المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الطلاق
هذا الكتاب يشتمل على سبعة وعشرين فصلاً.
1 * في بيان أنواع الطلاق.
2 * في بيان شرط صحة الطلاق وبيان حكمه.

3 * في بيان من يقع طلاقه ومن لا يقع طلاقه.
4 * فيما يرجع إلى صريح الطلاق.
5 * في الكنايات.
6 * في إيقاع الطلاق بالكتابات.
7 * في الشركة في الطلاق.
8 * في الطلاق الذي يكون من غير الزوج فيجزه الزوج.
9 * في الاستثناء في الطلاق.
10 * في إيقاع الطلاق على امرأة بعينها ثم الرجوع عنها بالإيقاع على أخرى.
11 * في إضافة الطلاق إلى الأوقات.
12 * في الرجل يوقع الطلاق ثم يقول: لي امرأة أخرى والمطلقة هي الأخرى.
13 * في طلاق الغاية والظرف.
14 * في الشك في إيقاع الطلاق وفي الشك في عدد ما وقع وفي الإيجاب المبهم.
15 * في إيقاع الطلاق بالمال.
16 * في الخلع.
17 * في الأيمان في الطلاق.
18 * في الطلاق الذي يقع بقوله: أول امرأة أتزوجها وبقوله: آخر امرأة أتزوجها.
19 * في الشهادة في الطلاق والدعوى والخصومة.
20 * في طلاق المريض.

(3/197)


21 * في التعليقات التي هي إيقاع في الحال.
22 * في مسائل الرجعة.
23 * في مسائل الظهار وكفارته.

(3/198)


الفصل الأول: في بيان أنواع الطلاق
فنقول الطلاق نوعان: مسمى وبدعي والمسمى نوعان: مسمى من حيث العدد، ومسمى من حيث الوقت المسمى من حيث العدد نوعان: حسن وأحسن وأما الأحسن أن يطلقها واحدة في وقت السنة ويتركها حتى تنقضي عدتها لأنه أبعد عن العدم فيكون أحسن ضرورة، وأما الحسن أن يطلقها ثلاثاً في ثلاثة (229أ1) أطهار لأن الإنسان قد يحتاج إلى حسم باب النكاح حتى يتخلص عنها بالكلية.

ولكن إنما يحتاج إلى ذلك إذا أخرت نفسها فوجدت نفسه بمال لا يتبعها إذا لم يجد إلى النكاح سبيلاً، فقدر الشرع زمان التجربة بثلاثة أطهار فصار إيقاع الثلاث في ثلاثة الأطهار محتاجاً إليها فكان حسناً، وأما المسمى من حيث الوقت أن يطلقها طاهراً من غير جماع، أو حاملاً قد استبان حملها، وهذا لأن الأصل في الطلاق الحظر والإباحة باعتبار الحاجة ودليل الحاجة الإقدام على الطلاق في زمان كمال الرغبة فيها، وزمان كمال رغبة الزوج فيها زمان الحبل يشفعه على الولد فزمان الطهر الذي لم يجامعها لأنه لم يحصل مقصود منها في هذا الطهر، أما زمان الحيض زمان تغربه عنها شرعاً وطبعاً، والطهر الذي جامعها فيه زمان فل رغبته فيها لتحصيل مقصوده فيها في هذا الطهر فكان الطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه واقعاً عن حاجة فيكون سبباً، وفي الطهر الذي جامعها فيه وفي زمان الحيض واقعاً لا عن حاجة فيكون بدعياً ثم ظاهر ما يذكر محمد رحمه الله في «الأصل» في هذه المسألة يدل على أنه يطلقها متى طهرت من الحيض.
فإنه قال: يطلقها إذا طهرت من الحيض قبل أن يجامعها، واختار بعض مشايخنا تأخير الإيقاع إلى أحسن الطهر ليكون أبعد من تطويل مدة العدة وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله، ثم الطهر الذي لم يجامعها فيه إنما يكون وقتاً للطلاق المسمى إذا لم يحتاج معها في الحيض الذي سبقه هذا الطهر، فإن الجماع في حالة الحيض، والطلاق في حالة الحيض يخرجان الطهر الذي عقبته من أن يكون محلاً للطلاق المسمى، نص عليه في «الزيادات» وهذا إذا لم يراجعها حين طلقها في حالة الحيض فإذا راجعها منذ ذكر في الأصل أنها إذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت طلقها إن شاء وهذا إشارة إلى أن في المراجعة لا يعود الطهر الذي عقيب الحيض محلاً للطلاق المسمى، وذكر الطحاوي رحمه الله أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة وهذا إشارةً إلى أنه يعود محلاً للطلاق السني. قال أبو الحسن رحمه اللَّه ما ذكر الطحاوي قول أبي حنيفة رحمه

(3/199)


الله، وما ذكر في الأصل قولهما، ولو طلقها في حالة الحيض ثم تزوجها ثم أراد أن يطلقها في الطهر الذي يلي هذه الحيضة فهذا الطلاق يكون سبباً بالاتفاق، وهذا كله إذا كانت المرأة مدخولاً بها وهي ممن تحيض، وإن كانت ممن لا تحيض لصغر أو كبر طلقها متى شاء واحدة، وإن كان عقيب الجماع وكذلك الحامل، وقال زفر رحمه الله يفصل بين الطلاق والجماع في حق الآيسة والصغيرة بشهر.
والصحيح مذهب علمائنا الثلاثة رحمهم اللَّه، لأن الطلاق في حق ذوات الأمر في الطهر الذي جامعها فيه إنما كان حراماً لأنه ربما يكون سبباً للندم بأن يظهر بها حبل فيندم على طلاقها وإنما يباح الإيقاع بشرط أن يأمن الندم، هذا المعنى لا يتأتى بحق الآيسة والصغيرة، قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني: فكان شيخنا رحمهما الله يقول: هذا إذا كانت صغيرة لا يرجى منها الحيض والحبل وأما إذا كانت صغيرة يرجى منها الحيض والحبل فالأفضل أن يفصل بين جماعها وطلاقها بشهر.

وأما البدعي فنوعان: بدعي لمعنى يعود إلى العدد، بدعي لمعنى يعود للوقت فالذي يعود إلى العدد أن يطلقها ثلاثاً في طهر واحد بكلمة واحدة أو بكلمات متفرقة، أو يجمع بين التطليقتين في طهر واحد بكلمة أو بكلمتين متفرقتين، وأما الذي يعود إلى الوقت أن يطلق المدخول بها وهي من ذوات الأقراء في حالة الحيض لم يكن مكروهاً، لأنه إيقاع بحاجة لأن جميع الأزمنة في حق غير المدخول بها زمان كمال الرغبة فيها لأنه لم يقض وطهره منها والمرء تواق بمعنى شواق إلى ما لم ينل وبه فارق المدخول بها، ولو طلق غير المدخول بها ثلاثاً يكون بدعياً ففي حق العدد سوى بين المدخول بها وغير المدخول بها وفي حق الوقت فرق بينهما فجعل الطلاق في حالة الحيض مكروهاً في حق المدخول بها، ولم يجعله مكروهاً في حق غير المدخول بها لأن الجميع إنما يكره لأنه بسبب يحسم باب النكاح وأنه لا يختلف، فأما الإيقاع في حق المدخول بها في زمان الحيض كره لأنه زمان التفرقة عنها فيكون إيقاعاً لا عن حاجة وجميع الأزمة في حق غير المدخول بها زمان كمال الرغبة فيها فكان الإيقاع عن حاجة فافترقا، والمرأة التي خلى بها زوجها في حق مراعاة وقت الطلاق بمنزلة المدخول؛ لأن الخلوة أقيمت مقام الدخول في بعض الأحكام فكذا في حق هذا الحكم احتياطاً، وطلاق الناس ليس بسني في ظاهر الرواية، وفي «الزيادات» أنه بسني والخلع سني كان في حالة الحيض أو في غير حالة الحيض.
وفي «المنتقى» ذكر مسألة الخلع بهذه الصورة ولا بأس بأن يخالعها في الحيض إذا رأى منها ما يكره وفيه أيضاً: فلا بأس بأن خير امرأته في حالة الحيض فلا بأس لها أن تختار نفسها في حق الحيض. وفيه أيضاً: أدركت واختارت نفسها فلا بأس للقاضي أن يفرق بينهما في حالة الحيض، وإذا قال لامرأته المدخول بها وهي من ذوات الأقراء أنت طالق للسنة وقعت تطليقة للحال إن كانت ظاهرة من غير جماع، وإن كانت حائضاً، أو كانت في طهرٍ جامعها، لم يقع للحال بِسُني حتى يأتي وقت السنة، ولو قال لها: أنت

(3/200)


طالق ثلاثاً لسُنة فهو على وجوه: إن نوى أن يقع عند كل طهرٍ تطليقه فهو على ما نوى، فكذلك إذا لم ينو شيئاً فهي طالق عند كل طهر تطليقة وإن نوى أن يقع الثلاث جملة للحال صحت نيته لأن وقوع الثلاثه جملة عرف بسنة رسول الله عليه السلام ولو نوى أن يقع عند رأس كل شهر تطليقة فهو على مانوى، لأن قوله محتمل يحتمل أن يكون للسنة كاملاً بأن يكون رأس الشهر زمان الطهر، فيكون سنة وقوعاً وإيقاعاً ويحتمَل أن يكون رأس الشهر زمان الحيض، فيكون سنة وقوعاً لا إيقاعاً.
ولو نوى ما هو بدعة حقيقة وهو الثلاث جملة في الحال يقع ثلاثاً. وإذا نوى (229ب1) ما تردد حاله بين السنة والبدعة أولى، ولو كانت آيسة أو صغيرة مدخولة فقال لها: أنت طالق ثلاثاً للسنة وقعت في الحال وطئها في الحال أو لم يطأها ويقع بعد شهر أخرى لأن الشهر في حق الأمة والصغيرة أقيم مقام الحيض في ذوات الأقراء فكما أن في حق ذوات الأقراء يقع أخرى إذا طهرت من الحيض فكذا في حق الآيسة والصغيرة إذا مضى شهر.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله إذا قال لأمرأته: أنت طالق كل شهر للسنة كانت قد أيست من المحيض تعتد بالشهور فهي طالق ثلاثاً عند كل شهر واحدة، وإن كانت تعتد بالحيض فهي طالق واحدة إن نوى ثلاثاً فيكون ثلاثاً بمنزلة قوله كل يوم.

وفي «الأصل» إذا طلق امرأته في طهر لم يجامعها فيه واحدة ثم راجعها في ذلك الطهر بالقول فله أن يطلقها ثانياً في ذلك الطهر، وكان سنة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف رحمه الله لا يكون سنة، وعن محمد رحمه الله روايتان وعلى هذا الاختلاف إذا راجعها بالقبلة والملامسة فأبو يوسف رحمه الله يقول: الشرط للفصل بين طلاق السنة الحيضة الكاملة ولم يوجد ذلك ههنا. وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الفصل بالحيضة إنما يعتبر إذا كانت الثانية تقع في العدة وبالمراجعة ارتفعت العدة فكانت الثانية بمنزلة ابتداء الإيقاع وقد حصل في طهر لا جماع فيه فيكون سنة.
ثم الفقه لأبي حنيفة رحمه الله في المسألة أن إيقاع الثانية حصل عن حاجة فيكون سنة كما لو كان مكان الرجعة نكاحاً. بيانه: أن الحاجة إلى إيقاع الثانية عليها حاجة الخلاص عنها عند عجزه عن الإمساك بالمعروف وقد تجددت هذه الحاجة بالمراجعة فإنه عاد حقها في القسم فيجب عليه الإمساك بالمعروف.
وذكر في «المنتقى» مسألة النكاح على الخلاف أيضاً، وصورة ما ذكر ثمة: إذا قال لامرأته ولم يدخل بها: طالق للسنة وقعت واحدة ساعة ما تكلم، فإن تزوجها وقعت أخرى ساعة تزوجها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا تقع حتى يمضي شهر كامل من الطلاق الأول، وكذا لو كانت حاملاً فقال لها: أنت طالق ثلاثاً للسنة حتى وقعت واحدة ساعة ما تكلم ولو وضعت حملها بعد ذلك بيوم وتزوجها

(3/201)


تقع أخرى عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لأبي يوسف.
وعلى هذا إذا لمسها بشهوة ثم قال لها في حالة الملامسة: أنت طلاق للسنة يقع عليها ثلاث تطليقات على التعاقب عند أبي حنيفة رحمه الله، ولو كان راجعها بالجماع فإن لم تحبل فليس له أن يطلقها أخرى بالإجماع وإن حبلت فله أن يطلقها أخرى عند أبي حنيفة رحمه الله فيكون سبباً، وقال أبو يوسف رحمه الله: ليس له أن يطلقها أخرى، فأبو يوسف رحمه الله مر على أصله أن الشرط للفصل بين طلاقي السنة الحيضة الكاملة، وأبو حنيفة رحمه الله فرق بينما إذا حبلت وبينما إذا لم تحبل. والفرق أنها إذا لم تحبل فهذا طهر جامعها فيه، والطلاق عقيب الجماع في الطهر لا يكون سبباً لاحتمال حدوث الندم على ذلك لاشتباه الأمر، وهذا المعنى لا يتأتى إذا كان الحبل ظاهراً.
وفي «المنتقى» : إذا طلق امرأته واحدة وهي طاهرة من غير جماع ثم جامعها نكاية صار رجعة ثم قال لها: أنت طالق للسنة لم يقع في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله من قبل الجماع الذي كان في هذا الطهر وإنه محمول على ما إذا لم تحبل عند أبي حنيفة رحمه الله قال ثمة: ولو قال: كان طلاق سنتها بالشهر، وإن كان له أن يوقع الثانية بعد الجماع، لأن الجماع فيهما لا يمنع من طلاق السنة.
وفيه أيضاً: إذا طلق امرأته وهي حامل ثم راجعها فولدت واغتسلت من النفاس فله أن يطلقها للسنة في قول أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله وإن لم يتم بين التطليقتين شهر ودم وفصل النفاس بين الطلاقين كالحيض، ولو طلقها وهي صغيرة ثم حاضت وطهرت قبل مضي الشهر فله أن يطلقها أخرى في قولهم جميعاً لأن الشهر إنما يعتبر للفصل بين الطلاقين في حق الآيسة والصغيرة بدلاً عن الحيض فإذا وجد الحيض سقط حكم البدل، ولو طلقها وهي من ذوات الأقراء ثم النسب فله أن يطلقها أخرى حين تيأس عند أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يطلقها حتى يمضي شهر.

وفي «نوادر أبي سليمان» عن أبي يوسف رحمه الله لا يطلقها حتى يمضي شهر وفي «نوادر أبي سليمان» عن أبي يوسف رحمه الله: رجل قال لأمرأته وقد أيست من الحيض: أنت طالق ثلاثاً للسنة وقعت واحدة حين تكلم به، ثم إذا حاضت بعد ذلك وطهرت بطلت تلك التطليقة الأولى ولزمتها تطليقة عند الطهر من الحيض يريد به إذا كان جامعها بعد الإياس قبل هذه المقالة قال: وليست هذه كالصغيرة إذا حاضت، فإن في حق الصغيرة لا تبطل التطليقة الأولى قال: فإن أيست بعد هذه الحيضة من المحيض واستبان إياسها وقعت التطليقتان الباقيتان بالشهور، وإذا قال لأمرأته: أنت طالق هذا للسنة وهي ممن لا يقع عليها طلاق السنة في العدة لا يقع عليها الطلاق إلا في وقت السنة.
قال ابن سماعة في «نوادره» أبا ترى أنه إذا قال لها: أنت طالق غداً إذا دخلت الدار أنت طالق غداً بدخولك الدار لا تطلق ما لم تدخل الدار كذا ههنا.
ذكر المعلى في «نوادره» : رجل طلق امرأته للسنة وهي طاهرة من غير جماع من

(3/202)


الزوج إلا أن رجلاً آخر كان وطئها في طهرها هذا قال: إن كان وطئها بالزنا فالطلاق واقع عليها في طهرها هذا وإن كان وطئها لشبهة فالطلاق لا يقع عليها في هذا الطهر وعليها العدة من الذي وطئها ومن المشايخ من قال على العكس، ومن المشايخ من قال بالوقوع في الوجهين جميعاً.l
وفي «المنتقى» : إذا ظاهر من امرأته ثم طلقها طلاق السنة في وقته قبل أن يكفر عن الظهار وقع ولم يمنع حرمة الظهار وقوع الطلاق السني، وكذلك لو تزوج بأخت امرأته ودخل بها وفرق بينهما وطلق امرأته للسنة في عدة الأخت وكذلك لو طلق امرأته للسنة وهي حبلى من فجور.
امرأة نعي إليها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها هذا الزوج ثم قدم زوجها الأول ثم فرق بينها وبين الزوج الثاني حتى وجبت العدة من الثاني فطلقها الأول (230أ1) للسنة في عدتها من الثاني لم يقع في قول أبي يوسف رحمه الله، وفي قول أبي حنيفة رحمه الله يقع. ولو كان الأول طلقها ثلاثاً للسنة قبل أن تتزوج بالثاني فحاضت وطهرت فلزمها تطليقة ثم تزوجت بالثاني ودخل بها الثاني وفرق بينهما لم يقع عليها ما بقي من طلاق السنة ما دامت تعتد من الثاني في قول أبي يوسف رحمه الله، وفي قول أبي حنيفة رحمه الله يلزمها الطلاق.
نوع آخريتصل بهذا الفصل
ذكر في «المنتقى» : إذا قال: لها أنت طالق للسنة فقالت أنا طاهرة، وقال الزوج: أوقعت عليك في الحيض أو بعده فالقول قول المرأة، ولو قالت: أنا حامل فقال هو: ليست بحامل لم تصدق المرأة على ادعاء الحمل.
وفي «نوادر هشام» عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق واحدة للسنة، وقالت المرأة: قد كنت حضت وطهرت قبل هذا قبل أن تتكلم بهذا الكلام تكلمت به وأنا طاهرة لم يقربني، وقال الزوج: قد كنت قربتك بعد الطهر قبل هذا الكلام فالقول قول الزوج، ولو قال الزوج: قد كنت قربتك في الحيض وكذبته المرأة فالقول قول المرأة، وكذلك لو قالت: لم يكن دخلت بها قط، فالقول قولها
نوع آخريتصل بهذا الفصل أيضا

قال القدوري: رجل قال لامرأته وهي أمة أنت طالق للسنة وهي الساعة ممن لا يقع عليها طلاق السنة ثم اشتراها ثم جاء وقت السنة لم يقع عليها شيء؛ لأن الطلاق إنما يقع إذا بقي النكاح والعدة، وبعدما اشتراها لا نكاح ولا عدة، أما لا نكاح فظاهر لطريان ملك اليمين المنافي للنكاح، وأما لا عدة فلأنها تحل له بملك اليمين وإنها تنافي وجوب العدة فإن اعتقها ثم جاء وقت السنة يقع الطلاق لأن حكم العدة قد ظهر بعد العتاق فكانت محلاً للطلاق، ولو كان الزوج عبداً والمرأة حرة فقال لها: أنت طالق للسنة ثم

(3/203)


اشترته وقع الطلاق إذا جاء وقت سنتها.
رجل قال لامرأته الأمة: أنت طالق ثلاثاً للسنة وهي طاهرة بطهر جامعها فيه ثم اشتراها ثم أعتقها مكانه فإنها تعتد بحيضتين، فإذا طهرت من الحيضة الأولى وقع بها تطليقة وتبين بالأخرى أي: بالحيضة الأخرى ولا يقع طلاق آخر ولو كانت حائضاً حينما قال لها هذه المقالة ثم اشتراها وأعتقها في تلك الحيضة ثم طهرت من تلك الحيضة لا يقع عليها الطلاق من قبل أنه قد وقعت الفرقة منها بفساد النكاح ولا يقع طلاق السنة بعد فرقة كانت بين الزوج وامرأته إلا بعد شهر أو بعد حيضة، وكذلك المعتقة إذا اختارت نفسها في حالة الحيض وقد كان الزوج قال لها: أنت طالق للسنة لم يقع عليها الطلاق إذا طهرت من هذه الحيضة.
إذا قال لامرأته الأمة: أنت طالق للسنة وهي في الحال من لا يقع عليها طلاق السنة فاشتراها ثم أعتقها في مدة العدة وتزوجها في مدة العدة يقع عليها الطلاق إذا كانت طاهرة من غير جماع ولو تزوجها بعد انقضاء العدة فهي حائض وقع الطلاق عليها كأنه قال لها: إذا تزوجتك فأنت طالق للسنة فتزوجها وهي حائض.
نوع آخريتصل بهذا الفصل أيضا

إذا قال لها: أنت طالق للبدعة ونوى ثلاثاً فهي ثلاث لأن إيقاع الثلاث جملة بدعة فقد نوى ما يحتمله لفظه ففتحت ثلاثة هكذا روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله، وروى إبراهيم عنه أنها واحدة تملك الرجعة.
إذا قال لها: أنت طالق للشهور وهي لا تحيض فهي طالق عند كل شهر تطليقة، هكذا ذكر «القدوري» رحمه الله في «شرحه» فزاد في «المنتقى» ونوى ثلاثاً فهي طالق ثلاثاً عند كل شهر واحدة، ولو قال لها: أنت طالق للحيض وهي ممن لا تحيض لا يقع شيء ولم يفصل بين الآيسة والصغيرة قال بعض مشايخنا: وهذا الجواب ظاهر في حق الآيسة لأن الحيض في حقها ليس بموجود ولا يوجد غالباً مشكل في حق الصغيرة لأن الحيض في حقها يحتمل الوجود ويوجد غالباً، والإضافة إلى معدومة يحتمل الوجود صحيح، كما لو قال لها: أنت طالق بعد غد وهذا القائل يقول: بأن جواب «الكتاب» محمول على الآيسة، وفي حق الصغيرة يتوقف وقوع الطلاق على وجود الحيض وبعض مشايخنا قالوا: هذا الجواب مشكل في حق الآيسة والصغيرة جميعاً؛ لأن الحيض الذي يضاف إليها الطلاق حيض العدة فكأنه قال لها: أنت طالق للعدة هذا إذا قال لها أنت طالق للحيض وهي ممن لا تحيض، وإن قال لها: أنت طالق للحيض وهي ممن تحيض قال: كانت طاهرة من غير جماع وقت هذه المقالة طلقت الساعة كأنه قال لها: أنت طالق للعدة، هكذا روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله، إن قال لها ذلك وهي حائض فإن لم ينو شيئاً فهي واحدة رجعية تقع عند كل طهرها من الحيضة، وإن نوى ثلاثاً فهي طالق عند طهرها من كل حيضة حتى تطلق ثلاثاً، ذكر المسألة على هذا التفصيل ابن سماعة رحمه

(3/204)


الله. وفي «القدوري» ذكر المسألة من غير تفصيل فقال: إذا قال لها أنت طالق للحيض وهي ممن تحيض وقع عند كل حيضة تطليقة.

وفي «المنتقى» : إذا قال لها أنت طالق بكتاب الله ينوي طلاق السنة فهو على ما نوى وإن لم ينو شيئاً فهي طالق ساعة ما تكلم به، ولو قال لها: أنت طالق على ما في كتاب الله تعالى، أو على قول القضاة، أو على قول الفقهاء، أو قال: بسنة رسول الله عليه السلام فهي طالق ساعة ما تكلم، إلا أن يقول عنيت للسنة فيكون على ما عنى.
نوع آخريتصل بهذا الفصل أيضا

ذكر ابن سماعة في «نوادره» عن محمد رحمه الله إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً للسنة مع كل واحدة واحدة للبدعة فهي طالق ثلاثاً الساعة للبدعة، وذكر المعلى عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لأمرأته: أنت طالق تطليقتين أولهما للسنة، فإن كانت طاهرة من غير جماع وقعت عليها التي هي للسنة أولاً، ثم تتبعها الأخرى، وإن كانت حائضاً تأخرت التطليقتان جميعاً حتى تطهر ثم تقعان التي للسنة قبل الأخرى، ولو قال لها: أنت طالق تبين إحداهما للسنة والأخرى للبدعة، أو قال: أنت طالق واحدة للسنة والأخرى للبدعة فإن كان الوقت وقت السنة تقعان جميعاً تقع السنة أولاً ثم تتبعها البدعة، وإن لم يكن الوقت وقت السنة تقع البدعية وتتأخر السنية وإن بدأ بالبدعة والوقت ليس وقت السنة (230ب1) يقع البدعة ويتأخر السنة والله أعلم.
نوع آخرمن هذا الفصل أيضا
أبو يوسف رحمه الله في رجل قال لامرأته وقد دخل بها: أنت طالق ثلاثاً للسنة بألف درهم وقبلت المرأة ذلك، وقال: عنيت أن تقع الثلاث جميعاً لزمها ثلاث تطليقات بقوله فلا يكون له إلا ثلث الألف إلا أن تصدقه المرأة في هذه الثلاثة، ولو قال: أنت طالق ثلاثاً للسنة بألف درهم إن شئت، أو قدم المشيئة على الطلاق، فإن كانت هذه المقالة في حالة الحيض فالمشيئة في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لا يكون حتى تطهر من الحيض، وإن كانت هذه المقالة في طهر جامعها فيه، فحتى تحيض حيضة أخرى وتطهر والله أعلم.

الفصل الثاني: في بيان شرط صحة الطلاق وبيان حكمه
فنقول شرط صحة الطلاق قيام العقد في المرأة نكاحاً كان أو عدة، وقيام حل جواز العقد، ولا يكفي أحدهما لصحة الطلاق، أما قيام العقد وحده فلأنها إذا حرمت

(3/205)


بالمصاهرة بعد الدخول بها حتى وجبت العدة وطلقها في العدة لا يصح طلاقه وإن كان العقد قائماً لما لم يكن حل جواز العقد قائماً، وأما قيام حل جواز العقد وحده لأنه بعدما طلقها واحدة أو ثنتين وانقضت عدتها وطلقها لا يصح طلاقه، وإن كان حل جواز العقد قائماً لما لم يكن العقد قائماً.
وقيام ملك النكاح ليس بشرط لوقوع الطلاق وصحته حتى إن المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة، فإن لم يكن ملك النكاح قائماً وحكم الطلاق زوال ملك النكاح، وزوال حل العقد متى تم ثلاثاً، والطلاق يصح مفيداً (أحد حكمته) ، فإنه إذا طلق امرأته واحدة وتركها حتى انقضت عدتها فهذا الطلاق صحيح، وإن كان لا يفيد إلا زوال ملك النكاح، وكذا إذا طلق المختلعة أو المبانة تطليقتين في حالة العدة يصح وهذا الطلاق لا يفيد إلا زوال حل العقد لأن ملك النكاح زال بالخلع والطلاق البائن.

الفصل الثالث: في بيان من يقع طلاقه ومن لا يقع طلاقه
طلاق الصبي غير واقع، وكذلك طلاق المجنون والمعتوه، وقيل في الحد الفاصل بين المعتوه والمجنون والعاقل أن العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله فيكون هذا غالباً، وذلك غالباً فيكون سواء، قيل أيضاً: المجنون من يفعل هذه الأفعال لا عن قصد والعاقل يفعل ما يفعله المجانين في الأحايين لكن لا عن قصد يعني يفعل على ظن الصلاح، والمعتوه من يفعل ما يفعله المجانين في الأحايين لكن عن قصد يعني يقصد فعله مع ظهور وجه الفساد، وكذلك طلاق النائم غير واقع، وإذا طلق النائم امرأته في حالة النوم ثم قال بعدما انتبه: أجزت ذلك الطلاق لا يقع شيء، ولو قال: أوقعت ذلك يقع تطليقه، ولو قال أوقعت ما تلفظت به في حالة النوم لا يقع شيء، ذكره شيخ الإسلام رحمه الله المعروف بخواهر زاده في آخر باب الطلاق.

على هذا الصبي إذا طلق امرأته ثم قال بعدما بلغ أجزت ذلك الطلاق لا يقع، ولو قال: أوقعت ذلك يقع، وكذلك لو أن رجلاً طلق امرأة الصبي فقال الصبي بعد بلوغه أوقعت الطلاق الذي أوقعه فلان يقع ولو قال أجزت ذلك لا يقع، ذكره رحمه الله في «شرح المأذون الكبير» . قال القدوري رحمه الله في «كتابه» : وطلاق السكران واقع إذا سكر من الخمر والنبيذ، وهو مذهب أصحابنا، وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله يختار أنه لا يقع وهو قول الطحاوي وأحد قولي الشافعي رحمهما الله.

ولو أكره على الشرب أو شرب الخمر عند الضرورة فذهب عقله وطلق امرأته فطلاقه واقع رواه هشام عن محمد رحمه الله وعلل فقال: لأن عقله إنما ذهب بلذة، ولو

(3/206)


ذهب عقله من داليس وطلق امرأته لا تطلق، وكذلك لو شرب البنج وذهب عقله وطلق، وذكر عبد العزيز الترمذي رحمه الله قال: سألت أبا حنيفة وسفيان الثوري رحمة الله عليهما عن رجل شرب البنج فارتفع إلى رأسه وطلق امرأته قال: إن كان حين يشرب يعلم أنه ما هو فهي طالق، وإن كان حين يشرب لم يعلم أنه ما هو لم تطلق، ولو شرب النبيذ ولم يذهب عقله منه ولكن لم يوافقه فصدع منه فزال عقله بالصداع دون الشرب لم يقع طلاقه، ولو شرب من الأشربة التي تتخذ من الحبوب أو من العسل أو من الشهد وسكر وطلق امرأته لا يقع طلاقه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله خلافاً لمحمد رحمه الله.
وطلاق اللاعب والهازل به واقع، وكذلك الرجل يريد أن يتكلم بكلام فسبق لسانه بالطلاق فالطلاق واقع ذكر القدوري العتاق مثل الطلاق في جميع ذلك في المشهور.
وفي «المنتقى» : وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز الغلط في الطلاق ويجوز في العتاق حتى إن الرجل لو أراد أن يقول لامرأته اسقيني فسبقه اللسان فقال: أنت طالق قال: هي طالق، ولو كان ذلك في العتاق يدين فيما بينه وبين الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله: هما سواء ولا يجوز في واحد منهما وسوّى أبو يوسف رحمه الله في «الإملاء» بينهما على قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال على قول أبي حنيفة: لا يدين فيما بينه وبين الله تعالى فيهما.

الفصل الرابع: فيما يرجع إلى صريح الطلاق
إذا قال لامرأته: يا مطلقة وقع الطلاق عليها، ولو قال: أردت به الشتم دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء؛ لأنه وصفها بالطلاق. وإذا قال: أردت الشتم فقد نوى شيئاً ليس بوصف لها فيكون مدعياً خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء، ولو قال: أردت طلاق زوج كان لها قبل ذلك إن لم يكن لها زوج قبل ذلك لا يلتفت إلى قوله، وكذا إذا كا لها زوج قبل ذلك وقد مات عنها زوجها لا يلتفت إلى قوله، وإن كان قد طلقها صدق ديانة باتفاق الروايات ويدين في القضاء في رواية أبي سليمان لأنه وصفها بطلاق واقع والطلاق لا يختص بإيقاع زوج دون زوج فيصدق في ذلك، ولو قال لها: أنت مطْلقة بالتخفيف فذلك على النية.
وفي «الواقعات» : إذا طلق امرأته ثم قال لها: قد طلقتك أو قال بالفارسية: طلاق دادم تر ادادم ترا طلاق يقع تطليقة بائنة، ولو قال: قد كنت طلقتك أو قال بالفارسية طلاق داده اهم ترا لا يقع شيء.
وفي «الأصل» في باب الطلاق إذا قال لامرأته قد طلقتك أمس وهو كاذب كانت طالقاً

(3/207)


في القضاء ولو قال لها: أنت طالق طالق أو قال: طلقتك (231أ1) طلقتك، أو قال: أنت طالق قد طلقتك، ثم قال عنيت الأولى دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء.

ومن هذا الجنس ما ذكر في «الفتاوى» إذا قال لامرأته نبك طلاق دست بازدا سمت أو قال: دست بازدا سم نبك طلاق، فقالت امرأته: بازاوى تامرديان سنويد باز كيت اكرباء دوم حنين كفت دست بازدا سته أم باكد بردست باردا سنه كم بكت واحدا. وإن قال: دست بارداسمت نبك طلاق يقع إلا إذا قال: عنيت بالثاني الإخبار فيصدق ديانة، ولو قال لها: أنت طالق فقال له رجل: ما قلت فقال طلقتها قال: أو قلت هي طالق فهي واحدة في القضاء لأن قوله في المرأة الثانية خرج جواباً فيكون إخباراً عن الإيقاع الأول ليتحقق جواباً بخلاف المسألة المتقدمة لأن قوله في المرة الثانية خرج على سبيل الابتداء فكان إيقاعاً، هذه الجملة في «شرح القدوري» .

ولو قال لها: أنت طالق ثم قال لها: يا مطلقة لا تقع أخرى لأنه صادق في مقالته، ولو قال لها: أنت طالق ونوى طلاقاً من وثاق لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، ولو صرح وقال: أنت طالق من وثاق لا يقع في القضاء شيء. ولو قال: أنت طالق من قبل أو من عل ذكر هذه المسألة: «المنتقى» في موضعين وأجاب في أحد الموضعين أنه لا يقع الطلاق في القضاء وأجاب في الموضع (الآخر) أنه يقع الطلاق في القضاء، فروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله إذا قال لامرأته، أنت طالق من هذا القبل أو من هذا العل لم تطلق، ولو قال أنت طالق ثلاثاً من هذا القبل أو من هذا العل طلقت ثلاثاً ولم يدين في القضاء.
ولو قال لها: أنت طالق وأراد به أنها طالق من العمل لم يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه لأن الطلاق لإزالة القيد وهي غير مقيدة بالعمل فروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يدين لأن الإطلاق يذكر ويراد به التخليص عن العمل فكان ناوياً ما يحتمله لفظه.

ولو قال: أنت طالق من هذا العمل وقع الطلاق في القضاء ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن المرأة إذا لم تكن مقيدة بالعمل كان قوله من هذا العمل بياناً صورة لا حقيقة فلا يصدق قضاءً باعتبار الحقيقة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى، لوجود البيان صورة.
ولو قال لها أنت طالق وقال: لم أعنِ الطلاق عن وثاق النكاح فإنه يقع الطلاق فيما بينه وبين الله تعالى كما يقع في القضاء، والوجه في ذلك أن الطلاق في حقيقة اللغة، وإن كان الإطلاق عن وثاق العبد، إلا أنه صار الإطلاق عن وثاق النكاح حقيقة، والإطلاق عن قيد الحقيقي مجازاً لأنه ثبت هذا الاسم للطلاق عن وثاق النكاح عرفاً وشرعاً والاسم متى ثبت لغير ما وضع له عرفاً وشرعاً يصير لذلك حقيقة ولما وضع له مجازاً والحقيقة من الكلام لا النية ندفع حكمها إلا بإرادة المجاز، أما بمجرد ترك نية الحقيقة من غير نية المجاز لا يندفع حكم الحقيقة لأن النية ليست بشرط لثبوت ما هو حقيقة اللفظ ولا لمنع ثبوت حكم الحقيقة بترك النية والحاصل أن الكلام أنواع أربعة

(3/208)


حقيقة باعتبار الوضع، وحكمه لا يندفع ما لم ينوِ المجاز، ومجازٌ صار كالحقيقة وهو ما ثبت عرفاً وشرعاً، وحكمه لا يندفع أيضاً ما لم ينو المجاز، لأنه ألحق بالحقيقة، ومجازٌ متعارف ومطلق للفظ ينصرف إليه ولكن إذا نوى أن لا يثبت ذلك لا يثبت وإن لم ينو غيره. ومجازٌ غير متعارف، وإنه لا يثبت بمطلق الكلام إلا الهيئة.
رجل قال لامرأته: براشه طلاق يقع الثلاث لأن هذا بمنزلة قوله أعطيتك ثلاث تطليقات ألا ترى أنه لو قال لغيره لك هذا الثوب كان هبة وكان بمنزلة قوله أعطيتك هذا الثوب. هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في باب النون.

