المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الشركة
هذا الكتاب يشتمل على ثمانية فصول
1 * في بيان أنواع الشركات، وشرائطها، وحكمها
2 * في الألفاظ التي تصح الشركة بها والتي لا تصح
3 * في المفاوضة
4 * في العنان
5 * في الشركة بالوجوه
6 * في الشركة بالأعمال
7 * في تصرف أحد الشريكين في الدين المشترك
8 * في المتفرقات

(6/3)


الفصل الأول في بيان أنواع الشركات، وشرائطها، وحكمها
فأما بيان أنواعها فنقول: شركة العقود أنواع ثلاثة: شركة بالمال، وشركة بالوجوه، وشركة بالأعمال، وكل ذلك على وجهين؛ مفاوضة وعنان، وشرط جواز هذه الشركات كون المعقود عليه عقد الشركة قابلاً (134ب2) للوكالة؛ لأن المقصود من هذه العقود الشركة في التصرف، والشركة في التصرف إنما تثبت إذا صار كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في التصرف، فيشترط كون ما عقدا عليه عقد الشركة قابلاً للوكالة لهذا.
ثم الشركة إذا كانت بالمال لا تجوز عناناً كان أو مفاوضة؛ إلا إذا كان رأس مالهما من الأثمان التي لا تتعين في عقود المبادلات؛ نحو الدراهم والدنانير، فأما ما يتعين في عقود المبادلات نحو العروض، فلا تصح الشركة بها سواء كان ذلك رأس مالهما أو رأس مال أحدهما، وإنما لا تصح الشركة بالعروض لما أشار إليه في «الكتاب» : أن رأس المال مجهول، ومعناه أن العروض ليست من ذوات الأمثال، وعند القسمة لا بد من تحصيل رأس المال أولاً ليظهر الربح، فإن كان رأس المال عروضاً فتحصيله عند القسمة يكون بطريق الحزر والظن، فلا يثبت اليقين به، ولمعنى آخر أن كل واحد من الشريكين يصير وكيلاً عن صاحبه بالتصرف، فإذا كان رأس المال عروضاً صار كل واحد موكلاً صاحبه ببيع متاعه على أن يكون له بعض ربحه، وذلك لا يجوز؛ لأن الوكيل بالبيع يكون أميناً ليكون هذا ربح ما لم يضمن في حقه، وإنه لا يجوز، وإذا كان رأس المال دراهم أو دنانير؛ صار كل واحد منهما موكلاً صاحبه بالشراء بماله على أن يكون له بعض الربح وذلك جائز؛ لأن الوكيل بالشراء يكون ضامناً للثمن في ذمته، فيكون هذا ربح ما قد ضمن وإنه جائز.
ويشترط مع ذلك أن يكون رأس المال عيناً، إما حاضراً في المجلس، أو غائباً عن المجلس؛ مشاراً إلى مكانه؛ حاضراً عند الشراء.
وذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» ، والشيخ أبو الحسن القدوري: أن من دفع إلى رجل ألف درهم، وقال: أخرج من عندك ألفاً مثل هذه الألف واشتر بها وبع، فما ربحت من شيء فهو بيننا، ففعل المأمور كذلك، فهو جائز، وإن لم يكن المال حاضراً في مجلس العقد، ولا مشاراً إلى مكانه، واكتفي بوجوده عند الشراء.
وأما التبر من الذهب والفضة، فقد جعله في كتاب الشركة من «الأصل» بمنزلة العروض، فلم تجز الشركة بها، وفي صرف «الأصل» جعله بمنزلة الأثمان فجوز الشركة بها.

قال شمس الأئمة السرخسي: والحاصل: أن المعتبر في هذا العرف، ففي كل بلد

(6/5)


جرى التعامل بالمبايعة بالتبر، فهو بمنزلة الأثمان لا يتعين في العقود، وتجوز الشركة به، وفي كل بلد لم يجز التعامل بالمبايعة بالتبر، فهو بمنزلة العروض يتعين في العقود، ولا تجوز الشركة به.

فأما الفلوس فالمشهور من قول أبي حنيفة: أن الشركة والمضاربة بها لا تجوز، وعن محمد وزفر: تجوز، محمد وزفر يقولان: إن الفلوس ما دامت رائجة، فهو بمنزلة النقود، وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا: الرواج من الفلوس عارض باصطلاح الناس، وذلك يتبدل ساعة فساعة، فلو جوز بالشركة بها أدى إلى جهالة رأس المال عند قسمة الربح إذا كسدت تلك الفلوس؛ لأن رأس المال عند قسمة الربح يحصل باعتبار المالية؛ لا باعتبار العدد، ومالية الفلوس تختلف بالرواج والكساد.
وأما الشركة بالمكيلات والموزونات فقيل: الخلط في جنس واحد في الجنسين المختلفين قبل الخلط وبعد الخلط لا يجوز بالاتفاق، وأما بعد الخلط في جنس واحد، وفي المعدودين إذا اتفقا في المقدار على قول أبي يوسف: لا تصح الشركة، ويكون المخلوط بينهما شركة ملك حتى لو تصرفا وربحا، فالربح بينهما على قدر الملك، وقال محمد: تصح الشركة والربح بينهما على الشرط، فكلام أبي يوسف ظاهر، إن قبل الخلط إنما لا تجوز الشركة؛ لأنها تتعين بالتعيين، وهذا المعنى لا تبطل بالخلط، وما يتعين بالتعيين لا يصلح أن يكون رأس ماله الشركة.
ومحمد رحمه الله يقول: بأن المكيلات والموزونات عرض من وجه، ثمن من وجه، ألا ترى أن الشراء بها ديناً في الذمة يصح، وإنه حكم الثمن ويتعين في العقود بالتعيين، وإنه حكم العروض، فمن حيث إنه عرض لم يجز الشركة بها قبل الخلط في الجنس الواحد، ومن حيث إنه ثمن جوز الشركة بها بعد الخلط؛ وهذا لأن باعتبار الشبهين تحقق إضافة عقد الشركة إليها، فيتوقف ثبوته على ما يفوتها، وهو الخلط؛ لأن بالخلط تثبت شركة الملك لا محالة، فتتأكد شركة العقد أيضاً، وفي الجنسين المختلفين: إنما لا تصح الشركة على قول محمد بعد الخلط؛ لأن عقد الشركة عنده يثبت بعد الخلط باعتبار المخلوط، فعند اختلاف الجنس المخلوط ليس من ذوات الأمثال.
ألا ترى أن متلفه يضمن القيمة دون المثل؛ لأنه لا مثل له، فلا يكون الجنس واحداً فالمخلوط من ذوات الأمثال، فيمكن تحصيل رأس مال كل واحد منهما وقت القسمة باعتبار المثل، فأما إذا كان الجنس واحداً فالمخلوط من ذوات الأمثال، فيمكن تحصيل رأس مال كل واحد منهما وقت القسمة باعتبار المثل في الجنس المختلف إذا عملا بذلك؛ إن كانا لم يخلطا أخذ كل واحد رأس ماله كراً مثل كره، وإن كانا قد خلطا، فالثمن يقسم بينهما على قدر قيمة طعام كل واحد منهما يوم خلطاه مخلوطاً، وإنما اعتبر قيمتها يوم الخلط؛ لأن قسمة الثمن بينهما باعتبار الخلط، فيعتبر القيمة يوم الخلط، وإنما اعتبر قيمتها مخلوطاً؛ لأن استحقاق الثمن بمقابلة البيع، والمبيع دخل في البيع مخلوطاً، وإن كان أحدهما يزيده الخلط ضرراً، فإنه يضرب بقيمته يوم يقتسمون غير مخلوط.

(6/6)


ومعنى المسألة: أن قيمة الشعير تزداد إذا خلط بالحنطة، وقيمة الحنطة تنقص إذا اختلطت بالشعير، فصاحب الشعير يضرب بقيمة الشعير غير مخلوط، وصاحب الحنطة يضرب بقيمة الحنطة مخلوطة؛ لأن الزيادة في الشعير حصلت من مال صاحب الحنطة، فلا يستحق صاحب الشعير الضرب بتلك الزيادة، والنقصان في الحنطة حصل بفعل رضي به صاحب الحنطة، وهو الخلط، وقيمة ملكه عند البيع ناقص، فلا يستحق الضرب إلا بذلك القدر، وطعن عيسى بن إبان في الفصلين جميعاً فقال: قول محمد في الفصل الأول: يعتبر قيمة متاع كل واحد منهما يوم خلطاه، وفي الفصل الثاني: يعتبر قيمة متاع كل واحد منهما يوم يقتسمون غلط، والصحيح: أنه يعتبر قيمة متاع كل واحد منهما يوم وقع البيع؛ لأن استحقاق الثمن بالبيع، وهكذا ذكر محمد في «المنتقى» ، ومما ذكر في «المنتقى» : أن في المسألة روايتين.
وإن أراد تجويز الشركة بالعروض فالحيلة في ذلك أن يبيع كل واحد منهما نصف عروض نفسه بنصف عروض صاحبه حتى صار مال كل واحد منهما مشتركاً بينهما شركة ملك، ثم يعقدان عقد الشركة بعد ذلك إن شاءا مفاوضة، وإن شاءا عياناً، وتصير العروض رأس مال الشركة، والعروض بعدما صار مشتركاً بينهما شركة ملك يصلح رأس مال الشركة، (135أ2) وإن كان قبل ذلك لا يصلح.
وكذلك إذا كان لأحدهما دراهم، وللآخر عروض ينبغي أن يبيع صاحب العروض نصف عروضه بنصف دراهم صاحبه، ويتقابضان به مشتركان؛ إن شاءا مفاوضة، وإن شاءا عياناً؛ هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الشركة قبل باب بضاعة المفاوض.
وفي «المنتقى» هشام عن محمد: عبد بين رجلين اشتركا فيه شركة مفاوضة أو عيان فهو جائز.

وفيه أيضاً: رجل له طعام، ورجل له طعام، فاشتركا عليهما، وخلطاهما وأحدهما أجود من الآخر، فالشركة في هذا جائزة والثمن بينهما نصفان؛ قال: من قبل أن هذا أشبه البيع معنىً لخلطهما على أنه بينهما. وقال في موضع آخر في هذا الكتاب: يقسم الثمن بينهما على قدر قيمة الجيد والرديء.
ولو كان رأس مال أحدهما دراهم، ورأس مال الآخر دنانير؛ جازت الشركة عند علمائنا الثلاثة عناناً كان أو مفاوضة في المشهور، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن المفاوضة لا تجوز، وهكذا روي عن أبي يوسف، وعند زفر والشافعي لا تجوز الشركة أصلاً عناناً كان أو مفاوضة.
وهذا بناءً على أن عند زفر الخليط شرط صحة الشركة، فلا يصح بمالين لا يختلطان، وعندنا الخلط ليس بشرط لصحة الشركة، فيصح بمالين لا يختلطان؛ هذا كله بيان شرائط جواز الشركة بالمال عناناً كان أو مفاوضة.

ثم تختص المفاوضة بزيادة شرائط، فمن جملة ذلك التنصيص على المفاوضة حتى إنهما إذا لم يتلفظا بلفظ المفاوضة كانت الشركة عناناً؛ هكذا عن أبي حنيفة؛ قال شمس

(6/7)


الأئمة السرخسي في «شرحه» : تأويل هذا أن أكثر الناس لا يعرفون جميع أحكام المفاوضة قائماً مقام ذلك كله، فإن (كان) المتعاقدان يعرفان أحكام المفاوضة صح العقد بينهما إذا ذكرا معنى المفاوضة وإن لم يصرحا بلفظها؛ لأن العبرة للمعنى دون اللفظ.
ومنها: أن تكون عامة في عموم التجارات؛ إليه أشار محمد في «الكتاب» وذكر شيخ الإسلام في آخر باب شركة المفاوضة أنها لا تجوز في نوع خاص أيضاً.
ومنها: أن يكون كل واحد منهما من أهل الكفالة؛ بأن كانا بالغين عاقلين حرين؛ لأن حكم هذه الشركة صيرورة كل واحد منهما من أهل الكفالة بأن كانا بالغين عاقلين حرين؛ لأن حكم هذه الشركة صيرورة كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه فيما يلحقه من ضمان التجارات فيهما على ما يتبين بعد هذا إن شاء الله تعالى.

ومنها: أن رأس مالهما على السواء من حيث القدر؛ إن كانا من جنس واحد ونوع واحد، وإن كانا من جنسين مختلفين نحو الدراهم والدنانير، أو كانا من جنس واحد؛ إلا أنه اختلف نوعهما؛ نحو المكسور مع الصحاح؛ يشترط مع ذلك التساوي في القيمة، وإنما شرطنا التساوي في رأس المال في هذه الشركة عملاً بقضية لفظ المفاوضة، فإن المفاوضة مشتقة من المساواة، وعن هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية: إن المفاوضة لا تجوز إذا كانا من رأس مال أحدهما دراهم، والآخر دنانير؛ لأن المساواة بين الدراهم، والدنانير إنما تكون بالقيمة.
وطريق معرفة ذلك بالحزر والظن، وفي ظاهر الرواية يجوز؛ لأن الجنس واحد من حيث المعنى.
ولو كان لأحدهما دراهم بيض، وللآخر سود، وبينهما فضل فيه لم تصح المفاوضة في المشهور من الرواية، وعن أبي يوسف أنه يجوز؛ لأنه لا قيمة للجودة في الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها.
ومن جملة ذلك: أن يستويا في الربح، وأن لا يكون لكل واحد منهما من المال الذي يجوز عليه عقد الشركة سوى رأس المال الذي شارك به صاحبه ابتداءً، وإنها على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ثم إذا صحت الشركة بالمال، فإن كان مفاوضة صار كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه فيما يلزمه من ضمان التجارات، وما يجوز أن يكون واجباً بالتجارة، وما يشبه ضمان التجارة، ويصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه فيما وليه صاحبه من التجارات، فيكون مخاصماً فيما وليه صاحبه بحكم الوكالة، فيكون مخاصماً منه بحكم الكفالة، ويصيران في جميع أحكام التجارة بمنزلة شخص واحد، وإنما فعلنا هكذا لما ذكرنا أن اللفظ يقتضي التساوي فيجب اعتبار التساوي في جميع ما يجب لهما وعليهما فيما يجوز أن يكون داخلاً تحت الشركة.

وإن كانت الشركة عناناً يصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في عقود التجارات، ولا يكون كل واحد وكيلاً عن صاحبه في استيفاء ما وجب بعقد صاحبه.

(6/8)


والحاصل: أن في هذه الشركة حقوق العقد ترجع إلى العاقد لا غير، ولا يصير كل واحد منهما كفيلاً عن صاحبه حتى لا يؤخذ كل واحد منهما بما لزم صاحبه؛ هذا كله بيان شرائط الشركة بالمال وحكمها.
جئنا إلى الشركة بالوجوه، فصورتها أن يشترك اثنان ولا مال لهما في نوع خاص، أو في الأنواع كلها على أن يشتريا ويبيعا، وما رزق الله تعالى من شيء فهو بينهما فهذه الشركة جائزة عندنا، وإنما سميت هذه الشركة شركة الوجوه؛ لأنه إنما يشتري بالنسيئة من له وجاهة عند الناس.
وطريق جواز هذه الشركة: أن يجعل كل واحد منهما في التصرف من وجهه وكيلاً عن صاحبه فيقع المشترى مشتركاً بينهما؛ ألا ترى أنه قال: اشتر هذه العين على أن تكون بيننا كان ذلك جائزاً؛ كذا ههنا، وهذه الشركة قد تكون مفاوضة، وقد تكون عناناً، فشرط المفاوضة أن يكونا من أهل الكفالة، وأن يكون الملك في المشترى ههنا نصفين، وثمن المشترى عليها نصفان، وأن يتساويا في الربح، وأن تكون عامة إلا على قول شيخ الإسلام، والتلفظ بلفظ المفاوضة على التأويل الذي ذكره شمس الأئمة السرخسي على ما مر، والعنان بينهما يجوز مع اشتراط التفاضل في ملك المشترى، وينبغي أن يشترط الربح في هذه الشركة على قدر اشتراط ما لهما في المشترى؛ حتى لو تفاضلا في ملك المشترى، واشترطا التساوي في الربح بينهما، أو كان على العكس لا يجوز هذا الشرط، ويكون الربح بينهما على قدر ما شرطا الملك بينهما؛ وهذا لأن اشتراط الربح لأحدهما أكثر مما شرط له من نصيبه من الملك اشتراط الربح من غير ملك ولا ضمان، والربح إنما يستحق بالملك؛ كما في رب المال في باب المضاربة، أو بالضمان كالاستلام إذا تقبل العمل وألقاه على تلميذه بأقل من ذلك الأجر الذي يقبل العمل به؛ يطلب له الفضل، وإنما يطلب له الضمان أما بدون ذلك لا يصح الربح؛ ألا ترى أن من قال لغيره: اعمل في مالك على أن لي بعض الربح لا يجوز.

فإن قيل: يجوز أن يكون فضل بالربح لفضل العمل والربح يستحق بالعمل، ألا ترى أن المضارب يستحق الربح، وإنما يستحقه بالعمل.
قلنا: إنما يستحق الربح بالعمل إذا كان العمل في مال معلوم؛ كذا في المضارب، ولم يوجد ههنا.
m
في «المنتقى» : إذا أراد الرجلان أن يشتركا شركة مفاوضة، ولأحدهما دار أو خادم أو عرض، وليس للآخر شيء، واشتركا شركة مفاوضة فيعملان ذلك بوجوههما، ولم يسميا شيئاً من العروض التي لأحدهما في شركتهما كانت (135ب2) الشركة جائزة، وهي مفاوضة، والعروض لصاحبها خاصة، وهذه شركة وجوه، وكذلك إذا كان لأحدهما تبر ذهب غير مضروبة، وباقي المسألة بحالها.

جئنا إلى الشركة بالأعمال، وهي نوعان: صحيحة، وفاسدة، فالصحيحة منها أن يشترك اثنان على أن يتقبلا الأعمال من الناس، ويعملان بأبدانهما، فما رزق الله تعالى

(6/9)


من شيء فهو بينهما، فهذه الشركة جائزة، وقد تكون هذه الشركة مفاوضة عند استجماع شرائطها على ما ذكرنا، وقد تكون عناناً.

وطريق جواز هذه الشركة: أن يجعل كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه بتقبل العمل له، والتوكيل بتقبل العمل له جائز، ولأجل هذا المعنى قلنا: تصح هذه الشركة اتفقت أعمالهما، بأن اشترك قصاران أو خياطان أو اختلفت بأن اشترك خياط وحناط، وقال زفر: إن اختلفت أعمالهما لا تصح؛ لأن كل واحد منهما عاجز عن العمل الذي تقبله صاحبه، فإن ذلك ليس من عمله، فلا يحصل ما هو المقصود من عقد الشركة، ولكننا نقول: جواز هذه الشركة من حيث التوكيل بتقبل العمل، والتوكيل بتقبل العمل صحيح ممن يحسن ذلك العمل، وممن لا يحسن؛ وهذا لأنه لا يتعين على المتقبل إقامة العمل بنفسه بل له أن يقيم بأعوانه وأجرائه، وكل واحد منهما غير عاجز عن ذلك، وفي العنان من هذه الشركة يجوز شرط التفاضل في المال المستفاد بالعمل مع اشتراط التساوي في العمل، وإنما يصح اشتراط التفاضل في المال المستفاد بالعمل إذا شرطا التفاضل في العمل؛ وهذا لأن استحقاق الكسب باشتراط العمل والتقبل دون نفس العمل.
ألا ترى أنه لو عمل أحدهما دون الآخر كان الأجر بينهما على ما اشترطا، ويصير العامل كالمعين لصاحبه على إيفاء ما صار مستحقاً عليهما من العمل بعقد الشركة إذا ثبت أن استحقاق الأجر بتقبل العمل، فإنما يستحق كل واحد منهما من الأجر بقدر ما عليه من العمل، ثم في شركة التقبل إذا لم يتفاوضا لكن اشتركا شركة مطلقة، فدفع رجل إلى أحدهما عملاً، فله أن يأخذ بذلك العمل أيهما شاء، ولكل واحد منهما أن يطالب بأجرة العمل، وإلى أيهما دفع برىء بمنزله المتفاوضين عند أبي حنيفة رضي الله عنه استحساناً، قال هشام: أخبرنا محمد بذلك وهو قول محمد، وكذلك قول أبي يوسف.

قال أبو الفضل في «المنتقى» وكذا روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف من قوله وقول أبي حنيفة، وزاد فيه إذا جنت يد أحدهما، فالضمان عليهما يأخذ صاحب العمل أيهما شاء بجميع ذلك، فقد اعتبرت هذه الشركة مفاوضة في حق هذه الأحكام مع أنهما لم يتفاوضا، وهذا استحسان أخذ به علماؤنا رحمهم الله؛ لأن هذه الشركة مقتضية للضمان، فإن ما يتقبله كل واحد منهما مضمون على الآخر، ولهذا يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه، فأجروها مجرى المفاوضة في حق ضمان العمل واقتضاء البدل، وفيما عدا ذلك لم يثبتوا معنى المفاوضة في حق ضمان العمل حتى قالوا: إذا أقر أحدهما بدين من ثمن صابون، أو أشنان مستهلك، أو أجر أجير، أو أجرة تثبت لمدة مضت لم يصدق على صاحبه إلا ببينته، وسيأتي بيان هذا الأحكام، والفرق بين المفاوضة والعنان فيما بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وإذا أقعد الصانع معه رجلاً في دكانه يطرح عليه العمل بالنصف جاز استحساناً لتعامل الناس ذلك من غير نكير منكر؛ ولأن بالناس حاجة إلى ذلك، فالعامل قد يدخل بلدة لا يعرفه أهلها، ولا يأمنونه على متاعهم، وإنما يأمنون على متاعهم صاحب الدكان

(6/10)


الذي يعرفونه، وصاحب الدكان الذي لا يسرع على العامل بمثل هذا في العادة، ففي تجوز هذا العقد تحصيل غرض الكل، فإن العامل يصل إلى عوض عليه، وصاحب الدكان يصل إلى عوض منفعة دكانه، والناس يصلون إلى منفعة عمل العامل، ويطيب لرب الدكان الفضل؛ لأنه أقعده في دكانه، أو أعاره متاعه وربما يقيم صاحب الدكان بعض العمل كالخياط يتقبل المتاع، ويلي قطعه يدفع إلى آخر بالنصف؛ قال شمس الأئمة السرخسي: هذا العقد نظير عقد السلم من حيث إنه رخص فيه لحاجة الناس كالسلم، وقال الصدر الشهيد في شرح كتاب الشركة: طريق الجواز أن يجعل كأنهما اشتركا في التقبل والعمل، ثم يتقبل أحدهما ويعمل الآخر، فعلى هذا القول لو قال صاحب الدكان أنا أتقبل، ولا تتقبل أنت وأطرح عليك لتعمل بالنصف لا يجوز، وكذلك قال أبو حنيفة في الخياط يتقبل المتاع ويلي قطعه، ثم يدفعه إلى الآخر بالنصف يجوز، وكذا في سائر الصناع، قال: ولو تقبل التلميذ جاز، ولو عمل صاحب الدكان جاز أيضاً.

