المحيط
البرهاني في الفقه النعماني كتاب الإباق
هذا الكتاب يشتمل على ست فصول:
1 * في أخذ الولد، وما يصنع به بعد الأخذ
2 * في بيان مقدار الجعل
3 * فيمن يستحق الجعل ومن لا يستحق
4 * في بيان وجوب الضمان على راد الآبق
5 * في الاختلاف الواقع في الإباق
6 * في التصرفات في الآبق
(5/443)
الفصل الأول في أخذ
الولد، وما يصنع به بعد الأخذ
ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أنه ينبغي للمراد أن يأتي بالآبق إلى
الإمام، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إذا جاء به القاضي وقال: هذا
عبد آبق، هل يصدقه القاضي من غير بينة؟ فقد اختلف المشايخ فيه، ثم إذا صدقه
وأخذه منه حبسه إلى أن يحجر له طالب، ويكون هذا الحبس بطريق التعزير، ومن
هذا المعنى يقع الفرق بين الأبق وبين الضال والضالة، فإن القاضي لا
يحبسهما؛ لأنهما لا يستحقان التعزير ولا كذلك الأبق، وينفق عليه في هذا
الحبس من بيت المال؛ لأنه محتاج إلى النفقة عاجز عن الكسب مادام محبوساً.
ولو أمره القاضي ليخرج، ويكتسب فأبق ثانياً، فكان النظر في الإنفاق من بيت
المال، ثم إذا حبسه الإمام في (بيت) رجل، وأقام بينة أنه عبده قبل القاضي
بينته، ولم يذكر محمد رحمه الله أن القاضي هل ينصب له خصماً، قال شمس
الأئمة الحلواني: اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا: ينصب خصماً، فلم تقبل
هذه البينة، وبعضهم قالوا: يقبل القاضي هذه البينة من غير أن ينصب خصماً،
فطريقه ما ذكرنا قبل هذا.
قال: ويحلف المدعي بالله ما بعته ولا وهبته ثم يدفع إليه، فإن قيل: كيف
يستحلفه وليس ههنا خصم حاضر يدعي ذلك؟ قلنا: يستحلفه لقضائه، أو يستحلفه
نظراً لمن هو عاجز عن النظر لنفسه بنفسه من مشتري أو موهوب له، فإذا حلف
دفعه إليه، وهل يأخذ منه كفيلاً؟ ذكر في رواية أبي حفص لا أحب له أن يأخذ
كفيلاً، ولو أخذ لا يكون مسناً.
وذكر في «نوادر ابن سليمان» : أحب إليَّ أن يأخذ منه كفيلاً، ولو لم يأخذ
كان في سعة منه، واختلف المشايخ فيه، منهم من قال: ما ذكر في رواية أبي حفص
قول أبي حنيفة، وما ذكر في رواية ابن سليمان قولهما؛ بناءاً على أن أبا
حنيفة لا يرى الكفيل للمجهول، وهما يريان ذلك، ومنهم من قال: في المسألة
روايتان؛ وهو الأصح، ولكن ما ذكر في رواية ابن سليمان أحوط لجواز أن يظهر
له مستحق آخر.
وإن لم يكن للمدعي بينة، وأقر العبد أنه عبده دفعه إليه، وأخذ منه كفيلاً؛
لأن العبد مع المدعي تصادقا على أنه ملك المدعي ولا منازع لهما، ولم يذكر
في «الكتاب» أن القاضي يتحر في الدفع إليه، أو يجب عليه الدفع، إنما ذكر
دفعه إليه، وقد اختلف المشايخ فيه، وإنما يأخذ الكفيل ههنا؛ لأن الدفع إليه
بما ليس بحجة عند القاضي فلا يلزمه ذلك بدون الكفيل، بخلاف الفصل الأول على
إحدى الروايتين، فإن لم يجىء للعبد طالب، وطال ذلك باعه القاضي وأمسك ثمنه،
ولا يؤاجره بخلاف العبد الضال إذا حجر به إلى القاضي فالقاضي لا يبيعه بل
يؤاجره؛ لأن الآبق لا يؤمن بأن يأبق ثانياً لو آجره ولم يبعه، ربما يأتي
بنفقته جميع ثمنه، فكان البيع أنفع في حق المولى، ولا كذلك الضال فإنه يؤمن
منه الإباق، فكانت الإجارة، وفيها آبقاً العين على ملك المولى أنفع في
(5/445)
حق المولى ثم القاضي يرجع بما أنفق على
الآبق مدة حبسه في ثمنه إن باعه، وإن حضر مولاه يرجع عليه بذلك أخذ الآبق
لم يقدر على أخذه أفضل من الترك، وفي حال الضال اختلف المشايخ.
