المحيط البرهاني في الفقه النعماني

الفصل التاسع عشر: في نكاح الكفار
هذا الفصل يشتمل على أنواع، نوع منه في نكاح أهل الذمة، وكل نكاح جائز بين المسلمين فهو جائز بين أهل الذمة، وأما (ما) لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها: النكاح بغير شهود قال محمد رحمه الله: إذا تزوج الذمي ذميةً بغير شهودٍ وهم يدينون ذلك فهو جائز حتى لو أسلما يقر على أن ذلك عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله.
وكذلك إذا لم يسلما، ولكن طلبا من القاضي حكم الإسلام أو طلب أحدهما ذلك فالقاضي لا يفرق بينهما.
ومنها نكاح معتدة الغير، قال محمد رحمه الله إذا تزوج الذمي معتدة الغير وجبت العدة من مسلم كان النكاح فاسداً بالإجماع، ويتعرض لهم في ذلك قبل الإسلام وإن كانوا يدينون جوازالنكاح في حالة العدة، وإن وجبت العدة من كافر وهم يدينون جواز النكاح في حالة العدة فما داموا على الكفر لا يتعرض لهم بالإجماع. وإن أسلما أو أسلم أحدهما فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يفرق بينهما، وكذلك إذا لم يسلما ولكن ترافعا إلى القاضي وطلبا حكم الإسلام أو رافع أحدهما، وأما على قول أبي حنيفة: القاضي لا يفرق بينهما أسلما أو أسلم أحدهما ترافعا أو رافع أحدهما.
d
واختلف المشايخ في تخريج قوله، وأكثرهم على أن العدة لا تجب عنده على الذمية من الذمي؛ لأن خطاب العدة لم يعمل في حقهم، ألا ترى أنهم لو لم يدينوا وجرت العدة، لم يتعرض لهم في ذلك، وهذا لأن العدة إما أن تجب عليها حقاً للشرع ولا وجه إليه؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوق الشرع، وإما أن تجب لحق الزوج ولا وجه إليه إذا كان الزوج لا يدين ذلك، بخلاف ما إذا كانت العدة من المسلم؛ لأن خطاب العدة إذا كانت العدة من المسلم يعلم في حقهم، ألا ترى أنهم لو لم يدينوا وجرت العدة من المسلم يتعرض لهم في ذلك، وهذا لأنه أمكن إيجاب العدة من المسلم لحقه إن لم يكن إيجابه لحق الشرع. وإذا لم تجب العدة على الذمية من الذمي كان النكاح مصادفاً محلاً فارغاً فصح.

ومنها نكاح المحارم والجمع بين الخمس والجمع بين الأختين:
قال محمد رحمه الله: إذا تزوج ذمي بمحارمه أو تزوج خمس (215أ1) نسوة (أو) بأختين فما داموا على الكفر ولم يترافعُوا إلينا لا نتعرض لهم بالاتفاق إذا كانوا يدينون ذلك، غير أن على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: هذا النكاح يقع فاسداً حالة الكفر حتى لو طلبت من قاضي المسلمين النفقة فالقاضي لا يقضي بذلك ولا يجري الإرث بينهما، وإذا دخل بها يسقط إحصانه لو أسلم بعد ذلك وقذفه قاذف لا يحد. وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله اختلف المشايخ، قال مشايخ العراق: يقع فاسداً، وقال مشايخنا: يقع جائزاً، واتفقوا على (قول) أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجري الإرث بينهما ويقضى بالنفقة ولا يسقط إحصانه متى دخل بها، واتفقوا على قوله أيضاً أنه لو تزوج

(3/138)


أختين في عقدة واحدة ثم فارق إحداهما قبل الإسلام ثم أسلم إن الباقية نكاحها على الصحة، حتى يُقرّان على النكاح، والباقي عين الثابت، وإنه دليل جواز هذا النكاح فإن (أسلما) أو أسلم أحدهما يفرق بينهما بالإجماع وكذلك إذا لم يسلما ولكن رفعا الأمر إلى القاضي، وإن رفع أحدهما الأمر إلى القاضي فالقاضي يفرق بينهما. قال القدوري رحمه الله في «كتابه» : وقال أبو يوسف رحمه الله: يفرق القاضي بينهما إذا علم بذلك سواء ترافعا إلينا أو لم يترافعا.

وإذا طلّق الذمي امرأته ثلاثاً أو خالعها ثم أقام عليها، فرافعته إلى السلطان، فالقاضي يفرق بينهما بالاتفاق بخلاف نكاح المحارم على قول أبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يفرق بينهما بمرافعةِ أحدهما وأما إذا تزوجها بعد الطلاقات الثلاث برضا قبل التزوج بزوج آخر، الآن هذا ونكاح المحارم في جميع التفريعات على السواء، هكذا ذكر في «الأصل» . وفي «القدوري» : إذا طلق امرأته ثلاثاً أو خالعها ثم أقام عليها فإنه يفرق بينهما، وإن لم يترافعا يحتمل ترك المرافعة بينهما، ويحتمل ترك المرافعة من أحدهما.

وإذا تزوج الذمي ذمية على أن لا مهر لها صح ذلك ولا شيء لها، وإن أسلمت في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لها مهر مثلها فلو تزوجها وسكتا عن المهر فلها مهر المثل في ظاهر رواية «الأصل» .
قال أبو الحسن الكرخي رحمه الله: قياس قول أبي حنيفة رحمه الله أن لا فرق بين حالة السكوت وحالة النفي، ولا يجب المهر إلا إذا سمى. ولو تزوجها على ميتة أو دم وذلك في دينهم جائز فلها مهر المثل في رواية «الأصل» . وذكر في «الجامع الصغير» : أنه لا يجب شيء. قيل: ما ذكر في «الجامع» قوله، أما على قولهما لها مهر المثل إذا مات عنها أو دخل بها، فإن كان المذكور في «الجامع» قول أبي حنيفة كان المذكور في «الأصل» وفي «مختصر الكرخي» قولهما، وإن كان ما ذكر في «الجامع الصغير» قول الكل كان في المسألة روايتان.
ولو تزوجها على خمر أو على خنزير فهو جائز فلها المسمى، فإن أسلما أو أسلم أحدهما فإن كان الخمر أو الخنزير عيناً في العقد فلها ذلك وليس لها غيره في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجب الخمر أو الخنزير بعد إسلام أحدهما، وأجمعوا على أنه إذا سمى الخمر أو الخنزير دَيْنَاً في الذمة لم يجب لها غير ذلك ولم يكن لها أن تقبض.

بعد هذا قال أبو حنيفة رحمه الله يجب لها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل سواء كان بعينه أو بغير عينه، وقال محمد رحمه الله لها القيمة، في ذلك كله، وإن كان مهرها مقبوضاً قبل الإسلام فلا شيء لها. وتجوز المناكحة بين أهل الذمة وإن اختلفت مراتبهم، والمولود بين الكتابي والمجوسي تابع للكتابي تحل مناكحته للمسلمين، وتحل ذبيحته عندنا خلافاً للشافعي رحمه الله.
قال: الأصل إذا زوجت صبية من صبي وهما من أهل الذمة فأدركا، فإن كان

(3/139)


المزوج أباً فلا خِيَارَ لهما؛ لأن الشفقة لا تتفاوت. وإن كان المزوج غير الأب والجد فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وإذا تزوجت الذمية ذمياً فقال الولي: هو ليس بكفء لا يلتفت إلى قوله لأنهم أكفاء بعضهم لبعض؛ لأن ذل الشرك وصغار الجزية لجمعهم، فلا يَظهر مع ذلك نقصان النسب. ألا ترى أنهم لو استرقوا كانوا أكفاء، ولو أعتقوا كذلك، ولو أسلموا كذلك فلا يكون للمولى أن يخاصم، قال: إلا أن يكون أمراً مشهوراً يعني كانت بنت ملك خدعها حَائك أو سائس وهنا يفرق بينهما لا لانعدام الكفاءة بل لتسكين الفقيه والقاضي مأمور بن سكين الثمنية فيما هو بينهم كما هو مأمور به فيما بين المسلمين والله أعلم.
نوع منه في نكاح أهل الحرب
الحربي إذا تزوج حربية على أن لا مهر لها، فلا يجب المهر بلا خلاف بخلاف الذميين على قولهما. وإذا تزوج الحربي خمس نسوة أو بأختين ثم أسلم وأسلمن معه، فإن تزوجهن في عقدة واحدة بطل نكاحهن، وإن تزوجهن في عقد منفرد صح نكاح الأربع الأُوَل وبطل نكاح الخامسة.

وكذلك الحكم في الأختين إن تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما، وإن تزوجهما في عقدتين متفرقتين صح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية، هذا قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله، وقال محمد رحمه الله: يختار من الخمس أربعاً، ومن الأختين واحدة سواء تزوجها أو تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة.

وجه قول محمد: أن الأنكحة وقعت صحيحة في الأصل لأن حرمة الجمع بخطاب الشرع وخطاب الشرع قاصر عنهم، ألا ترى لو ماتت واحدة من الخطاب الخمس أو من الأختين أو فارقها قبل الإسلام ثم أسلم كان نكاح الباقية على الصحة والباقي غير الثابت، وإنما تثبت من الإجماع في العقد حرمة الجمع في حقّه في حالة الإسلام فيجب الإعراض عما وجد في الابتداء من الاجتماع في العقد والتفريق، ويجب اعتبار حالة الإسلام فيرفع ما يتحقق به الجمع وهو نكاح إحداهما في الأختين ونكاح إحداهن في الخمس.
قال محمد رحمه الله في «السير الكبير» : ولو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب على ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله لأن الخطاب بحكم الشيوع في دار الإسلام يجعل ثابتاً في حق أهل الذمّة وإن كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا، وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا: خطاب التحريم بسبب الجمع كان موجوداً حالة الكفر، ولكن امتنع عمله لمكان الكفر، فإذا زال الكفر يعمل الخطاب عمله على وجه لولا المانع فكان عاملاً فيثبت الحكم. إلا أن على وفاق ما يقتضيه السبب في الابتداء ولولا الكفر حرم نكاح الكل إن كان النكاح واحداً لأن الجمع حصل بالكل وحرم نكاح الخامسة والأخت الثانية إن كان النكاح متفرقاً لأن الجمع حصل بهما كذا هنا.

(3/140)


وعلى هذا (215ب1) لو أسلم وتحته أم وابنة وأسلما معه، فان كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما ثم ينظر إن لم يكن دخل بهما فله أن يتزوج الابنة دون الأم، وإن كان دخل بهما، لم يكن له أن يتزوج بواحدة منهما، وكذلك إن كان دخل بالأم وحدها، وإن كان دخل بالابنة وحدها فله أن يتزوج الابنة دون الأم، وإن كان تزوجهما في عقدين، فنكاح الأولى جائز ونكاح الثانية فاسد، وهذا إذا دخل بهما أو دخل بالأولى، فإن كان دخل بالثانية فإن كانت الأولى ابنة فسد نكاحهما، وإن كانت الأولى أماً فنكاح الابنة صحيح، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعلى قول محمد رحمه الله، فسواء تزوجهما في عقدةٍ واحدةٍ أو في عقدتين، فنكاح الابنة صحيح لأن العقد على الابنة يُحرِّم الأم والعقد على الأم لا يحرم الابنة إلا أن يكون دخل بالأم فحينئذ يفرق بينه وبينهما، وهذا إذا كان دخوله بالأم بعدما تزوج الابنة، وإن كان قبل أن يتزوج الابنة، فنكاح الأم صحيح لأن نكاح الأم لو بطل بطل بحكم نكاح الابنة إلا أن نكاح الابنة هنا لم يصح؛ لأنها حرمت بالدخول بالأم، وإذا لم يصح نكاح الابنة كيف يبطل نكاح الأم؟ إلا أن يكون دخل بالبنت أيضاً، فحينئذ تقع الفرقة بينه وبينهما بالمصاهرة وليس له أن يتزوج بواحدة منهما.
وإذا أسلم الحربي وامرأته وقد كان طلقها ثلاثاً ثم تزوج قبل أن تنكح زوجاً غيره فرّق بينهما لأن الطلقات الثلاث تقع في دار الحرب حسب وقوعها في دار الإسلام؛ لأنهم يعتقدون ذلك، وإنها تثبت حرمة المحل إلى وقت إصابة التزوج، وكذلك لو كان جامع أمّها أو ابنتها أو قبل واحدة منهما بشهوة؛ لأنها الحرمة بسبب المصاهرة نظير الحرمة بسبب الرضاع، وذلك يتحقق في دار الحرب كما تتحقق في دار الاسلام وهذا مثله.

وإذا خرج أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام وترك الآخر كافراً في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما عندنا، فبعد ذلك ينظر إن كان الخارج إلى (دار الإسلام) الزوج فلا عدة على المرأة بلا خلاف. وإن كان الخارج هي المرأة فلا عدة لها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما وقدّم مسألة المرأة قبل هذا في فصل ما يجوز من الأنكحة وما لا يجوز. ولو كذلك خرج أحدهما ذميّاً وقعت الفرقة بينهما، ولو خرج إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينهما.
ولو سُبي حربي مع أربع نسوة له بطل نكاح الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة، بخلاف ما إذا أسلم مع خمس نسوة تحته أو مع أختين لأن في هذه الصورة حال وقوع النكاح لم يكن سبب التحريم قائماً؛ لأنه كان حرّاً وكان نكاح الأربع مشروعاً فوجب اعتبار حالة البقاء واعتبار حالة البقاء توجب بطلان الكل؛ لأن الجمع يقوم بالكل بخلاف مسألة الإسلام على ما ذكرنا.
نوع منه في نكاح المرتد
إذا ارتدّ أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما في الحال، هذا هو جواب ظاهر الرواية وبعض مشايخ بلخ وبعض مشايخ سمرقند رحمهم الله كانوا يفتون بعدم الفرقة بارتداد

(3/141)


المرأة حسماً لباب المعصية، وعامتهم على أنه تقع الفرقة إلا أنها تجبر على الإسلام، والنكاح مع زوجها الأول لأن الحسم يحصل بالجبر على النكاح الأول، ومشايخ بخارى رحمهم الله، كانوا على هذا.
وفي «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله برواية ابن سماعة: إذا تكلمت بالكفر وقلبها مطمئن بانت وهي مشركة، ثم إن كانت المرأة هي المرتدة ولم يكن الزوج دخل بها فلا مهر، وهذه فرقة بغير طلاق بلا خلاف، وإن كان الزوج هو المرتد ولم يكن دخل بها فلها نصف المهر، وتكون هذه فرقة بغير طلاق عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وعند محمد رحمه الله تكون فرقة بطلاق.

ولو ارتد الزوجان معاً لم تقع الفرقة استحساناً عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، فإن أسلما فهما على نكاحهما، وإن أسلم أحدهما وقعت الفرقة ويجعل إصرار صاحبه على الردة بعد إسلامه كإنشاء الردة منه.
مسلمٌ تحته نصرانية ثم تمجسّا معاً فهما على النكاح، قال: لأن هذا منهما ردة فصار كما لو ارتدا معاً، قال: ولو تهودا بانت منه قال: لأن هذا منها ليس بردة فصار كأنه ارتد الزوج وحده، روى المسألة مع هذا التعليل ابن رستم عن محمد، وعن محمد رحمهما الله رواية أخرى في التهود أنها لا تبين كما لو تمجسا فحصل عن محمد فيما إذا تهودا روايتان، وعن أبي حنيفة رحمه الله فيما إذا تهودا روايتان أيضاً، فيما إذا تمجسا رواية واحدة أنهما على النكاح، وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان في الفصلين جميعاً.
وفي «الأصل» : إذا أسلم النصراني وتحته نصرانية فتحولت إلى اليهودية، فهي امرأته كما لو كانت يهودية في الابتداء، أو إن أسلم النصراني وتحته مجوسية ثم ارتد عن الاسلام بانت منه لأن النكاح بعد إسلامه باقٍ ما لم يفرق القاضي بينهما، وتفرُّدُ أحد الزوجين بالردة يوجب الفرقة، وكذلك لو أسلمت المجوسية ثم ارتد بانت منه، وإن لم يرتد الزوج ولم يسلم حتى مات الزوج فلها المهر كاملاً دخل بها أو لم يدخل بها.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : مسلم تزوج صبية مسلمة زوجها أبوها منه ثم ارتد أبواها عن الإسلام ولحقا بدار الحرب أو لم يلحقا، فإنها لا تبين من زوجها ما دامت في دار الإسلام؛ لأنها بقيت مسلمة ما بقيت في دار الإسلام، بيانه: وهو أن الصغيرة قبل ارتداد الأبوين كانت مسلمة تبعاً للأبوين ولدار الإسلام؛ لأن لدار الإسلام أثراً في الاستتباع كما للأبوين، ألا ترى أن من سُبي صغيراً أو صغيرة وأدخله دار الإسلام يحكم بإسلامه كما دخل دار الاسلام تبعاً للدار حتى لو مات يصلي عليه، وإذا كان لدار الإسلام أثر في الاستتباع كما للأبوين كان إسلام الصغيرة حكم بسبب التبعية مضافاً إليهما وأحدهما قائم بعد ردتهما، فبقي إسلامها.
فإن قيل: دار الاسلام إنما توجب إسلام الصغير حال فقد الأبوين كما في الصغير إذا سبي وحده، فأما حال وجود الأبوين فلا، ألا ترى أن الولد الحادث بين النصرانيين في دار الإسلام وبين اليهوديين يكون نصرانياً ويهودياً تبعاً للأبوين فلا يكون مسلماً تبعاً

(3/142)


للدار؛ وهذا لأن سبب الاستتباع في جانبها بالجزئية والتعصبية، وفي الدار بالمجاورة والاتصال وأبداً يحال بالحكم على الأقوى، فجعلناها (216أ1) مسلمة تبعاً للأبوين وبارتدادهما زالت التبعية فيحكم بكفرها وتبين من زوجها.

قلنا: إنما يحال بالحكم على أقوى السببين إذا كان الأقوى من السبب يوجب من الحكم خلاف ما يوجبه الأضعف؛ لأنه حينئذ يتعذر العمل بهما لما بينهما من التنافي في الحكم، فيجب العمل بالراجح لما في المسألة التي أوردها إذ الشخص الواحد لا يتصور أن يكون مسلماً وكافراً، أما إذا كان الحكم واحداً يضاف بالحكم إليهما ألا ترى أنه لو كان في حادثة نصّ الكتاب وخبر الواحد والقياس وموجب الكل حكم واحد كان ذلك الحكم مضافاً إلى الكل، فيقال هذا حكم ثبت بالكتاب والسنة والقياس، وهنا الحكم واحد وهو إسلامها وأضفناه إليهما والتقريب ما ذكرنا حتى لو ألحقاها بدار الحرب بانت من زوجها لأن تبعية الدار قد زالت كما زالت تبعية الأبوين فحكمنا بردتها فبانت وبطل مهرها.
ولو ماتت أمها مسلمة في دار الإسلام أو بعدما ارتدت ولحق بالصبية أبوها مرتداً بدار الحرب لم تبن من زوجها، بخلاف ما إذا كانا حيين ولحقا بالصبية بدار الحرب مرتدين. فإنها تبين من زوجها.
مسلم تزوج صبية نصرانية زوجها أبوها وأبواها نصرانيان ثم تمجس أحد أبويها وبقي الآخر على النصرانية، فهذه البنت لا تبين من زوجها؛ لأن الولد يتبع خير الأبوين ديناً، وخيرهما ديناً النصراني قال: النصراني أقرب إلى الإسلام من المجوسي حتى تحل ذبيحته، ويحل للمسلم نكاح النصرانية فبقيت نصرانية تبعاً لوالدها النصراني، ولو كان الأبوان تمجسا والجارية صبية على حالها بانت من زوجها. وإن لم يكن أدخلاها دار الحرب فرق بين هذه المسألة وبين الصغيرة المسلمة إذا ارتد أبواها لا تبين من زوجها ما لم يدخلاها دار الحرب، والفرق أن في تلك المسألة الصغيرة بقيت مسلمة بعد ارتداد الأبوين تبعاً لدار الإسلام، وههنا لا يمكن إبقاؤها نصرانية تبعاً للدار إذ الدار ليست داراً للتنصر، واستشهد في «الكتاب» لحال بعد النكاح بحال ابتداء النكاح فقال: ألا ترى أن بعد تمجس الأبوين ليس للقاضي ولا لأحد أن يزوج الصغيرة من مسلم، وبعد ردّة الأبوين جاز للقاضي أن يزوج الصبية من مسلم، فكذا في حالة البقاء، قال وليس لها من المهر قليل ولا كثير، علل فقال: لأن الفرقة جاءت من قبلها.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا التعليل، فإنه لم يوجد منه صنيع أصلاً إنما الصنيع للأبوين في التمجس، قلنا: ما قاله محمد رحمه الله مستقيم؛ لأنه لم يقل: الفرقة جاءت بصنعها حقيقة، إنما قال الفرقة جاءت من قبلها أي من عندها والفرقة جاءت من عندها لأن الفرقة وقعت بردتها تبعاً للأبوين، وتبعيتها بسبب الصغر، وصغرها من قبلها لأنه وصفها، وكذلك الجواب فيما إذا بلغت معتوهة؛ لأنها إذا بلغت معتوهة بقيت تابعة للأبوين وللدار في الدين لأنه ليس للمعتوهة إسلام نفسها حقيقة فكانت بمنزلة الصغيرة من هذا الوجه.

(3/143)


امرأة مسلمة بالغة صارت معتوهة ولها أبوان مسلمان زوجها أبوها وهي معتوهة حتى جاز النكاح ثم ارتد الأبوان والعياذ بالله ولحقا بها بدار الحرب لم تبن من زوجها. فرّق بين هذه وبين الصغيرة. المسلمة إذا ارتد أبواها ولحقا بها بدار الحرب إنها تبين من زوجها والفرق إنها إذا بلغت عاقلة فقد زالت تبعية الأبوين، وإذا وصفت الإسلام صارت مسلمة بإسلامها مقصوداً وبعد صفة العته إسلامها باق حقيقة؛ لأن العته لا يُنافي الإسلام فأما الصغيرة فهي مسلمة تبعاً للأبوين لا بإسلام نفسها وبعدما ارتد الأبوان لا يمكن إبقاؤها مسلمة تبعاً للأبوين وليس لها إسلام نفسها فلهذا بانت من زوجها، والصغيرة إذا عقلت الإسلام ووصفت ثم صارت معتوهة كانت بمنزلة هذه؛ لأنها لما عقلت الإسلام ووصفت صارت مسلمة بطريق الأصالة كالبالغة.
مسلم تزوج نصرانية صغيرة، ولها أبوان نصرانيان، فكبرت وهي لا تعتد ديناً من الأديان ولا تصفه وهي غير معتوهة، فإنها تبين من زوجها، معنى قوله لا تعتد ديناً من الأديان لا تعْرف ديناً من الأديان بقلبها ومعنى قوله: لا تصفه لا تعرفه باللسان لأنه له هو لها دين الأبوين لزوال التبعية ولم تظهر لها جهة الأصالة، فكانت جاهلة ليس لها ملّة معنية والملّة المعينة شرط النكاح ابتداءً وبقاءً.
وكذلك الصغيرة المسلمة إذا بلغت عاقلة وهي لا تعتقد الإسلام ولا تصفه وهي غير معتوهة بانت من زوجها لما ذكرنا، ومحمد رحمه الله سمى هذه في «الكتاب» مرتدة؛ لأنا حكمنا بإسلامها بطريق التبعية، والآن بكفرها، فكانت مرتدة. ولم يذكر في «الكتاب» إذا بلغت فعرفت الإسلام بأن قالت أنا أعقل الإسلام وأعرفه وأقدر على وصفه إلا أني لا أصفه أنها هل تبين من زوجها؟ قيل: يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ على قول من يشترط الإقرار باللسان لصيروته مسلماً تبين من زوجها؛ لأنها تركت ما هو الركن بلا عذر وكذلك لم يذكر ما إذا قالت أنا أعقل الإسلام، ولكن لا أقدر على الوصف هل تبين من زوجها قيل يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ على نحو ما بينّا، على قول من يشترط الإقرار باللسان تبين من زوجها لأنها تركت ركناً بغير عذر لأن العجز إنما جاء من ناحية الجهل لانعدام الآلة، والجهل في دار الإسلام ليس بعذر، ولو كانت هاتان اللتان بلغتا قد عقلتا الإسلام أو النصرانية قبل أن تبلغا ولكن لم تصفا ذلك ولا غيره لم تبن واحدة منهما من زوجها، فهذا دليل على أن من صَدق بقلبة كان مسلماً وإن لم يقرّ لسانه. وهكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله في كتاب العالم والمتعلم، وبه أخذ الشيخ الإمام الزاهد أبو منصور الماتريدي رحمه الله وهو مذهب أبي الحسن الأشعري، وعامة مشايخنا قالوا لا بل الإقرار باللسان شرط لصيرورته مسلماً، فتأويل هذه المسألة على قول عامة المشايخ أنهما عقلتا الإسلام قبل البلوغ ولم يصفا ذلك ولا غيره وأنهما لا تبينان من زوجيهما ما دامتا صغيرتين لأنهما ما دامتا صغيرتين؛ كانت تبعية الأبوين باقية، فكانت المسلمة مسلمة والنصرانية نصرانية تبعاً. وأما بعد البلوغ فلا. فإن وصفت المجوسية ودانت بانت من زوجها (216ب1) عند أبي حنيفة رحمه الله هذا بمنزلة الردة، وردة

(3/144)


الصبي العاقل صحيحة عندهما وعند أبي يوسف رحمه الله: إن تمجست وكانت مسلمة لا تبين من زوجها؛

لأن ردة الصبي المسلم عنده غير صحيحة، وإن تمجست وكانت نصرانية فقد اختلف المشايخ فيه على قول بعضهم قالوا: تبين من زوجها بخلاف ما إذا كانت مسلمة؛ لأن التمجس هناك إنما لم يصح لما فيه من ضرر زوال الإسلام، وإنه لا يتأتى هنا لأنها انقلبت من كفر إلى كفر، فصح التمجس منها فتبين من زوجها.
r
وبعضهم قالوا: لا تبين من زوجها؛ لأنه إن لم يمكن في التمجس ضرر زوال الإسلام، ففيه ضرر ببنيونتها عن الزوج، والصبي محجور عما هو ضرر في حقّه، فلم يصح التمجس منها فلهذا لا تبين من زوجها والله أعلم.
نوع منه في إسلام أحد الزوجين
إذا أسلم أحد الزوجين في دار الإسلام، فإن كان الذي أسلم هي المرأة يعرض الإسلام على الزوج، فإن أسلم بقيا على النكاح وإلا فرّق بينهما، ويحتاج في هذه الفرقة إلى القضاء فتكون هذه فرقة بطلاق عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا كان الزوج من أهل الطلاق، وإن لم يكن الزوج من أهل الطلاق بأن كان صبيّاً عقل الإسلام حتى اعتبر إباؤه فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: هي فرقة بغير طلاق؛ لأن الصبي ليس من أهل الطلاق، وقال بعضهم: هي فرقة بطلاق والطلاق هو المعتبر للفرقة شرعاً، فإذا استحقت الفرقة لم تستحق إلا بما وضع له شرعاً، فيكون لها نصف المهر إن كان إباء الزوج قبل الدخول بها ونفقة العدة إن كان بعد الدخول بها.
وإن كان الذي أسلم هو الزوج فإن كانت المرأة كتابية أقرّا على النكاح، وإن كانت مجوسية أو وثنية عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا فرّق بينهما وتكون هذه فرقة بغير طلاق بلا خلاف ولا مهر لها إن كان الإباء قبل الدخول بها، وإن كان بعد الدخول بها فليس لها نفقة العدة.
وإن أسلم أحد الزوجين في دار الحرب، فإن الفرقة توقف على مضي ثلاث حِيَضٍ، فإذا مضت وقعت الفرقة، وهذا لأنه تعذر اعتبار التفريق من جهة القاضي لانتزاع ولايته من دار الحرب، ولانقضاء ثلاث حيض أثّر في وقوع الفرقة بالطلاق فأقمنا مضي ثلاث حيض مقام التفريق عند تعذر اعتبار التفريق.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : وإذا عقد النكاح على صبيين من أهل الذمة ثم أسلم أحدهما وهو يعقل الإسلام حتى صح إسلامه عندنا استحساناً عرض على الآخر الإسلام إن كان يعقل الإسلام، فإن أسلم فهما على نكاحهما، فإن أبى أن يسلم، فإن كان الزوج هو المسلم، والمرأة كتابية أقرّا على النكاح، وإن كانت مجوسية أو وثنية ففي القياس لا يفرّق بينهما. وفي الاستحسان يفرق بينهما، ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها، وهذا هو وضع المسألة في «الأصل» ، وفي «الجامع» وضع المسألة في مجوسي تزوّج جارية مجوسية بنت عشر سنين تعقل الإسلام، زوجها أبوها فأسلم الزوج عرض على

(3/145)


الجارية الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته وإن أبت فرّق بينهما ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها، وهذا استحسان والقياس أن لا يفرق بينهما.

