المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الصيد
هذا الكتاب يشتمل على اثني عشر فصلاً:
1 * في بيان الشرائط، وبيان ما يؤكل من الحيوانات (145أ2) وما لا يؤكل.
2 * في بيان ما يملك (من) الصيد، وما لا يملك.
3 * في شرائط الاصطياد.
4 * في بيان الشرائط في الآلة.
5 * في الشرائط التي في الصيد.
6 * فيما لا يقبل الذكاة من الحيوان وما يقبل.
7 * في صيد السمك.
8 * في الرجل يسمع حس صيد ويرميه ثم يتبين خلافه.
9 * في الأهلي يتوحش.
10 * فيما أبين من الصيد.
11 * في بيع آلة الاصطياد.
12 * في المتفرقات.

(6/55)


الفصل الأول في بيان ما يؤكل من الحيوانات، وما لا يؤكل
يجب أن يعلم بأن الحيوانات على أنواع: منها ما لا دم له نحو الذباب والزنبور والسمك والجراد وغير ذلك، ولا يحل تناول شيء منها إلا السمك والجراد، غير أن الجراد يحل مات بعلة أو بغير علة، والسمك إذا مات بغير علة لا يحل، وإذا مات بعلة يحل، وسيأتي بيان ذلك بعد هذا؛ إن شاء الله.

وما له دم نوعان: مستأنس ومتوحش، فالذي يحل تناوله من المستأنس بالاتفاق هو الإبل والبقر والغنم والدجاج، وأما الحمار الأهلي، فلحمه حرام، وأما الفرس فلحمه مكروه عند أبي حنيفة كراهة تنزيه عند بعض المشايخ، وكراهة تحريم عند بعضهم هو الصحيح، وعندهما: لا كراهة في لحمه، وأما البغل، فعند أبي حنيفة لحمه مكروه على كل حال، وعندهما كذلك؛ إن كان الفرس نزا على الأتان، وإن كان الحمار نزا على الرمكة، فقد قيل: يكره، وقد قيل: لا يكره، وأما السنور، والكلب، فلحمهما حرام أهلياً كان أو وحشياً.
وأما المستوحش فنوعان: صيد البر، وصيد البحر.
أما صيد البحر: فلا يحل تناول شيء منها إلا السمك.
وأما صيد البر، فالذي لا يؤكل منه كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، والمراد من الناب والمخلب الناب الذي هو سلاح، والمخلب الذي هو سلاح.
بيان الأول: الأسد والذئب والنمر والفهد والضبع والثعلب وما أشبه ذلك، وكرهوا أيضاً الفيل والدب والقرد والضب، وكرهوا أيضاً سباع الهوام، نحو اليربوع وابن عرس والسنجاب والسنور والفيل والدنق، وكرهوا أيضاً جميع الهوام الذي سُكناها في الأرض نحو الفأرة والوزغ والقنفذ وسام أبرص والحباب، وجميع هوام الأرض إلا الأرنب، فإنه يحل أكله.
وبيان الثاني: الصقر والبازي والشاهين والنسر والعقاب وما أشبه ذلك، وأما العقعق والسوداية وما أشبه ذلك مما لا مخلب له من الطير لا بأس بأكله، وعن محمد في «الرقيات» في العقعق: إذا أكل الجيف يكره أكله، وفإذا كان يلتقط الحب لا يكره، وفي «المنتقى» عن أبي حنيفة أنه قال: لا بأس بأكل العقعق؛ قال: لأنه يخلط الحب مع الجيف، وإنما يكره من الطير ما لا يأكل الجيف، وما له مخلب.

وأما الغراب الأبقع والأسود فهو أنواع ثلاثة: زرعي يلتقط الحب ولا يأكل الجيف، وإنه لا يكره، ونوع منه لا يأكل إلا الجيف، وهو مكروه، ونوع منه يخلط الحب بالجيف؛ يأكل الحب مرة ويأكل الجيف أخرى، وإنه غير مكروه عند أبي حنيفة، وعند

(6/57)


أبي يوسف: يكره، و.... تؤكل، وكذلك.... وكذلك الخطاف، وأما الخفاش: فقد ذكر في بعض المواضع أنه لا يؤكل؛ لأن له ناباً.