وفي هذا الباب أيضاً: إذا تشاجر الرجل مع امرأته فقال لها بالفارسية هرار طلاق برا ولم يزد على هذا تقع الثلاث لأن هذا فارسي قوله ألف تطليقة لك، ولو قال ألف تطليقة لك تقع الثلاث لأنه لو قال: لك ألف تطليقة تقع الثلاث، وكذلك إذا قدم المؤخر، هكذا ذكر رحمه الله تعليل المسألتين مع صورتهما.

وفي «فتاوى أهل سمرقند» من طلاق برا دادم. قال: نوى الإيقاع وقع الطلاق وإن نوى التفويض لا يقع لأنه يحتمل التفويض، وإن لم يكن له نية يقع لأنه إيقاع ظاهراً فيصُرِفَ إليه ما لم ينو شيئاً آخر. وفي «فتاوى الفضلي» تر طلاق إيقاع طلاق ترا تفويض إن طلقت نفسها في المجلس يقع.
وفي «المنتقى» رجل قال لامرأته لك الطلاق قال أبو حنيفة رحمه الله: إن نوى الطلاق فهي طالق وإن لم يكن له نية فلا شيء عليه، وقال أبو يوسف رحمه الله: إن نوى الطلاق فطلاق وإلا فالأمر بيدها، ولو قال عليك الطلاق فهي طالق إذا نوى.

وفيه أيضاً عن أبي يوسف رحمه الله: إذ قال لامرأته لكم الطلاق إنها طالق في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى إن عنى غير ذلك، ولو قال: طلاقي عليك واجب وقع، وكذا إذا قال لها الطلاق عليك واجب ذكره البقالي في «فتاويه» . ولو قال لها: طلاقك عليَّ لا يقع، ولو قال: طلاقك عليَّ واجب أو لازم أو فرض أو ثابت ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» خلافاً بين المتأخرين، منهم من قال يقع واحدة رجعية نوى أو لم ينوِ، ومنهم من قال لا يقع نوى أو لم ينوِ، ومنهم من قال في قوله واجب يقع بدون النية، وفي قوله لازم لا يقع وإن نوى والفارق العرف، وعلى هذا الخلاف إذا قال لها إن فعلت كذا فطلاقك عليَّ واجب، أو قال: لازم أو قال ثابت ففعلت. وذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» أن على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يقع في الكل، وعند أبي يوسف رحمه الله إن نوى الطلاق يقع في الكل وعن محمد رحمه الله أنه يقع في قوله لازم ولا يقع في قوله واجب و (هو) اختيار الصدر الشهيد رحمه الله، قال: الوقوع في الكل لأن نفس الطلاق لا يكون واجباً ولا لازماً وفرضاً إنما يكون حكمه واجباً وحكم الطلاق لا يجب إلا بعد الوقوع، وكان الشيخ الإمام ظهير الدين الحسن بن علي المرغيناني رحمه الله يفتي بعدم الوقوع في الكل، وعن ابن سّلام فيمن قال إن فعلت كذا فثلاث تطليقات عليَّ أو قال عليَّ واجب فإنه يعتبر عادة أهل البلد هل غلب، (231ب1) ذلك في كلامهم.

(3/209)


ولو قال لامرأته: طلقك الله تطلق، وإن لم ينو لأنه لا يطلقها الله إلا وهي طالق، هكذا ذكر في «فتاوى أبي الليث رحمه الله» . وفي «المنتقى» وفي «العيون» شرط النية، والأول أصح، ولو قال لها: نسيه طلاق باش، أو قال بطلاق باش تحكم النية، فكان الشيخ الإمام ظهير الدين رحمه الله يفتي بالوقوع (في) هذه الصورة بل لنية إذا قال لامرأته أنت أطلق من امرأة فلان وهي مطلقة فذلك على نيته إلا أن يكون جواباً لمسألة الطلاق، هكذا ذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» وصورة ذلك: أن المرأة إذا قالت لزوجها قد طلق فلان امرأته فطلقني، فقال الزوج: أنت أطلق منها فهي طالق ولا يدين، وكذلك لو قال: أنت أبين منها. وسأل نصر عن ذلك فقال: تقع ثم قال في اليوم الثاني، وجدت رواية عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يقع، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله معناه: إن لم ينو وإذا نوى يقع كذا روي عن أبي يوسف رحمه الله في «الأمالي» .
إذا قال: خذي طلاقك يقع، وكذا وإذا قال لها: أوجدت طلاقك يقع، وإذا قال لها شئت طلاقك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «شرحه» أنه يقع الطلاق، ولم يشترط نية الإيقاع، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» إذا قال: شئت طلاقك بنية الإيقاع يقع.
وذكر في «المنتقى» في باب اللفيف من كتاب الطلاق: قال لامرأته: شئت طلاقك وهو ينوي الطلاق طلقت، وذكر في باب الكنايات إذا قال لها: شاء الله طلاقك، قضى الله طلاقك، شئت طلاقك، أمضيت، قضيت لا تطلق إلا أن ينوي، ولو قال: نويت طلاقك أحببت طلاقك رضيت طلاقك أردت طلاقك لا تطلق وإن نوى.
s
قال في «المنتقى» : والقياس في ذلك سواء غير أن شئت هو أشبه بالطلاق فاستحسنه وحده.

إذا قال لها وهبت طلاقك فهذا صريح حتى يقع الطلاق قضاء وإن لم ينو به الطلاق، وإذا قال: نويت أن يكون الطلاق في يدها لا يصدق قضاء ويصدق ديانة، وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يصدق قضاء أيضاً، ولو قال لها: أعدتك طلاقك، روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه يقع، وعن محمد أنه لا يقع، وذكر هذه المسألة في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله، وقال نصر: الطلاق في يدها بمنزلة ما لو قال لها: أمرك بيدك، ولو قال لها: أقرضتك طلاقك لا يقع، ولو قال لها: وهبتك طلاقك قال (في) مشايخنا ينبغي أن لا يقع، وإذا قال لرجل أخبر امرأتي بطلاقها فهي طالق ساعة ما تكلم أخبرها ذلك الرجل أو لم يخبرها فكذلك إذا قال شهرها بطلاقها، احمل إليها طلاقها، أخبرها أنها طالق قل لها إنها طالق بخلاف ما لو قال لها أنت طالق فإنه لا يقع الطلاق هناك ما لم يطلقها إذا قال لها برشه طلاق دادستند لا يقع لأنه ذكر الإيقاع دون الوقوع.
امرأة قالت لزوجها طلقني فضربها وقال: اينك طالق لا يقع لأنه لم يوجد الإضافة، ولو قال: ابيكت طلاق يقع كذا حكي عن شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، «في مجموع النوازل» في «كتاب الأيمان» سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن امرأة قالت لزوجها عند المشاجرة: مرا طلاق ده مر دجوب برداشت ومي زدومي كفت دار طلاق قال: لا تطلق،

(3/210)


وسئل الإمام أحمد الغلاييني رحمه الله عن امرأة قالت لزوجها: طلقني فوكزها قال: اينك طالق ثم وكزها ثانياً وقال: اينك ذو طلاق ثم وكزها ثالثاً وقال: اينك ننته طلاق قال: تطلق ثلاثاً قال: ولو كان قال لها: اينك نكي، اينك دو، اينك ننته ولم يتلفظ بالطلاق لم تطلق، قال نجم الدين النسفي رحمه الله: جواب شيخ الإسلام في المسألة الأولى كجوابه في المسألة الثانية يعني لا تطلق، وجواب الغلاييني رحمه الله في المسألة الأولى كجوابه في المسألة الثانية يعني تطلق فشيخ الإسلام يقول: تسمى الضربة طلاقاً فبطل، والغلاييني يقول يلفظ الطلاق فيقع. سئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عمن قال لامرأته هذا وطلاق بدا منت اندر كردم قال: إن كان هذا في مذاكرة الطلاق فكذلك وإن لم يرد الطلاق فالقول قوله مع يمينه، إذا قال لها: طالق يرتحا دركوشه توبرشت قومي والبسي الملحفة لا يقع الطلاق عليها في الحال ولا بعد ما لبست الملحفة، وكذا لو قال لها طلاق توكو ارستان برتهادة است مريه هنل بخلاف ما ذكرنا في المسألتين جميعاً وهو الأظهر والأشبه لأن هذا يقتضي وجود الطلاق فرايت ديوى بجوارشان أراد به رف نجم الدين في قوله شبه طلاق تركزانه خادرت بريشتم إنه يقع الطلاق، قال ولها دار طلاق يتوى لعدم الإضافة إليها وقيل يقع من غير نية وهو الأشبه لأن قوله دار في العادة وقوله حد سواء ولو قال لها: خذي طلاقك يقع من غير نية كذا هاهنا.

سئل شمس الأئمة الأوزجندي رحمه الله عن امرأة قالت لزوجها لو كان الطلاق بيدي لطلقت نفسي ألف تطليقة فقال الزوج من هزار هذا طلاق دارم ولم يقل دارم برا قال: يقع الطلاق لأن كلامه خرج جواباً.
امرأة قالت لزوجها طلقني ثلاثاً فقال الزوج: إنك هزار لا تطلق من غير نية لأن قوله إنك هزار كلام محتمل لو قال: بنية طلاق وليست امرأته في بيته وقت هذه المقالة تطلق امرأته إذ ليس المراد من البيت المذكور في هذه الصورة حقيقة البيت إنما المراد بيت النكاح فكأنه، قال: المرأة التي في نكاحي طالق، ولو قال: ابن طالق وليست امرأته في ذلك البيت وقت المقالة لا تطلق امرأته، لأن المراد من اسم البيت عند تعيين الزيادة على ما سمى أولاً وهو الطلاق فصار كأنه قال: دادش هزار طالق ذكر امرأة قالت لزوجها من طلاقه لم فقال الزوج شي أو قال: طلاقه تشي أو قال توكن بالبيت فيقع عليها ثلاث تطليقات.
سئل الفقيه أبو بكر رحمه الله عمن قال لامرأته: هزار طلاق تو لكن قال يقع ثلاث تطليقات كأنه قال طلقتك الصادر وكذلك إذا قال: هزار طلاقي توكى ونوى الطلاق تطلق ثلاثاً لأنه يراد بمثل هذا الكلام الإيجاب وقيل في الصورة الأولى ينوي الزوج لأنه يحتمل هزار طالق توكى كردم فيكون هذا وعداً في الإيقاع (232أ1) فينوي لهذا وقيل: في الصورة الثانية لا تطلق وإن نوى لأن هذا وعد ولا يحتمل الايقاع في الحال. امرأة سألت من زوجها الطلاق فقال الزوج لها: أنت طالق خمس تطليقات فقالت المرأة: الثلاث تكفيني فقال الزوج: الثلاث لك والباقي لصواحبك فله سواها امرأة أو امرأتان يقع على

(3/211)


المخاطبة ثلاث تطليقات ولا يقع على غيرها شيء لأن الزيادة على الثلاث لغو شرعاً فقد صرف إلى غير المخاطبة ما هو لغو شرعاً فلا يعمل، وإذا قال لها قولي إني طالق فإن قالت ذلك طلقت، وإن لم تقل لم تطلق بخلاف ما إذا قال لغيره: قل لامرأتي أنها طالق حيث تطلق قال ذلك الرجل لها ذلك أو لم يقل وقد مر نظير هذا.

نوع آخر في الإيقاع بطريق الإجازة وفي ترك الإضافة وما يشبهها
إذا قال: أنت ثلاث وأضمر الطلاق فاعلم أن هذا ثلاث فصول:
أحدها: أن يضم بالطلاق الثلاث وفي هذا الفصل لا يقع الطلاق.
والثاني: واحتياطاً إذا قال لامرأته توكى يوشه أو قال لها: تراكى قال الشيخ أبو القاسم الصفار البلخي رحمه الله لا يقع الطلاق قال: لأن العربية لها أجازات فأما الفارسية فليس لها اجازات قال الصدر الشهيد: المختار عندي أنه إذا نوى يقع الطلاق لأن هذا ليس من باب الإجاز بل هذا من باب تعيين أحد محتملي اللفظ لأن اسم الثلاث يقع على غير الطلاق وعلى الطلاق فإذا لم ينو الطلاق لا يتعين الطلاق مراداً فإذا نواه يتعين.
وفي «فتاوي شمس الأئمة الأوزجندي» : رحمه الله ذكر قبل هذا في التعليق فصورته الكرتومكا فأجاب بأنه لا يقع بدون النية، وفي «فتاوي النسفي» : رجل اتهمته امرأته بشيء وطلبت منه أن يحلف على ذلك بطلاقها فحلف بهذا اللفظ: اكرفلان وأجاب أنها لا تطلق.
في «فتاوي الفضلي» : إذا قال لها: أنت مني ثلاثاً إن نوى الطلاق طلقت لأنه نوى ما يحتمله وإن قال: لم أنو الطلاق لم يصدق إذا كان الحال حال مذاكرة الطلاق.
وفيه أيضاً: إذا قال لها: بوبيه ده ونوى الطلاق قال: يقع الطلاق لأنه أضمر الطلاق وهو نظير قوله أنت الثلاث ونوى الطلاق.
وفيه أيضاً اكرتوا فلان كاركني نويتك طلاق ففعلت وقع الطلاق من غير نية الزوج لأن المعنى كلامه نويتك طلاق هشتي، ولو قال لها: نوبيه ثارا بدون فكان ذلك في حالة الغضب فالقول قوله أنه لم يرد الطلاق لأن قوله الدون كما يحتمل الطلاق يحتمل اللعن وغيره ولا يتعين الطلاق مراداً إلا بالنية.

قالت لزوجها طلقني وأشار إليها ثلاث أصابع يريد بذلك ثلاث تطليقات لا تطلق ما لم يقل بلسانه لأنه لو وقع وقع بالضمر فالطلاق لا يقع بالضمر، وفي «فتاوى أهل سمرقند» إذا قال لها.... طلاقي يقع عليها طلقة لأن معناه.... طالقي، وفي

(3/212)


«نوادر أبي الليث» رحمه الله قالت لزوجها كيف لا تطلقني فقال لها بالفارسية توخودا سراز تاناني طلاق كردواي قال: تسأل الزوج عن مراده لأنه أخبر عن الطلاق فتسأل عن مراده. إذا قال لها في حالة الغضب: اكرتوزن مني بنية طلاق لا يقع شيء لأنه حذف الباء فلم يكن مضيفاً إليها فلا يكون موجباً، وعلى هذا فصل للتعليق.
إذا قال: هرزن طلاق فتزوج امرأة لا يقع الطلاق هو الصحيح وسئل أبو خضر عن سكران قال لأمرأته أتريدين أن أطلقك فقالت: نعم فقال بالفارسية: اكرتوزن طلاق ذو طلاق بنية طلاق قومي واخرجي من عندي وهو يزعم أنه لم يرد به الطلاق فالقول قوله، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله؛ لأنه لم يضف الطلاق إلى المرأة. ولم يذكر الإيقاع.
إذا قالت لزوجها طلقني فقال الزوج طالق يردارور في إن نوى طلاقها يقع الطلاق، ولو قال بنية طلاق جود يقع الطلاق من غير نية. قال لامرأته: أنت طالق واحدة فقالت المرأة: هزار فقال الزوج هزار ينوي الزوج فإن لم يكن له نية لا يقع شيء في الحكم لأنه يحتمل وإن كان إلى الإيقاع أقرب.
رجل اتهم امرأته برجل ثم رأى ذلك الرجل في بيته فغضب فقال: زن دادم عدداً طلاق قيل يقع الطلاق إذا نوى وقيل بالوقوع من غير نية. رجل جمع أصدقاءه وأمر امرأته أن تتخذ لهم طعاماً فلم تفعل وذهبت من بيت الزوج فقال الزوج: زنى كردوست شمن مرا بنو داز من بينة طلاق ذكر في «مجموع النوازل» أنه تطلق امرأته.
رجل قال لخدمه وهم يذكرون امرأته بسوء جندان كرديت كه نسه طلاقه كردتبش أو قال: جندان كردتب كه ست طلاق كردتيش يقع الطلاق عليها.

رجل قال: طلقت امرأة أو قال: امرأة طالق، ثم قال: لم أعن امرأتي يصدق ولم يقل عمرة طالق وامرأته عمرة وقال: لم أعن امرأتي لم يصدق قضاءً لأن في الوجه الأول لم تعرف امرأته أصلاً وفي الوجه الثاني عرفها بالاسم ذكره في «فتاوى أهل سمرقند» .
وفي «النوازل» رجل يريد الخروج إلى السفر وأخذته صهرته فقالت: لا أدعك تخرج حتى تطلق ابنتي فقال الزوج: دختر تراسه طالق ثم لم أنو امرأتي وإنما نويت بنتك التي ليست بامرأتى لا يصدق قضاء ويصدق ديانة.
سئل نجم الدين النسفي رحمه الله عن رجل عادة إذا رأى صبياً أن يقول: ما درت طلاقه فسكن ... فقال: أي ما دريت بنية طلاقه وهو لم يعرفه قال: تطلق امرأته ثلاثاً. إذا قال ابنته لأنها طالق نسب امرأته إلى أبيها ولم يسميها أو نسبها إلى أمها أو إلى أخيها أو ما أشبه ذلك ولم يذكر اسمها طلقت امرأته إذا كانت كذلك وعن أبي يوسف رحمه الله ممن قال: عمرة بنت صبيح طالق وامرأته عمرة بنت حفص ولا نية له لم تطلق امرأته وإن كان صبيح زوج أمها فكانت في حجره وكانت تنسب إليه وإنما أبوها حفص وهو يعلم نسبها أو لا يعلم فقال مثل ما قلنا ولا نية له لم يدين في القضاء ويقع الطلاق، وأما فيما

(3/213)


بينه وبين الله تعالى: إن كان يعرف نسبها لا يقع الطلاق وإن كان لا يعرف يقع الطلاق وإن نوى في هذه الوجوه امرأته طلقت امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى: وإن كان يريد اسم امرأته وإنما يريد الاسم الذي (232ب1) سمي على النسب الذي أضافها إليه وهو يعرف نسبها لم تطلق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى.

ولو قال: امرأته الحبشية طالق ولا نية له في طلاق امرأة وامرأته ليست بحبشية لا يقع عليها، وعلى هذا امرأته الأسدية وغلامه السندي وعلى هذا إذا سماها بغير اسمها ولا نية له في طلاق امرأته، وإن نوى طلاق امرأته في هذه الوجوه طلقت امرأته، وإن سمى امرأته واسم أبيها بأن قال: امرأتي عمره بنت صبيح بن فلان أو قال: أم هذا الرجل التي في وجهها الخال طالق طلقت امرأته سواء كان في وجهها الخال أو لم يكن، لأنه وصفها باسمها ونسبتها قيمت المعرفة الشرعية فلا حاجة إلى ذكر بني آخر ويجعل كل شيء آخر كلامه.
وفي «المنتقى» : زوج رجل.... امرأته قالت: أنا أسماء بنت عبد الله القرشية والرجل لا يعرفها فقال الرجل بعدما تزوجها كل امرأة لي طالق غير اسماء بنت عبد الله القرشية واسم هذه المرأة كانت وبنت النبطية فهي طالق في القضاء ولا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى، إذا قال: نساء أهل الدنيا طالق أو قال أهل راي. وهو من أهل راي، أو قال: نساء أهل بغداد وهو من بغداد لم تطلق امرأته عند أبي يوسف رحمه الله إلا أن ينويها قال لأن هذا أمر عام، وعن محمد رحمه الله روايتان: روى ابن سماعة عنه أنه تطلق امرأته من غير النية فروى هشام عنه أنه لا تطلق امرأته إلا أن ينويها، وذكر في «فتاوى أهل سمرقند» أن في قوله جميع نساء الدنيا طوالق أو قال جميع نساء أهل العالم طالق أنه تطلق امرأته من غير نية ولو قال: نساء أهل هذه السكة طالق وهو من أهل هذه السكة طلقت امرأته.
وكذلك لو قال نساء أهل هذه الدار طوالق وهو من غير أهل هذه الدار طلقت امرأته بلا خلاف، ولو قال: نساء أهل هذه القرية طالق فقد اختلف المشايخ فيه منهم من ألحقه بالبيت والسكة ومنهم من ألحقه بالمصير.

وجه عدم الوقوع في قوله نساء أهل الراي نساء أهل الدنيا أنه لو وقع الطلاق على امرأته إنما يقع إذا اعتبر هذا الكلام النساء في حق هذا القائل وإذا اعتبر نساء في حق هذا القائل يعتبر النساء في حق الكل وبعد اعتباره النساء في حق الكل لأنه إذا اعتبر النساء في حق الكل لا بد وأن يتوقف على إجازتهم وإجازة أهل الدنيا متعذر خرج على هذا فصل السكة والقرية على قول بعض المشايخ.
نوع آخريتصل بهذا الفصل بالإيقاع وبالإضافة إلى بعض المرأة
إذا قال لامرأته رأسك طالق فالأصل في جنس هذه المسائل أن كل (ما) يعبر به عن جميع البدن نحو الرأس والرقبة والفرج والوجه يصح إضافة الطلاق إليه وكل جزء لا يعتبر

(3/214)


به عن جميع البدن إن كان جزءاً لا يستمتع به نحو الدمع والريق والدم لا يصح إضافة الطلاق إليه بالاتفاق، هكذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في «شرحه» .
قال: شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، ولو نوى جميع ما في بدنها من الدم يتبع أن تطلق، وذكر الصدر الشهيد رحمه الله في أول باب الطلاق أنه إذا أضاف الطلاق إلى دمها ففيه روايتان: على رواية «كتاب العتاق» لا تطلق، وعلى رواية «كتاب الكفالة» تطلق، وإن كان جزءاً يستمتع به نحو اليد والرجل لا يصح إضافة الطلاق إليه عندنا.
وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إذا قال لها رأسك طالق وعنى اقتصار الطلاق على الرأس لا يبعد أن يقول لا تطلق، ولو قال لها يدك طالق وأراد به العبارة عن جميع البدن لا يبعد أن يقول بأنها تطلق.

وفي «البقالي» : أنه لا يقع الطلاق بالإضافة إلى اليد وإن نوى، وإذا قال لها: بضعك طالق. ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» أن يقع وهكذا وقع في بعض النسخ، قال ظهرك طالق وبطنك طالق ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» أن الأصح أن لا يقع واستدل بمسألة ذكرها في «الأصل» إذا قال: ظهرك عليَّ كظهر أمي أو قال بطنك عليَّ كظهر أمي أنه لا يصير مظاهراً.

وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «شرحه» : أن الأشبه بمذهب أصحابنا أنه يقع الطلاق قال هو نظير ما قال مشايخنا فيما إذا أضاف عقد النكاح إلى ظهر المرأة أو إلى بطنها أن الأشبه لمذهب أصحابنا أن ينعقد النكاح، وذكر القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه أن الأصح أن يقع، وإذا قال لها يدك طالق فالمحفوظ عن أصحابنا أنها لا تطلق بخلاف قوله مدحك طالق في الحكمة، وذكر في «المنتقى» أن قوله: استك طالق في الحكمة بمنزلة قوله مدحك طالق ولو قال لها نصفك الأعلى طالق واحدة ونصفك الأسفل طالق تبين فلا رواية في هذه المسألة عن المتقدمين وعن المتأخرين وقد صارت هذه المسألة موافقة ببخارى فأفتى بعض مشايخنا بوقوع الواحدة بالإضافة إلى النصف الأعلى لأن الرأس في النصف الأعلى فيصير مضيفاً الطلاق إلى رأسها وأفتى بعضهم بوقوع بالإضافتين لأن الرأس في النصف الأعلى والفرج في النصف الأسفل فيصير مضيفاً الطلاق إلى رأسها بالإضافة إلى النصف الأعلى وإلى فرجها بالاضافة إلى النصف الأسفل.
نوع آخر في تكرار الطلاق وإيقاع العدد في المدخولة وغير المدخولة

امرأة قالت لزوجها: طلقني وطلقني فقال الزوج: قد طلقتك طلقت ثلاثاً نوى الزوج أو لم ينو، ولو قال بغير حرف الواو طلقني طلقني طلقني فقال الزوج قد طلقتك فإن نوى الثلاث طلقت ثلاثاً، وإن نوى واحدة أو لم ينو شيئاً تقع واحدة لأن بدون حرف الواو يحتمل كل الأول ويحتمل الابتداء ذلك نوى الزوج صحت بنية، هكذا ذكر في «عيون المسائل» .

(3/215)


وفي «المنتقى» : إذا قالت: طلقني طلقني طلقني بدون حرف الواو فقال: الزوج قد طلقتك أنه يقع ثلاث تطليقات ولم تشترط نية الزوج الثلاث.

امرأة قالت لزوجها: طلقني ثلاثاً فقال الزوج أنت طالق أو قال: فأنت طالق تقع واحدة هكذا رواه ابن سماعة، وهشام عن محمد رحمه الله علل محمد في رواية هشام رحمه الله فقال: لأن هذا ليس بجواب قال في رواية هشام: وإن عنى الجواب في قوله أنت طالق استحسن أن جعلها ثلاثاً، ولو كان قال: قد طلقتك تقع الثلاث فكذا لو قال: فعلت وقيل: ينبغي أن تقع الثلاث في الوجه الأول لأنه إخراج الكلام فخرج الجواب وأنه يصلح جواباً، وسيأتي في مسائل الخلع ما يدل على أن قوله أنت طالق جواب، وذكر في «البقالي» في «فتاويه» في الوجه الأول أنها (2331) تطلق واحدة إلا أن ينوي الثلاث فيصح استحساناً قال: ثمة فروى إنما تطلق واحدة يعني مع نية الثلاث.
وفي «المنتقى» : امرأة قالت لزوجها طلقني فقال الزوج: قد فعلت طلقت فإن قالت: ردني فقال: قد فعلت طلقت أيضاً.
إبراهيم عن محمد رحمه الله: في رجل قيل لرجل طلقت امرأتك ثلاثاً فقال: نعم واحدة قال: القياس أن يقع عليها ثلاث تطليقات ولكنا نستحسن فنجعلها واحدة.
في «المنتقى» : إذا قالت المرأة طلقني ثلاثاً فقال الزوج قد أبنتُك فهذا جواب وثلاث وكذا قوله: بائن.
وفي «نوادر ابن سماعة» سئل عن أبي يوسف رحمه الله عمن طلق امرأته قد حلت عليه أخت امرأته وعاينته وقالت: طلقت أختي فلأنه تطليقتين ولم يحفظ حق...... فقال الزوج: هذه ثالثة أو قال فهذه ثالثة لزمته الثلاث: وإن لم يذكر الطلاق في معاينتها وباقي المسألة بحالها فقوله هذه ثالثة ليس بشيء إذا لم ينو الطلاق.
إذا قال لها قبل الدخول بها أنت طالق ثلاث يقع الثلاث وكذلك إذا قال لها: ثنتين تقع ثنتان والوجه في ذلك أن في هذه الصورة أول الكلام يتوقف على آخره لأن في آخر الكلام ما يغير حكم أوله لأن قوله أنت طالق لا يحتمل العدد عندنا.

ولهذا لا تصح نية العدد فيه وإذا توقف أول الكلام على آخره كان الوقوع عنه آخر فيصادفها آخر الكلام وهي منكوحة بخلاف ما إذا كرر لفظ الطلاق بحرف العطف أو بغير حرف العطف فقال لها: أنت طالق وطالق أو قال وطالق أو وقال ثم طالق أو قال أنت طالق طالق، أو قال: ترايك طلاق ترايك طلاق حيث تقع واحدة لأن هناك ليس في آخر كلامه ما يغير حكم أوله فلم يتوقف أوله على آخره فطلقت بأول الكلام وبانت لا إلى عدة فيصادفها الكلام الثاني فهي مبانة.....

وفي «فتاوى الفضلي» : إذا قال لها قبل الدخول بها اكرتوزن مني بيك طلاق وذو طلاق دست باردا شبه يقع ثلاث تطليقات، ولو لم يقل دست باز داسبيه تقع واحدة لأن

(3/216)


في الوجه الأول النكاح إنما يتم عند قوله دست باز داسبيه لأنه صار يعتبر الأول فيتوقف فتقع الثلاث جملة وفي الثاني الأول كلام تام صاحب به لا إلى عدة قال لامرأته المدخول بها طلاق داديت طلاق داديت تقع عليها ثلاث تطليقات لأن هذا في الفارسية عطف بمنزلة قوله وتبين في العربية، ولو قال دويعبر حرف الواو وإن نوى العطف تقع الثلاث، وإن لم ينو العطف تقع واحدة، ولو قال لها: ترابك طلاق اكرم من لكن قال شيخ الإسلام أبو الحسن رحمه الله تقع الثلاث عند وجود الشرط قال الشيخ الإمام محمد بن علي.... رحمه الله: تقع واحدة.
إذا قال لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق طالق إن دخلت الدار بانت بالأولى ولم تتعلق البائنة بالدخول، ولو كان معطوفاً فقال أنت فقال: طالق وطالق إن دخلت الدار أو طالق إن دخلت تعلقا جميعاً بالدخول لأنه كما ذكر بحرف الواو علم أن عرض الزوج من الأول التعليق والأول ناقصى في معنى التعليق فتوقف أول الكلام على آخره وتعلق الكل بالشرط دفعة واحدة فيما لم يذكر حرف العطف لم يظهر إن عرض المتكلم من أول التعليق فنفى الأول يتخير فبانت بالأولى لا إلى عدة وعلقت الثانية لأن تعليقها حصن في غير الملك.

إذا قال لها ولم يدخل بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت الدار تقع واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: تقع الثلاث ولو قدم الجزاء فقال: أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار فدخلت الدار تقع الثلاث بلا خلاف والمسألة معروفة.

ولو قال لها: أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار فعند أبي حنيفة رحمه الله تقع عليها واحدة للحال، وثنتين بها ويبطل ما بعد ذلك من الكلام، وعندهما يتوقف الكل على وجود الشرط وإذا وجد الشرط تقع الثلاث هكذا ذكر المسألة في «النوازل» وذكر القدوري رحمه الله أن على قولهما إنما تقع الثلاث عند وجود الشرط بعدما دخل الزوج بها أما إذا وجد الشرط قبل أن يدخل الزوج بها تقع واحدة وهو الأشبه.
g
وجه قولهما: أن كلمة ثم من حروف العطف كالواو والفاء إلا أنه يقتضي العطف على التراخي فلاقتضائه العطف قلنا تتعلق الكل بالشرط وباعتبار اقتضاء به التراخي قلنا تأخر البائنة، والبائنة عن الأول وقوعاً، ولأبي حنيفة رحمه الله أن خاصة هذه الكلمة التراخي وقد دخلت على اللفظ فيجب إظهار التراخي في نفس اللفظ وذلك فإن يتراخى تعليق الثاني عن الأول، وعلى هذا الاعتبار يقع الفصل بين الأول والثاني فصار كما لو فصل بينهما بالسكوت وهناك الجواب كما قلنا فهاهنا كذلك.
والحاصل: أنهما يظهران التراخي في الوقوع دون التعليق وأبو حنيفة رحمه الله أظهر التراخي في التعليق دون الوقوع، ولو قدم الشرط فقال: إن دخلت الدار فأنت طالق

(3/217)


ثم طالق ثم طالق تعلق الأول بالدخول ووقعت الثانية ولغُيت الثالثة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: يتوقف الكل على وجود الشرط وإذا وجد الشرط تقع واحدة والكلام في هذا الفصل بناء على ما ذكرنا في الفصل المتقدم أنهما يظهران التراخي في الوقوع، وأبو حنيفة رحمه الله يظهر التراخي في التعليق.

وفي «نوادر» : هشام عن محمد رحمه الله: إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة حتى تبين بثلاث وهوينوي ثلاثاً طلقت ثلاثاً واحدة بعد واحدة بعد أخرى، ولو قال لها: أنت طالق حتى تبين بثلاث فهي ثلاث فيما أظن الشك من هشام، وفي باب اللفيف من «المنتقى» أنت طالق حتى تحرمي حتى تبين لكن تبين لثنتين أنها واحدة وإن نوى ثلاثاً فهي ثلاث، وعن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لها: أنت طالق حتى تشكل ثلاث تطليقات فهي طالق ثلاثاً ولا تدين في القضاء على إبطال ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لامرأته: أنت طالق وبائن أو قال لها: أنت طالق ثم بائن وقال: لم أنو بقول بائن شيئاً فهي طالق تطليقة رجعية، ولو ذكر بحرف الفاء وباقي المسألة بحالها فهي تطليقة ثانية.
وفي «المنتقى» : إذا طلق امرأته ولم يدخل بها ثنتين ثم قال: ... طلقها واحدة قبل الثنتين فأنا لا أبطل عنه الثنتين وألزمه التي أقر بها فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

إذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت (233ب1) . طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة طلقت واحدة، ولو قال قبلها واحدة أو مع واحدة أو معها واحدة أو بعد واحدة وقعت ثنتان، والأصل في تخريج هذه المسائل أن كلمة قبل إذا دخلت بين اسمين إن كانت مذكورة بحرف الهاء كانت القبلية صفة للمذكور آخراً، وإن كانت مذكورة بدون حرف الهاء كانت القبلية صفة للمذكور أولاً بقول الرجل: جاءني زيد قبله عمرو وكانت القبلية صفة لعمرو وتقول جاءني زيد قبل عمرو وكانت القبلية صفة لزيد وكلمة بعد مقتضاها على ... مقتضى كلمة قبل وكلمة مع للقران ذكرت بالهاء أو بغير الهاء فتقول في كلمة مع يستوي الجواب بين أن يكون مذكورة بالهاء أو بغير الهاء لأن كلمة مع للقران فاقتضى وقوع التطليقتين معاً على غير المدخول بها، وعن أبي يوسف رحمه الله إذا قال معها واحدة تقع واحدة، والصواب ما ذكرنا. وفي كلمة قبل وبعد يختلف الجواب بالذكر مع الهاء وبغيرالهاء، وإذا قال: لها أنت طالق واحدة قبل واحدة فالقبلية صفة المذكور أولاً فسبق الأول في الوقوع وبانت لا إلى غيره فلا تقع البائنة وإذا قال قبلها واحدة والقبلية صفة المذكور آخر وليس في وسعه تقديم الآخر على الأول إما في وسعه القران فيثبت من قصده قدر ما كان في وسعه وهو القران فتقعان معاً، وإذا قال لها: أنت طالق واحدة بعد واحدة فالتعدية صفة للمذكور أولاً فاقتضى وقوع الأول بعد الثاني وليس في وسعه ذلك أما في وسعه القران فتقعان معاً، وإذا قال: واحد بعدها واحدة فالتعدية صفة

(3/218)


المذكور آخراً وهو كان موصوفاً بهذه الصفة من غير وصفه ولم يرد ذلك إلا بكل كذا وبعدما وقع الأول لا يتصور وقوع الثاني قبل الدخول.