ومن مشايخنا من قال: هذا ليس بقياس واستحسان مبتدأ في هذه المسألة إنما هو القياس. والاستحسان الذي يذكر في الصبي العاقل إذا أسلم، فالقياس أن لا يصح إسلامه، وفي الاستحسان: يصح ومنهم من قال: هذا قياس واستحسان آخر في هذه المسألة وجه: القياس في ذلك: أن في عرض الإسلام عليها وهي صغيرة خطاب لها بالإسلام، والإجماع أن خطاب العقل ساقط عن الصغير ما لم يبلغ، إذ اختلفوا أنه إذا أسلم هل يصلح إسلامه. وجه الاستحسان: أن الصبي العاقل والصبية العاقلة إنما لا يخاطبان بالعقل قبل البلوغ لحق الله، وهاهنا لا تخاطب الصغيرة بالإسلام لحق الله وإنما تخاطب به لحق الزوج حتى يبقيان على النكاح، والصغيرة يجوز أن تخاطب بأداء حقوق العباد، فإن أسلمت بقيا على النكاح، فإن أبت فُرّق بينهما، وهذا لا يشكل على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن على قولهما ردتهما عن الإسلام صحيحة وإنها إنكار بعد الإقرار، فأولى أن يصح إباؤها، وإنه امتناع عن قبول الإسلام، وأما على قول أبي يوسف رحمه الله اختلف المشايخ منهم من لم يصحح إباءها على قوله وسوى بينه وبين الردة، ومنهم من صحح إباءها وفرق بين الإباء والردة. واختلفت عباراتهم في ذلك بعضهم قالوا: إن أبا يوسف رحمه الله إنما أبطل الردة شرعاً رحمة على الصبي، وههنا وُجد الإباء بناء على العرض حقاً على العبد وإنه تقتضي صحته، وبعضهم قالوا: الردة تبدليل الاعتقاد ولا اعتقاد للصغير ولا ردة فأما الإباء مداومة على ما كان قبل ذلك، فلا حاجة فيه إلى اعتقاد بعدما تيقنابإبائه وحكمنا به، ولم يقع مثله في الردة ولم يحكم به.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : نصراني زوج ابنه النصراني وهو صغير لا يعقل امرأةً كبيرة نصرانية، فأسلمت المرأة وطلبت من القاضي التفريق، فالقاضي لا يفرق بينهما حتى يبلغ الصغير أو يعقل الإسلام، وإذا عَقَلَهُ عرض عليه الإسلام فإن أبى فرق بينهما ولا يجعل إباءً لأن قبل بلوغه بمنزلة إبائه بعد البلوغ. فرق بين هذا وبينما إذا كان الزوج نصرانياً معتوهاً مطبقاً لا ترجى صحته، وأبواه نصرانيان زوّجه أبوه امرأة نصرانية فأسلمت وأرادت التفريق فإن القاضي يُحضر والده إن كان حيّاً، ووالدته إن كان الوالد ميتاً، ويقول له: إما أن تسلم فيصير ابنك مسلماً بإسلامك وإلا فأفرق بينهما والقاضي عاجز عن عرض الإسلام على الزوج في الموضعين، وكل واحد منهما يصير مسلماً بإسلام الأب، والفرق بينهما: أن التفريق بعد إسلام المرأة معلق بإباء الزوج الإسلام من كل وجه، وكذلك بأن يوجد الإباء من الزوج حقيقة وحكماً، وبقاؤهما على النكاح معلّق بإسلام الزوج من كل وجه، وذلك بأن يوجد الإسلام من الزوج حقيقة وحكماً، وهذا مرجو متى عقل الصغير أو بلغ ولبلوغه غاية معلومة فتأخر الأمر إلى أن يوجد من الزوج الإسلام من كل وجه أو الإباء من كل وجه ولا يكون هذا إبطالاً لحق المرأة في التفريق فوجب التأخير ولم يجز إقامة إسلام ناقص وإباء ناقص مقام الكامل من غير ضرورة، وأما في مسألة المعتوه متى

(3/146)


أخرنا الأمر إلى أن يزول العته (217أ1) وليس لزواله غاية معلومة أدى إلى إبطال حقها في التفريق وإنه لا يجوز، فلهذه الضرورة أقمنا إباء ناقصاً وإسلاماً ناقصاً مقام الكامل.

فإن قيل: هذا القول يُشْكل بما لو كان الزوج غائباً وهو صبي، فإنه لا يعرض الإسلام على أبيه وليس لإبائه وإسلامه من حيث الحقيقة والحكم وقت معلوم. قلنا: الغائب من يعرف مكانه، ومتى عرف مكانه عُرض الإسلام عليه من حيث الحقيقة، إما بإحضاره أو بأن توكل المرأة وكيلاً حتى تخاصم معه حيث هو..... عقل، فيعرض الإسلام عليه حتى لو كان مفقوداً لا يُعرف مكانه نقول: يعرض الإسلام على أبيه.
ثم إن محمداً رحمه الله قال في مسألة المعتوه: يعرض الإسلام على والده، فإن أسلم وإلا فرق بينهما. قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في تعليقه على القاضي الإمام أبي عاصم العامري رحمه الله: ليس هذا على طريق الحكم لكن إنما قال ذلك لأن للوالدين شفقة على ولدهما كما أن لهما شفقة على أنفسهما، فيجوز أن تحملهما شفقة الولاد على الإسلام، فيصير المعتوه مسلماً بإسلامه، كما أن شفقته على نفسه تحمله على أن يسلم فلا يفرق بينهما، فإنما قال: يعرض الإسلام عليه لهذا الأمر طريق الحكم. وفي مسألة الصبي صحح عرض الإسلام عليه وإن كان لا يخاطب الصبي بالإسلام عندنا؛ لأن ذلك وضع عنه، وقبل منه إذا أدّاه في حق الرحمة عليه، وههنا وجب العرض لحقوقها، وحقوق العباد لا تسقط بعذر الصغر فيوجه الخطاب بالعرض لحق العبد لا لحق الله تعالى، واستشهد في «الكتاب» فقال: ألا ترى أن امرأة النصراني إذا أسلمت فرفعت الأمر إلى القاضي، فوكل الزوج رجلاً بالخصومة وغاب الزوج، فالقاضي لا يفرق بينهما حتى يحضر الزوج فيفرق بينهما إذا أبى الإسلام؛ لأنه يمكن اعتبار إباء الزوج حقيقة وحكماً، فلا ضرورة إلى إقامة إباء الوكيل مقام إباء الزوج كذا مسألتنا.
ثم فرّع على مسألة المعتوه فقال: إن كان الأبوان قد ماتا، فالقاضي ينصب خصماً عنه ويفرق بينهما؛ لأنه تعذر عرض الإسلام عليه وعلى غيره، فغلب الإمساكَ بالمعروف التسريحُ بالإحسان.
فإن قيل: لما تعذر اعتبار الإسلام والإباء حقيقة ينبغي أن تقام ثلاث حيض مقام الفرقة إقامة للشرط مقام (العلة) كما لو أسلم أحد الزوجين في دارالحرب، قلنا: في تلك المسألة: إنما أقمتم ثلاث حيض مقام الفرقة إقامة للشرط مقام العلة لتكون الحِيَض شرط الفرقة، وههنا أمكن اعتبار العلة حقيقة وهو تفريق القاضي بأن ينصب عنه وكيلاً، فلا ضرورة إلى إقامة الشرط مقام العلة، والله أعلم بالصواب.

(3/147)


الفصل العشرون: في الخصومات الواقعة بين الزوجين
وما يتصل بها هذا الفصل يشتمل على أنواع أيضاً: نوع منه في دعوى النكاح وإقامة البينة عليه.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : رجل ادى على امرأة نكاحاً، وأقام على ذلك بيّنة وأقامت أخت المرأة على هذا الرجل بينة أنها امرأته، وأنه تزوجها، فالبينة بينة الزوج، لأن الزوج ببنيته يثبت لنفسه ملك المتعة التي هي أصل في باب النكاح، والأخت ببنيتها تُثبت لنفسها ملك المهر الذي هو تبع في باب النكاح، إنما ملك المتعة يثبت عليها لعبرة ولا شك أن الأصل أقوى من التبع فكانت بيّنة الزوج أكثر إثباتاً فكانت أولى بالقبول، وإذا قضى ببينة الزوج بطل نكاح الأخرى ولا يقضي للأخرى بالمهر إن لم يكن الزوج دخل بها، وهذا كله إذا لم تؤرخ البينتان أو أرخ وتاريخهما على السواء، أما إذا كان تاريخ أحدهما أسبق يجب القضاء ببينة من كان أسبق تاريخاً، ويفسد نكاح الأخرى اعتباراً للثابت بالبينة بالثابت معاينة. وفي «المنتقى» عن أبي حنيفة رحمه الله: لو وقتت بينة المرأة ولم توقت بيّنة الرجل، فدعوى الرجل جائزة، ويثبت نكاح المرأة التي ادعاها فيبطل نكاح المدعية.

قال في «الأصل» : وإن شهد شهود الزوج أنه تزوج إحداهما ولا تعرف بعينها غير أن الزوج يقول: هي هذه، فإن صدقته المرأة فهي امرأته ويحكم بصداقها، وإن جحدت فلا نكاح بينه وبين واحدة منهما؛ لأن الشهود لم يشهدوا على نكاح امرأة بعينها إنما شهدوا على نكاح إحداهما، ونكاح إحداهما مجهول، والشهادة بالمجهول لا تكون حجة فبقي دعوى الزوج، وبمجرد دعوى الزوج لا يَثبت النكاح، ولا يمين للزوج على التي يدعى عليها النكاح عند أبي حنيفة رحمه الله، والمسألة معروفة فلا مهر عليه إن لم يكن دخل.
وكذلك لو شهد شهود امرأة أنه تزوجها أحد هذين الرجلين ولا يعرف بعينه غير أن المرأة تقول: هو هذا، فإن صدقه ذلك الرجل فهي امرأته وإن كذبه فلا نكاح بينهما وبين واحد منهما، ولا مهر على واحد منهما ولا يمين لها عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله، وإن كانت ادعت أنه طلقها قبل الدخول بها وأن لها عليه نصف (المهر) يستحلف على نصف المهر.
وكذلك لو ادعت أنه طلقها بعد الدخول بها، وأن لها عليه جميع المهر يستحلف على جميع المهر؛ لأن الدعوى الآن وتقع في المال، وإذا نكل قضي بالمهر ولا يقضى بالنكاح؛ لأن عند النكول إنما يقضى بما وقع فيه الاستحلاف، والاستحلاف وقع في المال، ألا ترى أن في دعوى السرقة إذا استحلف ونكل يقضى بالمال دون القطع كذا ها هنا.

(3/148)


وإذا ادعت أختان على رجل بعينه كل واحدة تدعي أنه تزوجها أولاً وأقامت كل واحدة بيّنة على حسب ما ادعت كان ذلك إلى الزوج، فأيتهما قال الأولى فهي الأولى وهي امرأته، ويفرق بينه وبين الأخرى ولا مهر عليه للأخرى إن لم يكن دخل بها.

قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: وبهذه المسألة تبين أنه إذا وجد التصادق بعد إقامة البينة، فالنكاح يعتبر ثابتاً بالبينة، إذ لو اعتبر ثابتاً بالتصادق يجب أن تُقبل بينّة الأخت في هذه المسألة وقد أقامت البينة أنه تزوجها أولاً وإن جحد الزوج ذلك كله وقال: (لم) أتزوج واحدة منهما أو قال تزوجتهما ولا يدري أيتهما أولى فهو سواء، ويفرق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما إن لم يكن دخل بهما.
من مشايخنا من قال: هذا الجواب لا يستقيم فيما إذا أنكر الزوج نكاحهما أصلاً؛ لأنه لما أنكر نكاحهما فقد أنكر وجوب (217ب1) المهر على نفسه وتعذر القضاء بالبينتين لمكان التعارض فكيف يجب نصف المهر لهما عليه؟ قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: لا بل هذا الجواب مستقيم في الفصلين لأن التعارض لا بين البينتين في حكم الحل دون المهر، ألا ترى أن البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث، وإذا لم يكن بينهما تعارض في حكم المهر وجب نصف المهر على الزوج، وليست إحداهما أولى من الأخرى فيكون بينهما.
وعن أبي يوسف رحمه الله في ا «لإملاء» أنه لا شيء عليه؛ لأن المقضي له مجهول وعن محمد رحمه الله أنه يقضى عليه بجميع المهر؛ لأن النكاح لم يرتفع بجحوده فوجب القضاء بجميع المهر للتي صح نكاحها، وإن كان دخل بإحداهما كان لها المهر المسمى وهي امرأته؛ لأنه صار مهراً بأولية ملك نكاح الموطوءة حكماً للإقدام على الوطء.
وإن قال: هي الآخرة وتلك الأولى فرق بينها وبينه ولزم المهر المسمى للتي دخل بها لا ينقص عنه وإن كان المسمى أكثر من مهر المثل.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل ادعى نكاح امرأة والمرأة أنكرت ذلك، وأقام المدعي بيّنة أنها امرأته وأقامت المرأة بينة أنه كان تزوج أختها قبل الوقت الذي ادعى فيه نكاحها، وأنها اليوم امرأته على حاله والزوج ينكر أجمعوا على أن القاضي لا يقضي بنكاح الغائبة، وهل يقضي بنكاح الحاضرة القياس أن يقضي وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله، وفي الاستحسان لا يقضي بل يوقف الأمر إلى أن تحضر الغائبة، فإن حضرت وأقامت البينة على ما ادعت لها الحاضرة يقضى بأنها امرأته ويفرق بين الزوج وبين الحاضرة، وإن أنكرت ذلك يقضى بنكاح الحاضرة ببينة الزوج ولا يلتفت إلى بيّنة الحاضرة، وبه أخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. الأصل في هذه المسألة وأجناسها أن القضاء بالبينة على الغائب أو للغائب لا يجوز إلا إذا كان عنه خصم حاضر، إمّا قصدي وذلك بتوكيل الغائب إياه، وإما حكمي وذلك أن يكون المدعى على الغائب سبباً لثبوت المدعى على الحاضرة لا محالة لو شرطا له على ما ذكر فخر الإسلام علي البزدوي

(3/149)


رحمه الله، وعند عامة المشايخ أن يكون المدعى على الغائب سبباً لثبوت المدعى على الحاضرة لا محالة وإليه أشار محمد رحمه الله في «الكتاب» في مواضع، ثم سوى شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله بينما إذا كان المدعى على الغائب والحاضر شيئان وبينما إذا كان المدعى شيء واحد بشرط السببية لانتصاب الحاضر خصماً عن الغائب في الفصلين جميعاً وذكر القاضي الإمام الكبير أبو زيد في كشف المشكل وعامة المشايخ في شروحهم أن السببية تشترط فيما إذا كان المدعى شيئين، وهو الأشبه والأقرب إلى الفقه.

بيان هذا الأصل فيما إذا كان المدعى عليهما واحداً: إذا ادعى رجل داراً في يدي رجل أنها داره اشتراها من فلان الغائب وهو يملكها وقد غصبها ذو اليد منّي، وقال ذو اليد: الدار داري فأقام المدعي بينة على دعواه قبلت بينته ويكون ذلك قضاء على الحاضرة والغائب، وينصب الحاضر خصماً عن الغائب.

وأما على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله فلأن المدعى على الغائب والحاضر شيء واحد، والمدعى على الغائب سبب لثبوت المدعى على الحاضر لا محالة، وهذا ما ذكره عامة المشايخ، ولأن المدعى على الحاضر والغائب شيء واحد.
بيان هذا الأصل فيما إذا كان المدعى عليهما شيئان: إذا شهد شاهدا الرجل على رجل بحق من الحقوق، فقال المشهود عليه: هما عبدان لفلان الغائب، وأقام المشهود له بينة أن فلاناً الغائب أعتقهما وهو يملكهما فإنه تقبل هذه الشهادة ويثبت العتق في حق الحاضر والغائب جميعاً، والمدعى شيئان: المال على الحاضر، والعتق على الغائب إلا أن المدعى على الغائب سبب لثبوت المدعي على الحاضر لا محالة لأن العتق لا ينفك عن ثبوت ولاية الشهادة بحال، فصار كشي واحد من حيث المعنى، فينتصب الحاضر خصماً عن الغائب ويقضى بالعتق في حق الحاضر والغائب جميعاً.
وإذا كان المدعى عليهما شيئين إلا أن المدعى على الغائب ليس سبباً لثبوت المدعى على الحاضر لا محالة، بل قد يكون سبباً وقد لا يكون سبباً لا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، وهذا لأن الغائب ما جعل الحاضر خصماً عن نفسه لكن جعلناه خصماً عنه في موضع لا ينفك المدعى على الغائب عن المدعى على الحاضر ضرورة ولا ضرورة فيما إذا كان ينفك عنه فيعمل فيه بالحقيقة.

بيان هذا الأصل في رجل قال لامرأةِ رجلٍ غائب: إن زوجك فلان الغائب وكلني أن أحملك إليه، فقالت المرأة: إنه قد كان طلقني ثلاثاً، وأقامت على ذلك بينة قبلت بينتها في حق المرأة أنه قد كان (طلقها في حق) قصر يد الوكيل عنها لا في إثبات الطلاق على الغائب، حتى لو حضر الغائب وأنكر الطلاق فالمرأة تحتاج إلى إعادة البينة؛ لأن المدعى على الغائب وهو الطلاق ليس بسبب لثبوت المدعى على الحاضر وهو قصّر يده لا محالة، فلأن الطلاق متى تحقق قد لا يوجب قصر يد الوكيل بأن لم يكن وكيلاً بالحمل قبل الطلاق، وقد يوجب بأن كان وكيلاً بالحمل قبل الطلاق، فكان المدعى على الغائب سبباً لثبوت المدعى على الحاضر من وجه دون وجه، فمن حيث إنه سبب يقضي

(3/150)


به في حق قصر يد الوكيل، ومن حيث إنه ليس بسبب لا يقضي به في حق إزالة ملك الغائب عملاً بهما.
وإذا كان المدعى عليهما شيئان والمدعى على الغائب سبب للمدعى على الحاضر باعتبار البقاء لا ينتصب فالقاضي لا يلتفت إلى دعوى المدعى، ولا يقضي ببينته لا على الحاضر ولا على الغائب.
بيان هذا رجل اشترى من آخر جارية، ثم إن المشتري ادعى أن البائع قد كان زوجها من فلان الغائب قبل أن أشتريها وقد اشتريتها ولم أعلم بذلك، وأنكر البائع دعواه، فأقام على ذلك بيّنة يريد رد الجارية لا تقبل هذه البينة لا على الحاضر ولا على الغائب لأن المدعى شيئان النكاح على الغائب والرد على الحاضر، والمدعى على الغائب من النكاح نفسه ليس بسبب لما يدعيه على الحاضر من غير اعتبار البقاء، فإن البائع لو زوجها ثم الزوج طلقها لا يكون للمشتري الرد، وإنما السبب بقاء النكاح إلى حالة الرد؛ ولم يقم البينة على البقاء، ولو أقام البينة على البقاء لا تقبل أيضاً ولا يقضي بالرد لأن البقاء تبع الابتداء (218أ1) فإذا لم يمكن أن يجعل خصماً في نفس النكاح لم يمكن أن يجعل خصماً في إثبات البقاء.

وبعد الوقوف على هذه الجملة جئنا إلى تخريج المسألة، فوجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن المدعى على الحاضر والغائب شيئان، ونفس ما تدعي الحاضر على أختها الغائبة من النكاح من غير اعتبار البقاء لا يكون سبباً لما يدعي على الزوج من فساد نكاح نفسها، لأنه إذا كان طلّق الغائبة قبل نكاح الحاضرة يصح نكاح الحاضرة فلا تقبل بينة الحاضرة أصلاً، فإذا لم تُقبل بينة الحاضرة لم يثبت نكاح الغائبة، وحجة القضاء للزوج على الحاضرة موجودة وإنما يمتنع عملها لمانع مخصوص وهو نكاح الغائبة، فإذا لم يثبت نكاح الغائبة لم يمتنع عملها.
فإن قيل: أليس إن محمداً رحمه الله وضع المسألة فيما إذا شهدوا أنه زوجها قبل ذلك، وأنها اليوم امرأته وشهادتهم أنها اليوم امرأته ينافي نكاح الأخرى.
قلنا هذه الزيادة بناء على علمهم بابتداء النكاح، فصار وجود ذلك والعدم بمنزلة ولأنها إذا لم تصلح خصماً في إثبات أصل نكاح الغائبة لا تصلح خصماً في إثبات بقائه.
وجه قولهما ان القياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله، إلا أنا تركنا القياس هنا لنوع ضرورة؛ لأن الباب باب الفروج، فإن الحاضرة ادعت حرمة فرجها على الزوج بسبب فساد نكاحها، وقد يترك القياس في باب الفرج احتياطاً ما لا يترك لغيرها.
ثم في «الكتاب» يقول: إذا حضرت الغائبة وأقامت البينة على ما ادعت لها الحاضرة قضي بنكاحها بشرط إعادة البينة من الغائبة للقضاء بنكاحها، بعض مشايخنا قالوا: إذا حضرت الغائبة وصدقت شهود الحاضرة فيما شهدوا من نكاحها تثبت نكاحها ولا يحتاج إلى إعادة البينة، وقد حكي عن بعض مشايخنا أنه كان يقول: لا خلاف في هذه المسألة حقيقة؛ لأن أبا يوسف ومحمد رحمهما الله إنما قالا: لا يُقضى بنكاح

(3/151)


الحاضرة بطريق الاحتياط؛ لأن الغائبة إذا حضرت إنما تصدق شهود الحاضرة أو تعيد البينة على نكاحها فيفسد نكاح الحاضرة، ويجب التفريق بين الحاضرة والزوج، وما يكون بطريق الاحتياط لا يكون فرضاً.

وكذلك لو أقامت الحاضرة بينة على إقرار الزوج بنكاح الغائبة، فهذا والأول سواء لا تقبل بينة الحاضرة عند أبي حنيفة رحمه الله، وإنما لم تقبل لا لأنها قامت على غير خصم بل قامت على خصم؛ لأنها قامت على إقرار الزوج، والزوج خصم حاضر إلا أن من شرط قبول البينة أن يكون المشهود به حقاً يلزمه المشهود عليه، والمشهود به ههنا إقرار الزوج بنكاح الغائبة قبل نكاح الحاضرة حتى يثبت مكان فساد نكاح الحاضرة؛ فبهذا القدر من الإقرار لا يلزم الزوج فساد نكاح الحاضرة لأن للزوج أن يقول: كنت تزوجت الغائبة قبل نكاح الحاضرة إلا أني طلقتها قبل نكاح الحاضرة.
قال: ولو أقرّ الزوج عند القاضي أن الغائبة كانت امرأته، فالقاضي يسأله هل كان بينه وبينها فرقة؟ فإن قال: لا، فالقاضي يفرق بينه وبين الحاضرة، ولكن لا يثبت نكاح الغائبة إلا بتصديق الغائبة أو ببينة يقيمها عليها؛ لأن الزوج أقرّ بفساد نكاح الحاضرة، وهذا أمر عليه، وبنكاح الغائبة وإنه أمر له، فيُصدق فيما عليه ولا يصدق فيما له.

وإن قال الزوج: قد كنت طلقتها قبل أن أدخل بها أو بعدما دخلت بها، وأخبرتني عن انقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها العدة، وكذبته الحاضرة في الطلاق، وقد أقام هو البينة على نكاح الحاضرة يقضى له بنكاح الحاضرة؛ لأن الزوج بما قال ادعى سقوط حق الغائب في النفقة والسكنى فتزول حرمة نكاح الحاضرة فلئن كان لا يصدق في سقوط حق الغائبة لأنه ضمين يدعي سقوط ما عليه من الضمان يصدق في زوال الحرمة؛ لأنه أمين في ذلك لأن الحرمة خالص حق الله تعالى والعبد في حقوق الله تعالى أمين والأمين فيما أخبر مصدق إذا احتمل خبره الصدق وقد احتمل خبره الصدق إذا كان في مدة تنقضي في مثلها العدة وصار كالمطلقة ثلاثاً إذا تزوجت بزوج آخر وفارقها قبل خلوة ظاهرة فقال الزوج؛ فارقتها قبل الخلوة والإصابة، وقالت المرأة: فارقني بعد الإصابة صدقت المرأة في حق زوال الحرمة على الزوج الأول؛ لأنه من حقوق الله تعالى وإن لم تصدق في استحقاق كمال المهر على الزوج الثاني كذا ههنا هذا إذا لم تحضر الغائبة.
فإن حضرت الغائبة وكذبت الزوج في الطلاق وادعت أنها امرأته، فإن الطلاق واقع عليها بإقرار الزوج وعليها العدة منذ أقر الزوج بالطلاق إن كان قد دخل بها، والحاضرة امرأته لأن نكاح الغائبة ثبت بتصادق الزوج والغائبة إلا أن الزوج يدّعي الطلاق في زمان ما مضى وأخبر عن إخبارها بانقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها العدة، وفي مثل هذا يعتبر قول الزوج في حق جواز نكاح أختها وأربع سواها كما لو كان نكاح الغائبة ثابتاً معاينة. هذا إذا أقامت الحاضرة بينّة أن هذا الزوج المدعي تزوج أختها قبل الوقت (الذي فيه) ادعى نكاحها.
فأما إذا أقامت بيّنة أنه تزوج أمها أو ابنتها قبل الوقت الذي ادعى نكاحها فيه فهذه

(3/152)


المسألة والمسألة الأولى سواء على قول أبي حنيفة رحمه الله يقضي بنكاح الحاضرة ولا يلتفت إلى بينتها. وعلى قولهما يوقف الأمران على حضور الغائبة.