الفصل الثاني في بيان مقدار الجعل
وإذا أخذ آبقاً ورده على مولاه؛ إن كان أخذه من مسيرة سفر أو أكثر فله
أربعون درهماً لا يزاد عليه، وإن كان عليه قيمته أربعين تنقص عن الأربعين
درهم عند محمد، وهو قول أبي يوسف الأول، وفي قوله الآخر له الجعل حملاً؛
لأن وجوب الجعل عرف بإيجاب الصحابة رضوان الله عليهم، وهم أوجبوا أربعين
درهماً من غير أن يتعرضوا لقيمة العبد.
وإن كانت قيمته دون أربعين درهماً، فعلى قول محمد؛ وهو قول أبي يوسف الأول
يحط عن قيمته درهم، ويجب الباقي حتى إذا كانت قيمته عشرة دراهم تجب تسعة
دراهم، وعلى قول أبي يوسف الآخر يجب الجعل كله، وروي عن أبي يوسف رواية
أخرى فيما إذا قيمته أربعون أنه ينقص من الجعل ما يقطع فيه العد، وإن كان
أخذه في المصر أو خارجاً منه، ولكن ما دون مسيرة السفر يرضخ له هكذا ذكر في
«الأصل» ، وفي «المجرد» عن أبي حنيفة رضي الله عنه: إذا وجده في المصر فلا
شيء له، ثم إذا وجب الرضخ إن اصطلح الراد والمردود عليه على شيء فالمراد
ذلك، وإن اختصما عند القاضي، فالقاضي يقدر الرضخ على قدر المكان، هكذا قاله
بعض مشايخنا.4
وتفسيره: أنه وجب للراد من مسيرة ثلاثة أيام أربعون درهماً، فيكون بإزاء كل
يوم ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم فيقضى بذلك إن رده من مسيرة يوم، وإليه
أشار في «الكتاب» ، وبعضهم يفوض إلى رأي الإمام، وهذا ليس بالاعتبار.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : والحكم في رد الصغير؛ كالحكم في رد
الكبير، إن رده من مسيرة السفر فله أربعون درهماً، وإن كان رده مسيرة
السفر، فله الرضخ ويرضخ في الكبير أكثر مما يرضخ في الصغير إن كان الكبير
أشدهما مؤنة. قالوا: وما ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان
صغيراً يعقل الإباق، أما إذا كان صغيراً لا يعقل الإباق فهو ضال، ورأوا
الضال لا يستحق الجعل، وقد نص على هذا التفصيل في «المنتقى» .
وإن كان الدين بين رجلين فالجعل عليهما على قدر أنصبائهما، فإن كان أحد
المولين حاضراً والآخر غائباً، فليس للآخر أن يأخذه حتى يعطيه جعله كله،
وإذا أخطأه لم يكن متطوعاً؛ لأنه مضطر في أداء حصة صاحبه، وهو نظير
المشتريين صفقة واحدة إذا أدى أحدهما كل الثمن.