وفي «المنتقى» : وقال أبي يوسف رحمه الله في رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت واحدة بعدها واحدة إن دخلت الدار بانت بالأولى ولم يلزمها اليمين لأن هذا منقطع، ولو قال لها: أنت طالق واحد قبل واحدة إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار، وإذا دخلت طلقت واحدة، ولو قال لها: أنت طالق واحدة أو معها أو مع واحدة أو معها واحدة إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل: وإذا دخلت تقع عليها ثنتان، ولو قال لها: أنت طالق واحدة وبعدها أخرى إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل وإذا دخلت وقع عليها ثنتان وهذا وقوله واحدة وواحدة سواء.
ولو قال لها ولم يدخل بها أنت طالق أحد وعشرون تقع الثلاث عند علمائنا رحمهم الله الثلاثة خلافاً لزفر رحمه الله، ولو قال أحد عشر تقع الثلاث في قولهم والوجه لعلمائنا الثلاثة أن قوله أحد وعشرون كلام واحد كقوله وأحد عشر فلا يحكم بأوله قبل آخره حتى يقال تبين بواحدة بأول الكلام فيصدقها العدد الآخر وهي مثابة.

وإنما قلنا: أنه كلام واحد فإن من أراد أن يعبر عن واحدة وعشرين لا يمكنه أن يعبر عنها بعبارة أوجز من هذا في عرف الاستعمال ويجعل كلاماً وأحد عشر وقت واحدة لأنه يمكنه أن يأتي باللفظ المعتاد وبعبارة أوجز من هذا وجعل العددين شيئاً واحداً يكون بطريق الضرورة والضرورة تندفع بالمعتاد فينبغي ما وراء المعتاد مردوداً إلى أصل القياس وهما عددان في الحقيقة، ولو قال: واحد ومائة وواحد وألف كانت واحدة في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله تقع الثلاث، ولو قال واحدة ونصفاً وقع عليها ثنتان، ولو قال نصفاً وواحدة وقعت واحدة عند محمد رحمه الله خلافاً لأبي يوسف رحمهما الله. ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف رحمه الله رجل وامرأتان لم يدخل بهما فقال امرأتي طالق امرأتي طالق قال: أردت واحدة منهما لا أصدقه وأبنتهما منه، وكذلك لو قال: امرأتي طالق وامرأتي طالق، ولو كان قد دخل بهما وما في المسألة بحالها منه أن يوقع الطلاقين على أحديهما والله أعلم.
نوع آخر في إيقاع الطلاق بعدد ما له عدد وما لا عدد له وفي البينةالواقع بما له عدد وما لا عدد له
إذا قال لها أنت طالق مثل عدد كذا لشيء لا عدد له كالشمس والقمر وما أشبه ذلك فهي واحدة بائنة لقول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف رحمه الله: تقع واحدة رجعية لأنها لما شبهه بعدد ما لا عدد له لما ذكر العدد وبقي قوله: أنت طالق، والواقع واحدة رجعية ولأبي حنيفة رحمه الله أنه وصف الطلاق بضرب من الزيادة فليس بعذر إظهار الزيادة من حيث العدد أمكن إظهارها من حيث وصف البينونة فيجب إظهارها.

(3/219)


فروي عن أبي يوسف رحمه الله رواية أخرى أنه تقع واحدة بائنة كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله، ولو قال أنت طالق عدد شعر بطن كفي فهي طلقة واحدة لأنه لا شعر على بطن كفه فلا يكون بذكر هذا العدد موافق العدد، كذلك وإذا قال عدد ما في كفي من الدراهم وليس في يده شيء تقع طلقة واحدة.
وكذا إذا قال عدد ما في هذا الحوض من السمك وليس في الحوض سمك، وكذلك لو قال بعدد كل شعرة على جسد إبليس تقع واحدة حتي يُعلم على جسد إبليس شعر.
ولو قال: أنت طالق عدد شعر رأسي أو عدد شعر ظهر كفي وقد كان حلق ظهر كفه أو رأسه قبل هذه المقالة طلقت ثلاثاً لأنه شبه الواقع بعدد شعر الرأس وبعدد شعر الكف وشعر ظهر الكف وشعر الرأس ذو عدد في نفسه، وإن لم يكن موجوداً بالحال ويصير موقعاً للعدد بخلاف ما لو قال عدد ما على رأسي من الشعر أو عدد ما على ظهر كفي من الشعر لأن هناك شبهة الطلاق بالعدد الموجود حيث قال: عدد ما على ظهر كفي من الشعر وإذا لم يكن موجوداً لفي ذكر العدد.
ولو قال لها أنت طالق كعدد النجوم أو مثل عدد النجوم أو كالنجوم أو كالرمل فهي واحدة بائنة كذا رواه ابن سماعة عن محمد رحمه الله، وفي رواية أخرى عنه أنها واحدة رجعية.
ولو قال: عدد النجوم فهو ثلاث وفي «الجامع الصغير» إذا قال لها أنت طالق كألف فهي واحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثاً لأن الشيء قد شبه الألف لزيادة قوة كما في قوله رب واحد لعدل الألف زائدة وقوة الطلاق بالبينونة فهذا يقتضي وقوع واحدة بائنة وقد يشبه به لكثرته وهذا يقتضي وقوع الثلاث لأن الثلاث كثير لأن الواحدة أدنى وقيد الإطلاق يقع واحدة، وإذا نوى ثلاث صحت نيته، وفي «القدوري» إذا قال لها أنت طالق كألف وإن نوى ثلاثاً فثلاث وإن نوى واحدة أو لم يكن له بينة فهي واحدة بائنة لقول أبي حنيفة رحمه الله (234أ1) وأبي يوسف الآخر رحمه الله، وقال محمد رحمه الله هي ثلاث ولا تدين في الحكم وتبين بما ذكر القدوري رحمه الله أن المذكور في «الجامع الصغير» قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
وجه قول محمد رحمه الله: ما ذكره القدوري أن هذا يشتبه من حيث العدد لأن الألف عدد واقتضى التشبيه بعدده كما لو قال أنت طالق كعدد ألف بخلاف ما لو قال أنت طالق واحدة كألف لأنه صرح بالواحدة علماً أنه أرادا به التشبه في الشدة والقوة دون العدد وتقع واحدة لهذا ولا تقع الثلاث وإن نوى لأن الواحدة لا تحتمل العدد ومن نوى ما لا يحتمله لفظه لا يعمل بنية، ولو قال أنت طالق كعدد ألف أو ثلاث فهي ثلاث في القضاء.
ذكره في «القدوري» أيضاً: لأنه لما صرح بالتشبيه من حيث العدد لم يبق لاحتمال التشبيه من حيث القوة غيره، وإذا قال لها: أنت طالق مثل عظم رأس الإبرة أو قال مثل

(3/220)


الجبل أو قال مثل حبة الخردل فلأصل عند أبي حنيفة رحمه الله في حبس هذه المسائل أنه إذا شبه الطلاق بشيء عظيم أو صغير يقع بائن أي شيء كان المشبه به سواءً ذكر العظيم أو لم يذكر والأصل عند زفر رحمه الله أنه متى شبه الطلاق بشيء عظيم يكون بائن ومتى شبهه بشيء صغير حقير يكون رجعياً ذكر العظم أو لم يذكر.

والأصل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أنه متى ذكر العظم باللفظ يكون بائناً وإن كان المشبه به صغيراً أو من لم يذكر العظم باللفظ وشبهه بشيء عظيم أو شيء صغير حقير إن كان له حدة يكون بائناً وإن لم يكن له حدة يكون رجعياً بناه في مسائل إذا قال لها أنت طالق عظم سمسم أو عظم الخردل.
وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تقع تطليقة بائنة إعتبار للعظم ذكراً. وعند زفر رحمه الله تقع واحدة رجعية في مسألتين اعتباراً لصغر المسمى ولو قال مثل رأس الإبرة تقع واحدة بائناً عندهما لأن له حدة ولو قال مِثْلاً لسمسم تقع واحدة رجعية إذ ليس له حدة وأنه صغير وعند زفر رحمه الله تقع واحدة رجعية في المسألتين جميعاً إعتباراً لصغر المسمى، ولو قال: مثل الأساطين أو التراب أو الجبال عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تقع تطليقة رجعية.
وعند زفر رحمه الله تقع واحدة بائنة، وعند أبي حنيفة رحمه الله تقع واحدة بائنة في هذه الفصول كلها للأصل الذي ذكره. ذكر بعض مشايخنا قول محمد رحمه الله مع أبي يوسف رحمه الله على نحو ما بينا وبعضهم قول محمد مع أبي حنيفة رحمهما الله، وإذا قال لها أنت طالق مثل سبحة دانق طلاق تقع واحدة لأنها سبحة واحدة فقد شبه الواقع بالواحدة فتقع واحدة، ولو قال مثل سبحة دانق ونصف وفارسية تقع ثنتان لأن سبحة دانق ونصف وفارسية دانكم سبيك تقع ثنتان لأن سبحة دانية ونصف سبحتان من حيث العدد فقد شبه الواقع بعددين فتقع ثنتان، ولو قال يتم درم سيك تقع واحدة لأن سبحة ونصف درهم في العرف واحدة، ولو قال صار دانك سنك تقع تطليقتان لأن له سبحتان في العرف، ولو قال جهاردانك ديتم سنك تقع ثلاث بثلث سبحات في العرف فقد يك شبه الواقع بالثلاث.
والحاصل: أن التعديل على عدد السبحات المتعارفة فيما بين الناس.
ولو قال لها أنت طالق هكذا وأشار بإصبع واحدة فهي واحدة وإن أشار بثنتين فهي ثنتان وإن أشار بالثلاثة فهي ثلاث لأن الإشارة بالأصابع بمنزلة التصريح بالعدد وإن أشار بثلاثة أصابع وقال: عنيت بهذه الإشارة التشبيه بالكف دون الأصابع لا يصدق قضاء لأنه خلافاً للظاهر لأن الظاهر فيما بين الناس أنهم يريدون بهذه الاشارة تنقض الأصابع والتشبيه بالأصابع دون الكف ومن المتأخرين من قال: إذا جعل ظهر الكف. إليها والأصابع إلى نفسه صدق قضاءٍ.
ولو قال: عنيت اثنتين بالأصبعين اللتين عقدتهما لا يصدق في القضاء وتقع ثلاث تطليقات لأنه نوى خلاف الظاهر فالظاهر فيما بين الناس أنهم يريدون الإشارة بالأصابع

(3/221)


المنشورة دون المعقودة بعض مشايخ بلخ قالوا: إنما لا يصدق قضاء إذا كانت الأصابع كلها معقودة قبل الإشارة نضف ثلاثاً منها وقال: أنت طالق هكذا، وقال أعني بها الأصابع المعقودة أما إذا كانت الأصابع كلها منشورة عقد ثنتين منها وقال: أنت طالق هكذا وقال عنيت به الأصابع المعقودة يصدق قضاءً لأنه ادعى المعتاد لأن المعتاد فيما بين الناس أنهم يريدون الإشارة بما أخذ فوافقه الحركة فإذا كانت الأصابع كلها منشورة وعقد ثنتين منها، وإنما أخذت الحركة في المعقودة فكان مدعياً هو المعتاد فيصدق قضاء ولكن هذا الخلاف رواية محمد رحمه الله.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا قال عنيت اثنتين بالاصبعين اللتين عقدت لا يصدقه القاضي وقوله عقدت يقتضي أنها كانت منصوبة من قبل وإن أشار بالأصابع كلها فقال أنت طالق ولم يقل هكذا تقع واحدة لأن الإشارة بالأصابع محتملة بين أن تكون نسبة الواقع بها وبين أن تكون للكناية عن المرأة تأكيداً لقوله أنت فيقع الشك في وقوع ما زاد على الواحدة بخلاف ما إذا قال: هكذا لأنه إذا قال هكذا؛ فقد نص على التشبيه والظاهر يشبه الطلاق بها دون المرأة لأن الطلاق يتعدد في نفسه دون المرأة.

ولو قال: لها أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة رجعية لأنه وضعها بالمصر لأن الطلاق إذا وقع يقع في جميع الدنيا فإذا قال إلى الشام فقد وصفه بالمصر ومصره يكون من حيث الحكم والمصر من حيث الحكم هو الرجعي.
إذا قال لها: أنت طالق طلاق ملىء الدار فإن نوى ثلاثاً فهي ثلاث وإن نوى واحدة أو ثنتين أو لم يكن له نية فهي واحدة بائنة لأن الطرف قد يمتلىء من الشيء بضخامته وقد يمثل به لكثرته ونفس الطلاق لا يوصف بالغلط فأما حكم يوصف بالغلط وهو البينونة فإذا لم ينو شيئاً تقع واحدة بائنة؛ لأنه أدنى، وإذا نوى الثلاث تصح نيته لأن اللفظ يحتمله.
وإذا قال لها: أنت طالق واحدة بملىء الدار فهي واحدة بائنة لأنه لما نص على الواحدة نص على الواحدة ووصفها بملىء الدار علماً أنه إذا أراد ملىء الدار من حيث الضخامة والغلظ، وإذا قال: لها أنت طالق لونين من الطلاق فهما تطليقتان تملك الرجعة ولو قال لها: ثلاثة ألوان فهي ثلاثة فكذلك إذا قال ألواناً من الطلاق فهي طلاقاً ثلاثاً وإن نوى ألوان الحمرة والصفرة فله (234ب1) بينة فيما بينه وبين الله تعالى وكذلك إذا قال: ضروباً أو أنواعاً أو وجوهاً من الطلاق.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف رحمه الله أنت طالق واحدة يكون ثلاثاً أو يصير ثلاثاً أو يعود ثلاثاً فهو ثلاث، وكذلك إذا قال: يتم ثلاثاً، ولو قال لها أنت طالق كماهي ثلاثاً وثالث فهي ثلاثة، ولو قال لها: أنت طالق آخر ثلاث تطليقات فهي واحدة، ولو قال: أطلقك آخر ثلاث تطليقات طلقت ثلاثاً إذا قال لها: تراسيار طلاق ولا نية له تقع تطليقتان لأن الشيء إذا ضم إلى الشيء يصير كثيراً ويكثر أكثر فأكثر كثير الطلاق ثلاث الكثير ثنتان هكذا ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» .
وفي «البقالي» : إذا قال لها: أنت طالق قال؛ لأن الثلاث إذا نصف كان نصفه

(3/222)


الأكثر ثنتان من القاضي فخر الدين رحمه الله عامة الطلاق أو قال: هل الطلاق منهما تطليقتان ولو قال أكثر الطلاق فهو ثلاث، ولو قال: كل الطلاق فهو واحدة ولو قال أكثر الطلاق فهو ثلاث. ولو قال: كل الطلاق فهو واحدة ولو قال أكثر الثلاث فهو ثلثان وأخرى فهي واحدة ولو قال: أنت طالق، ولو قال: أنت طالق طالق الطلاق كله فهو ثلاثة وكذلك إذا قال كل طلقة، ولو قال عدداً من الطلاق فهو ثنتان وكذلك إذا قال عدد الطلاق، ولو قال عدة الطلاق فهو ثلاث.
ولو قال أنت طالق واحدة وأخرى فهي ثنتان، ولو قال: أنت طالق غير واحدة فهي ثنتان ولو قال غير ثنتين فهي ثلاث.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله في قوله أنت طالق غير واحدة أنها واحدة إلا أن ينوي، ولو قال لها: أنت طالق لا قليل فلا كثير. حكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله أنه تقع واحدة قال؛ لأن الطلاق لا يوصف بالقلة والكثرة فلما ذكر القلة أو الكثرة ففي قوله أنت طالق وهكذا حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله، واختيار الصدر الشهيد رحمه الله على أنه تقع الثلاث لأنه لما قال أولاً لا قليل فقد قصد إيقاع الثلاث لأن الثلاث هو الكثير فلا يعمل بعد ذلك قوله فلا كثير، فعلى هذا لو قال لا كثير ولا قليل تقع واحدة.
وحكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله أنه يقع ثنتان وهو الأشبه؛ لأن الثنتان كثير على ما ذكرنا فإذا قال لا قليل بعد قصد إيقاع الثنتين فلا يعمل بعد ذلك قوله ولا كثير.
نوع آخر في إلحاق العدد بالإيقاع وفي نية العدد
إذا قال لها: أنت طالق فسكت ثم قال ثلاثاً فإن كان سكوته لانقطاع النفس وقع الثلاث لأن الفصل هنا غير معتبر وإن كان سكوته ليس لانقطاع النفس لا تقع إلا واحدة لأن الفصل هنا معتبر هكذا ذكر في «النوازل» .

ولو قال لها: أنت طالق فقيل له بعدما سكت ثم قال ثلاثاً قال أبو يوسف رحمه الله: كانت طالقاً ثلاثاً هكذا ذكر في «العيون» فيحتمل أن يكون هذا قول أبي يوسف رحمه الله خاصة بناءً على ما روى عنه أن من قال لامرأته: أنت طالق ونوى الثلاث أنه يصح ويحتمل أن هذا قول أبي حنيفة رحمه الله أيضاً على أن من طلق امرأته واحدة ثم قال جعلها ثلاثاً قال الصدر الشهيد رحمه الله وهو الظاهر.
رجل قال لامرأته: ترا طلاق أو قال دامت طلاق ونوى الثلاث يصح وتقع الثلاث بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق ونوى الثلاث؛ لأن قوله طالق نعت فرد ونعت الفرد لا يحتمل العدد وأما الطلاق مصدر والمصادر أسماء الأجناس واسم الجنس يتناول الأدنى ويحتمل الكل فعند انعدام البينة تنصرف إلى الواحدة وإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله لفضله.

(3/223)


وفي «الأصل» : إذا قال لها: أنت طالق لا يقع إلا واحدة وإن نوى الثلاث، ولو قال أنت الطلاق ونوى الثلاث تقع الثلاث ولو قال: أنت طالق الطلاق كله تقع الثلاث وإن لم ينوِ الثلاث ومن المشايخ من يشترط نية الثلاث لوقوع الثلاث وهو قول عيسى بن أبان. وإذا قال لها: طلقي نفسك ونوى الثلاث صحت نيته حتى لو طلقت نفسها ثلاثاً تقع الثلاث لأن معنى كلامه افعلي فعل الطلاق أوقعي الطلاق على نفسك كما أن معنى قوله اضرب افعل فعل الضرب والطلاق مصدر والتقريب ما ذكرنا.
ولو قال لها: أنت طالق طلاقاً ولا نية لم تقع واحدة ولو نوى الثلاث صحت نيته ولو نوى الثنتين لا تصح لأن المصدر يحتمل الكل ظظاما لا يحتمل العدد والثنتان عدد فلم تصح نية الثنتين في الطلاق وصحة نية الثلاث فيه أجدى ولو نوى بقوله أنت طالق واحدة وبقوله طلاقاً أخرى تصح نيته وتقع ثنتان هكذا ذكر القدوري في كتابه يصير تقدير المسألة أنت طالق أنت طالق طلاقاً.
نوع آخر في إيقاع بعض التطليقة

إذا قال لامرأته: طالق ثلاثة أيضاً تطليقتين يقع عليه ثلاث تطليقات هكذا ذكر في «الجامع الصغير» فاعلم بأن من هذا الجنس مسائل:
أحدها: إذا قال لها أنت طالق نصفي تطليقة تقع تطليقة واحدة لأن نصفي تطليقه تكون تطليقة واحدة كنصفي درهم يكون درهماً واحداً.
الثانية: إذا قال لها: أنت طالق ثلاثة أيضاً وتطليقة تقع تطليقتان لأن ثلاثة أنصاف تطليقة، تطليقة ونصف فكأنه قال لها: أنت طالق تطليقة ونصف.
الثالثة: أن يقول: أنت طالق أربعة أنصاف تطليقة تقع تطليقتان لأن أربعة أنصاف تطليقة تطليقتان كما أن أربعة أنصاف درهم درهمان فصار كأنه قال: أنت طالق تطليقتين.
الرابعة: أن يقول: أنت طالق نصف تطليقتين فهي واحدة لأن نصف تطليقتين طلقة فكأنه قال لها: أنت طالق تطليقة.
الخامسة: أن يقول: لها أنت طالق تطليقتان. السادسة: إذا قال لها أنت طالق ثلاث أنصاف تطليقتين نصفي تطليقتين تقع تطليقتان لأن نصفي تطليقة طلقة فيكون نصفي تطليقتين تطليقتان وكأنه قال لها: أنت طالق تطليقتان.
f
السادسة: إذا قال لها: أنت طالق ثلاث أنصاف تطليقتين تطليقتين وهي مسألة «الجامع الصغير» والجواب فهذا ما ذكرنا أنه يقع ثلاث تطليقات لأن التطليقتين نصف وهو يكون ثلاث تطليقات ضرورة.
السابعة: إذا قال لها أنت طالق نصف ثلاث تطليقات تقع تطليقتان لأن نصف الثلاث تطليقة ونصف فكأنه قال لها: أنت طالق تطليقة ونصف.
الثامنة: إذا قال لها: أنت طالق نصفي تطليقات طلقت ثلاثاً؛ لأن لثلاث تطليقات

(3/224)


نصف (235أ1) وذلك طلقة ونصف وطلقة ونصف مرتين يكون ثلاث تطليقات.

وإذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة والسدس تطليقة تقع ثلاث تطليقات لأن ... إذا كررت كانت البائنة غير الأول فيكون موقعاً ثلث، تطليقة أخرى وسدس تطليقة أخرى، ولو قال نصف تطليقة وثلثها وسدسها تقع واحدة؛ لأنه أضاف الثلث وسدس والنصف إلى الموقعة والواحدة الموقعة تقع لجميع أجزائها فلا يتصور إيقاع شيء بها مرة أخرى هكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» : وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني رحمه الله.
وذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة ونصف تطليقة ووقع تطليقة تقع ثنتان هو المختار؛ لأنه متى جمع هذه الأخرى تزداد على الواحد فعلى قياس ما ذكر الصدر الشهيد رحمه الله ينبغي في قوله أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة أن تقع تطليقة واحدة لأنه متى جمع بين هذه الأخرى لا تزداد على الواحدة ولو قال نصف تطليقة وثلثها وربعها وقعت ثنتان هكذا ذكر الحسن بن زياد رحمه الله لأنه زاد على آخر الواحدة لا بد وأن تكون الزيادة من طلقة أخرى، وبعض مشايخنا قالوا: تقع واحدة وإليه مال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، ولو قال لها: أنت طالق واحدة ونصف أو قال واحدة وربع أو ما أشبه ذلك تقع ثنتان، ولو قال واحدة ونصفها أو قال واحدة وربعها تقع واحدة.
والفرق أن في المسألة الأولى ذكر نصفاً مطلقاً وربما مطلقاً فاقتضى ذلك تطليقة بائنة، وفي المسألة الثانية ذكر النصف والربع مضافاً إلى الواحدة الموقعة لكون الهاء كناية عن المذكور أولاً وقد وقعت الأولى تحملها فلا يتصور إيقاعها بائناً.
ذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» إذا قال الرجل لأربع نسوة له بينكن تطليقة طلقت كل واحدة واحدة لأن كلمة بين كلمة تقسيم وتشريك فتصير التطليقة مقسومة بينهن فيصيب كل واحد منهن ربع تطليقة وإيقاع بعض التطليقات إيقاع الكل.

وكذا إذا قال بينكن تطليقتان أو ثلاثة أو أربعاً، فروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمه الله، لو قال لامرأتين له جعلت بينكما تطليقتين أو قسمت بينكما تطليقتين تطلق كل واحدة ثنتين وكأنه قال: إن كل تطليقة تقسم بينهن على حدة وعلى قياس هذا ينبغي أن تقع على كل واحدة ثلاث تطليقات في قوله ثلاثاً أو أربعاً وهو قول زفر رحمه الله.
ولكن نقول الأصل في العددي المتفاوت قسمت الجملة والطلاق من جملة الاعداد المتقارب ولو قال بينكن خمس تطليقات طلقت كل واحدة ثنتين لأن الخمس إذا قسم بين الأربع نصيب كل واحدة تطليقة وربع فيه كامل الربع فتصير تطليقتان وكذا الجواب فيما زاد على الخمس إلى الثمانية وعلى قياس قول أبي يوسف رحمه الله: تقع على كل واحدة ثلاث تطليقات لأن نصيب كل واحدة طلقتان وربع والله أعلم.

(3/225)


الفصل الخامس: في الكنايات هذا الفصل يشتمل على أنواع
نوع منه
في قوله: أنت علي حرام وما يتصل به إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فإنه يسأل عن بينته قال نوى الطلاق يسأل كم نوى ثلاثاً قبلت وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة أيضاً وهذا لأن الحرمة نوعان:
حقيقة: وهي التي تثبت بالواحدة البائنة.
وغليظة: وهي التي تثبت بالثلاث فأي ذلك نوى فقد نوى ما يحتمله لفظه هذا المعنى معدوم في البينتين فنفى هدايته العدد وهذا اللفظ لا يحتمل العدد حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين لا يلزم على هذا ما إذا طلق امرأته الحرة واحدة ثم قال لها: أنت علي حرام ينوى ثنتين حيث لا يصح هذه النصيحة لأن هناك الحرمة المغلظة لا يحصل بهما بل يحصل بهما وبما تقدم هي هذا مجرد نية العدد حتى لو قال لها بعدما طلقها واحدة أنت علي حرام ونوى الثلاث تصح نيته وتقع تطليقتان آخر بأن نص على هذا محمد رحمه الله في آخر بأن ما تقع به الفرقة مما يشبه الطلاق.

وإن نوى الطلاق في قوله: أنت علي حرام ولم ينو العدد فهي واحدة وإن لم ينو الطلاق فهو يمين نوى اليمين أو لم ينو لأن تحريم الحلال يمين غير أن اليمين في الزوجات إيلاء فإن قربها كان عليها الكفارة وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت بالإيلاء فلا وكذلك هذا الحكم في جانب المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي حرام أو قالت أنا عليك حرام كان يميناً وإن لم ينو كما في جانب الزوج حتى لو مكنت زوجها الإيلاء حنثت في يمينها ولزمها الكفارة محفوظ عن أصحابنا رحمهم الله في «النوادر» وإن قال الرجل أردت بهذا الكلام الإيك فهو وما لو قال أردت اليمين سواء وإن قال: نويت الظهار فعلى قول محمد رحمه الله لا يكون ظهاراً وعندهما يكون ظهاراً وإن قال نويت بهذا الكلام الكذب فهو كذب فلا حكم له ويصدقه القاضي لأنه فسر لفظه بما يقتضيه ظاهره وهو نظير ما لو قال لامرأته: أنت حرة فقال أردت نفيها بالحرية لا الطلاق، يدين في القضاء هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله قالوا: لا تصدق في القضاء.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها أنت علي حرام ثم قال: عنيت به الكذب لم يصدق في إبطال الإيلاء قضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، ولوقال كل حل علي حرام فإنه يسأل عنه النية فإن نوى اليمين أو لم ينو شيئاً بعينه كان يميناً وتنصرف إلى الطعام والشراب ولا تدخل فيه امرأته به إلا بالنية استحساناً هكذا قال محمد رحمه الله في «الكتاب» ، وحكي

(3/226)


عن مشايخ بلخ أنه تدخل فيه امرأته أيضاً وإن لم ينوها لأن العرف قد مشى فيما بينهم أنهم يريدون بهذه اللفظة النساء، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله حتى لو فشى هذا العرف فيما بينا أيضاً دخلت امرأته في اليمين من غير الله وبعض مشايخ زماننا.
وفي قوله حلال بر من حرام هرجه حلال است مرا بر من حرام أنه ينصرف إلى الطلاق من غير نية لأنه علة استعمال هذا في النساء ثم على ما هو جواب محمد رحمه الله إذا نوى امرأته حتى دخلت فيه امرأته لا يخرج الطعام والشراب من اليمين فيحنث إذا أكل أو شرب أو قرب امرأته وتلزمه الكفارة ويصير تقدير المسألة كأنه قال والله تناول النساء والطعام والشراب، وإذا تناول شيئاً من الطعام والشراب حنث في يمينه وانقضى حكم يمينه حتى لو قرب امرأته بعد ذلك لا يحنث في يمنه أن يتناول شيئاً (235ب1) قليلاً أو كثيراً من الطعام والشراب بخلاف ما إذا قال والله لا آكل هذا الطعام أو الشراب وذلك مما يستوفيه واحد، فإن هناك لا يحنث في يمينه ما لم يستوف جميع ذلك.
والفرق: أن هناك الحنث بحكم الشرط، والحرمة تثبت ضرورة كون الأكل والشرب شرطاً والحالف جعل أكل كل الطعام وشرطا، والمعلق بالشرط لا ينزل عند وجود بعضها وأما ههنا الحرمة لموجب التحريم وضرورته شرطاً كان ضرورة تنوب الحرمة، والحرمة إذاً ثبتت للمعنى صار كل جزء جواباً، فصار الحلال اليمين وجوب الكفارة معلقاً يناول جزءاً منه فكذلك لا يدخل في هذا اليمين اللباس إلا بالنية وإذا نوى اللباس حتى دخل اللباس تحت اليمين لا يخرج الطعام والشراب عن اليمين فإنه ليس شيئاً من الملبوسات حنث في بيمنيه فتلزمه الكفارة وينقضي حكم اليمين.
والحاصل: أنه إذا لم ينو في هذه اليمين شيئاً بعينه من الحلال فيمينه على الطعام والشراب خاصة، وإن كان اللفظ عاماً صالحاً يناول جميع الحلال به لأنه مقصود الحالف من اليمين البر دون الحنث، ولا تصور للبر إذا حمل على العموم، لأنه حينئذٍ يصير مرتكباً هو شرط الحنث عقب اليمين؛ لأن التنفيس وفتح العين والقعود والقيام بها أشبه ذلك من الأشياء التي لا يخلو الإنسان عنها تدخل تحت التحريم.

وإذا تعذر اعتبار معنى العموم فدخل على المتعارف وهو الطعام والشراب الذي بهما قوام النفس فلا يدخل تحت التحريم سواهما إلا بالنية، ولو نوى الطعام خاصة أو الشراب خاصة، أو اللباس خاصة، فهو على ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء، أما فيما بينه وبين الله تعالى فإنه نوى ما يحتمله لفظه، وأما في القضاء فلأن عدم التصديق في القضاء لو كان إنما يكون لمراعاة العموم، وقد سقط اعتبار العموم على ما بينا، ولو نوى المرأة خاصة، ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «شرحه» أن نيته لا تعمل، ويكون يمينه على الطعام والشراب والنساء، وعن أبي حنيفة رحمه الله في فصل التعليق إذا قال الرجل: كل حل حرامٌ إذا دخلت الدار فدخلها، إن هذا على الطعام والشراب خاصة دون ما سواه، وإن نوى، امرأته دون ما سواها فهو كما نوى فليس على الطعام ولا على الشراب، فذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنّه يصدَّق ويعمل بنيتهُ، وهكذا

(3/227)


ذكر القدوري في «شرحه» ، وإن قال نويت بهذا الطلاق في امرأتي فإن نيته تعمل في طلاق امرأته، فيخرج الطعام والشراب من أن يكون مراداً حتى لو أكل أو شرب بعد ذلك لا يحنث من يمينه، لأن اللفظ واحد، واللفظ الواحد لا يجتمع فيه معنيان مختلفان، ومعنى الطلاق غير معنى اليمين أصلاً، فروى إبراهيم عن محمد رحمه الله وإذا قال: كل حلِّ عليَّ حرام ونوى الطلاق في لسانه واليمين في نعم الله تعالى فهو طلاق ويمين.
وفي «نوادر ابن سماعة» : عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لامرأتين له: أنتما عليّ حرام ينوي الطلاق في إحديهما واليمين أي الإيلاء في الأخرى فهما طالقتان فهكذا روي عن محمد رحمه الله أيضاً.

ووجه ذلك: أن اللفظ واحد فلا يحتمل معنيين مختلين فحمله على الأغلظ وهو الطلاق عند عدم إمكان اعتبارهما، وكذلك إذا نوى في إحديها ثلاث تطليقات وفي الأخرى واحدة فهما طالقتان ثلاثاً لأن الحرمة بالثلاث. نوع آخر غير الذي يثبت بالواحدة فلا يجتمعان في لفظ واحد، فحمل على الأغلظ.
وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله الأمر كما نوى يقع على إحديهما ثلاث تطليقات وعلى الأخرى واحدة، لأن هذا اللفظ للثلاث حقيقة، والواحدة كالمجاز، لأن الحرمة المطلقة تثبت بالثلاث فصار نظير لفظة النذر، إذا نوى به النذر واليمين، وهناك يكون يميناً ونذراً عند أبي حنيفة رحمه الله، خلافاً لأبي يوسف رحمه الله كذا ههنا.
ولو قال هذه عليَّ حرام وهذه وهو ينوي الطلاق في إحديهما فالإيلاء في الأخرى، فهما طالقتان لأنه كلام واحد حنث، قال وهذه، ولم يقل وهذه علي حرام، والكلام الواحد لا ينتظم معنيين مختلفين فحمل على الأغلظ وهو الطلاق.
ولو قال هذه عليَّ حرام ونوى الطلاق، وهذه عليّ حرام ينوي الإيلاء، فهو كما ينوي، لأنهما لفظان وكلامان، فجاز أن يراد بكل واحد منهما معنى على حدة، ولو قال لأمرأته وأم ولده أنتما علي حرام، ينوي في الحرة اليمين وفي أم الولد الطلاق فهو يمين فيهما.