وهذا الجواب من أبي حنيفة رحمه الله لا يشكل فيما إذا ادعت الحاضرة أنه تزوج أمها؛ لأن ما ادعته الحاضرة من نكاح الأم ليس بسبب لثبوت ما تدعي على الزوج من فساد نكاح نفسها لا محالة لجواز أنه تزوج الأم قبل الابنة ثم طلقها قبل الدخول بها؛ لأن مجرد نكاح الأم لا يوجب حرمة الابنة، إنما يشكل فيما إذا أقامت البينة أنه تزوج ابنتها؛ لأن نكاح الابنة سبب لفساد نكاح (الأم) (أثبت) نكاح الأم لا محالة، وفي هذا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب فينبغي أن تقبل البينة على نكاح البنت.
والجواب: أن أصل نكاح الابنة ليس بسبب لفساد نكاح الحاضرة لا محالة؛ لأن نكاح الابنة إذا كان فاسداً ولم يدخل بها لم تحرم الأم، وإنما سبب فساد نكاح الحاضرة نكاح الابنة بوصف الصحة، وإذا لم يكن أصل نكاح الابنة سبباً لفساد نكاح الحاضرة لا تنتصب الحاضرة خصماً عن الغائبة في إثبات أصل نكاحها، ولا تنتصب خصماً في إثبات وصف الصحة وإن كان ذلك سبباً للفساد؛ لأن الوصف تبع للأصل.
ولو أقامت الحاضرة بينة على إقرار الزوج بذلك إن أقامت (219ب1) بينة على إقرار الزوج بنكاح الأم لا تقبل بينتها؛ لأن هذه البينة لا تلزم المشهود عليه حقّاً لأنه يمكنه أن يقول: نكحها ثم فارقتها قبل الدخول بها، حتى لو أقامت بينة على إقرار الزوج أنه تزوج أمهّا وأنها امرأته للحال تُقبل بينتها؛ لأنها تلزم المشهود عليه حقاً. وإن قامت البينة على إقرار الزوج بنكاح الابنة تقبل بينتها؛ لأنها قامت على خصم حاضر، وإنها تلزم على المشهود عليه حقاً؛ لأن مطلق إقرار الزوج بالنكاح ينصرف إلى نكاح صحيح. ونكاح الابنة متى صحّ كان سبباً لفساد نكاح الأم.

فرّق بين هذا وبينما إذا أقامت البينة على نفس نكاح الابنة حيث لا تقبل بينتها ولم يصرف مطلق الشهادة إلى النكاح الصحيح كما صرف مطلق الإقرار إلى النكاح الصحيح، والظاهر في الفصلين هو الصحة إلا أنه يحتمل الفساد، فتتمكن الشبهة، والشهادة لا تثبت مع الشبهة، والإقرار لا يبطل بالشبهة هذا إذا أقامت الحاضرة بينة أن الزوج تزوج أمها أوابنتها أو على إقرار الزوج بذلك ولم تتعرض للجماع.
أما إذا تعرضت لذلك وأقامت البينة أن الزوج تزوج بأمها (أو) ابنتها وجامعها، أو أقامت بينة على إقرار الزوج بذلك فرّقنا بينه وبين الحاضرة ولم يثبت نكاح الغائبة وقبلت هذه البينّة على جماع الغائبة لا على نكاح الغائبة، وهذا لأن دعوى نكاح الغائبة غير محتاج إليه عند دعوى الجماع فيما هو المقصود، وهو إثبات فساد نكاح الحاضرة؛ لأن جماع الأب يوجب حرمة الابنة سواء كان بصفة الحال أو بخلافه، فصار دعوى النكاح عند دعوى الجماع والعدم بمنزلته. وصار كأنها أقامت البينة على الجماع لا غير، وهناك لا تقبل بينتها لأن البينة على الجماع قامت على خصم وهو الزوج؛ لأن الجماع يتم بالزوج وحده من غير أن يوجد من المرأة فعل؛ لأن الزوج يجامعهما وهي نائمة، فكان

(3/153)


الزوج خصماً في دعوى جماع الغائبة عليه، وجماع الغائبة سبب لما تدّعي الحاضرة من فساد نكاحها، بخلاف ما لو أقامت الحاضرة البينة على مجرد النكاح؛ لأن النكاح لا يتم بالزوج وحده وإنما يتم به وبقبولها، وقدر ما يوجد من الزوج وإن كان الزوج فيه خصماً إلا أنه يكفي لما ادعى الحاضرة من فساد نكاحها، وما يوجد من قبول الغائبة والزوج فيه ليس بخصم، فتلك البينة قامت على غير الخصم أماها هنا بخلافه.

ثم إذا قضى القاضي بجماع الغائبة هل يقضى لها بالمهر، حتى إذا حضرت أخذت الزوج بذلك من غير إعادة البنية؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الكتاب» ، وإنما أشار إلى أنه يقضي، وعليه عامة المشايخ.
وكذلك إذا أقامت الحاضرة البينة على أن الزوج تزوج أمها أو ابنتها أو قبّلها بشهوة، أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة، فالجواب فيه كالجواب فيما إذا أقامت البينة أنه تزوجها وجامعها، وكذلك لو أقامت البينة على إقرار الزوج أنه قبّلها أو لمسها بشهوة ثم هذه المسألة دليل على أن الشهادة على التقبيل واللمس بشهوة مقبولة، وهذا فصل اختلف فيه المشايخ، وبعضهم قالوا: لا تقبل، وإليه مال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله.
ومعنى قول محمد رحمه الله في «الكتاب» شهدوا أنه قبلها أو لمسها بشهوة على قول هؤلاء: شهدوا على إقرار الزوج بذلك بعضهم قالوا: تقبل، وإليه مال الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله. وهذه المسألة دليل على قول هؤلاء، ولا يمكن حمل المسألة على الشهادة على إقرار الزوج؛ لأن محمداً رحمه الله ذكر فصل الشهادة على اللمس والتقبيل بشهوة أولاً، وعطف عليه فصل الشهادة على إقرار الزوج بذلك.
وفي «المنتقى» : إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل أقام بينّة على امرأة أنها امرأته، وأقامت المرأة بينة على رجل آخر أنها امرأته وهو يجحد فالبيّنة بيّنة الزوج. علل فقال: لأن شهود الزوج شهدوا عليها بالنكاح وبه يثبت إقرارها بنكاح هذا الرجل فإقرارها على نفسها أصدق من بينتها، قال: ألا ترى أنه لو أقام رجل على رجل البينة أني اشتريت منك ثوبك هذا وأقام صاحب الثوب بيّنة على آخر أني بعتك هذا الثوب وهو يجحد، والبينة بينة المدعي على صاحب الثوب، وطريقه ما قلنا.

قال: ولو كانت المرأة حين أقامت البينة على ذلك الرجل إذا ادعى الرجل نكاحها كانت البينة بينة المرأة. وهو كامرأة أقام عليها رجلان البينة على النكاح ولمن. لم يؤقتا فأيهما صدّقته المرأة فهو زوجها، هذا هو لفظ «المنتقى» .

قال في «الأصل» : إذا تبايع رجلان في امرأة كل واحد يدعي أنها امرأته، وأقام البينة، وإن كانت في بيت أحدهما أو كان دخل بها أحدهما فهي امرأته لأنه تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده فيقضى له بالمرأة إلا إذا أقام الآخر بيّنة أنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار دليل السبق عند التصريح بالسبق وإن لم تكن في بيت واحد منهما ولا دخل بها أحدهما، فإن وقّتا فالوقت الأول أولى، فإن لم يوقتا أو وقتا

(3/154)


وقتاً واحداً، فالذي زكيت بينته فهو أولى، وإن زكيت البينتان تسأل المرأة عن ذلك، وإن لم تقر المرأة بنكاح أحدهما فرّق بينها وبينهما.

وإن أقرت لأحدهما أنه تزوجها قبل الآخر أو أنه تزوجها دون الآخر، فهي امرأته إلا إذا أقام الآخر بينة أنه تزوجها قبل هذا، وهذا لأن العمل بالبينتين متعذر فيسقط اعتبارهما، فبقي تصادق أحد الرجلين مع المرأة فثبت النكاح بينهما بتصادقهما. إذا لم تقر المرأة لأحدهما حتى فرّق بينها وبينهما إن لم يكن دخلا بها فلا مهر لها. وإن كان قد دخلا بها ولا يدرى أيهما أول فعلى كل واحد منهما الأقل ممّا سمى له ومن مهر المثل وإن جاءت بولد فهو ابنهما يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل ويرثانه ميراث أب واحد. وإن ماتت في هذه الصورة وهو ما إذا لم تقرّ بنكاح أحدهما كان على كل واحد منهما نصف ما سمى لها من المهر وكان ميراث الزوج من تركتها بينهما نصفان. وإن (لم) تمت هي ولكن مات أحد الرحلين، فإن قالت المرأة: هذا الميت هو الأول فهي للأول، ولها في ماله المهر والميراث؛ لأن تصديقها بعد موت الزوج كتصديقها في حال حياته، فثبت نكاح هذا (219ب1) بتصادقهما وانتهى بالموت.
وفي «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف رحمه الله في عشرة ادعوا نكاح امرأة قال: إن كان دخل بها أحدهم فهي امرأته، وإن ادعت هي واحد منهم فهو زوجها. وإن واحد دخل بها ولا يعرف هو ولم تدع هي واحداً منهم، فلها على كل واحد منهم نصف مهر، وإن ماتوا كان لها عشر مهر كل واحد منهم ولها عشر ميراث امرأة من كل واحد منهم. وإن ماتت هي كان على كل واحد منهم عشر مهر ولهم ميراث زوج بينهم إذا تصادقوا أنهم لا يعلمون.

رجلان ادعيا نكاح امرأة وهي ليست في يد أحدهما، فأقرت لأحدهما فهي للمقر له، فإن أقام الآخر بعد ذلك بينة على النكاح فصاحب البينة أولى. ولو أقاما البينة بعدما أقرّت لأحدهما فإن وقّتا فالوقت الأول أولى، وإن لم يوقتا فالذي زكيت بينته أولى، فإن زكيت بينتهما، فعند بعض المشايخ يقضى للذي أقرت له بالنكاح سابقاً وهو الأقيس، وعند بعض المشايخ لا لواحد منهما، وإليه أشار في «أدب القاضي» للخصاف في باب الشهادة على النكاح.
ذكر القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله في «شرح المبسوط» : إذا تنازع اثنان في امرأة، وكل واحد يقيم البينة أنها امرأته، وإن أرّخا وتاريخهما سواء ولا يد لواحد منهما عليها أو لكل واحد منهما يد عليها ولم يؤرخا، فإنه لا تقبل بينتهما، وكذا إذا أرّخا على السواء ولأحدهما يد عليها يقضى له وتترجح بينته بحكم اليد، وكذا إذا أرّخا على السواء فأقرت لأحدهما يقضى للمقر له لأن الإقرار بمنزلة اليد، وإن أرخا على السواء ولا يد لواحد منهما ولم تقر هي لأحدهما فرّق بينهما وبينها، فإن كان قبل الدخول لا يقضى لها بشيء من المهر على أحدهما. وإن تنازعا بعد موتها فهذا أيضاً على وجوه، ولا يعتبر فيه الإقرار واليد. فإن سبق تاريخ أحدهما قضي له بالميراث، وإن كان

(3/155)


تاريخهما على السواء أو لم يؤرخا يرثان ميراث زوج واحد ويكون بينهما وعلى كل واحد نصف المهر.

وذكر هو في موضع آخر إذا ادعى كل واحد منهما أنه تزوجها أولاً وأقاما البينة، فإن القاضي لا يقبل واحدة من البينتين يترجح على صاحبها بإحدى معان ثلاثة:
إما بإقرارها أو بكونها في بيت أحدهما أو بكونها مدخولة لأحدهما ولم يفصل بينما إذا أقرّت لأحدهما قبل إقامة البينة أو بعدها إلى هذا من حاشيته.

ادعيا نكاح امرأة وهي تجحد وليست في يد أحدهما، فأقام أحدهما البينة على النكاح وأقام الآخر البينة على النكاح وعلى إقرار المرأة له بالنكاح لا تترجح بينة من يدعي إقرارها بالنكاح؛ لأن الآخر ببينته أثبت نكاحها وبه يثبت إقرارها بالنكاح للآخر فاستوت البينتان في إثبات الإقرار معنى، وقيل: تترجح بينة من يدعي إقرارها؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت عياناً، من يدعي إقرارها لأحدهما بعدما أقاما البينة كان المقر له أولى. وما يقول بأن الآخر أثبت إقرار المرأة، قلنا: نعم ولكن في ضمن إثبات النكاح، وهذا أثبتَ إقرارها قصداً، ولا شك أن اعتبار القصدي أولى من اعتبار الضمني.
ادعيا نكاح امرأة وهي ليست في يد أحدهما وأقاما البينة من غير تأريخ، وسئلت المرأة عن ذلك ولم تقر لأحدهما حتى تهاترت البينتان، ثم أقام أحدهما البينة على إقرارها له بالنكاح قضي له بالنكاح كما لو أقرت لأحدهما بالنكاح بعدما أقاما البينة عياناً.
ادعى رجل نكاح امرأة وهي ليست في يد أحد، وأقام بينة على دعواه قضيتُ له بالمرأة، فإن جاء رجل آخر وأقام بينة على مثل ذلك لم أحكم له بها إلا إذا شهد شهود الثاني أنه تزوجها قبل الأول؛ لأن دعوى النكاح بمنزلة دعوى الشراء، ومن ادعى الشراء في عين من رجل وقضي له بها ثم ادعى آخر الشراء في ذلك العين من ذلك الرجل لا يقضى للثاني كذا هنا.
ادعى نكاح امرأة وهي في يد رجل، فأقام المدعي البينة على ذلك وقضى القاضي له بالنكاح ثم أقام صاحب اليد بعد ذلك بينة على النكاح من غير ذكر تاريخ يقضى لصاحب اليد عند بعض المشايخ؛ لأن يده دليل على سبق نكاحه، فصار كما لو أقام بينته على النكاح بتاريخ سابق صريحاً، وبعض مشايخنا قالوا: ينبغي أن لا تسمع بينة صاحب اليد في هذه الصورة. وإليه مال الصدر الشهيد والدي تغمده الله بالرحمة والرضوان، وعلى قول من يقول: تسمع بينة صاحب اليد لو أقام الخارج بعد ذلك بينة على أنه تزوجها قبل صاحب اليد يقضى للخارج، وفي «الحاوي» : إذا شهد الشهود بعد الدعوى والإنكار أنها امرأته وحلاله، ولم يقولوا: إنه تزوجها قبل لا تقبل الشهادة ما لم يشهدوا على العقد.
قال: وفي كتاب الحدود إشارة إلى أنها تقبل، فإن محمداً رحمه الله قال: إذا قال المشهود عليه بالزنا: إني قد تزوجتها أو قال: هي امرأتي درىء الحد سوّى بين الأمرين فدلّ أنهما واحد فتقبل.

(3/156)


ادعى رجل نكاح امرأة وهي في يد آخر وأقرّت المرأة للمدعي ثم أقاما البينة بدون التاريخ. بعض مشايخنا قالوا: يُقضى للخارج بحكم الإقرار، وقال بعضهم: يقضى لصاحب اليد، فلو أنها ما أقرت للخارج حتى أقام الخارج البينة على النكاح وأرّخ شهوده وأقام ذو اليد بينة على النكاح مطلقاً من غير ذكر تاريخ إن أقام ذو اليد بينة على أنها امرأته ومنكوحته كانت بينة الخارج أولى كما في دعوى الملك. وإن أقام بينة على أنه تزوجها كانت بينة ذي اليد أولى، فإن لم يؤرخ فكأن يده دليل سبق نكاحه، هكذا حكي عن بعض مشايخنا وبعض مشايخنا قالوا: يجب أن تكون بينة ذي اليد أولى على كل حال؛ لأن السبب متعين في باب النكاح فيصير مذكوراً لا محالة، ولأجل هذا المعنى قلنا: إن من ادعى على امرأة أنها امرأته بسبب النكاح وشهد الشهود مطلقاً أنها امرأته تقبل الشهادة؛ لأن السبب لما كان متعيناً في باب النكاح صار هو مذكوراً في الشهادة.

ولو أقام الخارج بينة على النكاح وأرّخ شهوده وأقام بينة على إقرار ذي اليد أن نكاح (ذي) اليد كان في وقت كذا، ولكن وقّتا بعد تاريخ بينة الخارج كانت بينة الخارج أولى، فتندفع به بينة ذي اليد إلا إذا وقت ذو اليد فقال تزوجتها قبل تزوج الخارج ثم جددنا العقد بعد ذلك التاريخ، فحينئذ (219ب1) لا تدفع بيّنة ذي اليد بينة الخارج، فكانت بينة الخارج أولى.
رجل ادعى امرأة في يد رجل أنها امرأته، وأقام على ذلك بينة، وأقام الذي في يديه بينة أنها امرأته، قال بعض مشايخنا: إن ادعى كل واحد أنها امرأته مطلقاً ولم يذكر أنه تزوجها لا يقضى لذي اليد بل يقضى للخارج إن ذكر كل واحد منهما أنه تزوجها والشهود شهدوا كذلك يقضى لصاحب اليد، وهذا القائل قاس هذا على دعوى الملك، فإن الخارج مع ذي اليد إذا ادعيا مُلك عين ملكاً مطلقاً وأقاما البينة على ذلك يقضى للخارج.

ولو ادعيا الشراء من رجل واحد وأقاما البينة يقضى لصاحب اليد، ومنهم من قال يقضى لصاحب اليد على كل حال؛ لأن السبب متعين في دعوى المرأة وهو التزوج، فصار ذلك مذكوراً في الدعوى، ولا كذلك ملك العين.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله. سئل ابن سلمة عن امرأة ادعت على رجلٍ أنه تزوجها فأنكر، قال: قال أبو يوسف رحمه الله: يحلف بالله ما هي بزوجة له وإن هي زوجة له فهي طالق بائن، أما الاستحلاف على النكاح فهو مذهبهما وهو المختار، اختاره الفقيه أبو الليث رحمه الله رفقاً بالناس، وأما ضمّ الحلف بالطلاق إلى الحلف على النكاح، فلأنه يجوز أن يكون كاذباً في الحلف على النكاح، وبجحوده لا يقع الطلاق فتبقى معلقة، فيضم إليه الحلف بالطلاق حتى لا تبقى معلقه لو كان كاذباً في الحلف على النكاح.
وفي «الجامع الأصغر» قال: حَلَفَ متى حلف ولا بينة لها فالقاضي يقول: فرقت بينكما وما لم يقل ذلك لا تقع الفرقة.
ولو ادعى رجل على امرأة نكاحاً والمرأة في نكاح الغير ولا بينة للمدعي يستحلف

(3/157)


الزوج والمرأة، فيبدأ بيمين الزوج فيحلف بالله ما يعلم أنها امرأة هذا المدعي. وإن حلف انقطع دعوى المدعي، وإن نكل تحلف المرأة على الثبات بالله ليست امرأة لهذا المدعي فإن نكلت قُضي عليها بالنكاح.
وفي دعوى «الفتاوى» عن محمد رحمه الله فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدتين ثم قال: لا أدري السابق منهما إذا ادعيا السبق يحلف بكل واحدة منهما أنه تزوجها قبل صاحبتها، بأيهما شاء بدأ وإن شاء أقرع، فإن حلف لإحداهما ثبت نكاح الأخرى وإن نكل لزمه وبطل نكاح الأخرى.
وسئل نصر عن رجلين ادعيا نكاح امرأة فأقرت هي لأحدهما، قال: ليس للآخر أن يحلفها ما لم يحلف الذي أقرت هي له به، فإن حلف برىء، وإن نكل عن اليمين يفرق بينهما ثم حلف المرأة، فإن حلفت برئت وإن نكلت عن اليمين صارت زوجة له.

بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله: إذا تزوج العبد حرة ثم ادعى أن المولى لم يأذن له في النكاح، وقالت المرأة قد أذن له فإني أفرق بينهما لإقراره بفساد النكاح، قال: ولا أصدقه في إبطال المهر وألزمه الساعة إن كان دخل بها ولها النفقة ما دامت في العدة وإن لم يدخل بها جعلت لها نصف المهر. وكذلك لو قال: لا أدري أذن لي أم لم يأذن.
قال: محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل تزوج امرأة ثم أقرّ بعدما تزوجها أن فلاناً كان تزوجها قبلي إلا أنه طلقها وانقضت عدتها ثم تزوجتها بعد ذلك، وقالت المرأة: إن فلاناً تزوجني قبلك وهو زوجي في الحال ولا نكاح بيني وبينك وفلان المقر له غائب، فالقاضي لا يفرق بين المرأة وبين الزوج الثاني في الحال، فإن حضر الغائب وأقرّ بالنكاح وأنكر الطلاق قضي بالمرأة للذي حضر؛ لأن نكاح الذي حضر ثبت بتصادق الكل ولم يثبت طلاقه لما أنكر الطلاق، فظهر أن الثاني تزوجها وهي منكوحة الأول، فلم يصح نكاح الثاني فيفرق بين الثاني وبين المرأة ويقضى بالمرأة للأول.

ثم ننظر إن كان الثاني لم يدخل بها كان للأول أن يقربها للحال؛ لأنها امرأته ولم تجب عليها العدة عن الغير، وإن كان الثاني قد دخل بها فليس للأول أن يدخل بها للحال؛ لأنه وجب عليها العدة من الثاني؛ لأنه وطئها بشبهة النكاح ولا يجوز وطء معتدة الغير كما لا يجوز وطء منكوحة الغير. ونكاح الأول على حاله وإن صارت معتدة عن الثاني؛ لأن العدة تمنع ابتداء النكاح أما لا تمنع بقاءه وإن أقرّ الذي حضر بالطلاق وانقضاء العدة كما قاله الزوج الثاني، وأنكرت المرأة الطلاق وانقضاء العدة فإن الطلاق يقع عليها من الأول حين أقر بالطلاق، وتجب عليها العدة منذ يوم أقر للأول بطلاقها، ويفرق بينها وبين الزوج الثاني؛ لأن الذي حضر أقرّ بالطلاق وأسند الطلاق إلى وقتٍ ما مضى، فيصدّق في حق الطلاق ولا يصدق في الإسناد عند تكذيب المرأة إياه في الإسناد لما في الإسناد من إبطال حقها في النفقة والسكنى ويقع الطلاق في الحال وتجب العدة في الحال.

(3/158)


فإن قيل: وجد من المرأة التصديق في هذا الإسناد لما أقدمت على تزويجها من الزوج الثاني. قلنا: هذا التصديق لم يقع معتبراً؛ لأنه وجد في غير أوانه؛ لأنه وجد قبل إقرار الأول بالطلاق؛ لأن التصديق منها يقتضي إقدامها على النكاح الثاني، وذلك قبل إقرار الأول بالطلاق، وما وجد في غير أوانه فوجوده وعدمه سواء، ثم إذا لم يعتبر الإسناد في هذه المسألة ووقع الطلاق للحال ظهر أن الثاني تزوجها وهي امرأة الأول، فيفرق بينهما وإن صدقت المرأة الزوج الذي حضر في الطلاق، وانقضاء العدة لم يفرق بينها وبين الثاني؛ لأنا إنما لا نصدق الذي حضر في الإسناد، لحق المرأة فإذا وجد التصديق منها ثبت الإسناد وظهر أن الزوج الثاني تزوجها بعدما طلقها وانقضت عدتها.

فإن قيل: ينبغي أن لا يصدقا لحق الله تعالى؛ لأن في العدة حق الله. قلنا: نعم إلا أن المعتدة في حقوق الله تعالى أمنية والأمين إذا أخبر عما اوئتمن فيه وهو محتمل الصدق فإنه يصدق.
وحكي عن الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله أنه كان يفتي في الزوجين يتصادقان على الطلاق وانقضاء العدة أنهما لا يصدقان على إبطال العدة، وعليها أن تعتد من وقت الإقرار وإن كان جواب هذا الكتاب والإقرار أنهما يصدقان، وكان يحتاط بهذا الجواب دفعاً للحيل الباطلة ورداً للعادة القبيحة. وإن أنكرت المرأة نكاح الغائب أصلاً والمسألة (220أ1) بحالها فهي امرأة الثاني.
ولو أن هذا الزوج قال: كان لها زوج قبلي ولم يسمه بل أبهمه إبهاماً طلقها وانقضت عدتها ثم تزوجها وقالت المرأة: نعم كان لي زوج قبلك إلا أنه لم يطلقني، فالقاضي لا يفرق بينها وبين الزوج الثاني، فإن جاء رجل وادعى نكاحها وأقرت المرأة به وقالا: يعني المرأة والذي حضر: هذا هو الذي أقرّ به الزوج الثاني، وأنكر الثاني ذلك فالقول قول الزوج الثاني، لأنه أقر بمجهول والإقرار للمجهول لا يصح، فإذا جاء رجل وادعى كان هذا بمنزلة ابتداء الدعوى من غير تقدم الإقرار، فيكون القول في إنكار نكاحه قول الزوج الثاني.
قال: ولا يمين على الزوج الثاني في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قياس قولهما يستحلف، فإن حلف فهي امرأة الثاني، وإن نكل فرق بين المرأة والزوج الثاني وقضى بها للذي حضر. وبعض مشايخنا قالوا: يجب أن يستحلف الزوج الثاني ههنا بلا خلاف؛ لأن الدعوى ههنا في التفرقة. ألا ترى لو نكل الزوج الثاني يفرق بينه وبين المرأة، والاستحلاف يجري في دعوى الفرقة بلا خلاف فإن المرأة إذا ادعت الطلاق على الزوج وأنكر الزوج الطلاق يستحلف بلا خلاف.

