لها: أتزوجك بمتعة لا ينعقد به النكاح، وقال في «الهارونيات» : قال أبو حنيفة رحمه الله: ينعقد به النكاح، ويلغو قوله: متعة.

وفي «المنتقى» : هشام عن محمد رحمه الله إذا قال لامرأة: أتزوجك متعة، فالنكاح باطل، ولو قال لغيره: أبيعك هذه الدار تلجئة بألف درهم فالبيع جائز، وقال أبو يوسف: البيع والنكاح فاسدان، وفي «الأصل» إذا تزوج امرأة مدة معلومة، فالنكاح باطل، وهو المتعة.... إلى الآجال حتى سمى مائة وأبطل فيه العقد. قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وكثير من مشايخنا قالوا: إذا سميا ما يعلم يقيناً أنهما لا يعيشان إليه كألف سنة ينعقد العقد ويبطل الشرط، كما لو تزوجها إلى قيام الساعة أو خروج الدجال، أو نزول عيسى عليه السلام، وهكذا روي عن الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، فأما بلفظة الوصية إن أطلق وقال: أوصيت لك ببضع أمتي بألف درهم وقبل الآخر، أو أضاف العقد إلى ما بعد الموت، بأن قال: أوصيت لك ببضع أمتي للحال بألف درهم وقبل الآخر ينعقد النكاح. ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، وهكذا حكي عن

(3/7)


الشيخ أبي عبد الله الجرجاني رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله مطلقاً أن النكاح لا ينعقد بلفظة الوصية.
وفي كتاب الصلح من «الأصل» أعطيك مائة درهم على أن تكوني امرأتي، فهو جائز إذا قبلت بمحضر من الشهود، فيكون ذلك نكاحاً مبتدأ، فالنكاح ابتداء ينعقد بلفظة الكون، ولهذا من قال لامرأة: كوني امرأتي بمائة فقبلت بمحضر الشهود صح، إذا قال لامرأة: ثبت حقي في منافع بضعك بألف فقالت: قبلت صح النكاح، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: قال مشايخنا: لو قال الرجل لامرأة: كنت لي، أو صرت لي فقالت: نعم، أو صرت لك كان نكاحاً في كتاب الصلح في باب الصلح، وقد قيل بخلافه.

ادعى رجل قبل امرأة نكاحاً، فجحدت فصالحها على مائة إن هي بذلك أقرت فهذا الإقرار منها جائز، وهذا الإقرار منها بمنزلة إنشاء النكاح؛ لأن هذا إقرار مقرون بالعوض، فيكون عبارة عن تمليك مبتدأ للحال، كمن قال لغيره: أقر لي بهذا العبد على أن أعطيك مائة فكان بيعاً حتى لو قال: إلى الحصاد لم يجز.
وإذا جعل هذا الإقرار بمنزلة إنشاء النكاح، فإن كان بمحضر من الشهود صح النكاح، ووسعها المقام مع زوجها فيما بينهما وبين ربها، وإن لم يكن بمحضر من الشهود لا ينعقد النكاح، ولا يسعها المقام مع زوجها، وهو الصحيح، وهو نظير ما لو قضى القاضي بالنكاح بشهادة شهود زور ينفذ قضاؤه ظاهراً وباطناً عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، ويجعل ذلك بمنزلة إنشاء النكاح، وإن كان بمحضر من الشهود يصح النكاح، وما لا فلا، وهو الصحيح.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا قال لامرأة بمحضر الشهود: راجعتك، فقالت المرأة: رضيت يكون نكاحاً، وفي «فتاوى القاضي» : لا يكون فقد نص في «الجامع» أن من قال للمطلقة بائناً أو ثلاثاً: إن راجعتك فعبدي حر، ينصرف إلى النكاح؛ لأن الرجعة قد يراد بها الرجعة المعروفة، وقد يراد بها النكاح فينظر إلى (المراد) وهذا المحل لا يقبل الرجعة المعروفة، فكان المراد منها النكاح.
وفي «أجناس» الناطفي رحمه الله، إذا طلق امرأته طلاقاً بائناً أو ثلاثاً ثم قال لها: راجعتك على كذا، فرضيت المرأة بذلك، وكان بمحضر الشهود كان ذلك نكاحاً صحيحاً وإن لم يذكر المال، فإن أجمعا على أن الزوج أراد به النكاح كان نكاحاً، ومالا فلا، وتبين بما ذكر في «الأجناس» أن ما ذكر (في) «الفتاوى» محمول على ما إذا ذكر المال، أو أقر أن الزوج أراد به النكاح.

إذا قال لامرأة: هذه امرأتي، وقالت المرأة: هذا زوجي، وكانت بمحضر من الشهود لا يكون نكاحاً، وكذلك لو قال بالفارسية: رن وسوهم لا يكون ذلك نكاحاً. وفي «فتاوى النسفي» أن فيه اختلاف المشايخ، قال ثمة: ولو قضى قاضى بصحة هذا النكاح ينفذ القضاء ويصح النكاح، ودلت المسألة أن قضاء القاضي في مثل هذه

(3/8)


المجتهدات صحيح. فإن قال لها الشهود: أجزتما أو رضيتما، فقالا: أجزنا، أو قالا: رضينا لا يكون نكاحاً مبتدأ، فالنكاح لا ينعقد بلفظة الإجازة والرضا، ولو قال لهما الشهود: جعلتما هذا نكاحاً، فقالا: نعم كان ذلك نكاحاً مبتدأ، فالنكاح ينعقد بلفظ الجعل، ولهذا إذا قالت المرأة: نفسي لك بكذا، وقال الرجل: قبلت كان نكاحاً تاماً.
طلب من امرأة زنا، فقالت المرأة للطالب: وهبت نفسي منك، وقبل الطالب لا يكون نكاحاً، بخلاف ما إذا وهبت نفسها منه على وجه النكاح، والفرق أن هبة نفسها من طالب الزنا يمكن..... وليست بهبة حقيقة لا يكون جواباً لما التمس، أما هبة نفسها على وجه النكاح هبة حقيقة، وبالهبة ينعقد النكاح، وهو نظير ما لو قال لآخر: وهبت لك ابنتي، وقال الآخر: قبلت كان نكاحاً إذا كان بمحضر من الشهود، ولو قال: وهبت ابنتي منك لتخدمك، (وقال) الآخر لا يكون نكاحاً.
قيل لرجل: دحترخوش دابه بسر من بادراني داستي، فقال: دا شم لا ينعقد النكاح بينهما؛ لأن هذا اللفظ لا ينبىء عن التمليك ولا يستعمل فيه.
في «فتاوى الفضلي» : إذا قال الرجل لغيره: زوج ابنتك مني بألف درهم، فقال والدها: ادفعها واذهب بها حيث شئت، وكان ذلك بمحضر (الشهود) لا ينعقد به النكاح، وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا قال أب الصغير: اشهدوا أني قد زوجت ابنة فلان الصغيرة من ابني فلان بمهر كذا، فقيل لأب الصغيرة: أليس هكذا؟ فقال أب الصغيرة: هكذا، ولم يزد على ذلك، فالأولى أن يجدد النكاح وأن يجدد إجازته.

الفصل الثاني: في الألفاظ التي تكون إجازة وإذناًفي النكاح والتي تكون رداً وإبطالا
رجلٌ زوج رجلاً امرأة بغير أمره، فلما بلغه الخبر فقال: نعم ما صنعته بارك الله لنا فيها، أو قال: أحسنت، أو قال: أصبت، قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله: إنه ليس بإجازة، وذكر الصدر الشهيد في أول نكاح «واقعاته» : أنه إجازة هو المختار، واختاره الفقيه أبو الليث رحمه الله، إلا إذا علم بيقين أنه أراد به الاستهزاء، قال: وكذلك هذا في البيع والطلاق، قال: كذلك إذا هنأه قوم وقبل التهنئة كان إجازة.
وذكر (في) بيوع «المنتقى» : أن من باع عبد الغير (187ب1) بغير إذنه، فقال صاحب العبد: قد أحسنت وأصبت ووفقت، أو قال: كفيتني لمؤنة البيع وأحسنت، فجزاك الله خيراً إن ذلك ليس بإجازة، ولو قبض الثمن من المشتري فهو إجازة، وذكر هذه المسألة في موضع آخر من الكتاب وذكر أن قوله: أحسنت ووفقت إجازة.

(3/9)


في الباب الأول من نكاح «واقعات الصدر الشهيد» رحمه الله إذا قال لأجنبية: إني أريد أن أزوجك من فلان، فقالت بالفارسية: توبة داني، لا يكون إذناً منها، ولو قالت: ذلك إليك فهو إذن وتوكيل، وهكذا ذكر في «أجناس الناطفي» عن أبي يوسف رحمهما الله.
وفي «واقعات الناطفي» رحمه الله: العبد إذا طلب من المولى أن يأذن له في النكاح، فقال المولى: ذلك إليك فهو إذن، ولو قال: أنت أعلم، أو قال بالفارسية: توبة دان فذلك ليس بإذن، وبعض مشايخنا قالوا: قوله توداني وتوبة دان في عرفنا تفويض وتوكيل بمنزلة قوله: ذلك إليك. وهكذا حكي عن الفقيه أبي بكر الإسكاف رحمه الله أنه كان يقول: إن قوله: توية دان إذن، ووافقه في ذلك الفقيه أبو القاسم أحمد بن حمر.

رجل زوج امرأة من رجل بغير أمرها، فبلغها الخبر فقالت باك نيت فهذا إجازة، هكذا ذكر الفقيه أبو الليث، وهو قول الفقيه أبي جعفر رحمهما الله؛ لأن هذا الكلام يستعمل في الإجازة في متعارف الناس، ومن مشايخ زماننا من أبى ذلك، وقال: إن قوله: بالانيت غير صلبي عن الإجازة، وهكذا كان يقول محمد بن سلمة رحمه الله ولكن هذا غير صواب؛ لأنه إن لم يكن منبئاً عن الإجازة، فهو مستعمل فيها، والإنباء ليس بشرط لا محالة إنما الشرط الاستعمال وقد وجد، وهو معنى كلام الفقيه أبي جعفر رحمه الله في تعليل هذه المسألة، هذا الكلام يراد به الإذن، وليس فيه معنى الإذن، أراد به أنه مستعمل في الإذن، وأنه لا ينبىء عن الإذن.
رجل زوج وليته وهي بالغة، فلما بلغها الخبر قالت: أنا لا أريد الأزواج، أو قالت: رضيت بيت أبي، فهذا لا يكون رداً للنكاح، ولو قالت: لا أريد فلاناً فهو رد للنكاح، هكذا ذكر في «المنتقى» عن محمد رحمه الله، وقيل: هو رد في الوجهين جميعاً، والأول أظهر وأقرب إلى الصواب.
وإذا استأمرها الولي في التزويج من رجل، فقالت: غيره أولى لم يكن ذلك إذناً في العقد، ولو أخبرها به بعد العقد، فقالت ذلك كان ذلك إجازة في «القدوري» .
في «فتاوى الفضلي» : في عم قال لبنت أخيه: إني أريد أن أزوجك من فلان، فقالت: يصلح، ثم لما فارقها العم، فقالت: لا أرضى، فزوجها العم قبل أن يعلم قولها: لا أرضى ممن سمى لها، قال: صح النكاح عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن العم كالوكيل لا ينعزل قبل العلم، وأما عند محمد رحمه الله ينبغي أن لا يصح نكاح العم؛ لأن عنده العم ليس بوكيل وإنما يزوجها بحق له في تزويجها، وحين زوجها بحق الولاية زوجها وهي غير راضية بذلك فلا يجوز.

في «المنتقى» : البنت إذا قبلت الهدية، فليست بإجازة للنكاح، وإذا قبلت المهر فهو إجازة؛ لأن المهر ثمن رقبتها، وفيه أيضاً: إبراهيم عن محمد رحمهما الله: قال لامرأة: قد تزوجتك على ألف درهم، فقالت: ما زوجتك نفسي، ثم قالت بعد ذلك: قد زوجتك

(3/10)


نفسي فهو جائز، وفيه أيضاً: المرأة إذا زوجت، فقالت: لا أرضى، لا أجيز له،.... أنا كارهة، فهذا كله فرقة، وليس لها أن ترضى بعد ذلك، وإن وصلت بقولها لا أرضى ولكني قد أجزت، أو وصلت بقولها: وأنا كارهة لكني قد أجزت، فهو في القياس باطل لكني قد أجيزه بالاستحسان.
وعن أبي يوسف رحمه الله إذا زوج رجل امرأة من رجل بغير أمرها، فبلغها فقالت: لا أجيز فقال لها: افعلي، فقالت: قد أجزت لم يجز، وبطل النكاح حين ردت، ثم قال: إذا ردت ما قد وقع لم يكن لها أن تجيزه، وإذا كان لم يقع بعد مثل مخاطبة الزوج إياها، وردت كان لها أن تجيزه.
وعن هذا قال أبو يوسف رحمه الله: إذا قال لامرأة: زوجيني نفسك على ألف، فقالت: لا أفعل إلا بألفين، فقال: اتق الله وأجيبي، فقالت: قد فعلت كان جائزاً.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: المرأة إذا بلغها خبر النكاح أخذها السعال أو العطاس، فلم يمكنها الرد، فلما ذهب ذلك عنها فقالت: لا أرضى صح الرد، وكذلك إذا أخذها، فلم يمكنها الرد فلما تركت قالت: لا أرضى صح الرد، وإن تركت الرد حال ما بلغها الخبر؛ لأنها تركت بعذر.
وفيه: قالت المرأة لوليها: لا تزوجني من فلان فلاني لا أريده، فزوجها الولي من فلان، فبلغها الخبر، فرضيت جاز النكاح؛ لأن المنع عن الفعل في حال لا يمنع الرضا به في حال آخر، ولو قالت: كنت قلت: لا أريد فلاناً ولم تزد على هذا لم يجز النكاح؛ لأنها أخبرت عن إبائها الأول.
الأم إذا زوجت ابنتها الصغيرة حال غيبة أبيها، فلما حضر الأب قال لها: حر اكردى، أو قال: اين كتوكردي مصلحت، فهذا لا يكون رداً للنكاح.

الأم زوجت الصغيرة، ولها أب وسكتت الابنة نفسها بعد البلوغ، فهذا إجازة منها للنكاح.
سئل أبو نصر عن امرأة زوجها وليها، فبلغها، وردت النكاح، ثم عاد إليها وليها في مجلس، فقال: إن أقواماً يخطبونك فقالت: أنا راضية بما تفعله أنت، فزوجها الولي من الذي قد ردته، فأبت أيضاً أن تجيز هذا النكاح، قال: لها أن ترد؛ لأن قولها: أنا راضية بما تفعله ليس بتفويض عام، وإنما ينصرف ذلك إلى غير الأول من الرجال؛ لأن تقدير هذا الكلام كأن الولي، قال لها: إذا أبيت فلاناً قد خطبك قوم آخرون، فماذا تقولين؟ فقالت: قد رضيت بما تفعل، فيكون ذلك رضا بغير الأول بمنزلة من قال لغيره: إني كرهت صحبة امرأتي فلانة فطلقتها، فزوجني امرأة ترضاها لي فزوجه المطلقة لم يجز كذا ههنا.
وفي هذا الجواب نوع نظر عندي؛ لأن الإباء في حال لا يمنع الرضا في حال آخر

(3/11)


كما في المسألة المتقدمة، فيمكن أن يجعل قولها: أنا راضية بما تفعله تفويضاً عاماً كما يقتضيه ظاهر اللفظ، فلا ضرورة إلى صرفه إلى غير الذي ردته.
سئل هو أيضاً عن رجل زوج وليته، فلما بلغها الخبر قالت: هو دميم لا أرضى به، أو قالت: هو دباغ لا أرضى لك منه الإباء، قال: هذا كلام واحد، فلا يضرها ما قدمت وبطل النكاح.
وسئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عن بالغة وكلت رجلاً ليزوجها من فلان بألف درهم، فزوجها منه بخمسمائة درهم، فلما أخبرت بذلك قالت: لم يعجبني هذا لأجل الناس لنقصان المهر، فقيل لها: لا يكون لك منه إلا ما تريدين، فقالت: رضيت، قال: يجوز النكاح؛ لأن قولها لم (188أ1) يعجبني ليس برد، فالرضا يرد على النكاح الموقوف فصح.
ولو تزوج العبد امرأة بغير إذن مولاه، ثم قال له مولاه: طلقها لا يكون ذلك إجازة للنكاح، ولو قال له: طلقها تطليقة رجعية، أو قال: طلقها تطليقة تملك الرجعة، فهو إجازة للنكاح. في «الجامع الصغير» .

وفي «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمه الله: رجل زوج رجلاً امرأة بغير أمره، فبلغه الخبر فقال: هي طالق لم يكن إجازة، وكان رداً، وإن قال: فهي طالق، فهذا عند أبي حنيفة رحمه الله قبول، والطلاق واقع، وقال محمد رحمه الله: هو رد ولا يقع الطلاق، والله أعلم.