وأما الفاسدة من هذه الشركة: أن يشتركا في الاحتطاب، والاحتشاش وطلب الكنوز، وما أشبه ذلك من الأشياء التي تملك بالأخذ من المباحات وهذا يبنى على الأصل الذي تقدم أن من شرط جواز الشركة أن يكون ما عقد عليه عقد الشركة قابلاً للوكالة، والتوكيل بهذه الأنواع لا يجوز، وبقبول الأعمال من كل صانع يعمل بالأجرة يجوز التوكيل، فلهذا جاز ذلك النوع، ولم يجز هذا النوع، وإنما جاء الفرق بين النوعين في صحة التوكيل وعدم صحته؛ لأن التوكيل أمر بالتصرف، فإنما تصح إذا حصل الأمر فيما هو ملك الموكل كما في بيع شيء من ماله، وكذا في شراء شيء له؛ لأن الشراء إيجاب في ذمته، وذمة خالص ملكه، وفي شركة التقبل كل واحد أمر صاحبه بإيجاب بعض العمل في ذمته، فيضمن الآمر، وفي أخذ المباحات لم يوجد الأمر بالتصرف في ملكه، فلم يصح الأمر.

الفصل الثاني في الألفاظ التي تصح الشركة بها والتي لا تصح
قال محمد رحمه الله: إذا اشتركا بغير مال على أن ما اشتريا اليوم فهو بينهما، وخصا صنفاً أو لم يخصا فهو جائز، وكذلك إذا قالا هذا أشهر، وكان ينبغي أن لا يجوز إذا لم يبينا جنس ما يشتريانه في الصفة أو مقدار البدل؛ لأن مبنى الشركة على الوكالة، ومن وكل رجلاً بأن يشتري له شيئاً بهذه الدراهم؛ لا يجوز ما لم يبين الجنس والصفة، أو مقدار الثمن.
والجواب: أن الشركة في معنى وكالة فوض إلى الوكيل الرأي فيما يشتري بأن يقول له: اشترِ لي اليوم ما شئت وذلك جائز، فكذا الشركة، وإنما قلنا: إن الشركة بهذه الصفة التي ذكرنا؛ لأن المقصود من الشركة طلب الربح، وإنما يحصل بهذا المقصود إذا صار الرأي مفوضاً إلى كل واحد منهما في التصرف، وإذا جازت هذه الشركة هل يتوقت

(6/11)


بالوقت المذكور حتى لا يبقى بعد مضي الوقت؟ لم يذكر محمد هذا الفصل في «الأصل» ، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: أنه مؤقت، وضعف الطحاوي هذه الرواية.

وقال: نص في كتاب وكالة «الأصل» أن من وكل رجلاً ليشتري له عبداً اليوم، أو ليبيع له عبداً اليوم إن الوكالة لا تتوقت باليوم، وغيره من المشايخ صححوا هذه الرواية وقالوا: ما ذكر في الشركة تصير (136أ2) رواية في الوكالة، وما ذكر في الوكالة تصير رواية في الشركة، فصار في المسألة روايتان على قول هؤلاء وهو الصحيح.
ولم يذكر محمد في «الأصل» ما إذا لم يذكر لفظة الشركة، ولكن قال أحدهما للآخر: ما اشتريت اليوم من شيء، فهو بيني وبينك ما حكمه وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يصح؛ إلا إذا ذكر لفظة الشركة، أو ما يدل على الشركة؛ بأن قال: ما أشتري اليوم وما اشتريت، فهو بيني وبينك، أما بدون ذلك لا يجوز ما لم يكن الرأي مفوضاً إلى الوكيل بأن قال: إذا اشتريت ما رأيت اليوم، أو ما شئت اليوم، فهو بيننا.
وروى أبو سليمان عن محمد أنه يجوز، وتثبت الشركة بهذا القدر؛ لأنهما ذكرا حكم الشركة إن لم يذكرا عقد الشركة، والعقد يصير مذكوراً بذكر حكمه ألا ترى أنهما لو ذكرا الشراء من الجانبين يجوز، وإن لم يذكرا الشركة لما ذكرا حكمة الشركة.
وجه ما روي عن أبي حنيفة: أنهما لم يذكرا الشركة، ولم يذكرا حكمة الشركة على الخصوص؛ لأن حكمة الشركة على الخصوص أن يصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه، ولم يذكرا ذلك، فلم تثبت الشركة لا نصاً ولا اقتضاء فبقيت وكالة، والوكيل بشراء شيء مجهول الجنس لا يجوز ما لم يكن الرأي مفوضاً إليه بخلاف ما لو ذكرا شراءهما؛ لأنهما ذكرا ما هو حكم الشركة على الخصوص فثبتت الشركة اقتضاءً بذكر الحكم، والشركة جائزة وإن كان المشترى مجهول الجنس.

قال: وكذلك إذا لم يذكرا للشركة وقتاً بأن اشتركا على أن ما اشتريا فهو بينهما؛ لأنهما لما جعلا ما يشتريه كل واحد منهما بينهما علم أنهما أرادا الشركة؛ لأن الوكالة في العادة لا تقع من الطرفين، والشركة لا تفتقر إلى تسمية ما يشتريانه، ولا إلى ذكر الوقت بخلاف الوكالة؛ إذا فوض الرأي إلى الوكيل مطلقاً فيما يشتريه منه؛ إلا أن يقول: ما اشتريت من شيء لي فهو جائز حيث لا بد فيها من ذكر الوقت؛ نحو أن يقول: اليوم، أو شهر كذا، ويذكر مبلغ الثمن، أو نوع ما يشتريه كالبر والدقيق؛ لأن هذه الوكالة، وإن جرت مجرى الشركة بتفويض الرأي فيه إلى الوكيل حتى احتملت الجهالة؛ إلا أنها وكالة مطلقه، ومن حكم الوكالة الخصوص حتى إن من قال لغيره: وكلتك في هذا المال؛ كان وكيلاً بالحفظ؛ لأنا لو جوزناها مطلقة من غير تخصيص؛ جعلناها شركة من كل وجه، وإنها ليست بشركة من كل وجه، فقلنا: إذا وقت المدة، أو سمى النوع أو الثمن، فقد ظهر معنى الخصوص من وجه، فيجوز وإن أطلق لا يجوز.

(6/12)


وفي «المنتقى» عن أبي يوسف: في رجلين قالا: ما اشترينا من شيء فهو بيننا نصفان، فهو جائز وذكر عين هذه المسألة في موضع آخر من «المنتقى» عن أبي يوسف وقال: إذا قالا: أردنا بهذا الكلام الشركة فهو جائز وإلا فهو باطل.
وفيه أيضاً: الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رضي الله عنه في رجل قال لآخر: ما اشتريت من أصناف التجارة فهو بيني وبينك فقبل ذلك صاحبه فهو جائز، وكذلك إذا قال: اليوم، وما اشترى ذلك اليوم كان بينهما نصفان، وكذلك لو قال كل واحد منهما لصاحبه ولم يؤقتا، وكذلك إذا قال: ما اشتريت من الدقيق، فهو بيني وبينك، وليس لواحد منهما أن يبيع حصة صاحبه مما اشترى إلا بإذن صاحبه؛ لأنهما اشتركا في الشراء لا في البيع، ولو قال: إن اشتريت اليوم عبداً، فهو بيني وبينك، وليس لواحد منهما أن يبيع حصة صاحبه مما اشترى إلا بإذن صاحبه؛ لأنهما اشتركا في الشراء لا في البيع، ولو قال: إن اشتريت اليوم عبداً، فهو بيني وبينك فالشركة باطلة، ولو قال: عبداً خراسانياً فهو جائز.
وفيه أيضاً: بشر بن الوليد عن أبي يوسف: رجل قال لآخر: ما اشتريت من شيء فهو بيني وبينك، فقال: نعم، قال: هذه الشركة غير مسماة ولا معلومة، وإن قال: ما اشتريت اليوم من شيء فهو بيني وبينك فهذا جائز، وكذلك إن وقت سنة، وإن لم يوقت وقتاً إلا أنه وقت من المشترى مقداراً بأن قال: ما اشتريت من الحنطة إلى كذا فهو بيني وبينك، فهذا جائز، وإن سمى صنفاً من البيوع ولم يبين فيه وقتاً من الأيام ولا بين المقدار، فقال: ما اشتريتَ من الحنطة من قليل أو كثير فهو بيني وبينك، ولم يؤقت ثمناً، فإن هذا لا يجوز، وكذلك الدقيق والأشياء كلها، وكذلك إذا قال: ما اشتريتَ في وجهك هذا فبيني وبينك، وقد خرج في وجه، أو قال بالبصرة، فهو باطل حتى يؤقتا ثمناً أو بيعاً أو أياماً.

إذا قال الرجل لغيره: اشترِ عبد فلان بيني وبينك، فقال المأمور: نعم، ثم ذهب وأشهد وقت الشراء أنه اشترى لنفسه خاصة، فالعبد بينهما على الشركة؛ لأنه وكيل من جهة الآمر في نصف العبد، والوكيل لا يعزل نفسه بغير علم الموكل، وقال أبو حنيفة في «المجرد» : إذا أمره بشرائه فسكت، ولم يقل: نعم ولا لا، حتى قال عند الشراء: أشترِيه لنفسي يكون له، ولو قال: اشهدوا أني أشتريه لفلان كما أمرني، ثم اشتراه، فإن اشتراه وسكت عند الشراء، ثم قال بعد الشراء: اشتريتها لفلان الآمر؛ كان لفلان إذا كان سالماً، ولو قال ذلك بعدما حدث به عيب لم يقبل قوله إلا أن يصدقه الآمر.
ولو أن رجلاً أمر رجلاً أن يشتري له عبد فلان بينه وبينه، فقال المأمور: نعم، ثم لقيه رجل آخر، فقال: اشترِ عبد فلان بيني وبينك، فقال: نعم، ثم اشتراه المأمور، فهو بين الآمرين، ولا شيء للمأمور من العبد؛ لأن الأول أمره بشراء نصف العبد له، وصار المأمور بحال لا يملك شراء ذلك النصف حال عينه الآمر ما بقيت الوكالة، فلا يملك الشراء لغيره من طريق الأولى، فانصرفت الوكالة الثانية إلى النصف الآخر الذي يملك

(6/13)


الوكيل الشراء لنفسه، ولغيره تصحيحاً للوكالة الثانية فصار النصف الآخر مستحقاً للثاني والنصف الأول كان مستحقاً للأول، فخرج المأمور من البين قالوا: وهذا إذا قبل الوكالة من الثاني بغير محضر من الأول، فأما إذا قبل الوكالة بمحضر من الأول؛ يكون العبد بين الآمر الثاني، وبين المأمور نصفين، وهكذا ذكر في «المنتقى» ؛ وهذا لأنه لما قبل الوكالة والوكيل يملك عزل نفسه حال حضرة الموكل، ولا يملك ذلك حال غيبته.
ولو لقيه ثالث بعد ذلك، وقال له: اشترِ عبد فلان بيني وبينك فاشتراه؛ كان العبد بين الأولين ولا شيء للثالث؛ قال في «العيون» : وهذا إذا قبل الوكالة من الثالث بغير محضر من الأول والثاني، فإذا قبلها بمحضر من الأول والثاني، فالعبد بين الثالث والمشتري، ولا شيء للأول ولا للثاني.

في «المنتقى» : قال هشام: سألت محمداً يقول في رجل أمرتهُ امرأة أن يشتري ثوباً موصوفاً بعشرين درهماً بيني وبينه، على أن انقد بالدراهم، فهو جائز وهو بينهما، والشرط باطل.
فيه أيضاً: إبراهيم عن محمد: رجل قال لرجل: اشترِ جارية فلان بيني وبينك على أن أبيعها أنا؛ قال: الشرط فاسد، والشركة جائزة، قال: وكذلك كل شرط فاسد في الشركة، ولو قال: على أن تبيعها؛ كان هذا جائزاً، وهي شركة بينهما يبيعانها على تجارتهما.

في «المنتقى» : قال هشام: سمعت أبا يوسف يقول (136ب2) في رجل ليس له شيء تعال معي عشرة آلاف، فخذها شركة تشتري بيني وبينك، قال: هو جائز، والربح والوضيعة عليهما.

ومما يتصل بهذا الفصل
إذا اشترى الرجل شيئاً، فقال له آخر: أشركني فيه، فأشركه؛ هذا بمنزلة البيع، فإن كان قبل أن يقبض الذي اشترى لم يصح؛ لأن الشركة تقتضي التسوية، فمعنى قوله: أشركك فيه سويتك بنفسي فيه، وذلك تمليك النصف منه معنى قولنا: إنه بمنزلة البيع، وبيع المنقول قبل القبض لا يجوز، وإن كان ذلك بعد القبض، فإن عرف مقدار الثمن جاز، وإن لم يعرف فهو بالخيار؛ إذا عرف من أصحابنا من يقول: البيع فاسد بجهالة الثمن، فإذا صار معلوماً يرتفع الفساد، ومنهم من قال: البيع صحيح؛ لأن الثمن معلوم في نفسه، وإن لم يعرفه المشتري، فهو كشراء ما لم يره يصح؛ لأنه معلوم في نفسه، وإن لم يعرفه المشتري، ولو قبض النصف دون النصف فأشرك فيه رجلاً لم يجز فيما لم يقبض، وجاز فيما قبض، وله الخيار لتفرق الصفقة عليه.

رجلان اشتريا عبداً، أو أشركا فيه رجلاً، فهذه المسألة على وجهين؛ إما إن أشركاه على التعاقب بأن قال له أحدهما: أشركتك في العبد، ثم قال له الآخر مثل ذلك، وفي هذا الوجه كان نصف العبد لذلك الرجل، ولكل واحد من الموليين ربعه، وإن أشركاه معاً بأن قالا جملة: أشركناك في هذا العبد كان للرجل ثلث العبد استحساناً، ولو

(6/14)


أشركه أحد الرجلين في نصيبه، ونصيب صاحبه، وأجاز صاحبه كان لذلك النصف، وإن لم يجز، فله نصف نصيب المشترك، وهو الربع؛ لأن اشتراكه في نصيبه نفذ في الحال، وفي نصيب الشريك يوقف على الإجازة، وعند الإجازة يصير مشتركاً في نصيبه، فكان كل واحد منهما أشركه في نصيبه بعقد على حدة.
وعن أبي يوسف في «النوازل» : أن للرجل ثلث العبد إن أجاز شريكه، وإن لم يجز، فله سدس العبد من نصيب المشرك.
ووجهه: أن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، ولو أشركه أحدهما في كل العبد بإذن صاحبه كان للرجل ثلث العبد كذا ههنا.
رجل اشترى عبداً وقبضه، فقال له رجل: أشركني فيه ففعل، ثم لقيه آخر، فقال مثل ذلك، فإن كان الثاني يعلم بمشاركة الأول، فله ربع العبد، وإن كان لا يعلم، فله نصف العبد، وللأول النصف، وخرج المشتري من البين؛ لأنه إذا لم يعلم بمشاركة الأول يكون طالباً للاشتراك في جميع العبد، وإذا علم يكون طالباً الاشتراك في نصيبه خاصة، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في «المجرد» : وللثاني ربع العبد علم بمشاركة الأول أو لم يعلم.
وإذا اشترى رجل نصف العبد وقبضه، فقال له رجل: أشركني فيه، وهو يرى أنه اشترى الكل ففعل، فله جميع النصف الذي اشتراه المشتري، وإن كان يعلم أنه اشترى النصف فله النصف، وهو بناء على ما قلنا في المسألة المتقدمة.

ولو أن رجلاً في يديه حنطة يدعيها، فأشرك رجلاً في نصفها، فلم يقبض حتى احترق نصف الطعام، فإن شاء المشرك أخذ نصف ما بقي، وإن شاء ترك، وكذلك البيع في هذا الوجه؛ لأن الشركة والبيع وقعا على نصف الطعام، فما هلك يهلك على الحقين، وما بقي يبقى على الحقين، وله الخيار؛ إذا كان قبل القبض لتفرق الصفقة عليه، ولو استحق نصف الطعام؛ اختلف الشركة والبيع، وكان البيع على النصف الباقي، وكان الاشتراك في نصف ما لم يستحق، فيكون ذلك النصف بينهما؛ لأن بالاستحقاق تبين أن الطعام كان مشتركاً، والشركة تقتضي التساوي، وإنما يتحقق التساوي إذا كان الباقي بينهما بخلاف البيع؛ لأن البيع لا يقتضي التساوي، فانصرف إلى النصف الباقي.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: أن الشركة والبيع سواء، وله النصف كملاً في الشركة والبيع جميعاً. وقال أبو حنيفة في رجل قال لآخر: اشترِ هذا العبد وأشركني فيه، فقال: نعم، ثم اشتراه فهو بينهما، وكذلك قال أبو يوسف، وهذا استحسان.
اشترى عبداً بألف وقبضه، ثم قال لرجل: قد أشركتك، فلم يقل الرجل شيئاً حتى قال لآخر: أشركتك فيه، ثم قالا: قد قبلنا، فالعبد بينهما لكل واحد منهما النصف، وخرج المشتري من البين بمنزلة ما لو قال رجل لرجل: بعتك نصف عبدي هذا بخمسمائة، فلم يقل الرجل شيئاً؛ حتى قال لآخر: بعتك نصف عبدي هذا بخمسمائة، فقالا: قد قبلنا؛ كان لكل واحد منهما نصف العبد بخسمائة.
اشترى حنطة، وأعطى على طحنها درهماً، ثم أعطى على خبزها درهماً، فأشرك

(6/15)


رجلاً في الخبز أعطاه المشترك نصف ثمن الحنطة، ونصف النفقة، وكذلك هذا في القطن وغزله وحياكته وفي السمسم وعصره، ولو كان هو الذي طحن وخبز، أو غزل ونسج، ولم يعطه عليه أجراً، وباقي المسألة بحالها، فعليه نصف الثمن لا غير، ولا شيء عليه لعمله في «المنتقى» .

الفصل الثالث في المفاوضة
هذا الفصل يشتمل على أنواع

نوع منهافيما يوجب بطلانها بعد صحتها
إذا اشتريا بأحد المالين شيئاً، ففي القياس تبطل المفاوضة؛ لأن المشترى صار بينهما نصفان، والآخر مختص بملك رأس المال؛ لأن رأس مال كل واحد منهما قبل الخلط باقٍ على ملكه، فتنعدم المساواة.
وفي الاستحسان: لا تبطل المفاوضة؛ إما لأن المساواة لم تنعدم؛ لأن الآخر إن ملك نصف المشترى، فقد صار نصف الثمن مستحقاً عليه لصاحبه؛ ولأنه وإن انعدمت المساواة فالتحرز عنه غير ممكن عادة، فإنهما قل ما يجدان شيئاً واحداً يشتريانه بمالهما، فلا بد من أن يكون الشراء بأحد المالين سابقاً كما لو كان رأس مالهما على السواء يوم الشركة حتى صحت المفاوضة؛ صار في أحدهما فضل قبل أن يشتريا بأن ازدادت قيمة أحد النقدين بعد عقد المفاوضة قبل الشراء؛ انتقضت المفاوضة؛ لأن عقد الشركة ليس لازم فلقائه حكم الابتداء إن لم يتم المقصود، وأما لم يتم المقصود، وإنما لم يتم المقصود بالشراء، فتحول الزيادة قبل الزيادة بمنزلة الزيادة وقت العقد.
وبهذا الطريق قلنا: لو ورث أحد المتفاوضين ما يصلح أن يكون رأس مال الشركة؛ تبطل المفاوضة.
قال محمد رحمه الله: وهذا إذا اشترى بأحد المالين وزاد الآخر؛ لأن المقصود لم يتم فيما لم يشتره، فصار كأن الزيادة كانت موجودة في الابتداء، وإن حصل الفضل بعد الشراء بالمالين، فالمفاوضة على مالهما؛ لأن المقصود قد حصل بالشراء وتأتي عقد الشركة، وكذلك إذا وقع أخذ المشترى بأحد المالين، وزاد الذي وقع الشراء به بعد ذلك لا تنقض المفاوضة لما قلنا.

وإذا هلك أحد المالين قبل الشراء انتقضت الشركة؛ لأنه يأتي على ملك صاحبه، فإذا هلك فقد فات محل العقد، فيبطل العقد، فإن اشترى الآخر بعد ذلك بماله ذكر هذه المسألة في «الأصل» : في بعض المواضع أن المشترى له خاصة، وذكر في بعض المواضع أن المشترى مشترك بينهما، وذكر هذه المسألة في شرح القدوري (137أ2)

(6/16)


وجعلها على وجهين: إما أن يشترطا في عقد الشركة أن كل ما يشتريه واحد منا، فهو بيننا، وفي هذا الوجه كان المشترى مشتركاً بينهما، ولكن شركة ملك، فأما إن لم يشترطا في عقد الشركة أن كل ما يشتريه كل واحد منهما فهو بيننا.
وفي هذا الوجه كان المشترى لصاحب المال خاصة؛ قال شمس الأئمة السرخسي: في شركة ما ذكر في «الأصل» في بعض المواضع: أن المشترى له خاصة محمول على ما إذا أطلقا عقد الشركة، ولم يشترطا أن ما يشتريه كل واحد منا فهو بيننا، وما ذكر في بعض المواضع أن المشترى مشترك بينهما؛ محمول على ما إذا شرطا في عقد الشركة أن كل ما يشتريه كل واحد منا فهو مشترك بيننا بما ذكره القدوري؛ وهذا لأنهما إذا شرطا في عقد الشركة أن ما يشتريه كل واحد منا فهو بيننا، فهلاك أحد المالين إن بطلت الشركة لم تبطل الوكالة، فيكون المشترى بينهما، ولا كذلك إذا أطلقا عقد الشركة.