فإن قيل: وجد من المرأة التصديق في هذا الإسناد لما أقدمت على تزويجها من الزوج الثاني. قلنا: هذا التصديق لم يقع معتبراً؛ لأنه وجد في غير أوانه؛ لأنه وجد قبل إقرار الأول بالطلاق؛ لأن التصديق منها يقتضي إقدامها على النكاح الثاني، وذلك قبل إقرار الأول بالطلاق، وما وجد في غير أوانه فوجوده وعدمه سواء، ثم إذا لم يعتبر الإسناد في هذه المسألة ووقع الطلاق للحال ظهر أن الثاني تزوجها وهي امرأة الأول، فيفرق بينهما وإن صدقت المرأة الزوج الذي حضر في الطلاق، وانقضاء العدة لم يفرق بينها وبين الثاني؛ لأنا إنما لا نصدق الذي حضر في الإسناد، لحق المرأة فإذا وجد التصديق منها ثبت الإسناد وظهر أن الزوج الثاني تزوجها بعدما طلقها وانقضت عدتها.
فإن قيل: ينبغي أن لا يصدقا لحق الله تعالى؛ لأن في العدة حق الله. قلنا: نعم إلا أن المعتدة في حقوق الله تعالى أمنية والأمين إذا أخبر عما اوئتمن فيه وهو محتمل الصدق فإنه يصدق.
وحكي عن الشيخ الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني رحمه الله أنه كان يفتي في الزوجين يتصادقان على الطلاق وانقضاء العدة أنهما لا يصدقان على إبطال العدة، وعليها أن تعتد من وقت الإقرار وإن كان جواب هذا الكتاب والإقرار أنهما يصدقان، وكان يحتاط بهذا الجواب دفعاً للحيل الباطلة ورداً للعادة القبيحة. وإن أنكرت المرأة نكاح الغائب أصلاً والمسألة (220أ1) بحالها فهي امرأة الثاني.

ولو أن هذا الزوج قال: كان لها زوج قبلي ولم يسمه بل أبهمه إبهاماً طلقها وانقضت عدتها ثم تزوجها وقالت المرأة: نعم كان لي زوج قبلك إلا أنه لم يطلقني، فالقاضي لا يفرق بينها وبين الزوج الثاني، فإن جاء رجل وادعى نكاحها وأقرت المرأة به وقالا: يعني المرأة والذي حضر: هذا هو الذي أقرّ به الزوج الثاني، وأنكر الثاني ذلك فالقول قول الزوج الثاني، لأنه أقر بمجهول والإقرار للمجهول لا يصح، فإذا جاء رجل وادعى كان هذا بمنزلة ابتداء الدعوى من غير تقدم الإقرار، فيكون القول في إنكار نكاحه قول الزوج الثاني.
قال: ولا يمين على الزوج الثاني في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، وفي قياس قولهما يستحلف، فإن حلف فهي امرأة الثاني، وإن نكل فرق بين المرأة والزوج الثاني وقضى بها للذي حضر. وبعض مشايخنا قالوا: يجب أن يستحلف الزوج الثاني ههنا بلا خلاف؛ لأن الدعوى ههنا في التفرقة. ألا ترى لو نكل الزوج الثاني يفرق بينه وبين المرأة، والاستحلاف يجري في دعوى الفرقة بلا خلاف فإن المرأة إذا ادعت الطلاق على الزوج وأنكر الزوج الطلاق يستحلف بلا خلاف.
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: هذا هو الصحيح أن الزوج الثاني يحلف بالإجماع؛ لأنه استحلاف على الفرقة، وأبو حنيفة رحمه الله يرى ذلك ومحمد رحمه الله في «الكتاب» يقول في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يقل في قول أبي حنيفة رحمه الله فيكون هذا تخريجاً على قول أبي حنيفة رحمه الله، ويجوز أن محمداً أخطأ في هذا التخريج فلا يسلم هذا التخريج على قول أبي حنيفة رحمه الله.

(3/159)


وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الأول أصح؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله إنما يرى التحليف على الفرقة إذا وقع الدعوى في الفرقة مقصوداً كما في المسألة التي ذكرها، والدعوى ههنا ما وقع في الفرقة مقصوداً إنما وقع في النكاح؛ لأن الذي حَضَرَ لا يدعي الفرقة على الثاني إنما يدعي نكاح نضعه إلا أنه متى نكل الثاني وثبت نكاح الذي حضر يجب التفريق بين المرأة وبين الزوج الثاني حكماً لثبوت نكاح الذي حضر لا أصلاً ومقصوداً.
والأصل في هذا الباب دعوى النكاح، ودعوى الفرقة تبع، والتبع ليس له حكم نفسه إنما له حكم الأصل فإذا لم يجزىء الاستحلاف فيما هو الأصل وهو النكاح لا يجزىء فيما هو التبع له وهو الفرقة، ولو أن المدعي في ابتداء الدعوى أقام البينة على طلاق الغائب، فالقاضي يقبل بينته ويقضي بالمرأة للمدعي ويتعدى القضاء إلى الغائب حتى لو حضر (و) أنكر الطلاق لا يحتاج إلى إعادة البينة.

ولو شهد شاهدان أنه مات وهي امرأته ووارثته وقضى القاضي لها بالميراث، ثم شهد آخر أن الميت كان طلقها ثلاثاً في صحته هل تقبل بينة الطلاق؟ أشار في «السير الكبير» أنها تقبل. والمذكور في «السير» : رجل مات فجاءت امرأة وادعت أنها امرأة الميت ووارثته فأنكر ولد الميت نكاحها فأقامت بينة أنه مات وهي امرأته ووارثته ولا وارث له من النساء غيرها وقضى القاضي لها بالميراث واستهلكته. ثم أقام الولد بينة أن الميت قد كان طلقها ثلاثاً في صحته، فإن الضمان فيه على المرأة، فلا يجب على الشاهدين ولولا أن بينة الطلاق مقبولة وإلا لما وجب الضمان على المرأة. وهذه المسألة قبلت بينة الطلاق تؤيد قول القاضي الإمام في المسألة المتقدمة لأن في هذه المسألة قبلت بينة الطلاق مع أن شهود النكاح شهدوا بالنكاح يوم الموت، فلأن تكون بينة الطلاق أولى في تلك المسألة، وشهود النكاح لم يشهدوا بالنكاح يوم الموت كان أولى في تلك المسألة، ثم إنما قبلت بينة الطلاق في مسألة «السير» لأن قول شهود النكاح: مات وهي امرأته غير محتاج إليها للقضاء بالميراث، فإنهم لو قالوا: كانت امرأته فالقاضي يقضي لها بالميراث، وما لا يحتاج إليه في الشهادة وجوده وعدمه بمنزلة، ولو لم يقولوا: وهي امرأته كان تقبل بينة الطلاق دون بينة النكاح كذا ههنا.
وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله سئل عن (رجل) مات فشهد شاهدان أن هذه المرأة كانت امرأته، وشهد آخران أنه كان طلقها قبل الموت قال: بينة النكاح أولى لأنه..... كأنه طلقها ثم تزوجها، وقال القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله بينة الطلاق أولى؛ لأنها ثبتت زيادة أمر وهو الطلاق بعد النكاح، وفي «مجموع النوازل» : إذا شهد أحد الشاهدين أنها زوجت نفسها منه، وشهد الآخر أن وليها زوجها برضاها لا تفيد لاختلافها لفظاً ومعنى.

(3/160)


ولو ادعى هذا المدعي بعد هذه الدعوى أنها زوجت نفسها منه ثم شهد بذلك شاهدان تقبل ولا يتحقق التناقض؛ لأنه يمكنه أن يقول: تزوجها مدة بتزويج الولي إياها منّي وتزوجتها مرة أخرى بتزويجها نفسها منّي.
وفيه أيضاً: إذا أقامت المرأة بينة على الطلقات الثلاث، وأقام الزوج بينة في دفع دعواها عليها أنها أقرّت أنها اعتدت بعد طلقاته الثلاث، فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم طلقها وانقضت عدتها، ثم تزوجته وهي حلال له هل يصح دعواه عليها على هذا الوجه؟ قال: لا لأن أكثر ما فيه أنه ثبت بهذه البينة أنها مبطلة في دعواها إلا أن دعواها ليس بشرط لسماع البينة القائمة على الحرمة وصحتها. قال: هو نظير ما لو أقامت البينة أنه طلقها ثلاثاً وادعى في دفع دعواها أنها أقرت أنها استأجرت هؤلاء الشهود ليشهدوا لها بذلك زوراً، لا يبطل ما أقامت من البينة على الطلقات الثلاث لأنه وإن ثبت ببينة الزوج بطلان دعواها وإقرارها بكذب الشهود إلا أن دعواها ليس بشرط لسماع البينة على الحرمة.
ادعى على امرأة نكاحاً، فشهد الشهود بهذا اللفظ باهر دور أذن وشوى داتست أيم، فالقاضي لا يقضي بشهادتهم؛ لأن هذا بمنزلة ما لو قالوا: نشهد فيما نعلم، وذلك غير مقبول عند أبي حنيفة رحمه الله. وكذلك لو شهدوا فقالوا: إنسان جنان ناشيده ايدكي رنان وشوبان باشند لا تقبل شهادتهم.
إذا ادعى على امرأة نكاحاً وأقام على ذلك بينة ثم إن المرأة ادعت عليه على وجه الدفع أنك أقررت في حال جواز إقرارك طائعاً أنك خالعتني ووقعت الفرقة بيننا (220ب1) بالخلع ولم يبق بيننا نكاح وأقامت على ذلك بينة، فهذا دفع صحيح ويجعل كأن المدعي تزوجها ثم خالعها، فهذا من باب العمل بالبينتين وسواء كان هذا الدفع قبل القضاء بالنكاح أو بعده؛ لأن إقامة البينة على الخلع يقرر النكاح السابق.

رجل ادعى النكاح على امرأة وهي تنكر وحلفت على دعواه لا يحل للرجل أن يتزوج بأختها وأربع سواها، لأن في زعم الرجل أن النكاح ثابت وأن المرأة كاذبة في إنكارها، وزعمه معتبر في حقّه، وكذلك لو ادعت امرأة النكاح على رجل وحلف الرجل لا يحل لها أن تتزوج بزوج آخر؛ لأن في زعم المرأة أن الرجل كاذب وأني منكوحته.
رجل ادعى على امرأة النكاح والمرأة تجحد نكاحه وتقر بالنكاح لرجل آخر فأقام المدعي بينة على دعواه فلم تظهر عدالة الشهود، فالقاضي يسلّم المرأة إلى المقر له، وهذا إذا قال المدعي: لا بينة لي سوى هذه البينة. وأما إذا قال: لي بينة أخرى فالقاضي لا يسلمها إلى المقر له بل يحول بينها وبين المقر له إلى أن يظهر عجز المدعي عن إقامة البينة.
امرأة ادعت على رجل النكاح والرجل يجحد فأقامت المرأة شاهدين شهد أحدهما أن هذا الرجل أقرّ أن هذه المرأة امرأتي وشهد الآخر أنه أقرّ أنها كانت امرأتي تقبل هذه الشهادة. وكذلك إذا شهد أحدهما أنها كانت امرأته وشهد الآخر أنها امرأته وشهد

(3/161)


أحدهما بالفارسية ابن زن وى است وشهد الآخر اين زن وى تودست تقبل لأن الذي شهد أنها كانت امرأته شاهد أنها امرأته للحال، ألا ترى أن في دعوى ملك الأعيان، لو شهد أحد الشاهدين أن هذه العين كان ملك هذا المدعي وشهد الآخر أنه ملكه تقبل شهادتهما، ولو كان الزوج يدعي أنها كانت امرأته وشهد الشهود أنها امرأته ينبغي أن لا تقبل هذه الشهادة كما في دعوى ملك العين، فإن من ادعى عيناً في يد إنسان أنه ملكه وشهد الشهود أنها ملكه أو ادعى أنه كان له وشهد الشهود أنه له لا تقبل هذه الشهادة عند أكثر المشايخ وهو الأصح.
رجل ادعى النكاح على امرأة وهي تجحد وتقول: إن لي زوجاً في بلد كذا وسمت ذلك الزوج أو لم تسمِّ، فأقام الرجل بينة على دعواه، فالقاضي يقضي بالنكاح عليها، ولا يكون إقرارها بالنكاح لغير هذا المدعي مانعاً من القضاء ببينة المدعي.
تزوج امرأة بشهادة شاهدين ثم أنكرت المرأة النكاح وتزوجت بآخر وقد مات شهود الأول ليس للزوج الأول أن يخاصم المرأة، لأن المخاصمة للتحليف والمقصود من التحليف النكول الذي هو إقرار، ولو أقرت صريحاً بنكاح الأول بعدما تزوجت بالثاني لا يصح إقرارها ولكن الزوج الأول يخاصم الزوج الثاني ويحلفه، فإن نكل حتى صار مقرّاً ببطلان نكاحه الآن يخاصم المرأة ويحلفها، وقد ذكرنا تمام المسألة قبل هذا.
في «واقعات الناطفي» : لو أقام رجل بينة على امرأة، أن أباها زوجها منه قبل بلوغها وأقامت المرأة بينة أنه زوجها منه بعد البلوغ بغير رضاها، فبينتها أولى لأن البلوغ معنى خاف يثبت ببينتها فكانت بينتها أكثر إثباتاً ثم يثبت فساد النكاح ضرورة.
وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله: تزوج الرجل امرأة ودخل بها ثم ادعت بعد الدخول أنها قد ردت النكاح حين زوجها الأب وأقام على ذلك بينة تقبل بينته. قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : الصحيح أن لا تقبل بينته لأن التمكين قائم مقام الإقرار. ولو ادعت الرد بعد الإقرار لا تسمع دعواها الرد ولا تقبل بينتها على ذلك كذا ههنا.
وفي هذا الموضع أيضاً إذا زوج الرجل وليّته فردت النكاح، فادعى الزوج أنها صغيرة وادعت هي أنها بالغة، فالقول قولها إذا كانت مراهقة لأنها إذا كانت مراهقة، فقد أخبرت عما هو محتمل للثبوت فيقبل قولها لأنها تنكر معنىً. وإن كانت مدعية صغيرة؛ لأنها تنكر وقوع الملك عليها.

والشهادة على النكاح بالشهرة والتسامع جائز. وفي «المنتقى» : الشهادة على المهر بالتسامع يجوز. وفي «الإملاء» عن محمد رحمه الله أن الشهادة على المهر بالتسامع لا تجوز. وأما الشهادة على الدخول بالشهرة والتسامع فقيل: لا يجوز، وإذا أرادت المرأة إثبات تأكد المهر ينبغي أن تثبت الخلوة الصحيحة بالبينة، وقد قيل: يجوز الشهادة بالشهرة والتسامع، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وهكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» .

(3/162)


ادعى النكاح على امرأة فشهد الشهود بهذا اللفظ كواهي ميد هم كه جوف بدروي يزني دأدر وإذا شت نكاح بدربا، قال بعض مشايخنا: لا تقبل الشهادة لأنهم شهدوا على الرضا بالنكاح، وهذا سهو ينبغي أن تقبل الشهادة لأنهم شهدوا على النكاح وعلى رضاها بالنكاح وحيث قالوا: جون بدررا بزني دأد رواداشت نكاح بدررا ادعى النكاح بمحضر من الشهود لا بد وأن يذكر سماع الشهود كلام المتعاقدين؛ لأن بين العلماء اختلافاً في أن سماع الشهود كلام المتعاقدين هل هو شرط، والأصح أنه شرط فلا بد من ذكره لتصحّ الدعوى.
شهدا أنه زوج ابنته فلانة من فلان إلا أنهما قالا: نحن لانعرفها بوجهها، فإن لم يكن له إلا ابنة واحدة، أو كانت له ابنتان أو ثلاثة إلا أنه ليس له بهذا الاسم إلا واحدة فالشهادة جائزة، وإن كانت له ابنتان كبرى وصغرى فشهد شاهدان أنه تزوج ابنته الكبرى من هذا وقالا: نحن لا نعرف الكبرى بوجهها فالشهادة جائزة. ويقضي القاضي بالنكاح، وإذا أحضر المدعي بعد ذلك امرأة ويدعي أنها هي الكبرى، فالقاضي يأمره بإقامة البينة على أنها هي الكبرى.
وفي إقرار «المنتقى» : امرأة ادعت على رجل أنه تزوجها، وقال الرجل: ما فعلت ثم قال: بلى فعلت فهو جائز، وكذلك ادعى الرجل النكاح وجحدت المرأة ثم أقرت، ولو كانت المرأة بدأت بالدعوى فقالت: زوجني إياك أبي، فقال قد فعلت إلا أني قد رددت النكاح ثم قال بعد ذلك قد كنت أجزته فلا نكاح بينهما إلا أن تعود المرأة إلى تصديقه فيجوز حينئذ، قال: وليس إنكاره النكاح كادعائه الفسخ، ألا ترى أنه لو أقامت بيّنة على رجل أن أباها زوجها إيّاه وقد رضي بالنكاح، فقال الرجل: زوجني إياها إلا أني قد فسخت النكاح ولم أقبل، فإني أفرّق بينهما وألزمه نصف المهر. ولو بدأ (221أ1) الزوج فقال قد زوجني إياك أبوك، فقالت قد فعل إلا أني قد رددت أو قالت لم يفعل ثم قالت قد فعل ورضيت لزمها في الوجهين. وفي كتاب الدعوى من «المنتقى» ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله في رجل مع امرأة لها منه أولاد وهي معه في منزله يطؤها وتلد له سنيناً ثم أنكرت أن تكون امرأته، قال: إذا أقرت أن هذا الولد ولده منها فهي امرأته، وإن لم يكن بينهما ولد وإنما كانت معه على هذا الحال فالقول قولها.
وفيه أيضاً: ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها ثم أنكرت ثم مات الرجل، فجاءت تدعي ميراثه فلها الميراث، وكذلك لو كانت المرأة ادعت النكاح وأنكر الزوج ثم ماتت المرأة فجاء الرجل لطلب ميراثها وزعم أنه تزوجها فله الميراث.
وفي إقرار «الأصل» : إذا أقرّ رجل أنه تزوج فلانة بألف وصدقته المرأة بعدما مات عمل تصديقها حتى كان لها المهر والميراث. ولو أقرّت المرأة أنها تزوجت فلاناً بألف درهم فصدقها الزوج بعد موتها عمل تصديقه عندهما حتى يرث منها. وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يعمل تصديقه حتى لا يرث منها.

ادعى أنها امرأته وشهد الشهود أنه تزوجها في شهر كذا تقبل، وعلى العكس لا

(3/163)


تقبل. شهد أحد الشاهدين أنه تزوجها وشهد الآخر أنها وهبت نفسها منه تقبل الشهادة؛ لأن لفظ الهبة صارت كناية عن التزويج مجازاً، ولو شهد أحدهما أنه نكحها وشهد الآخر أنه تزوجها تقبل الشهادة، وقيل: لا تقبل شهادتهما؛ لأن النكاح يستعمل في الوطء، وهذا القائل يقول: لو شهدا أنه نكحها لا تقبل شهادتها، وعلى القول الأول: تقبل شهادتها وهو الصحيح.
ولو شهد أحدهما أنه نكحها وشهد الآخر بالفارسية ورا بزني خواشت لا تقبل هذه الشهادة، هكذا قيل، وقيل تقبل، وهكذا ذكر «البقالي» ، في «فتاويه» ، وإذا اختلفا في الزمان فقد ذكرنا هذا الفصل في أول الكتاب في فصل الشهادة. وإذا اختلفا في المكان لا تقبل الشهادة، وكذا إذا اختلفا في الإنشاء والإقرار لا تقبل الشهادة.
وإذا ادعى النكاح وشهد الشهود على إقرارها تقبل الشهادة. وإذا ادعى أنه تزوجها على ألف وخمس مائة، وشهد أحد الشاهدين بذلك، وشهد الآخر بألف قضى بالنكاح بألف لأن المقصود والمتبقي من جانب الزوج ملك البضع وقد اتفقا عليه، ولو كان الدعوى من جانب المرأة، فكذا الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يقضى بالنكاح، وعن أبي يوسف رحمه الله في «الإملاء» مثل قول أبي حنيفة رحمه الله.
ولو شهد أحدهما أنه تزوجها على هذا العبد وقيمته ألف، وشهد الآخر أنه تزوجها على ألف، فإن كان الدعوى من جانب الزوج قضى بالنكاح، وإن كان من جانب المرأة يجب أن تكون على الخلاف أقام رجل (امرأة) على امرأة أنها منكوحته وقضى القاضي ببينته وجاء آخر وأقام البينة على تلك المرأة بالنكاح، فالقاضي لا يلتفت إلى دعوى الثاني وبينته كما في دعوى الشراء إذا (أقام) المدعي بينة على الشراء من رجل بعينه. وقضى القاضي له ببينته ثم جاء آخر وادعى شراء تلك العين من ذلك الرجل بعينه فالقاضي لا يلتفت إلى الثاني وبينته كذا ههنا.

نوع منه في اختلافهما في متاع البيت
إذا اختلف الزوجان في متاع البيت حال قيام النكاح أو بعد الفرقة بالطلاق وما أشبهه، قال أبو حنيفة رحمه الله: ما يصلح للرجل، فهو للرجل وذلك نحو السيف والقوس وأشباه ذلك إلا أن تقيم المرأة البينة، وما يصلح للنساء فهو للمرأة وذلك نحو الدرع والخمار والمغزل وأشباه ذلك إلا أن يقيم هو البينة، وإن أقاما فبينتها أولى. وما يصلح لهما نحو الدار والخادم والغنم السائمة فهو للرجل إلا أن يقيم الزوج البينة، وإن أقاما البينة في ذلك فالبينة بينة الزوج. وقال أبو يوسف رحمه الله: للمرأة جهاز مثلها والباقي للرجل، وهذا الذي ذكرنا إذا اختلفا بعد الفرقة في متاع كان في أيديهما حال قيام النكاح أما لو اختلفا بعد وقوع الفرقة في متاع أحدهما بعد الفرقة فهو بينهما؛ أي شيء كان.

وإذا مات أحدهما ثم وقع الاختلاف بين الباقي وورثة الميت، فعلى قول أبي

(3/164)


يوسف رحمه الله تعطى المرأة جهاز مثلها إن كانت حيّة ولورثتها إن كانت ميتة، والباقي للزوج إن كان حيّاً ولورثته إن كان ميتاً، وعلى قول أبي حنيفة ومحمد: ما يصلح للرجال فهو للرجل إن كان حيّاً ولورثته إن كان ميتاً، وما يصلح للنساء، فعلى هذا. وما يصلح لهما فعلى قول محمد رحمه الله هو للرجل إن كان حيّاً ولورثته إن كان ميتاً. قال أبو حنيفة رحمه الله: المشكل للباقي منهما، وما كان من متاع التجارة والرجل معروف بتلك التجارة فهو للرجل، وإن كان أحدهما حرّاً والآخر مملوكاً؛ فإن كان المملوك محجوراً فالمتاع للحر منهما أيهما كان. وإن كان أحدهما مأذوناً أو مكاتباً عند أبي حنيفة رحمه الله هذا وما لو كان أحدهما محجوراً سواء. وعندهما هذا وما لو كانا حُرَّين سواء. وإن كانت له نسوة ووقع الاختلاف بينه وبينهن في المتاع؛ فإن كن في بيت واحد، فمتاع النسوة بينهن على السواء، وإن كانت كل واحدة في بيت على حدة فما كان في بيت (على) امرأة فهو بينها وبين زوجها على ما وصفنا لا تشارك بعضهن بعضاً.
وإن أقرت المرأة بمتاع أن الرجل اشتراه فهو للرجل اعتباراً للثابت بإقرارها بالثابت عياناً. وإذا كان المنزل ملكاً للزوج، فالقول في المتاع على ما وصفنا. وإن كان أحد الزوجين غير مدرك إلا أنه يجامع مثله فالقول في المتاع على ما وصفنا، وإن كانا مملوكين أو مكاتبين، فالقول في المتاع على ما وصفنا؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر.

وفي «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمه الله في رجل له بنون زوجهم إلا أنه لم يبوئهم بيوتاً بل مع أبيهم في داره وفي عياله، قال البنون: المتاع متاعنا فإن المتاع للأب إلا الثياب اللاتي عليهم. وإذا كان الأبوان في عيال ابن كبير في منزله فالمتاع متاع الابن؛ لأنه رب الدار وصاحب النفقة. وقال أبو يوسف رحمه الله ما كان على الأمة مما يلبس النساء من الثياب والحلي فهو لها، وكذلك ما كان على العبد من لباس (221ب1) يلبسه الرجال قال: ولا أحفظ في هذا عن أبي حنيفة رحمه الله، ولكني أحفظ عنه في رجل أجر عبده من رجل ليعمل عنده فما كان في يد العبد فهو لأستاذه، وما كان العبد لابسه فهو للعبد، فهذا على ذلك.
أبو سليمان عن أبي يوسف رحمه الله: إذا اختلف الزوجان في دار في أيديهما فهي للزوج في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، فإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة، وإن اختلف في متاع من متاع النساء وأقاما البينة قضى به للزوج.
t
نوع منه فى اختلافهما في المتاع وفي النكاح
قال هشام: سألت محمداً رحمه الله عن رجل وامرأة في دار ادعت المرأة أن الدار دارها وأن الرجل عبدها وأقامت على ذلك بيّنة، وادعى الرجل أن الدار داره وأن المرأة امرأته قال: أقبل بينة المرأة على الدار لأني أجعل الدار في يد الرجل، فالدار دارها وأجعل البينة بينة الزوج في التزويج وأجعلها امرأته وتزويجها نفسها منه إقرار منها بأنه ليس بمملوك لها.

(3/165)


وروى بشر عن أبي يوسف رحمه الله: رجل وامرأة في أيديهما دار أقامت المرأة بينة أن الدار لها والرجل عبدها، وأقام الرجل بينة أن الدار له وأن المرأة زوجته تزوجها على ألف درهم ودفعها إليها ولم يقم بينة أنه حرّ، فإنه يقضي بالدار للمرأة ويقضي بالرجل عبداً لها، ولو أقام بينة أنه حرّ الأصل، والمسألة بحالها كانت المرأة امرأته ويقضي بأنه حر ويقضي بالدار للمرأة من قبل أن الدار والمرأة في يدي الرجل حيث جعلها امرأته، فالمرأة هي المدعية للدار كزوجين في أيديهما دار أقام كل واحد منهما بينة أن الدار داره وهناك يقضي بالدار للمرأة، قال: وهكذا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، قال: ولو لم يكن بينهما بيّنة كانت الدار للزوج.
نوع منه فى اختلافهما في صحة العقد وفساده
امرأة قالت لزوجها تزوجتني بغير شهود وقال الزوج: لا بل تزوجتك بشهود، فالقول قول الزوج. ولو قالت المرأة: تزوجتني وأنا صبية، وقال الزوج: تزوجتك وأنت بالغة فالقول قولها.
الأصل في جنس هذه المسائل ما مر قبل هذا في فصل الشهادة في النكاح أن الزوجين إذا اختلفا في صحة العقد وفساده، فالقول قول من يدعي الصحة لشهادة الظاهر له فبعد ذلك إن كان المدعي للصحة المرأة يفرّق بينهما، يجعل كأن الزوج أمر بثبوت حرمة حالية كأنه قال لها: أنت عليّ حرام للحال، فيفرق بينهما ولها عليه نصف المهر إن لم يدخل بها، وجميع المهر إن دخل بها وعليها العدة. وإذا اختلفا في وجود أصل النكاح فالقول (قول) من ينكر الوجود.