الفصل الثالث: فيما يكون إقراراً بالنكاح وما لا يكون إقراراً به
قال محمد رحمه الله في إقرار «الأصل» : إذا قالت المرأة لرجل: طلقني، فهذا إقرار منها بالنكاح؛ لأنها طلبت منه ما لا صحة له إلا بالنكاح، فتضمن ذلك إقراراً بالنكاح، فلأن الطلاق لرفع قيد النكاح، وقولها: طلقني بمنزلة قولها: ارفع عني قيد النكاح الذي لك عليّ، وكذلك إذا قالت: اخلعني بألف درهم وهذا أظهر من الأول؛ لأنها التزمت البدل، والبدل لا يلزمها إلا بزوال ملك الزوج عنها بالخلع، وكذلك لو قالت: طلقتني أمس بألف درهم، خلعتني أمس بألف درهم، أنت مني مظاهر، أنت مني مول لأنه لا صحة لشيء مما أخبرت إلا بعد صحة النكاح، فيتضمن ذلك إقراراً منها بصحة النكاح، فكذلك إذا قال الرجل لامرأة اختلعي مني بمال فهذا إقرار منه أنه زوجها، فكذلك إذا قالت: طلقني، فقال لها: اختاري أمرك بيدك في الطلاق فهذا منه إقرار بالنكاح.
ولو قال الرجل: والله لا أقربك فهذا لا يكون إقراراً منه بالنكاح بخلاف قوله: أنا منك مول، وهذا لأن قوله: والله لا أقربك محتمل يحتمل والله لا أقربك؛ لأنه لا ملك

(3/12)


لي عليك، ويحتمل لا أقربك مع أن لي عليك ملك على قصد الإضرار والتعنت والمحتمل لا يصلح لبناء الحكم عليه.
وقوله: أنت عليّ حرام، أنت مني بائن أمرك بيدك، اختاري، اعتدي لا يكون إقراراً بالنكاح إلا إذا خرج جواباً لقولها طلقني؛ لأن هذه الألفاظ عند مذاكرة الطلاق متعينة للطلاق، ولهذا لا تحتاج إلى النية وإيقاع الطلاق إقرار بالنكاح.

ولو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي فهذا لا يكون إقراراً بالنكاح؛ لأن هذا إخبار منه بحرمتها، وهو ضد موجب النكاح بخلاف قوله: ظاهرتك، أنا منك مظاهر، فإن هذا يكون إقراراً بالنكاح، ولو قال لها ألم أطلقك أمس؟ أما طلقتك أمس؟ فهذا إقرار بالنكاح؛ لأن في هذا الاستفهام معنى التقرير قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ} (الأنعام: 130) أي: أتاكم وتقرير الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح، فكان إقراراً بالنكاح.
ولو قال لها: هل طلقتك أمس؟ فهذا إقرار منه بالنكاح، ولا يكون إقراراً بالطلاق؛ لأن مثل هذا الاستفهام للاستبيان لا للتقرير فلا يصير به مقراً للطلاق، ولكن استبيان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح، فكان إقراراً منه بالنكاح.
إذا قال لامرأة حرة: هذا ابني منك، فقالت: نعم، أو قالت حرة لرجل ذلك، فقال الرجل: نعم كان هذا إقراراً بالنكاح؛ لأن ثبوت النسب باعتبار الفراش والأصل فيه الفراش الصحيح؛ لأن الشرع إنما يرد بالصحيح دون الفاسد، ولا يثبت الفراش الصحيح على الحرة إلا بالنكاح فكان اتفاقهما على النسب اتفاقاً على سببه وهو النكاح، حتى لو كان مكان الحرة أمة لا يكون إقراراً بالنكاح، هذه الجملة من إقرار «الأصل» . وفي «المنتقى» : إبراهيم عن محمد رحمه الله: امرأة قالت لرجل: أنا امرأتك فقال الرجل: أنت طالق فهذا إقرار منه بالنكاح.
قال في «الأجناس» : وهذا بخلاف ما لو قال لها ابتداء أنت طالق حيث لا يكون إقراراً بالنكاح، وأشار إلى الفرق فقال: الطلاق يفضي إلى ارتفاع الزوجية فلا زوجية بين الأجنبيين ولا كذلك على وجه الجواب؛ لأن من حكم الجواب أن يكون مقصوداً على السؤال وقد تقدم ذكر الزوجية منها، وقوله لها: أنت طالق تقديره عن الزوجية التي تزعمها، فيكون إقراراً بالزوجية.

في «الأجناس» أيضاً: لو قالت له: أنا امرأتك فقال: ما أنت امرأتي أنت طالق لا يكون إقراراً بالنكاح، وكذا لو قال لها: إن أنت امرأتي فأنت طالق فهنا لا يكون إقراراً بالنكاح. وفي «المنتقى» : امرأة قالت للقاضي: فرق بيني وبين هذا فهذا لا يكون إقراراً بالنكاح.
وفيه أيضاً عمرو بن أبي عمرو. وفي «الإملاء» : رجل قال لامرأة: إني أريد أن أشهد أني قد تزوجتك فيما مضى لأمر خفته، فأقري بذلك أيتها المرأة، فقالت: نعم. فأشهد بذلك وصدقته المرأة، ثم تصادقا على ما كانا قالا، فالقول قولهما ولا نكاح بينهما، وأما الطلاق والعتاق في المرأة والعبد والأمة فلا يصدقان في إبطالهما في القضاء، وفيما بينهم وبين الله

(3/13)


تعالى فهي امرأته، والعبد والأمة رقيق المولى، وفي نكاح «الأصل» : إذا تزوج امرأة في عقدة وامرأتين في عقدة، وثلاثاً في عقدة ولا يعرف الزوج أيتهن الأول إلا أنه جامع امرأة منهن أو طلقها، أو ظاهر منها كان إقراراً منها بأنها هي الأول.
ومما يتصل بهذا الفصل ما ذكر في «المنتقى» ، قال هشام: سألت محمداً رحمه الله عن أختين إحداهما فاطمة والأخرى خديجة، فقال رجل: قد تزوجت فاطمة بعد خديجة، فأخبرني أن أبا يوسف رحمه الله قال: فاطمة امرأته؛ لأنه تكلم بها أولاً، قال محمد رحمه الله: وهو كما قال الزوج؛ لأنه وصل بين كلاميه، فأجعل خديجة امرأته، وأفرق بينه وبين فاطمة.
وكذلك إن امرأة قالت: تزوجت أبا موسى بعد (ما) تزوجت أبا حفص، وادعى الرجلان تزوجها، فهي امرأة أبي موسى عند أبي يوسف رحمه الله، ولا تصدق عليه، وقال محمد رحمه الله: تصدق عليه، فإن سألها القاضي من تزوجك؟ فقالت: تزوجت أبا موسى بعد ما تزوجت أبا حفص، فهي امرأة أبي حفص إذا كان جواب المنطق استحساناً استحسن ذلك أبو يوسف رحمه الله ذكر هذا الاستحسان في «المنتقى» في مسألة أخرى هي من جنس هذه المسألة. قال ثمة: وكذلك إذا قال: بعت عبدي من هذا بعدما بعته منك، فهو مثل التزويج.

وفيه أيضاً: بشر عن أبي يوسف رحمه الله: امرأة قالت: تزوجت هذا الرجل أمس، ثم قالت: تزوجت هذا الرجل الآخر منذ سنة، فهي امرأة صاحب الأمس؛ لأنها أقرت له أول أمره، وإذا شهد الشهود على إقرارها لهما جميعاً، فإني أسأل الشهود بأيهما بدأت، ثم أنفذ الحكم عليه، ولو قالت: تزوجتهما جميعاً فهذا أمس وهذا مذ سنة كانت امرأة صاحب الأمس.

الفصل الرابع: في الشروط والخيار في النكاح
الخيارات التي تثبت في العقود أنواع أربعة:
خيار شرط، وخيار عيب، وخيار رؤية، وخيار إجازة.
فخيار الإجازة يثبت في النكاح كما يثبت في سائر العقود، وخيار الرؤية لا يثبت في النكاح، وخيار الشرط كذلك لا يثبت في النكاح، ولا يبطل به النكاح عندنا، وخيار العيب لا يثبت للزوج عندنا، وكذلك لا يثبت للمرأة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد رحمهم الله يثبت لها الخيار في العيوب الخمسة، إذا كان على صفة لا تطيق المقام معه، وإذا شرط أحدهما لصاحبه السلامة عن العمى والشلل والزمانة، فوجد بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار، وكذلك لو شرط أحدهما على صاحبه الجمال، أو شرط الزوج عليها صفة البكارة يأتي بعد هذا.

(3/14)


r
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمهما الله إذا قال الرجل لغيره: زوجتك أمتي فلانة بكذا إن رضيت، وقبل ذلك الغير، فالنكاح جائز، والشرط باطل، ولو قال: بعت عبدي هذا إن رضي فلان، وسمى رجلاً أجنبياً، فالبيع جائز والشرط باطل، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: تأويله عندي إذا بين وقت الرضا.
وفيه أيضاً: هشام عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لامرأة: قد تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم، فإن كان فلان حاضراً فقال: قد رضيت جاز النكاح استحساناً، وإن كان غير حاضر لم يجز، وليس هذا كقوله: قد تزوجتك ولفلان الرضا لمعنى في هذه الصيغة، (هذا قول وزوجت وشرط خيار) ، والأول لم يوجب وجعل الإيجاب مخاطرة.

ولو قال: تزوجتك اليوم على أن لك المشيئة اليوم إلى الليل، فالنكاح جائز والشرط باطل، وهو مثل شرط الخيار.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: تزوج امرأة على أن أباه بالخيار صح النكاح ولا خيار، ولو قال: تزوجتك إن رضي أبي لم يصح، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: لأنه علق النكاح بالخطر، ولا يعلق كذلك وفي الأول وقع في الحال.
وفي «مجموع النوازل» : سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل خطب إلى رجل بنته الصغيرة لابنه الصغير، فقال المخطوب إليه: زوجتها من فلان قبل هذا، ولم يصدقه الخاطب فقال المخطوب إليه: إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها من ابنك فلان، قال الآخر: قبلت، وذلك بحضرة الشهود، وظهر أنه لم يكن زوجها من فلان هل ينعقد هذا النكاح بهذه الكلمات؟ قال: نعم. قيل: أليس هذا تزويجاً معلقاً بالشرط؟ قال: هذا تعليق بما هو موجود للحال، ومثل هذا التعليق تحقيق.
في «شرح الزيادات» : إذا قال لأمته: تزوجتك على أن أعتقك، أو قالت الأمة: تزوجني على أن تعتقني، فقبل جاز العتق، ولا يجوز النكاح؛ لأن العتق متأخر عن النكاح، فيصير متزوجاً أمة نفسه، ولو قال لها: تزوجتك على عتقك، أعتقتك على تزوجك فقبلت، فقد اختلف المشايخ في هذه الفصول، عامتهم على أنه لا يصح النكاح؛ لأن النكاح مقارن للعتق هنا، لكونه بدلاً عن النكاح، ثم العتق تصدفها، وهي أمة فكذا النكاح، وكان القاضي الإمام أبو حازم رحمه الله يقول: يصح في هذه الفصول لأنهما تصرفان لا يصح أحدهما وهو النكاح إلا بتقديم الآخر وهو العتق وجب القول بتقديم العتق كما في قوله: أعتق عبدك عني على ألف درهم.

والصحيح ما ذهب إليه عامة المشايخ، لأن النكاح مع العتق ذكرا (على) سبيل العوض والمعوض، والعوض يقترن ثبوته بالمعوض ولا يسبقه، فيصادفها النكاح وهي أمة، بخلاف قوله: أعتق عبدك عني بألف درهم؛ لأن البيع هناك يثبت شرطاً للعتق لا عوضاً عنه، والشرط أبداً يثبت سابقاً، فأمكن تقديمه على الإعتاق، وأما هنا بخلافه.
إذا تزوجها على أن يعتق أخاها، فقبلت جاز النكاح، ولا يعتق الأخ إلا بإعتاق

(3/15)


مستأنف؛ لأن العتق هنا موعود، ولا يخبر الزوج على الإعتاق؛ لأن العتق كان موعوداً، فلا جبر في المواعيد.
بعد هذا المسألة على وجهين: أما إن عتق الزوج أخاها أو لم يعتق، فإن لم يعتق ينظر إن كان لم يسم لها مهراً، فلها مهر مثلها، وإن سمى لها مهراً، فإن كان المسمى مثل مهر مثلها، فلها ذلك ليس لها غيره، وإن كان المسمى أقل من مهر المثل، فلها تمام مهر مثلها، لأنها حطت عن مهر المثل لخلاص أخيها عن ذل الرق، ولم يحصل لها هذا المقصود.
وإن أعتق الزوج أخاها فإن كان الزوج سمى لها مهراً، فلها المسمى، وإن كان المسمى دون مهر مثلها؛ لأن مقصودها قد حصل هنا، وإن لم يسم له مهراً، فلها تمام مهر مثلها.
ولو تزوجها (على) أن يعتق أخاها عنها، فقبلت جاز النكاح، فصار رقبة الأخ ملكاً لها بنفس العقد، وعتق الأخ عليها بحكم القرابة أعتقه الزوج أو لم يعتقه؛ لأن المرأة طلبت منه أن يعتقه عنها، والعتق عنها لا يثبت إلا بعد تقدم الملك لها، فتقدم الملك، وثبت العتق عنها بجهة القرابة.

في هذا الفصل نوع إشكال؛ لأنه أثبت الملك بدون الإعتاق، والملك في مثل هذا لا يثبت بدون الإعتاق كما في قوله: أعتق عبدك عني على ألف درهم، والجواب وهو الفرق بين الفصلين أن النكاح يقتضي ملك المهر، فملك العبد يصلح مقتضى النكاح، ويصلح مقتضى العتق فاستويا فاحتجنا إلى الترجيح، فنقول: جعله مقتضى النكاح أولى؛ لأنا إن جعلناه مقتضى العتق، فالعبد يكون مهراً أيضاً، والملك لها في العبد باعتبار أنه مهر بدليل أنه لو طلقها قبل الدخول يجب عليها رد نصف قيمة العبد، فكان الترجيح لجانب النكاح، فجعلناه مقتضى النكاح، فيثبت بمجرد النكاح، ولا كذلك في قوله: أعتق عبدك عني؛ لأن هناك الملك مقتضى العتق؛ لأنا لو لم نجعله مقتضى العتق يبطل كلامهما، فجعلها مقتضى العتق، فلا يثبت قبل ثبوت العتق.
ولو تزوجها على عتق أخيها، فقبلت جاز النكاح وعتق العبد عن المولى؛ لأنه جعل العتق عوضاً عن النكاح، ولها مهر مثلها؛ لأن عتق الأخ لا يصلح صداقاً، وإن كان سمى لها مع ذلك ما يصلح مهراً، فلها المسمى لا غير، وإن كان دون مهر مثلها. ولو تزوجها على عتق أخيها عنها فقبلت جاز النكاح، وعتق العبد عليها، وليس لها غير الأخ؛ لأن الزوج حصل على رقبة الأخ؛ لأن العتق عنها لا يكون إلا بعد تقديم للملك لها في رقبة الأخ، فصار اشتراط العتق اشتراطاً لتمليك الرقبة منها، ورقبة الأخ تصلح مهراً، فلا يجب شيء آخر لها.
ولو كان تزوجها على أن يعتق عبداً أجنبياً لا قرابة بينه وبينها جاز النكاح (189أ1) ولا يعتق العبد إلا بإعتاق الزوج، فيكون لها مهر مثلها إن لم يسم لها مهراً، وإن سمى لها ما يصلح مهراً، فلها المسمى لا غير وإن كان ذلك دون مهر مثلها؛ لأن الشرط هنا ليس بمرغوب بخلاف إعتاق الأخ.

(3/16)


ولو كان تزوجها على أن يعتق عنها عبداً من عبيده بعينه لا قرابة بينه وبينها جاز النكاح، وتصير رقبة العبد ملكاً لها مهراً، وصار الزوج وكيلاً عنها بالإعتاق فإن أعتقه قبل نهي المرأة صح إعتاقه، وإن نهته ثم أعتقه كان باطلاً؛ لأن تقدير هذا كأن المرأة قالت له: ملكني هذا العبد ثم كن وكيلي بالعتق، فكان لها أن تعزله عن الوكالة بخلاف قوله: على أن يعتق أخاها عنها؛ لأن الملك كما ثبت لها في رقبة الأخ عتق فلا تعزل الزوج عن الوكالة، ولو كان تزوجها على عتق عبد بعينه، لا قرابة بينه وبينها، فقبلت جاز النكاح وعتق العبد عن المولى حتى كان الولاء له، ولها مهر مثلها، وإن كان قد سمى لها مع ذلك (ما) يصلح مهراً، فلها المسمى لا غير، ولو كان تزوجها على عتقه عنها جاز النكاح، وعتق العبد من جهتها حتى كان الولاء لها، وهو مهرها ليس لها غيره. هذه الجملة من «الزيادات» .
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: تزوج امرأة على أنها بكر، فدخل فوجدها (ثيباً) بالوثبة أو غير، فعليه المهر كلاً ويستوي إن زالت بكارتها بالوطء أو بطول التعنيس؛ لأن البكارة لا تصير مستحقة بالنكاح، وفيما إذا اشترى جارية على أنها بكر فوجدها زائل العذرة، وقال البائع: زالت عذرتها بالوثبة، قال بعض مشايخنا: إن صدقه المشتري في ذلك لا يكون له حق الرد وإن كذبه، وقال: لا بل زالت عذرتها بالوطء كان القول قوله، وله حق الرد، وأكثر المشايخ على أن له حق الرد على كل حال هو الصحيح؛ لأن الناس باشتراط البكارة يريدون صفة العذرة، فبأي طريق زالت العذرة، فقد فات الشرط، فيكون له حق الرد.