الفصل الثاني في بيان ما يملك
يجب أن يعلم بأن الصيد إنما: يملك بالأخذ، قال عليه السلام: «الصيد لمن أخذ» نوعان؛ حقيقي وحكمي، فالحقيقي ظاهر، والحكمي ما هو موضوع الاصطياد؛ قصد به الاصطياد، أو لم يقصد، حتى إن من نصب شبكة، فعُقل بها صيد ملكه صاحب الشبكة؛ قصد بنصب الشبكة الاصطياد، أو لم يقصد؛ لأن صاحب الشبكة صاد الصيد بالشبكة من حيث الاعتبار؛ لأن الشبكة إنما نصبت لأجل الصيد؛ حتى لو نصبها للتجفيف فتعقل بها صيد لا يملكه؛ لأنه لم يصر آخذاً له بالشبكة اعتباراً لما يصيبها بغرض آخر، أو باستعمال ما ليس بموضع للاصطياد؛ إذا قصد به الاصطياد حتى إن نصب فسطاطاً وتعقل به صيد؛ إن قصد بنصب القسطاط الصيد ملكه، وإن لم يقصد به الصيد لا يملكه.
ذكر الحاكم الشهيد رحمه الله في «المنتقى» : رجل هيأ موضعاً يخرج منه الماء إلى أرض له ليصيد السمك في أرضه، فخرج الماء من ذلك الموضع إلى أرضه بسمك كبير، ثم ذهب الماء، وبقي السمك في أرضه، أو لم يذهب الماء؛ إلا أنه قلَّ حتى صار السمك يوجد بغير صيد، فلا سبيل لأحد على هذا السمك، وهو لرب الأرض، ومن أخذ منه شيئاً ضمنه، ولو كان الماء كثيراً لا يقدر على السمك الذي فيه لا يصيد فمن اصطاد منه شيئاً فهو له، ولو كان صاحب الأرض حفر بئراً لأمر؛ لا يريد به الصيد لا يصير آخذاً للسمك بوقوعه فيها؛ لا حقيقة ولا حكماً، فيكون لمن أخذه وإذا هيأ موضعاً كذلك، ودخل فيه السمك وصار بحال يوجد من غير صيد؛ صار آخذاً للسمك بدخوله فيه، وصار ملكاً له، فلا يكون لأحد عليه سبيل.
وفيه أيضاً: لو أن صيداً بأرض في أرض رجل، أو ... فيها، فجاء آخر وأخذه، فهو له؛ لأن صاحب الأرض لم يصر آخذاً له بأرضه، فيكون للآخذ، وهذا إذا كان صاحب الأرض بعيداً من الصيد بحيث لا يقدر على أخذه، أو مد يده فالصيد لصاحب الأرض؛ لأنه صار آخذاً له تقديراً يمكنه من الأخذ حقيقة إن لم يصر آخذاً له بأرضه، فيكون للآخذ، وعلى هذا إذا كان صاحب الأرض بعيد أمن الصيد بحيث لا يقدر.....

(6/58)


حفر بئراً، ولم يقصد به ... الأرض؛ لأنه صار آخذاً له تقديراً، فيمكنه من الأخذ حقيقة إن لم يصر آخذاً له....... ..... الاصطياد فوقع الصيد فيها، فجاء آخر وأخذه إن دنا صاحب البئر من الصيد بحيث لو مد يده يقدر عليه فهو لصاحب البئر.
...... وإذا دخل الصيد دار إنسان، وأغلق صاحب الدار الباب عليه، وصار بحال يقدر على أخذه أحد ... من غير ذكر في «العيون» : أنه إن أراد إغلاق الباب للصيد، ملكه وإن لم يرد تملكه حتى لو أخذه آخر؛ كان الصيد لصاحب الدار في الوجه (145ب2) الأول وفي الوجه الثاني: يكون للآخذ.