إذا ثبت هذا فنقول: في الفصل الأول: اختلفا في صحة العقد وفساده لا في وجود أصله: لأن الشهادة شرط صحة العقد لا شرط وجوده. وفي الفصل الثاني: اختلفا في وجود أصل العقد لأن النكاح في حالة الصغر قبل إجازة الولي ليس بنكاح معنى لأن النكاح متردد بين الضرر والنفع، وعبارة الصبي في مثل هذا التصرف ملحق بالعدم، فكانت منكرة وجود العقد، فكان القول قولها. وإذا جعلنا القول قول الزوج في المسألة الأولى وقضى القاضي بالنكاح بينهما ذكر أن في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف الأول وسعها أن تدعه يجامعها، وإن مات الزوج حل لها أخذ الميراث، وإن كانت صادقة فيما قالت لا يسعها المقام معه ولا يسعها أن تدعه يجامعها ولا يأخذ ميراثها إلا أن يرجع عن هذا القول قبل موت الزوج، وهذه المسألة فرع مسألة قضاء القاضي بشهادة الزور.
وكذلك إذا قالت المرأة لزوجها: تزوجتني وأنا معتدة فلان، وقال الزوج: تزوجتك بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوج ويقضى بالنكاح بينهما لأن الاختلاف وقع في صحة العقد، فالزوج يدعي صحته، فيكون القول قوله. وهل يسعها المقام معه وأن تدعه يجامعها؟ إن علمت وقت القضاء أنها كانت منقضية العدة يسعها ذلك في (قول) أبي حنيفة

(3/166)


وأبي يوسف رحمهما الله الأول؛ لأن بالقضاء ثبت لهما نكاح مبتدأ، وهي في هذا الوقت كانت خالية عن العدة محلاً للنكاح، وإن علمت أن وقت القضاء كانت في العدة لا يسعها ذلك بالاتفاق؛ لأن بالقضاء إنما يثبت النكاح في محلّه، ومعتدة الغير ليست بمحل أصلاً.

وفصل أخذ الميراث على هذا إن علمت أن وقت القضاء كانت منقضية العدة حل لها أخذ الميراث، وإن علمت أن وقت القضاء كانت في العدة لم يحلّ لها أخذ الميراث؛ فإن عادت المرأة إلى تصديق الزوج إن كان ذلك قبل موت الزوج ثم مات الزوج كان لها الميراث، وإن كان ذلك بعد موت الزوج لم يكن لها الميراث لأنها في التصديق بعد الموت متهمة لكون ما بعد الموت وقت الميراث ولا كذلك حالة الحياة.
وكذلك لو أن مجوسية أسلمت فادعى عليها رجل النكاح بعد الإسلام فقالت المرأة: تزوجتني قبل الإسلام فالقول قول الزوج ويقضى بالنكاح بينهما، وهل يسعها المقام معه فهو على ما ذكرنا.
وكذلك لو أن امرأة قالت لزوجها: إني أختك من الرضاعة وقال الزوج: لا بل أنت أجنبية، فالقول قول الزوج ويقضي القاضي عليها بالنكاح وهل يسعها المقام معه وأخذ ميراثه؟ فهو على ما ذكرنا هذه الجملة في شهادة الجامع قبيل باب الشهادة في الحائط المائل.
وفي باب الإحصان من نكاح «الأصل» : إذا أقرت المطلقة الثلاثة بعدما تزوجت بآخر وطلقها أن الزوج الثاني قد دخل بها حل للزوج الأول أن يتزوجها؛ لأنها أخبرت بزوال الحرمة التي هي حق الشرع والعبد مصدق فيما هو حق الله تعالى. ولم يشترط في «الكتاب» أن تكون ثقة، وكذلك لو أخبر عنها بذلك ثقة، يريد به أنها أرسلت رسولاً بذلك، كان الجواب كما قلنا، فقد شرط العدالة في الرسول، ولم يشترط ذلك في المرأة. وذكر هذه المسألة في تجريد «القدوري» ، وذكر أنه يجوز له أن يتزوجها إذا كانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة.
وإن كان الزوج الثاني هو الذي أقرّ بالدخول، والمرأة ما أقرت بذلك لم يحل للزوج الأول أن يتزوجها، ولا يصدق الزوج الثاني عليها وإن كان قد خلا بها ولو أنكرت (222أ1) الدخول بعدما تزوجها الأول بإقرارها لم تصدق في ذلك لكونها متناقضة فيه.

وإن كان الزوج الأول بعدما تزوجها أنكر أن يكون الزوج الثاني دخل بها وادعت هي الدخول كان القول قولها؛ لأن إقدام الزوج الأول على النكاح بعد النكاح الثاني إقرار منه بالدخول دلالة، ولو أقر بذلك صريحاً ثم أنكر لا يلتفت إلى إنكاره كذا ههنا.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله المطلقة ثلاثاً إذا طلقها الزوج الثاني واعتدت منه، وعادت إلى الأول بنكاح جديد ثم ادعت أن الثاني لم يكن دخل بها فإن كانت عالمة بشرائط الحل الأول لا تصدق، وله أن يمسكها، وإن كانت عالمة بالشرائط صدقت؛ لأن إقدامها على النكاح مع العلم بشرائط الحل إقرار بوجود تلك الشرائط، فأما الإقدام مع

(3/167)


الجهل بالشرائط لا يكون اقراراً بوجود الشرائط.
وفي نكاح «المنتقى» : قال هشام: سألت محمداً رحمه الله عن رجل طلق امرأته بعد الدخول بها ثم تزوجت بزوج آخر بعد الطلاق بيوم فقال الزوج: تزوجتك ولم تنقض عدتك وقالت: قد كنت أسقطت بعد الطلاق، فالقول قول الزوج ولو بدأت هي قبل أن تزوج نفسها من هذا الرجل أو بعد ذلك، وقالت قد كنت أسقطت وانقضت عدتي وتزوجت قبل قولها وإن قال الزوج بعد ذلك كنت في العدة حين تزوجتك فسخ النكاح بينهما وقضيت لها بنصف المهر على الزوج.
وفي طلاق «المنتقى» : أبو سليمان عن أبي يوسف رحمهما الله رجل طلق امرأته ثلاثاً فمكثت شهرين ثم تزوجها رجل، فقالت بعد النكاح: لم تكن عدتي انقضت لم تصدق المرأة وله أن يمسكها في قول أبي حنيفة رحمه الله وقولهما، وتزويجها نفسها إقرار بانقضاء العدة، ولو كان التزويج بعد الطلاق في وقت لا تنقضي في مثله العدة قبل قولها فلو تزوجها الزوج الأول بعد سنين من وقت الطلاق، فقالت بعد ذلك: لم أتزوج غيرك، فالقول قولها قال: وليس هذا كالعدة.
نوع منه

امرأة غزلت قطن زوجها ثم وقع بينهما فرقة أو لم تقع واختلفا في الغزل، فقال كل واحد منهما: الغزل لي فإن كان الزوج بياع القطن فالغزل لها وعليها مثل قطن الزوج؛ لأن الظاهر أنه اشترى القطن للتجارة لا لغزل المرأة، فتصير المرأة بالغزل غاصبة، وإن لم يكن الزوج بياع القطن، فالغزل له؛ لأن الظاهر أنه إنما حمل القطن إلى البيت لغزل المرأة، والظاهر أن المرأة تغزل للزوج، وكذلك هذا الجواب فيما إذا طبخت المرأة القديد من اللحم الذي جاء به الزوج.
ولو قال لها الزوج حين جاء بالقطن: اغزلي ليكون لك ولي منه الثوب والمتاع فالغزل للزوج ولها أجر مثلها؛ لأنه استأجرها ببعض ما يحصل من عملها، فإن اختلفا فقالت المرأة: غزلت بأجْرٍ وقال الزوج: بغير أجْرٍ كان القول قول الزوج؛ لأن هذا الشرط وهو شرط الأجر يستفاد من مثله فيكون القول له مع يمينه هذه الجملة في «فتاوى أهل سمرقند» .
وفي نكاح «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: امرأة غزلت قطن زوجها بإذنه وكانا يبيعان من ذلك للكرباس ويشتريان بالثمن أمتعة لحاجة بينهما واتخذا ببعض الكرباس ثياب البيت فجيمع ذلك من الكرباس وما اشترى به للرجل؛ لأن المرأة تعمل للرجل عادة، فيكون ذلك للرجل إلا شيئاً اشترى لها أو علم عادة أنه اشترى لها فيكون لها.
وفي بيوع «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل كان يدفع إلى امرأته ما تحتاج إليه وكان يدفع إليها أحياناً دراهم ويقول: اشتري بها قطناً واغزلي، فكانت تشتري وتغزل ثم تبيع وتشتري بثمنها أمتعة البيت كانت الأمتعة لها لأنها اشترت من غير توكيل الزوج إياها بالشراء فتكون مشترية لنفسها.

(3/168)


ولو اشترى الزوج قطناً فغزلته المرأة بإذنه أو بغير إذنه كان ذلك للزوج؛ لأن هذا من جملة خدمة البيت، فكانت عاملة للزوج.

وفي «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف رحمه الله في رجل اشترى قطناً و (أمر) امرأته أن تغزله فغزلته، قال تغزله فإن وضعه في البيت فغزلته فهو لها دونه ولا شيء عليها هو بمنزلة الطعام وضعه في بيته فأكلته. وفيه: رجل جاء بقطن لتغزله امرأته ولم يقل لها اغزليه أو قال لها اغزليه أو تركه عندها نفقة لها كلّها وتنتفع بها ولم يفرض لها كل شهر نفقة واشترت منه قطناً وغزلته فهو للزوج في جميع هذه الوجوه.
وإن فرض لها كل شهر نفقة واشترت منها قطناً وغزلته فهو لها. وإن كان له في بيته قطن فغزلته بغير أمره فهو لها.
وفي «نوادر هشام» عن محمد رحمه الله: رجل اشترى قطناً فغزلته امرأته، فقال لها الرجل: غزلته بغير أمري، فالقول له قال: لأن القطن له.
ومما يتصل بهذا الفصل

رجل زوج ابنته وجهزها فماتت الابنة، فزعم أبوها أن الذي دفع إليها من الجهاز ماله وأنه لم يهبه منها، وإنما أعاره منها، فالقول للزوج وعلى الأب البينة؛ لأن الظاهر شاهد للزوج لأن الظاهر أن الأب إذا جهز ابنته يدفع ذلك إليها بطريق الملك، والبينة الصحيحة أن يشهد عند التسليم إلى البنت أني إنما سلمت هذه الأشياء إلى البنت بطريق العارية أو يكتب نسخة معلومة، ويشهد الأب على إقرارها أن جميع ما في هذه النسخة ملك والدي عارية في يدي منه لكن هذا يصلح للقضاء لا للاحتياط لجواز أنه اشترى لها بعض هذه الأشياء في حالة الصغر، فهذا الإقرار لا يصير للأب فيما بينه وبين الله تعالى، فالاحتياط أن يشتري منها ما في هذه النسخة بثمن معلوم. ثم إن البنت تبرئة عن الثمن، وحكي عن القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله أن القول قول الأب؛ لأن اليد استفيدت من جهته، فيكون القول قوله أنه يأتي إلى جهة أبيها، وبه أخذ بعض مشايخ زماننا. وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرح كتاب السير» في باب العصبة بالمال، فقال: العارية تبرع، والهبة تبرع، والعارية أدناهما، فحمل على الأدنى.

وقال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : المختار للفتوى أن العرف إذا كان مستمراً أن الأب يدفع ذلك جهازاً لا عارية كما في ديارنا فالقول قول الزوج. وإن كان العرف مشتركاً فالقول قول الأب.

وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله (222ب1) امرأة ماتت واتخذت والدتها مأتماً فبعث زوج الميتة إليها بقرة فذبحتها وأنفقتها أيام المأتم، فطلب الزوج قيمة البقرة، فإن اتفقا أنه بعث إليها وأمرها أن تذبح وتطعم من اجتمع عندها ولم يذكر القيمة ليس له أن يرجع عليها لأنها فعلت ما فعلت بإذن الزوج من غير شرط القيمة. وإن اتفقا على أنه بعث إليها لتذبح وتطعم من اجتمع عندها ليرجع بالقيمة عليها كان له أن يطالبها بالقيمة

(3/169)


لاتفاقهما على شرط القيمة، وإن اختلفا في ذلك فالقول قول أم الميتة لأن حاصل اختلافهما في شرط الضمان وأم الميتة تنكر ذلك والله أعلم.

الفصل الثاني والعشرون: في بيان ما للزوج أن يفعل: وما ليس له أن يفعل، وفي بيان ما للمرأة أن تفعل، وما ليس لها أن تفعل
ذكر الخصاف في «أدب القاضي» في باب نفقة المرأة وفي كتاب النفقات: إذا مَنَع الرجل أم المرأة أو أباها أو «أحداً من أهلها من الدخول عليها في منزله فله ذلك، ولكن لا يمنعهم من النظر إليها وتعاهدها والتكلم معها، فيقوموا على باب الدار والمرأة داخل الدار. هذا في حق (أهلها) وكل ذي رحم محرم ومن لا يتهمه الزوج، أما إذا لم يكن محرماً ويتهمه الزوج كان له أن يمنعه من النظر إليها، وكذلك إن كان لها ولد من غيره ليس له أن يمنع بعضهم من أن ينظر إلى البعض، فروي عن أبي يوسف رحمه الله أن الزوج لا يملك أن يمنع الأبوين عن الدخول عليها للزيارة في كل شهر مرتين وأما يمنعهما من الكينونة.

وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله عن الفقيه أبي بكر الإسكاف رحمه الله أن الزوج لا يملك أن يمنع الأبوين عن الدخول عليها عن الزيارة في كل جمعة وأما يمنعهما عن الكينونى وعليه الفتوى. وأما غير الأبوين من المحارم، فقد ذكر الخصاف أيضاً في هذين الموضعين أنه يمنعهم عن الزيارة في كل سنة وعليه الفتوى. وأما إذا أرادت المرأة أن تخرج إلى زيارة المحارم نحو الخالة أو العمة أو إلى زيارة الأبوين فهو على هذا يعني لا يمنعها عن زيارة الأبوين في كل جمعة وعن زيارة سائر المحارم في كل سنة. وكان القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله يقول: لا تخرج إلى زيارة الأبوين ولكن الأبوان يحضران منزلها بحضرة الزوج في كل شهر أوشهرين مرة.
وفي «نوادر فضل بن غانم» عن أبي يوسف رحمه الله أنها لا تخرج إلى زيارة المحارم والأبوين إذا كانا يقدران على إتيانها، وإن كانا لا يقدران على إتيانها أذن لها في زيارتهما في شهرين بنحوه مرة، وذكر هذه المسألة في «النوادر» في موضع آخر، وقال: تذهب إلى الأبوين للعيادة إن مرضا أو مرض أحدهما ولا يمنعها الزوج عن العيادة، أما غير هذا فلا.
ذكر في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله أن للزوج أن يضرب امرأته على أربع خصال وما هو في معنى الأربع: أحدهما على ترك الزينة لزوجها، والزوج يريدها. والثانية: على

(3/170)


ترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه. والثالثة: على ترك الصلاة وعلى ترك الغسل. الرابعة: على الخروج من المنزل.
وفي كتاب العلل: ليس للزوج أن يضرب امرأته على ترك الصلاة، وليس للأب أن يَضرب ولده على ترك الصلاة في رواية وفي رواية له ذلك. ضرب الزوج زوجته لترك مطاوعته في الفراش فهلكت ضمن، وكذا الأب إذا ضرب ولده للتأديب.

وفي كتاب «الخراج» لأبي يوسف رحمه الله: وللرجل أن يأمر جاريته الكتابية بالغسل عن الجنابة ويجبرها على ذلك، والمرأة الكتابية تكون تحت مسلم على هذا القياس. قيل: و ... الزوج في معنى الأربع.

إذا أراد أن يطلق امرأته بغير ذنب منها يسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يعطيها مهرها ونفقة عدتها ويطلقها لما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنّه كان كثير النكاح كثير الطلاق، فقيل له في ذلك فقال: إني أَحبُّ الغنى، والله تعالى جمع الغنى في هذين قال الله تعالى: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَآء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} (النور: 32) ، وقال الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته} (النساء: 130) .
في «العيون» : رجل له امرأة لا تصلي، فطلقها حتى لا يصحب امرأة لا تصلي فإن لم يكن له ما يعطي مهرها فالأولى أن يطلقها. قال أبو حفص الكبير البخاري رحمه الله: إن لقي الله ومهرها في عنقه أحب إلي من أن يطأ امرأة لا تصلي. وذكر الشيخ الإمام أبو حفص السفكردري رحمه الله في «فوائده» : أنه لا ينبغي للرجل الحنفي أن يزوج ابنته من شفعوي المذهب، وعن بعض مشايخنا أنه يجوز لنا أن نتزوج بناتهم، ولا يجوز لنا أن نزوج بناتنا منهم. وعن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل أن من قال: أنا مؤمن إن شاء الله إنه يكفر في الحال، فعلى هذا القياس لا يجوز المناكحة بيننا وبينهم أصلاً.
إذا عزل عن امرأته بغير إذنها لما يخاف من سوء هذا الزمان، فظاهر جواب «الكتاب» لا يسعه ذلك، وفي «فتاوى أهل سمرقند» أن له ذلك. وفيه أيضاً: إذا منع الرجل امرأته عن الغزل فله ذلك.
وفي «مجموع النوازل» وللرجل أن يأذن لامرأته بالخروج إلى سبعة مواطن:

أحدها: إلى زيارة الأبوين وعيادتهما أو أحدهما وتعزيتهما أو تعزية أحدهما. والثانية: زيارة الأقرباء. والثالثة: إذا كانت قابلة. والرابعة: إذا كانت غسالة. والخامسة: إذا كان لها على آخر حقّاً. والسادسة: إذا كان لآخر عليها، وفي هذه الصورة يجوز لها أن تخرج بغير إذن. والسابعة: للحج، فلا يجوز له أن يأذن لها فيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة وأشباهها. ولو أذِنَ وخرجت كانا عاصيين. وإذا أرادت أن

(3/171)


تخرج إلى مجلس العلم لنازلة وقعت لها، فإن كان الزوج يسأل عن العالم ويخبرها بذلك، فليس لها أن تخرج. وإذا امتنع من السؤال، فلها أن تخرج وإن لم تقع لها نازلة، فأرادت أن تخرج إلى مجلس العلم لتتعلم بعض مسائل الصلاة والوضوء، فإن كان الزوج يحفظ المسائل ويذكر عندها له أن يمنعها من الخروج، وإن كان لا يحفظ ولا يذكر عندها، فالأولى أن يأذن لها بالخروج أحياناً، وإن لم يأذن فلا شيء عليه، ولا يسعها أن تخرج ما لم تقع لها نازلة.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله، وفي هذا الموضع أيضاً: امرأة لها أب زمن ليس له من يقوم عليه غير البنت، ويمنعها الزوج عن تعاهده جاز لها أن تعصي زوجها وتطيع أباها مؤمناً كان الأب أو كافراً؛ لأن القيام عليه فرض عليها في هذه الحالة (223أ1) وحق الزوج لا يظهر مع الفرائض.
المنكوحة والمعتدة إذا امتنعت من الطبخ والخبز إن كان بها علّة لا تقدر على الطبخ أو الخبز، عن إبراهيم (عن يحتمل) للمرأة أن لا تخبز لزوجها ولا تطبخ ولا تخدمه ولا تعمل شيئاً وفيه: إن كانت من بنات الأشراف لا تجبر عليه، وعلى الزوج أن يأتيها بمن يطبخ ويخبز. وإن كانت ممن يقدر على ذلك، وهي من جملة (من) يخدم نفسها تجبر عليهما؛ لأنها متعنتة، فإن النبي عليه السلام جعل خدمة داخلِ البيت على فاطمة وخدمة خارج البيت على علي رضي الله عنهما.

وذكر شمس الأئمة السرخسي أنها لا تجبر أصلاً، ولكن لا يُعطى لها الإدام حينئذ وهو الصحة.

وفي «المنتقى» عن عيسى عن محمد رحمهم الله: ليس للزوج أن يستخدم امرأته الحرة. وفيه عن أبي حنيفة رحمه الله: للمرأة أن لا تخبز لزوجها ولا تطبخ له والزوج بالخيار إن شاء أعطاها خبزاً وإن شاء أعطاها دقيقاً. إذا كان للرجل والدة أو أخت أو ولد من امرأة أخرى أو إنسان ذو رحم محرم من الزوج، وكانت المرأة نازلة له معهم في...... واحد فقالت المرأة للزوج: أنا لا أنزل مع أحد من هؤلاء، فصيرني في منزل على حدة فالمسألة على وجهين: إن كان في الدار بيوت فأعطاها بيتاً تغلق عليه وتفتح لم يكن لها أن تطالبه بمنزل آخر، وإن لم يكن في الدار إلا بيت واحد، فلها أن تطالبه بمنزل آخر لوجهين:
أحدهما: أنها تخاف على أمتعتها والثاني: أنه يكره المجامعة ومعها في البيت غيرهما ذكر الخصاف المسألة في «أدب القاضي» في باب نفقة المرأة.
وإن كانت للرجل أمة فقالت المرأة: أنا لا أسكن مع أمتك وأريد بيتاً على حدة قيل: ليس لها ذلك؛ لأن جارية الرجل بمنزلة متاعه، وإنه مشكل على المعنيين جميعاً. أما على المعنى الأول فظاهر. وأما على المعنى الثاني، فلأنه تكره المجامعة بين يدي أمة

(3/172)


الرجل، هذا هو قول محمد رحمه الله آخراً، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
إذا اشتكت المرأة عند القاضي أن الزوج يضربها وطلبت من القاضي أن يأمره أن يسكنها بين قوم صالحين، فإن علم القاضي أن الأمر كما قالت زجره عن ذلك ومنعه من التعدي عليها، وإن لم يعلم فإن كان جيران هذه الدار قوماً صالحين أقرها هنا وسأل عنهم، فإن ذكروا منه مثل ما ذكرت زجره عن ذلك ومنعه من التعدي عليها، وإن ذكر بأنه لا يؤذيها تركها، وإن لم يكن في جواره من يوثق به أو كانوا يميلون إليه؛ أمره أن يسكنها بين قوم صالحين ويسأل عنهم وبيّن الأمر على جبرهم في هذا الباب أيضاً والله أعلم.

الفصل الثالث والعشرون: في العنين والمجبوب والخصي
إذا وجدت المرأة زوجها عنيناً، فلها الخيار إن شاءت أقامت معه كذلك، وإن شاءت خاصمته عند القاضي وطلبت الفرقة، فإن خاصمته فالقاضي يؤجله سنة وتعتبر السنة عند أكثر المشايخ بالأيام، وهو رواية ابن سماعة عن محمد رحمه الله، وعليه الفتوى، ولا يكون التأجيل إلا عند سلطان يجوز قضاؤه. وابتداء التأجيل من وقت المخاصمة. فإذا مضت سنة من وقت التأجيل وادعى الرجل أنه وصل إليها فإن كانت ثيباً فالقول قول الزوج مع يمينه، فإن كانت بكراً أراها القاضي النساء، والواحدة تكفي، والمثنى أحوط، فإن قلن ثيب ثبت ثيابتها وصوله إليها، فيكون القول في ذلك قول الزوج مع يمينه، وإن قلن: هي بكر فالقول قولها في عدم الوصول إليها، فإن شهد البعض بالبكارة والبعض بالثيابة يريها غيرهن، فإن قلن: هي بكر يخيرها القاضي، وإن اختارت زوجها أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو قام القاضي قبل أن تختار شيئاً بطل خيارها. وإن اختارت الفرقة أمر القاضي زوجها أن يطلقها، وإن أبى فرّق القاضي بينهما، هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» .
وذكر في «المنتقى» : هشام عن محمد رحمه الله في العنين إذا مضى سنة خيّر القاضي امرأته، وصار كأن الزوج خيرها، فإذا اختارت نفسها بانت منه، فعلى هذه الرواية لم يشترط قضاء القاضي لوقوع الفرقة وإنها تخالف رواية «الأصل» أيضاً.

بشر عن أبي يوسف رحمه الله: خيار امرأة العنين إذا تم الأجل وخيرها القاضي بمنزلة خيار الزوج ذكره مطلقاً ولم يفسّره قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: تأويله عندي في القيام عن المجلس قبل أن تختار شيئاً ثم رضاها بالمقام عند السلطان أو غيره يسقط حقها، واختيارها نفسها لا يكون إلا عند السلطان. ثم إذا فرّق القاضي بينهما على ما هو المذكور في «الأصل» كانت هذه تطليقة بائنة؛ لأن حكم الرجعة تختص بعدّةٍ واجبة بعد الدخول حقيقة، ولها المهر كاملاً وعليها العدة. ولو خاصمته وهو محرم أُجل سنة بعد

(3/173)


الإحرام، ولو خاصمته وهو مظاهر فإن كان يقدر على العتق أجله سنة من حين الخصومة. وإن كان لا يقدر على العتق أمهله شهرين لأجل التكفير ويؤجله سنة بعد الشهرين.
ولو ظاهر بعدما أجّل لم يزد على المدة شيئاً؛ لأنه كان متمكناً من أن لا يظاهر منها بخلاف ما إذا خاصمته وهو مظاهر. وإن كان يصل إلى غيرها من نسائه وجواريه يؤجل في حق هذا، وإذا وصل إليها مرة بطل خيارها وسقط حقها في التفريق وإذا وجدت زوجها عنيناً وأخرت المرافعة إلى القاضي لا يسقط حقها ما لم تقل: رضيت بالمقام معه (فيسقط) حقها. وكذلك إذا أخرت الخصومة بعد مضي الأجل لا يبطل حقها في الخصومة ما لم تقل رضيت.
وإذا أجل العنين؛ فأيام الحيض وشهر رمضان يحتسب عليه ولا يجعل له بدل، ولو مرض أحدهما مرضاً لا يستطيع الجماع معه وإن كان أقل من نصف شهر احتسب عليه فلا يجعل له بدل. وإن كان أكثر من نصف عن محمد لا يحتسب، شهر وما دونه يحتسب، وهذا أصح الأقاويل، شهر لا يحتسب عليه ويجعل له بدل، هكذا روى ابن سماعة في «نوادره» عن محمد رحمه الله. وعن أبي يوسف رحمه الله روايتان، في رواية كما قال محمد رحمه الله، وفي رواية ما لم يمرض سنة لا يعوض مكانه. وفي «المنتقى» جعل غيبة أحدهما وحبسه بمنزلة المرض، ولو حجت لا يحتسب على الرجل مدة خروجها، ولوحج هو احتسب عليه هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله.
ولو تزوجها ووصل إليها ثم عُنَّ وفارقته ثم تزوجها ولم يصل إليها فلها الخيار ولو (223ب1) كانت المرأة رتقاء والزوج عنين فلا خيار لها هذا إذا وجدت زوجها عنيناً، فإن وجدت زوجها مجبوباً، فالجواب فيه كالجواب فيما إذا وجدت زوجها عنيناً إلا في مسألة: أن المجبوب لا يؤجل؛ لأنه لا فائدة منه بخلاف العنين.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : امرأة الصبي إذا وجدت الصبي مجبوباً، فالقاضي يفرق بينهما بخصومتها في الحال ولا ينتظر بلوغ الصبي بخلاف ما إذا وجدت امرأة الصبيِّ الصبيَّ عنيناً لا يصل إليها، فإن القاضي لا يفرق بخصومتهما في الحال بل ينتظر بلوغ الصبي. والفرق أن الصبي إذا كان عنيناً لم يتعين سبب الفرقة؛ لأن الصبي يفقد الشهوة، فلعلَّ عجز الصبي عن الوطء بسبب الصبا لا بسبب العنة فلم يتيقن بسبب التفريق وهو العنّة.
وإذا كان مجبوباً فقد تيقنا سبب الفرقة وهو الجب وهو نظير المريض إذا تزوج فوجدته المرأة لا يقدر على جماعها فرافعته (إلى) القاضي، فالقاضي لا يفرق بينهما للحال بل ينتظر برءه وبمثله لو وجدته مجبوباً يفرق بينهما للحال.

