المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب اللقيط
هذا الكتاب يشتمل على خمس فصول:
1 * في بيان حاله، ووصفه وما يستحب فيه وما يفترض
2 * في بيان أحكامه
3 * في بيان من يلي عليه
4 * في دعوى نسب اللقيط ورقه
5 * في تصرفات اللقيط بعد البلوغ

(5/423)


الفصل الأول في بيان حاله، ووصفه وما يستحب فيه وما يفترض
الفصل الأول: في بيان حاله، ووصفه وما يستحب فيه وما يفترض، المذهب لعلمائنا رضي الله عنهم في اللقيط أنه حر إما باعتبار الدار؛ لأن الدار دار أحرار، أو باعتبار الأصل، فإن الأصل في الآدمي الحرية، والعبرة في حق الدين على رواية كتاب اللقيط من «الأصل» للمكان لا للواجد حتى لو وجد في مكان الكافرين يحكم بكفره سواء كان الواجد مسلماً أو كافراً، وعلى بعض رواية كتاب الدعوى من «الأصل» العبرة للواجد، وعلى بعض رواية كتاب الدعوى من «الأصل» ، وكتاب العتاق العبرة لما يوجب الإسلام أيما كان، وفي «المنتقى» : يعتبر الزي حتى إنه إذا كان عليه زي أهل الشرك يحكم بكفره وحده يعتبر دين الواحد
ونقول الملتقط: إذا كان ذمياً (106أ2) وزي اللقيط مشكل، فادعاه نصراني، فهو ابنه، وهم على دينه ولا ينظر في ذلك إلى الموضع الذي وجده فيه إن كان مسجداً أو غيره، ورفعه أفضل من تركه لما في تركه من ترك الترحم على الصغير، وقد قال عليه السلام: «من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا، فليس منا» قالوا: وهذا إذا كان يخاف عليه لا محالة بأن وجده واقعاً في الماء أو بين يدي سبع يفترض عليه الأخذ، وإذا جاء الملتقط باللقيط إلى القاضي، فطلب من القاضي أن يأخذه منه، فللقاضي أن لا يصدقه في ذلك بدون بينة يقيمها على أنه لقيط؛ لأنه منهم، فلعله ولده أو بعض من يلزمه نفقته، واحتال بهذه الحيلة ليدفع النفقة عن نفسه، وإذا أقام البينة على ذلك، فالقاضي يقبل من غير خصم حاضر، إما لأن هذه بينة قامت لكشف الحال، أو لأنها غير ملزمة، والخصم في مثل هذا ليس بشرط.

وإذا قبل القاضي منه إن شاء قبض اللقيط منه، وإن شاء لم يقبضه منه، ولكنه يوليه ما تولى ويقول: قد ألزمت حفظه، فأنت وما ألزمت، وليس لك أن تلزمني ما لم ألتزمه، وهذا إذا لم يعلم القاضي عجزه عن حفظه، والإنفاق عليه، فأما إذا علم فالأولى أن يأخذ منه نظير اللقيط، وإذا أخذ منه يضعه على يدي عدل ليحفظه، فإن جاء الأول بعد ذلك وسأل من القاضي أن يرده عليه، فالقاضي بالخيار؛ إن شاء رده عليه، وإن شاء لم يرد، وهذا بخلاف ما لو التقط لقيطاً فجاء آخر وانتزعه من يده، ثم اختصما، فالقاضي يدفعه إلى الأول؛ لأن في الفصل الأول الملتقط أسقط يده باختياره، وصار حاله كحال غيره من الناس في طلب الرد عليه، ولا كذلك الفصل الثاني.
وإذا وجد العبد لقيطاً، ولم يعرف ذلك إلا بقوله، وقال المولى: كذبت بل هو عبدي، فالقول قول المولى إن كان العبد محجوراً، وإن كان مأذوناً فالقول قول العبد؛ لأن العبد بقوله هذا اللقيط في يدي يخبر بسقوط حق مولاه عنه؛ لأنه العبد المحجور لا

(5/425)


قول له في إسقاط حق المولى عما في يده، ألا ترى أنه لو أقرَّ على نفسه بدين لا يسقط به حق المولى عما في يده بخلاف المأذون.