وعن اسماعيل بن حماد عن أبي يوسف رحمه الله في رجل قال لامرأته وجاريته أعتقتكما ينوي طلاق المرأة وعتاق الأمة قال: تعتق الأمة ولا تطلق المرأة، قال: لأن العتق أغلب لأنه لا يحتاج فيه إلى نية، ولو قال لثلاث نسوة أنتنّ علي حرام ينوي لأحداهن طلاقاً، واليمين في الأخرى، والكذب في الثالثة طلقن جميعاً، هكذا ذكر في «النوازل» ، قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» ، وهذا قول أبي يوسف رحمه الله، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله يجب أن تكون كما نوى قياساً على المسألة المتقدمة. ولو قال لها: أنت علي حرام، قال ذلك مرتين ونوى بالمرة الأولى الطلاق وبالمرة الثانية اليمين فهو على ما نوى بالإجماع لأن اللفظ مختلف.
وقد مرَّ جنس هذا، إذا قال حلال الله علي حرام أو قال حلال حرام أو قال: حلال هذا بر من حرام إن فعلت كذا، أو قال حلال المسلمين فهذا كله طلاق بائن، لأن

(3/228)


الناس في بلادنا تعارفوا هذا طلاقاً، فصار حكم العرف، كالصريح في هذا الباب فلا يحتاج فيه إلى النية، أو يقال فلا يصدق في ترك النية فبعد ذلك ينظر إن كانت له امرأة وقت الحلف طلقت واحدة بائنة، وإن لم يكن له امرأة وقت الحلف كان يميناً لأنه تعذر صرفه إلى المرأة فتحق المسألة لأن تحريم الحلال يمين حتى إن من قال لغيره حرام است بوستخن كفتن كان يميناً حتى لو كلمة تلزمه الكفارة، فكذا ههنا يكون يميناً، وتلزمه الكفارة إذا حنث، هكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» ، وبه كان يفتي القاضي الإمام شمس الأئمة الأوزخندي رحمه الله، وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول إذا لم يكن له امرأة وقت اليمين، فتزوج امرأة تطلق، ويصير تقدير كلامه كل امرأة أتزوجها فهي طلاق.

وكان نجم الدين النسفي رحمه الله يقول إذا لم يكن له امرأة وقت اليمين يبطل الكلام ولا يحمل هذا يميناً، لأن هذا الكلام لما تعين للطلاق بحكم العرف صار تقدير كلامه: كل امرأة لي طالق إن فعلت كذا، وليس له امرأة، وهناك لا ينعقد اليمين على قول من يقول إنه لا يكون يميناً إذا لم يكن له امرأة وقت هذه المقالة إذا عنى التعليق حتى يصير تقدير (236أ1) كلامه: إن تزوجت فهي طالق إن فعلت كذا، هل تصدق في ذلك وهل تصح عنايته، قالوا: ينبغي أن.... وهكذا حكى فتوى شمس الإسلام فسيأتي شيء من هذا الجنس في فصل المتفرقات، ولو قال: حلال الله علي حرام وكذلك في أجناسه، وله أربع نسوة وقعت على كل واحدة تطليقة، هكذا حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي، وحكي عن الإمام أبي الحسن الرستفغني رحمه الله، أنه كان يقول فيمن قال: حلّ المسلمين علي حرام، ونوى الطلاق وله امرأتان، أنه يقع على كل واحدة تطليقة.
وفي «فتاوى» أئمة بخارى فيمن قال: حلال الله علي حرام وله امرأتان، قال محمد بن الفضل رحمه الله: إن لم يكن له نية طلقتا جميعاً، وإن نوى أن تطلق إحداهما ثنتين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وحكى فتوى القاضي الإمام شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله، والشيخ الإمام الخطيب مسعود بن الحسين الكُشاني رحمه الله أنه يقع الطلاق على واحدة منهن وإليه البيان وهو الأظهر والأشبه، وهذا لأن قوله حلال الله علي حرام بمنزلة قوله امرأتي طالق عرفاً ولهذا وقع الطلاق به من غير نية، وفي قوله: امرأتي طالق يقع الطلاق على واحدة منهن والبيان إليه كذا ههنا إذا قال: هرجه بدست راست كيرم يرمن حرام فهذا طلاق بائن بحكم العرف وقوله هرجه بدست راست كرفته أم نظير قوله هرجه بدست راست كيرم وسيأتي في فصل المتفرقات بخلافه ولو قال: هرجة

(3/229)


بدست كيرم أو قال كرفته أم لا يكون طلاقاً لانعدام العرف ولو قال هرجة بدست كيرم فقد قيل: يجب أن يكون طلاقاً لأن اليد اسم جنس. وقيل: لا يكون طلاقاً لانعدام العرف.
سئل نجم الدين رحمه الله عن رجل خلع امرأته ثم تزوجها بعد ذلك، ثم قال لها: بعد ذلك توبي من حرامي بأن خلع قال: يحرم لأنه أخبر أنها حرام عليه الآن بذلك الخلع وإنما يكون حراماً عليه بذلك الخلع إذا كان ذلك الخلع طلاقاً ثلاثاً حتى لا يصح هذا النكاح، فيكون مقراً على نفسه بالطلقات الثلاث، وإقراره على نفسه صحيح قيل: له.... يجب لها بحكم هذا النكاح، المسمى في هذا النكاح أو مهر المثل قال المسمى في هذا النكاح لأنه لم يصدق عليها في حق فساد النكاح، وفساد التسمية لأن ذلك حق المرأة فصحت التسمية في نفسها، وحرمت عليه بإقراره الآن بالحرمة. إذا قال لآمرأته: أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة، لأن معنى كلامه مرة بعد مرة.

سئل نجم الدين رحمه الله أيضاً: عن امرأة قالت لزوجها حلال جيراي بدنو حرام قال يروي حرام شودبيك طلاق قال شود لأن قوله لدي يتضمن إعادة كلامها فصار كأن الزوج قال: حلال خذاي من حرام وهو تطليق في عرفنا تغير نية ثم في قوله: حلال خداي. واختار نية إذا وقع الطلاق بغير نية كان الواقع بها ثانياً اشتراط النية بحكم العرف فبقي فيما ورائه غير صريح، فيجوز أن يكون اللفظ صريحاً في حق حكم كتابه في حق حكم آخر كقوله: اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة فقال هذه الألفاظ في حكم الصريح على معنى أن الواقع بها رجعي ولا يقع بها أكثر من واحدة، وهي في معنى الكنايات لافتقارها إلى النية أو دلالة الحال.
وحكي عن شيخ الإسلام علي الإسبيجابي رحمه الله أنه كان يقول في جنس هذه المسائل ينبغي للمعنى أن ينظر في سؤال السائل، إن كان سأل أن قد قلت كذا، هل يكون طلاقاً، تكتب في الجواب نعم إن نويت الطلاق، لأنه لما سأل عن كونه طلاقاً وغير طلاق فقد زعم كونه غير طلاق، وإن كانت تسأل أني قد قلت كذا كم يقع من الطلاق تكتب في الجواب أنه تقع واحدة ولا تتعرض للنية وإنه حسن.
وفي «واقعات الناطقي» : إذا قال لها: أنت معي في الحرام فهو كقوله لها أنت علي حرام لأنها إذا حرمت عليه يحرم هو عليها فتكون معه في الحرام، إذا قال لها أنت علي حرام والحرام عنده طلاق لكن لم ينو الطلاق، فهي طالق على قول من يشترط نية الطلاق في هذا اللفظ، لما كان الحرام عنده الطلاق كان ذكره وذكر الطلاق سواء، وكما يصح إضافة التحريم إلى المرأة يصح إضافة الرجل بأن يقول الرجل أنا عليك حرام حرمت نفسي عليك غير أن إضافة التحريم إلى المرأة صحيح من غير ذكر الزوج حتى لو قال لها: حرمتك ونوى الطلاق، يقع الطلاق وإن لم يقل حرمتك على نفسي، وإضافة التحريم إلى

(3/230)


الزوج لا يصح من غير ذلك المرأة، حتى لو قال: حرمت نفسي أو قال: أنا حرام، ولم يقل عليك نوى الطلاق لا يقع.
وكذلك يصح إضافة البينونة إلى الرجل كما يصح أضافتها إلى المرأة غير إضافة البينونة إلى المرأة صحيحة، من غير ذكر الرجل حتى إن الرجل إذا قال للمرأة أنت بائن، ولم يقل مني، يقع الطلاق إن نوى، ولو قال: أنا بائن ولم يقل منك، لا يقع الطلاق وإن نوى.
والفرق: إن وصله المرأة يختص بهذا الزوج لأن المرأة لا يحل لها الأزواج واحد، فإذا قال: لها أنت بائن، علمنا أنه أراد قطع الوصلة التي بينها وبينه فقد وضع البينونة في محلها فتقع وأما وصلة الزوج لا تختص بها المرأة لأن الرجل يحل له أربع نسوة فإذا قال: أنا بائن لا يعلم أنه أراد به قطع الوصلة التي بينه وبين هذه أو بينه وبين امرأة أخرى، ولهذا لا تقع ما لم يقل أنا منك بائن، وإذا قال أنت علي كمتاع فلان ينوي الطلاق الإيلاء فهذا ليس بشيء.
وإذا قال لها: أنت علي كالخمر والخنزير فهذا وما لو قال لها: أنت علي حرام سواء على التفاصيل التي قلنا.
فالحاصل: أن بالتشبيه إذا حصل بما هو محرم العين كالعين والخنزير والميتة فالحكم فيه كالحكم في قوله: أنت علي حرام إلا أن في قوله أنت علي حرام إذا لم ينو شيئاً كان يميناً بلا خلاف بين المشايخ ههنا إذا لم ينو شيئاً فقد اختلف المشايخ فيه أنه هل يكون يميناً.
امرأة قالت لزوجها: أنا حرام عليك أو حلال لك فقال أنت علي مثل ما أنت على جميع أهل المصر، أو قال بالفارسية: ير أحياني كي ينمة سهررا أو قال بائن حياتي كباسمة سهر فهي طالق إذا نوى الطلاق.
وسئل نجم الدين عمر قال: إن فعلت كذا فحلال واحد من حلال الله علي حرام، وقال: عنيت به لحم الإبل قال: طلقت امرأته.
نوع آخر

في قوله أنت خلية أو ما أشبهها إذا قال لها أنت خلية أو قال برية، أو قال بتة أو قال بائنة، وقال لم أنو به الطلاق فالأصل في جميع ألفاظ الكنايات أنه لا يقع الطلاق إلا بالنية، وإذا قال الزوج (236ب1) لم أنو به الطلاق فالمسألة على وجوه: أما إن قال ذلك في حالة الرضا، أو في حالة الغضب أو في حال مذاكرة الطلاق بأن سألت طلاقها أو سأل غيرها طلاقها، ففي حال الرضا يصدق الزوج في قوله لم أنو به الطلاق في الألفاظ كلها قضاء، وديانة وفي حال مذاكرة الطلاق لا يصدق الزوج في قوله لم أنو به الطلاق في كل لفظة يصلح جواباً ولا يصلح رداً قضاء ويصدق الزوج ديانة وذلك نحو قوله الرحله أنت بحرية نية بائن حرام لأن هذه الألفاظ لما خرجت عقيب سؤال الطلاق وأنها صالحة للجواب، فالظاهر أنه يريد الجواب فإذا قال: لم أنو به الجواب فقد ادعى

(3/231)


أمراً بخلاف الظاهر فلا يصدق القاضي بيان أنها صالحة للجواب، لأن الصالح للجواب عن سؤال الطلاق كل لفظة منه إيجاب نفس الطلاق إذ إيجاب حكمه، لأنها تطلب بالطلاق حكمه.
إذا ثبت هذا فنقول في هذه الألفاظ إيجاب حكم الطلاق لأن حكم الطلاق ما يثبت بالطلاق من غير فعل فاعل مختار، والبينونة والحرمة والخلو عن النكاح والمرأة عن النكاح يثبت بنفس الطلاق من غير فعل فاعل مختار فكانت هذه الألفاظ صالحة للجواب من هذا الوجه.
بخلاف قوله: اغربي اذهبي، اخرجي، تقنعي، استتري، تخمري لأنه ليس في هذه الألفاظ تنصيصاً على حكم الطلاق، لأن الذهاب والتقنع والتستر والتغرب كلها أفعال اختيارية لا أحكام شرعية ولم توجد الإجابة لا في عين الطلاق ولا في حكمه.
وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه ألحق قوله خليت سبيلك لا سبيل لي عليك، لا ملك لي عليك، الحقي بأهلك، فارعتك، سرحتك بقوله خلية، برية وأشباهها فقال لا يصدّق الزوج في القضاء، إذا قال الزوج لم أنوبها الطلاق في حال مذاكرة الطلاق، لأنها صالحة للجواب فيجعل جواباً بدلالة الحال ولها في حالة الغضب كل ما لا يصلح للشتم ويصلح للطلاق الذي يدل عليه الغضب يجعل طلاقاً فلا يصدق الزوج في قوله: أنوي به الطلاق، وما يصلح رداً فيصلح جواباً، نحو قوله: اعدلي اخرجي، لا يجعل طلاقاً وصلاحية هذه الألفاظ للرد أن يرد الزوج بقوله: اخرجي، اتركي سؤال الطلاق، ولما احتمل هذا الرد والإجابة تثبت الأولى.... أو الرد أدنى والإجابة أعلى، ولا تثبيت الإجابة بالشك وما يصلح أن يكون جواباً، ويصلح تسميه بحق قوله: خلية، برية، بتة، بائن حرام لا يجعل طلاقاً إذا قال: لم أنو به الطلاق وصلاحية هذه الألفاظ التسمية إن يريد الزوج بقوله: خلية الخلية من الخيرات، ويريد بقوله برية البرية عن الطاعات، والمحامد، ويريد بالبته والبائن أبتة والبائن عن كل ... ، فإذا احتمل الشتم والطلاق، وحالة المقايضة كما تدل على الطلاق تدل على الشتم يثبت أدناهما وهو....، وإن نوى في الخلية والبرية وألبتة والبائن والحرام ثلاثاً أو واحدة بائنة، فهو على ما نوى، أما في البائن والحرام، لأن البينونة به نوعان غليظة لا تحتمل الفصل، وخفيفة تحتمل الوصل، وكذا الحرمة ولكل نوع مقتضى، فتقتضي الخفيفة طلقة واحدة ومقتضى الغليظ الثلاث، فعند عدم النية تثبت الخفيفة وهو الخفيفة، وإذا نوى الغليظة تثبت الغليظة، لأنه نوى أحد نوعي الحرمة واحد نوعي البينونة، وكذا في الخلية والبرية وألبتة لأن هذه الألفاظ تبنى عن البينونة، والبينونة على ما مر.

وأما قوله: اعتدي لا يكون إلا واحدة تملك الرجعة، لأنه أمر بالاعتداد وليس فيه ما يبنى في الطلاق لأن الأمر بالاعتداد لما كان لا يصلح إلاّ بعد سابقة للطلاق اقتضى

(3/232)


طلاقاً سابقاً ليصح الأمر بالاعتداد، والمقتضى بائن بطريق الضرورة، يرتفع بأصله فلا يظهر سبق الطلاق في حق صحة بنية الثلاث فيه في قوله: اخرجي، اذهبي، اغربي، تقنعي، استتري، تخمري، تصح نية الثلاث، لأن هذه الألفاظ يبنى عن البينونة، وأنها نوعان على ما مر، وإذا قال لها وهبتك لأهلك فهو من جملة الكنايات لا يقع الطلاق به إلا بالنية، وإنما وقع الطلاق بالنية لأنه نوى ما يحتمله لفظه، لأن الهبة تقتضي زوال الملك، ويتسوى إن قبلتها أو لم تقبلها، لأن القبول في الهبة إنما يحتاج إليه لدخول الموهوب في ملك الموهوب له والبائن ههنا: إزالة الملك، فلا يحتاج إلى القبول.
وروي عن أبي يوسف رحمه الله: أنه إذا قال لها: وهبتك لأهلك، أو لأبيك، أو لأمك أو للأزواج فهو طلاق، إذا نوى لأن المرأة ترد على هؤلاء فلا يكون بالطلاق، ويملكها الزوج بعد الطلاق فكانت من مدلولات هذه الألفاظ، ولو قال وهبتك لأخيك، أو لأختك أو ما أشبه ذلك، فليس بطلاق، وإن نوى لأن المرأة بالطلاق لا ترد على هؤلاء فلا يكون الطلاق من مدلولات هذا، وإذا قال لها وهبت نفسك منك، فهو من جملة الكنايات إن نوى به الطلاق يقع وإلا فلا، ولو قال لها: ألحقك لا تقع وإن نوى، ولو قال لها: جهارداه برتوكشادم دست لا يقع الطلاق، وإن نوى ما لم يقل خذي إنها سبب عند أكثر المشايخ، وأنه منقول عن محمد رحمه الله، ولو قال جهارداه برتوكشادم يقع الطلاق إذا نوى، وإن لم يقل خذي أيها شئت لأن في الوجه الأول أخبر عن كون الطلاق مفتوحة عليها فهي كذلك، فإذا قال خذي في أيها شئت فكأنه قال: اذهبي، ونوى الطلاق، وفي الوجه الثاني أخبر عن فتح الطريق عليها وذلك قد يكون بالإذن، وقد يكون برفع النكاح بالطلاق، فإذا نوى رفع النكاح فقد عين الطلاق، ولو قال لها: اذهبي فتزوجي لا يقع الطلاق إلا بالنية، وإن نوى فهي واحدة بالله وإن نوى الثلاث فهي ثلاث، وإذا قالت لزوجها طلقني فقال: لا أفعل فقالت إن لم تطلقني أذهب فأتزوج فقال الزوج: سوى كن خوانتي بكلي خواهي دوخواهي نية لا يقع الطلاق في «واقعات الصدر الشهيد» رحمه الله، ولو قال: اذهبي البسي الثوب أو قال: اذهبي فتقنعني أو ما أشبه ذلك فأراد بقوله: اذهبي الطلاق لا تطلق.
وفي «مجموع النوازل» : دستاز من بدار فقال لها: اذهبي إلى جهنم ونوى الطلاق يقع.
نوع آخر
في قوله: نهشم وما يتصل به. الأصل في هذا النوع من الألفاظ أن يقال كل لفظ في الفارسية يستعمل في الطلاق، ولا يستعمل في غيره، فهو كصريح الطلاق بالعربية، وإن كانت اللفظة مستعملة في الطلاق وغيره فهو بمنزلة كنايات العربية.

إذا ثبت هنا فنقول (237أ1) إذا قال الرجل لامرأته بهشتم ترا أرزتي فاعلم بأن هذا لفظ استعمله أهل خراسان وأهل العراق في الطلاق، وإنه صريح عند أبي يوسف رحمه الله، حتى كان الواقع به رجعياً ويقع بدون النية لأن الناس تعارفوا إيقاع الطلاق

(3/233)


بالفارسية بهذا اللفظ فالمستحق تصريح الطلاق بالعربية فكان الواقع به رجعياً لهذا، أو أما إذا قال: بهشتم ترا ولم يصل أرزتي، فإن كان في حال غضب أو مذاكرة الطلاق فواحدة لملك الرجعة، إذ ليس لهذا اللفظ اختصاص بالنكاح، فلا يحمل عليه إلا بقرينة أو دلالة حال، أو نية، فإذا وجد شيء من ذلك لا يصدق في صرفه إلى غير الطلاق، وإن نوى بائناً أو ثلاثاً فهو كما نوى، وقول محمد رحمه الله في هذا كقول أبي يوسف رحمه الله، وعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان، في رواية الحسن رحمه الله يقع الطلاق بلا نية ويكون رجعياً، وبه أخذ الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله، وفي رواية ابن رستم رحمه الله، لا يقع إلا بالنية ويكون بائناً وبه أخذ الفقيه أبو نصر أحمد بن سهل رحمه الله، لأن هذا تفسير قوله خليتك.
وذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» : وقال أبو حنيفة رحمه الله في فارسي قال لامرأته: بهشتم ترا أو: بهشتم أرزتي إنه لا يكون طلاقاً إلا بالنية، وأنه يوافق رواية ابن رستم ثم قال: فإن نوى الطلاق ولم ينو البينونة ولا عدداً فهو واحد بملك الرجعة، وإن نوى ثلاثاً قبلت وإن نوى بائناً كان بائناً قال القدوري رحمه الله: فصارت هذه اللفظة ملحقة بكنايات العربية من حيث اعتبار أصل النية وصحت نية الثلاث، ولم يلحقه في حق صفة البينونة، إذا لم ينو البينونة وهذا لأن هذا اللفظ كما يحتمل غيره فلا بد من اعتبار النية، فإذا نوى الطلاق كان صريحاً فتقع واحدة رجعية، وإن نوى البينونة، أو الثلاث فقد جعل هذا اللفظ تفسير التخلية، ونية الثلاث والبينونة في التخلية صحيحة، فكذا في هذه اللفظة.
أما إذا لم ينو البينونة والثلاث لم يجعل هذا اللفظ تفسيراً للتخلية فبقيت صريحاً فتقع واحدة رجعية، أو يقال عند عدم نية البينونة والثلاث، يحتمل أنه جعله تفسير التخلية، ويحتمل أنه جعله تفسير التصريح، فلا تقع البينونة بالشك والاحتمال قال القدوري رحمه الله: وأثبتت المغايرة بين العربية والفارسية من وجه آخر.
فقال لو قال في حال مذاكرة الطلاق بالعربية خليتك أنه يكون طلاقاً، ويتعين بدلالة الحال، ولو قال بالفارسية في حال مذاكرة الطلاق أو حالة الغضب بهشتم لم يقع شيء حتى ينوي، لأن هذه اللفظة وإن أقيمت مقام لفظة التخلية إلا أنها تستعمل لا للتخلية فكانت أضعف من لفظة التخلية فلا تؤثر فيها دلالة الحال، ولو قال بله كردم يرافقه اختلاف الشيخين على نحو ما ذكرنا في قوله بهشتم ولو قال دست بازداشتم يرافقه اختلاف الشيخين ولكن على عكس ما ذكرنا في قوله بهشم ولو قال باي كشا دكردم كسرا يقع الطلاق بلا نية، ويكون رجعياً باتفاق الشيخين ولو قال حبك بازداشتم ترا فهو نظير قوله دست بازداشتم ترا، ومن المتأخرين من مشايخ بخارا من جعل الثلاث، الأول تفسيراً لقوله طلقت عرفاً حتى يقع بلا نية وجعل الرابع والخامس تفسيراً لقوله خليت سبيلك حتى لا يقع الطلاق إلا بالنية ويكون الواقع بائناً، وكان الشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله يفتي في قوله بهشتم بالوقوع بلا نية ويكون الواقع به رجعنا ويفتي

(3/234)


فيما سواها في اشتراط النية ويكون الواقع بائناً.

وعن شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله، أنه كان يقول صريح الطلاق في ديارنا طلقتك طلاق دادم ترايا كشادة كردمت وفي بلاد العراق دهاكردم بيك طلاق إذا قال تيك طلاق بازداشتم فهي واحدة بائنة وكذلك إذا قال: طلاق فهو واحدة بائنة، ولو قال به تك صلاق دست بازداشتم أو قال رها كردم بيك طلاق فهي واحدة رجعية، وإذا قالت مرارهاكن فقال رهاكردم فهو بمنزلة قوله دهاكردمت في «فتاوى النسفي» ، وإذا قالت بازداشتم مرا وقال بازداشتم فهذا بمنزلة ما لو قال: دست بازداشتم ترا لأن كلامه خرج جواباً فيتضمن إعادة ما في السؤال، وإذا قال مرادركارخداي كن فقال الزوج برادركارخداي كردم أو قالت براخداي إن نوى الطلاق يقع وإن لم ينو لا يقع استدلالاً بما لو قال تصده أبت.... أو خولتك الله فإن هناك إن نوى يقع العتق، وإن لم ينو لا يقع العتق ويصدق في أنه لم ينو الطلاق فيما بينه وبين الله تعالى، وفي القضاء سواء كان ذلك في حالة الرضا، أو في حال الغضب أو في جواب كلامها، وفي «فتاوى أهل سمرقند» إذا قال الرجل لامرأته من نيردست بازداشتم أزتوان نوى الزوج فقالت المرأة بازداشتم بنية الطلاق فقال الزوج من بزدست بازداشتم ارتوان نوى الزوج واحدة أو ثلاثاً فهو كما نوى، لأنه محتمل لذلك، وإن لم ينو شيئاً لا يقع شيء، لأنه لو وقع وقع بقوله من نيرازتو وبهذا لا يقع إلا بالنية.
نوع آخر في قوله ليست لي بامرأة وما يتصل به
إذا قال: مراحيرى بيانتي وكذا هذا القول ونوى به الطلاق لا يقع الطلاق وكذا إذا قال لم يكن بيننا نكاح، أو قال لم أتزوجك ونوى به الطلاق لا يقع الطلاق، بالإجماع، ولو قال: لست لي امرأة، إذا ما تزوجتك ونوى الطلاق، وطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما.
وإذا سئل الرجل ألك امرأة فقال لا، ونوى الطلاق فهو على هذا الخلاف، فرق أبو حنيفة رحمه الله بين قوله ليست لي امرأة وبين قوله لم يكن بيننا نكاح، لم أتزوجك.

والفرق: أن قوله لم أتزوجك لم يكن مبيناً نكاح لا يحتمل النفي بالطلاق، ولهذا لو قال لم أتزوجك لم يكن بيننا نكاح لأني قد طلقتك لا يصح، فإن نوى الطلاق به فقد نوى ما لا يحتمله لفظه أما قوله ليست لي امرأة، ما أنا بزوجك كما يحتمل نفي النكاح من الأصل يحتمل للحال بالقطع أي ليست لي امرأة لأني قد طلقتك، ألا ترى أنه لو صرح به يصح، فإذا نوى به الطلاق فقد نوى ما يحتمله لفظه، ولو قال لا نكاح بيني وبينك.
ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : إنه إذا نوى الطلاق يقع، ولم يُحْكَ

(3/235)


خلافاً، قيل: وينبغي أن يكون هذا قول أبي حنيفة رحمه الله بناءً على ما إذا قال لست لي بامرأة ونوى به الطلاق وعلى هذا (237ب1) إذا قال: ليس بيني وبينك نكاح ونوى به الطلاق، ولو قال: لم يبق بيني وبينك شيء ونوى به الطلاق لا يقع، ولو قالت لزوجها لست لي بزوج فقال الزوج: صدقت، قال الفقيه أبو نصر رحمه الله: أخاف أن يقع عند أبي حنيفة رحمه الله كما في قولهما، أما تزوجتك ونوى الطلاق، ولو قال: والله ما أنت لي بامرأة أو قال علي حجة إن كانت لي امرأة، لم يكن طلاقاً بلا خلاف، وإن نوى، هكذا ذكر القدوري رحمه الله في كتابه، لأنه لما قرن به اليمين، واليمين لتأكيد الخبر، علمنا أنه أراد به الماضي، إذ الخبر إنما يقع عن الماضي، فإذا أراد به الماضي كان كذباً، فأما بدون اليمين يحتمل معنى الإنشاء فيقع به الطلاق إذا نوى عند أبي حنيفة رحمه الله ومن مشايخنا من قال:
هذه المسألة على الخلاف أيضاً: وذكر الناطفي في «طلاق الهداية» : إذا قال: ما لي امرأة ونوى الطلاق لا يكون طلاقاً عند أبي حنيفة رحمه الله.
ولو قال: لست لي بامرأة ولم يواجهها لا يقع به الطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله وإن نوى في هذا الموضع أيضاً.
وفي هذا الموضع أيضاً: إذا قال لها: لست لي بامرأة إن دخلت الدار ونوى به الطلاق طلقت إذا دخلت في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

ولو صرت غير أمرأتي ونوى به الطلاق يكون طلاقاً.
قال الناطفي رحمه الله: وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. ولو قال لها فسخت النكاح بيني وبينك ونوى الطلاق فهو طلاق، لأن الفسخ أوجب البينونة، فقد نوى ما يوجبه لفظه، وعن أبي حنيفة رحمه الله إذا قال: لا حاجة لي فيك فليس بطلاق وإن نوى؛ لأن نفي الحاجة لا ينفي الزوجية، ولا أحكامها لأن النكاح نكاح مع عدم الحاجة فإن الإنسان قد يتزوج بمن لا حاجة له فيها.
في «مجموع النوازل» : امرأة قالت لزوجها احرز بوم فقال الزوج مه تودمه رني تو لا يقع بها شيء.
وفيه أيضاً: رجل قال لامرأته: إنبكانة لا يقع الطلاق لأن كونها أجنبية لا ينافي النكاح فقد نوى ما لا يحتمله لفظه.
رجل قال لامرأته: برئت من طلاقك أَو قال: برئت إليك من طلاقك، إن لم ينو الطلاق لا يقع، وإن نوى فقد اختلف المشايخ، واختار الفقيه أبو الليث السمرقندي رحمه الله أنه لا يقع.
ولو قال: أنا بريء من نكاحك يقع الطلاق لأن البراءة عن الشيء إعراض عنه والإعراض عن الطلاق لا يكون طلاقاً، فأما الإعراض عن النكاح فطلاق وفي «مجموع النوازل» : امرأة قالت لزوجها: أنا بريء منك فقال الزوج: أنا بريء منك أيضاً، فقال: أنظر ماذا يقول، فقال الزوج: ما نويت الطلاق، قال: لا يقع الطلاق لعدم النيّة.

(3/236)


وفي «فتاوى شمس الإسلام» رحمه الله: إذا قال لها: أنا أبرأتك عن الزوجية يقع الطلاق من غير نية في حال الغضب وغيره.
نوع آخر في قوله طلاق زاده كير وما يتصل به
امرأة قالت لزوجها: مر إطلاق ده فقال الزوج داره كير أو قال دارده ماد ينوي، فإن نوى الإيقاع يقع الطلاق، وإن لم ينو الإيقاع لا يقع الطلاق لأنه يحتمل الإيقاع والوعد. فإذا نوى الإيقاع حتى وقع الطلاق يقع رجعياً.

ويجوز أن يشترط النية، ويكون الواقع رجعياً. وكذلك إذا قال: كرده كير أو كرده باد أو قال يقع الطلاق نوى أو لم ينوِ لأنه للتحقيق. ولو قال داده إنكار وكرده إنكار لا يقع الطلاق وإن نوى. ولو قالت: مر إطلاق فقال الزوج كفتة كير لا يقع الطلاق وإن نوى لأن قوله كفتة كير لا يحتمل الجواب بخلاف قوله داده كير ولو قالت: مرامدار فقال الزوج ما دست كير يقع الطلاق إذا نوى ويكون ثابتاً وكذلك إذا قال: دست أزمن بازدار فقال بازداشت كير يقع الطلاق إذا نوى فيكون ثابتاً.
ولو قالت من برتو بطلاقم فقال الزوج كحان كير فقد ذكر في «مجموع النوازل» : إنها تطلق وفيه اختلاف المشايخ.
ولو قال: حنان ولم يقل كير لا تطلق لأنه ليس بتام في الجواب والتام أن يقول: بحنان است كناني بحنان كير.
قالت لامرأته: أنت طالق، فقالت لا أكتفي بالواحدة فقال الزوج دوكير فإن نوى الطلاق الزوج بقوله دوكير إيقاع الطلاق تطلق ثلاثاً، ويكون قوله دوكير إيقاع الثنتين ابتداءً وقد سبقها طلقة وطلقت ثلاثاً لهذا. ولو قالت مرايله كن فقال الزوج بله كرده كير أو قال دما كيردده فهو على ما قلنا أنه إن نوى الإيقاع يقع.
ولو قالت خويشتن خريدم أزتو نفروش فقال الزوج: فزوجته فقد قيل: ينبغي أن يصح الخلع، وهذا إذا أراد به التحقيق.
ولو قال: سوكيدخوربر فقالخورده كير حكى، فتوى شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله أنه لا تطلق، وعلى قياس المسألة المتقدمة ينبغي أن تطلق إذا نوى التحقيق.
امرأة قالت لزوجها من بيك سو وتونيك سو فقال الزوج نجذبين كير لم تطلق لأن هذا ليس من ألفاظ الكنايات.
امرأة قالت لزوجها: برمن جرا امرءاي كرمن زن تونم ومالي ني كير فقال: لا تطلق.
رجل دعى امرأته إلى الفراش فأبت فقال: لها اخرجي من عندي فقالت: طلقني حتى أذهب فقال الزوج: إكرارزوني توجنين است حنين كبر ولم تقل شيئاً، قد قامت لا تطلق في أيمان «مجموع النوازل» .

(3/237)


نوع آخر في بيان حكم الكنايات

فنقول: الكنايات التي هي بوائن، إذا نوى به الزوج الطلاق كان طلاقاً بائناً، وإن نوى اليمين كان يميناً، لأن هذه الألفاظ تحتمل إيجاب الحرمة فصارت هذه الألفاظ بمنزلة قوله: أنت علي حرام، وإن لم يكن نوى شيئاً، هل يكون يميناً؟ ففيه اختلاف المشايخ: من قال بأنها يمين قاس هذه الألفاظ على قوله: أنت عليّ حرام.
ومن قال: إنها ليست بيمين قال: بأن هذه الألفاظ ليس بصريح في باب اليمين، وما ليس بصريح في باب إنما يلحق بالصريح فيه إما بغلبة الاستعمال، أو بدلالة الحال، أو بالنية، ولم يوجد شيء من ذلك هنا، بخلاف قوله: أنت علي حرام لأن هناك وجد غلبة الاستعمال في اليمين فالتحق بالتصريح والله أعلم.
نوع آخر في تكرار ألفاظ الكنايات وما يتصل به
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي وقالت: نويت بالكل طلقة واحدة لا يُصدّق قضاء، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى: أما لا يصدق قضاء لأنه لما نوى بالكل طلقة واحدة، كأنه نوى بكل لفظ ثلث تطليقة والتطليقة مما لا يتجزّأ نية بعضها يكون نية كلها، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لمكان الاحتمال لأنه نوى بالأول الإيقاع وبالثاني وبالثالث الأمر بعدة واجبة، أو لأنه نوى بالأول الإيقاع وبالثاني والثالث التكرار وإذا قال: عنيت بالأول طلاقاً وبالثاني والثالث الأمر بعدة واجبة يصدق في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه لما نوى بالأول الطلاق صار كأنه (238أ1) قال لها: أنت طالق ثم قال بعد ذلك: اعتدي اعتدي، ولو قال هكذا وقال: عنيت بقولي: اعتدي اعتدي الأمر بعدة واجبة كان كما نوى؛ لأنه نوى حقيقة واحدة لأن هناك نوى بكل لفظ ثلث تطليقة والتقريب فامر.

ولو قال: عنيت بالأولى طلاقاً ولم ينو بالثاني والثالث شيئاً تقع الثلاث عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأن الثاني والثالث واحد حال مذاكرة الطلاق لما نوى بالأول الطلاق وقوله اعتدي حال مذاكرة الطلاق طلاق.

وفي «الأصل» أيضاً: إذا قال: أنت طالق فاعتدي، وقال: أنت طالق واعتدي، وأراد بقوله واعتدي فاعتدي الأمر بعدة واحدة صدق قضاءً. وإن أراد به تطليقة أخرى أولم ينوبه شيئاً فهي أخرى.
قال مشايخنا: وما ذكر محمد رحمه الله من الجواب أنه إذا لم ينو شيئاً فهما طلاقان فذلك مستقيم في قوله: أنت طالق واعتدي، غير مستقيم في قوله: فاعتدي، وينبغي أن تقع واحدة في هذه الصورة، وإليه أشار في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله وهو الصحيح.