وفي «الفتاوى» للفقيه أبي الليث رحمه الله قال أبو نصر: قال البلخي: زوج رجل أمته من عبده على أن أمرها بيده يكون كذلك، وقال ابن سلمة: صح النكاح، ولا يكون الأمر بيده، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: لو بدأ العبد بقوله: زوجني على أن أمرها بيدك، فزوجها لا يكون الأمر بيده لوجود التفويض قبل النكاح، وإن بدأ المولى فقال: زوجتها منك على أن أمرها بيدي أطلقها كلما أريد، فقال العبد: قبلت صار الأمر بيده لوجود التفويض بعد النكاح.
بيانه: أن العبد لما قال: قبلت في هذه الصورة صار كأنه قال: قبلت على أن أمرها بيدك تطلقها كما تريد، فيكون التفويض بعد النكاح.
ونظير هذا: رجل قال لامرأة: تزوجتك على أنك طالق، أو على أن أمرك بيدك تطلق نفسها كما تريد، فقبلت لا يقع الطلاق، ولا يصير الأمر بيدها، ولو بدأت فقالت: زوجت نفسي منكَ على أني طالق، أو على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، فقال الزوج: قبلت، وقع الطلاق، وصار الأمر بيدها، وتصير هذه المسألة حيلة للمطلقة ثلاثاً إذا خافت من المحلل أن يمسكها، ينبغي أن تبدأ هي، وتقول للزوج: زوجت نفسي منك على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، ثم يقبل الزوج، فيصير الأمر بيدها تطلق نفسها كلما أرادت، ولو كان الزوج قال لها: تزوجتك على أنك طالق بعد ما أتزوجك،

(3/17)


أو على أن أمرك بيدك بعد ما أتزوجك، تطلقي نفسك كلما تريدين، فقالت المرأة: قبلت تطلق، ويصير الأمر بيدها.
وفي «المنتقى» : الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: إذا قال لها: أتزوجك على أن أمرك بيدك بعدما أتزوجك شهراً، فالنكاح جائز، وأمرها بيدها شهراً منذ تزوجها، فإن اختارت زوجها في يوم من الشهر لم يبطل خيارها في باقي الشهر، وروى الحسن عن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهم الله، أنه يبطل خيارها في باقي الشهر.
تزوج امرأة على أن يأتي بعبدها الآبق، فلها مهر مثلها، هكذا قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله.
وعنه أيضاً: تزوج امرأة على أنه مدني فإذا هو قروي لا خيار لها، وفي «الجامع الأصغر» ؛ قال أبو الليث الكبير رحمه الله: تزوج أمة رجل على أن كل ولد تلده فهو حر، فالنكاح جائز، والشرط كذلك، وكل ولد تلده فهو حر.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل تزوج امرأة، ولم يسم لها مهراً على أن تدفع المرأة إلى الزوج هذا العبد قسم مهر مثلها على قيمة العبد، وعلى مهر مثلها؛ لأنها بذلت البضع والعبد بأداء مهر مثلها، والبدل ينقسم على وقدر قيمة المبدل، فما أصاب قيمة العبد فالبيع فيه باطل؛ لأنها باعت بشيء مجهول، ويصير الباقي مهراً لها.
في «واقعات الناطفي» : رجل قال لامرأة: أتزوجك على أن تعطيني عبدك هذا، فأجابته بالنكاح، فالنكاح جائز بمهر المثل، ولا شيء له من العبد، قوله: لا شيء له من العبد ظاهر؛ لأنه اشترى العبد شراءً باطلاً؛ لأنه اشتراه بثمن مجهول، وقوله: فالنكاح جائز بمهر المثل يفسره ما قلنا في المسألة المتقدمة: إن مهر مثلها يقسم على مهر مثلها وعلى قيمة العبد، فما أصاب مهر مثلها يصير مهراً لها.

الفصل الخامس: في تعريف المرأة والزوج في العقد بالتسمية أو الإشارة
امرأة وكلت رجلاً ليزوجها من نفسه، فذهب الوكيل، وقال لجماعة: اشهدوا أني قد تزوجت فلانة ولم يعرف الشهود فلانة لا يجوز النكاح ما لم يذكر اسمها واسم أبيها، واسم جدها، لأنها غائبة، والغائب لا يعرف إلا بهذه الأشياء، ألا ترى أنه لو قال بين يدي الشهود: تزوجت امرأة قد وكلتني بنكاحها لا يجوز؟ وإنما لا يجوز لما قلنا، هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في الباب الأول من «واقعاته» ، وذكر الخصاف في «حيله» مسألة تدل على أن مثل هذا التعريف يكفي لجواز النكاح.

فصورة ما ذكر الخصاف: رجل خطب امرأة إلى نفسها، فأجابته إلى ذلك، وكرهت أن يعلم بذلك أولياؤها، فجعلت أمرها في تزويجها إليه، واتفقا على المهر، فكره الزوج أن يسميها عند الشهود إني خطبت امرأة إلى نفسها، وبذلت لها من الصداق كذا وكذا،

(3/18)


فرضيت بذلك، وجعلت أمرها إليّ بأن أتزوجها، فاشهدوا أني قد تزوجت المرأة التي جعلت أمرها إليّ على صداق كذا وكذا، ينعقد النكاح بينهما إذا كان كفئاً لها، قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: الخصاف كبير في العلم، وهو من جملة من يصح الاقتداء به، قال رحمه الله: وذكر في «المنتقى» أيضاً (189ب1) . أن مثل هذا التعريف يكفي فيتأمل عند الفتوى، هذا إذا كان الشهود لا يعرفون فُلانة.
فأما إذا كانوا يعرفونها وذكر الزوج اسمها لا غير جاز النكاح، وإن كانت غائبة إذا عرف الشهود أنه أراد به المرأة التي عرفوها لأن المقصود هو التعريف وقد حصل التعريف بمجرد ذكر الاسم.
وفي «البقالي» : إذا لم ينسبها الزوج ولم يعرفها الشهود وسِعَهُ فيما بينه وبين ربِّه. وفيه أيضاً: إذا قال: المرأة التي في هذا البيت جاز إن كانت وحدها وإن كانت المرأة حاضرة إلا أنها متنقبة لا يعرفها الشهود فقال الرجل: تزوجت هذه، وقالت المرأة زوجت جاز، هو المختار خلافاً لما يقوله نصر لأنها حاضرة والحاضر يعرف بالإشارة، والاحتياط أن يكشف وجهها أو يُذكر أبوها وجدها فيقع الأمن من أن يرفع الأمر إلى قاضٍ يميل إلى قول نصر فيبطل النكاح.
جارية لها اسم سُمّيت به في صغرها فلما كبرت سميت باسم آخر، تُزوج باسمها الآخر إن صارت معروفة بهذا الاسم. في نكاح «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجلٌ له ابنة واحدة اسمها فاطمة، قال لرجل: زوجت منك ابنتي عائشة ولم تقع الإشارة إلى شخصها، ذكر في «فتاوى الفضلي» : أنه لا ينعقد النكاح لأنه إذا لم تقع الإشارة إلى شخصها كان انعقاد النكاح بالتسمية وليست له ابنة بهذا الاسم.
ولو قال: زوجت ابنتي منك ولم يزد على هذا وله ابنة واحدة جاز؛ لأنه أمكن تصحيح النكاح بدون التسمية، وفي أول شرح عتاق «الأصل» : إذا قال لغيره: بعتك عبدي أو قال: عبداً لي، وليس له إلا عبد واحد هل يجوز البيع؟ اختلف فيه المشايخ، بعضهم قالوا: يجوز كما لو قال: بعتك عبداً لي في مكان كذا وليس له في ذلك المكان إلا عبد واحد وذلك جائز بلا خلاف، وبعضهم قالوا: لا يجوز، وإليه أشار محمد رحمه الله في باب الشهادة على العتق، وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، فيجوز أن تكون مسألة النكاح على الاختلاف بين المشايخ كمسألة البيع.
في «فتاوى الفضلي» رحمه الله أيضاً: إذا كانت للرجل ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى (اسمها) فاطمة فأراد أن يزوج الكبرى، وعقد النكاح باسم عائشة بأن قال: زوجت منك ابنتي عائشة ولم يُشِرْ إلى أحدهما، ولم يقل ابنتي الكبرى ينعقد النكاح على عائشة، ولو قال: زوجت منك ابنتي الكبرى فاطمة لم يذكر هذا الفصل ثمة، قال الصدر الشهيد في «واقعاته» : يجب أن لا ينعقد النكاح أصلاً لأنه ليست له ابنة كبرى بهذا الاسم.
إذا أراد أن يزوج أمته من إنسان فقال: زوجت منك أمتي قتلغ، أو قال تنفشة جاز إذا لم يكن له بهذا الاسم إلا أمة واحدة، وكذا لو أراد أن يزوج امرأة من عبده فقال:

(3/19)


زوجتك من عبدي سنقر جاز إذا لم يكن له غلام آخر بهذا الاسم، ألا ترى لو أراد أن يزوج ابنته يقول: زوجت ابنتي فاطمة مثلاً، وإن أراد أن يزوج ابنه فقال: ابني أحمد مَثَلاً، ويجوز كذا هنا.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله:
رجل (أراد) أن يزوج ابنته الصغيرة من ابن صغير لغيره، فقال أب الصغيرة لأب الصغير: زوجت ابنتي الصغيرة فلانة من ابنك الصغير فلان، وقال أب الصغير قبلت جاز النكاح للابن؛ وإن لم يقل الأب قبلت الابن؛ لأن المزوج أوجب العقد للابن، وقبول المتزوج جواب، والجواب يتقيد بالإيجاب فكأنه قال: قبلت الابن.

وفي هذا الموضع أيضاً. رجل خطب لابنه الصغير امرأة، فلما اجتمعا للعقد قال أبُ المرأة لأب الصغير بالفارسية: دادم برابرني ابن دحتر بهزاردرم فقال أب الابن: بدرفتم يجوز النكاح للأب، وإن جرى بينهما مقدمات النكاح للابن، هو المختار؛ لأن الأب أضاف النكاح إلى نفسه، وهذا أمر يجب أن يحتاط فيه.
وفي «البقالي» : إذا خطب الرجل صغيرة لابنه الصغير فقال أب الصغيرة لأب الصغيرة وهنيئاً لك؛ فقال أب الصغير: قبلتها لابني جاز.
في «مجموع النوازل» : سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل قال لآخر: زوجت ابنتي فلانة من ابنك فلان بكذا ولفلان ابنان فقال فلان: قبلت لابني ولو لم يقل فلان لا يجوز النكاح. ولو قال: قبلت ولم يقل لابني جاز النكاح للابن المسمى في التزويج؛ لأن في الفصل الثاني أمكن جعل قوله قبلت جواباً للإيجاب السابق؛ لأنه لم يزد على حرف الجواب فيتقيّد بالإيجاب، وصار كأنه قال: قبلت لابني فلان. وأما في الوجه الأول زاد على حرف الجواب وقصر عن الإتمام فلا يمكن أن يجعل جواباً فلا يتقيّد بالإيجاب فنفي القبول منهما فلا يصح. فالحاصل: أنه إذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابن واحد فقال: زوجت ابنتي من ابنك يجوز على ما ذكره الفضلي.
وعلى قياس مسألة البيع المذكور في العتاق يكون فيه اختلاف المشايخ، وإن كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابنان فسمى المزوج الابنة والابن باسمهما؛ إن سمى القابل الابن باسمه صح النكاح للابن المسمى، وكذلك إذا لم يسمه واقتصر على قوله قبلت يجوز النكاح للابن المسمى ويجعل قول القابل قبلت جواباً فيتقيّد بالإيجاب. ولو ذكر القابل الابن إلا أنه لم يسمه باسمه بأن يقول قبلت لابني لا يصح لأنه لا يمكن أن يجعل جواباً؛ لأنه زاد على حرف الجواب، فإنه كان يكفيه قبلت، بخلاف ما إذا سمى الابن باسمه لأنه إن زاد على حرف الجواب فما قصر عن الإتمام، وجنس هذا في «الجامع» في الأيمان والله أعلم.

(3/20)


الفصل السادس: في الكفاءة
الكفاءة معتبرة في باب النكاح، والأصل فيه قوله عليه السلام فيما رواه جابر عنه: «لا تنكح النساء إلا من الأكفاء» وقال عليه السلام: «ألا لا يُزوجُ النساءَ إلا الأولياءُ ولا يزوجن إلا من الأكفاء» والحكمة في اشتراطها: تحقيق ما هو المقصود من النكاح وهو السكنى والازدواج، إذ المرأة تتعير باستفراش من لا يكافئها، ثم اعتبارها من وجوه:
أحدها: النسب، واعلم بأن الناس طبقات ثلاث: قريش والعرب والموالي، فقريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، ولا يكون العرب أكفاء لقريش، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، ولا يكون الموالي أكفاء للعرب ولا لقريش.
قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: الكفاءة فيما بين الموالي (190 ب1) تعتبر بالإسلام لا بالنسب لأن الموالي ضيّعوا أنسَابهم فلا يعتبر النسب في حقهم، وما قال محمد رحمه الله في «الكتاب» : بعضهم أكفاء بعض إلا أن يكون أمراً مشهوراً، وإنما قال ذلك تعظيماً لأمر الخلافة أو تسكيناً للفتنة والعالم يكون كفئاً للعلوية لأن للعالم شرف الكسب يعني به كسب العلم وللعلوية شرف النسب، وشرف الكسب أولى، وعن هذا قيل: إن عائشة أفضل من فاطمة رضي الله عنهما؛ (لأن لعائشة شرف كسب العلم، قال عليه السلام: «..... تأخذون ثلثي دينكم من عائشة» . ولفاطمة شرف النسب) .

الثاني: المال إلا رواية عن أبي يوسف رحمه الله رواها ابن زياد أن الكفاءة في المال غير معتبرة، وفي ظاهر الرواية معتبرة، والمعتبر فيه القدرة على المهر والنفقة، ولا تعتبر الزيادة على ذلك حتى إن من كان قادراً على المهر والنفقة كان كفئاً لها وإن كانت صاحبة أموال كثيرة وهو الصحيح من المذهب، وإن كان يقدر على نفقتها بالتكسُّب ولا يقدر على مهرها اختلف فيه المشايخ: عامتهم على أن لا يكون كفئاً لها، وذكر هشام في «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله رواية أخرى أنه إذا كان قادراً على العمل فهو كفء لها، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهو الصحيح، وعن أبي حنيفة رحمه الله فيه أنه كفء لها، هكذا روي عن محمد، وروي عن أبي يوسف روايتان ذكره البقالي في «فتاويه» .
وفي «المنتقى» عن محمد رحمه الله: أنه إذا كان للرجل المهر والنفقة لستة أشهر

(3/21)


فهو كفء، والقياس: نفقة شهر. وفيه أيضاً: إذا كان يجد نفقة المرأة ولا يجد نفقة نفسه فهو كفء.
ثم إنما تعتبر القدرة على النفقة إذا كانت المرأة كبيرة أو صغيرة تصلح للجماع، أما إذا كانت صغيرة لا تصلح للجماع لا تعتبر القدرة على النفقة لأنه لا نفقة لها في هذه الصورة، ويكتفى بالقدرة على المهر، إليه أشار ابن رستم في «نوادره» .
في «المنتقى» : إذا تزوجها وهو فقير فتركت له المهر، وهذا ليس بكفء وينبغي أن يقدر على مهرها ونفقتها يوم تزوج.
في «فتاوى أهل سمرقند» : رجل زوج أخته وهي صغيرة وهو وليها من صبي ليس له طاقة المهر وقبل أبوه النكاح وهو غني جاز؛ لأن الصغير يُعَدُّ غنياً في حق المهر بغنى الأب؛ ولا يعد غنياً في حق النفقة بغنى الأب؛ لأن العادة أن الآباء يتحملون المهر عن الأبناء ولا يتحملون النفقة.
u

وفي «فتاوى الفضلي» سئل عن العم إذا زوج الصغيرة من صبي صغير لا مال (له) ولأبيه مال كثير وللصغيرة مال كثير هل يكون هذا كفئاً لها؟ وهل يجوز النكاح؟ قال: اختلف المتأخرون فيه من علمائنا، منهم من لم يجعله كفئاً لها؛ ومنهم من جعله كفئاً لها لأنه يُعد غنياً بغنى أبيه، ولم يفصل بين المهر والنفقة قال رحمه الله: وقول من قال إنه كفء لها أعجب إليَّ.
في «فتاوى أهل سمرقند» أيضاً: رجل يملك ألف درهم ... فهذا الرجل كفء لها، وإن كانت القدرة على المهر شرطاً فإن القدرة ثابتة هنا فإنه يقضي أي الدينين شاء بذلك المال.
والثالث: الحرية فالعبد لا يكون كفئاً للحرة وكذلك المعتق لا يكون كفئاً للحرة الأصلية، والمعتق أبوه أو جده لا يكون كفئاً للمرأة لها أبوان في الحرية عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافاً لأبي يوسف رحمه الله في الجد. ومن كان له أبوان في الحرية كان كفئاً لمن كان له ثلاثة آباء في الحرية أو أكثر في ذلك.
امرأة أمُّها حرة الأصل وأبوها معتق قوم فالمعتق لا يكون كفئاً لها لأن المعتق قد بقي فيه أثر من آثار الرق وهو الولاء، والمرأة إذا كانت أمها حرة الأصل كانت هي حرة الأصل فلا يكون المعتق كفئاً لهذه المرأة.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله، وفي «المنتقى» : قال هشام: سمعت محمداً رحمه الله وفي رجل خطير زوج ابنته من مملوك نفسه، قال: إن كانت الابنة كبيرة ورضيت جاز، وإن كانت صغيرة لم يجز، فقلت: إن أبا يوسف رحمه الله أجازه ولم يقبل ذلك مني، وكذا إذا زوج ابنته من مكاتبه؛ إن كانت كبيرة ورضيت به جاز، وإن كانت صغيرة لا يجوز، وعلى قول أبي حنيفة رحمه اللَّه: يجوز في الفصلين جميعاً بناءً على مسألة الكفاءة على ما يأتي بيانها في آخر الفصل إن شاء الله تعالى.