الفصل الثاني في بيان أحكامه
شهادة اللقيط بعدما أدرك جائز إذا كان عدلاً وحكم جنايته، والجناية عليه كحكم غيره من الأحرار؛ لأنا حكمنا بحريته باعتبار الظاهر، ويحد قاذفه في نفسه، ولا يحد قاذفه في أمه؛ لأن أمه في صورة الزانيات؛ لأن الولد لا يعرف له والد، ولا كذلك نفسه، وميراثه للمسلمين، وعقله ونفقته في بيت مال المسلمين، وإذا وجد مع اللقيط مال فذلك المال له لسبق يده إليه، ونفقته في ذلك بأمر القاضي، وللملتقط أن ينفق عليه منه، وقيل: ينفق بعد أمره أيضاً، وهو مصدق في نفقة مثله، وكذلك إذا وجد على دابة فالدابة له، وعن محمد رحمه الله في «النوادر» أن اللقيط إن كان بحال يستمسك على الدابة، ولا يشد عليها فالدابة له، وإن كان لا يستمسك على الدابة، وشد عليها، فالدابة لا تكون له.

الفصل الثالث في بيان من يلي عليه
الولاية على اللقيط للإمام: قال عليه السلام: «السلطان ولي من لا ولي له» ولا يجوز للملتقط عليه عقد نكاح ولا عقد بيع ولا شراء؛ لأن هذه التصرفات تعتمد الولاية، ولا ولاية للملتقط على اللقيط، إنما له حق الحفظ والتربية، لكونه منفعة محضة في حق اللقيط، وبهذا السبب لا تثبت الولاية، وإن وجد مع اللقيط مال، وأمر القاضي الملتقط بالإنفاق عليه من ذلك المال فما اشترى له من طعام أو كسوة فذلك جائز؛ لأن القاضي لما أمره أن ينفق عليه من ذلك المال فقد أمره بأن يشتري له ما يحتاج إليه من الطعام والكسوة، والقاضي يملك ذلك بنفسه، فيملك الملتقط أيضاً بأمره، وإذا قتل اللقيط خطأ تجب الدية على عاقلة القاتل، وتكون لبيت المال.
وإن قتل هذا فصالح الإمام القاتل على الدية جاز، ولو عفى عن القاتل لا يجوز، ولو أراد أن يقتل القاتل فلا يمكن عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف، وإنما كان له استيفاء القصاص في قولهما؛ لأن القصاص في الأصل شرع بملك الحياة على ما قال الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} (البقرة: 179) وذلك بطريق الزجر، حتى إذا تفكر الرجل

(5/426)


في نفسه أنه لو قتل غيره يقتل، ينزجر عن قتله، فيكون حياة لهما جميعاً، وذلك موجود في اللقيط، فكان للإمام أن يستوفي القصاص، وإن شاء مال إلى الدية؛ لأنه مجتهد فيه، وليس له أن يعفو؛ لأنه نصب لاستيفاء حقوق المسلمين لا لإبطالها.
وإذا أنفق الملتقط على اللقيط من مال نفسه؛ إن أنفق بغير أمر القاضي فهو في ذلك متطوع، وإن أنفق بأمر القاضي إن كان القاضي أمره بالإنفاق على أن يكون ديناً عليه؛ فإن ظهر له أب كان للملتقط حق الرجوع على أبيه، وإن لم يظهر له أب فله حق الرجوع عليه إذا كبر، وبناءً عليه ذكر شيخ الإسلام أن في المسألة روايتان، وذكر شمس الأئمة السرخسي ووجهه: أن مطلق الأمر بالإنفاق محتمل يحتمل أن يكون للتحبب والترغيب في إتمام ما شرع فيه من التبرع، وإنما ينقطع هذا الاحتمال بالأمر على أن يكون ديناً عليه.
d
وإذا بلغ اللقيط وصدق الملتقط فيما ادعى من الإنفاق عليه رجع عليه بذلك، وإن كذبه كان القول قول اللقيط، وعلى الملتقط البينة، كأنه يدعي ديناً لنفسه على اللقيط، وهو ينكر، وفي «المنتقى» : لو جعل الإمام ولاء اللقيط للملتقط جاز؛ لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه، فإن من العلماء من قال بأن الملتقط يشبه المعتق من حيث أنه اختاره كالمعتق والله أعلم.