فإن قيل: يجب أن ينتظر بلوغ الصبي في الجب لأن الفرقة بالجبّ فرقة بطلاق كالفرقة بسبب العنّة، والصبي ليس من أهل الطلاق، قلنا: الفرقة بالجب إذا كان الزوج من أهل الطلاق فرقة بطلاق، وإذا لم يكن الزوج من أهل الطلاق بأن كان صبيّاً فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: هي فرقة بغير طلاق نظير الفرقة بخيار البلوغ، وهذا

(3/174)


لأن هذه الفرقة لحق المرأة، وحق المرأة في نفس الفرقة لا في الطلاق، وبعضهم قالوا: هي فرقة بطلاق لا بسبب فرقة قد تحققت وهو الجب، والطلاق هو المتعين للفرقة شرعاً، وإذا استحقت الفرقة قد استحقت ما تعيّن لها شرعاً ولا حاجة في الإيقاع إلى عبارة الصبي؛ لأن القاضي هو الذي يوقعه، فصار الصبي في هذا كالبالغ فصار كالصبي إذا مَلَكَ قريبه يعتق عليه، وإن لم يكن الصبي من أهل العتق؛ لأنه تحقق سببه وهو ملك القريب، ولا يحتاج فيه إلى عبارة الصبي، فصار هو في حق عتق القريب كالبالغ كذا هنا إلا أن القاضي لا يفرق بين الصبي وامرأته ما لم يكن عنه خصم حاضر لأن القضاء على الغائب لا يجوز، والصغير وإن كان حاضراً حقيقة فهو غائب حكماً لكونه عاجزاً عن الخصومة بنفسه.
وإن كان للصغير أب أو وصي أب كان خصماً عن الصغير في ذلك كما كان خصماً في جميع ما كان للصغير وعليه، وإن لم يكن الأب ولا وصيه، فالجد أو وصيه خصمه فيه، فإن لم يكن له جد ولا وصيه فالقاضي ينصب عنه خصماً فإذا جاء الخصم بحجة يبطل الحاكم حق المرأة من بيّنة يقيمها على رضاها بهذا العيب أو علمها بهذا العيب لم يفرق بينهما، وإن لم يكن للخصم بينة على ذلك وطلبَ يمين المرأة تحلف المرأة، لأنه يدعي عليها معنى لو أقرّت به يلزمها فإن نكلت لم يفرق بينهما فإن حلفت فرق بينهما.
ولو كانت المرأة صغيرة زوجها أبوها، فوجدت زوجها مجبوباً لا يفرّق بينهما بخصومة الأب حتى تبلغ، علل محمد رحمه الله في «الكتاب» فقال: لأني (لا) أدري لعلها سترضى بزوجها إذا بلغت، وفرّق بين هذه المسألة وبينما إذا ورث الصغير عبداً قد اشتراه مورثه، واطلع الولي على عيب (بالعنين) قد كان عند بائع مورثه كان للولي أن يخاصم البائع في العيب، ولا ينتظر بلوغه. وكذلك إذا كان للصغير قصاص أو شجة فللولي أن يستوفيه ولا ينتظر بلوغه.

ولو كانت المرأة البالغة والمسألة بحالها فوكلت المرأة رجلاً بالخصومة مع زوجها وجاءت هل يفرق بينهما بخصومة الوكيل؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الكتاب» . وقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا يفرق بل ينتظر حضورها ألا ترى أنه لا يفرق بخصومة الأب إذا كانت البنت صغيرة، وبعضهم قالوا: يفرق بينهما. وفرق بين الصورتين والفرق أن المرأة إذا كانت بالغة غائبة فلو أخرنا التفريق إلى أن يحضر، وليس بحضرتها من الغيبة وقت معلوم كان في هذا التأخير إبطالٌ لحقها في التفريق، فيفرق بخصومة الوكيل لصيانة حقها، فأما إذا كانت صغيرة فليس في تأخير الفرقة إلى أن تبلغ إبطال حقها في التفريق لأن لبلوغها غاية معلومة والرضا بعد البلوغ موهوم فوجب التأخير، وإذا وجب التأخير لم يكن إقامة الأب مقامها في استيفاء هذا الحق قبل البلوغ كما لو كان لها دين مؤجل على إنسان لا يقوم الأب مقامها في استيفاء ذلك قبل الأجل، وإن كان استيفاء الدين مما يجري فيه النيابة، وإن وجدت زوجها خصياً، فإن كان بحال تنتشر آلته ويصل إلى المرأة لا خيار لها، وإن كان لا تنتشر آلته ولا يصل إلى المرأة

(3/175)


فالجواب فيه كالجواب في العنين. ولو تزوجت وهي تعلم بحاله فلا خيار لها. ومن المشايخ من قال في المجبوب لا خيار لها، وفي الخصي والعنين لها الخيار؛ لأنها طمعت حالة العقد أن يزول العذر وتصل إلى حقها. وقال مشايخ العراق: إن كان عنيناً قضى القاضي بعيبه مرة لا خيار لها. وإذا فرّق بين العنين وبين المرأة فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه الولد، لأن النسب يثبت حقاً للصبي. فإن ادعى الزوج الوصول إليها فقال: كنت وصلت إليها أبطل الحاكم الفرقة، كذا روي عن أبي يوسف رحمه الله لأن بيان النسب دليل على الدخول؛ لأنه الموضوع له بقضية الأصل. ولو شهد شاهدان على الدخول أليس إن يبطل الفرقة كذا ههنا. ولو كان الزوج مجبوباً ففرق القاضي بينهما فجاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر من

وقت الفرقة لزمه الولد خلا بها أو لم يخل بها، وهذا عند أبي يوسف رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه إلى سنتين إذا خلا بها، والفرقة ماضية بلا خلاف، وإن كان الزوج مجبوباً وهي لم تعلم بحاله فجاءت بولد فادعاه وأثبت القاضي نسبه ثم علمت بحاله وطلبت الفرقة فلها ذلك، قال: لأن الولد لزمه بغير جماع.
ولو أقام الرجل بينة قبل الفرقة على إقرارها أنه وصل إليها بطلت الفرقة، ولو أقرت هي بعد الفرقة أقرت بالوصول بعد الفرقة (224أ1) أنه قد كان وصل إليها قبل الفرقة لا تبطل الفرقة، وإذا كان زوج الأمة عنيناً فالخيار إلى المولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، فقال محمد وزفر رحمهما الله: الخيار لها، وقال محمد رحمه الله: وللمرأة الخيار في الجنون والجذام وكل عيب لا يملكها المقام معه إلا بضرر، ألا ترى أنه لها ثبت الخيار في الجبّ والعنة وإنما ثبت دفعاً للضرر عنها، وفرّق بين جانب الرجل وبين جانب المرأة من حيث إنّ الرجل متمكن من دفع الضرر عن نفسه بالطلاق؛ لأن الطلاق في يده بخلاف المرأة وهما سويا بين جانب المرأة وبين جانب الرجل فيما سوى الجب والعنة والله أعلم.

الفصل الرابع والعشرون: في بيان حكم الولد عند افتراق الزوجين
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا كان للرجل ولد صغير وقد فارق أمّه، فالأم أحق بالولد من الأب إلى أن يستغني عنها، فإذا استغنى عنها فالأب أحق به.
وحدّ الاستغناء في الغلام أن يأكل وحده ويشرب وحده. وفي غير رواية الأصول ويتوضأ وحده يريد به الاستنجاء، ولم يقدر محمد رحمه الله في ذلك تقديراً من حيث السنة. وذكر الخصاف في كتاب النفقات أن الأم أحقّ بالغلام ما لم يبلغ تسع سنين أو ثمان. وذكر الفقيه أبو بكر الرازي رحمه الله: أن الأم أحق به إلى تسع سنين.

وأما في الجارية، فحدّ الاستغناء أن تحيض أو تبلغ مبلغ النساء بالسن، وبعد ذلك

(3/176)


الأب أولى. وروى هشام عن محمد رحمه الله أن الأم أولى بها إلى مبلغ حدّ الشهوة. فإن وقع الاختلاف بين الأم وبين الأب فقالت الأم: هذا ابن ست سنين وأنا أحق بإمساكه. وقال الأب: هو ابن سبع سنين وأنا أحق به، ينظر إلى الصبي إن استغنى بأن كان يأكل ويشرب ويلبس ويستنجي وحده دفع إلى الأب وإلا فلا؛ لأنا إنما اعتبرنا سبع سنين بطريق القيام مقام الاستغناء فإذا وقع الاختلاف في السن يجب بحكم الاستغناء.
فإن تركت الأم الولد على الأب هل تُجبر الأم على حضانته وتربيته؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في «الأصل» ، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنها لا تجبر إلا أن لا يكون للولد ذو رحم محرم سوى الأم، فحينئذ تجبر كيلا يفوت حق الولد، وذكر البقالي في «فتاويه» مطلقاً أنها لا تجبر، قال: وقد قيل خلافه. وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله سئل أبو بكر الإسكاف رحمه الله عن حالة الصغيرتين لا زوج لهما قالت: لا آخذهما ولا أمنعهما عن الكون معي في منزلي فلها ذلك، فإن قالت: لا أدعهما حتى يكونا في منزلي، فإنها تجبر على أن يكونا معها في المنزل حتى يستغنيا.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: عليها أن تتعاهدهما كما لو كانت تقدر على النفقة وهما محتاجان إلى النفقة تجبر على نفقتهما، فكذا إذا كانا محتاجين إلى التعاهد. وإن ماتت الأم فأُمُّ الأم أولى بحضانة الولد، وبعدها أم الأب أولى، وذكر البقالي عن أبي يوسف رحمه الله أن أم الأب أولى من أم الأم وبعد أم الأب الحضانة إلى الإخوان: أولهن الأخت لأب وأم، وبعدها الأخت الأم، وبعدها قال شيخ الإسلام: اختلفت الروايات ذكر في بعضها بنت الأخت لأب وأم، ثم بنت الأخت لأم ثم الخالة ثم بنات الخالة ثم الأخت لأب، وذكر في بعضها الأخت لأب بعد الأخت لأم ثم بنات الأخوات. ثم الخالات ثم العمات.

وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن بعد الأخت لأم اختلاف الروايات في تقديم الخالات على الأخت لأب. قال في كتاب النكاح: الأخت لأب أولى، وقال في كتاب الطلاق: الخالة أولى، فعلى رواية كتاب النكاح اعتبر القرب، والأخت لأب أقرب، وعلى رواية كتاب الطلاق اعتبر المدلى به، فقال: الأخت لأب تدلي بالأب، والخالة تدلي بالأم، والأم في الحضانة مقدمة على الأب، فمن يدلي بالأم يكون أولى ممن يدلي بالأب.
قال شمس الأئمة رحمه الله وبعد الأخوات بناتهن وبعدهن الخالات وبعدهن بنات الأخ وبعدهن العمات، والتي لأم في هذه القرابات أولى من التي لأب والخالة لأب أولى من العمة. وأما بنات العم والخال والعمة والخالة فلا حق لهن في الحضانة، هكذا ذكر القدوري رحمه الله، وذكر البقالي في «الفتاوى» روى أن أولاد العمات والخالات بمنزلتهن والظاهر خلافه، قال: ويستوي في حق الحضانة المسلمة والكتابية. قال الفقيه أبو بكر الرازي: إذا كانت الأم كافرة فعقل الولد فإنه يؤخذ منها جارية كانت أو غلاماً لأنه مسلم بإسلام الأب وإنما تعلمها الكفر فلا يؤمن من الفتنة إذا ترك عندها. ومن تزوج

(3/177)


من هؤلاء بزوج فإن كان الزوج أجنبياً يسقط حقها في الحضانة، وإن كان ذو رحم محرم من الصغير لم يسقط حقها في الحضانة كالأم إذا تزوجت بعم الصغير، وكالجدّة إذا تزوجت بجد الصغير، ومن تزوجت بأجنبي ثم بانت من زوجها عاد حقها في الحضانة وتصدق المرأة أنها لم تتزوج أو أنها بانت إذا لم تقر بزوج بعينه. وإذا اجتمع النساء ولهن أزواج أجانب يضعها القاضي حيث شاء. ولا حقّ للأمة ولأم الولد في حضانة الولد الحر.... إذا طلقها فكذلك المكاتبة إذا طلقها زوجها ويكون الولد عند مولى الأم، ولكن لا يفرق بين الولد وبين الأم على ما عرف في موضعه.

وإذا أعتق الرجل أُمّ ولده أو مات عنها فهي كالحرة في حق الحضانة ولا حق للمرتدة في الولد وليس لمن سِوَى الجدتين والأم حق في الولد إذا أكل وشرب ولبس وحده جارية كانت أو غلاماً.
وإذا بلغ الولد عند واحدةٍ منهن هذا المبلغ أو بلغ عند الأم والجدتين ما قلنا فالأب أحق بالولد ثم بعده الجد أب الأب يعتبر الأقرب فالأقرب من العصبات، ولا حقّ لابن العم في حضانة الجارية؛ لأنه ليس بمحرم منها ويحل له نكاحها، فلا يؤتمن عليه وكذلك كل ذي رحم محرم منها إذا كان لا يؤتمن عليها لفسقه ومجانته فلا حقّ له فيها، وإن لم يكن للجارية من عصبات إلا ابن العم اختار لها القاضي أفضل المواضع؛ لأن الولاية إليه. هكذا ذكر القدوري رحمه الله، وذكر في «الأصل» إذا لم يكن للجارية (224ب1) والد، وأخوها أو عمها مخوف عليه فالقاضي لم يفصل بينه وبينها ولكن يجعل معهما امرأة ثقة قال محمد: وإنما يثبت الحق للعصبات في هذه الصغيرة إذا كان على دين الولد، قال محمد رحمة الله عليه: في كل ذكر من قبل النساء كالأخ من الأم والخال لأب ولأم، فلا حقّ لهم في الولد، وعنه أيضاً. إنه يثبت الحق حتى قال: إذا كان لها ابن عم وخال، فالخال أولى وأب الأم أولى من الخال والأخ لأم.
وإذا اجتمع إخوة في درجة واحدة بأن كان الكل لأب وأم، أو لأب فأبينهم صلاحاً أولى، فإن استووا في الصلاح فأكبرهم سناً أولى.

نوع منه: إذا بلغ الغلام رشيداً فله أن ينفرد بالسكنى، وليس للأب أن يضمه إلى نفسه إلا أن يكون مفسداً مخوفاً، وأما الجارية إذا بلغت فإن كانت ثيباً فليس للأولياء حق الضم إلى أنفسهم، ولها أن تنزل حيث شاءت إلا أن يخاف عليها الفساد، فحينئذ للأولياء حق الضم إلى أنفسهم، وإن كانت بكراً فللأولياء حق الضم، وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت حديثة، فأما إذا دخلت في السن واجتمع لها رأيها وعقلها فليس للأولياء حق الضم، ولها أن تنزل حيث أحبّت حيث لا يتخوف عليها، وإذا بلغت الجارية وهي ممن يخاف عليها الفساد وليس لها والد، وأخوها أو عمها مخوف عليها فالقاضي لم يحل بينه وبينهما بل يضع عندها امرأة ثقة والله أعلم.

(3/178)


نوع منه: إذا وقعت الفرقة بين الرجل وبين امرأته، فأرادت أن تخرج بالولد عند انقضاء عدتها إلى مصرها، فإن كان النكاح وقع في غير مصرها فلها ذلك، وإن كان وقع النكاح في مصرها فليس لها ذلك إلا أن يكون بين موضع الفرقة وبين مصرها قرب بحيث لو خرج الأب لمطالعة الولد يمكنه الرَّوح إلى منزله قبل الليل، فحينئذ هما بمنزلة محالّ مختلفة في مصر ولها أن تحوّل من مَحِلَّةٍ إلى محلة. وذكر في «البرامكة» أن لها أن يخرج بالولد إلى بلدها من غير تفصيل، وهكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «شرحه» .
ولو أرادت أن أن تنقله إلى حيث وقع النكاح وليس ذلك ببلدها، فليس لها ذلك في رواية «الأصل» .

وذكر في «الجامع الصغير» أن المعتبر، ولو أرادت أن تنقله إلى بلد ليس بلدها ولم يقع فيه النكاح، فليس لها ذلك إلا إن كان بين البلدتين قرب على التفسير الذي قلنا، وإن كان النكاح في رستاق لها قرى متفرقة، فأرادت أن تنقله إلى قريتها، فإن كان النكاح في قريتها فلها ذلك، وإن لم يكن النكاح في قريتها فليس لها ذلك إلا أن تكون القرى قريبة بعضها من بعض على التفسير الذي قلنا، وعلى رواية «البرامكة» على قياس البلدتين يجب أن يكون لها ذلك من غير تفصيل.
ولو أرادت أن تنقله من قرية إلى مصر جامع وليس ذلك مصرها ولا وقع النكاح فيها، فليس لها ذلك، إلا أن يكون المصر قريباً من القرية على التفسير الذي قلنا.
ولو أرادت أن تنقله من مصر جامع إلى قرية فليس لها ذلك. وإن كانت القرية قريبة إلا أن تكون قريتها وقد وقع أصل النكاح فيها، فحينئذ لها ذلك، وذكر البقالي: ولا تخرجه من المصر إلى القرية بحال، فإن كانت القرية بعيدة لا ذكر لها في الكتب، ويجب أن يكون الجواب فيه على التفصيل الذي (قلنا) . وليس لها (أن) تنقله إلى دار الحرب، وإن كان النكاح وقع ثمة ذكر البقالي في «فتاويه» : ولها أن تنقله إلى بعض نواحي المصر.
وإن كان الأب لا يمكنه الرجوع من زيارته في يومه إلى وطنه قبل الليل، وكذلك إذا كان له جانبان. وفي «المنتقى» : ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: رجل تزوج امرأته بالبصرة وولدت له ولداً ثم إن هذا الرجل أخرج ولده الصغير إلى الكوفة وطلقها فخاصمته في ولدها فأرادت رده عليها، قال: إن كان الزوج أخرجه بأمرها، فليس عليه أن يردّه ويقال لها: اذهبي فخذيه.
وإن كان أخرجه بغير أمرها فعليه أن يجيء به إليها، فروي عنه أن الرجل إذا خرج مع المرأة وولدها في البصرة إلى الكوفة ثم ردّ المرأة إلى البصرة ثم طلقها إن عليه إن يرد الولد ويؤخذ بذلك لها والله أعلم.

(3/179)


الفصل الخامس والعشرون: في المسائل المتعلقة بنكاح المحلل وما يتصل به ونكاح الفضولي في طلاق المضاف والحيل في رفع اليمين في طلاق المضاف وقضاء القاضي في مسألة العجز عن النفقة وأمثالها
وأما المسائل المتعلقة بالمحلل وفي «مجموع النوازل» : المطلقة ثلاثاً إذا زوجت نفسها من غير كفء ودخل بها حلّت للزوج الأول عند زفر رحمه الله، وهذا الجواب عن أبي حنيفة رحمه الله مستقيم على ظاهر الرواية، وأما على رواية الحسن عنه لا يستقيم؛ لأن على رواية الحسن عنه: إذا زوجت نفسها من غير كفء لا يجوز النكاح، ولا بُدّ من صحة نكاح الزوج الثاني لتحل على الزوج الأول وجماع الصبي الذي يجامع مثله والمجنون يحل للزوج الأول.
k
وإن كانت المطلقة ثلاثاً صغيرة تُجامَع، فتزوجها رجل ودخل بها حلّت للزوج الأول، ولو كان الزوج الثاني عبداً أو مدبراً أو مكاتباً تزوجوا بإذن المولى ودخل بها حلّت للزوج الأول؛ لأنه وُجد الدخول في نكاح صحيح. وكذلك لو كان مشلولاً فجامع. ولو كان مجبوباً لم تحل للزوج الأول، فإن حبلت وولدت حلّت للأول عند أبي يوسف رحمه الله، وقال زفر رحمه الله والحسن: لا تحل للأول وإن كانت النصرانية تحت مسلم طلقها ثلاثاً فتزوجت بنصراني ودخل بها حلّت للمسلم الذي طلقها ثلاثاً؛ لأنه دخول في نكاح صحيح وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً، فتزوجت بزوج آخر وطلقها الزوج الثاني ثلاثاً قبل الدخول ثم تزوجت الثالث ودخل بها حلّت للزوجين الأولين. ولو وطئها الزوج الثاني في حيض أو نفاس أو إحرام حلّت للزوج الأول لإطلاق قوله عليه السلام «ويذوق من عسيلتك» . وفي «فتاوى النسفي» رحمه الله سئل عن الزوج المحلل إذا كان عبداً صغيراً لإنسان زوجت نفسها منه وقَبِلَ عنه مولاه ومثله يجامع فدخل بها فوهبه (225أ1) مولاه منها حتى فسد النكاح واعتدت هل تحل للزوج الأول بالنكاح قال: نعم، والأولى أن يكون حراً بالغاً، فالجواب في الجواز عن أصحابنا رحمهم الله منصوص عليه، وأما الأولية أما في اشتراط البلوغ فلأن مالكاً يشترط الإنزال، وأما في اشتراط الحرية، فلأنه روي عن أبي يوسف رحمه الله أن الحرة إذا زوجت نفسها من عبد لا يجوز لعدم الكفاءة فيتحرز عن خلافهما، وقد ذكرنا في أول هذا الفصل أيضاً أن على رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لو زوجت نفسها من غير كفء لا تحل للزوج الأول، فيتحرز عن هذه الرواية أيضاً. وفي «القدوري» : إذا زوجت المطلقة ثلاثاً بزوج،

(3/180)


فكان من قصدهما التحليل إلا أنهما لم يشترطا ذلك يقول: حلّت للزوج الأول، ولو شرطا الإحلال بالقول فإن تزوجها لذلك، فالنكاح صحيح في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله، وتحل للأول ولكن يكره ذلك للأول والثاني، وقال أبو

يوسف رحمه الله: النكاح الثاني فاسد ولا تحل للأول.
وقال محمد رحمه الله: النكاح الثاني صحيح فلا تحل للأول، وفي «الجامع الأصغر» وقال بعض أشياخنا: إذا تزوجها ليحللها للأول فهذا الثاني مأجور في ذلك؛ لأنه نوى أن يصل الأول إلى الحلال بما هو مباح، وليس فيه إبطال حق على أحد فلا إضرار بالغير والمراد من قوله «لعن الله المحلل والمحلل له» أن يقول لغيره: أحللت لك ابنتي بكذا وما أشبهه. والحكم في الأمة المنكوحة بعد الثنتين نظير الحكم في الحرة بعد الثلاث لا تحل لزوجها ما لم تتزوج بزوج آخر ويدخل بها الثاني ووطء المالك لا يحلها للزوج الأول، ولو اشتراها الزوج لم تحل له بملك اليمين. وقد ذكرنا بعض هذه المسائل في النوع الرابع من الفصل العشرين.
ومما يتصل بهذه المسائل: سئل نجم الدين النسفي رحمه الله عمن حلف بثلاث تطليقات وظنّ أنه لم يحنث فاستفتيت المرأة فأفتيت بوقوع الثلاث، وعلمت أنها لو أخبرت الزوج بذلك أنكر اليمين، هل لها أن يحللها بعدما فارقها زوجها بسفر أو غيره وتنقضي عنها فتعتد من الزوج الثاني ثم تأمر الأول بعد الإياب بتجديد النكاح لشيء دخل قلبها من شبهة
قال: فأما في القضاء فلا لإنكار الزوج وقوع الثلاث ولا بيّنة لها، وأما فيما بينها وبين الله تعالى فهي في سعة من ذلك، قال: وقد وقعت هذه الحادثة في زمن السيد الإمام أبي شجاع، فسألته عن ذلك بالفتوى وكَتَب أنه يجوز ثم سألته بعد ذلك بمدّة فقال لا يجوز ولا نطلق لها ذلك، فلعله إنما أجاب بذلك في حق التي لا يوثق بقولها، فلا يؤمن من أن تكذب تطرقاً في مخالطة من تريده سفاحاً فتصور ذلك نكاحاً.
وسئل أبو القاسم عن امرأة سمعت من زوجها أنه طلقها ثلاثاً، ولا تقدر أن تمنع نفسها منه هل يسعها أن تقتله؟ قال: لها أن تقتله في الوقت الذي يريد أن يقربها ولا تقدر على منعه إلا بالقتل، قال نجم الدين النسفي رحمه الله في «فتاويه» : وهكذا كان فتوى شيخ الإسلام أبي الحسن عطاء بن حمزة، والسيد الإمام الأجل أبي شجاع رحمهما الله فكان القاضي الإمام الإسبيجابي رحمه الله يقول: ليس لها أن تقتله، وكان يستدل بما ذكر محمد رحمه الله في كتاب الإكراه أن السلطان إذا أكره امرأة على الزنا، فمكنت لا تأثم بخلاف الرجل إذا كان مكرهاً على الزنا حيث يأثم، وإذا لم تأثم أن توطأ وهي مكرهة لم تكن مضطرة إلى قتل الزوج. قال نجم الدين رحمه الله فحكي له أن السيد الإمام أبا شجاع رحمه الله يقول: لها (أن) تقتله فقال: إنه رجل كبير وله مشايخ أكابر لا

(3/181)


يقول ما يقول إلا عن صحة فالاعتماد على قوله.
وفي «فتاوى محمد بن الوليد السمرقندي» رحمه الله في باب مناقب أبي حنيفة رحمه الله عن عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة رحمهما الله أن من طلق امرأته ثلاثاً ثم قصدها، فإنها ترده عن نفسها ولها أن تقتله. وفي آخر باب الاستحسان: إذا شهد شاهدان عدلان أن زوجها طلقها ثلاثاً وهو يجحد ذلك ثم ماتا أو غابا قبل أن يشهدا عند القاضي لم يسعها أن تقيم معه وأن تدعه يقربها. فإن حلف الزوج على ذلك والشهود قد ماتوا فردها القاضي عليه لا يسعها المقام معه، وينبغي لها أن تفتدي بمالها أو تهرب منه وإن لم تقدر على ذلك قتلته متى علمت أنه يقربها، لكن ينبغي أن تقتله بالدواء، وليس لها أن تقتل نفسها، وإذا هربت منه لم يسعها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الاستحسان: هذا جواب الحُكم. فأما فيما بينها وبين الله تعالى إذا هربت فلها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر والله أعلم.