والرابع: إسلام الأب في الموالي: من أسلم بنفسه لا يكون كفئاً لامرأة لها أب في

(3/22)


الإسلام، ومن له أب في الإسلام لا يكون كفئاً لامرأة لها أبوان في الإسلام عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، خلافاً لأبي يوسف رحمه الله في الجد، ومن كان له أبوان في الإسلام كان كفئاً لامرأة لها ثلاثة آباء في الإسلام أو أكثر، والكلام في إسلام الجد وفي حرية الجد ينبني على أن التعريف هل يحصل بدون ذكر الجد؟ عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يحصل، وعند أبي يوسف رحمه الله يحصل، هذا في حق الموالي، وأما في حق العرب، فإسلام الأب ليس بشرط.
في «المنتقى» إبراهيم عن محمد رحمه الله من كان له أب واحد في الإسلام وله فضل ودين هل يكون كفئاً لمن له أبوانِ في الإسلام أم (لا) ؟ قال: إذا استويا في المال على ما يرى الناس فربما يكون الذي له أب كفئاً لمن له أبوان، وكذلك هذا في الحرية، وروى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله: من أسلم على يد إنسان لا يكون كفئاً لموالي العتاقة، وذكر ابن سماعة عنه في الرجل يُسلم والمرأة معتق أنه كفء لها قال في «شرح الطحاوي» : ومولى الوضيع لا يكون كفئاً لمولاة أشرف القوم؛ لأن الولاء «لُحْمَةٌ كلحمة النسب» حتى إن معتق العربي لا يكون كفئاً لمعتقة الهاشمي، فكان لمعتقها حق.... ومعتقة أشرف القول تكون كفئاً للموالي لأن لمعتقة أشرف القوم شرف الولاء وللموالي شرف إسلام الآباء وحريتهم.

والخامس: التقوى والحسب حتى لا يكون الفاسق كفئاً للعدلة عند أبي حنيفة رحمه الله سواء كان معلن الفسق أو لم يكن، هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن الصحيح عند أبي حنيفة رحمه الله أن الكفاءة في التقوى، والحسب غير معتبر في التقوى، وفسّر الحسب فقال: هو مكارم الأخلاق، حتى روي عنهُ أن الذي يشرب المسكر إن كان غير متهتك بسكره حين يسكر كان كفئاً لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان يصير ضحكة حين يسكر ويُستهزأ منه ويعربد ويتهتك لا يكون كفئاً لامرأة صالحة من أهل البيوتات، هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله عن محمد رحمه الله أن الذي يسكر فيخرج ويستهزىء منه الصبيان لا يكون كفئاً لامرأة صالحة من أهل البيوتات.
وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفئاً لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان مهيباً معظماً في الناس فهو كفء لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: الذي يشرب المسكر إن كان يشرب ذلك ولا يخرج سكراناً كان كفئاً لامرأة صالحة من أهل البيوتات، وإن كان يعلن ذلك (190ب1) لا يكون كفئاً لها، فما ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله من قول محمد رحمه الله يوافق ما ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله من قول أبي يوسف رحمه الله قيل وعليه الفتوى.

(3/23)


والسادس: الكفاءة في الحرف فقد اعتبرها أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس بعضهم أكفاء لبعض إلا حائك أو حجام، وفي رواية أو دباغ. قال مشايخنا: ورابعهم الكنّاس، فواحد من هؤلاء الأربعة لا يكون كفئاً للصيرفي والجوهري وعليه الفتوى. وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله يقول: وهنا خسيس خامس أخسّ من كلهم وهو الذي يخدم الظلمة، هو الذي يُدعى شاكرياً كان صاحب مروءة وقال وصنعة الظلم فيه خساسة لأنه يأكل من دماء الناس وأموالهم بعد هذا المروي عن أبي يوسف رحمه الله أن الحرف متى تفاوت لا يعتبر التفاوت وتثبت الكفاءة فالحايك يكون كفئاً للحجام والدباغ للكناس، والصغار يكون كفئاً للحداد، والعطار يكون كفئاً للبزاز. قال شمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى، وفي «الحاوي» أن القروي كفئاً للمدني.

والسابع: الكفاءة في العقل وإنها معتبرة عند بعض المتأخرين من المشايخ حتى إن الزوج إذا كان مجنوناً لا يكون كفءً للمرأة العاقلة وعند بعضهم غير معتبرة لأن الجنون بمنزلة المرض، ثم سائر الأمراض لا تسلب الكفاءة فكذا الجنون، ثم المرأة إذا زوجت نفسها من غير كفء صح النكاح في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو قول أبي يوسف رحمه الله آخراً، وقول محمد رحمه الله آخراً أيضاً لما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله، حتى إن قبل التفريق يثبت فيه حكم الطلاق والظهار وله إيلاء والتوارث وغير ذلك، ولكن للأولياء حق الاعتراض؛ لأنها ألحقت الشين بالأولياء بنسبة من لا يكافئهم إليهم بالصمدية فكان لهم أن يدفعوا هذا الشين عن أنفسهم. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن النكاح لا ينعقد، وبه أخذ كثير من مشايخنا رحمهم الله. ولا يكون التفريق بذلك إلا عند القاضي، يريد به: أنه ينبغي للولي أن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخ القاضي العقد بينهما أما بدون فسخ القاضي لا ينفسخ النكاح بينهما وتكون هذه فرقة بغير طلاق، حتى لو لم يكن الزوج دخل بها فلا شيء لها من المهر، وإن كان قد دخل بها فلها ما سمى لها من المهر وعليها العدة، والذي يلي المرافعة إلى القاضي المحارم عند بعض المشايخ، وعند بعضهم المحارم وغير المحارم في ذلك على السواء حتى يثبت ولاية المرافعة لابن العم ومن أشبهه وهو الصحيح.
في «البقالي» : وإذا زوجها أحد الأولياء من غير كفء برضاها لا يكون للآخرين حق الاعتراض إذا كانوا مثل المزوج أو دونه في الدرجة أمّا إذا كان أقرب من المزوج فله حق الاعتراض لأن المزوج لا يكون ولياً إذا كان لها ولي أقرب منه فكان هو وأجنبيٌ آخر سواء.
وسكوت الولي عن المطالبة بالتفريق لا يكون رضاً منه في النكاح من غير الكفء وإن طال ذلك حتى تلد منه.

وإذا زوجها الولي من غير كفء ثم فارقته ثم زوجت نفسها منه بغير ولي كان للولي حق التفريق فلا يكون رضاه بالنكاح الأول رضاً بالنكاح الثاني.

(3/24)


في نكاح «الأصل» : ولو طلقها طلاقاً رجعياً وراجعها بغير رضا الولي لا يكون للولي حق التفريق في «نظم الزندويستي» رحمه الله. وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة من رجل هو ليس بكفء لها جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما.
ولو زوجها غير الأب والجد من رجل هو ليس بكفء لها بأن زوجها ممن لا يقدر على مهرها أو نفقتها أو ما أشبه ذلك فلا رواية في هذا الفصل عن أصحابنا المتقدمين ولا عن أصحابنا المتأخرين رحمهم الله، وإنما الرواية عن المتأخرين فيما إذا زوجها غير الأب والجد وقصّر في مهرها إنه لا يجوز النكاح.
قال الفضلي رحمه الله: على قياس مسألة التقصير في المهر: ينبغي أن لا يجوز هذا النكاح بلا خلاف، قيل له: إن كان عقد النكاح على أن فلاناً ضامنٌ لها المهر والنفقة؟ قال: لا يجوز أيضاً، وإنما يجوز في هذا إذا كان الزوج صغيراً وأبوه غني فيكون غنياً بغنى الأب استحساناً.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: غير الأب والجد إذا زوج الصغيرة من رجل كان جده معتق قوم أو كان جده أسلم، وكان للصبية آباء أحرار مسلمون ثم أدركت فأجازت لم يجز؛ لأن هذا النكاح لم يكن موقوفاً؛ لأنه لم يكن له مجيز لأن نكاح هؤلاء من غير الكفء لا يجوز، وهذا ليس بكفء، وهذا إنما يتأتى على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن عندهما إسلام الجد وحريته شرط لضرورة (كون) الرجل كفئاً لامرأة لها آباء مسلمون وأحرار.

وإذا زوج الرجل ابنته الصغيرة من رجل على طراية مصلح لا يقرب الخمر أخبره الناس بذلك ثم وجده شريباً مدمناً؛ إن لم يعرف أب المرأة شرب الخمر وكان غلبة أهل بيته الصلاح فالنكاح باطل لأن الأب زوجها على طرائها كفء وهذه المسألة يجب أن يكون بالاتفاق، وإنما الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فيما إذا زوجها من رجل عرفه غير كفء، فَعندَ أبي حنيفة رحمه الله يجوز؛ لأن الأب كامل الشفقة وافر الرأي فالظاهر أنه تأمل غاية التأمل ووجد غير الكفء أصلح من الكفء. أما إذا.... كفء فالظاهر قلة التأمل، وبناء الأمر على ظاهر الكفاءة، فلهذا افترقا.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله أيضاً، وفي هذا الموضع: امرأة زوجت نفسها من غير الكفء فلها أن تمنع نفسها من الزوج ولا تمكنه عن وطئها، وهذا الجواب خلاف ظاهر الرواية، إنما هذا اختيار الفقيه أبي الليث رحمه الله، قال: لأن من حجة المرأة أن تقول: إنما تزوجت بك رجاء أن يجيز الولي، فإذا لم يجز فلي أن أمتنع منك. يوضحه أن للولي حق الخصومة فعسى يخاصم ويفرق القاضي بينهما، فيكون هذا وطئاً بشبهة، وكثير من مشايخ زماننا قالوا بجواز هذا النكاح. أفتوا بظاهر الرواية، وقالوا ليس لها أن تمنع نفسها من زوجها.

(3/25)


وإذا أكرهت المرأة أن تزوج نفسها من كفء بمهر المثل ثم زال الإكراه فلا خيار لها، وأما إذا أكرهت على تزويج نفسها من غير كفء بأقل من مهر المثل ثم زال الإكراه فلها الخيار.

وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء بغير رضا الولي؛ فقبض الولي مهرها، فهذا منه رضاً وتسليم. ولو قبضها ولم يجزها فقد اختلف المشايخ فيه، والصحيح: أنه يكون رضاً وتسليماً لأن العقد توقف على إجازة الولي، وقبض البدل ممن توقف العقد على إجازته يكون رضاً منه بالعقد دلالة كما في البيع الموقوف، فأما إذا لم يقبض ولكن خاصم زوجها في نفقتها وتقرير مهرها عليه (191ب1) بوكالة منها كان ذلك منه رضاً وتسليماً للعقد استحساناً؛ لأن طلب المهر لم يكن لإثبات عدم الكفاءة عند القاضي؛ لأن عدم الكفاءة ثابت عند القاضي لأنه وضع المسألة فيما إذا زوجت نفسها من غير كفء، فتعين أن يكون طلب المهر للاستيفاء وذلك دلالة الرضا من غير احتمال، حتى لو لم يكن عدم الكفاءة ثابتاً عند القاضي لا يكون ذلك رضاً بالنكاح قياساً واستحساناً.
في «المنتقى» ابن سماعة عن محمد رحمه الله في امرأة تحت رجل هو ليس بكفء لها خاصمه أخوها في ذلك، وأبوها غائب غيبة منقطعة، أو خاصمه ولي آخر غيره أولى منه غائب غيبة منقطعة، وادعى الزوج أن الولي زوجه يوم إقامة البينة وإلا فرق بينهما، فإن أقام بينّة على ذلك قبلت بينته وأجزته على الأول يعني على الولي الذي هو أولى لأن هذا خصم.
في نكاح «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله: رجل زوج أمة له وهي صغيرة من رجل ثم ادعى أنها ابنته ثبت النسب والنكاح على حاله؛ إن كان الزوج كفئاً، وإن لم يكن كفئاً فهو في القياس لازم لأنه هو الذي زوج وهو ولي. ولو باعها من رجل ثم ادعى المشتري أنها ابنته فكذلك إذا كان الزوج كفئاً، وإن كان الزوج غير كفء فالقياس كذلك لأنه زوَّجها وليٌّ مالك، واستقبح في هذا الموضع أي في قصد المشتري وأفرّق بينهما.

وفي كتاب الطلاق من «المنتقى» : رجل تزوج امرأة مجهولة النسب ثم ادعاها رجل من قريش وأثبت القاضي نسبها منه وجعلها ابنة له وتزوجها حجام، فلهذا الأب أن يفرق بينها وبين زوجها. ولو لم يكن ذلك لكن أقرت بالرق لرجل، لم يكن بمولاها أن يبطل النكاح بينهما، وإذا تسمى رجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه، فلما زوجت نفسها منه علمت بذلك، فهذه المسألة على وجهين:
الأول: أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهر لها، بأنْ أخبرها أنه عربي فإذا هو قرشي، وفي هذا الوجه لا خيار لها ولا لأوليائها لأنهم وجدوا خيراً مما شرط لهم، وعن أبي يوسف رحمه الله: أن لها الخيار، وكذا في «المجرد» وفي «المنتقى» : الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمها الله: إذا تزوج امرأة على أنه مولى فإذا قرشي فلها الخيار.
الوجه الثاني: أن يكون النسب المكتوم أدون مما أظهر وإنه على قسمين: إن كان

(3/26)


مع هذا النسب المكتوم كفئاً لها؛ بأن تزوج عربيّة على أنه قرشي فإذا هو عربي، وهذا القسم لا خيار للأولياء؛ لأن الحق للأولياء في الكفاءة لا غير، حتى لا ينتسب إليهم من لا يكافئهم بالصمدية، وهذا الحق قد صار مقاماً، ولها الخيار عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأن الاستفراش ذلّ من جانبها، وهي إنما رضيت بتحمل هذا الذل ممن هو فوقها لا ممن هو مثلها، فثبت لها الخيار لا يعدُّ له تمام الرضا. وذكر الكرخي في «جامعه» : أنه لا خيار لها.
القسم الثاني: إذا لم يكن مع هذا النسب المكتوم كفئاً لها بأن تزوج قرشيّة على أنه من قريش، فإذا تبين أنه عربي أو من الموالي؛ وفي هذا القسم لها الخيار، ولو رضيت به كان للأولياء حق المخاصمة وهذا ظاهر.
وإن كانت المرأة هي التي غرت الزوج وانتسبت إلى غير نسبها فلما غرت بزوجها علم بذلك فلا خيار هكذا ذكر في «الأصل» من غير ذكر خلاف، وهذا إشارة إلى أن الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء.

وذكر هشام في «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله إذا تزوج امرأة على أنها قرشية فإذا هي نبطية فله الخيار، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا خيار له، وفي آخر باب الوكالة من كتاب النكاح من «الجامع الصغير» ....... أمر رجلاً أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره قال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز وقالا: لا يجوز، وقال مشايخنا رحمهم الله: هذه المسألة دليل على أن الكفاءة في النساء للرجال معتبرة عندهما خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، وفي وكالة «الأصل» أن الكفاءة في النساء للرجال استحسان وليس بقياس.
وفي «المنتقى» : الحسن بن زياد: إذا تزوج امرأة على أنَّه فلان بن فلان فإذا هو أخوه أو عمه فلها الخيار.
وفي آخر باب نكاح العبيد من نكاح «الأصل» عبد تزوج امرأة بإذن مولاه ولم يخبر وقت العقد أنه عبدٌ أو حرّ، ولم تعلم المرأة أيضاً ولا أولياؤها أنه حر أو عبد، ثم ظهر أنه عبد فإن كانت المرأة هي التي باشرت عقد النكاح فلا خيار لها، ولكن للأولياء الخيار.
وإن كان الأولياء هم الذين باشروا عقد النكاح فلا خيار لها، ولكن للأولياء الخيار، وإن كان الأولياء هم الذين باشروا عقدا النكاح عليها برضاها وباقي المسألة بحالها فلا خيار لا للمرأة ولا للأولياء.
وبمثله لو أخبر الزوج أنه حر وباقي المسألة بحالها كان لهم الخيار، فهذه المسألة دليل على أن المرأة إذا زوجت نفسها من رجل ولم تشترط الكفاءة ولم تعلم أنه كفء أو غير كفء ثم علمت أنه غير كفء لا خيار لها ولكن للأولياء الخيار.
وإن كان الأولياء هم الذين باشروا عقد النكاح برضاها ولم يعلموا أنه كفء فلا

(3/27)


خيار لواحدٍ منهم، أما إذا شرطوا الكفاءة أو أخبرهم بالكفاءة ثم ظهر أنه غير كفء كان لهم الخيار، سئل. شمس الإسلام رحمه الله عن مجهول النسب هل هو كفء لامرأة معروفة النسب قال: لا والله أعلم.