(3/238)


وفي «المنتقى» : إذا قال لها: اعتدي يا مطلقة، ونوى بقوله اعتدي الطلاق فهي طالق تطليقتين أحدهما: بقوله اعتدي، والثانية: بقوله يا مطلقة فإن قال: نويت أنها مطلقة بما لزمها من الطلاق فاعتدي يدين فيما بينه وبين الله تعالى، ولو قال: بيني فأنت طالق فهي طالق واحدة إذا لم ينو بقوله بيني طلاقاً (ولو بيني طلاقاً) .
ولو قال: حرمت نفسي عليك فاستتري ونوى بها طلاقاً فهي واحدة بائنة؛ لأنه لا يقع بائن بائن، وكذلك إذا قال: نويت بقولي حرمت نفسي واحدة وبقولي استتري ثلاثاً فهي واحدة. ولو قال: لم أنو بقولي حرمت نفسي شيئاً، وأردت بقولي فاستتري واحدة أو ثلاثاً فهو كما نوى.
ولو قال لها: أنت طالق ألبتة، أو قال لها: أنت طالق بائن تقع تطليقة واحدة بقوله: أنت طالق نوى الطلاق أو لم ينو فبعد ذلك المسألة على خمسة أوجه.
وإن أراد بقوله ألبتة والبائن صيغة قوله: أنت طالق أو لم ينو شيئاً فالواقع واحدة بائنة.
وإن نوى بقوله: ألبتة أو البائن طلاقاً آخر كان كما نوى وطلقت تطليقتين سوى الأول طلقت تطليقتين:
g
أحدهما بالكلام الأول والثانية بالكلام الثاني.

ولو نوى بقوله ألبتة ثلاثاً تقع ثلاث تطليقات كما لو قال ابتداءً: أنت بائن أنت بتة.
وفي «المنتقى» لو قال: أنت طالق واحدة بائن ونوى ثلاثاً فهي اثنتان، واحدة بالطلاق وواحدة بالواحدة. ولو نوى بالبائن الثلاث فهي ثلاث.

نوع آخر في تفويض الطلاق إلى المرأة أو إلى الأجنبي بقوله: أمرك بيدك، طلقي نفسك، أمرها بيدك، طلقها، وبيان أحكامه وما يتصل به من المسائل
قال: إذا قال الرجل لامرأته: أمرك بيدك ينوي الطلاق فإن كانت تسمع فأمرها بيدها ما دامت في مجلسها، وإن لم تسمع فأمرها بيدها إذا علمت أو بلغها.
والأصل في هذا: أن الزوج يملك إيقاع الطلاق بنفسه فيملك التفويض إلى غيره فيتوقف عمله على العلم؛ لأن تفويض طلاقها إليها يتضمن معنى التمليك، لأنها فيما فوّض إليها من طلاقها عاملة لنفسها دون الزوج، والإنسان فيما يعمل لنفسه يكون مالكاً ولا يكون بائناً عن المرة وعمل التمليكات يقف على علم من يقع التمليك منه فلأجل ذلك اقتصر الجواب على المجلس كما في سائر التمليكات، إلا أن هذا التمليك مفارق سائر التمليكات من حيث إنه يبقى إلى ما وراء المجلس لأن هذا التمليك يضمن معنى التعليق فإن الإيقاع، وإن صدر من غير الزوج إلا أن الوقوع مضاف إلى معنى من قبل الزوج فلا بد من اعتبار معنى التعليق والتعليق لا يتوقف على المجلس فاعتبرنا معنى التعليق فقلنا ببقاء الإيجاب إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة.

(3/239)


واعتبرنا معنى التمليك فقلنا بالاقتصار على مجلس العلم عملاً بالدليلين بقدر الإمكان. ولو لم يرد الزوج بالأمر باليد طلاقاً فليس بشيء إلا أن يكون في حالة الغضب أو في حالة مذاكرة الطلاق فلا يُديّن في الحكم وهذا لأن قوله: أمرك يحتمل وجوهاً شتى، ألا ترى أنه يحتمل أمرك بيدك في الخروج والانتقال، والمحتمل لوجوه شتى لا يتعين بعض وجوهه إلا بالنية أو دلالة حال تقوم مقام النية.

ولو ادعت المرأة منه الطلاق أو أنه كان في غضب أو مذاكرة طلاق فالقول قوله مع اليمين وتقبل بينة المرأة في إثبات حالة الغضب ومذاكرة الطلاق؛ لأنها قامت على معنًى بشهادة الشهود فلا تقبل شبهتها في نية الطلاق؛ لأنها قامت على ما لا يشاهده الشهود فلا يقبل إلا أن تقوم البنية على إقرار الزوج بذلك.
ثم الأمر باليد قد يكون مرسلاً وقد يكون معلقاً بالشرط بأن قال: إذا قدم فلان فأمر امرأتي بيدها أو قال: بيد فلان.
وإن كان مرسلاً فهو على وجهين:
إن كان مطلقاً غير مؤقت بوقت فحكمه ما ذكرنا أن المفوض إليه إن كان يسمع فالأمر بيده. ما داموا في ذلك المجلس وإن لم يسمع أو كان غائباً قائماً يصير الأمر بيده إذا علم أو بلغه الخبر، ويكون الأمر في يده ما دام في مجلس العلم.
والقبول في المجلس ليس بشرط ولكن إذا ردّ المفوض إليه ذلك يريد بردّه، وهذا لما ذكرنا أن الأمر باليد يتضمن معنى التمليك ومعنى التعليق والقبول في التعليقات ليس بشرط، فاعتبرنا معنى التعليق، ولم يشترط القبول في المفوض إليه، واعتبرنا معنى التمليك فقلنا: يريد بالرد عملاً بالمعنيين بقدر الإمكان.
وأما إذا كان مؤقتاً بوقت وإن علم المفوض إليه بالأمر مع بقاء شيء من الوقت فله الخيار في بقية الوقت ولا يبطل بالقيام عن المجلس. وإن مضى الوقت قبل علم المفوض إليه بذلك ينتهي الأمر؛ لأنه خصّ التفويض بزمان فلا يبقى بعد مضي ذلك الزمان.
وأما إذا كان الأمر معلقاً بالشرط فإنما يصير الأمر في يد المفوض إليه إذا جاء الشرط، وإذا جاء الشرط فإن كان الأمر مطلقاً غير موقت بوقت صار الأمر في يده في مجلس علمه.
والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط، لكن يريد بالرد، وإن كان مؤقتاً فعلم المفوض إليه بالأمر، مع بقاء شيء من الوقت والأمر في يده ما دام ذلك الوقت باقياً.

وإذا مضى الوقت قبل العلم ينتهي الأمر، ثم إذا جعل الأمر بيدها فاختارت نفسها في مجلس علمها بانت بواحدة.

وإن كان الزوج أراد ثلاثاً فثلاث، وإن نوى ثنتين فواحدة أو لم تكن له نية في العدد فهي واحدة لأن قوله: أمرك بيدك من جملة الكنايات لافتقارها إلى النية أو دلالة الحال.
والواقع بالكنايات واحدة، إلا أن ينوي ثلاثاً ولا تقع به ثنتان وإن نوى على ما عرف.

(3/240)


وليس للزوج أن (238ب1) يرجع عن ذلك ولا أن ينتهي المفوض إليه عن الإيقاع لما ذكرنا أن هذا التصرف يتضمن معنى التعليق، والتعليق لا يقبل الرجوع، ولو قال لها: أمرك بيدك إلى عشرة أيام فالأمر في يدها من هذا الوقت إلى مضي عشرة أيام فتحفظ بالساعات، وهذا لأن الأمر باليد مما يحتمل التأقيت، ألا ترى أن من قال لامرأته: أمرك بيدك اليوم لا يبقى الأمر بيدها بعد اليوم فيعمل تحقيقه ويجعل الأمر بيدها من هذا الوقت إلى تمام عشرة أيام.
ولو أراد الزوج أن يكون الأمر بيدها بعد مضي عشرة أيام دُيّن فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وهذا بخلاف ما ذكرنا في الطلاق العصام.
إذا قال لامرأته: أنت طالق إلى سنة فإنها تطلق بعد مضي السنة إلا أن ينوي الوقوع للحال لأن الطلاق لا يحتمل التأقيت فيجعل هذا إيقاعاً بعد مضي السنة ولا كذلك الأمر باليد.
وإذا قال: أمرك بيدك في تطليقة رجعيّة لأنه جعل أمرها بيدها في تطليقة والتطليقة تعقبه الرجعة.
في «الكتاب» وفي «المنتقى» : إذا قال: أمرك بيدك في ثلاث تطليقات وطلقت نفسها واحدة أو ثنيتين فهي رجعية.
وإذا قال لها: أمري بيدك فاختارت نفسها تكلموا فيه، قال الصدر الشهيد رحمه الله: المختار أن يقع الطلاق؛ لأن هذا أبلغ في التفويض من أن يجعل أمرها بيدها.

وفي «البقالي» : عن محمد رحمه الله: أنه لا يقع الطلاق. وسئل الإمام نجم الدين النسفي رحمه الله عمن قال لغيره إن غبت عن هذه البلدة ومضى على غيابي ستة أشهر فأمر امرأتي بيدك حتى يخلعها ببقية مهرها ونفقة عدتها، فغاب ولم يحضر حتى مضت هذه المدة قال هو: توكيل مطلق حتى لا يبطل بالقيام عن المجلس لأنه وإن ذكر الأمر باليد، لكن فسّره بما هو توكيل وهو أن يخلعها.
وغيره من مشايخ سمرقند وبخارى أفتوا، لأنه تمليك حتى يبطل بالقيام عن المجلس لأنه صريح بالأمر باليد. والصحيح إذا قال لها: أمرك ثلاث تطليقات بيدك إن أبرأتيني عن المهر فقالت: وكلني حتى أطلق نفسي فقال لها: أنت وكيلي حتى تطلقي نفسك، إن قامت عن المجلس خرج الأمر عن يدها حتى لو طلقت نفسها لا يقع وإن طلقت نفسها في المجلس إن أبرأته من المهر أولاً يقع الطلاق، وإن لم تبرئه لا يقع لأن التوكيل كان بشرط أن تبرئه عن المهر.
رجل جرى بينه وبين امرأته كلام فقالت المرأة: اللهم نجِّني منه، فقال الزوج: إن كنت تريدين النجاة فأمرك بيدك وهو ينوي طلقة واحدة فقالت المرأة: طلقت نفسي ألفاً فقال لها الزوج: نجوت لم يقع عليها شيء عند أبي حنيفة رحمه الله، لأنه فوض إليها الواحدة وهي أتت بالثلاث، ونظيره: إذا قال لغيره: خوا هي كناريت واطلاق كتم.
فقال ذلك الغير خواهم فقال دادمش منه طلاق لا تطلق شيء على قياس قول أبي

(3/241)


حنيفة رحمه الله لما قلنا: حتى أن في المسألة الأولى لو قالت المرأة: طلقت نفسي، وفي المسألة الثانية لوقال ذلك الرجل دادمش طلاق يقع طلقة واحدة عند الكل.
وعن هذا قلنا: إن من وكّل الرجل أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثاً إن كان الزوج نوى الثلاث تقع الثلاث، وإن لم يكن نوى الثلاث لا يقع شيء عند أبي حنيفة رحمه الله.
وفي «المنتقى» : إذا قال لامرأته: إن غبت عنك ومكثت في غيبتي يوماً أو يومين فأمرك بيدك فمكث يوماً في غيبته يصير الأمر بيدها.

قال: وهذا على أول الكلام، ولك هذا الحكم في جنس هذه المسائل.
وفيه أيضاً: رجل جعل أمر امرأته بيد أبيها فقال أبوها: قد قَبِلْتُها طلقت.
وكذلك لو جعل أمر امرأته بيدها فقالت قبلت بشيء طلقت وإذا قال لامرأته: أمر نسائي بيدك، أو قال لها: طلقي أية نسائي شئت ليس لها أن تطلق نفسها، مذكور في «الأصل» .
وفي «المنتقى» في باب الأمر باليد إذا قال لامرأته: أمر امرأة من نسائي في يدك يعني في الطلاق فطلقت نفسها أو غيرها طلقت. ولو قال لامرأةٍ له: طلقي أية نسائي شئت وطلقت نفسها لم تطلق.
وفي «المنتقى» في باب المنبتَّة: إذا قال لامرأةٍ له طلقي أية نسائي شئت فلها أن تطلق نفسها ومن شاءت من نسائه. وكذلك لو قال لعبد من عبيده أعتق أي عبدٍ شئت.
وفي «المنتقى» : في الذي يلي باب الأمر باليد: إذا قال لامرأةٍ له طلقي كل امرأة لي ليس لها أن تطلق نفسها.
وفي «المنتقى» في باب الأمر باليد إن طلقت امرأة من نسائي فهي طالق وطلقت نفسها لا تطلق، وكذلك لو قال: طلقي امرأة من نسائي أو قال لعبدٍ له بع عبداً من عبيدي وطلقت نفسها أو باع العبد نفسه لم يجز.
رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت للزوج: أنت عليّ حرام وأنت مِنّي بائن أو أنا عليك حرام أو أنا (بائن) منك فهذا كله طلاق.
ولو قالت: أنت حرام، ولم تقل علي أو قالت: أنت بائن ولم تقل مني فهو باطل. ولو قالت: أنا حرام ولم تقل عليك أو قالت: أنا بائن ولم تقل منك فهذا كله طلاق.
وفي «المنتقى» : إذا قال لامرأته: طلقي نفسك فقالت: أنا حرام أو خلية أو بريئة أو بائن فهذا كله طلاق.
والأصل في هذا كله: أن كل شيء يكون من الزوج طلاقاً فيما يقوله إذا سألته المرأة فأجابها، فإذا أوقعت المرأة مثل ذلك على نفسها بعدما صار الطلاق بيدها يقع الطلاق.

والمرأة لو قالت لزوجها: طلقني فقال الزوج: أنت حرام أو أنت بائن كان طلاقاً

(3/242)


فإذا قالت المرأة مثل ذلك بعدما صار الطلاق في يدها يكون طلاقاً أيضاً.

ولو قالت لزوجها: طلقني فقال لها: الحقي بأهلك وقال لم أنو به الطلاق كان مصدقاً ولا يقع الطلاق، فإذا قالت المرأة مثل ذلك بعدما صار مفوضاً إليها ألحقتُ نفسي بأهلي لا تطلق.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا جعل أمر امرأته بيدها فقالت المرأة: أعطني كذا إن طلقتني فقال الزوج: لا أدري ما هذا فقالت المرأة: إن جعلت أمري بيدي فقد طلقت نفسي لا تطلق لأنها لما تكلمت بكلام وهو قولها أعطني كذا إن طلقتني، وقولها إن جعلت أمري بيدي فقد قطعت الملجس.
وفيه أيضاً: رجل قال لامرأته: أمر ثلاث تطليقاتك بيدك فقالت له لم لا تطلقني بلسانك فقالت: طلقت نفسي، طلقت؛ لأن قولها لم لا تطلقني بلسانك ليس برد للتمليك فكان لها أن تطلق نفسها بعد ذلك، وفيه نوع نظر لأنه يتبدل المجلس به من حيث إنه كلام زائد إن كان لا يريد به التمليك.
وفي «واقعات الناطفي» : إذا قال لامرأته: أمرك بيدك وأمر امرأتي الأخرى هذه بيدك فقالت: قد طلقت فلانة ولم تطلق نفسها طلقت لأن بتطليق الأولى لم يتبدل المجلس ولم يوجد منها الرد.
وسئل الإمام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله عن رجل جعل أمر امرأته بيدها على أنه إن غاب عنها شهرين فهي تطلّق نفسها (239أ1) متى شاءت فغاب شهرين إلا يوماً وحضر في اليوم الأخير وغيبت المرأة نفسها حتى مضى شهرين ثم طلقت نفسها، فأجاب: إنه يقع الطلاق. وفيه نظر يتأمل بعد هذا إن شاء الله تعالى.

إذا جعل أمر امرأته بيدها على أنه إن غاب عنها عن بخارى أو عن المكان الذي يسكنان فيه شهرين، فهي تطلق نفسها متى شاءت، فغاب عن بخارى شهرين، وكان ذلك قبل أن يبني بها وطلقت المرأة نفسها، فقد قيل: بأنها لا تطلق لأن الغيبة عنها قبل البناء لا يتحقق؛ لأن الغيبة إنما تتحقق من الحاضر. وقبل البناء بها هو غائب عنها فلا تتحقق الغيبة منها.

إذا قال لامرأته: إن دخلت دار فلان فأمرك بيدك فدخلت دار فلان فطلقت نفسها، أن تَزامل المكان الذي فيه سميت داخلة طلقت؛ لأنها طلقت والأمر في يدها. وإن مشت خطوتين ثم طلقت نفسها لا تطلق لأنها طلقت نفسها بعدما خرج الأمر عن يدها.
رجل جعل أمر امرأته بيدها، فقالت دست ازداستم ولم تقل خويستن الابين، ولو قالت: عنيت نفسي، إن كان المجلس قائماً صدقت لأنها تملك الإنشاء، وإن تبدل المجلس لا تصدق.
وإنما لم تبين في الصورة الأولى لأنها لم تضف الإبانة إلى نفسها فصار كما لو قال لها: اختاري فقالت اخترت. هكذا ذكر في «فتاوى الفضلي» ، وبعض مشايخنا قالوا: ينبغي أن يقع استدلالاً بمسألة الخلع فإنه إذا قيل للمرأة خويشين خريدي فقالت خريدم،

(3/243)


ثم قيل للزوج فزوجني فقال فزوجتم يتم الخلع، وإن لم توجد الإضافة إلى المرأة، ولا يستقيم الاستدلال بمسألة الخيار؛ لأنه ثمة لم توجد الإضافة إلى نفسها من الجانبين حتى لو قال لها: اختاري نفسك فقالت: اخترت يقع الطلاق، وههنا وجدت الإضافة إليها من جانب الرجل حتى جعل أمرها بيدها وذلك كافٍ لوقوع الطلاق، وستأتي مسألة الخيار وتفاصيلها بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ولو قالت أمكندم تسأل نادي أمكندي إن قالت: الطلاق طلقت وما لا فلا، وإن قالت طلاق أمكندم تطلق نوى الطلاق أم لا، وكذلك إذا قالت أمراً مكندم تطلق نوي الطلاق أو لا؛ لأن هذا اللفظ بحكم العرف يعتبر لإيقاع الطلاق، يقال: زن فلان أمر أمكند ويفهم فيما بين الناس أنها طلقت نفسها.

رجل جعل أمر امرأته بيدها على أنه متى ضربها بغير جناية فهي تطلق نفسها متى شاءت فخرجت من البيت بغير إذن الزوج فضربها هل يصير الأمر بيدها؟
قيل: لا يصير الأمر بيدها إن أوفى صداقها المعجل، وإن لم يوفها ذلك صار الأمر في يدها؛ لأنه إذا لم يوفها المعجل، فلها أن تذهب إلى بيت أبيها من غير إذنه وتمنع نفسها لاستيفاء المعجل فلا يكون الخروج جناية.

وكان الإمام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله يفتي بأن الأمر لا يصير في يدها من غير تفصيل وكان يقول: خروجها من البيت جناية إذ ليس لها ولاية الخروج عن بيت الخروج بغير إذن الزوج لمنع نفسها منه لأجل أنها يمكنها منع نفسها عنه في بيته والأول أصح، فقد ذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» في كتاب النكاح: وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله حتى يوفيها جميع المهر.
جعل أمرها بيدها على (أنه) متى ضربها بغير جناية فهي تطلق نفسها، ثم قال لها الزوج لعت بربوباد فقالت لعت خود بربوباد فضربها تكلموا فيه. وبعضهم قالوا: هذا ليس بجناية منها لأنها ثانية وليست ببادئه، وعامتهم على أن هذا جناية منها، وهو الأصح إذ ليس في هذا قصاص في الشرع حتى لا يكون الثاني جانياً.
وعلى هذا: إذا قال لها: مادرت سياهه فقالت المرأة ما درت أست سياهة فعلى قول الأولين هذا ليس بجناية لأنها بائنة، والعامة تكلموا فيما بينهم، قال بعضهم: إن كانت أم الزوج حيّة فهذا ليس بجناية منها في حقه. وإن كانت أمّهُ ميتة فهذا جناية منها في حقه.

وبعضهم قالوا: لا يصير الأمر بيدها سواء كانت أم الزوج حيّة أو ميتة؛ لأن الزوج ذكر الجناية مطلقة وما ذكر الجناية في حقّه، ألا ترى أنها لو تركت الصلاة في هذه الصورة فضربها لا يصير الأمر بيدها قلنا: وشتمها أمه جناية، سواء كانت أمه حية أو ميتة، وإن لم تكن جناية في حقه إذا كانت أمها حية إذا جعل أمرها بيدها على أنه متى ضربها بغير جناية، فهي تطلق نفسها فلازمت الزوج لأجل الكسوة فضربها صار الأمر بيدها، فإن هذه ليست بجناية، فإن لصاحب الحق حق الملازمة. ولو كانت تعلقت به

(3/244)


وأخذت لحيته فهذا منها جناية إذ ليس لها ذلك شرعاً. ولو قالت له: خذ أنت مرك دعاة فهذا جناية منها، وكذلك لو قالت له: أي خزاي، كاو فهذا جناية منها. ولو قالت: أي يدحو إن كان كذلك فهذا ليس بجناية، وإن لم يكن كذلك فهو جناية.

ولو قال لها: لا تفعلي هكذا، فقالت: حوش في ارم، إن كانت قالت في فعل هو معصية فهذا منها جناية، وإن كان قالت في فعل هو ليس بمعصية فهو ليس بجناية، ولو كشفت وجهها لغير محرم فقد قيل: هذه جناية، وقد قيل: هذه ليست بجناية، والتكلم ورفع الصوت مع غير المحرم جناية بلا خلاف.
إذا جعل أمر امرأته بيد امرأة له أخرى، ثم إنه طلق المفوض إليها طلاقاً بائناً أو رجعياً لا يخرج الأمر من يدها. ولو جعل أمرها بيدها ثم طلقها طلاقاً بائناً خرج الأمر من يدها. ولو طلقها واحدة رجعية بقي الأمر على حاله.
وفي «الأمالي» : إذا قال لها: أمرك بيدك إذا شئت، ثم طلقها واحدة بائنة، ثم تزوجها واختارت نفسها طلقت عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لأبي يوسف رحمه الله. ولو قال لها: إذا تزوجت عليك امرأة، فأمر تلك المرأة بيدك ثم خالعها أو طلقها بائناً أو ثلاثاً ثم تزوج امرأة أخرى لا يصير أمرها بيدها.

ولو قال: إذا تزوجت امرأة فأمر تلك المرأة بيدك ولم يقل: عليك ثم إنه طلقها بائناً أو ثلاثاً أو خالعها، ثم تزوج امرأة يصير أمرها بيدها؛ لأن في الفصل الأول الشرط التزوج عليها، وفي هذا الفصل الشرط التزوج مطلقاً.
وإذا قال لها: إن تزوجت عليك في هذا النكاح فأمرك بيدك، أو قال: فأمرها بيدك، ثم إنه طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها ثم تزوج امرأة أخرى لا يصير الأمر بيدها، لأن الشرط التزوج عليها في ذلك النكاح، وهذا نكاح آخر.

وإذا قال لها: إن دخلت الدار فأمرك بيدك ثم طلقها واحدة ثم طلقها واحدة أو ثنتين لا يبطل الأمر حتى لو تزوجها ثم دخلت الدار صار الأمر بيدها سواء تزوجها وهي في العدة أو تزوجها بعدما انقضت العدة (239ب1) . أو كانت غير مدخول بها قيل: الرواية في «المنتقى» : إذا قالت لزوجها: طلقني، فقال الزوج: من طلاق توبدست تونهادم، فقالت: من خوشين باطلاق دارم، فقال الزوج: من مرها داوم تقع طلقتان؛ لأن الواقع بكل إيقاع رجعي والرجعي. يلحق الرجعي،.... لآخر حتى مضى ذلك الوقت وقد تزوج امرأة، فليس لصاحب المال اكرستم من ندعي إلى وقت كذا أمر يدست من نهاوي طلاق زن فراتسني، فقال: تهادم فلم يعطه المال حتى مضى ذلك الوقت وقد تزوج امرأة، فليس لصاحب المال أن يطلقها.
ولو كان قال: اكر سيم من ندعي إلى وقت كذا أمر يدست من نهادى طلاق. راكي بخواعي وباقي المسألة بحالها، فله أن يطلقها؛ لأن قوله: زن خواستي ينطلق على امرأة

(3/245)


يريد أن يتزوجها، فلا ينطلق على التي يتزوجها، وتفويض طلاق امرأة يريد أن يتزوجها لا يصح.
ونظير هذا اللفظ: است برنشتي، فإن هذا اللفظ في العرف ينطلق على فرست يريدان يركبها لا على مرتين يركبها لا محالة.
رجل جعل أمر امرأته بيدها على أنه إن لم يعطها كذا في وقت كذا، فهي تطلق نفسها متى شاءت، فمضى ذلك الوقت فطلقت نفسها، ثم اختلفا، فقال الزوج: أعطيتها ذلك في الوقت وأنكرت المرأة ذلك، فالقول قول الزوج في حق الطلاق حتى لا يحكم بوقوع الطلاق عليها؛ لأنه ينكر وقوع الطلاق، والقول قول المرأة في حق عدم وصول ذلك الشيء إليها؛ لأنها منكرة وصول ذلك الشيء إليها.

أصل المسألة مسألة ذكرها في «المنتقى» ، وصورتها: رجل قال لأب امرأته: إن لم أتك إلى أربعين يوماً، فأمر امرأتي بيدك، فإذا مضى أربعون يوماً..... فإن قال الزوج: إنها من الساعة التي تكلم فيها فأمرها بيده ما دام في مجلسه، فإن قال الرجل بعد ذلك قد آتيتك، فقال أب المرأة: لم يأتني، فالقول قول الزوج؛ لأنه ينكر صيرورة الأمر بيده.
ونظير هذا مسألة «الجامع الصغير» : إذا قال الرجل لعبده: إن لم أحج العام (فأنت حر) ، فمضى العام، فقال المولى: حججت. فقال العبد: لم حج، فالقول قول المولى؛ لأنه ينكر العتق، وعلى هذا إذا جعل أمرها بيدها على أنه متى ضربها بغير جناية (فالقول) ، فهي تطلق نفسها فضربها، ثم اختلفا، فقال الزوج: ضربتها بجناية، فالقول قوله لما ذكرنا.
(وفقد) محمد رحمه الله في كتاب الكفالة مسألة تدل على أن القول قول المرأة، صورتها: رجل قال لغيره: إن مات فلان قبل أن يعطيك الألف التي لك عليه فأنا كفيل بها، فوقع الاختلاف بين الكفيل وبين الطالب بعد موت المطلوب، فقال الطالب: لم يعطني، فصرت كفيلاً. وقال الكفيل: قد أعطاك ولم أصر كفيلاً إن القول قول الطالب. وهذا استحسان؛ لأنه ينكر الاستيفاء.
فإن قيل: إن كان ينكر الاستيفاء صورة يدعي الكفالة على الكفيل معنى، والكفيل ينكر الكفالة، فلِمَ كان اعتبار الصورة أولى من اعتبار المعنى؟

ألا ترى أن من قال لعبده: إن لم أدخل الدار اليوم فأنت حر، فمضى اليوم، فقال العبد: لم تدخل وعتقت. وقال المولى: لا بل دخلته ولم تعتق، فالقول قول المولى؛ لأنه يدعي الدخول وينكر ثبوت العتق فكان منكراً معنىً (إن) مدعياً صورة كذا هنا.
والجواب وهو الأصل في جنس هذه المسائل: أنه متى أمكن اعتبار المنازعة فيما وقع فيه الاختلاف صورة لا تعتبر المنازعة من حيث المعنى.

وفي مسألة الكفالة أمكن اعتبار المنازعة فيما وقع فيه الاختلاف من حيث الصورة؛

(3/246)


لأن الاختلاف من حيث الصورة وقع في إيفاء الدين والمنازعة في إيفاء الدين معتبر في الجملة، ويكون القول قول من ينكر الإيفاء، ألا ترى أنه لو لم يكن بالمال كفيل ووقع الاختلاف بين رب الدين وبين المديون في الإيفاء كان القول قول رب الدين.
فهو معنى قولنا أمكن اعتبار المنازعة فيما وقع فيه الاختلاف من حيث الصورة، فلا تعتبر المنازعة من حيث المعنى، وباعتبار الصورة الطالب منكر، وفي مسألة اليمين تعذر اعتبار المنازعة فيما وقع فيه الاختلاف صورة، وهو الدخول وعدم الدخول.
ألا ترى أنه لو وقعت المنازعة في الدخول وعدم الدخول ابتداء من غير أن يكون فيه تعليق العتق لأن تعليق العتق لا يعتبر المنازعة أصلاً، فاعتبر بالمنازعة في المعنى، ومن حيث المعنى المولى ينكر العتق.
وخرج على هذا مسألة «الجامع الصغير» : لأن هناك تعذر اعتبار المنازعة، وفيما وقع فيه الاختلاف صورة والحج وعدم الحج، ألا ترى أنه لو وقع الاختلاف فيه ابتداء من غير أن يكون فيه تعليق العتق لا تعتبر المنازعة فيه أصلاً، فاعتبرنا المنازعة من حيث المعنى.

جئنا إلى مسألة الأمر باليد، فنقول: أمكن اعتبار المنازعة فيما وقع فيه الاختلاف صورة، وهو إعطاء النفقة وعدم الإعطاء، ألا ترى أنه لو وقع الاختلاف فيه ابتداء بأن قال الزوج للمرأة: أعطيت نفقتك، وقالت المرأة: لم تعطني، كان القول قول المرأة، فقد أمكن اعتبار المنازعة فيما وقع فيه الاختلاف صورة، وباعتبار الصورة المرأة منكرة، فيكون القول قولها.
امرأة قالت لزوجها: أريد أن أطلق نفسي، وقال الزوج: نعم. وقالت: طلقت نفسي. ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في باب ... أنها تطلق من غير تفصيل.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله ذكر المسألة على التفصيل: إن نوى الزوج التفويض يقع، وإن نوى الرد يعني: طلقي إن استطعت لا تطلق.

وعلى قياس مسألة الأمان المذكورة في «السير» ينبغي أن يقال: إن غيّر الزوج النغمة في قوله: نعم، بحيث يعلم أنه أراد به الاستهزاء والرد لا تطلق. وذكر في طلاق «الجامع» : إذا قال الرجل لغيره: أمر امرأتي بيد الله وبيدك، وهو يريد الطلاق، فطلقها الرجل يقع الطلاق؛ لأن اسم الله في مثل هذا إنما يذكر للتبرك به عند افتتاح الكلام على هذا استعمال الناس، وقد تأيد ذلك بالكتاب، وهو قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (الأنفال: 41) مطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف، فيكون هذا تفويضاً للطلاق إلى من خاطبه وحده، فإذا أوقع يقع.
وإذا قال: أمر امرأتي بيدي ويدك، أو قال: جعلت أمرها بيدي ويدك وطلقها المخاطب لم يجز طلاقه إلا أن يخير الزوج؛ لأنه ما جرت العادة بذكر المتصرف بنفسه

(3/247)


ابتداء للتبرك، فلا بد وأن يحمل ذكر المتصرف بنفسه على وجه يخرج من أن يكون لغواً، وذلك بأن يحمل بأن مراده من هذا أن لا يتصرف المخاطب على وجه الاستبداد بخلاف الفصل الأول.

وفي «الجامع» أيضاً (240أ1) : إذا قال الرجل: أمر امرأتي بيدك، وطلقها الوكيل قبل أن يقوم عن المجلس فهي واحدة بائنة إلا أن ينوي الزوج ثلاثاً، فتكون ثلاثاً. ولو قام الرجل عن مجلسه قبل أن يطلقها بطل الأمر؛ لأن قول الزوج، وطلقها عقيب قوله: أمر امرأتي بيدك علم أنه أراد مما سبق جعل الأمر إليه في الطلاق، فكان هذا تفويض الطلاق إليه والتفويض مقصور على المجلس، وكذلك لو قال: طلقها وأمرها بيدك كان هذا وما تقدم سواء.

ولو قال له: طلق امرأتي قد جعلت ذلك إليك، أو قال: جعلت طلاق امرأتي إليك فطلِّقها، فهذا والفصل الأول سواء، يريد به أنه يقتصر على المجلس. وإذا طلقها في المجلس كان الواقع رجعياً، بخلاف الفصل الأول؛ لأن في الفصل الأول التفويض حصل بقوله: أمر امرأتي بيدك وإنه من جملة الكنايات، فيكون المفوض إليه تطليقة بائنة، والتفويض ههنا حصل بقوله: طلقها، وإنه صريح. وقوله: قد جعلت ذلك إليه إشارة إلى ما سبق ذِكْره. والذي سبق ذكره صريح الطلاق، فكأنه قال: جعلت إليك صريح الطلاق فطلِّقها. ولو نص على ذلك كان المفوض إليه طلقه رجعية، كذا ههنا.
وفي «المنتقى» : إذا قال لغيره: طلق امرأتي فقد جعلت أمرها بيدك فهذا وكيل يطلق في المجلس وغيره، والطلاق رجعي. ولو قال: جعلت أمرها بيدك فطلقها، فهذا على المجلس، والطلاق بائن.
ولو قال له: طلق امرأتي وقد جعلت امرأتي أمرها بيدك، وإن طلقها في المجلس طلقت تطليقتين لا يملك الرجعة بعد ذلك.
ولو قام عن مجلسه وطلقها تقع واحدة رجعية؛ لأن قوله طلق امرأتي توكيل بصريح الطلاق. وقوله: قد جعلت أمرها بيدك هذا تفويض آخر ليس بحكم الأول؛ لأن حرف الواو لا يحتمل ذلك، وقد صار الحال حالة مذاكرة الطلاق بما سبق ذكره، وهو قوله: طلق امرأتي، فكان هذا (الوكيل) بصريح الطلاق، وتفويضاً للطلاق إليه.

فإذا قال في المجلس: طلقها، صار جواباً لهما، فلا رجعة مع البينونة، ولهذا قال: وقعت تطليقتين لا يملك الرجعة.
وإذا قام عن المجلس بطل التفويض وبقي التوكيل بصريح الطلاق، فتقع به واحدة رجعية إلا إن نوى الزوج الثلاث فحينئذ تقع الثلاث، لأن هذا أمر بالطلاق وإنه يحتمل الثلاث.
وكذلك الجواب فيما إذا قال له: جعلت أمرها بيدك وطلقها، جعل قوله وطلقها في هذه الصورة تفويضاً مبتدأً حتى قال له: جعلت أمرها بيدك وطلقها إذا طلقها في المجلس. طلقت ثنتين.

(3/248)


وفيما إذا قال له: جعلت أمرها بيدك وطلقها لم يجعل قوله: وطلقها تفويضاً مبتدأً حتى قال: إذا طلقها في المجلس تطلق واحدة بائنة.
والفرق: أن حرف الفاء وجد للتعقيب والفصل، فإذا قال فطلقها جعل الثاني حكماً للأول وتفسيراً له، إذ حكم الشيء يعقب ذلك الشيء، وقوله فطلقها يصلح حكماً وتفسيراً لقوله: أمر امرأتي وقوله: أمر امرأتي بيدك يصلح علة للطلاق، ولهذا لو نص عليه يصح، وكما لو كان هكذا صار كأنها: طلق امرأتي لأني فوضت طلاقها إليك، ولو نص على هذا، لم يكن ذلك تفويضاً مبتدأً فههنا كذلك.