وفي «المنتقى» : صيد دخل دار رجل فلما رآه أغلق بابه، وصار الصيد لا يقدر على الخروج، وصاحب الدار يقدر على الأخذ من غير اصطياد، فقد صار صاحب (الدار) آخذاً مالكاً له، ولو أغلق الباب، ولم يعلم به؛ لم يصر أحداً مالكاً له حتى لو خرج الصيد بعد ذلك في الفصل الأول، وأخذه غيره لا يملكه، وفي الفصل الثاني، ولم يشترط إغلاق الباب للصيد.
في «المنتقى» : فظن بعض مشايخنا أن رواية «المنتقى» تخالف رواية «العيون» وليس كما ظنوا، فشرط إغلاق الباب، في «المنتقى» ثابت دلالة، فإنه قال في «المنتقى» : فلما رآه أغلق بابه، وإغلاق الباب عند رؤية الصيد لا يكون لأجل الصيد ظاهراً في الأصل.
ومن أخذ صيداً، أو فراخ صيد من دار رجل، أو من أرض رجل، فهو للآخذ إلا أن يحرزه صاحب الدار بالقبض أو بإغلاق الباب ليحرزه؛ بحيث يقدر على أخذه من غير صيد، فحينئذٍ يكون لصاحب الدار دون الآخذ؛ قال مشايخنا: وليس معنى قوله: يقدر على أخذه من غير صيد أنه لا يحتاج في أخذه إلى المعالجة، وإنما معناه أنه يمكن أخذه بقليل المعالجة من غير شبكة، ولا سهم.
ومن مشايخنا من قال: إذا اتخذ داراً، وشجراً لتفرخ الطير فيها فالفرخ له.
في «المنتقى» أيضاً: رجل نصب حباله، فوقع فيها صيد فاضطرب وقطعها، إن فلت فجاء آخر، وأخذ الصيد، فالصيد للآخذ، ولو جاء صاحب الحبال ليأخذه، فلما دنا منه بحيث يقدر على أخذه إن شاء، فاضطرب، وانفلت، فأخذه آخر، فهو لصاحب الحبالة.
والفرق: أن في الفصلين جميعاً لصاحب الحبالة، وإن صار آخذاً للصيد إلا أن في الفصل الأول بطل الأخذ قبل تأكده، وفي الفصل الثاني بطل بعد تأكده.

وكذلك صيد الكلب، والبازي إذا انفلت على هذا التفصيل، وإذا رمى بالبيت فتعلقت به سمكة، ثم انقطع الخيط في الماء قبل أن يخرج السمك، وذهب السمك فأخذه آخر، فهو للآخذ، ولو رمى صاحب البيت السمك خارج الماء في موضع يقدر على أخذها، فاضطربت ووقعت في الماء؛ وذهبت فأخذها آخر، فهي لصاحب البيت، وهو بناء على ما قلنا، ذكر الصدر الشهيد رحمه الله مسألة البيت في «واقعاته» .

(6/59)


في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد: في رجل رمى صيداً، فصرعه فغشي عليه ساعة من غير حرج، ثم ذهب عنه الغيبة، فمضى أو كان طائراً فطار، فرماه رجل آخر فصرعه وأخذه، فهو للآخر.
علل فقال: لأن الأول لم يأخذه حين صرعه، ولما ذهب عنه الغيبة من الرمية الأولى عاد إلى حال الصيد، فقد أخذه الآخر، وهو صيد، وإن أخذه الأول في غشيه ذلك وأخذه الآخر، وهو على تلك الحالة قبل استفلاله وتحامله، فهو للأول منهما الذي رماه، قال: لأنا لا ندري لعله لم يكن يتنقل منها، وإن استقبل قبل أن يأخذه الأول، فقد عاد إلى حاله قبل أن يرميه، وصار صيداً فيكون لمن أخذه، قال: وهو رجل نصب شبكة، فوقع فيها صيد، وصاحب الشبكة غائب، فانفلت الصيد منها، فرماه آخر، فهو للآخر، وإن كان صاحب الشبكة أخذه حين وقع في الشبكة، فهو لصاحب الشبكة.