الفصل السابع في الشهادة في النكاح
ولا يجوز عقد النكاح بين مسلمين بشهادة الكفار والصبيان والمجانين والعبيد والمكاتبين والمدبرين والنائمين الذين لا يسمعون كلام المتعاقدين والأصمين. ذكر فصل النائم والأصم في «نظم الزندويستي» ، وذكر القاضي الإمام الإسبيجاوي رحمه الله: أن النكاح ينعقد بشهادة الأصمين، وذكر القاضي الإمام ركن الإسلام عن السغدي رحمه الله في «شرح السير الكبير» في أبواب الأمان هكذا: أن النكاح ينعقد بشهادة الأصمين.
والمسألة في الحاصل بناءً على أن سماع الشهود كلام المتعاقدين هل هو شرط انعقاد النكاح؟ قد اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا: ليس بشرط وإنما الشرط حضرتهما، فهذا القائل يقول بانعقاد النكاح بشهادة الأصمين، وبعضهم قالوا: هو شرط، فهذا القائل يقول: لا ينعقد النكاح بشهادة الأصمين.
ونصّ القدوري رحمه الله في «كتابه» أنه لا بدّ من سماع الشهود كلام المتعاقدين، وسيأتي بعد هذا عن أبي يوسف رحمه الله ما يدل عليه إن شاء الله.
وأما (سماع) الشهود كلام المتعاقدين هل هو شرط؟ فقد ذكر «البقالي» في «فتاويه» : هل الاعتبار بسماع الشهود لفظ النكاح وإن لم يعرفوا تفسيره، قال: والظاهر خلافه، وفي «البقالي» أيضاً عن محمد رحمه الله فيمن زوج امرأة بحضرة هنديين لم يفهما فلا يمكنهما أن يعبرا ما سمعا لم يجز. وفي «النوازل» عن محمد رحمه الله في غير هذه المسألة: إن أمكنهما أن يعبّرا ما قالوا جاز النكاح.
في «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأة وسمع أحد الشاهدين كلامهما (192أ1) ولم يسمع الشاهد الآخر؛ ثم أعادا على الذي لم يسمع؛ إن كان المجلس واحداً جاز استحساناً، وإن كان متفرقاً لا يجوز، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: وقد روي من وجه آخر عن أبي يوسف رحمه الله: أنه لا يجوز حتى يسمعا معاً، إذ لا يوجد عند كل واحد من النكاحين إلا شاهد واحد.

وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله في كتاب الشهادات: تزوج بمحضر رجلين أحدهما أصم، فسمع السميع ولم يسمع الأصم حتى صاح صاحبه في أذنه أو غيره لا يجوز النكاح حتى يكون السماع معاً. وفي «نظم الزندويستي» : إذا سمع أحد الشاهدين كلام المرأة وسمع الشاهد الآخر كلام الزوج ثم أعاد العقد؛ فالذي سمع كلام الزوج في العقد الأول سمع في هذا العقد كلام المرأة لا غير، والذي سمع كلام المرأة في العقد

(3/28)


الأول سمع كلام الزوج في العقد الثاني لا غير، فإن كان العقدان في مجلسين متفرقين لا يجوز بالاتفاق، وإن كانا في مجلسٍ واحد قال عامة علمائنا لا ينعقد، وقال بعضهم مثل أبو سهل الكبير الشرعي: إنه ينعقد. قال «الزندويستي» رحمه الله: ولا نأخذ بقول أبي سهل. في «فتاوى الفضلي» : زوّج ابنته بحضرة السكارى وهم يعرفون أمر النكاح غير أنهم لا يذكرونه بعدما صحوا كما هو عادة السكارى؛ ينعقد النكاح لأن هذا نكاح بشهود.
تزوج امرأة بشهادة الله ورسوله لا يجوز؛ لأن هذا نكاح لم يحضره شهود، وعن أبي القاسم الصفار رحمه الله أنه قال: يكفر من فعل هذا؛ لأنه اعتقد أن رسول الله عليه السلام عالم الغيب.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل قال لقوم: اشهدوا أني تزوجت هذه المرأة التي في هذا البيت فقالت المرأة: قبلت، فسمع الشهود مقالتها ولم يروا شخصها، فإن كانت في البيت وحدها جاز النكاح؛ لأنه لا جهالة، وإن كانت معها في البيت أخرى لم يجز؛ لأن الجهالة ممكنة، وكذلك لو وكّلت المرأة رجلاً فسمع الشهود قولها ولم يروا شخصها فهو على ما ذكرنا من الوجهين، وفي «شهادات الفتاوى» : رجلٌ زوج ابنته ورجل في بيت وقوم في بيت آخر يسمعون التزويج، ولم يشهدوهم، إن كان من هذا إلى ذلك البيت كوّة رأوا الأب منها تقبل شهادتهم، وإن لم يروا الأب لم تقبل شهادتهم.
u

في «فتاوى أهل سمرقند» بعث الرجل أقواماً يخطبون امرأة، فقال الأب زوجت ابنتي فلانة من فلان، وقبل واحد من القوم تكلموا فيه قال بعضهم: لا يجوز؛ لأن هذا نكاح بغير شهود لأن الكل خاطبون من تكلم منهم ومن لم يتكلم؛ لأن المتعارف هكذا أن يتكلم واحد من القوم ويسكت الباقون. والخاطب لا يصلح شاهداً، وبه أخذ بعض مشايخ زماننا، وقال بعضهم: يجوز لأنّه لا ضرورة إلى جعل الكل خاطباً، فيجعل المتكلم خاطباً والباقون شهود، وبه أخذ الصدر الشهيد رحمه الله.
وإذا تزوج الرجل المسلم امرأة مسلمة بحضرة عبدين أو أو صبيين أو كافرين ومعهما شاهدان مسلمان حُرّان بالغان جاز؛ لأن هذا نكاح بشهود، فإن أَدرك الصبيان أو أُعتق العبدان أو أسلم الكافران وشهدوا أنه تزوجها؛ ذكر في «الأصل» مطلقاً أنه تقبل شهادتهما، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «شرحه» أن المسألة على التفصيل: إن شهدا أنه تزوجها بحضرتنا وكان معنا شاهدان رجلان حران مسلمان جازت شهادتهما، وإن شهدا وقالا: لم يكن معنا غيرنا لا تقبل شهادتهما لأنهما شهدا بنكاح فاسد، والقاضي لا يقضي بنكاح فاسد.

وإذا شهد شاهد أنه تزوجها أمس، وشهد آخر أنه تزوجها اليوم فشهادتهما باطلة؛ لأنّ كل واحد منهما يشهد بعقد عقد بحضوره وحده، وذلك عندنا فاسد فكان امتناع القضاء بهذه الشهادة لكون المشهود به فاسداً لا لاختلاف الوقت؛ لأن الشهادة قامت على القول، والشهادة القائمة على القول لا يمنعها اختلاف الوقت كما في البيع، حتى

(3/29)


قالوا: لو شهد كل واحد أنه كان معه رجل آخر قضى بشهادتهما؛ لأن كل واحد شهد بنكاح صحيح، لم يبق إلا اختلاف الوقت وإنه لا يمنع قبول الشهادة متى قامت على القول، هكذا ذكر شيخ الإسلام علّه هذه المسألة في «شرحه» ، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله علة تقتضي عدم القبول على كل حال فقال: النكاح بمنزلة الأفعال، وهذا لأن النكاح ... والصحيح: ما ذكر شمس الأئمة، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الشهادات على نحو ما ذكره شمس الأئمة، وإن كان قولاً إنّه يتضمن فعلاً وهو إحضار الشهود، فصار النكاح ملحقاً بالفعل من هذا الوجه، واختلاف الشهود في المكان والزمان في الأفعال يمنع قبول الشهادة في حق هذا المعنى، لا فرق بينهما إذا شهد كل واحد منهما أنه كان معه رجل آخر ولم يشهد على هذا الوجه.
قال الزندويستي في «نظمه» وينعقد النكاح بشهادة الأخرسين إذا كانا سميعين، وإذا وقع التجاحد فلا شهادة لهما لأنه لا لفظ لهما. وكذلك ينعقد النكاح بشهادة الأعمى والمحدود في القذف والمحدود في الزنا، وكذلك ينعقد بشهادة ابنيه لا منها وبشهادة ابنيها لا منه وبشهادة ابنيه منها.

وإذا تزوج المسلم الذمية بشهادة الذميين جاز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله؛ لأن ملك النكاح ثبت للرجل على المرأة مضموناً بالمهر، وشهادتهما حجة من حيث إثبات الملك له عليها، وأما لا يعتبر من حيث إيجاب المهر لها عليه إلا أن المهر زائد في الباب، فوقوع الخلل في الشهادة فيما يرجع إلى المهر لا يمنع انعقاد العقد؛ لأن الخلل دون انعدام التسمية.
المرأة إذا زوجت ابنتها البالغة بحضرتها برضاها بحضرة رجل وامرأة جاز النكاح، وإن كانت الابنة غائبة لا يجوز؛ لأن الابنة إذا كانت حاضرة كانت هي المزوجة والأم معبرة عنها، وهي مع المرأة الأخرى والرجل شهود، فيكون هذا نكاحاً بحضرة رجل وامرأتين، فأما إذا كانت الابنة غائبة؛ لا يمكن أن تجعل الابنة هي المزوجة، فبقيت الأم مزوجة ووراءها رجل وامرأة، ولو كانت الابنة صغيرة وباقي المسألة بحالها لا يجوز النكاح سواء كانت الابنة حاضرة أو غائبة؛ لأنه لا يمكن أن تجعل الابنة مزوجة؛ لأن الصغيرة ليست من أهل التزويج.
ومن هذا الجنس ذكر خواهر زاده رحمه الله في شرح كتاب الرهن وصورتها: وكّل رجلٌ رجلاً أن يزوج له امرأة، فزوجه الوكيل امرأة بحضرة شاهد واحد، إن كان الموكل حاضراً يجوز، وطريقه: أن الموكل يعتبر متزوجاً ويعتبر الوكيل مع الشاهد الآخر شاهدان، وإن كان الموكل غائباً لا يجوز، حاصل هذه المسائل مسألة ذكرها (192بأ) في آخر الباب الأول من نكاح «الجامع الصغير» وصورتها: رجل أمر رجلاً أن يزوج ابنة له وهي صغيرة فزوجها والأب حاضر جازت شهادة المزوج، وإن كان الأب غائباً لم تجز شهادة المزوج وطريقه ما قلنا.

(3/30)


ومن هذا الجنس مسألة ذكرت في «مجموع النوازل» سئل عنها الإمام نجم الدين عمر النسفي رحمه الله وصورتها: امرأة وكلت رجلاً أن يزوجها من رجل فزوجها بحضرة امرأتين والموكلة حاضرة، قال: يجوز النكاح وتصير الموكلة هي المزوجة.

قيل: فإن أنكر الزوج أوالمرأة الموكلة هذا العقد هل تقبل شهادة الوكيل والمرأتين على النكاح؟ قال: نعم إذا لم يقل الوكيل: أنا زوجتها منه بالوكالة؛ لأنه إذا قال ذلك تكون شهادة على قول نفسه ولا تقبل. قيل له: فهل يكفيه أن يقول: هذه امرأة هذا؟ قال: لا بد من إثبات العقد.

قال ولو قال قائل: إن الوكيل يشهد ويقول: هذه امرأة هذا بعقد صحيح قام بتزويج من له ولاية التزويج، وقبول من له ولاية القبول لا ينفذ ولكن لا أحفظ في هذا رواية، والصواب: أنه يشهد أن هذه امرأة هذا، ويقبل القاضي ذلك، ولا حاجة إلى إثبات العقد.
وإذا وكلّ الرجلُ رجلاً أن يزوج عبده امرأة فزوج الوكيل العبد امرأة بشهادة رجل واحد والعبد حاضر لا يجوز؛ لأنه لو جاز إنما يجوز بأن تنتقل عبارة الوكيل إلى العبد فيجعل العبد متزوجاً، ولا وجه إليه؛ لأن الوكيل ليس بمأذون من جهة العبد حتى تنتقل عبارته إلى العبد فبقي الوكيل مزوجاً لا شاهداً.
وإذا زوج الرجل ابنته البالغة وأنكرت الرضا فشهد عليها أبوها لا يقبل لأنه يريد تتميم ما باشره. ولو شهد عليها بالرضا أخواها قبلت شهادتهما. وإذا زوج الرجل ابنته بشهادة ابنيه ثم جحد الزوج النكاح وادعاه الأب والمرأة فشهد الابنان بذلك لم تقبل شهادتهما عند أبي يوسف، وعند محمد رحمهما الله تقبل شهادتهما، ولو كان الزوج هو المدعي والأب والمرأة يجحدان ذلك فشهادة الابنين مقبولة بلا خلاف.
والحاصل: أن شهادة الإنسان لأخيه أخته وعليهما مقبولة، وشهادته فيما يجحده الأب مقبولة، وإن كان للأب فيه منفعة بأن شهدا على أبيهما ببيع ما يساوي مائة ألف، وشهادته فيما يدعيه الأب إن كان للأب فيه منفعة لا تقبل بلا خلاف.

وإن لم يكن للأب فيه منفعة فكذلك عند أبي يوسف، وعند محمد رحمهما الله تقبل، حجّة محمد رحمه الله: أن شهادة الابن لأبيه إذا كان للأب فيه منفعة إنما لا تقبل لمكان التهمة، فإن الإنسان متهم بإيثار الأب على غيره في المنافع، وهذا المعنى لا يتأتى فيما لا منفعة للأب فيه، وأبو يوسف رحمه الله يقول: شهادة الابن لأبيه إنما لا تقبل بالنص، ولا فصل في النص، على أن المنفعة هنا متحققة وإن لم تكن مالية وهو ظهور صدقه عند الناس.
وإذا وقع الاختلاف بين الزوج والمرأة في أن النكاح كان بشهود أو بغير شهود فالقول قول من يدعي أنه كان بشهود؛ لأن الذي يدّعي النكاح بشهود يدّعي صحة العقد، والذي يدعي النكاح بغير شهود يدعي فساد النكاح. والأصل: أن الزوجان إذا اختلفا في

(3/31)


صحة العقد وفساده كان القول قول من يدّعي الصحة، وإن ادعى أحدهما أن النكاح في حالة الصغر بمباشرته؛ كان القول قوله؛ لأنه أضاف العقد إلى عدم الأهلية وهو حالة الصغر، فيكون منكراً العقد معنًى فيكون القول قوله، وسيأتي في مسألة الاختلاف في الشهادة بعد هذا في فصل الخصومة الواقعة بين الزوجين. وإذا كان القول قول من يدعي النكاح في حالة الصغر بعد هذا نقول لا نكاح بينهما ولا مهر لها (إن) لم يكن دخل بها قبل الإدراك، وإن كان قد دخل بها قبل الإدراك، فلها الأقل من المسمى ومن مهر المثل، ولا يثبت الرضا بهذا الدخول أما لها الأقل فلأن الدخول حصل في نكاح موقوف؛ لأن العقد من الصغير يتوقف على إجازة المولى إذا كان الولي يملك مباشرة ذلك، والدخول في النكاح الموقوف يوجب الأقل بمنزلة الدخول في النكاح الفاسد، وأما لا يثبت الرضا لأن الدخول أو التمكين دليل الرضا وصريح الرضا في حالة الصغر لا تعتبر فكذا دليل الرضا وإن دخل بها بعد الإدراك كان هذا رضا وإجازة للنكاح الذي كان بينهما في حالة الصفر؛ لأن صريح الرضا بذلك النكاح بعد الإدراك معتبر، فكذلك دليل الرضا وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله يقول: إذا ادعى أحدهما أن النكاح كان في حالة الصغر بمباشرته فعلى رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله يقول له القاضي: هل كان النكاح بإذن الولي؛ فإن قال: لا، يقول له هل أجازه الولي؟ فإن قال: لا، يقول له: هل أجريته بعد البلوغ؟ فإن قال: لا، يقول له: هل من رأيك أن تجيزه فإن قال: لا؛ فرق القاضي بينهما، وهذا إذا قال ذلك ولم يوجد بينهما دخول بعد الإدراك، فأما إذا وجد فهو دليل الرضا إذا وقع

الاختلاف بين الزوج ووكيله بالنكاح فقال الوكيل: أُشهدت على النكاح، وقال الموكل: لا بل لم تشهد فالقول قول الوكيل ويفرق بينهما وعليه نصف الصداق إن لم يكن دخل بها، وإن وقع هذا الاختلاف بين المرأة ووكيلها فالقول قول الوكيل وهي امرأته لا يفرق بينهما، وهذا لأن الوكيل مع الموكل اتفقا على أصل العقد فيكون اتفاقاً بينهما على شرائطه، فالذي ينكر الإشهاد يكون في معنى الراجع فلا يقبل قوله.

الفصل الثامن في الوكالة بالنكاح
إذا وكل رجلاً بأن يزوِّجه امرأة بعينها فزوجها إياه بأكثر من مهر مثلها، إن كان الزيادة بحيث يتغابن الناس في مثلها يجوز بلا خلاف، وإن كانت الزيادة بحيث لا يتغابن الناس فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يجوز.
وهذا بناء على أن المطلق من الألفاظ يجري على إطلاقه ما لم يوجد دليل القيد غير أنهما يقولان وجد دليل القيد هو العرف، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: العرف مشترك، وفرّق أبو حنيفة رحمه الله بين الوكيل بالنكاح وبين الوكيل بالشراء أن الوكيل بالشراء إذا اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله يصير مشترياً لنفسه، والفرق: أن في مسألة الشراء أصل العقد مضاف إلى الوكيل؛ لأن الوكيل بالشراء يستغني عن إضافة العقد إلى موكله،

(3/32)


فتتمكن التهمة في تصرفاته قصد الشراء لنفسه (......) العين حوله إلى الآمر، وأما في مسألة النكاح: أصل العقد مضاف إلى الموكل؛ لأن الوكيل بالنكاح لا يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل فلا تتمكن التهم في تصرفه، فلهذا حرما.
وإذا وكل رجلاً بأن يزوج له امرأة بعينها ببدل سماه، فتزوجها الوكيل لنفسه بذلك البدل جاز النكاح للوكيل بخلاف الوكيل بشراء شيء بعينه، إذا اشترى ذلك الشيء لنفسه بذلك البدل حال غيبة الموكل حيث يصير مشترياً لموكل. إذا وكلّه أن يزوج امرأة ولم يسمها فزوجه امرأة هي ليست بكفؤ له؛ القياس أن يجوز على الموكل، وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله عملاً بإطلاق التوكيل، وفي الاستحسان: لا يجوز على الموكل (193 أب) وبه أخذا فهما يقيدان اللفظ المطلق بالعرف، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: العرف مشترك، وقد يتزوج الرجل من ليس بكفؤ. وعلى هذا الخلاف: إذا زوجه امرأة، أو مقطوعة اليدين، أو رتقاء، أو مفلوجة، أو مجنونة، أو معتوهة، ذكر الاختلاف في هذه الفصول، ورواية أبي سليمان وفي «المنتقى» : إبراهيم عن محمد رحمه الله إذا قال لغيره: زوجني فزوجه عمياء، أو مقطوعة اليدين، أو الرجلين لا يجوز، ولو زوجه عوراء، أو مقطوعة إحدى اليدين جاز، وفيه أيضاً: أمر رجلٌ رجلاً أن يزوجه فزوجه ابنته الصغيرة أو ابنة أخيه الصغير فهو وليها لا يجوز، وكذلك كل من يلي أمرها بغير أمرها، قال: وذلك بمنزلة رجل أمر امرأة أن تزوجه امرأة فزوجته نفسها. ولو زوجه ابنته الكبيرة برضاها ذكر في «الأصل» أن على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز إلا أن يَرضى به الزوج، وعلى قولهما يجوز، بناء على عند أبي حنيفة رحمه الله بمطلق الوكيل لا يملك التصرف مع ولده للتهمة، والتهمة دليل يقيد المطلق، وعندهما يملك، ولو زوجه أخته الكبيرة برضاها جاز بلا خلاف؛ لأنه لا تهمة في حق الأخت.

وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله في «الأصل» : رجل أمر رجلاً أن يزوج له امرأة فزوجه ابنته الصغيرة أو الكبيرة بأمرها لم يجز استحساناً. وكله أن يزوجه امرأة من قبيلة فزوجه من قبيلة أخرى لم يجز وهذا ظاهر. وكّله أن يزوجه امرأة سوداء فزوجه امرأة بيضاء أو على العكس لا يجوز، ولو وكلّه أن يزوجه امرأة عمياء فزوجه امرأة بصيرة يجوز، كذا ذكر في «المنتقى» قال ثمة: وليس هذا كالأول لأن الأول جنس، وكله أن يزوجه أَمَةً فزوجه حرة لا يجوز؛ لأنه خالف أمره نصّاً وله في ذلك منفعة، وهو أن لا يساوي هذه الحرة التي عنده في القسم، وإن زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز. وكله أن يزوجه امرأة فزوجه صبية يجامع مثلها أولا يجامع (مثلها) جاز؛ لأن اسم المرأة اسم جنس يتناول الكبيرة والصغيرة جميعاً، قيل هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما على قولهما لا يجوز إذا زوجه صبية لا يجامع مثلها، كما لو زوجه رتقاء أو قرناء ومثل هذا قول الكل بخلاف ما إذا زوجه رتقاء أو قرناء ولو وكله أن يزوجه امرأة فزوجه الوكيل

(3/33)


امرأة جعلها الزوج طالقاً إن تزوجها فالنكاح جائز والطلاق واقع. قيل هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله، أما على قولهما لا يجوز.
وكله أن يزوجه امرأة على ألف درهم فإن أتت فيما بين الألف والألفين فأبَت المرأة أن تزوج نفسها بألف فزوجها بألفين؛ ذكر في «الأصل» أن ذلك جائز لازم للزوج، من مشايخنا من قال: ما ذكر في الكتاب قولهما لأن عندهما الغاية الثانية تدخل كما في الإقرار والطلاق، فصار الوكيل بالتزويج إلى الألفين موكلاً بالتزويج بالألفين وقد زوجها بالألفين، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله يتوقف النكاح على إجازة الزوج لأن عنده الغاية الثانية لا تدخل فيعتبر وكيلاً بالتزويج بألف وتسع مائة وتسعة وتسعين، فإذا زوجها بالألفين فقد زوجها بأكثر من المسمى فيتوقف على الإجازة، ومنهم من قال: لا، بل هذا قول الكل.
وفرق هذا القائل بين هذه المسألة وبين مسألة الإقرار والطلاق، والفرق وهو أن الغاية إنما لا تدخل تحت المضروب له الغاية إذا لم يوجد دليل يدل على دخولها، أما إذا وجد دليل يدل على دخولها تدخل، ألا ترى أن الغاية الأولى كيف دخلت لما وجد الدليل، وهو أن الثانية لا تتصور بدون الأولى. إذا ثبت هذا فنقول: الدليل هنا على دخول الغاية الثانية وهو العرف بأن العرف فيما بين الناس أنهم يتزوجون بالكوامل من العدد لا بالكسور، بخلاف الطلاق؛ لأن هناك يوجد عرف يوجب إدخال الغاية، وإن الناس يوقعون الواحدة والثنتين، وكذلك في باقي الأمصار لم يوجد عرف يوجب إدخال الغاية الثانية، فإن الناس كما يقرون بالكوامل من العدد يقرون بالكسور، إذا وكله أن يزوجه امرأة بألف درهم فأبت أن تزوجه حتى زادها الوكيل ثوباً من ثياب نفسه فالنكاح موقوف على إجازة الزوج؛ لأنه زاد على المسمى، فهو بمنزلة ما لو وكّله أن يزوجه بألف درهم فزوجه بألف وخمسمائة. فإن قيل: إذا زوجه بألف وخمس مائة إنما يصير مخالفاً؛ لأن الزيادة لو صحت كانت الزيادة على الزوج؛ لأن الوكيل لم يضفها إلى ماله، أما هنا لو صحت الزيادة كانت الزيادة على الوكيل؛ لأن الوكيل أضاف الزيادة إلى ماله فلا ضرر على الموكل في الزيادة، قلنا: إن لم يتضرر الموكل في الحال يتضرر في الثاني بأن يهلك الثوب قبل التسليم أو يستحق من يده، متى صحت الزيادة تجب قيمة ذلك على الزوج فلا يجب على الوكيل؛ لأن الوكيل متبرع بالعين، فإذا هلك العين لا تجب عليه قيمة، فيجب على الزوج متى صحت الزيادة.

وكَّلَه أن يزوجه امرأة بعينها فزوجها إياه على عبد الزوج؛ فإن العبد لا يصير مهراً ما لم يرض الزوج به؛ لأن الزوج ما أمره بإزالة العبد عن ملكه نصّاً، وإزالة العبد عن ملكه ليس من ضرورات ما أمره به أيضاً. ثم القياس أن لا يجوز هذا النكاح؛ لأنه صار مخالفاً بتسمية ما لم يؤمر بتسميته، فكأنه أمر بالتزويج بألف فزوجه بألفين، وفي الاستحسان يجوز النكاح لأنه لم يخالف ما أمر به نصاً فإنه كما لم يؤمر بتسمية العبد لم يدعيه أيضاً، ولكن امتنع صحة التسمية في حق العين لما ذكرنا، وذلك لا يمنع جواز النكاح، كما لو

(3/34)


تزوج امرأة على عبد الغير فإنه يصح العقد وإن لم تصح التسمية في حق العين حتى لا يجب التسليم للعين متى لم يرض به صاحب العين كذا هنا.
ذكر «المنتقى» إبراهيم عن محمد رحمه الله في الوكيل بالنكاح من جانب الزوج إذا ضمن المهر للمرأة وكان الضمان بغير أمر الزوج، فإذا رجع بما أدى على الزوج فقد جعل الأمر بالنكاح على روايه «المنتقى» أمراً بضمان المهر، حتى أثبت للوكيل حق الرجوع على الزوج، وإن لم يأمره الزوج بالضمان صريحاً، وفي «الأصل» لم يجعل الأمر بالنكاح أمراً بضمان المهر، حتى قال: لا يرجع الوكيل على الزوج بما ضمن من المهر.
وفرق على رواية «الأصل» بين الأمر بالنكاح وبين الأمر بالخلع، وجعل الأمر بالخلع أمراً بالضمان حتى قال: المأمور إذا ضمن بدل الخلع يرجع بما ضمن وإن لم تأمره المرأة بالضمان، والفرق أن في باب الخلع الوكيل بعد الوكالة يملك مباشرة الخلع على وجه يوجب البدل على الموكل ابتداءً، بأن يرسل البدل ويملك المباشرة على وجه يوجب البدل على نفسه ابتداءً بأن يضيف البدل إلى نفسه؛ إما إضافة مُلك، أو إضافة ضمان وهو يملك، هذا النوع بدون الوكالة لما عرف أن الخلع ببدل على الأجنبي صحيح، فإذا ملك هذا النوع بدون الوكالة فقد دخل هذا النوع تحت التوكيل بحكم إطلاق اللفظ، كان فائدة دخوله تحت التوكيل الرجوع على الموكل بما أدى، أما الوكيل بالنكاح لا يملك المباشرة على وجه يلزمه البدل ابتداءً؛ لأن النكاح ببدل على الأجنبي لا يصح، فكان لزوم البدل للوكيل بطريق الكفالة، والكفيل إنما يرجع على المكفول عنه بما (193 ب1) أدى إذا كانت الكفالة بأمره فلهذا افترقا، وفي «الجامع الكبير» : لو أن رجلاً وكّل رجلاً بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأة على عبد الوكيل أو عوض له صح التزويج ونفذ، وعلى الوكيل تسليمه، وإذا سلّم لا يرجع على المزوج بشيء، ولو كان مكان النكاح خلع يرجع على المرأة بقيمة ما أدى، والفرق ما ذكر ثم في باب النكاح؛ إذا لم يرجع على الزوج بشيء لا يظهر أن النكاح عُقد على غير الزوج بل البدل على الزوج، ولكن الوكيل متبرع عند الأداء، فإن لم تقبض المرأة العبد الذي هو مهر حتى هلك لا ضمان على الوكيل وترجع المرأة بقيمته على الزوج. فرّق بين هذا وبين الوكيل بالخلع. إذا خالع على عبد الوكيل وهلك العبد في يده قبل التسليم فإنه يضمن الوكيل قيمته.

والفرق: أن في باب النكاح يسلم المهر على الزوج بحكم العقد لا على الوكيل إلا أن الوكيل تبرع عنه بالأداء، فإذا عجز عن تسليمه بالهلاك بطل تبرعه، فكان تسليم قيمته على الزوج، وأما في باب الخلع تسليم العوض على الوكيل بحكم الخلع ابتداءً، وإنما الرجوع على المرأة بحكم الأمر، فإذا هلك فقد عجز عن تسليمه، والسبب الموجب للتسليم في حقه قائم فيصار إلى قيمته. ولو (زوجه) الوكيل امرأة بألف درهم من ماله بأن قال: زوجتك هذه المرأة بألف من مالي أو قال زوجتك هذه المرأة بألفي هذه جاز النكاح والمال على الزوج، فلا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه، وكان ينبغي أن يطالب لأن الوكيل متبرع والدراهم والدنانير يتعينان في التبرعات والجواب: هذا تبرع في ضمن

(3/35)


المعاوضة والدراهم والدنانير إذا كانا لا يتعينان في المعاوضات لا يتعينان فيما يثبت في ضمن المعاوضة، فلا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه، لهذا لا يطالب بألف آخر لانعدام الضمان؛ لأنه يحتمل أن يكون ما قال ضماناً، ويحتمل أن يكون وعداً بأن يؤدي من مال نفسه فلا يثبت الضمان بالاحتمال.
وإذا وكلّه أن يزوجه امرأة فزوجه امرأة معتدة أو لها زوج ودخل بها الزوج ولم يعلم؛ فرق بينهما وعليه الأقل من مهر المثل ومن المسمى كما في سائر الأنكحة الفاسدة، ولا ضمان على الوكيل في ذلك؛ لأن ما لزم الزوج لزمه بفعله وهو الدخول لا بعقد الوكيل.
ولو وكّلَه أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقد لم يلزم الزوج واحدة منهما، ولو وكّله أن يزوجه امرأة بعينها فزوجه تلك وأخرى معها لزمه تلك.
Y
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمهم الله: إذا وكّله أن يزوجه امرأة بعينها بألف درهم، فزوجها إياه وأخرى معها بألفي درهم فإن كان الذي يصيبها إذا قسم ذلك ألف أو أقل جاز على الآمر، ولو زوجها إياه وحدها بغير مهر مسمى فإن كان مهر مثلها ألف أو أقل جاز في قول أبي يوسف رحمه الله، وإن كان أكثر لم يجز.
قال: وقياس قول أبي حنيفة رحمه الله في هذا أن لا يلزمه النكاح من قبل أن يعقد العقد على غير التسمية، وهذا خلاف ما أمره، وهذا إشارة إلى الجواز عند أبي حنيفة رحمه الله في الثنتين كما هو قول أبي يوسف رحمه الله، ولو وكّلَه أن يزوجه امرأتين في عقد فزوجه واحدة جاز، فكذا إذا وكّله أن يزوجه هاتين المرأتين في عقد فزوجه إحداهما، وتفريق العقد ليس بخلاف، ولو كان قال: لا تزوجني إلا باثنتين التي أمره بها في هذه، ويقع في الثنتين على التسمية، وهذا خلاف ما أمر في عقد واحد فزوجه امرأة لم يلزمه، وكذلك في المعينتين إذا ألحق بآخر كلامه ولا تزوجني واحدة منهما دون الأخرى فزوجه إحداهما لا يجوز.
وإذا أمر الرجل رجلاً أن يزوجه امرأة بعينها بمهر مسمى وذلك ألف درهم مثلاً فزوجه امرأة فزاد عليه في المهر؛ فالزوج بالخيار إن شاء أجاز النكاح بالمهر الذي سماه الوكيل، وإن شاء رده؛ لأنه أتى بخلاف ما أمره به، فكان هذا ابتداء عقد فيتوقف على إجازة الزوج، فإن لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فالزوج بالخيار أيضاً، فلا يكون دخوله بها رضاً بما خالف به الوكيل؛ لأن الرضا بالشيء لا يتحقق قبل العلم به، فكان على خياره إن شاء أقام معها وأجاز نكاحها على ما سمى لها الوكيل، وإن شاء فارقها، ومتى فارقها كان لها الأقل مما سمى لها الوكيل ومن مهر المثل؛ لأن الدخول حصل في نكاح موقوف، وإن كان المأمور ضمن لها المهر المسمى وأخبرها لأنه أمره بذلك ثم أنكر الزوج الأمر بالزيادة على الألف، وهذا قبل الدخول بها فنقول إنكار الأمر بالزيادة إنكار الأمر بهذا النكاح، ولو أنكر الأمر بالنكاح أصلاً كان النكاح باطلاً ولا مهر على الزوج ولها أن تطالب المأمور بالمهر؛ لأن في زعمهما أن النكاح صحيح وأن الضمان صحيح.

(3/36)


بعد هذا نقول في رواية كتاب النكاح وبعض روايات كتاب الوكالة أن المرأة تطالب المأمور بنصف المهر، وفي بعض روايات كتاب الوكالة نقول: تطالبه بجميع المهر، واختلف المشايخ فيه. والصحيح أنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع موضوع، ما ذكر في كتاب النكاح أن القاضي فرق بينهما بطلبها بذلك حتى لا تبقى معلقة فيسقط نصف المهر عن الأصل بزعمهما لكون الفرقة جائية من قبل الزوج قبل الدخول فيسقط عن الضمين.
وموضوع ما ذكر في بعض روايات كتاب الوكالة أنها لم تطلب التفريق قالت: أصبر حتى يقر بالنكاح أو آخذ بيّنة على الأمر بالنكاح فبقي جميع المهر بزعمها على الأصل، فكذا على الوكيل لأنه كفيل الوكيل.
وكّلت المرأة رجلاً بأن يزوجها فتزوجها الوكيل بنفسه لم يجز، وكذلك لو وكلته أن يزوجها من رجل، وأما في الفصل الأول فلأنها وكلته بالتزويج مطلقاً، وتزويجها من نفسه إن كان تزويجاً باعتبار جانبها فهو تزوج باعتبار جانبه، فكان يروى من وجه دون وجه فكان ناقصاً والناقص لا يدخل تحت مطلق الاسم، وأما في الفصل الثاني فلهذا المعنى أيضاً ولمعنى آخر أنها امرته بالتزويج من رجل منكر، والوكيل صالر معرفاً بالخطاب، والمعرف لا يدخل تحت اسم النكرة، فلو وكلته أن يزوجها من نفسه فزوجها من نفسه يجوز وإنه يخرج عن المعنيين جميعاً.
وكّلته أن يزوجها فزوجها أباه أو ابنه لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله، وجاز عندهما إلا أن يكون الابن صغيراً فلا يجوز بلا خلاف، ولو زوجها أعمى، أو مقعداً، أو زمناً، أو عنيناً، أو خصياً جاز، قيل: هو قول أبي حنيفة رحمه الله،
لو وكلت رجلاً أن يزوجها فزوجها من كفء بمهر مثلها فالكلام فيه كالكلام فيما إذا زوجت نفسها، وأنه على الخلاف على ما يأتي بيانه في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكذا هذا.
وإن زوجها من غير كفء لها لم يجز عليها، هكذا ذكر في وكالة الأصل، من مشايخنا من قال: هذا الجواب قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أولاً، أو قياس رواية الحسن عند أبي حنيفة رحمه الله: أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها من غير كفءٍ، أما على ظاهر رواية أبي حنيفة رحمه الله أن المرأة تملك أن تزوج نفسها من غير كفءٍ وينبغي أن يجوز. ومنهم من قال: هذا قول الكل، فهذا القائل يحتاج إلى الفرق على قول أبي حنيفة رحمه الله في ظاهر الرواية بين التوكيل من جانب الرجل وبين التوكيل (194أ1) من جانب المرأة، حيث لم يقيد التوكيل من جانب الرجل بالكفاءة وقيد التوكيل من جانب المرأة بالكفاءة. ولو وكّله بالتزويج ثم إن المرأة تزوجت بنفسها خرج الوكيل من الوكالة علم الوكيل بذلك أو لم يعلم، ولو أخرجها عن الوكالة أو لم يعلم بذلك لا يخرج عن الوكالة، وإذا زوجها جاز النكاح ولو كان وكيلاً من جانب الرجل.