الفصل الرابع في دعوى نسب اللقيط ورقه
إذا ادعى الملتقط نسب اللقيط فالقياس أن لا تصح دعوته لمكان التناقض، فإنه زعم أنه التقط وابنه لا يكون لقيطاً، ولأن هذا إقرار على اللقيط فإنه يلزمه أحكام النسبة، والإقرار على الغير لا يصح، وفي الاستحسان: تصح دعوته؛ لأن هذا إقرار على نفسه من وجه من حيث أنه يلزمه نفقته، ويجب عليه أن يحفظه، أو إن كان إقراراً على اللقيط فهو إقرار عليه (106ب2) بما ينفعه من كل وجه، وبالالتقاط ثبت وبهذه الولاية، وما يقول بأنه متناقض قلنا: نعم، ولكن فيما طريقه طريق الخفاء، فقد يشتبه على الإنسان حال ذلك الصغير، ويظن أنه لقيط، ثم يتبين له بعد ذلك أنه ولده، فإن ادعاه رجل آخر، فالمسألة على القياس والاستحسان أيضاً، وهذا قياس أحق؛ لأن المدعي يريد أن يأخذه من يد اللقيط، ويبطل عليه ما ثبت من الحق.
وإذا مات اللقيط، وادعى رجل أنه ابنه لا تصح دعوته، فعلى جواب الاستحسان فرق بين حالة الحياة، وبين ما بعد الموت؛ لأن في حالة الحياة إنما صحت دعوته؛ لأنه أقر بما ينفع اللقيط من كل وجه، وهو النسب، وبالموت استغنى عن النسب، ففي كلامه دعوى الميراث فلا يصدق إلا بحجة، ولو ادعى الملتقط أن اللقيط عبده لم يصدق على ذلك؛ لأنا حكمنا بحريته ظاهراً فلا يبطل ذلك لمجرد قوله.
ولو ادعى رجل أنه ابنه من امرأته هذه أو من أمته هذه وصدقته المرأة أو الأمة فهو

(5/427)


ابنهما، فقد شرط تصديق الزوجة والأمة، أما تصديق الزوجة فظاهر؛ لأنه أقر عليها بما يلزمها من حقوق النسب، وإقرار الإنسان على زوجته لا يصح إلا بتصديقها، وأما تصديق الأمة فلأنه وإن أقر على مملوكه ولكن بما يلزمها في الحال وبعد الحرية، فإن حقوق النسب كما يلزمها في الحال، يلزمها بعد الحرية، وإقرار المالك على مملوكه بما يلزمها بعد الحرية لا يصح إلا بتصديق المملوك.
ولو ادعاه عبد أنه ابنه من امرأته هذه، وهي أمة وصدقته المرأة، وصدقها المولى وقال: هو عبدي؛ ثبت النسب، وكان اللقيط مملوكاً لولي الأمة، وهذا قول أبي يوسف؛ لأن من ضرورة ثبوت النسب من الأمة أن يكون مملوكاً، وعند محمد رحمه الله هو حر؛ لأنا حكمنا بثبات نسبه؛ لأنه ينفعه، وليس في إبطال الحرية الثانية من حيث الظاهر نفع بل فيه ضرر، فثبت نسبه من الرجل، ولا يجعل ابن امرأته هذه.
فلو ادعت امرأة اللقيط أنه ابنها وهي حرة أو أمة لن تصدق على ذلك إلا ببينة، فإن أقامت امرأة واحدة على أنها ولدته قبل ذلك منها إذا كانت عدلة حرة؛ أطلق الجواب ولم يفصل، بينما إذا كان لها زوج؛ لأنها تحمل النسب على فراش الغير، أما إذا لم يكن لها زوج فلا تحتاج إلى البينة، وهي والرجل سواء، ومن المشايخ من أجرى المسألة على إطلاقها، وقال: الحكم في حقها ثبت بحقيقة الولادة وللقابلة وقوف عليها، فلا بد من إقامتها لقبول قولها، فأما في جانب الرجل الحكم منقطع عن الحقيقة، وعلق بالسبب الظاهر، فكان قوله مقبولاً.

فلو ادعى اللقيط ذمي فالقياس على الاستحسان الذي ذكرنا في المسألة أنه لا يصدق، وفي الاستحسان يصدق، ويثبت نسبه منه ويكون مسلماً، ووجه ذلك: أن إثبات النسب يقع، وإثبات التبعة في الدين ضرر، فالنفع ينفصل عن الضرر، فحصلنا النفع ونفينا الضرر.