(5/446)
وإن كان الآبق رجل؛ والراد رجلان، فالجعل
بينهما على السواء، وإن كان الآبق رهناً فجاء به رجل فهو رهن على حاله،
والجعل على المرتهن إن كانت قيمته مثل الدين؛ لأن الجعل للراد يسبب إحياء
المالية، والإحياء بقدر الدين حصل للمرتهن، ألا ترى أنه لو لم يرده حتى
تحققت.... أسقط دين المرتهن، والجعل يخالف النفقة، فإن نفقة المرهون على
الراهن، وجعل المغصوب إذا أبق (110أ2) من يد الغاصب، وإذا كان الآبق خدمته
لرجل ورقبته لرجل؛ فالجعل على صاحب الخدمة؛ لأن منفعة الرد في الحال لصاحب
الخدمة، فكان هو المخاطب بالجعل في الحال، وإذا انقضت الخدمة رجع صاحب
الخدمة بالجعل على صاحب الرقبة أو يباع العبد فيه؛ لأن صاحب الرقبة صاحب
أصل.
ولمن جاء بالعبد الآبق أن يمسكه حتى يستوفي الجعل؛ لأنه استوجب الجعل
بإحياء المالية، فكان بما استوجب تعلقاً بالمالية، فيحبسه به كما يحبس
البائع المبيع بثمنه، وإن هلك في يده بعدما قضى القاضي له بالإمساك بالجعل،
أو قبل المرافعة إلى القاضي فلا ضمان ولا جعل، وإذا صالح الذي جاء بالآبق
مع مولاه من الجعل على عشرين درهماً جاز؛ لأنه يجوز بدون حقه، وإن صالح على
خمسين درهماً وهو لا يعلم أن الجعل أربعون جاز بقدر أربعين، وبطل الفضل،
وإذا أبقت الأمة ولها صبي رضيع فردهما رجل فله جعل واحد، إلا إذا ارتهن
فحينئذ تجب ثمانون درهماً وإذا رجع الواهب في الهبة بعدما رد الموهوب من
إباقه، فالجعل على الموهوب له؛ لأن الرد إحياء المالية له بالرد إليه،
فزوال ملكه بعد ذلك بالرجوع لزوال ملكه بموت العبد.
الفصل الثالث فيمن يستحق الجعل ومن لا يستحق
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : وإذا (كان) المكاتب لا يستحق الجعل؛ لأن
استحقاق الجعل بالرد لإحياء مالية الرفعة بالردة، وذلك لا يوجد في المكاتب؛
لأن حق المولى في بدل الكتابة في ذمته خاصة، ولم يصر ذلك على شرف الهلاك
بإباقه حتى يكون في الرد إحياؤه، ولراد المدبر وأم الولد الجعل، وهذا
الجواب مشكل في أم الولد؛ لأن الجعل يستحق بإحياء المالية، والمالية لأم
الولد خصوصاً عند أبي حنيفة رضي الله عنه، والجواب أن لها مالية باعتبار
الكسب، فإنه أحق بكسبها، وقد أحيا الراد بالرد بخلاف المكاتب؛ لأن كسب
المكاتب له لا حق للمولى فيه، فالراد بالرد لا يحيي مالية للمولى لا
باعتبار القيمة، ولا باعتبار الكسب، ولو مات المولى قبل أن يصل بها إليه،
فلا جعل، وإن كان على المدبر سعاية ورده إلى الورثة فلا جعل؛ لأنه رد حراً
عندهما، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه رد مكاتباً، ولا رد بجعل المكاتب، ولا
جعل للوصى إذا رد
(5/447)
عبداً لهم، وكذلك كل من يعول صغيراً، ولا
جعل للسلطان إذا رد آبقاً؛ لأنه فعل ما هو واجب عليه، وكذلك رآه بأن....
إذا رد المال من المدبر القطاع فلا شيء لهما، ولا جعل للابن إذا رد آبقاً
لأبيه، وللأب الجعل إذا رد آبقاً للابن إذا لم يكن الآبق في عيال الابن؛
وهذا لأن رد الآبق على المولى نوع خدمة في حق المولى، وخدمة الأب مستحقة
على الابن، وإقامة ما هو مستحق عليه الإنسان لا يقابل بالأجر، فأما خدمة
الابن غير مستحقة على الأب، فيجوز أن يقابل بالأجر، إلا أن الأب إذا كان في
عيال الابن لا يستحق الجعل؛ لأن أبق الرجل يطلبه من هو في عياله عادة،
ولهذا ينفق عليهم فلا يستوجب مع ذلك جعلاً آخر.