(3/37)


تزوج امرأة بعينها ثم إن الزوج تزوج أمها أو ابنتها خرج الوكيل عن الوكالة وإذا وكلت المرأة رجلاً أن يزوجها وقالت له: ما صنعت من شيء فهو جائز حتى جاز للوكيل أن يوكل غيره ليزوجها، فحضر الوكيل المؤمَّن فأوصى إلى رجل بالتزويج فزوجها الوكيل الثاني بعد موت الأول يجوز، وكان ينبغي أن لا يجوز؛ لأن الأول أضاف الوكالة إلى ما بعد موته وبعد الموت لا يبقى وكيلاً فكيف يصح توكيله بعد الموت؟ والجواب: أن الأول رسول عن المرأة في التوكيل، وعبارة الرسول منقولة إلى المرسل فحينئذ مخيّر.
قال لغيره: أوصيت إليك بالتزويج وهو وكيل حال ما قال هو بالمقالة صار كلامه منقولاً إلى المرأة وكأن المرأة قالت: هو وكيل بتزويجي بعد موت الأول، ولو خرجت المرأة بهذا متى مات الوكيل الأول فزوّجها الوكيل الثاني كان جائزاً، كذا فهمنا، وصار الحاصل: أن الوكيل الثاني وكيل المرأة، وكذا هذا في سائر الوكالات.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : وكل الرجل رجلاً أن يزوج له امرأة فزوجه امرأة بغير إذنها زوجها أبوها فلم يبلغها الخبر حتى نقض الوكيل النكاح بغير محضر منها وبغير محضر من أبيها فزوجها جاز؛ لأنه على وكالته بعد. بيانه: وهو أن الوكالة متى صحت فهي على حالها ما لم يوجد العزل أو انتهت بتحصيل ما وكل به ولم يوجد العزل هنا، والوكيل لم يحصل ما وكل به على التمام؛ لأنه وكله بالعقد التام وقد أتى بأصل العقد. إذا بقي على وكالته فنقول: تصرف الوكيل حال بقاء الوكالة كتصرف الموكل بنفسه، والموكل يقدر على إبطال هذا العقد فكذا الوكيل، وبهذا الطريق قلنا: إن الوكيل بالبيع مطلقاً يملك البيع بشرط الخيار لإطلاق اللفظ ويملك فسخع في مدة الخيار لبقاء الوكالة، ولكون تصرف الوكيل بمنزلة تصرف الموكل حال بقاء الوكالة فإن قيل تصرف (الوكالة) حال بقاء الوكالة كتصرف الموكل تصرفاً دخل تحت الوكالة، لا تصرفاً لم يدخل تحت الوكالة والداخل تحت الوكالة العقد لا نقضه قلنا: نعم الداخل تحت الوكالة العقد ولكن لحمكة النظر في حق الموكل، فربما يكون النظر في عقد آخر لا يمكنه تحصيل عقد آخر إلا بنقض هذا العقد، فكان نقض هذا العقد من ضرورات تحصيل المأمور به، فيكون هو قائماً مقامه في هذا النقض.
وإنما لم يشترط حضرة المرأة ولا حضرة أبيها؛ لأن حكم العقد لم يظهر في حقها أصلاً، ولو أن الوكيل لم ينقض هذا النكاح ولكن زوج الموكل أخت هذه المرأة بإذنها كان ذلك نقضاً للنكاح الأول؛ لأنه وكيل في العقد الثاني؛ لأن العزل لم يوجد ولم تنته الوكالة على أمر وبين النكاحين تنافي فيكون الإقدام على الثاني فسخاً للأول، وكذلك لو زوجه الثانية بغير إذنها كان نقضاً للنكاح الأول؛ لأن نكاح الثانية أيضاً موقوف؛ لأنه على وكالته بعد، والجمع بين الأختين ملكاً كما هو حرام فالجمع بينهما عقداً أيضاً حرام، فتضمن إقدامه على النكاح الثاني فسخاً للأول، ولو كان مكان الوكيل فضولي بأن زوج رجل رجلاً امرأة بغير أمره ثم فسخ المزوج العقد قبل أن يخبره الزوج كان فسخاً باطلاً، وعن أبي يوسف رحمه الله أن فسخه صحيح، فأبو يوسف رحمه الله قاس النكاح على

(3/38)


البيع، فإن الفضولي إذا باع ثم فسخ قبل الإجازة صح فسخه، ومحمد رحمه الله فرق بينهما.
ووجهة الفرق أنه ثبت للزوج ولمن وقع البيع له حق الإجازة في هذا العقد، وفي النقض إبطاله، والإنسان لا يملك إبطال حق الغير إلا بطريق النيابة عن صاحب الحق أو ضرورة دفع الضرر عن نفسه والنيابة لم توجد، وليس في بعض النكاح دفع الضرر عن العاقد؛ لأن حقوق العقد لا ترجع إليه على تقدير النفاد، أما في بعض البيع دفع الضرر عن العاقد؛ لأن الحقوق ترجع إليه على تقدير النفاد. فرّع محمد رحمه الله في الجامع على أصله فقال: عاقد النكاح في الفسخ على أربعة أوجه: منها ما لا يملك الفسخ بالقول والفعل وهو (....) بالعقد الذي لم يؤمر به إذا فسخه لم يصح فسخه، ولو زوجه أمها كان الثاني موقوفاً ولم ينفسخ الأول.

والثاني: أن يملك الفسخ بالقول ولا يملك الفسخ بالفعل، نحو أن يوكله بأنه يزوجه امرأة بعينها فزوجها إياه، وخاطب من جانب المرأة أجنبي فإنه يملك الفسخ قبل أن يخبر المرأة بالقول ولا يملك الفسخ بالفعل حتى لو زوجه أختها كان الثاني موقوفاً أيضاً ولم ينفسخ الأول، وقد ذكرنا الوجه فيه.
والثالث: أنه يملك الفسخ بالقول، نحو أن يزوجه امرأة بغير أمره ثم إن الزوج وكله أن يزوجه امرأة فزوجه أختها فيفسخ العقد الأول؛ لأنه في العقد الثاني وليه وينزل قوله نزلة قول الموكل: لو أن الموكل تزوج أختها، انفسخ العقد الموقوف، فكذا إذا زوجه الوكيل أختها ولكن لو فسخ الوكيل ذلك العقد بالقول لا يصح فسخه، وقدمنا الوجه فيه.
والرابع: أنه يملك الفسخ بالقول والفعل جميعاً نحو: أن يوكله أن يزوجه امرأة بغير عينها، فزوجه امرأة وخاطب عنها فضولي ملك الفسخ بالقول، وكذا لو زوجه أختها انفسخ العقد الأول؛ لأنه وكيل في النكاح الثاني فانتقل فعله إلى الموكل، فصار كأن الموكل تزوج بنفسه.
وذكر في «العيون» : رجل وكل رجلاً أن يزوجه امرأة نكاحاً فاسداً فزوجه امرأة نكاحاً جائزاً لم يجز، فرّق بين الوكيل بالنكاح الفاسد وبين الوكيل بالبيع الفاسد فإن الوكيل بالبيع الفاسد، لو باع بيعاً صحيحاً يجوز. والفرق: أن الوكيل بالبيع الفاسد وكيل بالبيع؛ لأن البيع الفاسد بيع لأنه يفيد الملك، فإذاً صار وكيلاً بالبيع؛ فإذا باع بيعاً جائزاً فقد خالف إلى خير، وأما الوكيل بالنكاح الفاسد ليس بوكيل بالنكاح، فإن النكاح الفاسد ليس بنكاح؛ لأنه لا يفيد الملك، ولهذا لا يجوز طلاقها ولا ظهارها، وإذا لم يصر وكيلاً لم ينفذ تصرفه على الموكل.

في «فتاوى الفضلي» رحمه الله: أكره رجل ابنه على أن يوكله بتزويج ابنته لهذا الابن، وقال الابن للأب من ارسوما يررنرنترارم مرخه خواهى كن فذهب الأب فزوج ابنة

(3/39)


الابن، لا يجوز النكاح؛ لأنه لا يراد بمثل هذا الكلام التحقيق.
في آخر «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل وكل رجلاً أن يزوجه امرأة بألف درهم فزوجه بالزيادة إن كانت الزيادة مجهولة ينظر إلى مهر مثلها إن كان ألفاً أو أقل جاز النكاح ويجب لها ذلك، وإن كان أكثر لا يجوز ما لم يُجز الزوج؛ لأن الزيادة إذا كانت مجهولة كان الواجب مهر المثل، فإذا كان مهر المثل أكثر من الألف صار كأنه زوجها بالزيادة على ما (194 ب1) سمى له الموكل فيقف على الإجازة، وإن زاد شيئاً معلوماً لا يجوز ما لم يُجِزْ الزوج.
في «الأصل» : إذا وكلت المرأة رجلاً أن يزوجها فزوجها على مهر صحيح أو فاسد أو وهبها لرجل بشهود، أو تصدق بها على رجل وقبل ذلك الرجل جاز النكاح، أما إذا زوجها على مهر صحيح فظاهر، وكذلك إذا زوجها على مهر فاسد؛ لأن فساد التسمية لا أثر لها في إفساد عقد النكاح، وكذلك إذا وهبها أو تصدق؛ لأنه أتى بمعني التزويج إلا أنه ترك التسمية، ولكن ترك التسمية في هذا الباب ليس بضائر، كما لو باشرت بنفسها وتركت التسمية.
وإذا وكلته أن يزوجها من رجل ويكتب لها كتاب المهر؛ فزوجها ولكن لم يكتب لها كتاب المهر جاز؛ لأنه مأمور بشيئين بالنكاح وكتابة كتاب المهر، وقد أتى بأحدهما وترك الآخر وترك بعض المأمور به لا يوجب خللاً في المأتي به.

وكلت رجلاً بأن يزوجها من فلان يوم الجمعة فزوجها يوم الخميس لا يجوز، وكذلك لو وكّلته أن يزوجها منه اليوم بعد الظهر فزوجها قبل الظهر؛ لأن التفويض تناول زماناً مخصوصاً ولا يثبت قبله. إذا وكلته أن يزوجها من فلان بأربعمائة درهم فزوجها الوكيل فأقامت معه سنة ثم زعم الزوج أن الوكيل زوجها منه بدينار وصدقه الوكيل في ذلك، فإن كان الزوج مقراً أن المرأة لم توكله بدينار فالمرأة بالخيار إن شاءت أجازت النكاح بدينار وليس لها غير ذلك، وإن شاءت ردت ولها عليه مهر مثلها بالغاً ما بلغ، ولا نفقة لها في العدة؛ لأنها لما ردت النكاح تبين أن الدخول حصل في نكاح موقوف فيوجب مهر المثل ولا يوجب النفقة في العدة. وإن كان الزوج منكراً، أو وقع الاختلاف بينهما فكذلك الجواب أيضاً؛ لأن القول قولها مع يمينها.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: ومن هذا الجنس وكل الرجل رجلاً بأن يزوجه امرأة بثمانٍ، فزوجه امرأة بثمانٍ وخمسين حتى صار مخالفاً صار فضولياً في العقد وتوقف العقد على إجازة الزوج فإن أجازه وجب ثمان وخمسون، وإن رده وقد كان دخل بها وهو لا يعلم فعليه الأقل من المسمى ومن مهر المثل كما في النكاح الفاسد.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : رجل قال لغيره: زوِّج ابنتي هذه رجلاً ذا علم وعقل ودين بمشورة فلان وفلان، فزوجها من رجل بهذه الصفة من غير مشورة فلان وفلان جاز؛ لأن الأمر بالمشورة لتحقيق هذه الصفة. وقد وجد في هذا الموضع.
امرأة وكلت رجلاً أن يتصرف في أمورها فزوجها من نفسه فقالت المرأة: أردت

(3/40)


البيع والأشرية لا يجوز النكاح؛ لأنها لو وكلته بالنكاح أو التزويج فزوجها من نفسه لا يجوز فههنا أولى.

في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل وكل رجلاً أن يخطب له ابنة فلان الوكيل إلى أب المرأة فقال: هب ابنتك مني فقال الأب: وهبت، ثم ادعى الوكيل أني أردت النكاح لموكلي إن كان القول من المخاطب وهو الوكيل على وجه الخطبة، ومن الأب على وجه الإجازة على وجه العقد لا ينعقد النكاح بينهما أصلاً، وإن كان على وجه العقد ينعقد النكاح للوكيل لا للموكل، وكذلك إذا قال الوكيل بعد ذلك قبلت لفلان؛ لأن الوكيل لما قال: هَبْ ابنتك مني وقال الأب: وهبت تم العقد بينهما من غير أن يحتاج فيه إلى قبول الوكيل فكان قبول الوكيل بعد ذلك فَصْلاً.
فأما إذا قال الوكيل: هب ابنتك من فلان فقال الأب: وهبت لا ينعقد النكاح ما لم يقل الوكيل قبلت، وإذا قال قبلت فهو على وجهين إما إن قال: قبلت لفلان أو قبلت مطلقاً؛ ففي الوجهين جميعاً ينعقد النكاح للموكل.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» من نص: كَلَّ لسانه فقال له رجل: أكون وكيلاً عنك في تزويج ابنتك فقال: أرى أرى فذهب الوكيل فزوجها لا يجوز؛ لأن هذا لفظ مجمل، يحتمل: أرى وكيلي، ويحتمل أرى وكيل كيمت وفيه نظر، ينبغي أن يجوز النكاح؛ لأن قوله: أرى جواب فينعقد بالسؤال، والسؤال عن الوكالة الحالية والله أعلم.

الفصل التاسع في معرفة الأولياء
يجب أن يعلم بأن الولي من كان من (....) وهو عاقل بالغ حتى لا يثبت الولاء للصبي والمجنون، ولا يثبت الولاء للكافر على المسلم، ولا للمسلم على الكافر، ولأن كل واحد منهما يحتاج إلى معرفة ( ... ) فنقول: أقرب الأولياء إلى المرأة الابن وإنه على الخلاف على ما يأتي بيانه بعد هذا، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم الابن الأخ لأب وإن سفلوا، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وإن سفلوا، ثم عم الأب لأ وأم، ثم عم الأب لأب، بنوهم على هذا الترتيب، ثم رجل هو أبعد العصبات إلى المرأة، وهو ابن عم بعيد لأن مرجع العشيرة إلى أب واحد وإن تباعدوا، ثم مولى العتاقة ثم عصبة مولى العتاقة، ثم الآمر ثم ذو الأرحام الأقرب فالأقرب، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وهو استحسان، وقال محمد رحمه الله لا ولاية للأم وقومها ولا لأحد من ذوي الأرحام وهو القياس وقول أبي يوسف رحمه الله (....) .

(3/41)


ذكر القدوري مع محمد رحمه الله وذكر الطحاوي رحمه الله قوله مع أبي حنيفة رحمه الله، ثم مولى الموالاة، ثم سلطان القاضي، ومن نصبه القاضي لا يرث من صاحبه.
ولا تثبت الولاية للعبد؛ لأنه لا يرث من أحد بعد هذا. إذا شرط تزويج الصغار والصغائر في عهده وإذا لم يشترط فلا ولاية له، ثم إنما يحتاج إلى الولي في الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة. وإذا زال الصغر والجنون تزول الولاية عندنا.

وسئل إسماعيل بن حمّاد عن امرأة جاءت إلى القاضي وقالت إني أريد أن أتزوج وليس لي ولي ولا يعرفني أحد، قال القاضي يقول لها: إن لم تكوني قُرشية ولا عربية ولا ذات زوج ولا في عدة أحد فقد أذنت لك. وإذا اجتمع للمجنونة أب وابن فالابن أولى عند أبي حنيفة رحمه الله، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، وقال محمد رحمه الله: الأب أولى، وعلى هذا الاختلاف الجد مع الابن، هكذا ذكر القدوري، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن عند أبي يوسف رحمه الله الابن أولى من الجد (في) رواية.
وفي نوادر هشام عن محمد رحمه الله: إذا كان الرجل بخيلاً وله ابن وأب فالتزويج إلى الابن عند أبي حنيفة رحمه الله والتبع للأب، وفي قولهما إلى الأب.
وإذا اجتمع الجد والأخ لأب وأم أو لأب فعند أبي حنيفة رحمه الله الجد أولى، وغيرهما يستويان كما في الميراث. قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرحه: الأصح عندي أن الجد أولى في الإنكاح عند الكل؛ لأن في الولاية معنى الشفقة معتبرة، وشفقة الجد فوق شفقة الأخ، وإذا اجتمع الابن والأخ لأب وأم أو لابن فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: الابن أولى وقال (195أ1) محمد رحمه الله: الأخ أولى.
وفي «المنتقى» قال محمد رحمه الله: الأخ أولى، وفي «المنتقى» قال محمد رحمه الله: إن كان للصغير ولد الأب الفاسد ابن فاسق أو جد لم يزوجهما القاضي، وإن كان الأب فاسداً أو الجد ينبغي للقاضي أن يزوجهما من الكفء. وإن زوج الصغير أو الصغيرة أبعد الأولياء؛ فإن كان الأقرب حاضراً أو هو من أهل الولاية توقف نكاح الأبعد على إجازته، وإن لم يكن من أهل الولاية بأن كان صغيراً أو كان كبيراً مجنوناً جاز، وإن كان الأقرب غائباً غيبة منقطعة جاز نكاح الأبعد، وتكلموا في حق الغيبة المنقطعة، وأَكثَرَ المشايخُ الكلام فيه، وكذلك اختلفت الروايات فيه. والأصح: أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر فالغيبة منقطعة، وإن كان لا يفوت فالغيبة ليست بمنقطعة، وإلى هذا أشار في الكتاب فقال: أرأيت لو كان في السواد وأتوه أما كان يستطلع رأيه؟ أشار إلى أن المعتبر استطلاع الرأي، فمن المشايخ من لم يتجاوز عن هذا المقام، ومنهم من يتجاوز عنه، وقال: الكفؤ لا ينتظر أياماً كثيرة وينتظر قليلاً، فلا بد من حد فاصل بينهما، فقدرنا ذلك بثلاثة أيام ولياليهما؛ لأنه لا نهاية لما زاد على

(3/42)


الثلاث، وهو قول أبي عصمة سعد بن معاذ المروزي رحمه الله ومحمد بن مقاتل الرازي رحمه الله، فصار حدّ الغيبة المنقطعة على قولهما ثلاثة أيام ولياليهما، وهكذا كان يفتي القاضي الإمام ركن الدين علي السعدي رحمه الله، فإنه سئل عن صغيرة زوجتها أمها ولها ولي بنسف وهذا السؤال كان ببخارى قال من بخارى إلى نسف مسيرة شهر فهو غيبة منقطعة.