وإن هلك واحد من المالين حتى اشتريا شيئاً بأحد المالين، ثم هلك الآخر هلك على مال صاحبه، وانتقضت الشركة في الهالك، ويكون المشترى مشتركاً بينهما؛ لأن الشركة كانت قائمة حتى اشتريا بأحد المالين، وصار المشترى مشتركاً بينهما، فلا ينتقض ذلك بهلاك المال الآخر بعد ذلك؛ بعد هذا قال أبو الحسن: المشترى مشترك بينهما شركة ملك حتى لا ينعقد بيع أحدهما في جميعه؛ لأن المشترى مشتركاً بينهما شركة عقد؛ فانتهت الشركة نهائياً فلا يتعين هذا الحكم بهلاك المال الآخر بعد ذلك.

وإن أنكر أحد المتفاوضين المفاوضة انفسخت المفاوضة؛ هكذا ذكر شيخ الإسلام في أول باب خصومة المفاوضين المفاوضة انفسخت المفاوضة بينهما، ويجب أن يكون الحكم في جميع الشركات هكذا، فإذا فسخ أحد الشريكين الشركة، ومال الشركة أمتعة صح الفسخ بخلاف المضاربة؛ هكذا ذكر في «الأصل» .
وذكر الطحاوي: أنه لا يصح الفسخ، وجعلها بمنزلة المضاربة، وهذا إذا فسخ بحضرة صاحبه، فأما إذا فسخ بغيبة صاحبه، ولم يعلم صاحبه بالفسخ لا يصح الفسخ؛ سواء كان رأس المال أمتعة أو كان دراهم، ولو مات أحد الشريكين انفسخت الشركة علم الشريك بموته أو لم يعلم، ولو كان الشركاء ثلاثة؛ مات واحد منهم حتى انفسخت الشركة في حقه؛ لا ينفسخ في حق الباقين، وإذا قال أحد الشريكين لصاحبه: لا أعمل من كسب الشركة، فهذا بمنزلة قوله: فاسختك الشركة.
وفي «المنتقى» : ثلاثة نفر متفاوضين، غاب أحدهم، وأراد الآخران الفسخ، فليس لهما ذلك دون الغائب، ولا ينتقض بنقض العقد دون البعض، وإن ورث أحد المتفاوضين ما تصح به الشركة، كالدراهم والدنانير، وصارت في يده؛ بطلت المفاوضة، وإن ورث عروضاً أو ديوناً لم تبطل المفاوضة ما لم يقبض الديون، وإن أجر أحدهما عبداً له خاصة، أو باع لا تبطل المفاوضة ما لم يقبض الأجر؛ وهذا لأن المفاوضة ليست بملازمة، وما ليس ملازم من العقود، فلدوامه حكم الابتداء، فصارت المفاوضة في حالة الدوام كالمفاوضة في الابتداء المشتركة، ثم المفاضلة في العقود في ابتداء العقد يمنع

(6/17)


انعقاد المفاوضة، فيمنع بقاؤها والمفاضلة في العروض والديون لا يمنع ابتداؤها، فلا يمنع بقاؤها، وفي كل موضع فات فيه شرط من شروط المفاوضة، وذلك ليس بشرط في العنان؛ كانت الشركة شركة عنان؛ لأن المفاوضة أعم من العنان، فيجوز إثبات العنان بلفظ المفاوضة.

نوع منه فى تصرف أحد المتفاوضين في مال المفاوضة

قال محمد رحمه الله: لكل واحد من المتفاوضين أن يشتري بجنس ما في يده حتى إذا كان في يده مكيلاً أو موزوناً، فما اشترى بذلك الجنس جاز، وإن اشترى بما ليس في يده من ذلك الجنس، فإن اشترى بالدراهم أو بالدنانير، وليس في يده دراهم ولا دنانير؛ كان المشترى خاصاً للمشتري، ولا يجوز شراؤه على الشركة، ولو جاز ذلك صار مستديناً على شريكه، وهو لا يملك ذلك إلا بإذن شريكه إذ لو ملك ذلك يزيد مال الشركة على مال انعقدت به الشركة، والشريك لم يرضَ بذلك، فأما إذا كان في يده من جنس ذلك، فهو ليس باستدانة، وروي عن أبي حنيفة: إذا كان في يده دنانير، فاشترى بدراهم جاز؛ لأنها كالعقد الواحد، فكأنه اشترى بجنس ما في يده.
وفي «الأصل» : لأحد المتفاوضين أن يكاتب عبداً من تجارتهما، وله أن يأذن له في التجارة، أو في الغلة، أما الإذن في التجارة وأداء الغلة؛ فلأنه من جملة التجارة، وأما الكتابة فلأنها اكتساب مال، ولهذا ملكه الأب، والوصي في مال اليتيم، واكتساب المال داخل تحت المفاوضة كالتجارة، وليس له أن يعتق عبداً من تجارتهما على مال؛ لأن العتق على مال ليس بتجارة، ولا هو اكتساب مال؛ لأن الملك يزول ببدل في ذمته فيفلس وله أن يزوج أمة من تجارتهما، وليس له أن يزوج عبداً من تجارتهما، على مال؛ لأن العتق على ما ليس بتجارة وبتزويج الأمة اكتساب المال بخلاف تزويج العبد، وإن زوج أمة من تجارتهما عبداً من تجارتهما لا يجوز استحساناً عند علمائنا الثلاثة، وكذلك المكاتب إذا زوج عبداً من كسبه أمة من كسبه؛ لا يجوز استحساناً، وكذلك إذا زوج أمة اليتيم من عبد اليتيم استحساناً، وله أن يشارك رجلاً شركة عنان ببعض مال، ويجوز عليه وعلى شريكه سواء كان بإذن شريكة، أو بغير إذن شريكه.

في «المنتقى» عن محمد: إذا شارك شركة مفاوضة بغير محضر من صاحبه؛ كان عناناً لا مفاوضة، وإن فعل ذلك بحضرة شريكه وشريكه لا يرضى فهذه مفاوضة بين الأولين، والذي فاوض منهما مفاوض للذي فاوضه، وإن شاركه شركة مفاوضة، وكانت عناناً، وليس له أن يفاوض؛ هكذا ذكر شيخ الإسلام في أول باب بضاعة المفاوض، وذكر شمس الأئمة السرخسي في هذا الباب، وله أن يفاوض، وذكر بعد هذا، وقال أبو يوسف: لا يجوز للمفاوض أن يفاوض.
في «المنتقى» : عن أبي يوسف في متفاوضين شارك أحدهما رجلاً شركة عنان في الرقيق، فهي جائزة، وما اشترى هذا الشريك من الرقيق فنصفه للمشتري، ونصفه بين

(6/18)


المتفاوضين نصفين، ولو أن المفاوض الذي لم يشارك اشترى عبداً كان نصفه لشريك شريكه، ونصفه بين المفاوضين؛ لأن شركة أحد المفاوضين جائز عليهما، ويجوز له أن يرهن مال المفاوضة بدين على المفاوضة إن الرهن إيفاء.

وكذلك لو رهن متاعاً من خاصته، مباعاً بدين المفاوضة، ولم يكن متبرعاً، ويرجع على شريكه بنصف الدين؛ إن كان الرهن قد هلك في يد المرتهن، ولو كان الدين على أحد المفاوضين خاصة من مهر امرأته أو أرش جنايته، ورهن بذلك مالاً من تجارتهما؛ كان ذلك جائزاً عليه وعلى شريكه؛ حتى لم يكن لشريكه أن يسترده من يد المرتهن، وإذا هلك الرهن في يد المرتهن؛ رجع عليه شريكه بنصف الدين، ولا يرجع بالزيادة (137ب2) على قدر الدين؛ لأن الزيادة على قدر الدين أمانة، ولأحد المتفاوضين أن يودع، وإن كان الدين من تجارتهما على رجل فارتهن به أحدهما رهناً، فهو جائز سواء كان هو الذي يلي المبايعة أو صاحبه؛ لأن الارتهان استيفاء، وكل واحد من المتفاوضين وكيل عن صاحبه في استيفاء الدين الواجب بتجارته، ولأحد المتفاوضين أن يدين مال المفاوضة، وأن يغذي الطعام التهنئة من مال المفاوضة، وأن يدعوا إليه استحساناً؛ يريد بقوله يدعوا إليه أن يتخذ دعوة، وإنما كان ذلك له؛ لأنه من صنع التجارة، والتجار لا يجدون بداً منه.
ألا ترى أن العبد المأذون يملك ذلك، ولا يقدر في الدعوة تقديراً، وقد قال: إن المكاتب يتصدق بما دون الدرهم، فمن مشايخنا من قال: التقدير في الصدقة تقدير في الضيافة، ومنهم من فرق بينهما، فقال: التصدق بما دون الدرهم ممكن، فأما اتخاذ الضيافة والإهداء قد لا يتهيأ بما دون الدرهم ممكن، فقد تقع الحاجة إلى الإهداء إلى جماعة، وإلى اتخاذ الدعوة لجماعة، فكان التقديرمفوضاً إلى العرف فيما يعده التجار فيما بينهم تبرعاً لا يملكه المفاوض، ثم إنما يتملك الإهداء بالمأكول من الفاكهة واللحم والخبز، ولا يملك الإهداء بالذهب والفضة؛ لأنا إنما دخلنا الإهداء في الشركة لعرف التجار، وعرفهم في إهداء المأكول، ثم ذكر اللحم في «الكتاب» ، ولم يفصل بين المشوي والنيء، فمن مشايخنا من قال: أراد به المشوي؛ إلا أن محمداً رحمه الله أطلق، ولم يقيد.
وإذا أعار أحد المتفاوضين دابة من المفاوضة من رجل، فركبها المستعير، ثم اختلفا في الوضع الذي ركبها إليه، وقد عطبت الدابة، فقال أحدهما: إما المعير، وإما شريكه: إنه جاوز الوقت، وقال الآخر: إنه لم يتجاوز، وكانت الإعارة إلى هذا المكان، فلا ضمان على المستعير؛ لأن قول أحدهما فيما دخل تحت المفاوضة كقولهما، ولو قالا: إن الإعارة كانت إلى هذا المكان؛ لا ضمان على المستعير؛ كذا ههنا، ولأحد المتفاوضين أن يودع مال المفاوضة؛ لأنه من توابع التجارة، فإذا ادعى المودع أنه قد ردها إليه، أو إلى صاحبه، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه مسلط على الرد على كل واحد منهما، فإنه كما يقوم أحدهما مقام صاحبه في الإيداع فكذا في الاسترداد، فإن جحد الذي ادعى عليه ذلك لم يضمن لشريكه بقول المودع؛ لأن يقول المودع يثبت الدفع إليه

(6/19)


في حق براءة المودع عن الضمان؛ لا في حق إيجاب الضمان على المدفوع إليه، ولكن يحلف بالله ما قبضه؛ لأن شريكه يدعي عليه ضمان نصيبه بجحوده القبض.

قال: ولو مات أحدهما، ثم ادعى المستودع أنه كان دفعها إلى الميت منهما، فلا ضمان على المودع؛ لأنه بقي أميناً، وقول الأمين في رد الأمانة مقبول، وإن ادعى أنه دفعها إلى ورثة الميت منهما فكذبوه، وحلفوا على دعواه، فهو ضامن للنصف حصة الحي من ذلك؛ لأن في نصيب الميت كان له حق الدفع إلى ورثته، فأما ليس له أن يدفع نصيب الحي إلى ورثة الميت؛ لأن ورثة الميت خلفا الميت في حقه خاصة، وليس لأحدها أن يفوض شيئاً من مال المفاوضة في ظاهر الرواية، قالوا: وينبغي أن يكون له الإعراض بما لا خطر للناس فيه.

وذكر الحسن أن على قول أبي حنيفة لأحد المتفاوضين أن يقرض مال المفاوضة من رجل من به، وله أن يبضع، وأن يدفع المال، مضاربة؛ روى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس له أن يدفع المال مضاربة، فإن أبضع أحدهما، ثم تفرق المفاوضان أي تقاسما المفاوضات، ثم استحال المستبضع بالبضاعة شيئاً، فإن علم بتفرقهما، فالمشترى للمبضع وحده، فإن لم يعلم بتفرقهما؛ كان المشترى للمبضع ولشريكه؛ لأن الإبضاع توكيل، وصح ذلك من أحدهما عليهما، والافتراق عزل منهما إياه، وحكم العزل قصداً لا يثبت في حق الوكيل قبل علمه.
قال القدوري: ولأحد المتفاوضين أن يسافر بالمال بغير إذن شريكه، وهو الصحيح من مذهب أبي حنييفة، ومحمد، وروي عن أبي حنيفة أنه ليس له ذلك، وهو قول أبي يوسف، وروي عن أبي يوسف: أنه يفرق بين ما له حمل ومؤنة وبينما لا حمل له ولا مؤنة، ثم إذا سافر على قول من جوز المسافرة، أو أذن له الشريك بذلك، فله أن ينفق على نفسه في كرائه ونفقته وطعامه، وإدامه من جملة رأس المال، وروى ذلك الحسن عن أبي حنيفة، فإن ربح حسب النفقة في مال الشركة للعرف الظاهر فيما بين التجار في الإنفاق من مال الشركة إذا كان السفر لأخذ مال الشركة.

نوع فيتصرف أحد المتفاوضين في عقد صاحبه، وفيما وجب بعقد صاحبه
إذا أقال لأحدهما في بيع باعه الآخر جازت الإقالة عليهما، وكذلك إذا أقاله أحدهما في سَلَم باشره صاحبه؛ لأن الإقالة بمعنى البيع في تحصيل الربح، فإن الربح قد يحصل بالعقد مرة، وبالإقالة أخرى، فإذا نفذ عقد أحدهما على صاحبه، فكذا الإقالة.
وإذا باع أحد المتفاوضين شيئاً بالنسيئة ومات فليس للآخر أن يطالب المشتري بشيء؛ لأنه لو طالبه بحكم الشركة؛ لأنه ليس بعاقد، والشركة قد انقطعت بالموت، ولكن لو دفع نصف الثمن إليه برىء استحساناً؛ لأنه ملكه، ألا ترى أن المشتري لو دفع الثمن إلى الموكل برىء منه استحساناً، كذا ههنا.

(6/20)


ولو باع أحد المتفاوضين شيئاً من تجارتهما، ثم إن البائع وهب الثمن من المشتري، أو أبرأه منه؛ جازت في قول أبي حنيفة ومحمد، ويضمن نصيب شريكه، وقال أبو يوسف: يصح في حصته خاصة كالوكيل الخاص إذا وهب الثمن من المشتري، أو أبرأه منه جاز في نصيبه، ولم يجز في نصيب صاحبه إجماعاً، وإذا أخرّ أحد المتفاوضين ديناً وجب لهما جاز تأخيره في نصيبه وفي نصيب صاحبه بالإجماع؛ سواء وجب الدين بعقد المؤخر، أو بعقد صاحبه، أو بعقد لها؛ لأن التأخير من توابع التجارة لا تجد التجارة بداً منه، وقد جعل فعل أحدهما في التجارة كفعلهما، فكذا في توابع التجارة.
ذكر في «المنتقى» : وإذا كان على أحد المتفاوضين دين إلى أجل، فأبطل أحدهما الأجل بطل وحل المال عليها جميعاً. ولو مات أحدهما حل على الميت حصته، ولم تحل حصة الآخر؛ لأن بموت أحدهما بطلت المفاوضة، فإنما حل المال على الميت بعد انتقاض المفاوضة.
وفيه أيضاً: المعلى عن أبي يوسف: إذا كان لرجل على المتفاوضين مال، فأبرأ أحدهما عن صحته، فهما يبرأان جميعاً من المال كله، وإذا اشترى أحدهما شيئاً من تجارتهما، فوجد الآخر به عيباً؛ كان له أن يرده؛ كما وجد الشراء منه حقيقة، وكذلك لو باع أحدهما شيئاً من شركتهما، ثم وجد المشتري به عيباً؛ كان للمشتري أن يردها بالعيب على الشريك الآخر؛ لأن البيع وجد من الآخر حكماً.

ولو وكل أحد المتفاوضين رجلاً أن يشتري له جارية بعينها، أو بغير عينها بثمن مسمى، ثم إن الآخر نهى الوكيل عن ذلك فنهيه جائز؛ لأن عزل الوكيل من جميع التجارة كالتوكيل، ثم فعل أحدهما (138أ2) في التوكيل كفعلهما، فكذا في العزل، فإن اشتراها الوكيل بعد ذلك، فهو مشترٍ لنفسه؛ لأن الوكالة قد بطلت بعزل أحدهما إياه، وإن لم ينهه عن ذلك حتى اشتراها كان مشترياً لهما جميعاً ويرجع بالثمن على أيهما شاء، وكذلك لو وكل أحدهما بأدائه فللآخر إخراجه، ولو أجر أحد المتفاوضين عبداً من تجارتهما كان للشريك الآخر أن يطالب المستأجر بالأجر لما ذكرنا أن فعل أحدهما فيما هو تجارة بمنزلة فعلهما، وللمستأجر أن يطالب الشريك الآخر بتسليم العبد؛ لأن التسليم مضمون على الآجر بعقد التجارة، وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه بعقد التجارة.

وإن آجر أحدهما عبداً له خاصة من الميراث لم يكن للآخر أن يطالب المستأجر بالأجر؛ لأن فعل أحدهما إنما جعل كفعلهما فيما هو من شركتها؛ ألا ترى أنه لو باع هذا العبد لم يكن للآخر أن يأخذ الثمن كذا ههنا؛ إذا باع أحد المتفاوضين شيئاً من متاع المفاوضة، ثم افترقا، ولم يعلم المشتري بافتراقهما؛ كان له أن يدفع جميع الثمن إلى أيهما شاء؛ لأن المشتري صار وكيلاً من جهة العاقد بتسليم جميع ما عليه إلى شريكه حالة المفاوضة، وافتراقهما عن المفاوضة عزل له عن ذلك، فلا يعمل بدون عمله، وإن علم بذلك لم يكن له أن دفع جميع الثمن إلا إلى العاقد، ولو دفع إلى الشريك الآخر برىء عن النصف دون النصف.

(6/21)


ولو وجد المشتري بالعبد عيباً لم يرده إلا على العاقد؛ لأن الرد على الآخر حال قيام المفاوضة، وقد انقطعت المفاوضة، فإن خاصم المشتري البائع في العيب حال قيام المفاوضة، ورد عليه؛ وقضي له بالثمن، أو بنقصان العبد عند تعذر الرد، ثم افترقا؛ كان له أن يأخذ به أيهما شاء؛ لأن هذا دين لزم أحدهما حال قيام الشركة، وصار الآخر مطالباً بحكم الكفالة، فلا يبطل حق صاحب الدين بالمفاوضة، ولو استحق العبد بعد الافتراق، وقد كان بعد الثمن كله قبل الافتراق، فللمشتري أن يرجع بالثمن على أيهما شاء؛ بخلاف الرد، فإن الرد بالعيب إذا حصل بعد المفارقة يرجع المشتري بالثمن على البائع، ولا يرجع على الشريك الآخر.
والفرق: أن في الاستحقاق تبين أن الثمن كان واجباً قبل الافتراق؛ لأنه قبض ما ليس له قبضه، وما يجب على أحدهما جعل المفارقة يطالب الآخر به بعد المفارقة أما بالرد لا يتبين أن الثمن كان واجباً قبل المفارقة، وإنما يجب بعد المفارقة على أحدهما، فلا يطالب به الشريك الآخر، والله أعلم.

نوع منه فى ما يلزم كل واحد من المتفاوضين بحكم الكفالة عن صاحبه
وإذا أقر أحد المتفاوضين بدين التجارة جاز إقراره عليه وعلى شريكه، وللمقر له أن يطالب أيهما شاء المقر بحكم إقراره، والشريك بحكم الكفالة، وكذلك ما يلزم أحدهما من دين في عقد التجارة؛ كالشراء والبيع والاستئجار، ويلزم صاحبه بحكم الكفالة، وكذلك البيوع الفاسدة، فأما ما يلزم أحدهما من دين في عقد التجارة ضمان غصب أو استهلاك أو خلاف في وديعة أو عارية؛ لزم شريكه من قول أبي حنيفة ومحمد وكذا الإقرار بذلك، وقال أبو يوسف: لا يلزم الشريك؛ لأن هذا ضمان وجب بسبب الجناية، فشأنه ضمان الجناية على الآدمي، ثم ما وجب على أحد المتفاوضين من ضمان الجناية على الآدمي عمداً أو خطأً لا يؤاخذ به شريكه، فكذا ههنا.

وأبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما يقولان: بأن ضمان الغصب يجري مجرى ضمان التجارات، فإنه يثبت الملك في المضمون ببدل وكذلك ضمان المستهلكات، ومن هذا الوجه صح إقرار العبد المأذون، والصبي المأذون، والمكاتب بذلك، وكل واحد منهما؛ كفيلاً عن صاحبه في ضمان التجارات بخلاف ضمان الجناية؛ لأنه لا يفيد الملك في المضمون، فلم يكن من جنس ضمان التجارة إلا إقرار الضمان على الغاصب، وعلى المستهلك حتى لو أدى شريك الغاصب لك من خالص ملكه، رجع بجميعه على الغاصب، وإن أدى من مال الشركة رجع بنصفه على الغاصب؛ لأن منفعة الغصب حاصلة للغاصب على الخصوص وهو إثبات اليد، والمتمكن من الانتفاع بخلاف الشراء الفاسد، فإن هناك إقرار الضمان لا يكون على المشتري خاصة، بل يكون عليهما؛ لأن منفعة الشراء الفاسد وهو الملك حاصلة لهما.
ولوكفل أحدهما بمال من غيره؛ فذلك لازم لشريكه في قول أبي حنيفة، وقال أبو

(6/22)


يوسف ومحمد: لا يلزم الشريك؛ لأن الكفالة تبرع؛ ولهذا لا يصح من المأذون والمكاتب، وإذا حصل من المريض يعتبر من الثلث، وكل واحد منهما ليس بكفيل عن صاحبه في التبرعات، ولأبي حنيفة أن الكفالة تبرع ابتداءً؛ يعني حالة الوقوع؛ إلا أنها متى وقعت وصحت تنقلب مفاوضة.
ألا ترى أن الكفيل يرجع بما يؤدي على المكفول عنه؛ إذا كفل بأمره ولكونها تبرعاً وقوعاً لم يصح من العبد والصبي، وإذا وقعت وصحت وقت الفراغ عن اعتبار معنى المفاوضة، فتلزمه بحكم الكفالة، ولوكفل أحدهما بنفس لم يوجد بذلك شريكه في قولهم جميعاً؛ لأنه لا يظهر معنى المفاوضة فيها.