(نكاح الفضولي في النكاح المضاف)

وأما المسائل التي تتعلق بنكاح الفضولي في الطلاق المضاف: إذا حلف الرجل بطلاق امرأة بعينها إن تزوجها، فزوجه رجل تلك المرأة بغير أمره وأجاز هو قولاً أو فعلاً. أو حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، فزوجه رجل امرأة بغير أمره فأجاز هو قولاً أو فعلاً، قال بعض مشايخنا: إن أجاب بالقول يحنث وإن أجاز بالفعل؛ لا يحنث. وقال بعضهم: يحنث أجاز بالقول أو بالفعل، لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن (في) الابتداء من حيث إن العاقد بالإجازة يصير نائباً عن المجيز من ذلك الوقت، وفعل النائب كفعل المنوب عنه، فيصير متزوجاً من ذلك الوقت، وقال بعضهم لا يحنث أجاز بالقول أو بالفعل وإليه أشار في «الزيادات» وهو الأشبه. ووجه ذلك أنّا لو جعلناه حانثاً بالإجازة لجعلناه متزوجاً إياها عند الإجازة لأن شرط الحنث التزوج، ولو صار متزوجاً إياها لصار متزوجاً من وقت مباشرة العقد فيقع الطلاق من ذلك الوقت. وإذا وقع من ذلك الوقت تبين أن الإجازة كانت باطلة إذ تبين أن الإجازة بعد وقوع الطلاق وارتفاع النكاح والإجازة بعد ارتفاع النكاح لا تعمل.

وإذا تبين بطلان الإجازة تبين أنه لم يصر متزوجاً (225ب1) إياها وبدونه لا يقع الطلاق، فتبيّن بطلان الطلاق ففي إيقاع الطلاق ابتداء إبطاله انتهاءً، ولا يقع الطلاق ابتداءً ويجعل في حق الطلاق كأن الإجازة لم توجد، قال نجم الدين رحمه الله: فكلُّ جواب عرفته في قوله أتزوجها فهو الجواب في قوله كل امرأة تدخل في نكاحي؛ لأن دخولها في نكاحه لا يكون إلا بالتزوج، فكان ذكر الدخول في نكاحه بمنزلة ذكر التزوج، فصار كأنه قال: كل امرأة أتزوجها. وبتزويج الفضولي لا يصير متزوجاً. وهذا بخلاف ما لو قال: كل عبد يَدخل في ملكي فهو حرٌّ، فإنه يعتق بعقد الفضولي إذا أجازه؛ لأن ملك اليمين لا يختص بالشراء، بل له أسباب، فلا يكون ذكره ذكراً للشراء أما ههنا بخلافه؛ وإذا قال: كل امرأة تصير حلالاً لي فهذا وما لو قال: كل امرأة تدخل في نكاحي سواء.
وحكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله أنه قال: وقال بعض الفقهاء الحيلة

(3/182)


في هذه الصورة أن يزوجه فضولي امرأة بغير أمره وبغير أمرها ثم يجيز هو النكاح ثم تجيز النكاح فيقع الحنث قبل إجازة المرأة بإجازة الزوج، فإجازتها لا تعمل فيجددان النكاح بعد ذلك، فيكون هذا نكاحاً جائزاً لأن اليمين انعقدت على زوج واحد، ثم الفعل الذي تقع به الإجازة في نكاح الفضولي فعل هو يختص بالنكاح، وهو بعث شيء من المهر وإن قل، وأما بعث الهدية والعطية لا يكون إجازة؛ لأنه لا يختص بالنكاح بل قد يكون بطراً أو أجراً فلا يكون ذلك إجازة للنكاح، هكذا حكي عن نجم الدين رحمه الله، فعلى هذا القياس لو بعث إليها شيئاً من النفقة لا تكون إجازة؛ لأن النفقة لا تختص بالنكاح.

وسئل نجم الدين رحمه الله عمن قال: كل امرأة أتزوجها أو يتزوجها غيري لأجلي، فهي طالق ثلاثاً فما الوجه فيه؟ قال إن تزوج الفضولي لأجله فيقع الطلقات الثلاث ولكن لا يحرمه عليه؛ لأنها تطلق قبل دخولها في ملك الزوج فلا تحرم عليه، ألا ترى أن بعد عقد الفضولي لو طلقها الزوج ثلاثاً لا تحرم عليه وإنما لا تحرم؛ لأن الطلاق إنما يقع قبل دخولها في ملك الزوج فكذا ههنا؛ إلا أنه لا تقبل الإجازة؛ لأنه صار مردوداً فيعقد الفضولي ثانياً لأجله ويجيز هو بالفعل على ما ذكرنا، هكذا حكي عن نجم الدين رحمه الله، وعندي: أن في الكرّة الثانية لا حاجة إلى عقد الفضولي بل إذا تزوج بنفسه لا تطلق؛ لأن اليمين في حق هذه المرأة انجلت بتزوج الفضولي له. ألا ترى أن من قال: إن تزوجت فلانة أو أمرت إنساناً أن يزوجها فهي طالق فأمر إنساناً ليزوجها منه فزوجها لم تطلق؛ لأن اليمين انحلت بالأمر لا إلى جزاء وكذلك إذا قال: إن خطبت فلانة أو تزوجتها فهي طالق فتزوجها لم تطلق لأن اليمين انحلت بالخطبة لا إلى جزاء وسئل هو أيضاً عمن إذا قال لامرأة: أتزوجها أو تزوجها غيري لأجلي وأجيزه فهي طالق ثلاثاً، قال: لا وجه لجوازه، لأنه شدد على نفسه.
إذا قال الحالف لغيره راسوكند ست براين وجه وبعقد فضولي حاجب است ولم يأمره بالعقد فعقد وأجاز الحالف بالفعل لا يحنث. ولو قال: ارتهرمن عقد فضولي إن فهذا توكيل فيحنث الحالف، وإذا حلف لا تطلق امرأته وطلقها فضولي، وأجاز النكاح الزوج ذلك قولاً أو فعلاً، فالجواب فيه نظير الجواب في النكاح، والله أعلم.
(الحيل في رفع اليمين في الطلاق المضاف)

وأما المسائل التي تتعلق برفع اليمين في الطلاق المضاف الحنفي إذا عقد اليمين على جميع النسوة بأن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، أو عقد اليمين على امرأة واحدة بأن قال لامرأة: إن أتزوجك فأنت طالق فتزوج امرأة في الفصل الأول أو تزوج تلك المرأة بعينها في الفصل الثاني ثم إنهما رفعا الأمر إلى حاكم يعتقد مذهب الشافعي رحمه الله وقضى بجواز النكاح وبطلان اليمين المضاف نفذ قضاؤه وصارت المرأة حلالاً له بلا خلاف إن كان الحالف عاميّاً، وإن كان فقيهاً فكذلك في قول محمد رحمه الله. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: لا تصير حلالاً، هكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في بعض النسخ وإن كان فقيهاً فكذلك في ظاهر الرواية فروي عن أبي يوسف رحمه الله في غير رواية «الأصل» لا تصير حلالاً.

(3/183)


واعلم بأن المبتلى بالحادثة سواء وقع الحكم له أو عليه، وإن كان فقيهاً له رأي إن وقع الحكم عليه بأن كان هو يعتقد الحِل فقضى القاضي بالحرمة فعليه أن يتبع قضاء القاضي، وإن حصل الحكم له بأن كان يعتقد الحرمة وقضى القاضي بالحل فعليه أن يتبع حكم القاضي في قول محمد رحمه الله وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يترك رأي نفسه، ولا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقده حراماً، هكذا وقع في بعض النسخ، وذكر الخصاف في «أدب القاضي» في هذه الصورة أن عليه أن يتبع حكم القاضي في ظاهر الرواية، وذكر في غير رواية الأصول أن على قول أبي يوسف رحمه الله لا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقده حراماً. وإذا كتب القاضي الحنفي إلى القاضي الشافعي في تقليده في هذه الصورة وأمثالها إن كان التقليد للحكم ببطلان اليمين كان جائزاً في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما بناء على مسألة معروفة أن القاضي إذا قضى في فصل مختلف بخلاف رأيه على قول أبي حنيفة رحمه الله ينفذ قضاؤه، وعلى قولهما لا ينفذ. وإذا كان من مذهبهما أن قضاءه بخلاف رأي نفسه لا ينفذ، فكذا لا يجوز التقليد بخلاف رأيه عندهما أيضاً.
وإن كان التقليد للحكم بما يراه ويقتضيه الشرع كان التقليد صحيحاً عند الكل وفي «الجامع الأصغر» قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله: في الحاكم المحكم إذا حكم بجواز النكاح بعد الطلاق المضاف وهو يرى ذلك نفذ حكمه وجاز النكاح فلا يقع الطلاق، وقال كثير من مشايخ بلخ: لا يجوز، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «شرح أدب القاضي» للخصاف رحمه الله أن حكم الحاكم المحكم إذا حكم فيما عدا الحدود والقصاص من المجتهَدَات، نحو الكنايات والطلاق المضاف جائز هو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الصحيح، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى، وقالوا: يحتاج إلى حكم الحاكم المقلد كما في الحدود والقصاص كيلا يتجاسر العوام فيه.

وسئل الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله عن هذا فقال (226أ1) أقول: لا يحل لأحد أن يعتقد هذا، ولا أزيد على هذا. قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وقد روي عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا، وهو أن صاحب الحادثة إذا استفتى فقيهاً عدلاً من أهل الفقه والفتوى، فأفتاه ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه، وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها، قال: وقد روي عنهم ما هو أوسع من هذا أن صاحب الحادثة إذا استفتى فقيهاً وأفتاه ببطلان اليمين وسعه إمساك المرأة، فإن تزوج امرأة أخرى فكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، فاستفتى فقيهاً آخر فأفتاه بصحة اليمين يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملاً بفتواهما جميعاً.
وإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فتزوج امرأة وفسخ اليمين عليها وقال لامرأة بعينها: إن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها وفسخ اليمين عليها بطريقة إلى عقد جديد والعقد الأول يكفي، هكذا حكي عن شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، عن أستاذه القاضي الإمام علي النسفي رحمه الله وهذا لأن القاضي بالفسخ لا يرفع الطلاق الواقع إذ

(3/184)


لا سبيل إليه ولكن يبطل اليمين السابق بقضائه وتبيّن أن الطلاق لم يكن واقعاً. وعن هذا قلنا: لو كان الزوج وطئها قبل الفسخ ثم فسخ القاضي اليمين كان ذلك الوطء حلالاً؛ لأن بقضاء القاضي بالفسخ تبين أن اليمين لم تكن منعقدة وأن الطلاق لم يقع، فتبين أن الوطء كان حلالاً. وإذا عقد على جميع النسوة يميناً واحدة بأن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وفسخ اليمين عليها ثم تزوج امرأة أخرى هل يحتاج إلى الفسخ على المرأة الأخرى على قول محمد رحمه الله لا يحتاج، والفسخ على امرأة واحدة فسخ على جميع النسوة، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله، يحتاج إلى الفسخ على المرأة الأخرى، والصدر الشهيد الأكبر برهان الأئمة، والقاضي الإمام الأجل جمال الدين جدّي، والقاضي الإمام عماد الدين والصدر الشهيد حسام الله رحمهم الله، كانوا يفتون بقول محمد رحمه الله وأصل المسألة في كتاب «المنتقى» : إذا قال الرجل: كل عبد اشتريته إلى سنة فهو حرّ، فاشترى عبداً وخاصمه إلى القاضي وأقام البينة على هذه اليمين، وقضى القاضي بعتقه ثم اشترى عبداً آخر وخاصمه، قال محمد رحمه الله: أقضي بعتقه ولا أكلفه بإعادة البينة قال: من قبل أني قضيت على الحالف بذلك اليمين، فالبينة لهما جميعاً، وهو رواية ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله.
وروى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله أن القاضي لا يقضي بعتقه حتى يعيد البيّنة، وهو رواية ابن سماعة عن أبي حنيفة رحمه الله.

وإذا عقد على جماعة من النسوة على كل امرأة يميناً على حدة، وفسخ القاضي اليمين على امرأة واحدة لا ينفسخ اليمين في حق امرأة أخرى بالاتفاق.
وإذا عقد أيماناً على امرأة واحدة بأن قال لها: إن تزوجتك فأنت طالق، قال ذلك مراراً ثم تزوجها وقضى القاضي بصحة نكاحها ترتفع الأيمان كلها.
وإذا عقد على امرأة واحدة بكلمة كلّما بأن قال لها: كلما تزوجتك، أو عقد على كل امرأة بكلمة: كلما، بأن قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، فتزوج تلك المرأة في الفصل الأول وفسخ القاضي اليمين عليها ثم طلقها ثلاثاً أو تزوج امرأة في القضاء الثاني وفسخ القاضي اليمين عليها ثم طلقها وتزوجها ثانياً هل يحتاج إلى الفسخ في حقها مرة أخرى يجب أن تكون المسألة على روايتين بناء على مسألة أخرى أن الثابت من كلمة كلما في الحال يمين واحدة، ويتحدد انعقادها على حسب الحنث، أو أيمان متفرقة والمسألة معروفة في «الجامع» .
وإذا قال: إن تزوجت فلانة، فهي طالق ثم قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثم تزوج امرأة وفسخ اليمين عليها، ثم تزوج فلانة طلقت فلانة لأن بالفسخ على تلك المرأة انفسخ في حق فلانة اليمين العامة دون اليمين الخاصة. ثم على قول من يعتبر الفسخ على امرأة واحدة فسخاً على النسوة كما يظهر الفسخ في حق التي يتزوجها بعد التي فسخ النكاح عليها يظهر الفسخ في حق التي سبقها حتى إذا تزوج امرأة ووقع عليها ثلاث تطليقات ثم تزوج امرأة ثانية وفسخ اليمين على الثانية تصير المرأة الأولى حلالاً له

(3/185)


وكذلك إذا سبقها بثنتين أو ثلاث، وإن سبقها أربع لا يظهر الفسخ في حقهن إذ لو ظهر الفسخ في حقهن لظهر أن القضاء يُحلّ هذه وبفسخ اليمين على هذه كان باطلاً؛ لأنه يظهر أن هذه خامسة، وإذا بطل في حق هذه بطل في حق الأربع أيضاً، فيبطل من حيث يصح.
وكذلك لو كانت الثانية أخت الأولى لا يظهر الفسخ في حق الأولى، هكذا حكي عن الصدر الشهيد رحمه الله، ورأيت مكتوباً بخط بعض المشايخ أن القاضي لا يفسخ اليمين على المرأة التي سبقها أربع؛ لأنه لو فسخها عليها يظهر الفسخ في حق الأربع التي سبقن فيظهر أن نكاح الأربع وقع صحيحاً، فظهر بطلان نكاح الخامسة فلأن يكون الفسخ معتداً في حق الخامسة، وكذلك لا يفسخ اليمين على الأخت الثانية على قول هذا القائل.
وإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فتزوج امرأة ووقع الثلاث عليها ثم إن هذه المرأة تزوجت بزوج آخر، ولم يعلم به الزوج الأول ثم إن الزوج الأول، طلب من المرأة أن يرفعا الأمر إلى قاض يعتقد مذهب الشافعي حتى يفسخ تلك اليمين ويقضي بصحة نكاحهما ففعلا ذلك فقضى القاضي بفسخ تلك اليمين ويقضي بصحة نكاحهما هل يصح قضاؤه؟ ذكر نجم الدين رحمه الله في «فتاويه» أنه لا يصح، قال: قيام النكاح بين المرأة والزوج الثاني يمنع صحة القضاء بالنكاح للزوج الأول.
وسمعت عن الشيخ الإمام ظهير الدين الحسن بن علي رحمه الله أن هذه المسألة على وجهين: إن كان الزوج الثاني غائباً لا يصح قضاؤه؛ لأن هذا حكم بفساد نكاح الزوج الثاني والقضاء على الغائب لا يجوز. وإن كان الزوج الثاني؛ حاضراً يصح قضاؤه وبطل نكاح الثاني لأنه لما قضى ببطلان تلك اليمين ظهر أن الطلقات الثلاث لم تقع وأن الثاني تزوج بها وهي منكوحة الأول.

وإذا قال: كل امرأة أتزوجها طالق ثلاثاً، فتزوج امرأة وطلقها ثلاثاً، ثم ترافعا إلى قاض يعتقد مذهب الشافعي، فحكم ببطلان تلك اليمين هل يصح حكمه؟ فاعلم بأن هذه المسألة اختلف المشايخ فيها، أكثرهم على أن الزوج إن لم يكن دخل بها حتى طلقها ثلاثاً لا يصح حكمه لانعدام (226ب1) دعوى صحيحة؛ لأنه لا يمكن دعوى حقوق النكاح بعد انقطاعه، وههنا انقطع النكاح بلا خلاف عندنا بالطلاق المعلق، وعند الشافعي رحمه الله بالطلاق المرسل وبدون الدعوى لا يصح الحكم.
وإن كان الزوج قد دخل بها بعد النكاح ثم طلقها ثلاثاً وادعت هي نفقة العدة الواجبة بالطلقات المرسلة بعد الدخول والزوج ينكر ذلك بناء على اعتقاده وقوع الطلاق المعلق عقيب النكاح لاعتقاده صحة اليمين. فإذا قضى ببطلان تلك اليمين ووقوع الطلاق المرسل ونفقة العدة عليها ينفذ قضاؤه؛ لأن قضاءه حصل في فصل مجتهد فيه وقد تقدمه دعوى صحيحة.
وفي «فتاوى النسفي» سئل عن حنفي قال: إن تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثاً، فتزوج امرأة ثم ترافعا إلى قاض حنفي فبعثها إلى عالم شفعوي المذهب ليسمع خصومتهما ويقضي بينهما، فأمره بذلك فقضى ذلك العالم الشفعوي ببطلان اليمين وصحة النكاح هل

(3/186)


يجوز؟ قال للسائل: هل أخذ القاضي الأول على هذه الحادثة شيئاً، قال: نعم، قال: إذا قضى الثاني باطل؛ لأن القاضي إذا أخذ على القضاء مالاً، فقد عمل لنفسه فلم يكن قضاء فلم ينفذ.r
قيل: إن أخذ القاضي من صاحب الحادثة أجر مثل الكتابة هل يصح الحكم من المكتوب إليه، قال: نعم، وإن لم يأخذ القاضي هذا القدر من الأجر كان أفضل. قيل: وهل يحتاج لصحة ذلك إلى إجازة القاضي الأول، قال: العرف على هذا أنه يرفع إليه، ولكن في الحكم لا حاجة إلى ذلك لأنه فعل بأمره.
وفي «مجموع النوازل» : سئل شيخ الإسلام أبو الحسن عطاء بن حمزة رحمه الله عن رجل غاب عن امرأته غيبة منقطعة وقد كان النكاح بينهما بشهادة الفسقة هل يجوز إلى القاضي أن يبعث للقاضي الشفعوي ليبطل هذا النكاح بهذا السبب. قال نعم، وللقاضي الحنفي أن يفعل ذلك نفسه أخذاً بهذا المذهب، وإن لم يكن هذا مذهبه، فقد ذكر في «الكتاب» القاضي إذا قضى بشيء ثم ظهر أنه قضاء بخلاف مذهبه إنه ينفذ قضاؤه، وقد ذكرنا هذه المسألة من قبل. قال فروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه صلى بالناس للجمعة ثم أخبر بوجود الفأرة في بئر الحمام وقد كان اغتسل فيه وكان ذلك بعد تفرق الناس فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة أن الماء إذا بلغ قلتين لا يحمل خبثاً ولم يكن مذهبه.
وفيه أيضاً: وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عمن تزوج امرأة بغير ولي وطلقها ثلاثاً بعدما وطئها ثم تزوجها ثانياً بتزويج الولي وارتفعا إلى القاضي وقضى القاضي بأن النكاح الأول لم يقع صحيحاً لعدم الولي وأن الطلقات الثلاث لم تقع، وأن النكاح الثاني بتزويج الولي الأول قد صح هل يصح قضاء القاضي على هذا الوجه، قال: لا أرى ذلك؛ لأن محمداً رحمه الله هو الذي يشترط الولي ثم هو يقول في الكتاب: لو طلقها ثلاثاً ثم أراد أن يتزوجها، فإني أكره له ذلك، وفيه نظر، لأن الشافعي فيه مخالف فإنه بانعقاد النكاح بدون الولي، فيكون قضاء القاضي، في مُجتَهَدٍ فيه، ولكن على خلاف رأي القاضي، وإنه صحيح على قول أبي حنيفة رحمه الله على ما مر، قيل له: فإن كتب الحنفي بذلك إلى عالم شفعوي لا يرى انعقاد النكاح بدون الولي حتى يعقد فيما بينهما ثم يقضي القاضي بذلك قال: إن أخذ القاضي المكاتب.... المكتوب إليه مالاً من المقضي له لا يصح ذلك، وقد مثّل هذا، قيل له: إن لم يأخذ بذلك شيئاً وقضى المكتوب إليه بذلك هل يصح قضاؤه؟ قال نعم.

قيل له: وهل يظهر له بذلك القضاء أن الوطء في النكاح الأول كان ضداناً أو فيه شبهة، وإن كان بينهما ولد هل يكون فيه خبث قال لا لأنهما حنفيّان يعتقدان صحة ذلك النكاح، وقضاء هذا القاضي كان لما في حق إبطال الطلقات الثلاث، فلا يتعدى عنهما إلى حكم آخر.

(3/187)


(قضاء القاضي في مسألة العجز عن النفقة وأمثالها)
وفيه أيضاً: وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عمن غاب عن زوجته غيبة منقطعة ولم يخلف نفقتها فرفع الأمر إلى القاضي فكتب القاضي إلى عالم يرى التفريق بالعجز عن النفقة ففرّق بينهما هل يصح؟ قال: نعم إذا تحقق العجز، قيل فإن كان للزوج ههنا عتاد ومتاع وأملاك هل يتحقق العجز؟ قال: نعم إذا لم يكن جنس النفقة؛ لأن بيع هذه الأشياء للنفقة لا يجوز؛ لأنه قضاء على الغائب هكذا نقل عنه وفيه نظر، والصحيح: أنه لا يصح قضاؤه إذ العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون في يديه مال وهو يقدر على أن يبعث إليها بنفقتها، فلا يبعث فيكون هذا ترك الإنفاق لا العجز عن الانفاق وترك الإنفاق، من الحاضر لا يوجب التفريق بالاتفاق فمن الغائب أولى فلم يكن قضاؤه في المجتهد فلا ينفذ.
فإن رفع قضاءه إلى قاض حنفي فأجاز قضاءه هل ينفذ ذلك القضاء؟ والصحيح: أنه لا ينفذ؛ لأن هذا الفصل ليس بمجتهد لما ذكرنا أن العجز لم يثبت.

الفصل السادس والعشرون: في المتفرقات
في «المنتقى» عن محمد رحمه الله ليس للرجل أن يزوج أمة ابنه الصغير من عبد ابنه الصغير. وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف رحمه الله: الوصي يزوج أمة اليتيم من عبد اليتيم وكذلك الأب؛ ابن سماعة عن محمد: تزوج امرأة على الألف التي له على فلان فالنكاح جائز فإن مات أخذ الزوج بالألف، وإن شاءت أخذت فلان، ويأخذ الزوج حتى يوكلها بقبضها منه.

وعنه أيضاً: إذا قال لامرأته: تزوجتك على الألف التي لي على فلان أتى ببينة ورضيت بذلك، فإذا أخذت زوجها بالألف أخذته إلى بينة.
إبراهيم عن محمد رحمه الله: إذا قال الرجل لغيره: زوجتك أمتي هذه وبعتك عبدي هذا بألف درهم، فقال هذا الغير: قبلت البيع ولا أقبل النكاح فهو باطل.
رجل جاء إلى معتدة الغير وقال: أنفق عليك ما دمت في العدة على أن تزوجي نفسك مني إذا انقضت عدتك، فرضيت به المرأة فأنفق عليها، حتى انقضت عدتها كان له أن يرجع عليها بما أنفق زوجت نفسها أو لم تزوج. وفي «فتاوى الفضلي» لأنها رشوة معنًى، والسبيل في الرشوة (الرد، تزوج) أو لم يزوج في «فتاوى الردة» ، وحكي عن بعض المشايخ أن الزوج إنما يرجع إذا شرط الرجوع عند الإنفاق بأن قال: أنفق عليك بشرط أن تزوجيني نفسك مني، فإن لم تفعلي أرجع عليك بما أنفقْ أما بدون شرط الرجوع لا يكون له حق الرجوع والأول أصح (227أ1) هذا إذا أنفق عليها بشرط التزوج، فأما إذا أنفق عليها من غير هذا الشرط ولكن عُلِمَ عُرفاً أنه ينفق بشرط أن تزوج نفسها منه اختلف المشايخ فيه، منهم من قال: يرجع على قياس ما ذكره الفضلي؛ لأن المعروف كالمشروط

(3/188)


وهو عندنا. قال الصدر الشهيد رحمه الله: الصحيح أنه لا يرجع؛ لأنه أنفق على طمع التزوج لا على شرط التزوج فلا يكون في معنى الرشوة.
ومن هذا الجنس: إذا قال الرجل: اعمل معي في كرمي هذه السنة حتى أزوجك ابنتي، فعمل معه السنة كلها، ثم بدا للرجل أن يزوج ابنته منه هل يجب للعامل عليه مثل أجر عمله؟ وقد اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: لا يجب، وبعضهم قالوا: يجب، وهو الأشبه، وكذلك اختلفوا فيما عمل العامل ابتداءً من غير.... البنت إيّاه بالعمل بشرط التزوج، ولكن علم أنه إنما يعمل معه طمعاً في التزويج. وعلى هذا إذا قال الرجل: اعمل معي في كرمي حتى أقفل في جعل كذا وكذا ثم أبى أن يفعل.