وفي «البقالي» : روي أن الأب لا يستحق الجعل والابن يستحق، ولأحد الزوجين
الجعل على صاحبه برد آبقه، والأخ يستحق الجعل على أخيه وأخته استحساناً إذا
لم يكن الراد في عيال المردود عليه، وإذا جاء بالعبد الآبق ليرده على مولاه
فوجده قد مات فله الجعل في تركته، وإن لم يكن له مال سوى العبد.... بالجعل،
وإن كان الذي جاء به وارث الميت فلا يخلو أما إن كان ولده أو لم يكن ولده
ولكن كان في عياله، أو لم يكن ولده ولم يكن في عياله؛ أجمعوا على أنه لو
أخذه في حال حياة المورث ورده في حال حياة المورث أن له الجعل، وأجمعوا على
أنه لو أخذه بعد وفاة المورث، ورده أنه لا جعل له، وأما إذا أخذه في حال
حياة المورث وجاء به إلى المصر في حياته أيضاً إلا أنه سلمه بعد الموت، قال
أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما: يجب الجعل له في حصة شركائه، وقال أبو
يوسف لا يجب، وإن كان الراد ولداً أو لم يكن ولداً، ولكن كان في عياله لا
يستحق الجعل على كل حال.
رجل قال لغيره: إن عبدي قد أبق إن وجدته فخذه، فقال المأمور: نعم، فأخذه
المأمور، وعلى مسيرة ثلاثة أيام وجاء به إلى المولى فلا جعل له؛ لأن المولى
قد استعان منه في رده عليه، وقد وعد له الإعانة، والعين لا يستحق شيئاً،
أخذ آبقاً من مسيرة ثلاثة أيام، وجاء به ليرده على مولاه، فلما أدخله المصر
أبق منه قبل أن ينتهي إلى مولاه، فأخذه رجل في المصر، ورده على المولى فلا
شيء للأول؛ لأن سبب استحقاق الجعل إحياء المالية بالرد على المولى، ولم
يوجد من الأول الرد على المولى، ويرضخ للثاني على قدر غيابه على نحو ما
بينا.
وإن أخذاه بعد ذلك في المصر أو في مسيرة يوم فللأول نصف الجعل تاماً، ورضخ
للثاني على قدر غيابه؛ لأنهما هما السبب بالرد على المولى، ويجعل في حق
الأول كأنهما رداه في مسيرة السفر، ذكر في «الأصل» وفي «المنتقى» : جاء
بالآبق من مسيرة ثلاثة أيام ليرده على المولى، فأخذه منه غاصب، وجاء به
الغاصب إلى مولاه، ثم جاء الآخذ الأول، وأقام بينة أنه أخذه من مسيرة ثلاثة
أيام أخذ الجعل ثانياً من المولى، ويرجع المولى على الغاصب بما أخذ منه.
(5/448)
وفيه أيضاً أخذ آبقاً من مسيرة ثلاثة أيام،
وجاء به يوماً، ثم أبق العبد منه، وسار يوماً نحو المصر الذي فيه المولى،
وهو لا يريد الرجوع إلى المولى، ثم إن ذلك الرجل أخذه ثانياً، وجاء به
اليوم الثالث، فدفعه إلى المولى، فله جعل اليوم الأول والثالث، وهو كالجعل،
ولو كان حين أبق من الذي أخذه وجده مولاه فلا جعل للذي أخذه، ولو كان العبد
فارق الذي أخذه وجاء متوجهاً إلى مولاه لا يريد الإباق فللأول جعل يوم،
وفيه أيضاً؛ أخذا عبداً آبقاً ودفعه إلى رجل، وأمر له أن يأتي به مولاه،
ويأخذ منه الجعل فيكون له؛ يعني للمأمور، فقدم به ودفعه إلى مولاه أخذ
الجعل منه، ويكون لو قال ثمة، وهو بمنزلة دين (110ب2) لرجل على رجل، وهبه
من رجل وأمره بقبضه فقبضه.