وإذا تزوج أحد المتفاوضين امرأة لا يؤاخذ شريكه بالمهر؛ لأن النكاح ليس بتجارة ولا اكتساب، فلا تظهر الكفالة في حقه، وكذلك لو صالحها عن نفقتها لا يلزم الشريك، من ذلك شيء كفل أحد المتفاوضين عن رجل بمهر أو أرش جناية، فهو بمنزلة كفالة بدين آخر؛ لا يؤاخذ به شريكه في قول أبي يوسف ومحمد وفي قول أبي حنيفة؛ يؤاخذ به؛ لأن الواجب على المفاوض في هذه الصورة بسبب الكفالة؛ لا بسبب الجناية والنكاح، والكفالة عنده مفاوضة.
ولو أقر أحد المتفاوضين لمن لا تقبل شهادته له بدين؛ بأن أقر لأبيه أو لابنه أو لأمته، أو ما أشبه ذلك، لم يصح إقراره في حق شريكه في قول أبي حنيفة، وعندهما يجوز إقراره لعبده، ومكاتبه على شريكه، وإنما لا يصح لما قلنا من التهمة، وإذا افترق المتفاوضان، ثم قال أحدهما: كنت كاتبت هذا العبد في الشركة؛ لم يصدق على ذلك في حق الشريك؛ لأنه أقر بما لا يملك إنشاءه للحال، ولكن يصدق في حق نصيبه، ويجعل في حق الشريك كأنه أنشأ الكتابة للحال، ولشريكه أن يرده دفعاً للضرر عن نفسه، ولكن بعدما يحلف على علمه؛ لأنه لو أقر بما أقر به شريكه فكاتباً، فإذا أنكر يستحلف، وإن قال: أعتقت هذا في الشركة؛ صح إقراره في نصيبه، ولكن لا يشتغل بتحليف الآخر ههنا؛ لأنه لو أنشأ العتق في حال حق الشريك؛ لا ينفذ إقراره في نصيب شريكه، فكذا إذا أقر بعد الافتراق بخلاف الكتابة.
رجل سلم ثوباً إلى خياط ليخيط بنفسه، وللخياط شريك في الخياطة (138ب2) شركة مفاوضة، ثم افترقا؛ لم يكن لرب الثوب أن يأخذ الشريك الآخر بالخياطة؛ لأنه لو أخذ أخذ بحكم الكفالة، والكفالة ههنا لا تصح؛ لأن هذه كفالة بخياطة رجل بعينه، وهذا بخلاف ما لو يشترط عليه أن يخيطه بنفسه، ثم افترقا، فإنه يؤاخذ الشريك الآخر بالخياطة؛ لأن الكفالة بمطلق الخياطة جائزة فلا تستقم مطالبة الآخر بعد الافتراق بحكم الكفالة.
Y

قال شيخ الإسلام في تعليل المسألة الأولى: ولهذا لم يكن لرب الثوب أن يطالب الشريك الآخر بالخياطة حال قيام المفاوضة، فبعد الافتراق أولى، وذكر شمس الأئمة السرخسي: أن لصاحب الثوب أن يطالب بالعمل منهما كشخص واحد، ولكل واحد

(6/23)


منهما قائم مقام صاحبه؛ لأن المساواة التي هي ركن المفاوضة لا تتحقق إلا به، فلا تظهر معنى الكفالة ما بقيت المفاوضة، وإنما يظهر يوماً يطالب الشريك الآخر بالخياطة؛ لأن الموجب الاتحاد وهي الشركة قد انقطعت، وإنما بقي معنى الكفالة، والكفالة ههنا غير صحيحة.... أن يأخذ أيهما شاء بالأجر، وكذلك إذا استأجر أحدهما أجيراً في شيء من أمره خاصة؛ كان للأجير أن يطالب أيهما شاء.
ولو أجر أحد المتفاوضين نفسه بخيط شي له خياطة ثوب فالأجر بينهما، ولو أجر نفسه للخدمة، فالأجر له خاصة، وكذلك إذا أجر عبداً، خالصاً له فإن كان موروثاً، فالأجر له خاصة.
والوجه في ذلك: أن في إجازة نفسه للخياطة وما أشبه ذلك من الأعمال، الأجير إنما يستوجب الأجر بنفس ذلك العمل، وإنه صحيح منه في حق صاحبه فما يجب بسببه يكون بينهما، وفي إجارة نفسه للخدمة الآجر يجب بتسليم النفس في نفسه؛ ليس من شركتهما؛ كما أن العبد الموروث له ليس من شركتهما.

نوع منه فى استحلاف كل واحد من المتفاوضين بالدعوى على صاحبه

إذا ادعى رجل على أحد المتفاوضين أنه باعه كذا بكذا، وجحد المدعى عليه، وحلفه القاضي، ثم إن المدعي أراد استحلاف الشريك الآخر؛ فالقاضي يستخلفه له على علمه؛ لأن كل واحد لو أقر بما ادعاه المدعي؛ كان إقراره ملزماً للآخر فإذا أنكر يستحلف رجاء النكول الذي هو إقرار؛ لأن المدعى عليه البيع يستحلف على فعل نفسه، فيحلف على النيات والآخر يحلف على الغير، فيحلف على العلم، وأيهما نكل عن الثمن رضي بالمدعي للمشتري بالثمن الذي ادعاه؛ لأن النكول إقرار، وإقرار أحدهما بالمبايعة يلزم أياً منها وكذلك كل ما كان من أعمال التجارة؛ إذا ادعى رجل على أحدهما يحلف القاضي المدعى عليه على ذلك؛ كان للمدعي أن يحلف الآخر؛ لأن فيما كان من أفعال التجارة، ففعل أحدهما كفعلهما، وإذا وكل واحد منهما ويلزم الآخر، فيحلف كل واحد منهما يدعي المدعي رجاء النكول الذي هو إقرار.
وأما ما ليس من أعمال التجارة إذا ادعاه رجل على أحدهما؛ لا يحلف الشريك الآخر عليه لأن ما ليس من أعمال التجارة لم يجعل فعل أحدهما كفعلهما، وإقرار أحدهما لا يلزم الآخر، فلا يكون في استحلاف الآخر فائدة، وإن كان أحد المتفاوضين ادعى شيئاً من أعمال التجارة على رجل وجحد المدعى عليه، وحلفه القاضي على ذلك، ثم أراد المفاوض الآخر أن يحلفه على ذلك، فليس له ذلك، فقد جعل استحلاف أحد المتفاوضين كاستحلافهما، ولم يجعل حلف أحد المتفاوضين في المسألة الأولى كحلفهما، والفرق: أن النيابة به تجري في الاستحلاف، ولا تجري في الحلف.

(6/24)


نوع منه فى شراء أحد المتفاوضين شيئاً لحاجة نفسه

قال في «الأصل» : وكل ما اشترى أحد المتفاوضين من التجارتين وغيرهما، فهو بينه وبين شريكه؛ لأن شراء أحدهما بحكم المفاوضة كشرائهما إلا أني أستحسن في كسوته، وكسوة عياله، وقوتهم في الطعام، والإدام أن يكون له خاصته دون شريكه؛ لأن هذا مستثنى عن حصة المفاوضة لمكان الضرورة، وللبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء؛ لأن كل واحد بحكم المفاوضة صار كفيلاً عن صاحبه فيما يلزمه بسبب الشراء، وإذا أدى أحدهما ذلك من مال الشركة؛ رجع الشريك الآخر على المشتري بنصفه؛ لأن الثمن كان عليه خاصة، وقد قضى ذلك من مال الشركة.
وإن اشترى أحد المتفاوضين جارية لحاجة نفسه ليطأها، فإن كان اشتراها بغير أمر الشريك فهي بينهما، وليس له أن يطأها؛ لأن هذا الشراء غير مستثنى عن عقد الشركة؛ لأنه لا ضرورة فيه، فبقي داخلاً تحت عموم عقد المفاوضة، وإن اشتراها بأمر الشريك، فهي له خاصة استحساناً، وللبائع أن يطالب بالثمن أيهما يشاء؛ كما لو اشترى طعاماً أو كسوة لأهله، ويكون إقرار الثمن على المشتري؛ حتى لو أدى أحدهما الثمن من مال الشركة؛ كان للشريك الآخر أن يرجع بنصف ذلك على المشتري؛ هكذا ذكر في كتاب الشركة ولم يحك خلافاً.
وذكر في «الجامع الصغير» : أن على قول أبي حنيفة رضي الله عنه؛ الجارية للمشتري بلا ثمن، وله أن يطأها، وأيهما نقد الثمن من مال الشركة، فلا رجوع على المشتري، وبين ما ذكر في «الجامع الصغير» أن ما ذكر في كتاب الشركة قولهما، فهما يقولان: الشراء وقع له خاصة، والأداء حصل من مال الشركة، فيرجع عليه شريكه نصف ذلك كما في الطعام والكسوة.

بيانه: أنه لما اشتراها بإذن صاحبه لنفسه، فقد صارت ملحقة..... وهو الكسوة والطعام؛ وهذا لأن الحاجة إلى الوطىء.... إلى أنها ليست ملازمة، فإذا أذن له في ذلك ألحقاها بالطعام، والكسوة خاصة، فيكون الثمن عليه خاصة في الطعام والكسوة، ولأبي حنيفة رحمه الله أن الشراء وقع على الشركة، والأداء حصل من مال الشركة، فلا يكون للشريك حق الرجوع على المشتري؛ كما لو اشتراها بغير إذن الشريك.
بيانه: أن قضية المفاوضة أن كل ما يتصور أن تكون الشركة أن يقع شراؤه عن الشركة إلا فيما ليس الضرورة إليه، ولا ضرورة في الجارية، فوقع شراؤها على الشركة، وإنما شراؤه الجارية خاصاً له، وحل له وطؤها؛ لا لأن الشراء وقع على الخصوص؛ بل لأن المشتري يملك نصيب الشريك بعد الشراء بتمليك من جهته، وهذا يثبت في ضمن

(6/25)


الإذن بالوطء؛ لأنه وقع وقوع الشراء على الشركة؛ لا يحل للمشتري وطؤها إلا بعد تمليك الإذن نصيبه منه بطريق الهبة، فاقتضى الإذن بالوطء شرطاً، وهو الهبة، وتصح الهبة من غير تمليك؛ كما لو ثبت البيع في قوله: أعتق عبدك عني على ألف درهم من غير إيجاب وقبول، وصار تقديره كأن الإذن قال: اشترِ هذه الجارية على الشركة؛ لم تملك نصيبي بالهبة، فإذا اشترى، وقبض تمت الهبة؛ بخلاف الطعام، والكسوة؛ لأن ذلك مستثنى عن قضية الشركة بحكم الضرورة، فكان الملك واقعاً للمشتري خاصة بنفس (139أ2) الشراء، فيكون الثمن عليه، فإن كان اشتراها بإذن شريكه ووطئها، ثم استحقت فللمستحق أن يأخذ بالعقر أيهما شاء؛ لأن العقد دين وجب بسبب التجارة، فإنه لولا الشراء؛ لكان الواجب الحد بخلاف المهر في النكاح الصحيح، والفاسد.

وفي «العيون» : إذا قال أحد المتفاوضين: إني أريد أن أشتري هذه الجارية لنفسي خاصة، فسكت شريكه، فاشتراها؛ لا تكون له ما لم يقبل شريكه، ثم فرق بين هذا، وبين الوكيل بشراء جارية بعينها إذا قال للموكل: أنا أريد أن أشتري تلك الجارية لنفسي، فسكت الموكل، فاشتراها الوكيل لنفسه، فإنها تكون له.
والفرق: أن أحد المتفاوضن لا يملك تغيير موجب المفاوضة؛ إلا برضا صاحبه، وفي الرضى احتمال، والوكيل بالشراء يملك عزل نفسه بعلم الوكيل رضا الموكل أو سخط، وقد وجد العلم، أو باع أحد المتفاوضين من صاحبه شيئاً من الشركة ليقطعه قميصاً لنفسه؛ جاز بخلاف ما إذا باع أحدهما من صاحبه شيئاً من الشركة لأجل التجارة؛ لا يجوز؛ لأن البيع في الفصل الثاني غير مفيد؛ لأن المبيع قبل هذا البيع كان مشتركاً، وبعد هذا البيع يكون كذلك، وما لا يفيد لا يرد الشرع به؛ أما في الفصل الأول فالبيع مفيد؛ لأن بعد البيع يختص المشتري بملكه، وقبل البيع كان هو على الشركة.
وكذلك لو باعه جارية ليطأها، أو طعاماً ليجعله رزقاً لأهله صح البيع؛ لأنه مفيد، ويكون نصف الثمن للبائع، والنصف للمشتري؛ كما لو باع من غيره، ولو كان لأحدهما عبد ميراثاً، فاشتراه الآخر للتجارة؛ كان جائزاً؛ لأنه مفيد، وكذلك لو كان لأحدهما أمة ميراثاً فاشتراها الآخر ليطأها؛ كان الشراء جائزاً؛ لأنه مفيد وهي له خاصة استحساناً، والثمن عليه بخلاف ما إذا اشترى جارية للوطء بإذن شريكه، فإن الثمن يكون عليهما؛ لأن إيجاب الثمن عليهما إذا كان البائع أحدهما متعذر؛ لأنه يصير كالبائع من نفسه، وإنه لا يجوز.

نوع منه فى خصومة المتفاوضين، وما يتصل بذلك
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : ادعى رجل على رجل أنه شاركه شركة مفاوضة، والمال في يد الجاحد، فالقول قول الجاحد مع يمينه، وعلى المدعي البينة، فإن جاء المدعي ببينة يشهدون على دعواه فهذا على وجوه:

إما أن يشهدوا أنه مفاوضة وأن المال الذي في يديه بينهما، أو يشهدوا أنه مفاوضة

(6/26)


وأن المال الذي في يديه من شركتهما، وفي هذين الوجهين تقبل بينته، وقضي بالمال بينهما نصفان وهذا ظاهر.
وإما أن يشهدوا أنه مفاوضة، وأن المال للذي في يده في هذا الوجه يقضى بالمال بينهما نصفان سواء شهدوا بذلك مجلس الدعوى، أو بعدما تفرقا عن مجلس الدعوى، إن شهدوا في مجلس الدعوى، فظاهر؛ لأنه ثبتت المعاوضة بشهادتهما، وثبت كون المال في يد الجاحد حال قيام المفاوضة بالمعاينة؛ وهذا لأن المعاوضة، وإن انفسخت بإنكار المدعى عليه؛ إلا أن المال كان في يده قبل الإنكار، وقبل الإنكار الحال حال قيام المفاوضة، وما في يد أحد المتفاوضين حال قيام المفاوضة يكون بينهما نصفان قضية بعقد المفاوضة، وهو التساوي وأما إذا شهدوا بعد الافتراق عن مجلس الدعوى؛ فلأن معنى قولهم: وإن المال في يده حال قيام المفاوضة لا للحال؛ لأن اليد للحال قائمة باقية معاينة لا حاجة إلى إثباتها بالشهادة، وإذا كان معنى قولهم، وإن المال في يده باطناً ثبتت المفاوضة، ويكون المال في يده حال قيام المفاوضة بالشهادة، وما في يد أحد المفاوضين حال قيام المفاوضة يكون بينهما، وأما إذا شهدوا أنه مفاوضة، فلم يزيدوا على هذا في هذا الوجه.

ذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : أنه تقبل بينته، ويقضى بالمال بينهما، وإليه أشار محمد في «الكتاب» بعد هذه المسألة، وذكر شيخ الإسلام: أنهم إن شهدوا في مجلس الدعوى تقبل الشهادة، وقضي بالمال بينهما نصفان؛ لأنه يثبت بهذه الشهادة بالمفاوضة دعوى كون المال في يده حال قيام المفاوضة بالمعاينة، وإن شهدوا بعدما تفرقا عن مجلس الدعوى لا يقضى بالمال بينهما ما لم يشهدوا أنه بينهما نصفان، أو يشهدوا أنه من شركتهما، أو بعد الحال أن المال كان في يده يومئذٍ، أو شهد الشهود بذلك؛ وهذا لأن المناصفة لو ثبتت ههنا إنما تثبت إذا ثبت كون المال في يد الجاحد حال قيام المفاوضة لا الشهادة؛ لأن الشهود لم يتعرضوا للمال، ولم يثبت كون المال في يده حال قيام المفاوضة إذا شهدوا بعدما تفرقا عن مجلس الدعوى، لجواز أنه استفاد المال بعدما تفرقا عن مجلس الدعوى.

بخلاف ما لو شهدوا بذلك في مجلس الدعوى؛ لأنه ثبت كون المال في يده حال قيام المفاوضة بالمعاينة؛ لأن المفاوضة إنما انفسخت بالإنكار، وقد عاينا المال في يده قبل الإنكار به.
إذا قضى القاضي بينهما بالمال نصفين؛ ادعى الذي كان في يده المال ما في يده لنفسه ميراثاً أو هبة، أو صدقة من جهة غير المدعي فهذه المسألة على وجوه.
إن كان شهود مدعي المفاوضة شهدوا أنه مفاوضة، فإن المال الذي في يديه بينهما نصفان، أو شهدوا أنه مفاوضة، وأن المال الذي (في يديه) من شركتهما، وفي هذين الوجهين لا تسمع دعواه، ولا تقبل بينته؛ لأنه صار مقضياً عليه بالمناصفة بالبينة، والمقضي عليه بالبينة إذا ادعى المقضي به لنفسه ملكاً مطلقاً الساعي من جهة غير

(6/27)


المدعي؛ لا تسمع دعواه، وإن شهود مدعي المفاوضة شهدوا أنه مفاوضة، وأن المال في يده، أو شهدوا أنه مفاوضة، ولم يزيدوا على هذا سمعت دعواه، وقبلت بينته عند محمد؛ خلافاً لأبي يوسف.

وجه قول محمد: أن القضاء بالمال بينهما في هذين الوجهين ما كان بحكم الشهادة؛ لأن الشهود لم يتعرضوا للمال، وإنما كان بحكم الظاهر؛ لأن الظاهر ما في يد أحد المتفاوضين يكون بينهما، والقاضي متى خصه بظاهر المال؛ لا يمنع دعوى المقضي عليه للمقضى به، وإن لم يدع تلقي الملك من جهة، الدليل عليه: مسألة البناء والأشجار، وهي في آخر كتاب الشهادات.
والدليل عليه فصل الإقرار؛ إذا أقر المدعى عليه أنه مفاوضة، ولم يزد على هذا؛ ثم ادعى أن يقضى ما في يده ميراثاً له، أو هبة، أو صدقة من جهة غير المدعي، وأقام على ذلك بينة؛ قبلت بينته وطريقه ما قلنا، ولأبي يوسف: أن القضاء بالمناصفة حصل بالبينة؛ لأن الشهود، وإن شهدوا عقد المفاوضة صورة؛ إلا أن الشهادة لعقد المفاوضة في حق القضاء حصلت شهادة بموجب المفاوضة، وهو المفاوضة إذا لم يجعل كذلك لبطلت الشهادة؛ لأن القضاء بالعقد متعذر لانفساخه بالإنكار، ولما جعل الشهادة.... كانت المفاوضة مقضياً بها بالبينة.
وأما مسألة البناء والأشجار: فمن مشايخنا (139ب2) من قال: هي على الخلاف، ومنهم من فرق بينهما على قول أبي يوسف، وهو الصحيح.
والفرق: أن القضاء بالأشجار والبناء حصل بحكم الظاهر؛ يعني به ظاهر الاتصال لا بالبينة؛ لأن شهادتهم بالأرض لم تجعل كناية عن الشهادة بالبناء؛ لأن العمل بحقيقة ما شهدوا في الأرض ممكن؛ أما ههنا بخلافه، وبخلاف الإقرار؛ لأن الإقرار بالمفاوضة لم يجعل كناية عن موجبها؛ لأن العمل بحقيقة الإقرار بالمفاوضة ممكن، فكان القضاء بالمناصفة هناك بحكم الظاهر.

ولو كان المدعى عليه ادعى شيئاً ما بيده بطريق التلقي من المدعي؛ سمعت دعواه وقبلت بينته في الوجوه كلها؛ لأن صيرورته مقضياً عليه لا يمنع دعوى تلقي الملك من جهة المقضي له.