وهذا المعنى لا يتأتى فيما إذا ذكره بحرف الواو فبقي على حقيقته، وحقيقته تقتضي أن يكون تفويضاً مبتدأً. ولو قال له: طلق امرأتي فأبنها، فهذا على المجلس وغيره، لأن هذا (الوكيل) وليس بتمليك؛ إذ ليس فيه تفويض الأمر إليه، ولا جعل ذلك منوطاً بمشيئته ورأيه نصاً أو معنى، بل هو مطلق استثنائه وما هذا سبيله فهو توكيل، والوكيل بالإيقاع يملك الإيقاع في المجلس وبعده، فإن طلقها في المجلس أو بعده، كانت تطليقة بائنة، لأن الفاء للوصل والتعقيب وإنما تتصل الصيغة بالأصل، فكان معناه وأبنها بتلك التطليقة، فيكون توكيلاً بإيقاع طلقة بائنة، وكذلك الجواب فيما إذا قال: أنبها فطلقها، ولو قال: طلقها وأنبها، أو قال: أبنها وطلقها، فطلقها في المجلس أو بعد القيام عن المجلس، طلقت تطليقتين بائنتين، لأن العطف بحرف الواو لا يصلح لبيان الحكم والعلة على ما مر، فصارا جميعاً أمرين: أحدهما صريح ولا تمليك في واحد منهما، بل كل واحد منهما توكيل، فلم يقتصر على المجلس، فإذا طلقها صار جواباً لهما فيقع تطليقتان، ولا تظهر حق الرجعية مع وجود الإبانة، فلهذا قال: طلقت تطليقتين لا يملك الرجعة بعدهما.

فإذا قال لها: أمرك بيدك يوماً أو شهراً أو سنة، فلها الأمر من تلك الساعة إلى استكمال المدة التي ذكر، ولا تسقط بالقيام عن المجلس، ولا بشيء آخر، وهذا لما ذكرنا أن في هذا التفويض معنى التعليق، والتوقيت يلائم التعليق، فصح التوقيت من حيث إنه يتضمن التعليق، وإذا صح التوقيت صار الطلاق بيدها في هذه المدة، ولو بطل الأمر بعد ذلك بقيامها عن المجلس، أو بشيء آخر لم يكن للتأقيت حينئذ فائدة، ويكون الشهر ههنا بالأيام؛ لأن التفويض حصل في بعض الشهر، فلا يمكن اعتبار الأهلية فيه، فيعتبر الأيام بالإجماع ولو عرف وقال: هذا اليوم، أو قال: هذا الشهر، أو قال: هذه السنة، كان لها الخيار في اليوم والشهر والسنة ويكون الشهر ههنا على الهلال.

فروي عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لها: أمرك بيدك هذا اليوم، فهذا على اليوم كله، ولو قال: في هذا اليوم كان على مجلسها، لأن في الفصل الأول جعل كل اليوم وقتاً للأمرباليد فعم الوقت، وفي الفصل الثاني جعل الأمر بيدها في جزء من اليوم، لأنه جعل اليوم ظرفاً وذلك لا يقتضي التعميم، فإن المظروف قد يستعمل جزءاً من الظرف.

(3/249)


ألا ترى لو قال: لله تعالى علي صوم عمري، يلزمه صوم العمر، ولو قال في عمري يلزمه صوم يوم من العمر، فهذا يبين لك الفرق بين اللفظتين.
وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله: إذا قال لها: أمرك بيدك رأس الشهر كان الأمر بيدها، الليلة التي يهل فيها الهلال، ومن الغد إلى الليل، ولو قال لها أمرك بيدك في رأس الشهر كان لها مجلسها حتى تغرب الشمس. قال: ألا ترى أنه لو قال لها أمرك بيدك غداً، كان لها الغد كله، ولو قال في غد، كان على المجلس حتى تغرب الشمس من الغد.
وذكر إبراهيم عن محمد رحمه الله ما يخالف هذا، فقد روي عنه: إذا قال لها: أمرك بيدك رمضان، أو قال في رمضان، فهما سواء، والأمر في يدها رمضان كله، وكذلك لو قال لها: أمرك بيدك غداً أو في غد، فهما سواء.
وفي القدوري روي عن أبي يوسف رحمه الله: أنه إذا قال لها أمرك بيدك إلى رأس الشهر، فلها أن تطلق نفسها مرة واحدة في الشهر، وليس لها أن تطلق (مرة) أخرى في الشهر (240ب1) لأنه جعل الشهر وقتاً للطلاق، فإذا طلقت مرة واحدة، فقد استوفت ما جعل إليها فلا تملك إيقاع العدد، فلا يخرج الأمر من يدها بتبدل المجلس ليكون التأقيت مفيداً.
ولو قالت: اخترت زوجي بطل خيارها في اليوم فلها أن تختار نفسها من الغد في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: خرج الأمر عن يدها في الشهر كله. ذكر القدوري رحمه الله الخلاف في هذه المسألة على هذا الوجه، وذكر الخلاف في مثل هذه المسألة على عكس هذا.

وصورتها: إذا قال لها: أمرك بيدك هذا الشهر فاختارت زوجها أو قالت: لا أختار الطلاق، خرج الأمر من يدها في جميع الشهر عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، قال أبو يوسف رحمه الله: لا يبطل خيارها في مجلس آخر.
وجه قول من قال: إن خيارها لا يبطل في مجلس آخر: إن ردها لقيامها عن المجلس فإذا لم يبطل قيامها اختيارها في المجلس الثاني كذا الرد.
وجه قول من يقول ببطلان الخيار في المجلس الثاني أن الأمر يتحد في نفسه وقد صادفه الرد صريحاً فبطل في نفسه بخلاف القيام عن المجلس لأنه ليس رداً صريحاً، وإنما هو امتناع عن الاتحاد فيبقى في نفسه إذ لو لم يبق في نفسه لم يكن التأقيت مفيداً.
ولو قال لها: أمرك بيدك اليوم وبعد غد. لم يدخل الليل في ذلك لو اختارت نفسها لا يقع وإن ردت الأمر في يومها، بطل أمر ذلك اليوم فكان لها الأمر بعد غد.

ولو قال لها: أمرك بيدك اليوم وغداً، دخلت الليلة تحت الأمر وإن ردت الأمر في يومها ذلك لم يكن لها الأمر في الغد، هكذا ذكر محمد رحمه الله المسألة في «الجامع الصغير» ، وإن لم تدخل الليلة في الفصل الأول لأن كل واحد من اليومين ذكر منفرداً، واليوم المنفرد لا يستتبع ما بإزائه من الليل وإنما دخل الليل في الفصل الثاني لأنه جمع

(3/250)


بين اليوم والغد في الفصل الثاني بحرف الجمع فينزل منزلة الجمع بلفظ الجمع، فكأنه قال: يومين وهناك تدخل الليلة لما عرف أن اسم اليومين يستتبع الليلة، وإنما كان لها الأمر بعد الغد في الفصل الأول، لأن في الفصل الأول الموجود أمران لأن بمجيء الغد ينقطع الأمر الأول لما لم يدخل الليل في الأمر، والأمر إذا انقطع لا يعود به إلا بتجديد الأمر، فاقتضى ذكر ما بعد الغد معطوفاً على اليوم أمراً آخراً حتى يصح العطف، فثبت أن الأمر متعدد فإبطال أحدهما لا يكون إبطالاً للآخر.

كما لو قال لها: أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك بعد غد، بخلاف المسألة الأولى على قول من يقول ببطلان الخيار في جميع الشهر. إذا قالت: اخترت زوجي لأن هناك الأمر واحد، لأن الوقت واحد لم يتخلله وقت لا خيار فيه ولهذا دخلت الليالي فإذا كان الأمر واحد، فإذا بطل بالرد لا يبقى نفسه.
أما في الفصل الثاني الموجود أمر واحد؛ لأنه جمع بين الغد واليوم بحرف الجمع فصار كأنه جمع بينهما بلفظ الجمع، وهناك يكون الأمر واحد فههنا كذلك، وإذا أبطلته في اليوم بطل في نفسه.
وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله: إذا قال لها: أمرك بيدك اليوم وغداً وبعد غد، فردت الأمر اليوم، بطل خيارها في اليوم فكان لها الخيار غداً، وكذلك إن ردت اليوم وغداً، فلها الخيار بعد الغد.
ثم رجع عن هذا فقال: إذا ردت الأمر اليوم: بطل الأمر كله، وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا قال لها: أمرك بيدك هذه السنة، فاختارت نفسها ثم تزوجها، لم يكن لها خيار في باقي السنة لأن الأمر واحد، إلا أنه ممتد، فإذا استوفت مرة لا يبقى في نفسه، قال أبو يوسف رحمه الله: وقياس قول أبي حنيفة رحمه الله أن يثبت لها خيار آخر، ولم يظهر لنا وجه القياس. ولو طلقها زوجها واحدة ولم يكن قد دخل بها، ثم تزوجها في تلك السنة، فلها الخيار في قول أبي حنيفة رحمه الله، لأنها لم تستوف موجب الخيار، وتطليقات ذلك الملك باق، فيبقى موجب التخيير.

وقال أبو يوسف رحمه الله: لا خيار لها لأن الزوج أزال بنفسه عما جعل، إليها إزالته، فيخرج الأمر من يدها كالموكل بالبيع إذا باع عين ما وكل ببيعه، غير أن هذا مشكل، لأن التخيير ينصرف إلى تطليقات هذا الملك فإذا بقي شيء من تطليقات هذا الملك يبقى موجب التخيير إذا قال لها: يوم يقدم فلان فأمرك بيدك، فقدم فلان نهاراً فلم يعلم به حتى جن الليل فلا خيار لها، ولو قال لأجنبية يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلاً يحنث في عينيه فجعل اليوم في مسألة الأمر عبارة عن بياض النهار وفي مسألة التزوج جعله عبارة عن مطلق الوقت.
والأصل في ذلك أن اليوم لغة يستعمل لمطلق الوقت فيحتمل الليل والنهار جميعاً، ويستعمل أيضاً في بياض النهار خاصة، والنهار لا يستعمل إلا في البياض، والليل لا يستعمل إلا في السواد، هذا هو المشهور من أهل اللغة، غير أن الناس تعارفوا استعمال

(3/251)


اليوم لمطلق الوقت إذا قرن بفعل لا يمتد، وتعارفوا استعمال اليوم لبياض النهار إذا قرن بفعل يمتد، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها منجماً ذكر اليوم على مطلق الوقت عند قرانه بفعل لا يمتد كما في مسألة النكاح، فإن التزوج لا يمتد ولهذا لا يضرب له مدة.

ويحمل ذكر اليوم على بياض النهار عند قرانه بفعل يمتد كما في الأمر باليد فإن الأمر باليد مما يمتد، ولهذا يضرب له مدة فيقال جعل فلان أمر امرأته بيدها شهراً أشباه ذلك.
وإذا حمل على بياض النهار صار الأمر مؤقتاً ببياض النهار فلا يبقى بعد ذهاب البياض، فإذا علمت به بعد ذهاب البياض فإنما علمت به بعد انتهائها، فلهذا لا يكون لها الخيار.

وفي «المنتقى» : إذا قال لها إذا هل الهلال فأمرك بيدك، فإن علمت أن الهلال قد أهل ولم تختر نفسها في ذلك المجلس خرج الأمر من يدها، وإن جاءت بعد الهلال بأيام، وقالت: لم أعلم به، فإن جاءت بأمر أرى أنها فيه صادقة حلفها على ذلك وقبل قولها والأمر بيدها، وإن جاءت بأمر أرى أنها كاذبة فيه لم أقبل قولها.
وفيه أيضاً: إذا قال لها أمرك بيدك على أن لا تأتيني البصرة أو على أن لا تخرجي من مصرك، أو ما أشبه ذلك هذا كله على القبول، فإذا قبلت ثم اختارت نفسها طلقت.
وكذلك لو قال: إن تؤدي (لي) ألف درهم، أو قال على أن تؤدي إلي كل يوم درهماً، أو قال على أن تعمل في حاجتي اشترط شيئاً مجهولاً، فهذا على القبول وإذا قبلت واختارت نفسها وقع الطلاق وردت مهرها الذي أخذت منه إلا في قوله ألف درهم، ولو قال: أمرك بيدك إن لم تخرجي اليوم من (241أ1) منزلك فهذا يمين مؤقت إلى القبول فيكون الأمر بيدها حتى تغرب الشمس إن لم تخرج من منزلها، فإذا غربت الشمس خرج الأمر من يدها.

إذا قال لها: أمرك بيدك كلما شئت فلها أن تختار نفسها كلما شاءت في ذلك المجلس وغيره حتى تبين بثلاث؛ لأن كلمة كلما تقتضي تكرار الأفعال فيتكرر التفويض بتكرر المشيئة إلا أنها لا تطلق نفسها أكثر من مرة في كل مجلس أكثر من واحدة؛ لأن كلمة كلما لما اقتضت التكرار صار كأنه قال لها في كل مجلس: أمرك بيدك، فإذا اختارت نفسها مرة الملك عند مشيئة استوفت موجب ذلك الأمر من التطليقة فإنما يتجدد لها الملك عند مشيئة مستقبلة، فإذا استوفت ثلاث تطليقات ثم عادت إليه بعد زوج فلا خيار لها؛ لأنها استوفت ذلك الملك بتمامه والمفوض إليها ذلك إذ هو المملوك للزوج.
ولو قال لها: أمرك بيدك إذا شئت أومتى شئت فلها أن تختار نفسها مرة واحدة في ذلك المجلس وغيره أما الاقتصار على المرة لأن إذا ومتى لا تقتضيان التكرار، وأما التعدي إلى ما بعد المجلس لأن كلمة إذا ومتى توجبان تعميم الوقت فقد جعل لها مشيئة عامة في الأوقات كلها كأنه قال لها: في أي وقت شئت، ولو اختارت زوجها خرج الأمر

(3/252)


من يدها، لأنها ردت ما جعل إليها هذه الجملة من «القدوري» .
ولو قال لامرأته: أمر فلانة بيدك لتطلقيها متى شئت، فهذه مشورة والأمر بيدها في ذلك المجلس، ذكره في «المنتقى» .
ذكر في «الأصل» : إذا قال الرجل لغيره: قل لامرأتي أمرك بيدك، لا يصير الأمر بيدها ما لم يقل المأمور لها أمرك بيدك، وجعل هذا من الزوج أمراً بالتفويض لا أمراً بالإخبار عن كون الأمر في يدها؛ لأنه لا يمكن أن يجعل هذا أمراً بالإخبار لأن الأمر بالإخبار يقتضي وجود المخبر عنه أولاً، وما أحدث الزوج لا يصلح لتفويض الأمر إليها ليجعل تفويضاً من الزوج أولاً ثم أمراً بالإخبار تفويضاً إلى الغائبة لا يثبت بقوله: أمرك بيدك، وإذا تعذر أن يجعل هذا أمراً بالإخبار جعلنا أمراً بالتفويض.

ولمثله لو قال لغيره قل لامرأتي إن أمرها بيدها، يصير الأمر بيدها قبل الإخبار وجعل ذلك أمراً بالإخبار عن كون الأمر بيدها لا أمراً بالتفويض إليها، لأنه أمكن أن يجعل ذلك أمراً بالإخبار، لأن (قول) الزوج إن أمرها بيدها يصلح لتفويض الأمر إلى الغائبة، فيجعل تفويضاً من الزوج أولاً ثم أمراً بالإخبار كما هو حقيقة اللفظ؛ لأن قوله: إن أمرها بيدها حقيقة الإخبار عن كون الأمر بيدها.
وفي «الأصل» : إذا قال لها: أمرك بيدك ثم قال لها: أمرك بيدك، بألف درهم فقالت: اخترت نفسي فهي بائن بتطليقتين والألف لازم لها.

وفيه أيضاً: إذا جعل أمرها بيد صبي أو مجنون فليس له أن يخرجه منه ويتقيد بالمجلس جعل أمرها بيد رجلين فطلقها أحدهما لم يجز؛ لأن هذا أمر يحتاج فيه إلى الرأي وقد رضي برأيهما، والراضي برأي المثنى لا يكون راضياً برأي الواحد وهذا بخلاف ما لو قال لهما: طلقا امرأتي وطلقها أحدهما، فإنه يجوز لأن هذا أمر لا يحتاج فيه إلى الرأي.
وفي «المنتقى» : الحسن بن زياد رحمه الله: إذا قال لامرأتين له أمركما بيدكما لم تطلق واحدة منهما إلا باجتماعهما على طلاقهما. إذا جعل أمر امرأته بيدها إن غاب عنها أو شرب المسكر فوجد أحد الأمرين وطلقت المرأة نفسها ثم وجد الأمر الآخر ليس لها أن تطلق نفسها، لأن الأمر واحد، وإنه تعلق بأحد الشرطين لا أن يكون معلقاً بكل واحد من الشرطين.

وقعت واقعة في زماننا أن رجلاً جعل أمر امرأته بيدها على أنه متى ضربها بغير جناية منها فهي تطلق نفسها متى شاءت، فخاصمته المرأة إلى القاضي وقالت: إنه ضربني بغير جناية وطلقت نفسي وطالبته ببقية المهر، فسأل القاضي الزوج: لماذا ضربتها، فقال الزوج: تقصدني زدم، فقالت المرأة للقاضي: إنه أقر بالضرب وأقر بشرط صحة إيقاع الطلاق فمره بتسليم بقية مهري إلي فجاء الزوج بعد ذلك عند القاضي وادعى أنه ضربها

(3/253)


بجناية كانت منها وأقامت على ذلك بينة فاستفتوا عن صحة دعواه فاتفقت الأجوبة على فساده لمكان التناقض.h
ووجه ذلك: أن المرأة ادعت الضرب بغير جناية، والقاضي سأله عن ذلك لأن القاضي، إنما يسأل المدعى عليه عما يدعيه المدعي، فإذا أقر بالضرب فقد أقر بالضرب بعد جناية لأن كلامه خرج جواباً لسؤال القاضي والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير بدعوى الضرب بالجناية بعد ذلك متناقضاً فلا تسمع دعواه.
ويمكن أن يقال: تسمع دعواه ولا تناقض فيه؛ لأنه ما أقر أولاً بالضرب بعد جناية؛ لأن القاضي لم يسأله عن الضرب لغير جناية نصاً بل سأله عن الضرب مطلقاً وسؤاله عقيب دعواها الضرب بغير جناية لا يدل على تقيد السؤال بالضرب بغير جناية؟ إذ يجوز أن يسأله عن أصل الضرب حتى إذا جحد الضرب أصلاً يأمرها بإقامة البينة على الضرب، ولو أقر بالضرب يسأله أكان الضرب بجناية أو كان بغير جناية، فلا يتقيد السؤال عن الضرب بغير جناية بالشك فلا يصير الزوج بما تكلم مقراً بالضرب بغير جناية، ولا يتحقق التناقض في دعواه الضرب بجناية بعد ذلك، ثم إذا صار الأمر بيدها كانت على خيارها ما دامت في المجلس وإن تطاول يوماً أو أكثر، لأن المجلس قد يطول وقد يقصر وهذا حكم يؤقت بالمجلس فلا يفترق الحال بين أن يطول الحال وبين أن يقصر.

ألا ترى أن حكم قبض بدل الصرف والسلم لما يؤقت بالمجلس لا يفترق الحال بين أن يطول الحال وبين أن يقصر. وإن قامت عن محلها بطل الخيار لأن هذا دليل الإعراض والأمر باليد يبطل بصريح الإعراض فكذا بدليل، فكذا إذا أحدث في عمل آخر يعلم أنه قطع لما كانت فيه بطل خيارها، وإن كانت قائمة فقعدت لا يبطل خيارها؛ لأن القعود دليل الإقبال لا دليل الإعراض، لأن هذا أمر يحتاج فيه إلى الرأي والقعود أجمع للرأي بخلاف ما إذا كانت قاعدة فقامت ولو كانت قاعدة فاضطجعت ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن عن أبي يوسف رحمه الله فيه روايتان.
وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: أنها إذا وضعت وسادة واضطجعت ووضعت عليها رأسها فيه اختلاف المشايخ، منهم من قال: لا يبطل خيارها ومنهم من قال: إذا هيأت الوسادة لما تفعل للنوم، فهذا منها تهاون بالأمر وإعراض عنه ويبطل خيارها. ولو كانت...... قاعدة (241ب1) لا يبطل خيارها.

ولو كانت قاعدة فاتكأت ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن فيه روايتين، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله فيما إذا كانت قاعدة فاتكأت أن في ظاهر الرواية لا يبطل خيارها.
فروي عن أبي يوسف رحمه الله: أنه يبطل وإن ركبت يبطل خيارها. وإن نزلت من الدابة لا يبطل خيارها وإن كانت محتبية فتربعت، أو كان على العكس لا يبطل خيارها.

(3/254)


وإذا كانت على دابة حين جعل الزوج أمرها بيدها فهذا على وجوه: إن كانت الدابة واقفة حين جعل أمرها بيدها فسارت أو كانت سائرة فسارت كذلك خرج الأمر من يدها، وإن كانت واقفة فأجابت ثم سارت أو كانت سائرة وكما سمعت التفويض أجابت في خطوتها ذلك وأسرعت في ذلك حتى سبق جوابها خطوتها بانت منه.
وكذلك الجواب إذا كانت تمشي وإن تسبق خطوتها جوابها لم تبن منه، وإن كانت الدابة سائرة فأوقفتها لا يبطل خيارها، ولو كانت في بيت فمشت في البيت من جانب إلى جانب فهي على خيارها.

والسفينة كالبيت لا كالدابة، وفي الحقيقة لا فرق بين السفينة وبين ظهر الدابة، فإن المجلس قد تبدل حقيقة، ولكن إنما فرقنا بينهما لأن سير السفينة لا يضاف إلى راكبها لأنها لا تساق لكنها تجري بالماء والريح، ليست في يد أحد بخلاف سير الدابة، فإنه يضاف إلى راكبها يقال في العرف: فلان سار اليوم كذا فرسخاً وإن كان سار على الدابة.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وسواء كانا على دابتين أو على دابة واحدة، أو كانت هي على دابة وهو يمشي، أو كانا في سفينتين أو في سفينة واحدة، أو كانا في محلين أو في محل واحد حتى إنهما إذا كانا على عاتق رجل واحد فاختارت نفسها في خطوتها ذلك بانت منه، وإذا قال لها أمرك بيدك فقالت: ادع إلي أبي أستشيره، أو قالت ادع شهوداً أشهدهم فهي على خيارها لأن هذا من أسباب الامتثال، ودليل الإقبال دون الإعراض حتى إذا اختارت نفسها ووقعت الفرقة فالزوج لا ينكرها، وكذا إذا لبست ثياباً من غير قيامها عن المجلس لا يبطل خيارها، وإن لم تجد أحداً يدعو بالشهود فقامت بنفسها ولم تنتقل لتدعوا شهوداً هل يبطل خيارها؟ اختلف فيه المشايخ قال بعضهم: لا يبطل خيارها؛ لأنه لم يوجد منها الإعراض لا نصاً ولا دلالة فإن هذا القيام ليس دليل الإعراض، وقال بعضهم: يبطل خيارها؛ لأنه تبدل المجلس إن لم يوجد منها الإعراض وتبدل المجلس يوجب بطلان الخيار سواء كانت معذورة أو غير معذورة.
ألا ترى أن الزوج إذا أخذ بيدها وأقامها من مجلس الخيار بطل الخيار وإنما بطل لتبدل المجلس لا لوجود الإعراض منها كذا ههنا.

وإذا بدأت الصلاة بعدما جعل أمرها بيدها يبطل الخيار، فلو كانت في صلاة الفريضة لا يبطل خيارها بإتمام الصلاة؛ لأنها ممنوعة عن القطع فلا تكون متمكنة من الاختيار قبل الإتمام، وإنما الإعراض بترك الاختيار بعد التمكن منه وإن كانت في تطوع لم يبطل خيارهما إن سلمت على رأس الركعتين، لأنه لا يحل لها قطع ذلك، وإن قامت إلى الشفع الآخر حينئذ يبطل خيارها؛ لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة، فصار القيام إلى الشفع الآخر بمنزلة اشتغالها بابتداء الصلاة.

ثم إن محمداً رحمه الله في «الأصل» : لم يفصل بين تطوع وتطوع، فروى ابن سماعة في «نوادره» عنه أنها إذا كانت في الأربع قبل الظهر في الشفع الأول فقامت إلى الشفع الثاني، لا يبطل خيارها؛ لأن الأربع قبل الظهر شرعت بتحريمة واحدة لا يجوز

(3/255)


أداؤها بتحريمتين فكانت هذه الأربعة كالركعتين في سائر التطوعات.
ولو كانت في الوتر في الشفع الأول فأتمتها لا يبطل خيارها. أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأن الوتر واجب بمنزلة المغرب وأما عندهما فلأنهما سنة مؤكدة شرعت بتحريمة واحدة فكانت كالأربع قبل الظهر، ألا ترى أن الوتر يقضى إذا فات عن وقته بخلاف الأربع قبل الظهر.
ولو دعت بطعام في مجلس الخيار وطعمت بطل خيارها قل ذلك أو كثر، ولو شربت ماءً لا يبطل خيارها.
والفرق: أن مجلس الخيار مجلس التدبير والناس لا يأكلون عادة في مجلس الرأي والتدبير، بل يفردون للأكل مجلساً فتصير بالأكل رافضة مجلس الرأي فكان ذلك دليل الأعراض، فأما شرب الماء في مجلس التدبير معتاد، فلا تصير بشرب الماء رافضة مجلس الرأي.

وذكر القدوري رحمه الله في «شرحه» : أن الأكل اليسير لا يبطل الخيار وإذا أكلت من غير أن تدعو بطعام، لأن الأكل اليسير لا يدل على الإعراض فأما إذا دعت بطعام أو تكلمت بكلام يكون تركاً للجواب بأن أمرت وكيلها ببيع أو شراء أو أمرت أجنبياً بذلك بطل خيارها، لأن هذه الأفعال دليل الإعراض، وإذا انبسطت أو اغتسلت أو مكنت من زوجها بطل خيارها، وإن ... أو قرأت شيئاً قليلاً لا يبطل خيارها، ولو طال ذلك يبطل خيارها.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها أمرك بيدك فقالت: الحمد لله على عتق نسمة وهدي بدنة وحجة شكراً لما جعلت إلي وقد طلقت نفسي فهو جائز فلا يخرج الأمر من يدها بما قالت.
وإذا قال لغيره: طلق امرأتي واحدة رجعية فطلقها واحدة بائنة، أو قال: طلقها واحدة بائنة فطلقها واحدة رجعية تقع تطليقة واحدة على حسب ما أمره الزوج ذكره في «الأصل» .

وفي «المنتقى» : إذا قال لها: طلقي نفسك واحدة بائنة إن شئت، فطلقت نفسها واحدة تملك الرجعة ولم يقع عليها شيء في قول أبي يوسف وهو قياس قول حنيفة رحمهما الله.
ولو قال لها: طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة إن شئت وطلقت نفسها واحدة بائنة فإنه يقع عليها واحدة يملك الرجعة في قول أبي يوسف، ولا يقع شيء في قياس قول أبي حنيفة رحمهما الله.
إذا وكل رجلاً بأن يطلق امرأته للسنة وهي ممن تحيض وكان التوكيل في حالة الحيض أو في طهر جامعها فيه، وطلقها الوكيل في حالة الحيض أو في ذلك الطهر لا يقع الطلاق؛ لأنه ليس بتوكيل للحال بل وكالته مضافة إلى الطهر في الصورة الأولى، وإلى الحيض والطهر في الصورة الثانية.

(3/256)


وكذلك لو قال لها في هذه الحالة: أنت طالق للسنة أنت طالق إذا طهرت أنت طالق إذا حضت وطهرت لا يقع الطلاق، وإذا طهرت في الصورة الأولى أو حاضت وطهرت في الصورة الثانية وطلقها الوكيل بعد ذلك يقع الطلاق؛ لأنه صار وكيلاً الآن فالإيقاع حصل بحكم التوكيل فيصح.

وإذا وكل غيره بأن يطلق امرأته (242أ1) ثم طلقها الزوج بنفسه قبل طلاق الوكيل، فهذا لا يكون عزلاً للوكيل ويقع طلاق الوكيل عليها ما دامت في العدة وبعدما انقضت العدة لا يقع طلاق الوكيل عليها تزوجها الزوج أو لم يتزوج.
وكل رجلاً بطلاق امرأته والوكيل غائب لا يعلم فطلق الوكيل قبل العلم لا يقع طلاقه؛ لأنه لا يصير وكيلاً قبل العلم. وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف رحمه الله: أنه يصير وكيلاً قبل العلم، قال أبو يوسف رحمه الله. ولا أحفظه عن أبي حنيفة رحمه الله وإذا قال لغيره: طلق امرأتي ثلاثاً، فقال: فعلت صح، وإذا قال لرجلين طلقا امرأتي ثلاثاً وطلقها أحدهما واحدة والآخر ثنتين طلقت ثلاثاً.

في «البقالي» : وإذا قال لغيره: طلق امرأتي إن شاءت لا يعتبر وكيلاً ما لم تشأ ولها المشيئة في مجلس علمها، وإذا شاءت في مجلس علمها حتى صار وكيلاً لو طلقها الوكيل في ذلك المجلس يقع، ولو قام عن مجلسه بطل التوكيل ولا يقع طلاقه بعد ذلك، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وينبغي أن يحفظ هذا وأن البلوى فيه تعم وأن عامة كتب الطلاق التي يكتبها الزوج من القرية يكون فيها: أيها الذي كتبت إليك هذا الكتاب سل امرأتي هل تشاء الطلاق، فإن شاءت فطلقها، ثم إن الوكلاء كثيراً ما يؤخرون الإيقاع عن مجلس مشيئتها فلا يدرون أن الطلاق لا يقع.
وإذا قال لغيره: أنت وكيلي في طلاقها على أني بالخيار أو على أنها بالخيار أو على أن فلاناً بالخيار، فالوكالة جائزة والخيار باطل.

قال لغيره: طلق إحدى نسائي فطلق واحدة منهن بعينها صح، وليس للزوج أن يصرف الطلاق إلى غيرها، وكذلك إذا طلق واحدة منهن لا بعينها صح فيكون الخيار للزوج، وهذا؛ لأن «إحدى» كما تطلق على واحدة نكرة تطلق على واحدة بعينها ألا ترى أنه يستقيم أن يقال هذه من إحدى نسائي وقد حصل التوكيل مطلقاً من غير تقييد الإحدى بالعينية ولا بالجهالة، فيجوز على إطلاقه ويصير تقدير المسألة كأنه قال: طلق واحدة من نسائي إن شئت بعينها وإن شئت لا بعينها، ولو نص على هذا كان الجواب كما قلنا فههنا كذلك الجملة (في) «الأصل» .
وفي «الجامع» : إذا قال لامرأته: طلقي نفسك ثلاثاً للسنة، وقد كان دخل بها فقالت في زمان الحيض أو في طهر جامعها فيه: طلقت نفسي ثلاثاً للسنة لم يقع عليها شيء بهذا القول، أما في الحال فظاهر، وأما إذا جاء وقت السنة فلأنها تتصرف بحكم التفويض، والداخل تحت التفويض والتنجيز دون الإضافة والتعليق.

بخلاف ما إذا قال الزوج لها: أنت طالق للسنة في غير زمان السنة حيث يقع

(3/257)


الطلاق إذا جاء وقت السنة لأن الزوج يتصرف بحكم المالكية، وهو كما يملك التنجيز يملك الإضافة والتعليق فإذا لم يصح هذا القول تنجيزاً صح إضافةً وتعليقاً صيانة للتصرف عن البطلان.
وإن كانت طاهرة من غير جماع حين قالت هذا القول وقعت للحال واحدة لوجود وقت السنة ثم لا يقع عليه بذلك اللفظ شيء في الطهر الثاني والثالث إلا إذا جددت الإيقاع عند كل طهر لما ذكرنا أن المفوض إليها أن تطلق نفسها عند كل طهر طلقة، ومن فوض إليه إيقاع الطلاق في المستقبل إذا أوقع في الحال لا يصح إيقاعه لأنه لا يمكن تصحيحه منجزاً وإنه ظاهر، ولا يمكن تصحيحه معلقاً لأن المفوض إليه التنجيز، فلهذا لا يقع عليها شيء بذلك اللفظ في الطهر الثاني والثالث إلا إذا جددت الإيقاع في الطهر الثاني والثالث، وينبغي أن تجدد الإيقاع في المجلس الذي طهرت فيه الطهر الثاني، وكذا في الطهر الثالث لما عرف.

فإن قيل: لو كان هذا تفويضاً عند كل طهر تطليقة ويجب أن لا يقع في الطهر الأول شيء عند أبي حنيفة رحمه الله، لأنها طلقت نفسها ثلاثاً، والزوج إذا قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثاً لا يقع شيء عند أبي حنيفة رحمه الله.
قلنا: اختلف مشايخنا في الجواب عن هذا الإشكال بعضهم قالوا ما ذكر في «الكتاب» قولهما، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله: لا يقع في الطهر الأول شيء، وبعضهم قالوا: لا بل ما ذكر في «الكتاب» قول الكل، والفرق لأبي حنيفة رحمه الله على قول هذا القائل بين هذه المسألة وبين تلك المسألة أن هناك خالفت أمر الزوج لفظاً ومعنى فلم يقع، وههنا وافقت أمره؛ لأنه أمرها أن تطلق نفسها ثلاثاً للسنة وقد طلقت كذلك، والأول أصح.

ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً للسنة بألف درهم، فقالت: طلقت نفسي ثلاثاً للسنة بألف درهم وهي طاهرة من غير جماع، وقعت واحدة للحال بثلث الألف، فإذا حاضت وطهرت لا يقع عليها شيء آخر بذلك القول إلا بتجدد الإيقاع لما قلنا وإن جددت الإيقاع بعدما طهرت في مجلس طهرها وقعت واحدة بغير شيء، وكذلك في الطهر الثالث. وإن قال الزوج: أنا رضيت بإيقاعها الثلاث بالألف، وقد أوقعت الثلاث بثلث الألف فصارت مخالفة لا يلتفت إلى قوله، ويقال له: إنها لم تخالف أمرك لفظاً ومعنى، لكن امتنع وجوب بعض البدل حكماً لانعدام شرط الوجوب بالثانية والثالثة، وهو زوال الملك لكون الملك زائلاً بالطلقة الأولى، ولكن الطلاق يجعل شرط وقوعه وجود القبول لا وجوب القبول، وقد تقدم قبول صحيح فوقعت الثانية والثالثة بغير شيء.
لهذا قلنا: وامتناع وجوب بعض البدل حكماً لانعدام شرط الوجوب لا يجعلها مخالفة ألا ترى أنه لو أبانها ثم قال لها: طلقي نفسك واحدة بألف، فقالت: طلقت نفسي بألف يقع الطلاق عليها مجاناً.
وألا ترى أنه إذا قال لغيره: طلق امرأتي بخمر أو خنزير وطلقها، يقع الطلاق بغير شيء.