في «الأصل» : عبد أبق إلى بعض البلدان، فأخذه رجل، واشتراه منه رجل آخر
وجاء به لا جعل له، إنما رده لنفسه، فإن المشتري يكون غاصباً لملك المشتري
فيكون غاصباً في حق المولى لا عاملاً له في الرد، فإن كان حين اشتراه أشهد
أنه إنما اشتراه ليرده على صاحبه؛ لأنه لا يقدر عليه إلا بالشراء؛ فله
الجعل لأنه بهذا الإشهاد أظهر أنه في الرد عامل للمولى، فلا يرجع على
المولى بما أدى من الثمن قل أو كثر، وإن وهب له أو أوصى له به أو ورثه،
فالجواب فيه كالجواب في الشراء، ولا يستحق الجعل.
أخذ عبداً آبقاً وجاء به ليرده على مولاه، فلما نظر إليه المولى أعتقه، ثم
أبق من يد الآخر، كان له الجعل؛ لأن الإعتاق نص معنى؛ لأنه إتلاف للمالية،
فقد وصل العبد إلى المولى معنى، ألا ترى أن المشتري لو أعتق المشترى قبل
القبض صار قابضاً له كذا ههنا، ولو كان دبره والمسألة بحالها فلا جعل له؛
لأن التدبير ليس بقبض؛ لأنه لا يتلف به المالية، فلم يصل العبد إلى يد
المولى أصلاً.
ولو كان الآخذ حين سار به ثلاثة أيام أبق منه قبل أن يأتي به إلى المولى،
ثم أعتقه المولى فلا جعل؛ لأن المولى لم يصر قابضاً من يد الآخذ؛ لأنه حين
أعتقه لم يكن في يد الآخذ، ولو جاء به إلى مولاه فقبضه، ثم وهبه منه فعليه
الجعل، ولو وهبه منه قبل أن يقبضه فلا جعل له؛ لأنه لم يصل إلى المولى من
جهة لا بصورته ولا بمعناه، ولو باعه منه قبل أن يقبضه فعليه الجعل؛ لأنه
وصل إلى المولى عوضه، فصار كما لو وصل إليه عينه بهذه الجملة.
وفي «العيون» قال شمس الأئمة الحلواني: الراد إنما يستحق الجعل إذا أشهد
عند الأخذ أنه إنما أخذه ليرده على المالك أما إذا ترك الإشهاد لا يستحق
الجعل وإن رده على المالك.
الفصل الرابع في بيان وجوب الضمان على راد
الآبق
إذا مات الآبق عند الآخذ أو أبق منه قبل أن يرده على المولى؛ فإن كان حين
أخذ أشهد أنه إنما أخذه ليرده على صاحبه لا ضمان عليه، وكذلك إذا قال وقت
الأخذ: هذا
(5/449)
آبق أخذته فمن وجد له طالباً فليدله عليّ
فلا ضمان عليه؛ لأنه وجد منه الإشهاد. قال شمس الأئمة الحلواني: وليس من
شرط الإشهاد أن يكرر ذلك، والحر يكفي بحيث لا يقدر على أن يكتم إذا سئل،
وهكذا في اللقطة.