وإذا مات أحد المفاوضين، والمال في يد الحي، فادعى ورثة الميت المفاوضة، وجحد الحي ذلك، وأقام ورثة الميت بينة أن أباهم كان شريكه شركة مفاوضة؛ لم يقض لهم شيء ما بيد الحي؛ إلا أن يشهد الشهود أن المال كان في يده حال حياة الميت؛ أو أنه من شركة ما بينهما، وفي حالة الحياة لو شهد شهود المدعي بالمفاوضة في مجلس الدعوى؛ يقضي بالمفاوضة؛ لأن في حالة الحياة عرفنا كون المال في يد المدعى عليه حال قيام المفاوضة بالمعاينة، وبعد الموت لم نعرف كون المال في يد الحي حال قيام

(6/28)


المفاوضة؛ حتى لو عرف ذلك بأن شهد الشهود أن المال كان في يد الحي حال الحياة الآن قضى بالمال بينهما، ثم إذا شهد الشهود أن المال كان في يد المدعى عليه حال حياة الميت؛ أو شهدوا أن هذا من شركة ما بينهما، وقضى القاضي بالمال بين الحي وبين ورثة الميت.
لو ادعى الحي شيئاً لنفسه مما في يده بالميراث، أو ما أشبهه، ففيما إذا شهد شهود الورثة أن هذا المال من شركة ما بينهما؛ لا تسمع دعواه بلا خلاف؛ ففيما إذا شهدوا أنه كان في يده حالة حياة أبيهم المسألة على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد.
وإذا افترق المتفاوضان ثم ادعى أحدهما أن شريكه كان شريكه بالنصف، وادعى الآخر الثلث، وقد اتفقا على المفاوضة، فجميع المال بينهما نصفان؛ لأن الذي يدعي التفاوت متناقض أو راجع عن إقراره بالمناصفة فيقتضي إقراره بالمفاوضة، وإن كان في يد أحدهما..... فذلك...... في يديه، ولا يجعل في الشركة استحساناً؛ لأن هذه الأشياء مستثنى عن عقد المفاوضة، فالإقرار بالمفاوضة لا يكون إقراراً بهذه الأشياء، بقي مجرد الدعوى.
وإذا ادعى رجل على غيره أنه شريكه شركة مفاوضة، وأن المال الذي في يده بينهما أثلاثاً، الثلثان لي، والثلث له، والمدعى عليه يجحد المفاوضة أصلاً، فأقام المدعي البينة على نحو ما ادعاه، لا تقبل هذه الشهادة قياساً.
وفي الاستحسان: تقبل على أصل المفاوضة، واختلف عامة المشايخ لوجه الاستحسان، فعبارة بعضهم: أن المدعي بدعوى المفاوضة، وإن أكذب شهوده فيما شهدوا من المالية إلى أن قضية المفاوضة التساوي، إلا (أن) هذا إكذاب معنى لا لفظاً، وأنه لا يمنع قبول الشهادة، فعلى قول هذا القائل: لو كان المدعي ادعى المفاوضة، والمناصفة، وشهد الشهود بالمالية؛ لا تقبل الشهادة قياساً واستحساناً، وعبارة بعضهم: أنه لا حاجة للشهود لإتمام الشهادة إلى ما ذكروا من المبالغة فتلغى تلك الزيادة، وتبقى الشهادة على أصل المفاوضة، ولأن من الناس من يقول: المفاوضة مع التفاوت في المال جائزة، فلعل الشهود ممن يعتقدون ذلك، ففسروا الشهادة بناء على ما اعتقدوا، ولكن القاضي يقضي بما ثبت عنده بناء على اعتقاده؛ لا على اعتقاد الشهود، وعلى قدر هذين التعليلين يبقى أن تقبل الشهادة على أصل المفاوضة؛ متى ادعى المدعي المناصفة على جواب الاستحسان.

وإن ادعى المفاوضة وأشهد الشهود بالإتلاف، وقال المدعي بعد ذلك: كانت كذلك، فعلى القياس والاستحسان؛ لأن البيان المتأخر عن الكلام عليه وقت الإجمال إذا افترق المتفاوضان، وأقام أحدهما بين أن المال كان كله في يد صاحبه، وأن قاضي كذا وكذا قد قضى بذلك عليه وهو المال، وإنه قضى به بينهما نصفان، وأقام الآخر بينة على

(6/29)


صاحبه بمثل ذلك من ذلك القاضي بعينه أو من غيره، فإن كان ذلك من قاضٍ واحد، وعلمنا التاريخ بين القضاءين أخذنا بالآخر، وهو رجوع عن الأول؛ لأن الجمع بين القضاءين متعذر، فلا بد من القضاء بأحدهما، فقضي بأحدهما، ويجعل إقدامه على القضاء الثاني وهو عالم بقضائه رجوعاً عن القضاء الأول؛ بأن ظهر له الخطأ في القضاء الأول، وإن كان ذلك من قاضيين، وعلم التاريخ بينهما أو لم يعلم؛ لزم كل واحد منهما القضاء الذي أنفذه عليه، ويحاسب كل واحد منهما صاحبه بما عليه، ويترادان الفضل؛ لأن الجمع بين القضاءين، وإن كان متعذراً؛ ليس أحدهما بتعينه للبطلان بأولى من الآخر؛ أما إذا لم يعلم التاريخ بينهما فظاهر، وأما إذا علم؛ فلأن إقدام القاضي الثاني على قضائه لا يمكن أن يجعل إبطالاً لقضاء القاضي الأول؛ إذ ليس له ولاية إبطال قضاء القاضي؛ بخلاف ما إذا كان القاضي واحداً، وعلم التاريخ بين القضاءين، (وكذلك إذا كان القاضي واحداً، وعلم التاريخ بين القضاءين) ؛ وكذلك إذا كان القاضي واحداً ولم يعلم التاريخ بين القضاءين، كان الجواب كالجواب فيما إذا كان ذلك من قاضيين؛ لأنه لا يعلم الباطل من الصحيح؛ ههنا.

وإذا مات المتفاوضان، واقتسم الورثة جميع ما تركا ثم وجدوا مالاً كثيراً، فقال أحد الفريقين: هذا لنا وكان في قسمتنا، وكذبه الفريق الآخر وقال: إنه لم يكن في قسمتكم وإنه مشترك بيننا فهذا على وجهين: إن كان المال في المنكرين، فالمال بينهما نصفان، وإن كان في يد المدعين إن أشهدوا بالبراءة، من كل شرك بينهما، فالمال للمدعين؛ لأنهما اتفقا على أن هذا المال كان مشتركاً بينهما، وأحدهما منكر انقطاع الشركة، ولم يظهر سبب انقطاع الشركة، فيكون القول قول المنكر.
فأما إذا شهدوا بالبراءة فقد ظهر سبب انقطاع الشركة، فلا يعتبر دعوى الآخر بقاء الشركة؛ هذا الذي ذكرنا إذا اتفقا أن المال كان داخلاً في الشركة؛ لكن ادعى أحدهما أنه دخل في قسمنا، فأما إذا كان المال في أحد الفريقين، فقال الذي في يديه المال: هذا المال كان لأبينا قبل المفاوضة، وكذبهم الفريق الآخر، فالمال بين الفريقين نصفين؛ أشهدوا أو لم يشهدوا بالبراءة؛ فلأن الورثة يقومون مقام المورث.
ولو ادعى المورث حال حياته أن شيئاً مما في يده كان له قبل المفاوضة، وأنكر الآخر، وقال: كان من المفاوضة لا يختص به ذو اليد وكان بينهما إذا لم يكونوا أقروا بالبراءة عن كل شرك؛ كذا ههنا، وإن شهدوا فكذلك؛ لأن في رغم المدعين أن هذا المال لم يدخل تحت البراءة؛ لأنه إنما يدخل تحت البراءة ما كان من الشركة، وقد زعموا أن هذا المال لم يكن من الشركة حيث زعموا أنه (140أ2) كان لأبيهم قبل المفاوضة، فكان حكم هذا المال بعد الإشهاد على البراءة، كحكمه قبل الإشهاد عليه.

وإذا شهد الشهود على الإقرار بالمفاوضة منذ عشر سنين، وقبل القاضي شهادتهم، ثبتت المفاوضة منذ عشر سنين وقبل ذلك؛ لأن الثابت من الإقرار بالبينة كالثابت عياناً، ولو عاينا إقرار المشهود عليه بالمفاوضة منذ عشر سنين؛ ثبتت المفاوضة منذ عشر سنين، وقبل ذلك بينهما؛ لأن الإقرار يقتضي سبق المخبرية. فكذا إذا ثبت الإقرار بالبينة. وإن

(6/30)


شهدوا على إنشاء المفاوضة منذ عشر سنين قضي بالمفاوضة منذ عشر سنين، ولا يقضى بالمفاوضة قبل ذلك؛ لأن الإنشاء لا يقتضي الوجوب قبله؛ بل يثبت الوجود مقصوراً على الإنشاء، بعد هذا ننظر ما علم بيقين أحدهما قبل المفاوضة يختص هو به وما كان مشكلاً، فهو للمفاوضة.
وإذا أبرأ أحد المتفاوضين رجلين إن اشتريا له عبداً، أو سميا بثمن مسمى، فاشتريا ووقع الافتراق بين الشريكين، فقال الآمر: اشترياه بعد التفريق فهو لي خاصة، وقال الشريك الآخر: اشترياه قبل التفريق، فهو للآمر لأن الشراء جاز، فيحال بحدوثه على أقرب الأوقات، وهو ما بعد التفريق، وإن أقاما البينة فالبينة بينة الآمر؛ لأنه يثبت زيادة في التاريخ، ولا يثبت شهادة الوكيلين في ذلك؛ لأنهما يشهدان على فعل أنفسهما، وإن قال الآمر: اشترياه قبل الفرقة، وقال: الآخر: اشترياه بعد الفرقة، فالقول قول الآمر، والبينة بينة الآمر لما قلنا.

نوع منه فى وجوب الضمان على المفاوض
استعار أحد المتفاوضين دابة ليركبها إلى مكان معلوم فركبها شريكه فعطبت، فهما ضامنان، وكان يجب أن لا يضمنا؛ لأن الاستعارة من أحدهما جعلت كالاستعارة منهما؛ ألا ترى لو استعار أحدهما دابة إلى مكان معلوم، ليحمل عليها طعاماً له خاصة، فحمل عليها شريكه مثل ذلك الطعام من خاصة نفسه إلى ذلك المكان وعطبت الدابة فلا ضمان، وجعله كأنه أعار منها، والجواب على الاستعارة من.... وإنه للركوب، وصاحب الدابة قال: أعرتكما ليركب هذا بعينه، فركب الآخر يضمن.

ولو استعار دابة لحمل حنطة.....، وقال صاحب الدابة: أعرتكما ليحمل هذا حنطة نفسه، فحمل الآخر من حنطة نفسه مثل تلك الحنطة؛ لا ضمان؛ لأن تخصيص أحدهما بالركوب مفيد، فيجب اعتباره، وكان قياس الركوب من الحمل أنه لو حصلت الإعارة لحمل الحنطة، فحمل عليها حديداً أو شيئاً مثل وزن الحنطة، وهناك يجب الضمان؛ لأن بين الأحمال تفاوت في الضرب بالدابة تفاوتاً فاحشاً.
ثم في مسألة الركوب؛ إذا وجب الضمان وأدى الراكب ذلك من مال الشركة هل يرجع عليه شريكه ما أدى؟ ينظر: إن كان قد ركبها لحاجتهما؛ فلا رجوع، وإن كان قد ركبها في حاجة نفسه، فله الرجوع بنصف ما أدى، ولصاحب الدابة أن يطالب بضمان الدابة أيهما شاء؛ لأن الضمان الواجب على الراكب ضمان إتلاف مال، وما يجب على أحدهما بسبب إتلاف مال فصاحبه كفيل عنه بذلك.
وإذا مات المفاوض، ومال المفاوضة في يده، ولم يبين، فلا ضمان عليه، بخلاف المودع إذا مات، ولم يبين مال المضاربة يصير ضامناً.

(6/31)


والوجه في ذلك: أن ترك البيان لا يوجب الضمان بعينه، وإنما يوجب الضمان إذا صارت الأمانة مجهولة بترك البيان؛ بحيث لا يتوصل إليها صاحبها؛ ألا ترى أن الوديعة إذا كانت معروفة إذا مات، ولم يبين لا يضمنها؛ لأنها بترك البيان لا تصير مجهولة، قلنا: وفي المفاوضة لا تصير الأمانة مجهولة بترك البيان؛ لأن ما في يده كله بينهما.
في «فتاوى أبي الليث» : أحد الشريكين إذا قال لصاحبه: اخرج إلى نيسابور، ولا تجاوز عنه، فجاوز عنه وهلك المال ضمن حصة شريكه؛ لأنه نقل حصة شريكه بغير إذنه.

قال في «الأصل» : وكل وديعة كانت عند أحدهما، فهي عندهما؛ لأن قبول الوديعة لم يكن تجارة، فهي من صنيع التجار؛ لا يجدون بداً منه، وما كان من صنيع التجار ففعل أحدهما فيه كفعلهما، وإن مات المستودع قبل أن يبين، فهو ضامن، ويؤاخذ شريكه؛ لأن ضمان التجهيل ضمان ملك، فيظهر حكم الكفالة فيّه؛ لأن مال الحي ضاعت في يد الميت قبل الموت؛ لم يصدق؛ لأن الحي إنما جعل مودعاً حكماً للمفاوضة، فإذا انفسخت المفاوضة بحكم أحدهما لم يبق مودعاً، وصار هو وأجنبي آخر سواء. ولو أن أجنبياً أخذه بعدما مات المودع مجهلاً ضاع من يد الميت قبل الموت لم يصدق؛ كذا ههنا، ولأن الضمان وجب بالتجهيل، ولو زعم المودع بنفسه أنه كان قد هلكت بعدما لزمه الضمان بالجحود لم يقبل قوله كذا لا يقبل قول الشريك.

فعلى قول هذين التعليلين نقول: إذا مات المودع مجهلاً، وادعى الوارث الضياع حال حياته؛ لا يقبل قوله، وإن كان الحي هو المستودع، وقال: ضاعت الوديعة من يد الميت قبل موته قبل قوله؛ لأن الحي صار مودعاً بقبول الإيداع؛ لا حكماً للمفاوضة، فيبقى.... بعد انفساخ المفاوضة؛ يقبل قوله في دعوى الهلاك مع اليمين، وإن قال الحي منهما: قد كنت استهلكت الوديعة حال حياة الميت، فالضمان عليه خاصة، وإن أقام البينة على ذلك فالضمان عليهما؛ لأنه أقر بالدين بعد انقطاع الشركة، وبعد انقطاع الشركة لا يملك إيجاب الدين على صاحبه، وإن أقام بينة على ذلك، فالثابت بالبينة كالثابت معاينة، ثبت الإتلاف حال قيام الشركة، وإنه يلزم صاحبه.

الفصل الرابع في العنان
هذا الفصل يشتمل على أنواع

نوع منه فى شرط الربح والوضيعة وهلاك المال

قال علماؤنا رضي الله عنهم: شركة العنان جائزة تساويا في رأس المال أو تفاضلا، ويجوز أن يشترط لأحدهما فضل في الربح إذا شرط العمل عليهما عند علمائنا

(6/32)


الثلاثة، وتكون زيادة الربح بمقابلة العمل، والربح يستحق بالعمل، لأن المضارب يستحق الربح بالعمل، وإذا شرط العمل عليهما، فالربح بينهما على ما شرطا وإن عمل أحدهما دون الآخر وإن شرط العمل على الذي شرطا له فضل الربح جاز، وتكون زيادة الربح بمقابلة العمل. ولو شرط العمل على أقلهما ربحاً خاصة لا يجوز؛ لأن الذي شرط عليه العمل شرط لصاحبه جزءاً من ربح ماله من غير أن يكون له فيه رأس المال، أو عمل.
بيان ما ذكرنا فيما ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا ربحا أحدهما بألف درهم، والآخر بألفي درهم، واشترطا على أن الربح بينهما نصفان، والعمل عليهما، فهو جائز، ويصير صاحب الألف في معنى المضارب؛ إلا أن معنى المضاربة تبع لمعنى الشركة، فالعبرة بالأصل دون التبع، فلا يغيرهما اشتراط العمل عليهما، وإن شرط العمل على صاحب الألف، فهو جائز أيضاً، ووجه الجواز ههنا أليق؛ (140ب2) لأن صاحب الألف في معنى المضارب لصاحب الألفين، واشتراط العمل على المضارب تصح المضاربة ولا يبطلها.
وإن شرط العمل على صاحب الألفين لا يجوز؛ لأن صاحب الألفين شرط لصاحب الألف جزءاً من ربح ماله من غير أن يكون فيه عمل أو رأس مال، وإن شرط الربح على قدر رأس مالهما أثلاثاً، والعمل من أحدهما كان جائزاً؛ لأن العامل منهما معين لصاحبه في العمل له في ماله؛ حيث لم يشترط لنفسه شيئاً من ربح مال صاحبه، فهو كالمستبضع في مال صاحبه.
وإن شرط الوضيعة والربح نصفان، فشرط الوضيعة نصفان فاسد؛ لأن الوضيعة هلاك جزء من المال، فكأن صاحب الألفين شرط ضمان شيء مما هلك من ماله على صاحبه، وشرط الضمان على الأخر فاسد، ولكن بهذا لا تبطل الشركة حتى لو عملا وربحا، فالربح بينهما على ما شرطا، فالشركة مما لا تبطل بالشروط الفاسدة، وإن وصفا بالوضيعة على قدر رأس مالهما، وأي المالين هلك قبل الشراء به هلك على صاحبه، هلك في يده أو في يد صاحبه، وانتقضت الشركة، وقد ذكرنا هذا في شركة المفاوضة.
وفي «النوادر» : دفع إلى رجل ألف درهم على أن يعمل بها؛ على أن الربح للعامل، والوضيعة عليه، فهلكت قبل الشراء بها، فالقابض ضامن؛ لأن المال في يده قرض، ولو قال: اعمل بها بيني وبينك، على أن الربح بيننا، والوضيعة بيننا، فهلكت قبل أن يعمل، فهو ضامن نصف المال عند محمد، وعن أبي يوسف لا ضمان عليه، وإن اشترى بالمال، ثم هلكت قبل العقد، فعلى الآمر ضمان نصف المال، وعلى المشتري مثل ذلك، فأبو يوسف يقول: نص على الشركة، فكان القبض واقعاً من المنصوص عليها، والقبض بجهة الشركة لا يستدعي ضماناً إلا إذا اشترى، فحينئذٍ يجب عليه ثمن نصف ما اشترى، ومحمد يقول بأنه نص على الشركة في المشترى، والربح، والوضيعة، وهذا لا يكون إلا بعد وجود رأس مال من جهة القابض، فيضمن القابض؛ ألا ترى أنه لو قال: اشترِ بهذه الألف على أن الربح لك كله، فهذا قرض في الكل، فكذا إذا شرط له البعض، وبه ختم.

(6/33)


نوع منه فى تصرف أحد شريكي العنان في مال الشركة

ولكل واحد منهما أن يشتري بجنس ما عنده على نحو ما ذكرنا في المتفاوضين، وليس لأحدهما أن يكاتب عبداً من الشركة بلا خلاف، ولا يدفع الأمة من الشركة عند أبي حنيفة خلافاً لأبي يوسف، والخلاف في أحد شريكي العنان، وفي المضارب والمأذون سواء، وليس له أن يشارك غيره، وإذا لم يقل له الشريك: اعمل برأيك، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن أحد شريكي العنان إذا شارك غيره مفاوضة بمحضر من شريكه؛ تصح المفاوضة، وتبطل شركته مع الأول، وإن كان بغير محضر من شريكه؛ لم تصح المفاوضة.
في «المنتقى» : أبو سليمان عن أبي يوسف في شريكي العنان؛ لو أشرك أحدهما رجلاً في الدقيق في الشراء، والبيع بغير إذن شريكه؛ جاز عليه وعلى شريكه، وما اشتراه واحد من الثلاثة، فنصفه للدخيل، ونصفه بين الشريكين الأولين، ولو رهن أحد شريكي العنان شيئاً من الشركة بدين خاصة؛ لم يجز إلا برضا صاحبه.
وفي كتاب الرهن يقول: إذا رهن أحد شريكي العنان متاعاً من الشركة بدين عليهما لا يجوز يريد به إذا رهن بدين وجب عليهما بعقدهما؛ لأن الرهن إيفاء كل واحد منهما لا يملك إيفاء الآخر من ماله إلا بأمره، فكذا لا يملك الرهن، وكذلك إذا ارتهن بدين إذا أتاه؛ لأن الارتهان للاستيفاء، وهو لا يملك أن يستوفي ثمن ما وليه صاحبه لنفسه، فإن هلك الرهن في يده، وقيمته والدين سواء وثبت بحصته؛ لأنه يملك استيفاء حصة نفسه، وإن وليه صاحبه، فإذا ارتهن به صار كأنه استوفى كل الدين عند الاستيفاء في حصته، وأما شريكه فهو بالخيار؛ إن شاء رجع بحصته على المطلوب، ويرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن، وإن شاء ضمن شريكه حصته من الدين؛ لأن يد المرتهن يد استيفاء فتعتبر بحقيقة الاستيفاء، وأحد شريكي الدين إذا قبض كل الدين؛ كان لصاحبه أن يضمن حصته من الدين، فكذا إذا صار قابضاً بالرهن.

وفي كتاب الشركة يقول: إذا ارتهن بدين ولي المتابعة، فهو جائز في نصيبه، وفي نصيب صاحبه قياساً واستحساناً، وإن ارتهن بدين وليا المتابعة، أو يلي الآخر المتابعة؛ ذكر بعض المشايخ في «شرحه» : أنه لا يجوز في حصة صاحبه قياساً واستحساناً، ويجوز في حصته استحساناً؛ اعتباراً للاستيفاء الحكمي بالاستيفاء الحقيقي.
وذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : أنه لا يجوز أصلاً لا في حصة صاحبه، وهو ظاهر ولا في حصته؛ لأنه لو جاز في حصته كان مشاعاً، والشيوع يمنع صحة الرهن، وهذا إذا فعل بغير أمر صاحبه، فإن فعل بأمر صاحبه جاز الارتهان عليه وعلى صاحبه، وهذا ظاهر به فعل بغير إذن صاحبه، وملك الرهن ثبتت حصته من الدين، أما على قول من قال بجواز الرهن في حصته فظاهر، وأما على قول من قال بعدم الجواز؛ فلأن المقبوض بحكم الرهن الفاسد مضمون كالمقبوض بحكم الرهن الصحيح، ولأنه

(6/34)


المديون عن حصة شريكه، ويكون للمديون الخيار على ما بينا.

وإذا أقر أحد شريكي العنان بالرهن؛ إذ الارتهان بعدما تناقضا الشركة؛ لا يصح إقراره إذا كذبه شريكه؛ لأنه حكى أمراً لا يملك استئنافه للحال، وإن أقر به حال قيام الشركة جاز عليه، وعلى شريكه إذا كان المقر هو الذي ولي العقد؛ وإن كان الذي ولي العقد غيره، أو كانا وليا العقد لا يجوز إقراره في حصة شريكه، وهل يجوز في حصة نفسه؟ على ما ذكر قبل هذا.
ولكل واحد منهما أن يوكل بالبيع والشراء والاستئجار، وللآخر أن يخرجه من الوكالة، وإن وكل أحدهما بتقاضي ما داين فليس للآخر إخراجه؛ لأن العزل مع التوكيل يجريان مجرى واحد؛ وكل واحد منهما لا يملك التوكيل بتقاضي ما داينه صاحبه، فلا يملك عزل وكيله بتقاضي ما داينه.
وفيما سوى هذه التصرفات شريك العنان كأحد شريكي المفاوضة ما يملكه أحد شريكي المفاوضة يملكه أحد شريكي العنان.