(3/258)


وألا ترى أنه إذا قال لغيره: قل لامرأتي: أنت طالق ثلاثاً عند كل طهر واحدة بألف درهم، فقال الرجل لها ذلك وقبلت، وقع عليها في الطهر الأول واحدة بألف، ويقع الآخران بغير شيء.
والمعنى في الكل ما قلنا: إذا وقعت المشاجرة بين رجل وامرأته فقالا لرجل: أمرنا بيدك تصلح بيننا، وإن جرى مذاكرة طلاق فله أن يطلقها في «البقالي» .

وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: أولياء المرأة إذا اجتمعوا وطلبوا من الزوج أن يطلقها فطال الكلام بينهم فقال الزوج لأبيها: ماذا تريد مني، اِفعلْ ما تريد وخرج ثم طلقها أبوها لم تطلق إن لم يرد به الزوج التفويض لأنه قد لا يراد به التفويض، وفي «فتاوى أهل سمرقند» ، إذا قالت المرأة لزوجها في غضب: إن كان ما في يدك في يدي استنقذت نفسي، فقال الزوج: الذي في يدي في يدك فقالت المرأة: طلقت نفسي ثلاثاً فقال الزوج لها: قولي مرة أخرى فقالت طلقت نفسي ثلاثاً، ثم قال الزوج لم أرد بذلك طلاقاً طلقت ثلاثاً بقولها طلقت نفسي ثلاثاً بعد قوله: قولي مرة أخرى؛ لأن هذا بمنزلة قول الزوج لها قولي طلقت نفسي ثلاثاً تطلق ثلاثاً.
وفي (242ب1) «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا قالت المرأة لزوجها على وجه وكيل هتم، فقال: هتى فقالت: طلقت نفسي ثلاثاً، فقال الزوج بالفارسية تريد من حرام الشتى ما راجدا بايد شرن، ثم تفرقا ثم أراد الزوج أن يراجعها قال في «الكتاب» يسأل الزوج، قال: نوى بالتوكيل الطلاق، ولم ينو العدد طلقت واحدة رجعية، وإن نوى بالتوكيل المفارقة ولم ينو العدد فهي واحدة بائنة، ويمكن أن يقال: بأن قول الزوج توبر من حرام الشتى دليل إراده البينونة، فينبغي أن يسأل: هل نوى الثلاث، فإن كان نوى الثلاث يقع الثلاث، وإن لم ينو الثلاث تقع واحدة بائنة عندهما وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: لا يقع شيء، لأنها مأمورة بإيقاع الواحدة، وقد أوقعت الثلاث.

إذا وكل رجلاً بأن يطلق امرأته وقال له: طلقها بين يدي أخي فلان، فذاك مشورة وليس بشرط حتى لو طلقها لابين يديه وقع كما لو قال له: طلقها بشهود، وطلقها بغير شهود.
في «فتاوى (أهل) سمرقند» .

وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله إذا قال الرجل لغيره: لا أنهاك عن طلاق امرأتي، لا يصير وكيلاً بالطلاق، وهذا بخلاف ما لو قال لعبده لا أنهاك عن التجارة حيث يصير ماذوناً في التجارة لأن ترك النهي سكوت، وبالسكوت يثبت الإذن في التجارة، أما لا يثبت التوكيل بالطلاق.
وفي «مجموع النوازل» قالت لزوجها: يك سحن كويم رواد أشتى أو قالت يكي كاركتم رواد أشتى: فقال الزوج واشتم، فقالت المرأة: طلقت نفسي ثلاثاً، لا يقع شيء وقول الزوج أنه لم يرد الطلاق، وسئل شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله عمن قال لغيره: طلق امرأتك فقال ذلك الغير: الحكم لك فقال: الحكم والأمر لك فطلقها، قال: لا تطلق.

(3/259)


إذا وكل الرجل رجلاً أن يطلق امرأته وطلقها وهو سكران، ينظر إن وكله وهو سكران فطلق يقع، وإن وكله وهو صاح وطلقها بعدما صار سكراناً لا يقع، هكذا حكى فتوى شمس الأئمة الحلواني رحمه الله قبل هذا إذا كان الطلاق على مال، أما في الطلاق بغير المال يقع الطلاق على كل حال؛ لأن المطلوب من الوكيل مجرد العبارة إذا كان الطلاق بغير مال، والسكران وغيره في مجرد العبارة على السواء.
نوع آخر في تفويض الطلاق إليها بقوله اختاري

إذا قال لها: اختاري وهو ينوي الطلاق فلها الخيار ما دامت في ذلك الملجس، وإن تطاول المجلس يوماً أو أكثر، وإن قال الزوج: لم أرد الطلاق بقوله: اختاري فذاك ليس بشيء، ويقبل قول الزوج في ذلك إلا أن يكون في حالة الغضب أو في حالة مذاكرة الطلاق أو يكون كرر لفظة الاختيار بأن قال: اختاري اختاري اختاري؛ لأن هذا الكلام لا يذكر على وجه التكرار إلا في حق الطلاق وإن قامت عن مجلسها قبل أن تختار شيئاً بطل خيارها، واعلم بأن الخيار بمنزلة الأمر باليد في جميع ما ذكرنا من الأحكام إلا في حكم واحد، وهو صحة نية الثلاث.

قال: الزوج إذا نوى بالأمر باليد الثلاث صحت نيته؛ وإذا نوى بالتخيير الثلاث لا تصح نيته؛ لأن قوله: أمرك بيدك تفويض الأمر، وأنه يحتمل العموم والخصوص، فأي ذلك نوى صحت نيته، أما قوله اختاري أمر بالفعل وأنه لا يحتمل العموم فلا تصح نية العموم، فإن اختارت زوجها فليس بشيء، روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خيرنا رسول الله عليه السلام فاخترناه، ولم يكن طلاقاً، وإن اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة؛ لأن هذا من جملة ذكر نفس المرأة أو التطليقة أو الاختيارة بأن قال الكنايات ثم التخيير لا يخلو من ثلاثة أوجه:
إما أن يكون في كلامهما ذكر نفس المرأة أو التطليقة أو الاختيارة بأن قال لها: اختاري نفسك، أو قال لها: اختاري تطليقة أو قال: اختاري اختيارة، فقالت المرأة: اخترت نفسي أو قالت: اخترت تطليقة أو قالت: اخترت اختيارة، وفي هذا الوجه يقع الطلاق.
وإما أن يكون في كلام أحدهما ذكر شيء من ذلك إما في كلام المرأة، أو كلام الزوج بأن يقول الزوج: اختاري نفسك اختاري تطليقة أو اختاري اختيارة، فتقول المرأة: اخترت، أو يقول الزوج: اختاري، فتقول المرأة: اخترت نفسي أو تقول: اخترت تطليقة، وفي هذا الوجه يقع الطلاق أيضاً؛ لأنه إذا ثبت ذلك في كلام الزوج ثبت في كلامها لأن كلامها خرج جواباً والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، فلم ينو الاحتمال لا في الخطاب ولا في الجواب.

وإذا ثبت ذلك في كلام المرأة يزول الاحتمال عن الخطاب بالنية، وعن الجواب بالتنصيص أما إذا خلا اللفظان عن ذكر شيء من ذلك لم يقع شيء؛ لأن اختيارها محتمل

(3/260)


بين أن يكون لنفسها فيقع، وبين أن يكون لزوجها فلا يقع بالشك، ولا يصير مجمل كلامها مفسراً بنية الزوج، لأن نية الزوج؛ إنما تفسر ليصير الطلاق بيدها، فأما أن يصير المجمل من كلامها مفسراً بنية الزوج فلا (يقع) ولو قال: اختاري اختاري اختاري، ينوي الطلاق بهذا كله فاختارت نفسها فهي طالق ثلاثاً، قال مشايخنا: قول محمد رحمه الله في هذه المسألة وهو ينوي الطلاق بذلك كله يقع اتفاقاً؛ لأن عند تكرار هذه اللفظة لا يحتاج إلى النية على ما مر، وكذلك لو قالت قد طلقت نفسي، أو قالت: أنا طالق، فهو جواب للكل وتطلق ثلاثاً، ولو قال: اخترت تطليقة فهو تطليقة بائنة.h
هشام قال: سألت محمداً رحمه الله عمن قالت لزوجها: خيرني خيرني خيرني فقال: قد فعلت، فطلقت نفسها فهي واحدة بائنة، ولو قالت: خيرني وخيرني وخيرني: فقال: قد فعلت وطلقت نفسها فهي ثلاث.
الحسن بن زياد رحمه الله إذا قال لها (الزوج) : اختاري اختاري اختاري، فقالت: قد الطلب واحدة بطل ذلك كله، رواه عن أبي حنيفة رحمه الله. ولو قال لها: اختاري ثم اختاري، ثم اختاري فاختارت نفسها، ذكر محمد رحمه الله أنها تطلق ثلاثاً واختلف المشايخ فيه: منهم من قال: إن المسألة مأولة.

تأويلها: أنه قال لها: اختاري وسكت ثم قال: اختاري وسكت، ثم قال اختاري وسكت، فقالت: اخترت نفسي وما من كلمة ثم فذلك لفظ محمد رحمه الله لا لفظ الزوج، حتى لو كان ذلك لفظ الزوج بأن قال: الزوج اختاري ثم اختاري ثم اختاري، فقالت: اخترت نفسي، لا تقع إلا الأولى، ويتوقف وقوع الثانية والثالثة على قولها: اخترت ثانياً وثالثاً.

وهو نظير ما لو قال لامرأته: إن دخلت الدار فإنت طالق، إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت مرة تطلق ثلاثاً، ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم إن دخلت الدار فأنت طالق ثم إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار مرة تطلق واحدة ولا يقع الثلاث ما لم تدخل الدار ثلاث مرات كذا ههنا ومنهم من قال (243أ1) تقع الثلاث وإن ذكر الثانية والثالثة بكلمة ثم فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الدخول.
والفرق: أن قوله: اختاري تفويض وتمليك نصاً وتعليق اقتضاء، وإذا كان تمليكاً نصاً كانت العبرة للتمليك وجواب واحد يكفي لتمليكات كثيرة حصلت جملة أو مرتبة، فإنه لو قال: بعت هذا منك بكذا، ثم قال وهبتك هذا فقال قبلت كان جواباً للكل أما قوله إن دخلت الدار تعليق نصاً وليس فيه معنى التمليك وفي التعليقات تداعى صفة الشرط لوقوع الطلاق كما تداعى أصل الشرط وصفة الشرط لم يوجد في الثانية والثالثة.
إذا قال: لها اختاري اختاري وقال عقيب الأولى الطلاق وبالتالي إن أفهمها صدق ديانة لا قضاء. إذا قال لها: اختاري الأزواج أو قال: اختاري أهلك ونوى الطلاق فقالت: اخترت الأزواج أو قالت: اخترت أهلي، وقع الطلاق استحساناً.

(3/261)


ولو قال اختاري أختك أو أمك. أو أباك ونوى الطلاق فاختارت ما قال، ففيما إذا اختارت أمها أو أباها يقع الطلاق استحساناً، وفيما عداهما لا يقع.
وفي «الجامع» إذا قال لها: اختاري اختاري اختاري بألف درهم، فقالت: اخترت نفسي واحدة أو بواحدة، طلقت ثلاثاً وكان عليها الألف؛ لأن قولها: اخترت نفسي جواب تام لجميع ما قال الزوج لو اقتصرت عليه وكذا إذا أرادت قولها واحدة؛ لأن قولها: واحدة يَصلح جواباً عن الكل أيضاً، بأن يكون معناه اخترت نفسي باختيارة واحدة، لا يحتاج بعد هذا إلى اختيارة أخرى كما في قولهم: ضربته وجيعاً، أي ضرباً وجيعاً.

ولو كانت قالت: اخترت نفسي بالأولى أو بالوسطى أو بالأخيرة طلقت ثلاثاً وعليها الألف في قياس قول حنيفة رحمه الله، وفي قولهما: إن قالت بالأولى أو بالوسطى طلقت واحدة بائنة بغير شيء، وإن قالت بالأخيرة طلقت واحدة بألف درهم. ولو قال: اختاري تطليقة فهي تطليقة رجعية، وقد ذكرنا نظير هذا في الأمر باليد إذا قال لها: اختاري فقالت: لا أختارك أو قالت لا أريدك: أو لا أريدك أو لا حاجة لي فيك، وهذا كله باطل ولو قالت: لا أختار الطلاق فهذا رد للأمر، وإن قالت: هويت زوجي أو أجبته فهي على خيارها، فهي وإن قالت كرهت فراق زوجي فقد اختارته، وإن قالت: اخترت أن لا أكون امرأتك فقد برأت منه عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال الرجل لغيره: أخبر امرأتي أن أمرها بيدها، فاختارت من نفسها قبل أن يخبرها جاز وعن محمد رحمه الله بخلاف ذلك.
نوع آخر فيما يصلح جواباً في التفويض
قول المرأة: طلقت اخترت، يصلح جواباً لقول الزوج: أمرك بيدك، ولقوله: اختاري، وقولهما: اخترت لا يصلح جواباً لقوله طلقي نفسك حتى إنه إذا قال: طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي لا يقع شيء، ولو قال لها: أمرك بيدك أو قال: اختاري فقالت: طلقت نفسي يقع.

والفرق: وهو أن قولها: اخترت ليس من ألفاظ الطلاق لا وصفاً ولا حكماً، ولهذا لو أراد الزوج أن يوقع الطلاق عليها بقوله اخترت لا يقدر، ولكن جعل جواباً بإجماع الصحابة متى انبنى على تخير من الزوج، فإذا لم يسبق من الزوج تخيير بقيت لفظة الاختيار وأما قولها: طلقت من ألفاظ الطلاق وضعاً وحكماً بل هو الأصل فيه، إلا أنها خالفت في الوصف متى سبق من الزوج التخيير فيلفوا الوصف ولكن الموافقة في الأصل كافية في الوقوع، فإذا جمع الزوج بين ألفاظ التفويض وهو قوله: أمرك بيدك اختاري طلقي، فإن ذكرها بغير حرف صلة لجعل كل واحداً كلاماً مبتدأً، ولو ذكرها بحرف الفاء فالمذكور بحرف الفاء يجعل تفسيراً إن صلح تفسيراً، وقال أبو يوسف رحمه الله إذا قال لها طلقي نفسك فقالت: أبنت نفسي، لم يقع على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله.

(3/262)


وعندهما يقع تطليقة رجعية؛ لأن لفظ البينونة متضمنه طلاقاً فصار كما لو قالت: طلقت نفسي تطليقة بائنة فيصح الأصل ويلغوا الوصف لأبي حنيفة رحمه الله أن لفظة الإبانة جواباً تضمنت طلاقاً، وههنا لفظة الإبانة لا تصح جواباً؛ لأنه لم يفوض إليها الإبانة فصارت مبتدأة بهذا الكلام، فلم يتضمن هذا الكلام طلاقاً هكذا ذكر القدوري في «شرحه» .
وذكر في «الجامع» قول أبي حنيفة رحمه الله: إنه يقع، والوجه ما ذكرنا لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله، ولفظ الاختيار يصلح تفسيراً للأمر باليد؛ لأنه أخص من لفظة الأمر؛ لأن الأمر باليد قد يكون في الاختيار وغيره، وقد يكون بثلاث، وقد يكون بواحد، والخاص يصلح تفسيراً للعام، والأمر باليد لا يصلح تفسيراً للاختيار؛ لأن العالم لا يصلح تفسيراً للخاص، والطلاق يصلح تفسيراً للأمر، والاختيار؛ لأنه مفسر مصرح فيصلح تفسيراً لهما، والأمر لا يصلح تفسيراً للأمر.
وكذلك الاختيار لا يصلح تفسيراً للاختيار؛ لأن الشيء لا يصلح تفسيراً لنفسه، وإذا لم يصلح تفسيراً يجعل علة لما تقدم، وإن تعذر جعله علة يحمل على العطف. ولو ذكرها بحرف الواو فهو للعطف والمعطوف لا يصلح تفسيراً للمعطوف عليه؛ لأن العطف يقتضي المغايرة والتفسير مع المفسر كشيء واحد، وإذا عطف البعض على البعض والتفسير المذكور في آخرها يجعل تفسيراً للكل؛ لأن بحكم العطف صار الكل في معنى كلام واحد إذا قال: أمرك بيدك طلقي نفسك أو قال لها: اختاري نفسك، فقالت اخترت نفسي وقال الزوج: لم أرد الطلاق كان مصدقاً، ولا يقع عليها شيء؛ لأن قوله: طلقي نفسك لما ذكر بدون حرف الصلة لم يجعل جواباً وتفسيراً لأول الكلام بل اعتبر تفويضاً مبتدأً فبقي الأول منهما، فكان القول قوله في أنه لم يرد الطلاق، وقوله: طلقي وإن كان تفويضاً مفسراً إلا أن قولها اخترت لا يصلح جواباً له فلا يقع به شيء، حتى لو قالت طلقت نفسي تقع تطليقة رجعية في المسألتين جميعاً بقوله: طلقى نفسك؛ لأنه تفويض صريح مفسر وقولها طلقت يصلح جواباً له والواقع بالصريح رجعي.

ولو قال لها: أمرك بيدك وطلقي نفسك أو قال لها: اختاري وطلقي نفسك فاختارت نفسها، فقال الزوج: لم أرد الطلاق بالأمر باليد، وبالاختيار لم يقع شيء؛ لأن الكلام بقي منهما مجملاً؛ لأن قوله: وطلقي لم يصر تفسيراً لكونه معطوفاً عليه، فيقبل قول الزوج: إنه لم يرد الطلاق بالكلام الأول، وقوله: وطلقي وإن كان تفويضاً مفسراً إلا أن قولها اخترت نفسي لا يصلح جواباً له. ولو قال لها: أمرك بيدك فاختاري وطلقي نفسك، فقالت: قد اخترت نفسي، وقال الزوج: لم أرد بشيء من ذلك، فإنه لا يصدق على ذلك، وتقع تطليقة بائنة بقوله: أمرك بيدك مع يمينه بالله ما أراد به الثلاث؛ لأن الأمر (243 ب1) باليد؛ كلام مبهم، وقوله اختاري خرج جواباً وتفسيراً له لأنه ذكره بحرف الفاء وهو يصلح جواباً وتفسيراً للأمر باليد؛ لأن الأمر أشد إبهاماً من الاختيار ولأنه ينتظم الاختيار وغيره، فإذا فسره بالاختيار قبل الإبهام فيصلح تفسيراً له من هذا الوجه.

(3/263)


ويصير تقدير الكلام: أمرك بيدك لتختاري نفسك فلما قال بعد ذلك فطلقي نفسك وأنه يصلح تفسيراً للاختيار، صار الاختيار مفسراً بالطلاق فصار الاختيار المفسر تفسيراً للأمر باليد والوقوع بالمفسر لا بالتفسير والواقع بالأمر باليد طلاق بائن ولكن مع احتمال الثلاث، فلهذا قال: تقع تطليقة بائنة مع يمينه بالله ما أراد به الثلاث.
ولو قال لها: اختاري فاختاري فطلقي نفسك، فاختارت نفسها طلقت تطليقتين بائنتين؛ لأن قوله اختاري مبهم وقوله: فاختاري لا يصلح تفسيراً له فيجعل تفويضاً مبتدأً معطوفاً على الأول كأنه قال: اختاري واختاري لما عرف أن حروف الصلات يقام بعضها مقام البعض باعتبار الخاصية.

وصارت مسألتنا: اختاري واختاري وطلقي نفسك وهناك قوله فطلقي نفسك، يصير تفسيراً للتفويض بحكم العطف كذا ههنا، وإذا صار قوله: فطلقي نفسك تفسيراً لهما كان الواقع بهما وقولهما: اخترت يصلح جواباً لهما، والواقع بكل واحد منهما طلاق بائن فطلقت تطليقتين بائنتين.
لهذا ولو قال لها: اختاري فأمرك بيدك وطلقي نفسك فقالت: قد اخترت نفسي أو قالت طلقت نفسي فهي طالق تطليقة بائنة بقوله أمرك بيدك يجعل المقدم مؤخراً كأنه قال: أمرك بيدك فاختاري فطلقي نفسك وإنما كان كذلك، لأن الأمر باليد لا يصلح تفسيراً للاختيار والاختيار يصلح تفسيراً للأمر باليد فيجعل الاختيار تفسيراً للأمر باليد بالتقديم والتأخير، فإن التقديم والتأخير في كلام العرب جائز فصار كأنه قال: أمرك بيدك فاختاري وطلقي نفسك.
ولو قال هكذا تقع تطليقة بائنة بقوله أمرك بيدك وهي المسألة المتقدمة كذا ههنا، فلم يجعل الفاء ههنا بمنزلة الواو ليصير كأنه قال: اختاري وأمرك بيدك فطلقي نفسك، لأنا لو جعلنا هكذا تقع تطليقتان، ولو جعلنا المقدم مؤخراً على نحو ما ذكرنا تقع تطليقة واحدة وكلا الوجهين من الممكنات، فجعلنا المقدم مؤخراً كيلا تقع تطليقة أخرى بالشك والله أعلم.
نوع آخريتصل بهذا الفصل في تعليق الطلاق بالمشيئة وفي تعليق التفويض بالمشيئة
إذا قال لامرأته: أنت طالق إن شئت، فذلك إليها ما دامت في مجلسها فإن شاءت في مجلسها وقع الطلاق؛ لأن هذا في معنى الخيار من حيث إن المشيئة عمل فلها كالاختيار فيكون الواقع رجعياً؛ لأن الوقوع بصريح الطلاق وهو قول الزوج: أنت طالق، وكذلك إذا قال: طلقي نفسك إن شئت أو لم يقل إن شئت فذلك إليها في مجلسها إلا أن ههنا لا تطلق ما لم تطلق نفسها؛ بخلاف المسألة الأولى، فإن هناك إذا شاءت طلاقها وإن لم تطلق نفسها لأن ههنا المعلق بالمشيئة التطليق وهناك المعلق بالمشيئة الطلاق.

ولو قال لأجنبي: طلق امرأتي إن شئت يقتصر على المجلس وبدون قوله: إن شئت

(3/264)


لا يقتصر على المجلس؛ لأن بدون ذكر المشيئة توكيل ومع ذكر المشيئة تمليك.
وقوله: للمرأة طلقي نفسك مع المشيئة وبدون المشيئة تمليك، وقوله للمرأة: طلقي صاحبك نظير قوله للأجنبي: طلق امرأتي إن كان مع ذكر المشيئة فهو تمليك وإن كان بدون ذكر المشيئة فهو توكيل.
ولو قال لها: أنت طالق ثلاثاً ثلاثاً إن شئت فقالت: شئت في واحدة فهو باطل؛ لأن معنى قوله: إن شئت الثلاث فصار الطلاق معلقاً بمشيئتها الثلاث.
وعلى هذا إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت، فطلقت نفسها واحدة، لم يقع شيء؛ لأن معنى كلامه طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت الثلاث فإذا طلقت نفسها واحدة فقد شاءت واحدة دون الثلاث.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً إن شئت فقالت: أنا طالق لا يقع إلا أن تقول: أنا طالق ثلاثاً، إذا قال لها: طلقي نفسك إن شئت، فقالت: قد طلقت نفسي يقع الطلاق؛ لأنها شاءت حيث طلقت نفسها إذا قال لها إذا جاء الغد فأنت طالق إن شئت، كان لها المشيئة في الغد؛ لأن في الفصل الأول علق الطلاق بمشيئتها ثم جعل المعلق بمشيئتها مضافاً إلى الغد فلا بد من اعتبار مشيئتها أولاً لتصح الإضافة إلى ما بعد الغد، وفي الفصل الثاني علق الطلاق بمجيء الغد وجعل المعلق بمجيء الغد معلقاً بمشيئتها فلا بد من مجيء الغد أولاً ليتعلق ذلك بمشيئتها ذكر المسألة في «الزيادات» .
وذكر في «الأصل» : إذا قال لها: أنت طالق غداً إن شئت فلها المشيئة في الغد، ولو قال: إن شئت فأنت طالق غداً فلها المشيئة في الحال، ولم يذكر في المسألة خلافاً. قالوا وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وعن أبي يوسف رحمه الله: أن لها المشيئة في الغد في المسألتين جميعاً.

وفي «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا قال لها: أنت (طالق) غداً إن شئت، أو أنت طالق إن شئت غداً، فإن أبا حنيفة رحمه الله قال: لها المشيئة غداً، وقال أبو يوسف رحمه الله: إن قدم المشيئة فلها المشيئة في الحال، وإن آخرها فهو على ما قال أبو حنيفة رحمه الله، وعلى هذا إذا قال لها: اختاري غداً إن شئت اختاري إن شئت غداً أمرك بيدك غداً إن شئت أمرك بيدك إن شئت غداً فالمشيئة في الغد في الحالين عند أبي حنيفة رحمه الله.
وعلى هذا إذا قال لها: طلقي نفسك غداً إن شئت طلقي نفسك إن شئت غداً إن شئت فطلقي نفسك غداً لم يكن لها أن تطلق نفسها حتى يجيء الغد في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إن قدم المشيئة فلها أن تطلق نفسها في الحال فتقول في الحال: طلقت نفسي غداً.
وذكر هشام عن محمد رحمهما الله: إذا قال لامرأته: أنت طالق غداً، أو لم يقل غداً على ألف إن شئت فقالت في الحال شئت لا يقع الطلاق حتى يقول الزوج: قبلت؛

(3/265)


لأن الإيجاب من الزوج مضاف إلى الغد، فالمشيئة من المرأة قبل مجيء الغد يصير ابتداء، ولو ابتدأت مشيئة الطلاق على ألف تتعلق بقبول الزوج، فههنا كذلك.
ولو قال لها: إن شئت الساعة فأنت طالق غداً طالقاً وقع الطلاق في الغد، ولو قال شئت أو نوى ذلك ولم يقل الساعة فقالت شئت أن أكون غداً طالقاً وقع الطلاق في الغد، ولو قال: شئت أن يقع الطلاق في اليوم، فإنه لا يقع الطلاق في اليوم ويخرج الأمر (244 * أ1) ، من يدها (وإن قال:) أنت طالق إذا شئت أو متى شئت فلها أن تشاء في المجلس وبعده ولكن مرة واحدة.
ولو قال لها: واحدة بعد واحدة حتى تطلق ثلاثاً.

(ولو قال لها:) أنت طالق كلما شئت فلها ذلك أبداً كلما شاءت في المجلس وغير واحدة بعد واحدة حتى تطلق ثلاثاً. أما في قوله «متى» فلأن متى للوقت فصار كأنه قال: في أي وقت شئت، وهناك لها أن تطلق نفسها في أي وقت شاءت، ولا يبطل بالقيام عن المجلس؛ لأن هذا إيقاع في وقت المشيئة فلا يعتبر له المجلس قبل وقت المشيئة وههنا، كذلك لو ردت الأمر لا يكون رداً لما ذكرنا أن هذا إيقاع في وقت المشيئة والإيقاع لا يحتمل الرد، ثم لها أن تشاء واحدة وليس لها أن تشاء أخرى؛ لأن كلمة متى تعم الزمان، أما (إذا) تعم الأفعال فتملك الإيقاع في أي وقت شاءت ولكن مرة واحدة.
أما في قوله إذا زادا ما، أما عندهما فإن إذا وإذا عندهما للوقت، وعنده يستعملان للشرط وللوقت فباعتبار الشرط يخرج الأمر عن يدها بالقيام عن الملجس، وباعتبار الوقت لا يخرج فلا يخرج بالشك.
وأما في قوله: كلما؛ فلأن كلمة كلما توجب التكرار فيتكرر الطلاق بتكرر المشيئة حتى تتم الثلاث. وإن عادت إليه بعد زوج فليس لها أن تشاء آخر بعد ذلك؛ لأن اليمين إنما يصح باعتبار الملك القائم للحال، فإذا وقعت الثلاث فقد ذهب ذلك الملك بتمامه فلم يبق اليمين وإذا تزوجها بعد ذلك وشاءت الطلاق فقد شاءت ولا يمين. ولو قال: أنت طالق حيث شئت أو إن شئت لم تطلق حتى تشاء، وإن قامت عن مجلسها فلا مشيئة لها بعد ذلك. ولو قال لها: كلما شئت فأنت طالق ثلاثاً فشاءت واحدة، فذلك باطل لأن معنى كلامه كلما شئت الثلاث لأنه لم يذكر للمشيئة خبراً وصار تأخر خبراً للمشيئة. إذا قال لامرأتين له: إذا شئتما فأنتما طالقتان فشاءت إحداهما دون الأخرى، أو شاءتا طلاق إحداهما لا يقع شيء، لأن معنى المسألة: إن شئتما طلاقكما فصار الشرط مشيئتهما طلاقهما.

وكذلك إذا قال لامرأتين له: طلقا أنفسكما ثلاثاً إن شئتما، فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها ثلاثاً في المجلس لم تطلق واحدة منهما، لأن معنى كلامه طلقا أنفسكما إن شئتما طلاكما؛ لأنه لم يذكر لمشيئتهما خبراً فيصرف إلى السابق ذكره وهو طلاقهما.
فإذا طلقت إحداهما نفسها وصاحبتها فإنما وجد نصف الشرط فبوجود نصف الشرط لا يترك الجزاء، فإن طلقت الأخرى نفسها وصاحبتها بعد ذلك ثلاثاً قبل القيام عن

(3/266)


المجلس طلقتا ثلاثاً؛ لأنه يكمل الشرط فإن طلقتا إحداهما لم يقع الطلاق.
ولو قامتا عن المجلس ثم طلقت كل واحدة منهما؛ نفسها وصاحبتها ثلاثاً لم تطلق واحدة منهما لأن الأمر كله معلق بالمشيئة ههنا فكان كله تمليكاً فيبطل بالقيام عن المجلس.
ولو كان قال لهما: طلقا أنفسكما ثلاثاً فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها قلنا: طلقتا ثلاثاً، لأن التفويض هنا مطلق غير معلق بمشيئتهما وقد أمرنا بالإيقاع بغير بدل، فتنفرد إحداهما بالإيقاع. كما لو قال لرجلين طلقا امرأتي، فإذا قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت نفسها ثلاثاً لا يقع شيء عند أبي حنيفة رحمه الله لأن الزوج علّق تمليك الواحدة بمشيئة الواحدة لأن معنى كلامه طلقي نفسك واحدة إن شئت الواحدة والثلاث غير الواحدة عنده، فكانت مشيئة الثلاث مشيئة غير الواحدة فكانت مبتدئة بهذه المشيئة لا بانية كلامها على كلام الزوج، ولا صحة لكلامها إلا على سبيل الجواب والبناء.
وعندهما: تقع واحدة لأن الواحدة من جملة الثلاث عندهما فكانت مشيئة الثلاث مشيئة الواحدة.
وعلى هذا الخلاف إذا قال لها: أنت طالق واحدة إن شئت فقالت: شئت ثلاثاً لم يقع شيء عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما.

وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لها: طلقي نفسك عشراً إن شئت فقالت: طلقت نفسي ثلاثاً لم تطلق، إذا قال لها: أنت طالق إن شئت، فقالت: شئت إن كان هكذا فهذا على وجهين: إما إن علّق مشيئتها بشيء ماض قد وجد، وفي هذا الوجه يقع الطلاق لأن التلعيق بشيء موجود كائن تخيّر وليس بتعليق حقيقة فكانت آتية بمشيئة منجزة كما فوض إليها الزوج فصحت، وأما إن علق مشيئتها بشيء لم يوجد بعد. وفي هذا الوجه لا يقع الطلاق؛ لأن التعليق بشيء لم يوجد تعليق على الحقيقة والمفوض إليها مشيئة منجزة لا مشيئة معلقة فلا تعتبر هذه المشيئة في حق وقوع الطلاق ويخرج الأمر من يدها لأنها اشتغلت بما لم يفوض إليها صارت معرضة عما فوض إليها ومن هذا إذا قالت شئت إن شاء أبي، كان ذلك باطلاً، وكذلك إذا قالت: شئتُ إن شئتَ لا يقع، فإن قال الأب بعد ذلك: شئت أو قال الزوج: شئت لا يقع الطلاق أيضاً.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها: أنت طالق إن هويت أو أردت أو أعجبك أو وافقك أو أحببت فقالت: شئت وقع.
وفيه أيضاً: عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لها: طلقي نفسك واحدة بائنة متى ما شئت ثم قال لها طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة حينما شئت، فقالت بعد أيام أنا طالق فهي طالق واحدة يملك الرجعة ويصير قولها جواباً بالكلام الآخر.
وفيه أيضاً: داود بن رشيد عن محمد رحمهما الله: إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن شئت أنت طالق ثنتين إن شئت فقالت: قد شئت واحدة قد شئت ثنتين، قال:

(3/267)


إن وصلت فهي طالق ثلاثاً إذا قال لأمرأته أنت طالق إن شئت وأبيت لا تطلق بهذا اليمين أبداً لأنه جعل المشيئة والإباء شرطاً واحداً فيشترط اجتماعهما في حالة واحدة وإنه لا يتصور، هكذا ذكر في «المنتقى» وفي «النوازل» .
وفي «العيون» : أنها إذا شاءت تطلق وإن أبت فكذلك تطلق، والصحيح: ما ذكر في «المنتقى والنوازل» ، وكذلك إذا قال: إن شئت وأبيتِ فأنت طالق.

وكذلك إذا قال إن شئت ولم تشائي، ولو قال: أنت طالق إن شئت وإن لم تشائي فإن شاءت في مجلسها طلقت بحكم المشيئة، وإن قامت من مجلسها طلقت أيضاً لأنها لم تشاء، وهذا لأنه جعل المشيئة وعدم المشيئة وكل واحدة منهما شرطاً على حدة لوقوع الطلاق فأيهما وجد يقع الطلاق، وكذلك الجواب فيما إذا قال لها: أنت طالق إن شئت أو لم تشائي، إن شاءت في المجلس، طلقت بحكم (244 * ب1) المشيئة وإن قامت عن مجلسها طلقت أيضاً لما قلنا.
k
وأما إذا قال لها: إن شئت وإن لم تشائي فأنت طالق شئت كلاماً لا تطلق بهذه اليمين أبداً، لأنه لما أخر الطلاق لم يكن قوله إن شئت كلاماً تاماً فيوقف على ذكر الطلاق فإذا قال: وإن لم تشائي صارا شرطاً واحداً فيشترط اجتماعهما في حالة واحدة وأنه لا يتصور.
وإذا قال لها: أنت طالق إن شئت أو أبيت فهو على أحد الأمرين في مجلسها إن شاءت في المجلس طلقت، وإن قالت في المجلس: أبيت، طلقت أيضاً وإن قامت قبل أن تشاء أو تأبى لا تطلق ولا يكون الإباء إلا بكلام، وهذا كله إذا لم يكن للزوج نيّة. وإن نوى إيقاع الطلاق عليها على كل حال يريد به أنك طالق شئت أو أبيت، أنت طالق إن شئت وإن أبيت أنت طالق إن شئت وإن لم تشائي فهو على ما نوى، ويقع الطلاق عليها لا محالة.
بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمهما الله: رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، إلا أن تشائي واحدة، فقامت عن مجلسها قبل أن تشاء طلقت ثلاثاً، وإن شاءت واحدة قبل أن تقوم لزمها تطليقة واحدة، وكذلك لو قال لها: أنت طالق ثلاثاً إلا أن تريدي واحدة إلا أن تهوي واحدة إلا أن تحبي وكذلك لو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا أن يشاء فلان واحدة وإلا أن يهوى وإلا أن يحب.
إذا قال لها: أنت طالق واحدة إن شئت، فشاءت نصف واحدة، أو إلا أن تريد واحدة فهو مثل ذلك، وإن لم يكن فلان حاضراً فله ذلك إذا علم به في المجلس الذي يعلم فيه.