وأما إذا ترك الإشهاد، وكان الإشهاد ممكناً كان عليه الضمان عند أبي حنيفة
ومحمد رضي الله عنهما، خلافاً لأبي يوسف رحمه الله، وهذا إذا علم كونه
آبقاً، وإن أنكر المولى أن يكون عبده آبقاً فالقول قوله، والآخذ ضامن
إجماعاً؛ لأن سبب وجوب الضمان قد ظهر من الآخذ، وهو أخذ مال الغير بغير
إذنه، فهو يعبر عن المسقط وهو الإذن شرعاً بكون العبد آبقاً، وإذا أخذ
عبداً آبقاً فادعاه رجل وأقر له بالعبد فدفعه إليه بغير أمر القاضي فهلك
عنده، ثم استحقه آخر بالبينة، فله أن يضمن أيهما شاء، فإن ضمن الدافع رجع
به على القابض، وإن كان لم يدفع إلى الأول حتى شهد عنده شاهدان أنه عبده،
فدفعه إليه بغير حكم، ثم أقام الآخر البينة أنه له، قضى به للثاني؛ لأن
البينة الأولى قامت في غير مجلس الحكم، فلا يكون معارضة للبينة التي قامت
في مجلس الحكم.
فإن أعاد الأول البينة لم ينفعه أيضاً؛ لأن العبد في يده، وحقه في اليد في
الملك المطلق، لا يعارض بينة الخارج، وإذا أخذ عبداً آبقاً وباعه بغير أمر
القاضي حتى لم يصح البيع، وهلك العبد في يد المشتري، ثم جاء رجل فادعاه،
فأقام البينة أنه عبده، فالمستحق بالخيار؛ إن شاء ضمن المشتري، وعند ذلك
يرجع المشتري بالثمن على البائع، وإن شاء ضمن البائع قيمته، وعند ذلك ينفذ
البيع من جهة البائع، ويكون الثمن له، ويتصدق بما فضل على القيمة من الثمن؛
لأنه ربح حاصل لا على ملكه بسبب كسب خبيث.
الفصل الخامس في الاختلاف الواقع في الإباق
إذا أنكر المولى أن يكون عبده آبقاً فلا جعل للراد؛ إلا أن يشهد الشهود أنه
أبق من مولاه، أو على إقرار المولى بالإباق، وإذا أبق العبد وذهب بمال
المولى، فجاء رجل وقال: ما أخذت منه شيئاً فالقول قوله، ولا شيء عليه، ولا
يكون وصول يده إلى العبد دليلاً على وصول يده إلى المال ما لم يعلم كون
المال في يد العبد حين أخذ العبد، فالمولى يدعي عليه ذلك، وهو ينكر، فيكون
القول قوله، كما لو ادعى عليه أنه غصبه مالاً آخر، وهو ينكر، فإن أقر، فإذا
أنكر يستحلف.... ليقوم ذلك مقام إقراره.
(5/450)
الفصل السادس في
التصرفات في الآبق
بيع الآبق من الأجنبي أو من ابن صغير له لا يجوز، وبيعه ممن في يده يجوز،
وهبته من الأجنبي لا يجوز، وإن وهب من ابن صغير له؛ إن كان مرة أبقى إلى
دار الإسلام، وإن أبق إلى دار الحرب؛ اختلف فيه المشايخ، وروى قاضي الحرمين
أنه لا يجوز، ويجوز إعتاقه عن كفارة ظهاره، ولو وكل المولى رجلاً يطلب
الآبق، فأصابه الوكيل، وهو لا يعلم به، ثم باعه المولى من إنسان، ولا يعلم
البائع والمشتري أن الوكيل أصابه فالبيع باطل، حتى يعلم أن الوكيل أصابه،
وإن أخذ الآبق رجل، وآجره الآخذ فالأجرة له؛ لأنها وجبت بعقده، ويتصدق بها؛
لأنها حصلت بكسب خبيث، فإن دفعه إلى المولى مع القيد، وقال: هذه غلته عندك،
وقد سلمته لك فهي للمولى، ولا يحل للمولى أكلها قياساً؛ لأن حق الفقراء
أثبت فيها حين وجب التصدق، فلا يملك الآخذ إسقاطها، ويحل استحساناً؛ لأن
الخبث إنما تمكن فيها لعدم رضا المولى، فإنما يظهر ذلك في حق الآخذ؛ لا في
حق المولى، فيزول الخبث عند التسليم إلى المولى.
(5/451)
|