وفي «المنتقى» : الحسن عن أبي حنيفة ويقبل على الملتقط المسلم الشهود، النصارى لمسلم أو نصراني في قولهم جميعاً، يريد به إذا كان الملتقط مسلماً، فادعى مسلم أو نصراني أنه ابنه، وأقام على ذلك شهود نصارى يقبل منه، قال أبو الحسن: هذا الجواب مستقيم فيما إذا كان الملتقط ديناً غير مستقيم، فيما إذا كان الملتقط مسلماً؛ لأنها توجب استحقاق الملتقط، وشهادة أهل الذمة لاستحقاق الله على المسلمين لا تقبل، قيل: أيضاً هذا الجواب يأتي على طريق القياس؛ لأن على طريق الاستحسان النسب ثابت بالدعوة بدون الثلاثة فلا حاجة إلى الثلاثة.
وإن ادعاه رجلان ثبت النسب منهما، ولو سبق أحدهما بالدعوة فهو للسابق، ولا تقبل دعوى الآخر بعد ذلك، إلا أن يقيم الآخر بعد ذلك بينة أنه ابنه؛ لأن السبق في الدعاوي لا يقاوم البينة، وإن ادعاه امرأتان فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا يثبت النسب من واحدة منهما؛ لأن ثبات النسب من جانبهما على حقيقة الولادة، واجتماع المرأتين على ولادة ولد واحد لا يكون بخلاف جانب الرجل؛ لأن الحكم في حقه منقطع عن الحقيقة، مبني على السبب وهو الفراش، وأما على قول أبي حنيفة فالنسب ثبت من

(5/428)


المرأتين، ولكن لا بد له من حجة عند التعارض والتنازع، والحجة شهادة امرأة واحدة على رواية أبي حفص حتى أنه إذا قامت كل واحدة منهما امرأة ثبت النسب، فهو على رواية أبي حفص وعلى رواية أبي سليمان: الحجة شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فإن أقاما ذلك ثبت منهما، وما لا فلا.

وإذا ادعاه الملتقط ورجل آخر فالملتقط أولى، وإذا ادعا اللقيط رجلان كل واحد منهما يدعي أنه ابنه ووصفه أحدهما بعلامات في جسده، وأصاب النسب الآخر قضي للذي وصف، وجعل إصابة الوصف علامة صدقه في دعوته، وإن لم يصب واحد منهما فهو ابنهما، ولو وصفا فأصاب أحدهما دون الآخر قضي للذي أصاب، وكذلك لو قال أحدهما: هو غلام، وقال الآخر: هو جارية يقضى للذي أصاب، ولو تفرد رجل بالدعوة وقال: هو غلام، فإذا هو جارية، أو قال: هو جارية، فإذا هو غلام لا يقضى له أصلاً.
ولو ادعاه رجل أنه ابنه من هذه المرأة الحرة، وادعى آخر أنه جده، وأقاما البينة قضي للذي ادعى البنوة، وإن ادعى أحدهما أنه ابنه من هذه المرأة الحرة، وادعى الآخر أنه ابنه من هذه المرأة الأمة قضي للذي ادعا النسب من المرأة الحرة، ولو أقام كل واحد منهما بينة أنه ابنه من هذه المرأة الحرة عين كل واحد منهما امرأة أخرى؛ قضي بالولد بينهما، وهل يثبت نسب الولد من المرأتين؟ فعلى قول أبي حنيفة يثبت، وعلى قولهما لا يثبت، وإذا ادعى نسبه رجلان وَوَقّتَ بينة كل واحدة منهما، فإن عرف أن الصبي على أحد الوقتين قضي له، وإن كان سن الصبي مشكل يحتمل أن يكون على كل واحد من الوقتين فعلى قول أبي يوسف ومحمد يسقط التاريخ، ويقضى بينهما باتفاق الروايات، فأما على قول أبي حنيفة رضي الله عنه فقد ذكر شيخ الإسلام أنه اختلفت الروايات على قول أبي حنيفة رضي الله عنه، ذكر في رواية أبي حفص رضي الله عنه أنه يقضي بينهما، وذكر في رواية أبي سليمان (107أ2) أنه يقضى لأسبقهما تاريخاً، وذكر شمس الأئمة الحلواني ذكر في عامة الروايات أنه يقضى بينهما، وذكر في بعض الروايات أنه يقضى لأسبقهما تاريخاً، قال محمد رحمه الله: والصحيح ما ذكر في عامة الروايات.