إذا تزوج امرأتين على ألف درهم وإحداهما لا تحل له بأن كانت ذات زوج، أو معتدة من زوج، أو محرّمة عليه برضاع أو مصاهرة، فعند أبي حنيفة رحمه الله: الألف كلها مهر التي تحل له، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: تُقسم الألف على مهرهما، فمهر التي تحل لها حصتها من ذلك، فهما احتجا على أبي حنيفة رحمه الله بفصلين أحدهما: أنا أجمعنا على أنه لو دخل بالتي لا تحل له يلزمها مهر مثلها لا يجاوز به حصتها من الألف. والمسألة مذكورة في «الزيادات» ، وهذا بذلك على اختيار انقسام المهر. الثاني: أنه لا يلزمه الحد بوطء التي لا تحل له مع العلم، وهذا يدل على دخولها تحت العقد، ومن ضرورة دخولها تحت العقد انقسام البدل المسمى.
فأبو حنيفة رحمه الله يقول انقسام المهر من حكم المعاوضة والمساواة في الدخول في العقد؛ والمحرمة لم تدخل تحت العقد؛ لأنها ليست بمحل لعقد النكاح، بيانه أن النكاح يختص لمحل الحل لأن موجبه ملك الحل، وبين الحل والحرمة تناف وأما إذا دخل بالتي لا تحل له ذكر في نكاح «الأصل» لها مهر مثلها مطلقاً، وهو الأصح على قول أبي حنيفة رحمه الله، وما ذكر في «الزيادات» قولهما، وبعد التسليم بقول المنع من المجاورة لمجرد التسمية ورضاها بالعدد المسمى لا بانعقاد العقد، وذلك موجود في حق التي لا تحل له فأما الانقسام باعتبار المعاوضة في الدخول تحت العقد، والتي تحل له من المحصنة بالدخول تحت العقد، وأما فصل سقوط الحد قلنا سقوط الحد عند أبي حنيفة رحمه الله لا تحل صورة العقد لا لأجل انعقاده، وقد وجد صورة العقد في حق التي لا تحل له، فأما انقسام البدل من حكم انعقاد العقد. في «المنتقى» إبراهيم عن محمد رحمه الله: رجل زوج امرأة على خمسة دراهم وصالحته من الخمسة على بحر يساوي خمسين درهماً ثم طلقها قبل الدخول فهي بالخيار إن شاءت أمسكت الكر ولا شيء لها غير ذلك، وإن شاءت ردت نصفه ورجعت عليه درهمين ونصف.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل زوج ابنته الصغيرة من ابن كبير لرجل بغير إذنه خاطب عنه أبوه ثم مات أب الصغير قبل أن يخير الابن النكاح؛ بطل النكاح لأن

(3/189)


لأب الصغير أن يفسخ هذا النكاح، لأنه في هذا النكاح قائم مقام الصغيرة، والصغيرة لو كانت كبيرة فزوجت نفسها من ابن كبير لرجل بغير إذنه خاطب عنه أبوه كان لها أن تفسخ النكاح قبل إجازة الابن فكذا الأب الذي هو قائم مقامها، وإذا كان للأب ولاية الفسخ جعل موته بمنزلة رجوع.، ولو كان مكان الصغيرة كبيرة زوجها بغير إذنها وباقي المسألة بحالها لا يبطل النكاح بموت الأب، لأن الأب لو أراد أن ينقض نكاحها لا يملك لأنه بمنزلة الفضولي، وذكر ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله في رجل زوج ابنة له صغيرة من رجل غائب ثم مات الأب وبلغ الزوج النكاح، فأجاز ذلك فهو جائز في قولي، وهذا نص أن بموت الأب لا يبطل نكاح الصغيرة، فهذه الرواية مخالفة لما ذكر أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» ، ثم فصل الكبيرة دليل على أن بقاء الفضولي في باب النكاح ليس بشرط لصحة الإجازة، والبيع في هذا بخلاف النكاح ألا ترى أن العاقد الفضولي لو قال: رجعت قبل قبول الآخر عمل رجوعه في البيع، ولا يعمل رجوعه في النكاح وهذا لأن حقوق العقد في البيع ترجع إلى العاقد، وفي النكاح لا يرجع إليه.

سئل نصير عن امرأة قالت لرجل: زوجتك نفسي على ألف درهم، فقال الزوج: قبلت النكاح على ألفين، قال: يجوز النكاح في قول محمد رحمه الله، فإن قالت المرأة قبل أن يتفرقا قبلت له ألفين فعلى الزوج ألفان، وإن تفرقا من غير قبول جاز على ألف ولا يلزمه الزيادة، وقال شداد: لا يثبت النكاح وبه قال زفر رحمه الله، ولو قال رجل لامرأة تزوجتك على ألف فقالت المرأة: قبلت النكاح على خمسمائة قال محمد رحمه الله: جاز النكاح ولها خمسمائة، لأنها حطت الفضل عن الزوج، وقال شداد: لا يثبت، وبه قال زفر رحمه الله، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وهذا مثل ما قالوا: في رجل وكل رجلاً بأن يبيع عبده بألف درهم، فباعه بألفين يجوز في قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله، وفي قول زفر رحمه الله لا يجوز.
ذكر في الشراء وسئل نصير عن رجل قال لآخر زوجتك ابنتي على مهر ألف درهم فقال الرجل: قبلت النكاح ولا أقبل المهر فالنكاح باطل وإن قبل النكاح وسكت عن المهر فالنكاح جائز على ما سمى من المهر، وفي شهادات «فتاوى الفضلي» في الوكيل بالنكاح من جهة امرأة إذا زوجها من رجل، أو الأب إذا زوج ابنته البكر الكبيرة أو الصغيرة من رجل بمهر مسمى ثم أبرأ الوكيل أو الأب الزوج على كل المسمى أو البعض عن مهرها على شرط الضمان قال: إذا لم تجز المنكوحة الهبة أو البراءة لم يلزمها الضمان؛ لأن الضمان للزوج انما يكون فيما له على غيره، وهذا إنما ضمن له أن يدفع إليه مثل ما وهب له من ماله، وهذا لا يجوز كمن قال لغيره: ضمنت لك أن أدفع إليك من مالي لم يلزمه بهذا الضمان شيء كذا هاهنا.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : رجل تزوج بأمة الغير ثم تزوج امرأة حرة على هذه الأمة بإذن مولاها أو بغير إذن مولاها لكن بلغه الخبر، وأجاز ذلك أو أمر الزوج المولى أن يزوجه حرة على رقبة أمته هذه، ففعل فإن نكاح (227ب1) الحرة

(3/190)


صحيح في هذه الوجوه كلها، ولا يفسد نكاح الأمة؛ لأنه لو فسد إنما يفسد لعلة أن (في) النكاح الزوج ملك رقبتها ولم يملك. بيانه: ان تسمية مال الغير مهر صحيح، ووجب على الزوج العين أو القيمة وصار المولى بالإجازة قاضياً ديناً على الزوج بأمره، ومن قضى دين غيره بأمره يخرج المقضي به عن ملك القاضي إلى ملك المقضي له من غير أن يدخل في ملك المقضي عنه، ولأن الزوج لو ملكها ملكها بالاستقراض، لأنه لما جعل رقبتها مهرها فقد طلب من المولى أن يقرضها، والمولى بالإجازة أقرضها فلا وجه إليه، لأن القرض لا يفيد الملك قبل القبض ولم يوجد القبض من الزوج وقبض المرأة لا يقع للزوج؛ لأنها قابضة غير حقها، وملكها لا يتوقف على القبض بل يثبت بمجرد العقد، والإنسان في قبض حقه لا يصلح نائباً على الغير فانقلبت الجارية من ملك المولى إلى ملك المرأة من غير أن تدخل في ملك الزوج، وعلى الزوج قيمتها للمولى، إما لأن المولى قضى دين الزوج بأمره من مال نفسه فيستوجب بدله، والحيوان ليست من ذوات الأمثال، فيستوجب القيمة، وإما لأن الزوج صار مستقرضاً الجارية من المولى حيث جعلها مهرها، والمستقرض مضمون.

وإن قبضتها الحرة من الزوج ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها حتى وجب عليها رد نصف الأمة على الزوج لا يفسد نكاح الأمة ما دامت في يد الحرة بناء على ما قلنا: إن الصداق إذا كان مقبوضاً لا ينفسخ الملك في نصفه بنفس الطلاق قبل الدخول بل يحتاج فيه إلى القضاء وإلى رد المرأة فإن ردت النصف على الزوج بقضاء أو بغير قضاء فسد نكاح الأمة، وكان ينبغي أن لا يفسد؛ لأن الجارية خرجت عن ملك المولى إلى ملك الحرة من غير أن تدخل في ملك الزوج، فعند ارتفاع السبب يجب أن تعود إلى ملك المولى من غير أن يدخل في ملك الزوج، والجواب قضية الأصل ما قلتم، ولكن تركنا هذا الأصل لضرورة؛ لأن المولى استحق البدل على الزوج لو عاد نصف الجارية إلى ملك المولى يجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد، وإنه لا يجوز على أنا نقول: سبب الملك للزوج في الجارية موجود ههنا، وهو الاستقراض لكن لم يثبت الملك للزوج فيها لمانع وهو ملك الحرة فيها مهر، فإذا زال ملك الحرة يملكها الزوج بهذا السبب والعود إلى ملك من خرج إنما يكون في موضع لم يوجد في حق غيره سبب ملك قائم.
بعد هذا ينظر إن كان القاضي قضى للمولى بقيمة الجارية، فلا سبيل له على الجارية. وإن لم يقض كان للمولى الخيار إن شاء استرد النصف من الزوج وضمنه النصف، وإن شاء ترك النصف على الزوج وضمنه جميع القيمة، وإنما كان للزوج حق استرداد الجارية مع أن الزوج يملكه بالاستقراض؛ لأنه ملك فاسد بسبب قبض فاسد، فإن استقراض الحيوان فاسد في نفسه، إلا أنه ما دام تبعاً للعقد لم يثبت فيه حكم الفساد؛ فإذا انفصل بالطلاق ظهر حكم الفساد، والفاسد يستحق الرد شرعاً.
ولو أن زوج الأمة قال لمولاها: زوجتي حرة ولم يقل بهذه الأمة صح النكاح، فصارت أمته مهراً للحرة ولا قيمة لمولاها على الزوج؛ لأنه متبرع في جعلها مهراً؛ لأن

(3/191)


العدة في باب النكاح ترجع إلى الزوج لا إلى المأمور، والزوج لم يأمره بإمهارها ومن قضى دين غيره بغير أمره لا يستحق عليه البدل. ألا ترى لو زوجها إياه على ألف درهم وقضاها الألف من ماله كان متبرعاً فكذا ههنا، بخلاف المسألة الأولى؛ لأن هناك الزوج بالإمهار صار مستقرضاً الجارية منه فيلزمه قيمتها عند الصرف إلى قضاء دين نفسه، وبخلاف الوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه، فإنه يرجع على الموكل وإن لم يأمره الموكل بالنقد من مال نفسه؛ لأن العهدة في باب الشراء ترجع إلى المأمور، فلم يصر بالقضاء متبرعاً فإن قبضت الحرة الأمة ثم طلقها قبل الدخول بها لا يفسد نكاح الأمة؛ لأنها تعود إلى ملك المولى ههنا لا إلى ملك الزوج؛ لأن المولى قضى دين الزوج متبرعاً، ومن قضى دين غيره متبرعاً في عقود المعاوضات ثم انفسخ ذلك العقد بوجه من الوجوه عاد المقضي به إلى ملك القاضي بخلاف ما تقدم لأن هناك قضاء الدين حصل بأمر الزوج، ألا ترى أن من قضى الثمن عن الغير متطوعاً ثم انفسخ البيع يعود الثمن إلى ملك القاضي. ولو قضى بأمر المشتري يعود إلى ملك المشتري كذا ههنا.
في «مجموع النوازل» : امرأة أرضعت رضيعين أحدهما كافر والآخر مسلم فاشتبها عليها وعلى الوالدين، ولا يعرف الكافر من المسلم، فهما مسلمان ولا يرثان من أبويهما، أما هما مسلمان لأن الغلبة للإسلام، وأما لا يرثان من أبويهما فلمكان الشك.

فيه أيضاً: سئل عن السكران إذا زوج ابنته بأقل من مهر مثلها قال: لا يجوز بلا خلاف، بخلاف الصاحي على قول أبي حنيفة رحمه الله، والعرف أن أبا حنيفة رحمه الله إنما جوز ذلك من الصاحي؛ لأنه ذو شفقة كاملة ورأي كامل، فالظاهر أنه تأمل غاية التأمل، فرأى في نقصان مهرها منفعة تربو عليه، هذا لا يتأتى في السكران إذ ليس له رأي كامل يقف به على المنافع والمضار.
سئل الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن الرشيفعي رحمه الله عن المناكحة بين أهل السنة وبين أهل الاعتزال قال: لا يجوز؛ لأنهم عندنا كفار؛ لأن من مذهبهم أن من يعتقد غير مذهب الإعتزال فهو ليس بمسلم.
امرأة زوجت نفسها بمهر مثل أمها، والزوج لا يعلم قدر مهر أمها فالنكاح جائز بمقدار مهر أمها. ولو طلقها الزوج قبل الدخول بها، فلها نصف ذلك، وللزوج الخيار إذا علم مقدار مهرها، كما لو اشترى شيئاً بوزن هذا الحجر ثم علم بوزنه، ولا خيار للمرأة، والبيع نظير النكاح لو باع بما باع فلان جاز؛ لأن الوقوف على ما باع فلان ممكن بخلاف ما لو باع كما يبيع الناس؛ لأن الوقوف عليه غير ممكن.
في «مجموع النوازل» عن شيخ الإسلام رحمه الله: في رجل يدعي على امرأة أنها منكوحته وحلاله وهي تقول: كنت امرأته وقد طلقني وانقضت عدتي (228أ1) وتزوجت بهذا الرجل الثاني والثاني يدعي ولم يقم المدعي بينة على دعواه فتوسط المتوسطون بين المدعي وبين هذه المرأة حتى اختلعت من المدعي بمال واعتدت هل يحل لهذا الرجل الثاني من غير تجديد العقد قال لا حاجة إلى الاعتداد وإلى تجديد العقد ولا صحة لهذا

(3/192)


الخلع، لأن نكاح المدعي لم يثبت فكيف يصح الخلع منه، وإقدام المرأة على الإختلاع وأن جعل إقراراً منها لنكاح المدعي دلالةً إلا أن إقرارها بالنكاح في حق الزوج الثاني غير عامل لو أقرت صريحاً، فكيف إذا أقرت دلالة؟ فلم يثبت نكاح المدعي، ولم يصح الخلع منه ولم يجب اعتداد، وبقي نكاح الثاني صحيحاً كما كان. ادعى زيد وعمرو نكاح امرأة فأقرت المرأة لزيد فقضى القاضي بالمرأة لزيد بحكم إقرارها فقال القاضي بعد ذلك للمرأة: كان زوجك القديم عمرو ولك منه أولاد ثم أقررت بالنكاح لزيد وكيف الحال فقالت: بلى كان زوجي القديم عمرو، إلا أنه طلقني وانقضت عدتي وتزوجت بزيد بعد انقضاء عدتي، وأنكر عمرو أنه طلقها، فإن كان للقاضي علماً أن هذه المرأة كانت امرأة عمرو لها منه أولاد سلمها إلى زيد، وكذلك لو أن القاضي سألهما حين ادعيا نكاحها بهذا السؤال قبل إقرارها بالنكاح لزيد، فأجابت على نحو ما بينا وأقرت بالنكاح لزيد فالقاضي لا يقضي بالنكاح لزيد ما لم يثبت زيد طلاق عمرو.
إذا زوج الرجل أخته ثم قال لها وقت الزفاف هل أجزت ما فعلت فقالت: أجزت، وقد كان الأخ باع أملاكها فقالت: ما علمت ببيع الأملاك، وما أراد به بقوله لي أجزت فالقول قولها وصرف قولها أجزت إلى ترتيب الزفاف.

زوج ابنة البالغ امرأة فذهب الابن إلى بيت الصهر وسكن معهم، وإذا سئل أين تسكن يقول في بيت صهري فهذا من أجازه للنكاح كذا حكى شيخ الإسلام الأوزجندي رحمه الله. صبي عامل تزوج امرأة وغاب، وتزوجت المرأة تاجراً فحضر الصبي، وقد بلغ وأجاز النكاح الذي باشره في حال صغره، ينظر إنّ كانت المرأة قد تزوجت التاجر قبل بلوغ الصبي وإجازته، صح النكاح ويتضمن إقدامها على النكاح الثاني فسخاً للأول، وإن كانت قد تزوجت التاجر بعد إجازة الصبي وبلوغه؛ إن كان النكاح من الصبي بمهر النكاح أو بأكثر مقدار يتغابن الناس فيه لا يصح النكاح الثاني لأن نكاح الصبي في هذه الصورة قد انعقد وعمل إجازته بعد البلوغ، وصارت المرأة امرأة الصبي ولا يصح نكاحها مع الثاني، وإن كان نكاحها بأكثر من مهر المثل مقدار ما لا يتغابن الناس فيه، فإن كان للصغير أب أوجد، فكذلك لأن نكاحه قد انعقد لأن له مجيز وهو الأب أو الجد، لأنهما يملكان مباشرة هذا العقد على الصغير فيملكان إجازته وهذا الجواب إنما يستقيم على قول أبي حنيفة رحمه الله ما عرف، وإن لم يكن للصغير أب أو جد فنكاحها مع الثاني صحيح لأن نكاح الصبي في هذه الصورة لا ينعقد لأنه لا مجيز له فيجوز نكاحها مع الثاني.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله وفي «النوازل» امرأة وهبت مهرها لزوجها ثم ماتت بعد مدة وطلبت ورثتها مهرها من زوجها، وقالوا: كانت هبتها المهر في مرض موتها فلم تصح فقال الزوج: لابل كانت الهبة في الصحة، فالقول قول الزوج لأنهم يدعون عليه الدين وهو ينكر، وفي المسألة نوع إشكال لأن المهر كان ثابتاً فالزوج يدعي السقوط وهم ينكرون ذلك والجواب على المهر كان ثابتاً ولكن حقاً للمرأة لاحقاً للورثة فهم يدعون الاستحقاق لأنفسهم ولم يعرف هذا الاستحقاق لهم، والزوج ينكر فكان

(3/193)


القول قوله، وفيه أيضاً تزوج امرأة على ألف درهم ومهر مثلها ألوف ولم يعلم الأولياء بذلك حتى ماتت المرأة ثم علموا بعد ذلك فليس لهم حق مطالبة الزوج بكمال المهر لأن للأولياء حال حياتها أن يقولوا للزوج إما أن يبلغ مهر مثلها أو يفسخ القاضي النكاح بينكما، أما ليس لهم حق المطالبة بتكميل المهر عيناً فلا يمكن إثبات حق المطالبة بتكميل المهر عيناً، بعد موتها.
رجل خطب امرأة إلى أبيها وقال الأب: إن تقرب المهر وذلك كذا وكذا إلى خمسة أشهر أزوجكها فذهب الخاطب واشتغل بالنقد فكان الخاطب يبعث إلى الأب بهدايا فمضى خمسة أشهر ولم يقدر على نقد المهر ولم يزوجه الأب ابنته هل له أن يسترد ما بعث، قال في «مجموع النوازل» : ما بعث على وجه المهر فله أن يسترده إن كان قائماً وقيمته أو مثله إن كان هالكاً، وما بعث على وجه الهدية فله أن يسترده إن كان قائماً وإن كان هالكاً فلا شيء له، ويجب أن تكون هذه المسألة على قياس مسألة الانفاق على معتدة الغير قيل لرجل مرا فلانة فقال ومرا نكاح في سان فهذا لغو من الكلام وله أن يتزوجها متى شاء.

ذكر في «مجموع النوازل» : رجلٌ قال لامرأته بمحضر من الشهود جزاك الله خيراً قد وهبت مهركِ أبرأت ذمتي فقالت: أرى فقال الشهود هل تشهدي على هبتك المهر قالت: أرى كراناست هل هي هبة قال في «مجموع النوازل» : هذا الكلام يحتمل الهبة والرد والشهود يقفون على هيأة كلامها بمحضر الكلام إن كان هيأة كلامها هيأة التعزير حمله عليه وإن كان هيأة كلامها هيأة لكلامه والامتناع عن الإجابة يحمل عليه أيضا. إذا قالت المرأة لأبيها فوضت إليك الأمر في المعجل فذهب الأب وأجل المعجل سنه لا يصح غير الأب والجد، ولا يملك قبض صداق الصغيرة وإنما يقبضه القاضي، سأل نجم الدين رحمه الله عن رجلٍ تزوج صغيرةً زوجها أبوها منه ثم غاب الزوج ومات الأب وكبرت الصغيرة وتزوجت بزوج آخر ثم حضر الزوج الأول وادعاها ولم يكن له بينة فلم يقض للأول وقضى بها للثاني فولدت من الثاني بنتاً ولزوج الأول ابن صغير من امرأة أخرى، فأراد الزوج الأول أن يزوج هذه البنت من ابنه الصغير لا يجوز لأن من زعم الزوج الأول أن أم البنت زوجته والابنة ولدت (228ب1) على فراشه فهي ابنته بزعمه فلا يجوز له أن يزوجها من ابنه وأما إذا كبر الابن وأراد ان يتزوج البنت بنفسه من غير تزويج الأب يجوز لأن زعم الأب لا يعتبر في حقه. والصحيح من الجواب أن الابن بعدما كبر أن يصدق الأب في دعواه له أن يتزوج البنت وإن لم يكن يصدقه فله أن يتزوج لأنه لما صدقه فقد زعم أن الابنة وزعم الأب إن كان لا يعتبر في حق الابن فزعم الابن يعتبر في حقه إذا لقنت المرأة بالعربية حتى قالت: زوجت نفسي من فلان وفلان حاضر فقبل وكان ذلك بمحضر من الشهود إلا أن المرأة لم تعرف أن هذا تزويج والشهود يعرفون أنه تزويج فقد قيل بأن النكاح ينعقد، وهذا القائل يقيس النكاح على الطلاق فإن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق وهو لا يعرف أن هذا تطليق، أو قال لعبده: أنت حر وهو لا

(3/194)


يعلم أن هذا تحرير يقع الطلاق والعتاق، وقيل إنه لا

ينعقد لأن النكاح معاوضة وتمليك، وفي المعاوضة والتمليك يشترط على المتعاقدين بمعناه كما في البيع والإيجارة وغير ذلك.
زوج ابنه البالغ امرأة بغير إقراره، ومات الابن واختلف الأب والزوجة بعد ذلك، فقال الأب: مات الابن قبل أن يخير، وقالت المرأة: لا بل مات بعد الإجازة، فالقول قول الأب والبينة بينة المرأة. الولي ادام وجه وليه فردت النكاح فقال الزوج والولي إنها صغيرة فردها باطل، وقالت هي: أنا كبيرة فروي صحيح، فإن كانت مراهقة فالقول قولها، لأنها أخبرت عما يحتمل ثبوته.
إذا ادعى رجل على امرأة أن وليها زوجها منه في حال صغرها وأقام على ذلك بينة وأقامت المرأة بينة أن الولي زوجها منه بعد البلوغ بغير رضاها فالبينة بينة المرأة، لأنها تُثبت أمراً حادثاً وهو البلوغ، وان لم يكن لها بينة فالقول قول المرأة لأنها تنكر الملك، وقيل يجب أن يكون القول قول الزوج، لأن البلوغ حادث فيحال بحدوثه إذا أقرت له، أو مات وهو ما بعد النكاح ولكن الأول أصح لأن البلوغ كما هو حادث فالنكاح أيضاً حادث فيحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات وهو ما بعد البلوغ فتعارض الحادثان بقيت المرأة منكرة الملك فكان القول قولها، وكذلك البيع على هذا القياس إذا باع مال ولده ووقع الاختلاف بين الابن وبين المشتري وقال الابن: البيع كان بعد البلوغ وقال المشتري: لا بل كان قبل البلوغ، فالبينة بينة الابن والقول قول الابن أيضاً، لأنه ينكر التمليك عليه.

ادعى على امرأة نكاحاً وقال هذه امرأتي وفي يدي وأقام البينة على ذلك، فرجل آخر أقام البينة أنها امرأته وهي في يدي الثاني معاينة، قضى للثاني في المرأة لأن له يد معاين، والآخر مشهود بها والمعاينة أقوى من الخبر، ولو أقام الأول بينة على أنها امرأته وفي يديه وأنه تزوجها وأقام الثاني بينة أنها امرأته وفي يديه، ولا يدري أن المرأة في يد من (قبله) فالمرأة للأول لأن كل واحد منهما أثبت أنها امرأته، وأنها في يده وتفرد الأول بإثبات العقد وعلى قياس ما ذكرنا قبل هذا أن دعوى الرجل أن هذه امرأته دعوى النكاح، يجب أن البنتان لأنهما استويا في الاثبات وهو الانسب.
في «فتاوى النسفي» : سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن امرأة نعي إليها زوجها ففعلت هي وأهل الميت ما يفعل أهل المصيبة من إقامة رسم التعرفة واعتدت، فتزوجت بزوج آخر، ثم جاء آخر وأخبرها أن زوجها حيّ، وأني رأيته في بلد كذا، كيف حال نكاحها مع الثاني؟ وهل يسعها أن تقيم معه؟

قال: إن صدقت المخبر الأول لا يمكنها تصديق المخبر الثاني، ولا يبطل نكاح الثاني ويسعها المقام معه، وقيل: إن كان المخبر الأول عدلاً أو كان أكثر رأيها أنه صادق بما أخبر لا يفرق بينها وبين الثاني، وفي «مجموع النوازل» : رجلٌ طلق امرأته ثلاثاً وانقضت عدتها وتزوجت بعبدٍ بغير إذن سيده ودخل بها، ثم أجاز السيد النكاح، فلم

(3/195)


يطأها بعد ذلك حتى طلقها فإنه لا يحل النكاح للزوج الأول حتى يطئها بعد الإجازة، وفيه أيضاً: أمة زوجت نفسها من رجل بغير إذن مولاها على عشرة دراهم ومهر مثلها منه درهم، فوطئها الزوج، فإن أجاز المولى النكاح لم يكن له إلا عشرة دراهم وإن لم يُجِز أخذ مهراً لها وإن أجاز المولى النكاح ثم طلقها قبل أن يدخل بها بعد الإجازة فإن ذلك الوطىء كان بعد الإجازة وإن لم يجز النكاح ولكنه اعتق الأمة وهو يعلم بالنكاح أو لم يعلم جاز النكاح والمهر للمولى. وفيه أيضاً عبد تزوج امرأة على رقبته بغير إذن سيده فقال السيد: أجيز النكاح وأجيز على رقبته النكاح فلها الأول من مهر مثلها ومن قيمة العبد باع منه، وفيه أيضاً: رجل قال لآخر: زوجني امرأة على مائة درهم فزوجه امرأة على ألف درهم ودخل بها ومهر مثلها ألفي درهم فلها الألف لأنها رضيت بالألف، ولو أن امرأة قالت لرجل زوجني على ألف درهم فزوجها على مائة درهم ودخل بها ومهر مثلها ألفي درهم فلها ألفي درهم لأن الوكيل لم يزوجها على ما رضيت به.
ادعى على امرأة أن هذه امرأته تزوجها في غرة شهر كذا وأقام على ذلك بينة، وأقامت المرأة بينة أنه أقر بعد هذا التاريخ بثلاثة أشهر أنها حرام عليه وأنها ليست بامرأته إقراراً صحيحاً فهذا دفع صحيح حتى يحلف بالله ما أردت به الطلاق فإن نكل تندفع الخصومة عن المرأة والله أعلم.

(3/196)