قال القاضي الإمام رحمه الله: هذا إذا زوج الأبعد، ولا يعرف أن الولي الأقرب أين هو يجوز، وإن ظهر أنه في ذلك المصر، وإذا زوجها الأقرب من حيث هو؛ اختلف المشايخ فيه: في «المنتقى» عن محمد رحمه الله: المرأة إذا لم يكن لها ولي حاضر استحسن أن تولي رجلاً يزوجها، وهكذا جاء عن ابن عمر رضي الله عنه، والرجل الذي يعول الصغير أو الصغيرة فلا له ولاية في إنكاحهما، وكذلك الوصي لا ولاية له في إنكاح الصغير والصغيرة سواء أوصى إليه الأب بالنكاح أو لم يوص، إلا إذا كان الوصي وليهما، فحينئذ يملك الإنكاح بحكم الولاية لا بحكم الوصاية.
l
في «مجموع النوازل» : سئل شيخ الإسلام عن رجل غاب غيبة منقطعة وله بنت صغيرة فزوجتها أختها لأب أو لأم حاضرة، قال: إن لم يكن لها عصبة أولى من الأخت جاز النكاح، قيل: لا تكون الأم أولى من الأخت قال: لا لأن الأخت؟ لأب وأم أو لأب من قوم الأب، والنساء اللواتي من قوم الأب لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماع بين أصحابنا رحمهم الله وهي الأخت والعم وبنت الأخ وبنت العم، فأما الأم والنساء اللواتي من قبل الأم فلهن ولاية عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند محمد رحمه الله لا ولاية لهن.

وقد ذكرنا قبل هذا: إن ولاية ذوي الأرحام على الخلاف، فما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن النساء اللواتي من قوم الأم لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماعٍ بين أصحابنا مستقيم في الأخت لا في العمة وبنت الأخ وبنت العم؛ لأنهن من جملة ذوي الأرحام. وإذا زوج الصغير أو الصغيرة غير الأب والجد ثم بلغا فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، والمسألة معروفة، ولو زوجتها أمها فبلغت فلها الخيار عند أبي حنيفة رحمه الله (على) أصح الروايتين، والقاضي إذا زوج الصغير أو الصغيرة فله الخيار في أظهر الروايتين عن أبي حنيفة وهو قول محمد إذا كان الوصي ولياً وزوج الصغير أو الصغيرة وبلغ فله الخيار لأن نفاذ تصرفه ليس يكون وصيّاً فصار بكونه وصياً وغير وصي سواء.
في «العيون» : معتوهة زوجها عمها أو أخوها ثم عقلت فلها الخيار، وإن زوجها أبوها أو جدها فلا خيار لها؛ لأن المعتوهة بمنزلة الصغيرة وفي الصغيرة الحكم كذلك.
وإن زوج المعتوهة ابنها فلا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله فيه، ويجوز أن لا يكون لها الخيار؛ لأن عند أبي حنيفة رحمه الله إذا اجتمع الابن والأب في البالغة المعتوهة فولاية الإنكاح للابن، وإذا كان الابن مقدماً على الأب عنده ولا خيار لها في تزويج

(3/43)


الأب جاز أن لا يكون لها الخيار في تزويج الابن من طريق الأولى، وكما ثبت خيار البلوغ للأنثى ثبت للذكر لأن سبب ثبوت هذا الخيار صدور العقد عن شفقة قاصرة، وهذا المعنى يعم الذكر والانثى ولا تكون الفرقة فيه إلا بقضاء القاضي.

ويبطل هذا الخيار في جانبها بالسكوت إذا كانت بكراً ولا يمتد إلى آخر المجلس حتى سكتت كما لو بلغت وهي بكر بطل خيارها، وإن كانت ثيباً في الأصل أو كانت بكراً، إلا أن الزوج قد بنى بها ثم بلغت عند الزوج لا يبطل خيارها بالسكوت، ولا بقيامها عن المجلس؛ لأن سكوت البنت لم يجعل رضاً شرعاً، وإنما يبطل خيارها إذا رضيت بالنكاح صريحاً أو يوجد منها فعل يستدل به على الرضا، وذلك نحو التمكين من الجماع أو طلب النفقة أو ما ذلك.
أما لو أكلت من طعامه خدمته كما كانت فهي على خيارها، وفي جانبه لا يبطل هذا الخيار بالسكوت، وهذا لأنا نعتبر الإجازة بالإنشاء، وسكوت البنت والغلام لا يجعل رضاً بالإنشاء بعد البلوغ، فكذا لا يجعل إقراره للعقد الذي سبق البلوغ، وإنما يبطل خياره بتصريح الرضا أو بما يدل عليه من قربان المرأة وتجهيزها أو تسليم الصداق إليها، وهذا الخيار يبطل بالجهل؛ لأنه جهل في غير موضعه. وتفسير ذلك: إذا علمت بالعقد ساعة ما بلغت لكن جهلت ثبوت الخيار، أما إذا لم تعلم بالعقد ساعة ما بلغت كان لها الخيار إذا علمت.
وإذا بلغت وسألت عن اسم الزوج أو عن المهر المسمى، أو سلمت على الشهود بطل خيار البلوغ، وإذا وقعت الفرقة بخيار البلوغ (......) الزوج دخل بها ولا مهر لها؛ وقعت الفرقة باختيار الزوج فيما تختاره المرأة، وإن كانت قد دُخل بها فلها المهر كاملاً وقعت الفرقة باختيار الزوج أو باختيار المرأة.

إبراهيم عن محمد رحمهما الله ينبغي للصغيرة أن تختار نفسها مع رؤية الدم. قلت: فإن رأت الدم في جوف الليل؟ قال: ينبغي أن تقول بلسانها: قد فسخت النكاح، وتُشْهِد إذا أصبحت وتقول: رأيت الدم الآن لأنها لا تُصدق أن تقول: رأيت بالليل وفسخت والنكاح. قال إبراهيم: قلت لمحمد رحمه الله ويسعها ذلك؟ قال: نعم، قال هشام: سألت محمد رحمه الله عن الصغيرة التي زوجها عمها إذا حاضت؟ فقال: الحمدلله قد اخترت فهي على خيارها، وإن بعثت خادمها حيث حاضت تدعوا (195ب1) الشهود لشهدهم، فلم تقدر على الشهود وهي في موضع منقطع عن الناس، فمكثت أياماً لا تقدر على الشهود قال: التزمها النكاح ولم يجعل هذا عذراً.
ابن سماعة عن محمد رحمه الله: إذا اختارت نفسها وأشهدت على ذلك ولم تتقدم إلى القاضي شهرين فهي على خيارها ما لم تمكنه من نفسها.
إذا زوج القاضي صغيرة لا ولي لها ولم يكن السلطان أذن للقاضي في تزويج

(3/44)


الصغائر ثم أذن له في ذلك فأجاز ذلك النكاح لم يجز، وإن كان قد أذن له قبل التزويج فزوج جاز، هكذا ذكر في «فتاوى الفضلي» رحمه الله، وعلى قياس ما قال محمد رحمه الله في الجامع: العبد إذا تزوج امرأة بغير إذن المولى، ثم إن المولى أذن له في النكاح فأجاز ذلك النكاح أنه يجوز استحساناً.
والفضولي إذا زوج رجلاً امرأة ثم إن الزوج وكله أن يزوجه امرأة فاجاز ذلك النكاح. لم يجز استحساناً، ينبغي في هذه المسألة أن تجوز إجازته ذلك النكاح، تزوجها فزوجها القاضي بغير علم الأخ قال: لا يصح النكاح إلا إذا كان الأخ غائباً أو (......) ، فحينئذ يجوز للأب أو الجد أو غيرهما.
إذا زوج الصغيرة ممن لا يكافئها، أو زوج الصغيرة امرأة ليست بكفء له فقد وجدت هذه المسألة في فصل الكفاءة، وإذا زوج الأبُ أو الجدُ الصغيرَ امرأة بأكثر من مهر مثلها؛ أو زوج الصغيرة بأقل من مهر مثلها إن كانت الزيادة أو النقصان بحيث يتغابن الناس في مثله يجوز بالاتفاق، وكذلك الجواب في غير الأب والجد من سائر الأولياء، وأما إذا كانت الزيادة أو النقصان فاحشاً بحيث لا يتغابن الناس في مثله قال أبو حنيفة رحمه الله: صح النكاح وصح الحطّ والزيادة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمها الله: لا يجوز، ولم يتبين بإذنه لا يجوز النكاح أو التسمية، فروى الحسن بن زياد رحمه الله: أن النكاح جائز والتسمية لا تجوز، وذكر هشام عن محمد رحمه الله أن النكاح جائز. وفي «الجامع الصغير» عنهما: أن النكاح لا يجوز وأجمعوا على أن غير الأب والجد لو زاد أو نقص بحيث لا يتغابن الناس في مثله أنه لا يجوز النكاح، حتى لو أجاز بعد البلوغ لا تعمل إجازته، وأجمعوا على أن الأب أو الجد لو زوزج أمة ابنه الصغير بأقل من مهر المثل أنه لا يجوز.
إذا كان الرجل يجن ويفيق هل تثبت له ولاية الغير عليه في حال جنونه؟ ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في أدب القاضي في باب شهادة: الأعمى أنه إذا كان يجن يوماً أو يومين فهو بمنزلة المغمى عليه، ولا تثبت للغير عليه ولاية في حال جنونه، وتقبل شهادته في حال إفاقته، وأما الجنون المطبق يوجب الولاية، وقدره في بعض المواضع بأكثر من السنة في قول أبي يوسف، ومحمد رحمهما الله قدره أولاً بشهر، ثم رجع وقدره بالسنة.
وفي «واقعات الناطفي» : قدر المطبق في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله بالشهر، فالحاصل أن الصلوات في حق المطبق تقدر بست صلوات وفي حق الصوم بالشهور، وفي الزكاة وما سواها على الخلاف، وإذا عرفت حد الجنون المطبق فغير المطبق ما دونه وهو المراد في قوله في الكتاب يجن ويفيق.

في آخر «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل زوج ابنه الكبير امرأة فلم يجز الابن

(3/45)


حتى جُنّ الابن جنوناً مطبقاً فأجاز الأب ذلك النكاح جاز؛ لأنه لو استأنف النكاح عليه في هذه الحالة يجوز فكذا إذا أجازه، وإذا أقرّ الولي على ولده الصغير بالنكاح؛ فإن قال: كنت زوجت ابنتي الصغيرة أمس من فلان أو زوجت لابني الصغير فلانة أمس فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يصدق الأب على ذلك وإن صدقته المرأة أوالزوج ما لم يشهد بذلك شاهدان أو يصدقان بعد الإدراك.
وإنما تبين هذا فيما إذا أقر الولي عليهما بالنكاح ثم أدركا فكذا هذا، أو أقام المدعي عليهما شاهدين بعد البلوغ بإقرار الولي عليهما بالنكاح في حالة الصغر، وكذلك على هذا الوكيل بالنكاح من جانب الرجل أو المرأة إذا أقر على موكله بالنكاح، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في آخر باب النكاح بغير شهود: أنّ على رواية كتاب الطلاق الخلاف في إقرار الولي بالنكاح على الصغير، فأما إقرار الوكيل فجائز على الموكل عند أبي حنيفة رحمه الله إذا كان الأمر مقراً بأن امرأة تعقله قال رحمه الله والأصح أن الخلاف في الكل، فإن قيل: على من تقام البينة في مسألة الصغير والصغيرة، والبينة لا تقبل إلا على منكر يعتبر إنكاره؟ وليس هنا منكر يعتبر إنكاره، قلنا: القاضي ينصب خصماً للصغير والصغيرة حتى ينكر فتقام عليه البينة فيثبت النكاح في حق الصغير والصغيرة.
ومما يتصل بهذا الفصل مسألة النكاح بغير ولي. الحرة البالغة العاقلة لوزوجت نفسها من رجل هو كفء لها أو ليس بكفء لها نفذ النكاح في ظاهر رواية أبي حنيفة رحمه الله وهو قول أبي يوسف رحمه الله آخراً، لا أن الزوج إذا لم يكن كفئاً فللأولياء حق الاعتراض، فروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن الزوج إذا لم يكن كفؤاً لا ينفذ النكاح وكان أبو يوسف رحمه الله أولاً يقول: يتوقف النكاح إلى أن يجيزه الولي أو الحاكم، على كل حال وهو قول محمد رحمه الله، وصح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله آخراً، ذكره في كتاب «الحيل» وإذا قصرت في مهر مثلها فللأولياء حق المخاصمة مع الزوج حتى تبلغ تمام مهر مثلها أو يفرق القاضي بينهما.
وإذا فرّق القاضي بينهما. لا يجب لها إلا المسمى في العقد، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله ليس للأولياء حق المخاصمة وجاز النكاح بما سمت، وقول محمد رحمه الله لا يأتي في هذه المسألة، وإنما يأتي في مسألة أخرى: أن السلطان إذا أكره رجلاً أن يزوج وليته من كفء بأقل من مهر مثلها فرضيت المرأة بذلك ثم زال الإكراه فللولي حق الخصومة مع الزوج حتى تبلغ مهر مثلها أو يفرق القاضي بينهما، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: لا حق للولي في ذلك وكذلك في مثله. إذا كانت المرأة مكرهة ثم زال الإكراه؛ على قول أبي حنيفة رحمه الله حق الخصومة للمرأة مع الولي، وعلى قولهما: حق الخصومة للولي لا غير، وهو بناء على أن الحق إلى تمام مهر مثلها عند أبي حنيفة رحمه الله للمرأة وللأولياء حق الكفاءة، وعندهما: الحق للمرأة لا

(3/46)


غيرها، يقولان: المهر خالصُ حقهم حتى استندت بالتصرف فيه استيفاء وإسقاطاً.

وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الأولياء يتغيرون بالتحسين عن مهر المثل كما يتغيرون بالوضع عند من لا يكافئهم، فإن أمرت رجلاً حتى زوجها فهو على هذا الخلاف؛ لأن تزويج المأمور إياها بأمرها بمنزلة مباشرتها بنفسها. وإن طلقها الزوج ثلاثاً قبل إجازة الولي أو الحاكم؛ فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: لا يحل له أن يتزوجها قبل التزويج بزوج آخر، وكذلك على قول محمد رحمه الله على القول المرجوع إليه، وعلى قوله الأول يكره له التزويج قبل التزوج بزوج آخر، لكن لا يحرم؛ لأن الطلاق لم ينفذ عنده على الحقيقة.
في «المنتقى» : إبراهيم عن محمد رحمه الله: صغيرة زوجتها (196م) أمها من رجل ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها له أن يتزوج أمها؛ لأن ذلك ليس بنكاح، وهذا لأن الأم ليست بولية عند محمد رحمه الله، وإن كانت كبيرة فزوجت نفسها أو زوجتها أمها برضاها ثم طلقها قبل أن يخلو بها فليس له أن يتزوج بأمها قال: لأن الناس اختلفوا في النكاح بغير ولي، وكُرِهَ هنا لاختلاف الناس فيه.
وعنه أيضاً: رجل زوج أمها برضاها قال أبوهما: قد أبطلت النكاح، لا يكون إبطالاً حتى يطلبه القاضي، وقال: للولي أن يجيز النكاح وليس له أن ينقضه، أشار إلى أن في النكاح بغير ولي يحتاج إلى إبطال القاضي ولا يكفيه إبطال الولي. وفي «فتاوى الفضلي» : سئل عن امرأة زوجت نفسها بحضرة امرأتين وحضرة وليها من رجل، قال: النكاح جائز على مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ويصير الولي شاهداً مع المرأتين أكثر في الباب أن الولي إذا اعتبر شاهداً كان هذا نكاحاً بغير ولي إلا أن النكاح بغير ولي جائز عنده. في فوائد المشايخ المتقدمين ببخارى: أن القاضي إذا زوج الصغيرة من نفسه فهو نكاح بغير ولي؛ لأنه رعية في حق نفسه، وإنما الحق للذي هو فوقه وهو الوالي، والوالي في حق نفسه أيضاً رعية: وكذلك الخليفة في حق نفسه رعية والله أعلم.