وفي «القدوري» : ادعى اللقيط مسلم وذمي؛ قضي للمسلم؛ لأن منفعة الصبي فيه أكثر، وكذلك إذا شهد للمسلم ذميان، وشهد للذمي مسلمان قضي للمسلم؛ لأن شهادة كل واحد من المدعيين حجة على صاحبه واستويا فكان المسلم أولى، وفي «الأصل» : إذا التقطه ذميين وتنازعا في كونه عبداً لأحدهما قضي به للمسلم والله أعلم.

الفصل الخامس في تصرفات اللقيط بعد البلوغ
اللقيط إذا والى الملتقط أو رجلاً آخر بعدما أدرك جاز، وهذا إذا لم يتأكد ولاؤه أثبت المال، فأما إذا تأكد بأن حق حمايته وغفل عنه ببيت المال لا تجوز موالاته، وإذا

(5/429)


بلغ كافراً وقد وجد في مصر من أمصار المسلمين يجبر على الإسلام.... ولا يفيد استحساناً؛ لأنا حكمنا بإسلامه تبعاً للمكان، وكل من حكم بإسلامه تبعاً للمكان، وكل من حكم بإسلامه تبعاً إذا بلغ كافراً يجبر على الإسلام، ولكن لا يعقل استحساناً كالولد المولود بين المسلمين إذا بلغ كافراً، وإذا أقر بالرق لغيره في ذلك كان عبداً له، قالوا: وهذا إذا لم تتأكد حريته بقضاء القاضي عليه بما لا يقضى به إلا على الأحرار كالحد الكامل أو القصاص في الطرق أو ما أشبه ذلك، أما إذا تأكد حريته بقضاء القاضي لم يقبل إقراره بالرق بعد ذلك.
وإذا تزوج امرأة بعدما أدرك أو استدان ديناً أو بايع إنساناً أو كفالة أو وهب هبة أو تصدق بصدقة، أو وهب هبة، أو تصدق بصدقة وسلمها له كانت عنده، أو دبره، أو أعتقه ثم أقر أنه لفلان لم يصدق على إبطال شيء من ذلك، وكذلك في سائر التصرفات، وإذا كان اللقيط امرأة، وتزوجت بزوج، ثم أقرت بالرق لإنسان، وصدقها المقر له فهي أمة للمقر له، ولكن النكاح بينها وبين زوجها على حاله إذ ليس من ضرورة القضاء برقها بطلان النكاح؛ لأن الرق لا ينافي النكاح ابتداءاً وبقاءاً، بخلاف ما إذا أقرت أنها أثبتت أبنة زوجها، وصدقها الأب في ذلك حيث يبطل النكاح؛ لأن الجزئية تنافي النكاح ابتداءاً وبقاءاً، فإذا ثبتت الجزئية انتفى النكاح، ولو أعتقها المقر له لا خيار لها؛ لأن إقرارها بالرق لم يصر في حق الزوج، والأصل في ذلك أن لكل حكم يلحق الزوج فيه ضرر لا يمنكه دفعه عن نفسه، فإنها لا تصدق في إقرارها الرق في حق ذلك الحكم، وفي كل ما يمكنه دفع الضرر عن نفسه يكون مصدقه في حقها، حتى إذا طلقها ثنتين ثم أقرت بالرق يملك مراجعتها ولا يضر طلاقها ثنتين بإقرارها بالرق؛ لأن الزوج يتضرر بذلك على وجه لا يمكنه دفعها عن نفسه، ولو كان طلقها واحدة وأقرت بالرق بعد ذلك؛ صار طلاقها ثنتين؛ لأنه تمكن من دفع الضرر عن نفسه بأن يراجعها ثم يمسكها ولا يطلقها، وعلى هذا القياس يخرج جنس هذه الأحكام، والله أعلم بالصواب. تم كتاب اللقيط من المحيط البرهاني بحمد الله تعالى وحسن توفيقه.

(5/430)