نوع منه فى تصرف أحد شريكي العنان في عقد صاحبه، وفيما وجب بعقد صاحبه
في «القدوري» : إذا قال أحدهما في بيع باعه الآخر؛ جازت الإقالة لما ذكرنا في فصل المفاوض.
وفيه أيضاً: لو باع أحدهما متاعاً فرد عليه بعيب، ومثله بغير قضاء جاز عليهما؛ لأنه بمنزلة الإقالة، وكذلك لو حط من ثمنه أو أخر لأجل العيب؛ لأن العيب موجب الرد، ويجوز أن يكون الحط والتأخير أنفع، وإن حط من غيره له تبرع (141أ2) والتبرع غير داخل تحت الشركة، فلم ينفذ في نصيب الشريك، ولو أقر بعيب في متاع باعه؛ جاز عليه وعلى شريكه؛ لأن موجب الإقرار بالرد بالعيب ثبوت حق الرد عليه، ولأحد الشريكين أن يسترد، ويقبل العقد إذا كان لهما على رجل دين، فأخر أحدهما، فهذه المسألة على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون المؤخر هو الذي ولي المتابعة، وفي هذا الوجه يجوز تأخيره في نصيبه، ونصيب صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف؛ لأنه في نصيب صاحبه وكيل بالبيع، والوكيل بالبيع إذا أخر الثمن، فهو على هذا الخلاف.
الوجه الثاني: إذا وليا المتابعة.
الوجه الثالث: إذا ولي الآخر المتابعة، وفي الوجهين جميعاً لا يجوز تأخيره في نصيب صاحبه بالإجماع، وهل: يجوز في نصيب نفسه؟ على قول أبي حنيفة: لا يجوز، وعلى قولهما: يجوز؛ لأن حصته من الدين مملوك له لملك إسقاطه، فيملك تأخيره.

(6/35)


ولأبي حنيفة: أنه لو صح التأخير في نصيبه ثبتت القسمة في الدين، فإن بالتأخير يتغير وصف الدين عما كان، فإنه كان على وصف لو قبض أحدهما نصيبه كان للآخر أن يشاركه فيه، وبعد التأخير لا يبقى له حق المشاركة ما دام الأجل قائماً يتغير نصيب أحدهما على وصف سوى نصيب الآخر فبقيت القسمة، والقسمة في الأعيان تكون لا في الديون، فلم يصح التأجيل.

وإن أقر أحدهما بدين في تجارتهما وأنكر الآخر لزم المقر جميع الدين؛ إن كان أقر أنه ولي العقد فإن قال: اشتريت من فلان عبداً بكذا؛ لأن في النصف مشترٍ لنفسه، وفي النصف وكيل عن صاحبه، وحقوق العقد ترجع إلى العاقد، فيصير مقراً على نفسه بجميع الدين، فيؤاخذ بجميع ذلك، فأما إذا أقر أنهما ولياه بأن قال: اشترينا من فلان عبداً بكذا، وأنكر الآخر؛ لزمه نصفه.
وإن قال: إن صاحبه وليه بأن قال: اشترى شريكي من فلان عبداً بكذا، وأنكر الآخر؛ ذكر في عامة نسخ كتاب الإقرار أنه لا يلزمه شيء، وذكر في بعض نسخ كتاب الإقرار أنه يلزمه النصف، والصحيح ما ذكر في عامة النسخ؛ لأنه أقر على غيره، ولا ولاية له على الشريك في إلزام الدين عليه بإقراره، فبطل ضرورة.

وإن اشترى أحدهما شيئاً من تجارتهما، فوجد به عيباً؛ لم يكن للآخر أن يرده؛ لأن الآخر في النصف أجنبي، وفي النصف موكل، وليس للموكل أن يخاصم في العيب مع البائع؛ فيما اشتراه وكيله، فكذلك لو باع أحدهما شيئاً من تجارتهما لم يكن له أن يرده على الآخر، وإن استأجر أحد شريكي العنان شيئاً ليس للآجر أن يطالب الشريك الآخر بالأجر؛ لأن الشريك الآخر في النصف أجنبي وفي النصف موكل.

وكذلك إذا أجر أحدهما شيئاً من تجارتهما، فليس للشريك الآخر أن يطالب المستأجر بالأجر، وما اكتسب أحدهما بتقبل الأعمال، وذلك ليس من شركتهما، فإنه يكون له خاصة؛ لأنه وكيل صاحبه في التصرف في مال الشركة، وتقبل هذا العمل ليس بتصرف منه في مال الشركة، ولو أخذ أحدهما مالاً مضاربة وربح فالربح له خاصة؛ هكذا ذكر في «الأصل» ، وذكر في «القدوري» ؛ لأن المضارب يستحق بسبب العمل، فصار كما لو آجر نفسه فتفرد به، وهذا الجواب صحيح فيما إذا أخذ مالاً مضاربة، فتصرف فيما ليس من تجارتهما، أو فيما هو من تجارتهما، أو مطلقاً حال حضرة صاحبه؛ لأن ما ليس من تجارتهما لم يدخل تحت الشركة، فيكون الحال فيه بعد الشركة كالحال قبل الشركة، وقبل الشركة لو أخذ أحدهما مالاً مضاربة، كان الربح له خاصة؛ لأن كل واحد من الشريكين فيما كان من تجارتهما بمنزلة الوكيل بشراء نصف شيء بعينه، والوكيل بشراء نصف الشيء بعينه إذا قبل الوكالة من الآخر؛ بشراء ذلك الشيء كله بحضرة الموكل الأول يخرج من وكالة الأول ويصير وكيلاً للثاني، كذا ههنا.
فأما إذا أخذ ليتصرف فيما هو من تجارتهما، أو مطلقاً حال غيبة صاحبه، فنصف الربح يكون لشريكه، ونصف الربح يكون بين المضارب ورب المال؛ لأنه في النصف

(6/36)


بمنزلة الوكيل بشراء نصف شيء بعينه، فلا يملك إخراج نفسه من الوكالة حال غيبة صاحبه، فإذا قبل الوكالة من آخر بشراء الكل تنصرف الوكالة إلى ما كان يشتريه لنفسه، ولا تنصرف إلى ما يشتريه لصاحبه، فإذا اشترى بعد المضاربة يصير مشترياً نصفه للمضارب ونصفه لشريكه، فإذا ربح؛ كان نصف الربح لشريكه، ونصفه بين المضارب ورب المال على ما شرطا.

نوع آخر منه
إذا باع أحدهما شيئاً من تجارتهما؛ فليس للشريك الآخر أن يطالب المشتري الثمن، وهذا لما ذكرنا أن هذه الشركة تشتمل على الوكالة في مباشرة عقود التجارات دون الكفالة في استيفاء ما يجب بعقد صاحبه.

وفي «المنتقى» : قال هشام عن محمد: إذا دفع المشتري الثمن إلى الشريك الآخر، لا يبرأ عن نصيب البائع إن لم يكونا شهدا حيث اشتركا أن ذلك جائز فيما بينهما، وكذا ما لزم أحدهما من ضمان التجارات لا يطالب الآخر به لما ذكرنا أنه ليس في هذه الشركة معنى الكفالة.

نوع منه فى شراء أحدهما، وفي اختلاف رأس المال، وفي اعتبار قيمة رأس المال
إذا اشترى أحد شريكي العنان شيئاً من تجارتهما، فهو له خاصة؛ لأن كل واحد منهما في شراء ما ليس من تجارتهما أجنبي عن صاحبه، وليس بوكيل عنه، فالوكالة تقبل التخصيص، وإن اشتركا بالعروض، أو المكيل، واشتريا بذلك، فلكل واحد منهما مما اشترى قدر قيمة متاعه، فإن كانت القيمة سواء، فهو بينهما نصفان، وإن كانت مختلفة فبحساب ذلك؛ لأن الشركة لما وقعت بالعروض والمكيل، وإنها تتعين بالتعيين بتقسيم ما اشتريا على العرض، ويثبت الملك في المشترى بقدر ما كان ثابتاً في العرض.
فإن باعا المشترى بعد ذلك، ثم أرادا القسمة، فإن كانت الشركة وقعت بما لا مثيل له من العروض اعتبرت قيمته يوم الشراء؛ لأن حقهما في العرض انتقل إلى المشترى، وصار رأس مالهما فيما اشتريا بالشراء، ولا يجوز أن يثبت مثله في المشترى؛ لأنه لا مثيل له، فثبتت قيمته، وإن كان له مثل من المكيل والموزون والعددي المتقارب، فقد ذكر في «الأصل» : أنه يعتبر القيمة يوم القسمة، وذكر في «الإملاء» : أنه يعتبر القيمة يوم الشراء؛ قال القدوري: وهو الصحيح، وإليه أشار في «شرح الجامع» : فإنه في شركة «الجامع» اعتبر قيمة رأس المال عند اختلاف رأس المال ليحصل الربح يوم الشركة، وليحصل الملك في المشترى يوم الشراء، وليحصل رأس المال يوم القسمة، وإذا كان المعتبر في وقوع الملك في المشترى قيمة رأس المال يوم الشراء، فإنما يملك كل واحد منهما ثمن المشترى بقدر رأس ماله عند الشراء، ثم إذا باعا ذلك ضمن كل واحد منهما؛ يكون له كما في العروض إذا كان رأس مال أحدهما دراهم، أو رأس مال الآخر دنانير

(6/37)


(141ب2) قيمة الدنانير مثل قيمة الدراهم، فاشترى صاحب الدراهم بالدراهم غلاماً، واشترى صاحب الدنانير بالدنانير جارية ونقد المالين، وكان ذلك في صفقتين، فهلك الغلام والجارية في أيديهما يرجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف رأس ماله.
ولو اشترياهما صفقة واحدة، وباقي المسألة بحالها؛ لا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء، وجعل كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في شراء النصف حال تفرق الصفقة، ولم يجعل كذلك حال اتحاد الصفقة، وإنما كان كذلك؛ لأن الوكالة في هذه الشركة إنما تثبت ضرورة المستفاد بالشراء مشتركاً بينهما، وإذا اشتراهما بصفقة واحدة، فقد انعدمت هذه الضرورة؛ لأن المشترى يصير مشتركاً بينهما بدون الوكالة؛ هذه المسألة مع أجناسها في «الجامع» .

في «المنتقى» : قال أبو يوسف في شريكين شركة عنان رأس مالهما سواء، وكل واحد منهما يعمل برأيه، ويبيع ويشتري وحده عليه وعلى صاحبه، فباع أحدهما حصته من متاع، وأشهد على ذلك، فالبيع من حصته، وحصة شريكه، وكذلك لو باع حصة شريكه؛ لأنه لا يستطيع أن يقاسم نفسه، وكذلك المضارب والمبضع إذا خلط ماله بمال الآخر، وقد أذن له أن يعمل فيه برأيه.
فيه أيضاً: في شريكي العنان إذا كان أحدهما يلي البيع والشراء فاستدان ديناً، معناه اشترى بالنسيئه، ثم ناقضه صاحب الشركة، وأراد قبض نصف المتاع، وقال: إذا أخذ منك الدين، فارجع علي، فليس له ذلك.
l
وفيه أيضاً: عن أبي يوسف في المتفاوضين إذا تناقضا المفاوضة، وفي أيديهما متاع، فأراد أحدهما أخذ نصف المتاع فله ذلك؛ لأن للغريم أن يأخذ أيهما شاء بالدين.
وفيه أيضاً: إذا قال لغيره: أشركتك فيما أشتري من الرقيق في هذه السنة، ثم أراد أن يشتري عبداً لكفارة ظهاره أو ما أشبه ذلك، وأشهد وقت الشراء أنه يشتريه لنفسه خاصة؛ لم يجز ذلك، وللشريك نصفه إذا أذن له في ذلك، وكذلك لو اشترى طعاماً لنفسه، وقد أشرك غيره فيما يشتري من الطعام.

نوع منه
مات أحد شريكي العنان، والمال في يده، ولم يبين، فهو ضامن؛ لأن بترك البيان ههنا تصير الأمانة مجهولة بحيث لا يتوصل إليها؛ لأن صاحبها بخلاف المفاوضة على ما مر.
استعار أحد شريكي العنان دابة ليحمل عليها طعاماً..... له خاصة، فحمل عليها شريكه مثل ذلك الطعام من خاصة نفسه، وهلكت الدابة ضمن قيمة الدابة، ولو استعار أحد شريكي العنان دابة ليحمل عليها طعاماً من تجارتهما، فحمل عليها شريكه مثل ذلك الطعام من تجارتهما وهلكت الدابة؛ لا ضمان.

(6/38)


والحاصل: أن الاستعارة من أحد شريكي العنان إذا كانت منفعة العارية راجعة إلى المستعير خاصة ليس كالاستعارة منهما، والاستعارة من أحد شريكي العنان إذا كانت منفعة العارية راجعة إليهما كالاستعارة منهما، ولم يجعل هكذا في الشراء، فإنه إذا اشترى أحدهما شيئاً من تجارتهما، فليس للبائع أن يطالب الآخر بالثمن، ولم يجعل البيع من أحدهما بمنزلة البيع منهما.

الفصل الخامس في الشركة بالوجوه
وقدم مررّصورتها، وشرط جوازها في صدر الكتاب.
قال محمد رحمه الله: وإذا اشتركا شركة عنان بأموالهما ووجوههما، فاشترى أحدهما متاعاً، فقال الشريك الذي لم يشترِ: المتاع من شركتنا، وقال المشتري: هو لي، وإنما اشتريته بمالي وبنفسي، فإن كان المشتري يدعي الشراء لنفسه بعد الشركة، فهو بينهما على الشركة إذا كان المتاع من جنس تجارتهما، وإن كان يدعي الشراء لنفسه قبل الشركة ينظر إن علم تاريخ الشراء، وتاريخ الشركة ينظر إلى أسبقهما تاريخاً، فإن كان تاريخ الشراء أسبق، فهو للمشتري مع يمينه بالله ما هو من شركتنا، وإن كان تاريخ الشركة أسبق، فهو على الشركة؛ لأن ما اشتراه أحد الشريكين بعد الشركة من جنس تجارتهما لنفسه حال غيبة الشريك الآخر، فهو على الشركة؛ لأنه لا يملك عزل نفسه حال غيبة صاحبه.
وإن علم تاريخ الشراء، أنه كان قبل هذه المنازعة بشهر، ولم يعلم تاريخ الشركة، فهو للمشتري خاصة؛ لأنه إذا لم يعلم للشركة تاريخ، وإنها حادثة يحال بحدوثها على أقرب ما ظهر كأنهما عقدا الشركة للحال، فيصير الشراء قبل الشركة.

وإن علم تاريخ عقد الشركة أنه كان قبل هذه المنازعة بشهر، ولم يعلم تاريخ الشراء أصلاً، فهو على الشركة، ويجعل كأنه اشتراه للحال لما مرَّ، وإن علم للشركة، والشراء تاريخ، فهو للمشتري مع يمينه بالله ما هو من شركتنا؛ لأنه إذا لم يعلم تاريخهما يجعل كأنهما وقعا معاً، ولو وقعا معاً، فالمشترى لا يكون على الشركة؛ لأن المشترى إنما يكون على الشركة إذا حصل الشراء بعد الشركة.

الفصل السادس في الشركة بالأعمال
قد ذكرنا أنها نوعان: صحيحة، وفاسدة.
فالصحيحة: الشركة في تقبل الأعمال، وقد ذكرنا صورتها وشرائطها وحكمها.

(6/39)


قال القدوري: وإن عمل أحدهما دون الآخر، وهي مفاوضة أو عنان فالأجر بينهما على ما اشترطا؛ لأن الشركة انعقدت على التقبل وذلك نافذ عليهما، والعمل من أحدهما إبقاء لما عليه وعلى صاحبه، فيصير صاحبه كالمستعير بالعامل.
في «المنتقى» : بشر عن أبي يوسف في قصارين شريكين؛ طلب رجل ثوباً في أيديهما أنه دفعه بعمل له بأجر، فأقربه أحدهما وجحد الآخر، وقال: هو لي، فالمقر منهما مصدق في ذلك، فيدفع الثوب، ويأخذ الأجر استحساناً، والقياس: أن لا يصدق على شريكه؛ لأن هذه الشركة بمنزلة شركة العنان، وروي عن محمد أنه أخذ بالقياس، وقال: ينفذ إقراره بالنصف الذي في يده خاصة، وإنا استحسنا في ضمان العمل، والمطالبة بالأجر خاصة وألحقناها في هذين الوجهين بالمفاوضة، وفيما عداهما يبقى على الأصل.
وجه الاستحسان: أنه لما ظهر معنى المفاوضة في ضمان العمل ظهر في محل العمل أيضاً، فنفذ إقراره في محل العمل على صاحبه.

وكذلك إن كان في الثوب خرق؛ أقر أحدهما أنه من الدق، وجحد الآخر أن يكون الثوب؛ لو طالب وقال: هو لنا؛ صدقت المقر على ذلك؛ لأني أصدقه على الثوب أنه للمقر له. ولو أن المنكر أقر بالثوب لآخر ادعاه بعد إنكاره الأول كان الإقرار للأول في الثوب، ولا يصدق الآخر على الثوب، ويصدق على نفسه بالضمان، ولا يرجع على صاحبه بشيء من ذلك، وأيهما أقر بثبوت مستهلك..... لرجل، والآخر منكر فالضمان على المقر خاصة.
وكذلك إذا أقر أحدهما بدين من ثمن صابون، أو أشنان مستهلك، أو أجر أجير أو أجر بيت يثبت لمدة مضت؛ لم يصدق على صاحبه (142أ2) إلا ببينة، ويلزم المقر خاصة، وإن كانت الإجارة لم تمضِ، والبيع لم يستهلك لزمهما، ونفذ إقرار المقر على صاحبه؛ إلا أن يدعي أنهما بغير شراء، فيكون القول قوله، قال: ولا يشبه الشراء الإجارة في هذا الوجه؛ إنما أحدث في الإجارة بالاستحسان.
ألا ترى أن البائع يأخذ بالثمن المشترى دون الشريك، ويأخذ في الإجارة بالعمل أيهما شاء استحساناً، وإنما أحدث في الشراء بالقياس؛ كحكم الشريكين غير المفاوضين.
وإن قال أحدهما: اشتريت هذا الصابون من هذا وشريكي بدرهم، وقال الآخر مثل ذلك، فعلى كل واحد منهما نصف درهم للذي أقر له والصابون بينهما.
ولو قال: اشتريت هذا الصابون من هذا بدرهم، وقال الآخر: لا، بل اشتريته أنا من هذا الآخر بدرهم، فعلى كل واحد منهما درهم للذي أقر له، ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء.

(6/40)


ابن سماعة عن محمد في ثلاثة نفر من الكيالين اشتركوا بينهم على أن يقبلوا الطعام ويكيلونه، فما أصابه من شيء كان بينهم فقبلوا طعاماً بأجر معلوم، فمرض رجل منهم وعمل الآخران، قال: الأجر بينهم أثلاثاً. ولو أنه حين مرض أحدهم كره الآخران (أن) يعملا عمله فناقضاه الشركة بمحضر منه، أو قالا: اشهدوا أنا قد ناقضناه الشركة، ثم كالا الطعام كله، فلهما ثلثا الأجر، ولا أجر لهما في الثلث الباقي، وهما متطوعان في كيله، ولا يشركهما الثالث فيما أخذا من الأجر.
وكذلك ثلاثة نفر قبلوا من رجل عملاً بينهم، وليسوا بشركاء ثم عمل أحدهم ذلك العمل، فله ثلث الأجر، وهو متطوع في الثلثين من قبل أنه ليس لصاحب العمل أن يأخذ أحدهم بجميع ذلك العمل؛ لأنهم ليسوا بشركاء، إذا كانوا شركاء فلصاحب العمل أن يأخذ من وجد منهم بجميع العمل.
في «فتاوى أبي الليث» : رجلان اشتركا لحفظ الصبيان وتعليم القرآن، فعلى ما أخبرنا الجواب في «الفتوى» : أن الاستئجار بتعليم القرآن جائز، تجوز هذه الشركة، فأما الشركة الفاسدة منهما، فلها صور، وقد ذكرنا بعضها في صدر الكتاب، وهي الشركة في أخذ المباح كالحطب، والحشيش، والصيد، وما أشبه ذلك، ولكل واحد منهما ما أخذ وثمنه له، وربحه له، وصنعته عليه؛ لأن الشركة إذا لم تصح كان الحال بعد الشركة كالحال قبل الشركة، وقبل الشركة الحكم ما بينا.
وإن أخذ كل واحد منهما على الانفراد شيئاً وخلطاه وباعاه، فإن كان يعلم قدر ما أخذ كل واحد منهما قسم الثمن على قدر الكيل والوزن؛ إن كان ما أخذا مما يكال أو يوزن، وإن كان مما لا يكال، ولا يوزن ضرب كل واحد منهما بقسمته، وإن لم يعرف الكيل والوزن والقسمة، صدق كل واحد منهما فيما يدعي من ذلك إلى النصف؛ لأن المال في أيديهما على السواء ألا ترى أنهما لو أخذاهما كان المأخوذ منهما، وطريقه ما قلنا.

فإن احتطب واحتش أحدهما، وأعانه الآخر؛ كان المجموع كله للذي احتطب، وللآخر أجر مثله عندهم جميعاً؛ لأن المحتطب استوفى منفعة المثنى بحكم عقد فاسد. ولا يجاوز به نصف الثمن عند أبي يوسف؛ لأنه قد رضي بنصف المسمى ألا ترى أن ضمان الإجارات الفاسدة لا تزاد على المسمى، وإنما لا يزاد لما قلنا، وعند محمد يجب أجر المثل بالغاً ما بلغ؛ لأن المسمى ههنا مجهول القدر والجنس، فإنما لا يدريان أي شيء يصيبان، وكم يصيبان، والقسمية في الإجارات الفاسدة إذا كانت مجهولة يجب أجر المثل بالغاً ما بلغ، وإذا كانت معلومة وفسدت الإجارة بسبب من الأسباب؛ لا يزاد على المسمى بلا خلاف.