إذا قال لها: أنت طالق واحدة إن شئت ثنتين، فإن شاءت ثنتين فهي طالق واحدة فقال: بعتك طلاقك بألف درهم فقبلت بطل الأمر، بخلاف ما لو لم يذكر المشيئة.
وفي «البقالي» : إذا قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق إن شئت، فلها مجلس العلم بعد النكاح والله أعلم.

(3/268)


نوع آخر في الرجوع عن التفويض
ذكر في طلاق «الجامع» : إذا قال لامرأته: طلقي نفسك بألف درهم أو قال: طلقتك بألف درهم قبل أن تتكلم المرأة بشيء إن رجع الزوج عن هذه المقالة، كان رجوعه باطلاً، حتى لو قبلت المرأة بعد ذلك، وهي في مجلسها صح ذلك منها وطلقت، وكذلك...... طالق بقيام الزوج عن المجلس، حتى أن بعد قيام الزوج لو قبلت وهي في المجلس طلقت، وكذا ثم رجع المولى لو قال لعبده بعتك عتقك بألف درهم، اعتقك بألف درهم ثم رجع المولى أو قام عن المجلس، قبل قبول العبد، لا يبطل ذلك حتى لو قبل العبد بعد ذلك وهو في المجلس صح.
ولو كانت البداية من المرأة والعبد، كان الجواب على عكس ما تقدم في الوجهين.
والفرق: أن الطلاق على مال والعتق على مال من جانب الزوج والمولى يمين؛ لأن الملتمس من الزوج والمولى الطلاق والعتق وهما مما يحلف بهما ويصح تعليقهما بالشروط والأخطار وينفرد الزوج والمولى بإيجاب ذلك، فإذا تعلق بالقبول صار في معنى اليمين فألحق له واليمين لا يقبل الرجوع فلا يبطل بقيام الحالف عن المجلس، والمتوقع من المرأة والعبد المال، والمال مما لا يحلف به ولا يصح تعليقه بالشروط والأخطار ولا تنفرد المرأة والعبد بإيجابه فكان كالبيع من جانبهما، والرجوع عن إيجاب البيع قبل قبول المشتري صحيح.
ولو قال: طلقي نفسك إن شئت، أو لم يقل: إن شئت، ثم أراد أن يرجع عن ذلك ليس له.
ولو قال لها: طلقي صاحبك أو قال لرجل أجنبي: طلّق امرأتي لمن قال إن شئت فليس له أن يرجع عن ذلك، وإن لم يقل إن شئت فله أن يرجع.

والحاصل: أن قول الزوج لامرأته طلقي نفسك تمليك الطلاق منها. وفيه معنى التعليق وكل ذلك لا يقبل الرجوع.
وقوله للأجنبي: طلق امرأتي، وقوله لامرأته: طلقي صاحبتك إن كان مقترناً بالمشيئة فهو تمليك؛ لأن المالك هو الذي يتصرف عن مشيئة. وهذا النوع من التمليك لا يقبل الرجوع وإن لم يكن مقروناً بالمشيئة فهو توكيل محض، والتوكيل يقبل الرجوع فلا يصح عزل التوكيل بالطلاق قبل علمه، لأن العزل خطاب الوكيل بالنهي عن الإيقاع وحكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب قبل العلم.
قال في كتاب الوكالة: إذا قال الرجل لامرأته انطلقي إلى فلان حتى يطلقك، ثم إنه نهاها عن الذهاب وقال: لا تذهبي إلى فلان ولا يطلقك، لا يكون هذا نهياً عن الطلاق ولا ينعزل فلان بنهي المرأة ما لم يعلم بالنهي.

(3/269)


يجب أن يعلم إن قال لامرأته: انطلقي إلى فلان حتى يطلقك فذهبت فطلقها فلان صح ويصير فلان وكيلاً بالتطليق، وإن لم يعلم وكالته.
وذكر في «الزيادات» ما يدل على أنه لا يصير وكيلاً قبل العلم قيل: في المسألتين روايتان وقيل: ما ذكر في «الزيادات» قياس، وما ذكر في «الأصل» استحسان، ثم على رواية «الأصل» وهو جواب الاستحسان إذا صار وكيلاً وإن لم يعلم لو أن الزوج نهى المرأة عن الانطلاق إلى فلان لا يصير فلان معزولاً بنهي المرأة قبل العلم بالنهي، لأن النهي في حق الغائب لم يصح لأنه لو صح إما أن يصح مقصوداً ولا وجه إليه لأن النهي مقصوداً قبل العلم لا يصح، وإما أن يصح؛ مقتضى نهي المرأة عن الانطلاق إلى فلان ولا وجه إليه أيضاً؛ لأن نهي المرأة عن الانطلاق إلى فلان لا يصح؛ لأنه نهي عن فعل فيه طلاقها وهو الانطلاق ويعتبر بما لو فوض إليها طلاقها ثم نهاها عن الإيقاع، وذلك لا يصح فكذا هذا.

فصار الجواب فيه نظير الجواب فيمن وكل رجلاً أن يطلق امرأته ثم قال للمرأة نهيت فلاناً أن يطلقك فلأن فلاناً لا ينعزل ما لم يعلم بالنهي؛ لأنه لو انعزل انعزل بالنهي مقصوداً لانتفاء النهي للمرأة؛ لأنه ما نهي المرأة عن شيء وما فوض إليها شيئاً حتى يصح نهي الغائب بطريق التبعيّة وتعذر القول بانعزاله مقصوداً بالنهي قبل العلم فلهذا لا ينعزل قبل العلم، هذا إذا نهى المرأة قبل الانطلاق إلى ذلك الرجل.
أما إذا نهاها بعد الانطلاق إلى ذلك الرجل لا يصير فلان معزولاً، وإن علم بالعزل وقبل الانطلاق يصير معزولاً إذا علم بالعزل النهي وصار الجواب فيه نظير الجواب فيما إذا قال لآخر: طلق امرأتي إن شاءت إذا عزل الوكيل قبل مشيئتها صح العزل إذا علم بالعزل وإذا لم يعلم لا يصح العزل وبعد مشيئتها لا يصح العزل. وإن علم الوكيل بالعزل، وذلك لأن المفوض إلى المرأة في المسألتين (245أ1) جميعاً ليس بطلاق حتى لا يصح نهي الزوج عن ذلك على كل حال، وإنما المفوض إليها ما هو سبب طلاقها وهو الانطلاق والمشيئة، فمن حيث إن المفوض إليها لم يكن طلاقاً صح نهي الزوج إذا علم الوكيل بذلك قبل الانطلاق والمشيئة، ومن حيث إن المفوض إليها هو سبب طلاقها لم يصح نهي الزوج بعد الانطلاق والمشيئة وإن علم الوكيل بذلك توفيراً على الأمرين حظهما بقدر الإمكان. وهذا بخلاف ما لو قال لأجنبي: انطلق إلى فلان وقل له حتى يطلق امرأتي، ثم نهاه بعد ذلك صح النهي.
ولو نهى المرأة عن الانطلاق لا يصح لأن المفوض إلى الأجنبي فعل فيه طلاق المرأة فيعتبر بما لو فوض إليه طلاقها بأن قال: له طلق امرأتي. ولو قال له ذلك صح نهيه فكذا ههنا، وههنا فوض إلى المرأة فعلاً فيه طلاقهما، فيعتبر بما لو فوض إليها طلاقها بأن قال لها: طلقي نفسك وهناك لا يصح نهيه إياها فهنا كذلك.

(3/270)


وهذا بخلاف ما لو قال لغيره: إن جاءتك امرأتي فطلقها، أو قال: إن خرجت إليك امرأتي فطلقها، ثم إنه نهى الوكيل عن الإيقاع بعد مجيء المرأة إليه، وبعد خروجها إليها يصح النهي إذا علم كما قبل المجيء والخروج.
وإذا قال لها: انطلقي إلى فلان حتى يطلقك ثم نهاها بعد الانطلاق إنه لا يصح وإن علم فلان بذلك؛ لأن في تلك المسألة لم يُفوض إلى المرأة شيئاً إنما علق الوكالة بالطلاق بمجيئها وخروجها فيعتبر بما (لو) علق الطلاق بمجيئها وخروجها، ولو علق الطلاق بمجيئها لا يصير مفوضاً إليها شيئاً وههنا كذلك.
أما في مسألة الانطلاق فوض إليها فعلاً فيه طلاقها فيعتبر بما لو فوض إليها طلاقها. وهناك لا يصح عزل الزوج كذا هنا.
وفي «الزيادات» : إذا قال لامرأته: إذا جاء الغد فطلقي نفسك بألف درهم ثم رجع قبل مجيء الغد لا يعمل رجوعه. ولو كانت المرأة قالت إذا جاء الغد فطلقني على ألف درهم، ثم رجعت قبل مجيء الغد يعمل رجوعها. وهذا بناء على ماتقدم ذكره أن الطلاق على مال من جانب الزوج يمين، ومن جانب المرأة بمنزلة البيع. والتقريب ما ذكرنا.
ومن هذا الجنس امرأة قالت لرجل: خلعت نفسي من زوجي بألف درهم فاذهب إلى زوجي وأخبره بذلك، فلما ذهب الرجل أشهدت المرأة أنها رجعت عن ذلك صح رجوعها حتى لو بلغ الرسول الرسالة بعد ذلك وقبل الزوج كان قبوله باطلاً حتى لا يقع الخلع علم الرسول بالرجوع أو لم يعلم.
وكذلك لو رجعت بعد تبليغ الرسالة قبل قبول الزوج، وكذلك العبد إذا أعتق نفسه على مال وأرسل بذلك إلى المولى رسولاً فلما ذهب الرسول رجع العبد صح رجوعه علم الرسول بذلك أو لم يعلم، فرق بين هذا وبينما إذا وكلت المرأة رجلاً بالخلع أو وكل العبد رجلاً أن يشتري له نفسه من مولاه بألف درهم ثم رجعا من غير علم الوكيل إنه لا يعمل رجوعهما.

والفرق: وهو أن التوكيل إثبات الحكم في حق الوكيل فإن للوكيل إطلاق التصرف، والعزل منع له عن التصرف، فلو صح من غير علمه كان ذلك غروراً في حقه والغرور حرام.
فأما الرسالة فليست بإثبات شيء للرسول، فإن الرسول ينقل عبارة المرسل كأن المرسل حضر بنفسه وكان ذلك، ولو صح الرجوع من غير علمه لا يكون ذلك غروراً في حقه، ألا ترى أن الرسول لا تلزمه العهدة أصلاً، والوكيل في بعض العقود تلزمه العهدة.
وكذلك لو رجعت بعد تبليغ الرسالة قبل قبول الزوج صح رجوعها أيضاً وإن لم يعلم الرسول بذلك، إليه أشار في «الكتاب» .
ولو كانت المرأة قالت لزوجها: اخلعني على ألف درهم، أو قال العبد للمولى: أعتقني على ألف درهم ثم رجعا من غير علمهما لا يعمل رجوعهما لأن هذا توكيل منهما للولي والزوج، والتوكيل لا يقبل الرجوع من غير علم الوكيل.

(3/271)


ومما يتصل بهذا الفصلإيقاع الطلاق على المُبانة والمطلقة بصريح الطلاق
أجمع العلماء على أن الصريح يلحق بالصريح ما دامت في العدة، فكذلك البائن يلحق بالصريح، والصريح يلحق بالبائن ما دامت في العدة عندنا؛ لأن بعد الإبانة محلية الطلاق باقية ما دامت العدة باقية؛ لأن محلية الطلاق بقيام العقد وبعد الإبانة العقد باق ما بقيت العدة بدليل بقاء الأثر المختص به وهو المنع عن الخروج والتزين والتزوج بزوج آخر.
والبائن لا يلحق البائن إلا أن يتقدم سببه بأن قال لها: إن دخلت الدار، فأنت بائن ونوى بها الطلاق ثم أبانها ثم دخلت الدار وهي في العدة وقعت عليها تطليقة بالشرط عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله خلافاً لزفر رحمه الله.
فوجه قول زفر رحمه الله: أن المعلق بالشرط عند الشرط كالمرسل، ولو أرسل الإبانة عند دخول الدار بعدما أبانها لا يصح فلا يترك بحكم التعليق.

والدليل عليه: أنه إذا علق بدخول الدار ظهاراً أو إيلاءً ثم أبانها ثم دخلت الدار لا يترك الظهار والإيلاء، وطريقه ما قلنا. ولنا: أن المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل ولكن كما تعلق بالشرط، والمتعلق بالشرط طلاق بائن لا الإبانة، فنزل عند الشرط طلاق بائن لا مجرد الإبانة كأنه قال لها عند الشرط: أنت طالق بائن. ومن قال لمبانته وهي في العدة: أنت طالق بائن تطلق كذا هنا.
وإنما قلنا: إن المعلق بالشرط طلاق بائن بأن قوله: أنت بائن قد صح لمصادفته المنكوحة وإنه يصلح صفة للمرأة ويصلح صفة للطلاق، يقال: طلاق بائن وامرأة بائنة فيجعل صفة للطلاق ليثبت السبب أولاً لأن الأصل ثبوت السبب أولاً، فيثبت الحكم عقيبه، والصفة تقتضي ذكر الموصوف فيصير في التقدير كأنه قال: أنت طالق بائن فينزل عند الشرط أنت طالق بائن، والتقريب ما ذكرنا، وهذا بخلاف ما لو قال لمبانته: أنت بائن ابتداءً حيث لا يصح، ولا يجعل كأنه قال أنت طالق بائن لأنا إنما نجعل كذلك إذا صح قوله أنت طالق بائن. وقوله للمبانة: أنت بائن لم يصح لعدم مصادفته محلها؛ لأن محل الإبانة من قام به الاتصال؛ لأن الإبانة لقطع الوصلة والوصلة قد انقطعت بالإبانة السابقة. فهذا هو الفرق بين الصورتين.
وهكذا نقول في فصل الظهار إن المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل إلا أنه لو أرسل الظهار البينونة لا يصح؛ لأن حكم الظهار ليس هو الطلاق بل حكمه حرمة المتعة لشبهة المحللة بالمحرمة، والحرمة تثبت بالبينونة ولا يثبت بالظهار.

وأما مسألة الإيلاء فغير مُسلّم لوآلى منها ثم طلقها واحدة بائنة ثم مضت مدة الإيلاء (245ب1) قبل أن تنقضي عدة الطلاق يقع عليها تطليقة أخرى بالإيلاء؛ لأن الإيلاء متى صح كان بمنزلة ما لو قال لها: إن لم أقربك أربعة أشهر فأنت طالق، فيكون المعلق بمضي أربعة أشهر (فإن) لم يقربها فيها (يقع) الطلاق لا البينونة ولا الحرمة. وعلى

(3/272)


هذا إذا قال: أنت بائن الغد ونوى به الطلاق ثم أبانها اليوم ثم جاء الغد يقع عليها تطليقة بالشرط عندنا.
قال مشايخنا رحمهم الله: وينبغي على قياس هذه المسألة أنه إذا قال: إن دخلت هذه الدار فأنت بائن، ينوي به الطلاق ثم قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت بائن ينوي به الطلاق ثم دخلت الدار ووقع عليها تطليقة واحدة ثم كلمت فلاناً بعد ذلك يقع عليها تطليقة أخرى.
وإذا قال لها: إذا جاء الغد فاختاري، ثم أبانها ثم جاء الغد فاختارت نفسها لا يقع الطلاق كما لو نجز التنجيز.
وكذلك إذا قال لها: اختاري، ولم يقل إذا جاء الغد ثم اختارت نفسها بعدما أبانها لم يقع عليها شيء؛ لأن قولها اخترت إيقاع مبتدأ منها، وليس بإيجاد لشرط وقوع الطلاق، والواقع بقولها: اخترت البينونة، فإنه من جملة الكنايات فصار كما لو قال لها: أنت بائن ابتداءً وهناك لا يقع به شيء فههنا كذلك.
وأما الدخول في مسألة التعليق إيجاد شرط وقوع الطلاق، والوقوع مضاف إلى التعليق السابق، ووقت التعليق كان النكاح قائماً فيصح قوله: أنت بائن وصار بمنزلة قوله: أنت طالق بائن، ولو قال للمختلعة اعتدي، ينوي الطلاق، أو قال لها: استبرئي رحمك ونوى بالطلاق، أو قال لها أنت واحدة يقع بها تطليقة أخرى.

وقال أبو يوسف رحمه الله؛ لا يقع بها شيء لأنها من جملة الكنايات، وبهذا يحتاج فيه إلى النية، فلا يقع بها شيء كسائر الكنايات. ولهما أن هذه الألفاظ في حكم الصريح على معنى أن الواقع بها رجعي، وإنما اعتبرت النية لأنه في الصريح يحتمل وجوهاً أُخَر. أما بعدما نوى كان الواقع صريحاً والصريح يلحق بالصريح بالإجماع. وإذا قال لمبانته أبنتك بتطليقة ولا يقع عليها شيء. ولا يلغو، قوله أبنتك، بخلاف ما لو قال لها: أنت طالق بائن، فإنه يقع عليها تطليقة، ويلغو قوله: أبنتك، لأن في قوله أنت طالق بائن لو ألغينا قوله بائن، يبقى قوله أنت طالقة وإنه كلام مبتدأ في الإيقاع فألغيناه تصحيحاً للإيقاع.
أما في قوله: أبنتك بتطليقة لو ألغينا قوله: أبنتك يبقى قوله بتطليقة، وإنه غير مفيد في الإيقاع. وعلى هذا إذا قالت المختلعة لزوجها خويشتن خريسدم أرقوا بكابين وتقع عدة، فقال الزوج لا يقع بشيء، فلا يلغو قوله: فروختم الأفللو ألغيناه يبقى قوله بيك طلاق، وإنه لا يفيد شيئاً، فكل فرقة توجب التحريم مؤبداً فإن الطلاق لا يلحق بالمرأة؛ لأنه لا يظهر له أثر، وكذلك إذا اشترى منكوحته لا يلحقها الطلاق.
وإذا ارتد الرجل ولحق بدار الحرب لم يقع على المرأة طلاقه؛ لأن تباين الدارين ينافي النكاح، فيكون منافياً للطلاق الذي هو من أحكام النكاح، فإن عاد إلى دار الإسلام وهي في العدة وقع عليها الطلاق؛ لأن المنافي وهو تباين الدارين قد ارتفع، ومحلية الطلاق بالعدة إنها قائمة فيقع الطلاق.

(3/273)


وإذا ارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب لم يقع طلاق الزوج عليها، فإن عادت قبل الحيض لم يقع طلاق الزوج عليها عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن العدة قد سقطت عليها عنده لفوات المحلية؛ لأن من كان في دار الحرب فهو كالميت في حقنا، وبقاء الشيء في غير محله مستحيل، والعدة متى سقطت لا تعود إلا بعود سببها بخلاف الفصل الأول؛ لأن هناك العدة باقية ببقاء محلها؛ لأنها في دار الإسلام إلا أن تباين الدارين كان مانعاً وقوع الطلاق، فإذا ارتفع المانع والعدة باقية وقع. وقال أبو يوسف رحمه الله: يقع الطلاق؛ لأن العدة باقية عنده إلا أنه لم يقع الطلاق لتباين الدارين، والتقريب ما ذكرنا والله أعلم.

الفصل السادس: في إيقاع الطلاق بالكتابات
يجب أن يعلم بأن الكتابة نوعان: مرسومة وغير مرسومة.
فالمرسومة: أن تكتب على صحيفة مصدراً ومعنوناً وإنها على وجهين:
الأول: أن تكتب هذا كتاب فلان بن فلان إلى فلانة أما بعد: فأنت طالق. وفي هذا الوجه يقع الطلاق عليها في الحال.
وإن قال: لم أعنِ به الطلاق لم يصدق في الحكم، وهذا لأن الكتابة المرسومة بمنزلة المقال.
ولو قال لها: يا فلانة أنت طالق ولم يذكر شرطاً يقع الطلاق عليها في الحال. وإذا قال لم أنو الطلاق لم يصدق في الحكم كذا ههنا. وهل يدين فيما بينه وبين الله تعالى؟ ذكر هذه المسألة في «المنتقى» : في موضعين، وذكر في أحد الموضعين أنه لا يدين، وذكر في الموضع الآخر أنه يدين.

الوجه الثاني: أن يكتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق. وفي هذا الوجه لا يقع الطلاق إلا بعد مجيء الكتاب؛ لأنه علّق الطلاق بالشرط كتابة، ولو علقه بالشرط مقالة لا يقع الطلاق قبل وجود الشرط كذا ههنا. فإن كتب أول الكتاب أما بعد: إذا جاءك كتابي هذا أنت طالق، ثم كتب الحوائج، ثم بدا له مجيء الحوائج وترك قوله: إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق فوصل إليها هذا القدر يقع الطلاق. وإن محى قوله إذا جاء كتابي هذا فأنت طالق وترك الحوائج لا يقع الطلاق عليها وإن وصل إليها الكتاب، هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأن شرط وقوع الطلاق عليها أن يصل إليها ما كتب قبل قوله هذا ولم يصل لما محاه قبل الوصول.
وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: أنه إذا محى ذلك الطلاق من كتابه، وترك ما سوى ذكر وبعث بالكتاب إليها فهي طالق إذا وصل، وهكذا ذكر في «العيون» ؛

(3/274)


لأن شرط وقوع الطلاق وصول كتابه إليها وقد وصل، ومجيء الطلاق بمنزلة الرجوع عن التعليق، وإن محى الخطوط كلها وبعث بالبياض إليها تطلق.
وفي «القدوري» : لو محى ذكر الطلاق عنه وأنفذ الكتاب وقع الطلاق إن بقي منه ما يسمى كتابة أو رسالة، وإن لم يبق منه كلام يكون رسالة لم يقع الطلاق، وإن وصل إليها لأن الشرط وصول الكتاب إليها فلا بد من أن يبقى بعد المحو ما يسمى كتاباً. وإن كتب الحوائج أولاً ثم كتب بعده: أما بعد إذا جاءك كتابي هذا، فأنت طالق، فبدا له محو الحوائج وترك قوله إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق لا يقع عليها الطلاق. وإن وصل إليها (246أ1) الكتاب.
وفي «الحاوي» أنها تطلق، وإذا محى قوله: إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق فجاءها الكتاب طلقت. ولو كتب وسط الكتاب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق وكتب قبله حوائج وبعده حوائج ثم بدا له فمحى الطلاق وترك ما قبله طلقت، وإن محى ما قبله أو أكثر وترك الطلاق وترك ما قبله لم تطلق.

وفي «الحاوي» : إذا كتب فصل الطلاق في وسط الكتاب ثم محى ذلك، قال أبو يوسف رحمه الله: إن كان ما قبل الطلاق أكثر طلقت، وإن كان الأكثر بعده لا تطلق.
وفي «المنتقى» : لو كتب رجل رسالة منه إلى امرأته وكتب: إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، فمحى ذكر الطلاق وبعث بالكتاب إليها، فإن كان صدر الرسالة أكثرها على ما يكتب الناس على حاله فالطلاق لها لازم.
معنى المسألة: أنه إن بقي بعد محو الطلاق ما يسمى كتابة أو رسالة يقع الطلاق وما لا فلا، ألا ترى أنه ذكر بعده، قال: كأن كتب: إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق، فمحى أنت طالق وترك إذا أتاك كتابي هذا، وليس للكتاب صدر غير هذا الحرف لم يقع عليها الطلاق، وليس هذا كتابه إليها.
وفي «الحاوي» : لو محى بعض الكلمات وترك بعضه وترك فصل الطلاق أيضاً وهو في آخره فإن كان الممحو أكثر والمتروك أقل لا تطلق، وإن كان على العكس تطلق. وأما إذا كانت الكتابة مرسومة، فإن كانت غير مستبينة بأن كتب على وجه لا يمكن فهمها وقراءتها بأن كتب على الماء أو على الهواء، وفي هذا الوجه يقع الطلاق نوى أو لم ينو.
r
وإن كانت مستبينة على وجه يمكن قراءتها وفهمها بأن كتب على الأرض أو الحجر إلا أنه غير مصدر ولا معنون وفي هذا الوجه إن نوى الطلاق يقع، وإن لم ينو لا يقع، فبعد ذلك إن (كان) ذلك صحيحاً يبين بنية بلسانه وإن كان أخرساً...... بالكتاب.
ولو كتب الصحيح أو الأخرس إلى امرأته كتاباً فيه طلاقها وكان الكتاب مرسوماً ثم جحد الكتاب وقامت عليه البينة أنه كتبه فرق بينهما قضاء، وأما ديانة فإن كان لم ينو به الطلاق فهي امرأته.

(3/275)


وفي «المنتقى» : لو كتب كتاباً في قرطاس فكان فيه: إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ثم نسخه في كتاب آخر أو أمر غيره أن ينسخه ولم يُمل هو، فأتاها الكتابات بأن طلقت تطليقتين في القضاء إذا أقرأتهما كتاباه أو قامت به بينة. وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيقع عليها تطليقة واحدة بأيهما أتاها ويبطل الآخر لأنها نسخة واحدة.
وفيه أيضاً: رجل كتب من رجل آخر إلى امرأته كتاباً بطلاقه وقرأه على الزوج وأخذه الزوج وطول وختم وكتب في عنوانه وبعثه إلى امرأته، فأتاها الكتاب وأقرّ الزوج أنه كتابه فإن الطلاق يقع عليها، وكذلك لو قال لذلك الرجل: ابعث بهذا الكتاب إليها أو قال له: اكتب نسخة وابعث بها إليها، وإن لم تقم عليه بينة بالكتاب ولم يقر أنه كتابه ولكنه وصف الأمر على وجهه، فإنه لا يلزمه الطلاق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك كل كتاب لا يكتبه بخطه ولم يمله بنفسه لا يقع به الطلاق إذا لم يقر أنه كتابه.
وفي «المنتقى» : عن محمد رحمه الله: إذا كتب الرجل إلى امرأته: كل امرأة لي غيرك وغير فلانة فهي طالق، ثم محى ذكر غير فلانة، وبعث بالكتاب لا تطلق فلانة وهذه حيلة جيدة.
وفي «العيون» : إذا كتب إلى امرأته أما بعد أنت طالق إن شاء الله، فإن كان كتب إن شاء الله موصولاً بكتابته أما بعد فأنت طالق لا تطلق، وإن فتر فترة بعدما كتب أنت طالق ثم كتب إن شاء الله تطلق؛ لأن الكتاب من الغائب بمنزلة التلفظ من الحاضر.
وفي «النوازل» : إذا كتب إلى امرأته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، فوصل الكتاب إلى أبيها فمزق الكتاب ولم يدفعه إليها، فإن كان الأب هو المتصرف في جميع أمورها وقع الطلاق متى وصل الكتاب إلى أبيها في بلدها؛ لأن الوصول إلى أبيها وهو المتصرف في عموم أمرها بمنزلة الوصول إليها، وإن لم يكن الأب هو المتصرف في عموم أمورها لا يقع عليها الطلاق؛ لأن الوصول إليه حينئذ لا يكون كالوصول إليها.

وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا أكره الرجل بالحبس والضرب على أن يكتب طلاق امرأته فكتب فلانة بنت فلان طالق لا تطلق لأن الكتاب من الغائب جعل بمنزلة الخطاب من الحاضر باعتبار الحاجة، ولا حاجة ههنا حيث احتيج إلى الضرب والله أعلم.

الفصل السابع: في الشركة في الطلاق
إذا طلق الرجل امرأته ثم قال لامرأة أخرى له: أشركتك معها في الطلاق وقع على الأخرى مثل ما وقع على الأولى ثلاثاً كانت أو أقل، وهذا لأن الشركة تقتضي المساواة، فإذا قال للأخرى: أشركتك معها في الطلاق، فقد أثبت المساواة بين الأولى وبين الأخرى، والمساواة بينهما في الطلاق إنما يتحقق إما بنقل نصف ما وقع على الأولى إلى

(3/276)


(الأولى) كمن اشترى عبداً فقال لآخر أشركتك فيه يصير نصف العبد منقولاً منه إلى الذي أشركه أو بأن يقع على الأخرى مثل ما وقع على الأولى والأول متعذر لأن الطلاق الواقع مما لا يقبل الرفع والنقل فتعين الثاني، فصار قوله: أشركتك مع فلانة في الطلاق بمنزلة قوله أوقعت عليك مثل ما أوقعت على فلانة، ولو صرح بذلك يقع للأخرى مثل ما وقع على الأولى كذا ههنا.
وفي «البقالي» : لو طلق امرأته ثلاثاً ثم قال لامرأة له أخرى: جعلت لك في هذا الطلاق نصيباً، أنه ينوي، فإن نوى واحدة فواحدة وإن نوى نصيباً في كل واحدة من الثلاث قبلت.
وفي «المنتقى» : لو طلق امرأته واحدة ثم قال لامرأة له أخرى: قد اشركتك في طلاقها وقعت على الثانية واحدة، فإن قال لثالثة: قد أشركتك في طلاقهما وقعت عليها ثنتان، فإن قال لرابعة: قد أشركتك في طلاقهن وقع عليها ثلاث تطليقات.
في «البقالي» : لو طلق ثلاث نسوة له واحدة، واحدة ثم قال لرابعة: أشركتك في طلاقهن وقع عليها ثلاث تطليقات، ولو طلقهن على التفاوت بأن طلق واحدة منهن واحدة وطلق الأخرى ثنتين وطلق الأخرى ثلاثاً، ثم قال للرابعة: أشركتك في طلاق إحداهن فقد قيل: يخير.

فروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله في «الإملاء» : لو أن رجلاً طلق امرأته على جُعل ثم قال لامرأة أخرى له: قد أشركتك (246ب1) في طلاقها فقالت: لا أقبل يلزمها، الطلاق وليس عليها من الجعل شيء. ولو أن هذه المرأة التي طلقها الزوج أولاً أقامت البينة على ثلاث قبل الخلع ورجعت بالجعل الذي أعطته، فإن كان الزوج جاحداً للطلقات الثلاث، يعني قبل إقامة البينة وبعدها يقع الطلاق على الثانية بغير شيء. فإن كان مصدقاً لها فيه يعني بعد إقامة البينة لم يقع على الثانية شيء.
وفي «القدوري» : لو قال لامرأتين له: أشركت بينكما في تطليقتين فهو بمنزلة قوله: بينكما تطليقتان حتى يقع على كل واحدة واحدة، وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يقع على كل واحدة تطليقتان.
وفي «البقالي» وفي «المنتقى» : إذا طلق امرأة له ثم تزوجها، ثم قال لامرأة أخرى له قد أشركتك في طلاق فلانة طلقت. ولو قال أشركتك في طلاق فلانة ولم يكن طلقها أو كانت فلانة تحت زوج آخر قد طلقها أو لم يطلقها، ففي امرأة الغير لا يلزم امرأته طلاق إن كان طلقها أو لم يطلقها نوى الزوج طلاقاً أو لم ينو، وفي امرأة يملكها لا تطلق الثانية إذا لم يكن طلق تلك ولا يكون هذا إقرار بطلاق تلك.
رواه بشر عن أبي يوسف رحمهما الله وأبو سليمان عن محمد رحمهما الله مطلقاً، وزاد في «البقالي» : ولا يكون هذا إقراراً بطلاق تلك إلا أن يقول: أشركتك في طلاق فلانة التي طلقها، وفي «البقالي» أيضاً: أشركها في طلاق امرأة الغير لا يصح إلا أن يقول: أنا أوقع طلاقه الذي أوقع عليها على امرأتي: ولو قال لامرأة له: إذا دخلت هذه الدار فأنت

(3/277)


طالق، ثم قال لامرأة أخرى له: أشركتك في هذه التطليقة، فإذا دخلت الدار طلقتا.

وكذلك لو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ثم قال لامرأة له أخرى: قد أشركتك في طلاق هذه، إذا تزوجها طلقتا. وإذا تزوج امرأة نكاحاً فاسداً ثم طلقها ثلاثاً ثم قال لأخرى قد أشركتك في طلاق هذه ولا نيّة له لم تطلق. ولو قال: قد أشركتك في الطلاق الذي تكلمت به طلقتا ثلاثاً.
وفي «المنتقى» : إذا قال لامرأته: إن طلقتك، فهذه مثلك لامرأة أخرى له، ولا نية له في الطلاق أو نوى الطلاق، ثم إنه طلق الأولى ثلاثاً تطلق هذه الأخيرة واحدة. وكذلك إذا قال لامرأته حيثما طلقتك، فهذه الأخرى مثلك ينوي الطلاق وطلق الأولى ثلاثاً طلقت الأخرى واحدة إلا أن ينوي ثلاثاً. وإن طلق الأولى واحدة طلقت الأخرى واحدة.
وفي «نوادر ابن سماعة» (عن محمد) رحمهما الله: إذا طلق الرجل امرأته ثم قال لامرأة له: أنت مثلها ينوي به الطلاق. إذا قال: أنت نظيرها ينوي بها الطلاق فهي طالق، وكذا لو قال رجل لآخر لامرأته.
وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله في أمة أعتقت واختارت نفسها، فقال زوجها لامرأة أخرى قد أشركتك في طلاق هذه لا يقع عليها طلاق، وكذلك كل فرقة بغير طلاق.
ولو قال: قد أشركتك في فرقة هذه، أو قال: قد أشركتك في بينونة ما بيني وبينها لزمها تطليقة بائنة، وإن نوى ثلاثاً قبلت. وإن قال: لم أنو الطلاق لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله، وروى أبو سليمان عن محمد رحمهما الله أنه لا يقع عليها شيء.
وفي «المنتقى» : إذا خلع امرأته على ألف ثم قال لامرأة أخرى له: قد أشركتك في خلع هذه فإن قبلت وقع عليها الخلع بخمس مائة.
وعلى قياس ما تقدم ينبغي أن يقع عليها الخلع بألف إذا قبلت؛ لأنه تعذر إثبات المساواة بينهما بنقل الخلع بنصف المال إلى الأخرى، فيتعين إثبات المساواة بإيقاع مثل ذلك إلى الأخرى، والله أعلم بالصواب.