وكذلك إذا اشتركا على أن يقلعا الطين من أرض مباح، ويبيعانه، وكذلك إذا اشتركا على أن يبيعا من أرض طين لا يملكانه، ويصبحا أجراء فهذه الشركات كلها فاسدة، وإن كان الطين مملوكاً لرجل، فاشتركا على أن يشتريا من ذلك الطين ويبنيا منه،

(6/41)


فذلك جائز؛ لأنه إن كان لهما رأس مال، فهذه شركة عنان، وإن لم يكن لهما رأس مال، فهذه شركة وجوه، وكلاهما جائزان.
وإذا اشتركا في الاصطياد ولهما كلب فأرسلاه، أو نصب شبكة، فالصيد بينهما، وإن كان الكلب لأحدهما، فأرسلاه فما أخذ فهو لصاحب الكلب؛ لأنه منفعة كلية، ومنفعة ملك الإنسان له إلا إذا جعلها لغيره، كما لو أعار كلبه من غيره، فاصطاد به المستعير، وإنما قلنا: إن الصيد منفعة كلية؛ لأن الإصابة بالإرسال والأخذ جميعاً؛ إلا أن الآخذ أخذهما، فكانت الإصابة مضافة إلى الآخذ والآخذ كلباً، فهذا معنى قولنا: إن الصيد منفعة كلب أحدهما.
وإن كان لكل واحد منهما كلب، فأرسل كل واحد منهما كلبه، فإن أصاب كل كلب صيداً على حدة، كان ذلك الصيد لصاحبه، وإن أصابا صيداً واحداً، فهو بينهما، وإن أصاب أحدهما صيداً إلا أنه لم يثخنه؛ ثم جاء الكلب الآخر، وأعانه عليه؛ كان بينهما نصفين؛ لأن الأخذ في هذه الصورة مضاف إلى الكلبين، فإنه لولا الثاني ينقلب الصيد عن الأول بخلاف ما أثخنه الأول؛ لأن الأخذ في هذه الصورة مضاف إلى الأول، فإنه لولا الثاني لكان لا ينقلب الصيد عن الأول.
ومن صورة الشركة الفاسدة إذا اشتركا، ولأحدهما بغل، وللآخر بعير على أن يؤاجراهما والأجر بينهما، فالشركة فاسدة؛ لأن تقديرها كأن كل واحد منهما قال لصاحبه: آجر دابتك ليكون الأجر بيننا، ولو صرح بذلك كانت الشركة فاسدة. وفي الأعمال بأبدانهم؛ لأن العقد هناك على تقبل العمل، وتقديرها كأنّ كل واحد منهما قال لصاحبه تقبل.... لنعمل، ويكون الأجر بيننا، ولو صرح بذلك كان جائزاً، وإن أجراها له جميعاً بأعيانهما صفقة واحدة، ولم يشترطا في الإجارة عمل أحدهما كان الأجر مقسوماً بينهما على قدر أجر مثل دابتهما كما قبل الشركة.
وإن شرط عملهما مع الدابة نحو ... والحمل، وغير ذلك قسم الأجر على أجر مثل دابتهما، وعلى أجر عملهما كما قبل الشركة، وإن تقبلا عمولة معلومة بأجر معلوم، ولم يؤاجر البغل والبعير اللذين أضافا عقد الشركة إليهما، فالأجر بينهما نصفان، ولا يقسم على أجر مثل دابتيهما؛ لأنهما لم يؤاجرا الدابتين؛ بل تقبلا الحمل لا غير ألا ترى أنهما لو حملاه على أعناقهما استحقا الأجر، فالعقد انعقد على التقبل والتقبل منهما وجد على السواء.

ولو أن قصارين اشتركا، ولأحدهما أداة القصارين، وللآخر بيت على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا؛ على أن الكسب بينهما نصفان، فهذا جائز؛ لأن الشركة ههنا وقعت على التقبل؛ لا على إجارة البيت والأداة، فإنهما لم يقولا: على أن نؤاجر الأداة، والبيت، والشركة في تقبل الأعمال جائزة.

(6/42)


ومن صور الشركة الفاسدة: اشتركا ولأحدهما دابة، وللآخر إكاف وجوالق على أن يؤاجر الدابة فما أجراها له من (142ب2) شي حملاه بهذه الأداة على (أن) الأجر بينهما نصفان، فهذه شركة فاسدة، فإن أجر الدابة بحمل طعام إلى موضع معلوم، ثم نقلاه بتلك الأداة بأنفسهما؛ كان الأجر كله لصاحب الدابة، ولا يقسم على أجر مثل الدابة، وأجر مثل الإكاف والجوالق؛ لأن الإجارة وقعت على الدابة مقصوداً؛ لأن الحمل على الدابة هو المقصود، والإكاف والجوالق آلة الحمل، فدخولهما في الإجارة بطريق التبعية، فلا يقابلهما شيء من الأجر.
ولو كانا اشتركا على أن يتقبلا عمل الطعام على أن يعمل هذا بأداته، وهذا بدابته، فالأجر بينهما نصفان، ولا أجر لدابة هذا ولا لأداة هذا؛ لأن العقد ههنا وقع على التقبل في العمل، وهما في التقبل على السواء.
قال أبو حنيفة: ولو أن رجلاً دفع دابة إلى رجل ليؤاجرها؛ على أن ما آجرها من شيء، فهو بينهما نصفان، فهذه الشركة فاسدة، والأجر كله لرب الدابة، وللذي آجرها أجر مثل عمله. ولو دفع دابة إليه يبيع عليها البر والطعام على أن الربح بينهما نصفان، فهذه الشركة فاسدة أيضاً، فكان البر كله لصاحب الثمن والطعام؛ لأنه بدل ملكه، ولصاحب الدابة أجر مثل دابته.
في «المنتقى» : اشتركا يعملان على أن لأحدها أجر كل شهر عشرة دراهم، ليس من مال الشركة، فالشركة جائزة والشرط باطل.

في «الفتاوى» : أعطى بذر العيلق رجلاً ليقوم معه، ويعلقه بالأوراق على أن ما حصل فهو بينهما، فقام عليه ذلك الرجل حتى أدرك، فالعيلق لصاحب البذر؛ لأنه حدث من بذره، وللرجل الذي قام معه قيمة الأوراق، وأجر مثله على صاحب البذر.
وعلى هذا إذا دفع البقرة إلى إنسان بالعلف، ليكون الحادث بينهما نصفان، فما حدث فهو لصاحب البقرة، ولذلك الرجل مثل علفه الذي علفها، وأجر مثل ما قام عليها؛ لأنه غير متبرع في ذلك حيث شرط لنفسه نصف الحادث، وعلى هذا إذا دفع الدجاجة إلى رجل بالعلف ليكون البيض بينهما نصفان.
والحيلة أن يبيع نصف البقرة من ذلك الرجل، ونصف الدجاجة ونصف بذر العلق بثمن معلوم حتى تصير البقرة وأجناسها مشتركة بينهما، فيكون الحادث منهما على الشركة.

(6/43)


الفصل السابع في تصرف أحد الشريكين في الدين المشترك
كل دين وجب في شيء على واحد بسبب واحد حقيقة وحكماً؛ كان الدين مشتركاً بينهما، فإذا قضى أحدهما شيئاً منه؛ كان للآخر أن يشاركه في المقبوض عندنا؛ لا على اعتبار القبض، فبسبب القبض يزداد نصيب القابض، وهذه الزيادة مستندها بها إلى أصل القبض الحق، فإذا كان الحق مشتركاً بينهما، فكذا الزيادة فيه تكون مشتركاً بينهما، كالولد والثمن ويستوي في هذا الحكم أن يكون المقبوض أجود منه أو أردأ؛ لأن حق الشركة إنما يثبت باعتبار الزيادة الحاصلة بسبب القبض، فثبتت الشركة في عين المقبوض سواء كان المقبوض أجود أو أردأ، وكل دين وجب في شيء بسببين مختلفين حقيقة وحكماً أو حكماً لا حقيقة، لا يكون مشتركاً حتى إذا قبض أحدهما شيئاً ليس للآخر أن يشاركه فيما قبض.

بيانه من المسائل ما ذكر في «الجامع» : رجلان باعا عبداً بينهما من رجل بثمن معلوم، فقبض أحدهما شيئاً من الثمن من المشتري؛ كان للآخر أن يشاركه فيه؛ لأن هذا دين وجب لهما بسبب واحد؛ حقيقة وحكماً؛ أما حقيقة فظاهر، وأما حكماً؛ فلأن صحة بيع أحدهما منوطة بصحة بيع الآخر؛ حتى لو قبل المشتري نصيب أحدهما دون الآخر لا يجوز، ولو سمى كل واحد لنصيبه ثمناً على حدة، فيقبض أحدهما شيئاً من الثمن لم يكن للآخر أن يشاركه في ظاهر الرواية؛ لأن الصفقة بها تتفرق في ظاهر الرواية، ولهذا كان للمشتري أن يقبل نصيب أحدهما دون الآخر.
ولو كان لأحدهما عبد، وللآخر أمة باعاهما بألف درهم، فقبض أحدهما شيئاً من الثمن كان للآخر أن يشاركه؛ لأن السبب متحد حكماً، فكان الواجب به مشتركاً، وإن كان بدلاً عما ليس بمشترك، ولو سمى كل واحد منهما لمملوكه ثمناً؛ لم يكن للآخر أن يشارك القابض في المقبوض في ظاهر الرواية؛ لما قلنا.
ولو أجر داراً مشتركاً بينهما من رجل بأجر معلوم؛ اشتركا فيما يقبضان؛ لأنهما باعا منفعة مشتركة بأجر واحد، فيعتبر بما لو باعا عيناً مشتركاً بثمن واحد.
ولو أمر رجلاً رجلين أن يشتريا له جارية، فاشترياها، ونقد الثمن من مال مشترك بينهما، أو من مال متفرق، ثم يشتركان مما يقبضان من الآمر؛ لأن سبب وجوب الدين للوكيل على الموكل مختلف حكماً؛ لأن سبب الوجوب على الموكل البيع الحكمي الذي جرى من الوكيل والموكل، كأن الوكيل اشترى لنفسه، ثم باعه من الموكل بما وجب للبائع على الوكيل، وقد وجب على كل واحد من الوكيلين خمسمائة، فصار كل واحد من الوكيلين بائعاً نصفه بخمسمائة، ولو صرحا بذلك؛ كان السبب مختلفاً حكماً في ظاهر الرواية.

ولو كان لرجل ألف درهم دين لرجل، فكفل عن الغريم رجلان فأديا، ثم قبض أحد الكفيلين من الغريم شيئاً؛ كان محمد يقول أولاً: لا يكون للآخر حق المشاركة إلا

(6/44)


إذا أديا من مال مشترك بينهما، ثم رجع وقال: يكون للآخر حق المشاركة، وإن أديا من مال مشترك بينهما، وهو قول أبي يوسف.
ووجه ذلك: أن ما وجب للكفيلين على الغريم؛ وجب بسببين مختلفين من حيث الحكم؛ لأن كفالتهما مختلفة حكماً؛ لأن كفالة كل واحد منهما صحتها غير منوطة، ومتعلقة بكفالة الآخر؛ ألا ترى أن الطالب لو قبل كفالة أحدهما دون الآخر صح.
قال القدوري: ولوأخرج القابض ما قبض من يده بأن وهبه أو قضاه غريماً فليس للشريك الآخر أن يأخذه من يد الذي هو في يده؛ لأن المقبوض في يد القابض خالص حقه؛ لا حق للشريك فيه؛ لأنه حق، وحق الشريك في الدين لكن للشريك حق المشاركة لما ذكرنا فقبل المشاركة هو على حق القابض، فنفذ تصرفه، فلا يكون للآخر حق القبض، ولكن للآخر أن يضمنه مثله.
وهو نظير المبيع بيعاً فاسداً إذا أخرجه المشتري عن ملكه؛ لا يكون للبائع حق الأخذ بعد ذلك، ولكن له أن يضمن المشتري قيمته قال ما قبض الشريك من شريكه، كان للقابض ديناً على الغريم؛ لأن قبض القابض، لا ينقض في بعض المقبوض بالاسترداد، فعاد حقه على ما كان.

ولو كان الدين ألف درهم فأبرأ أحدهما الغريم عن مئة، ثم خرج من الدين شيء اقتسماه بينهما على قدر حقهما على الغريم، وذلك تسعة أسهم، ولو اشترى أحدهما بنصيبه ثوباً؛ كان لشريكه أن يضمنه نصفاً من الدين، ولا سبيل له على الثوب؛ لأن الثوب إنما صار مملوكاً له بالشراء؛ قال: إلا أن يجمعا على الشركة في الثوب، ويصير كأن (143أ2) مشتري الثوب باع نصف الثوب منه، ولو لم يشترِ، ولكنه صالح من حقه على ثوب، فالمصالح بالخيار؛ إن شاء أعطى مثل نصف حقه، وإن شاء دفع إليه نصف الثوب؛ لأن مبنى الصلح على الإغماض والتجويز بدون الحق، فلو كلفناه أداء نصف الحق لتضرر، ولا كذلك الشراء؛ لأن مبناه على المماكسة، فالظاهر أنه صار مستوفياً كمال حقه، وللذي لم يقبض في هذه الوجوه كلها أن يرجع بكل حقه على الذي عليه الدين، فإن أسلم للقابض ما قبض، ثم توى الدين على الغريم، فله أن يرجع على الشريك؛ لأنه إنما سلم له المقبوض بشرط سلامة الباقي له؛ إلا أن يرجع في غير تلك الدار، وللقابض أن يعطيه مثلها ولو أخر أحدهما نصيبه لم يجز في قول أبي حنيفة، وجاز عند أبي يوسف.
ومحمد فرع على قولهما، فقال: إذا قبض الشريك الذي لم يؤخر لم يكن للذي أخر أن يشاركه فيما قبض حتى يحل دينه، فإذا حل شاركه إن كان قائماً، وإن كان مستهلكاً ضمنه حصته.

ولو أن الغريم عجل المؤخر مئة درهم؛ كان لشريكه أن يقاسمه، فيكون بينهما نصفين، ثم يرجع هذا القابض على الغريم بما أخذ منه، وذلك..... من حقه الذي

(6/45)


لم يؤخر من قبل أن الذي لم يؤخر إذا أخذ من المؤخر؛ صار للمؤجر من حصته مثل ذلك.

ألا ترى أن الغريم لو عجل للمؤخر جميع حقه، وذلك خمسمائة، فأخذ الذي لم يؤخر من ذلك نصفه؛ كان للمؤخر أن يرجع على الغريم بما أخذ منه من حصة شريكه، فإذا أخذها؛ اقتسماها، وشريكه على عشرة أسهم لشريكه تسعة، وله سهم؛ لأنه تصرف فيه بقدر الحق المعجل، وقد بقي لشريكه أربعة وخمسون، فبقي له من ذلك المعجل خمسون، فيجعل كل خمسين سهماً، فتصير الجملة عشرة أسهم.
ولو كان الدين مشتركاً بين رجلين على امرأة، فتزوجها أحدهما على حصته، فعن أبي يوسف: فيه روايتان؛ قال في رواية: يرجع بنصف حقه.... ذلك؛ لأن القبض وقع بطريق المقاصة كما في بدل البيع، وقال في رواية: لا يرجع، وهو قول محمد، وعن محمد: أنه لو تزوجها على خمسمائة مرسلة كان لشريكه أن يأخذ منه نصف الخمسمائة.
d
وفي «القدوري» : لو استهلك أحد الطالبين على المطلوب مالاً، فصارت قيمته قصاصاً، فلشريكه أن يرجع علىه.
وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف: لو أن أحد ربي الدين أفسد على المطلوب متاعاً، أو قتل عبداً له، أو عقر دابته، وصار ماله قصاصاً بذلك لم يكن لشريكه أن يرجع عليه بشيء، ولو كان للمطلوب على أحد الطالبين دين بسبب قبل أن يجب لهما عليه، فصار قصاصاً، فلا ضمان على الذي سقط عنه الدين لشريكه؛ لأنه قضى ديناً كان عليه، ولم يقبض؛ لأن أحد الدينين يصير قضاءً لأولهما، ولا يصير أولهما قضاءً لآخرهما.
وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف: لو ضمن أحد الطالبين مالاً عن رجل صارت حصته قصاصاً به، ولا شيء لشريكه عليه، فإن أقتضى عن المكفول عنه ذلك المال لم يكن لشريكه أن يرجع عليه أيضاً فيشاركه في ذلك.
ولو أن المطلوب أعطى أحد الشريكين كفيلاً بحصته، أو أحاله بذلك على رجل مما اقتضاه هذا الشريك من الكفيل، أو الجويل فلآخر أن يشاركه فيه. وكذلك لو أن المطلوب أخذها رهناً بحصته فهلك، فلشريكه أن يضمنه؛ لأن الرهن استيفاء حكمي، فيعتبر بالاستيفاء الحقيقي، ولو غصب أحدهما من المطلوب عبداً، ومات، فكذلك لشريكه أن يضمنه؛ لأن الملك في المغصوب يستند إلى أول الغصب، وكذلك لو اشترى شيئاً بشراء فاسد، ومات عبده، أو باعه، أو أعتقه، ولو ذهبت أحد العينين بآفة سماوية في ضمان الغصب، والمرتهن أو المشتري شراءً فاسداً؛ لم يضمن لشريكه شيئاً؛ لأن ما تلف عنده فليس بسالم؛ لأنه لا يمكن القول.... الملك فيه بخلاف نفس العبد.

وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف؛ رجلان لهما على رجل ألف درهم، فصالح أحدهما المديون عن الألف كلها على مئة درهم..... وأجاز الآخر جميع ما صنع،

(6/46)


فهو جائز وله نصف المائة، وإن قال القابض: قد هلكت فهو مؤتمن، فلا ضمان عليه، وقد برىء الغريم، وإذا أجاز الصلح،، ولم يقل: أجزت ما صنع، فإنه يرجع على الغريم بخمسين، ويرجع الغريم على القابض بخمسين من قبل أن إجازة الصلح ليس إجازة للقبض.
وفيه أيضاً: رجلان لهما في يدي رجل غلام أو دار.. صالحه أحدهما منه على مائة، قال أبو يوسف: إن كان الذي في يديه الغلام مقراً بالغلام، فإنه لا يشاركه في المائة، وإن كان جاحداً له فيشاركه فيها، وقال محمد رحمه الله: هما سواء لا يشاركه فيها؛ إلا إن (كان) الغلام مستهلكاً.

وفيه أيضاً: عن أبي يوسف: رجلان اشتريا من رجل جارية؛ اشترى أحدهما نصفها بألف درهم، واشترى الآخر نصفها بألف درهم؛ وجدا بها عيباً ورداها، ثم قبض أحدهما حصته من الثمن لا يشاركه صاحبه فيما قبض، دفعا الثمن مختلطاً في الابتداء، أو دفع كل واحد منهما الثمن على حدة؛ لأنه صفقتان، وكذلك إذا استحقت الجارية، فإن وجدت الجارية حرة، فقد دفعا الثمن مختلطاً كان للآخر أن يشاركه القابض فيما قبض؛ لأنه لم يقع في هذه الجارية بيع، وإنما هذه الألف كانت لهم عند البائع بينهما، وروي عن أبي يوسف أنه رجع عن قوله في فصل الرد بالعيب، فقال: إذا دفعا الثمن مختلطاً، ثم ردا الجارية بالعيب، فاشتركا فيما قبضه أحدهما، وإن ردا بالعيب متفرقاً، لم يشتركا فيه، وإنما في الاستحقاق والحرية يشتركان فيما يقبضه أحدهما يريد به إذا دفعا معاً الثمن مختلطاً.
وفيه أيضاً: عن أبي يوسف: أقر أن لهذين عليه ألف درهم من ثمن جارية اشتراها منهما، فقال أحدهما: صدقت، وقال الآخر: كذبت، ولكن هذه الخسمائة التي أقررت بها هي لي عليه من ثمن اشتريته مني، ثم إن الغريم قضى هذا خمسمائة؛ لم يكن لصاحبه أن يشاركه فيما قبض، ولا يصدق الغريم على أنه بينهما، وبه ختم.

الفصل الثامن في المتفرقات
أحد شريكي العنان إذا أقر أنه استقرض من فلان ألف درهم لتجارتهما لزمه خاصة؛ لأن الاستقراض ليس من تجارتهما، وإن أذن كل واحد منهما صاحبه بالاستدانة عليه لزمه خاصة أيضاً؛ حتى كان للمقرض أن يأخذ منه، وليس له أن يرجع على شريكه هو الصحيح؛ لأن التوكيل بالاستقراض باطل، فصار وجود الإذن والعدم بمنزلة في «عيون المسائل» .

وفيه أيضاً: عبد بين رجلين؛ قال أحدهما لرجل مال ثالت: أشركتك في هذا العبد، ولم يجز..... نصيبه بينهما نصفان، ولو كان مكان الشركة بيعاً من أحدهما

(6/47)


بعد البيع في جميع نصيبه ولا يشركه الآخر فيه؛ قال: يصير يهب (143ب2) الغريم إياه خمسمائة درهم، ويقبض ثم يبرئ الغريم من حصته.
وقال أبو بكر رحمه الله: يبيع من الغريم كفاً من زبيب مثلاً بمثل بمثل ما له عليه، ويسلم إليه الزبيب، ثم يبرئه مما كان له عليه، ثم يطالبه بثمن الزبيب لا بالدين.
بعير بين شريكين حمل عليه أحدهما من الرستاق شيئاً بأمر الشريك.....، فسقط في الطريق، فنحرها هذا الشريك، فلا ضمان عليه؛ إن كان لا يرجى حياة البعير، وإن كان ترجى حياته فهو ضامن؛ لأن كل واحد من الشريكين مأمور بحفظ نصيب شريكه، والحفظ عند التيقن بالموت لا يكون إلا بالذبح، ولو كان الذابح أجنبياً، فهو ضامن على كل حال؛ هكذا ذكر الصدر الشهيد في الباب الأول من «واقعاته» ، وقد ذكرنا مسألة الأجنبي، وما يتصل بها في كتاب الغصب.
اشتركا شركة عنان على أن يبيعا بالعقد والنسيئة، ثم نهى أحدهما صاحبه عن بيع النسيئة؛ قال نصير: لا يجوز نهيه كما في العبد المأذون، وقال محمد بن مسلمة: يجوز نهيه؛ لأن في الابتداء؛ لو اشتركا على هذا الشرط يجوز، فكذا في الانتهاء، وفي العبد المأذون هذا الشرط في الابتداء لا يجوز، وكذا في الانتهاء.

قال في «الجامع» : رجل دفع إلى رجل مائة دينار قيمتها ألف درهم وخمسمائة على أن يشترك بها وبألف من عنده فيبيع، فما رزق الله تعالى من شيء، فهو بيننا، فهذا جائز، وإنه مضاربة معنى، وإن كان شركة صورة من حيث إنه شرط فيه رأس المال من الجانبين؛ إلا أنه تعذر اعتبارها شركة؛ لأن العمل فيه مشروط على أحدهما، وفي الشركة يكون العمل مشروطاً عليهما، فعلم أنه مضاربة معنى، وصار تقدير هذه المسألة دفعت إليك هذه المائة مضاربة على أن تعمل بها، وبألف من عندك على أن الربح بيننا نصفان، ولو صرح بهذا يجوز، ويصير مشارطاً للمدفوع إليه سدس ربح ماله؛ لأنه لو قال: على أن الربح بيننا، كان الربح بينهما أخماساً على قدر رأس مالهما، فإذا قال: على أن الربح بيننا نصفان، فقد صار شارطاً له خمسين ونصف، فيكون شارطاً له نصف سهم من ثلاثة أسهم من حصته، فيكون سدساً.

ولو كانت قيمة المائة الدينار ألف درهم فقال للمدفوع إليه: اعمل بها، وبألف من مالك على أن الربح بيننا نصفان، فهذه بضاعة؛ لأنه تعذر تجويزها شركة؛ لأن العمل مشروط على أحدهما، وتعذر تجويزها مضاربة لأن الدافع لم يشترط له شيئاً من ربح ماله، فكان بضاعة فصار تقدير هذه المسألة: اعمل بمالي على أن الربح كله لي، واعمل بمالك على أن الربح كله لك.
ولو كانت قيمة الدنانير ألف، قال للمدفوع إليه: اعمل بها، وبألف وخمسمائة من مالك على أن الربح بيننا نصفان؛ كان هذا بضاعة، والربح بينهما على قدر رأس المال، واشتراط مناصفة الربح باطل؛ لأنهما إذا شرطا مناصفة الربح، فالدافع لم يشترط للعامل

(6/48)


شيئاً من ربح ماله؛ بل شرط لنفسه بعض ربح رأس مال العامل، فصار تقدير هذه المسألة: اعمل بمالي على أن الربح لي، واعمل بمالك على أن بعض ربح مالك لي، فبطل شرط مناصفة الربح، فصار كأنه قال: على أن الربح بيننا.

وفي «العيون» : ثلاثة نفر ليسوا بشركاء تقبلوا عملاً من رجل، فعمل واحد منهم كل ذلك العمل، فله ثلث الأجر، ولا شيء للآخرين؛ لأنهم لما لم يكونوا شركاء؛ كان على كل واحد منهم ثلث العمل بثلث الأجر، فإذا عمل واحد منهم الكل؛ كان متطوعاً في الثلثين، فلا يستحق به شيئاً من الآجر.
اشترك اثنان في المنزل على أن سدا الكرباس من أحدهما، واللحمة من الآخر فنسجا ثوباً، فالثوب بينهما على قدر السدى واللحمة.
في «المنتقى» عن أبي يوسف: مفاوض وهب لرجل هبة لا يجوز، ولصاحبه أن يأخذ من الموهوب له نصف الهبة، فإذا أخذ ذلك كان بينهما نصفان؛ لأنه من مال بينهما نصفين.
مفاوض اشترى من رجل عبداً بألف درهم، فلم يقبضه حتى لقي البائع صاحبه، واشتراه منه بألف وخمسمائة، فإنه يكون من الشراء الثاني والأول ينتقض، والمتفاوضان بمنزلة رجل واحد.
المعلى في «نوادره» عن أبي يوسف: رجل كان له على متفاوضين مال، وأبرأ أحدهما عن حصته، فهما يبرأان جميعاً. في «الفتاوى» : سئل أبو بكر عن شريكين جن أحدهما، وعمل الآخر بالمال حتى ربح، أو وضع مال الشركة بينهما قائمة إلى أن تم إطباق الجنون عليه، فإذا مضى ذلك الوقت تنفسخ الشركة بينهما، فإذا عمل بعد ذلك، فالربح كله للعامل، والوضيعة عليه، فهو كالغصب لمال المجنون، فيطيب له من الربح حصة ماله، ولا يطيب له ما ربح من مال المجنون، ويتصدق به.

قال محمد في «الجامع» : رجل عليه ألف درهم لرجل، فأمر رجلين بأداء الألف عنه فأدياه، ثم رجع أحدهما على الآمر، فقبض منه خمسمائة، فإن أدياه من مال مشترك بينهما كان لصاحبه أن يشاركه فيه، وإن لم يكن ما أدى مشتركاً بينهما؛ بأن كان نصيب كل واحد منهما مختاراً عن نصيب صاحبه حقيقة، إلا أنهما أديا جميعاً معاً فإن أحدهما لا يشارك صاحبه فيما قبض؛ لأن في الأمر بقضاء الدين الرجوع بحكم الأداء، ولهذا لا يرجع قبل الأداء، فيعتبر حال المؤدى، فإذا كان المؤدى يثبت الوجوب مشتركاً، فيكون لكل واحد منهما حق المشاركة مع صاحبه فيما قبض.

وفيه أيضاً: شاهدان شهدا على رجل أنه كاتب عبداً بألفي درهم إلى سنة قيمته ألف درهم، ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما كان للمولى الخيار، إن شاء ضمن الشاهدين قيمة العبد ألف درهم حالاً؛ لأنهما قصرا يد المولى عنه من غير عوض حصل له للحالب شهادتهما الباطلة، وإن شاء اتبع المكاتب بدل الكتابة ألفي درهم؛ لأن الكتابة تثبت بشهادتهما؛ إما ظاهراً وباطناً، أو ظاهراً لا باطناً على ما اختلفوا فيه، وكان له حق اتباع المكاتب ببدل الكتابة؛ لأن بدل الكتابة قابل لانتقال من ملك إلى ملك.

(6/49)


ألا ترى أنه لو قبل الانتقال من ملك الموروث إلى ملك الورثة أما نفس المكاتب لا تقبل الانتقال، فلهذا أقام الشاهدين مقام المولى في ملك بدل الكتابة، وإذا استوفيا ذلك من المكاتب طاب لهما إحدى الألفين، ولزمهما التصدق بالألف الآخر؛ لأنهما استفاداً بسبب خبيث وهو الشهادة الباطلة،، فكان سبيله التصدق، ويعتق المكاتب؛ لأنه أدى ببدل الكتابة إلى من قام مقام المولى، فيعتق كما لو أدى إلى وارث المولى بعد موت المولى ويكون ولاء المكاتب؛ لأنه نفى حكم ملك المولى لما قلنا: إنه لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، والشاهدان إنما قاما مقام المولى في ملك البدل لا غير؛ لما نفى المكاتب على المعتق حالياً في حكم ملك المولى، فيكون ولاؤه للمولى، فإذا أدى المكاتب على أحد (144أ2) الشاهدين ألف درهم لا يعتق؛ لأنه بعض البدل، وهل لصاحبه أن يشاركه فيما قبض قال: ليس له ذلك؛ لأن الشاهدين ما يملكان فيه المكاتب إنما قام مقام المولى في ملك البدل باعتبار ما لزمهما من ضمان القيمة؛ ولأن كل واحد منهما ضامن القيمة منفصل عما لزم الآخر؛ لانفصال محل لزوم كل واحد منهما، وهو الذمة، والسبب الموجب على كل واحد منهما تقديراً بالشهادة الباطلة، وشهادة كل واحد منهما لا تتعلق بشهادة الآخر، وإنما تنقلب الشهادة بعدها بالرجوع، ورجوع أحدهما غير رجوع الآخر، فصار السبب مختلفاً، ولا يكون لأحدهما حق الشركة مع الآخر.
قال في «الكتاب» : ويستوي في هذا إن أديا القيمة من مال مشترك، أو غير مشترك؛ لأن رجوعهما لا يتوقف على الأداء.
ألا ترى أن المولى لو اختار ضمانهما كان لهما حق الرجوع قبل الأداء فكذلك إن تغير المؤدي، وصارت هذه المسألة نظير الوكيلين بالشراء، فإن في تلك المسألة كان للوكيل حق الرجوع بالثمن.
وكذلك البيع إذا شهد شاهدان على رجل أنه باع عبده هذا من فلان بألف درهم إلى سنة، وقيمة العبد ألف درهم، والمشتري يدعي ذلك، والبائع يجحد، فقضى القاضي به، ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما؛ كان للمولى الخيار؛ إن شاء اتبع المشتري بالثمن إلى أجل، وإن شاء ضمن الشاهدين قيمته حالاً، وإن أدخل الشاهدان في ملك البائع بمقابلة العبد أضعاف قيمته، وذلك ألفي درهم إلا أن ذلك مؤجل والمؤجل بمنزلة التاوي فكان البيع به إتلافاً من وجه فصارا متلفين العبد على البائع من وجه، فوجب المثل لهذا، فإن اختار تضمين الشهود،.... مقام البائع في ملك الثمن؛ لا في ملك العبد؛ إذ العبد خرج عن ملك المولى إلى ملك المشتري، ورجوع الشاهدين في حق المشتري غير معتبر، ويطيب لهما أخذ الألفين، ويتصدقان بالألف الآخر لما مر قبل هذا، فإن قبض أحدهما من الثمن شيئاً لا يشاركه صاحبه فيه لما قلنا في مسألة المكاتب.

قال فيه أيضاً: رجلان غصبا عبداً من رجل قيمته ألف درهم، فصارت قيمته ألفي

(6/50)


درهم، ثم جاء رجل، وغصب العبد منهما، فمات في يد الثاني، ثم حضر المولى، فهو بالخيار؛ إن شاء ضمن الغاصبين الأولين قيمته ألف درهم، وإن شاء ضمن الغاصب الثاني قيمته ألفي درهم، وإن ضمن الغاصبين وأخذ منهما ألف درهم، رجعا على الغاصب الثاني بألفي درهم؛ لأنهما بأداء الضمان ملكاه من وقت الغصب، فتبين أن الثاني غصب ملكهما، فيأخذان منه ألفي درهم يطيب لهما أخذ الألفين، ويتصدقان بالألف الزيادة لاستفادتهما ذلك بسبب خبيث؛ ولأن ملك الغاصبين في العبد وقت الغصب الثاني ثابت من وجه دون وجه لما عرف من الأصل في......، فكان هذا ربح ما لم يملكه من وجه، فيكون فيه نوع خبث قالوا: ويجب أن يكون هذا قول أبي حنيفة ومحمد؛ أما على قول أبي يوسف لهما الألف الزائدة بناءً على أن عندهما شرط طيبة الربح الملك والضمان، فإذا كان الملك عدماً من وجه لم يتحقق شرط طيبة الربح وعند أبي يوسف شرط الربح الضمان لا غير، فإن قبض أحدهما من الثاني ألف درهم؛ كان الآخر أن يشاركه فيه؛ لأنهما ملكا العبد بسبب اشتركا فيه، وهو الغصب، واستوجبا القيمة على الثاني بسبب واحد، وهو غصب منهما وكأنهما باعا عبداً من رجل صفقة واحدة، ولم يبين كل واحد منهما بحصته منها على حدة، وهناك كان الثمن مشتركاً بينهما، فكذا ههنا.
وفيه أيضاً: رجلان غصبا من رجل عبداً، فباعاه من رجل، فمات العبد في يد المشتري، فالمولى بالخيار؛ إن شاء ضمن الغاصبين، وإن شاء ضمن المشتري، فإن ضمن الغاضبين، ثم لم.....، وكان الثمن لهما؛ لأنهما بأداء الضمان ملكاه من وقت الغصب، وظهر أنهما باعاه، وهو ملكهما، والملك فيما بين الغاصب وأداء الضمان، وإن كان بائناً من وجه ذلك الملك الثابت من وجه كاف لنفاذ البيع.... ملك المكاتب.

ولو قبض أحدهما شيئاً من الثمن كان لصاحبه أن يشاركه فيه؛ لأن الدين وجب بسبب واحد حقيقة وحكماً، وهو بيع الغاصبين منه صفقة واحدة من غير أن يبين كل واحد منهما من نصيبه، فكان الدين مشتركاً بينهما، وإن نفى المولى أحد الغاصبين يضمنه نصف قيمته تم البيع في نصيبه، ووجب له نصف الثمن؛ لأنه ثبت الملك له فيما غصب، وهو نصف العبد بأداء الضمان من وقت الغصب، وإن لم يقبض الغاصب الذي أدى نصف القيمة من الثمن حتى ضمن المالك الغاصب الآخر أيضاً نصف القيمة حتى نفذ البيع في النصف الآخر للمعنى الذي مرَّ، ثم قبض أحد الغاصبين من المشتري حصته من الثمن؛ كان للآخرأن يشاركه فيه؛ لأن البيع وجد منهما جملة، وعند نفاذ العقد فملك الثمن مضاف إلى البيع السابق لا إلى النفاذ، فلا تتفرق الصفقة بتفرق النفاذ.
ونظير هذا: ما لو باع رجلان من رجل شيئاً على أنهما بالخيار ثلاثة أيام، وأجازه

(6/51)


أحدهما، ثم أجازه الآخر، وأيهما قبض شيئاً كان للآخر أن يشاركه فيه، فلم يؤثر تفرق النفاذ في تفرق الصفقة؛ كذا ههنا، فلو أن الغاصب الذي أدى نصف القيمة أولاً استوفى من المشتري نصف الثمن، ثم إن المالك غصب ضمن الغاصب الآخر نصف القيمة حتى نفذ بيعه، فأراد الثاني أن يشارك الأول فيما قبض؛ لم يكن له ذلك؛ لأن حال ما نفذ بيع الآخر نصيب الأول كان عيناً، ونصيب الآخر كان ديناً في ذمة المشتري، وللنفاذ حكم الابتداء، حتى إن ما يمنع النفاذ لو كان نصيب كل واحد منهما مختاراً وقت العقد لا تثبت الشركة لهما في الثمن؛ كذا ههنا، وإذا لم يكن للثاني أن يشارك الأول فيما قبض؛ كان للثاني أن يبيع المشتري بنصيبه، فإن قبضا جميعاً الثمن على هذا الوجه، ثم إن الأول وهو ما قبض رصاصاً أو ستوقاً؛ كان له الخيار؛ إن شاء اتبع المشتري بنصف الثمن، وإن شاء شارك شريكه فيما قبض، ثم يتبعان المشتري بنصف الثمن؛ لأن الستوقة والرصاص ليسا من جنس الدراهم، فصار كأن القبض لم يوجد، ولو لم يوجد القبض وجبت الشركة بينهما؛ كذلك ههنا.
ولو وجد الأول ما قبض نبهرجة أو زيوفاً، فردها على المشتري ليس له أن يشارك الثاني فيما قبض؛ لأن الرد بسبب الزيافة ينقض القبض من الأصل؛ إنما يشكل على قول أبي حنيفة؛ لأن عنده برد الزيافة ينتقض القبض من الأصل (144ب2) إلا إذا كان المردود شيئاً قليلاً أصله مسألة السلم، على ما عرف.
ولما كان عند أبي حنيفة برد الزيادة ينتقض القبض من الأصل؛ صار الزيوف والستوقة سواء، فينبغي أن لا يثبت للأول حق الشركة مع الثاني فيما قبض، فمن مشايخنا قال المذكور في «الكتاب» قولهما لا قول أبي حنيفة رضي الله عنه، ومنهم من قال: لا بل هذا قول الكل.

والفرق لأبي حنيفة على قول هذا القائل بين هذا وبين السلم أن الرد بسبب الزيادة نقض القبض من الأصل؛ لكن بعد صحة القبض، فإن اتصل بالقبض حكماً لا يحتمل النقض، فلا يظهر النقض في حقه كما في عتق المكاتب، ونظائره على ما عرف، وإن لم يتصل بالقبض حكماً؛ لا يحتمل الفسخ، فظهر النقض من الأصل في حقه، ففي مسألة السلم لم يفصل بقبض الزيوف إلا سلامة العقد، وهو السلم، والسلم محتمل للنقض، وظهر النقض في حقه أما ههنا اتصل بالقبض ما لا يحتمل النقض، وهو تفرق الصفقة، فإن الأول حين قبض الزيوف، وقبض الزيوف قبض صحيح حكماً فتفترق الصفقة، والصفقة متى افترقت في البيع لا يحتمل الاتحاد مع بقاء العقد، ولم يظهر النقض من الأصل في حقه كما لم يظهر في حق عتق المكاتب.

ولو كان الثاني هو الذي وجد ما قبضه ستوقاً، أو رصاصاً، أو زيوفاً، فردها على المشتري؛ لم يكن له أن يشارك الأول فيما قبض؛ لأن أكثر ما في الباب إنما يجعل قبض الثاني كأن لم يكن، ولكن لم يوجد القبض من الثاني لم يكن له على الأول سبيل لما مر قبل هذا، فههنا كذلك.

(6/52)


وفيه أيضاً: عبد بين رجلين غصبه أحدهما من صاحبه، فباعه بألف درهم دفعه إلى المشتري؛ جاز البيع في نصيبه؛ لأنه باع نصيبه، ونصيب صاحبه، فنفذ في نصيبه، وتوقف في نصيب صاحبه على إجازته، وإن لم يقبض الثمن حتى أجاز صاحبه جاز، وللبائع أن يقبض الثمن كله لكونه مالكاً في النصف عاقداً في النصف الآخر، فإن قبض شيئاً كان مشتركاً بينهما حتى لو هلك هلك عليهما بخلاف واحد من الشريكين إذا قبض حصته من الدين المشترك حيث يقع القبض في نصيبه؛ حتى لو هلك قبل مشاركة صاحبه إياه؛ كان الهلاك على القابض.

والفرق: أن أحد الشريكين مالك القبض على نصيبه؛ غير مالك على شريكه، فيكون القبض له بحكم الملك، وللآخر حق المشاركة تحقيقاً للتساوي بينهما؛ أما ههنا هو مالك القبض على نفسه، وعلى صاحبه لكونه عاقداً في نصيب صاحبه، فيقع القبض عنهما، وهذه المسألة حجة على محمد رحمه الله في مسألة الوكيل بالسلم إذا أسلم ولم تحضره البينة إنه يصير مباشراً لنفسه عند محمد.
والفرق لمحمد: أن الوكيل في باب العقد في حق الحقوق أصيل؛ أما في حق الحكم ليس بأصيل، فاعتبرنا جهة الأصالة في باب السلم، وأما ولاية القبض في باب الحقوق، وهو مالك في حق الحقوق، فلذلك صارا سواء، وإن قبض العاقد نصف الثمن، ثم أجاز الآخر البيع في نصيبه؛ كان ذلك المقبوض بينهما، وكذلك لو كان المقبوض هلك، ثم أجاز كان هالكاً من مالهما؛ لأن الإجازة تستند إلى وقت العقد، فيجعل كأن العقد وقع بإذنه.
n
قال في «الكتاب» : ألا ترى أن من غصب عبداً، فباعه وقبض الثمن، وهلك الثمن عنده، ثم إن المالك أجاز بيعه يجوز، ويظهر أن الثمن هلك أمانة بخلاف مسألة الغاصبين إذا باعا، ثم لقي المالك أحدهما نصيبه حتى نفذ بيعه، ورجع الضامن على المشتري بنصف الثمن، ثم لقي الآخر، فضمنه إنه لا شركة للثاني فيما قبض الأول، ولم يجعل تضمين الثاني بعد قبض الأول حصته بمنزلة تضمينه قبل القبض، والفرق من وجهين:
أحدهما: أن في باب الغصب عند أداء ضمان الملك يثبت من وقت الغصب من وجه دون وجه، ولهذا لا يظهر في حق الأولاد، ولا يظهر في حق نفاذ العتق من الغاصب، فكان الحكم قاصراً؛ أما جواز البيع بالإجازة يثبت من وقت العقد من كل وجه، ولهذا ظهر في حق الزوائد كلها، وفي حق نفاذ العتق من المشتري، فلم يكن الحكم حاصلاً.

والفرق الثاني: أن في مسألة الغاصبين البائع اثنان وعند تعدد البائعين يحتمل الافتراق، ولهذا افترقت بافتراق التسمية، فجاز أن يفترق بافتراق المسمى، وهو صيرورة نصيب أحدهما عيناً، وبقاء نصيب الآخر ديناً، وعند الافتراق الصفقة لا تكون الثمن مشتركاً، أما ههنا العاقد من كل جانب واحد، وعند اتحاد العاقد من الجانبين الصفقة لا تحتمل التفريق، ولهذا لا تتفرق بتفرق التسمية وعند اتحاد العقد، والثمن يكون مشتركاً.

(6/53)


وفيه أيضاً: عبد بين رجلين؛ غصب رجل أجنبي نصيب أحدهما، ثم الغاصب باعه مع الشريك الآخر جملة من رجل؛ جاز البيع في نصيب المولى، ولم يجز في المغصوب؛ بل يوقف على إجازة المغصوب منه، فلو أجاز المغصوب منه البيع في نصيبه قبل قبض الشريك حصته من الثمن؛ صار الثمن مشتركاً حتى لو قبض أحدهما شيئاً منه؛ كان لصاحبه أن يشاركه فيه؛ لأنه لما التحقت الإجازة بالعقد صار الغاصب بمنزلة الوكيل عن المالك، وبيع الوكيل بيع الموكل.
ولو باعه الوليان معاً بثمن واحد كانا شريكين في الثمن، فههنا كذلك، فإن كان المالك قبض حصته ثم أجاز صاحب البيع؛ لم يكن له أن يشارك الأول فيما قبض، ولم يجعل الإجازة في الانتهاء كما الإذن في الابتداء بخلاف ما إذا كان العاقد واحداً.

والفرق: وهو أن الإجازة توجب الجواز بطريق الاستناد؛ لكن على الصفة التي كانت كأن الصفقة بتلك الصفة، وعند تعدد البائعين إذا قبض المالك بعينه قبل إجازة صاحبه الصفقة قد افترق لافتراق صفة المسمى والإجازة التحقت بصفقة متفرقة، فأوجبت الجواز بطريق الاستناد لكن بطريق الافتراق، فلم يجب القول بالشركة، فأما إذا كان الناقد واحداً، فالصفقة متحدة؛ لأنها لا تحتمل الافتراق لما مر، فعند لحوق الإجازة بالصفقة ثبت الجواز بصفة الاتحاد، فوجب القول بالشركة، وكذلك الرجلان إذا باعا عبداً على أنهما بالخيار ثلاثة أيام، فأجازه أحدهما، ثم أجازه الآخر، ثم قبض أحدهما شيئاً من الثمن شاركه صاحبه فيه، ولو أن الذي أجاز أولاً قبض نصفه، ثم أجاز الآخر لم يشاركه فيما قبض والمعنى مامر، والله أعلم بالصواب.

(6/54)