ثم فرق بين هذه المسألة، وبينما إذا رمى إلى صيد، وجرحه جراحة لا يستطيع معها النهوض، فلبث كذلك ما شاء الله، وبرأ، ثم رماه آخر، فالصيد للأول.

وفي «الأصل» : إذا رمى صيداً فصرعه، رجل فأخذه، فالصيد للذي رماه؛ لأن الأول لما صرعه صار آخذاً، فصار ملكاً له، وهذا يخالف ما ذكر في «المنتقى» وفي «الأصل» أيضاً: لو رمى صيداً فأصابه وأثخنه بحيث لا يستطيع ثم رماه آخر وقتله، فالصيد للأول، وإن كان يتحامل ويطير مع ما أصابه من السهم الأول، فرماه الثاني فقتله فهو للثاني؛ لأن في الفصل الأول صار آخذاً له، ولا كذلك في الفصل الثاني، ولو رمى رجلان صيداً معاً، فأصابه سهم أحدهما مثل صاحبه وأثخنه، فأخرجه من أن يكون صيداً، ثم أصابه سهم الآخر، فهو للذي أصابه سهمه أولاً، فالعبرة في حق الملك لحالة الأصالة؛ لا لحالة الرمي.
وذكر في «المنتقى» : عن محمد لو دخل ظبي دار رجل أو حائطه، أو دخل حمار وحشي دار رجل أو حائطه، فإن كان يؤخذ بغير صيد، فهو لرب الدار، وكذلك الحظيرة للسمك، وهذا الجواب يخالف جواب المسائل المتقدمة، وخالف قول «الأصل» .
وفي «الأصل» : لو أرسل كلبه على صيد، فأتبعه الكلب فحتى أدخله في أرض رجل أو داره؛ كان لصاحب الكلب؛ لأن الكلب إنما يرسل للآخذ فيعتبر بما لو أخذه بيده، وكذلك لو أرسله على صيد وأمره حين أدخل دار رجل أو أرضه، فهو له؛ لأنه لما أخرجه واضطره صار آخذاً له.

وفي القدوري عن أبي يوسف: في رجل اصطاد طائراً في دار رجل، فإن اتفقا على أنه أصل الإباحة، فهو للصائد؛ سواء اصطاده من الهواء، أو على الشجر إن الصيد إنما يملك بالاستيلاء والأخر، ولا يملك بحصوله على حائطه. وشجره فيكون للآخذ، وإن اختلفا فقال رب الدار: كنت اضطر وأنكر الصياد، فإن كان أخذه من الهواء فهو له؛ لأنه

(6/60)


لا يد لصاحب الدار على الهواء فقد اختلفا فيما لا يد لأحد عليه من قبل، وكان القول قول صاحب الدار، وإن أخذه من داره أو شجره، فالقول قول صاحب الدار؛ لأن يده نائبة على الشجرة، وعلى الحائط، فإذا أخذه من محل هو في يده؛ كان القول قول صاحب اليد، فإن اختلفا في أخذه من الهواء، أو الجدار، فالقول قول صاحب الدار؛ لأن الظاهر أن ما في داره في يده؛ لأن صاحب باعتبار الظاهر.
قال في «الأصل» : ومن اصطاد سمكة من نهر جاري لرجل، فهو للذي أخذه؛ لأن صاحب النهر ما صار محرزاً له؛ بل هو صيد في نهره، فالمحرز له من اصطاد، وكذلك إن كانت أجمة لا يقدر على أخذ صيدها إلا بالاصطياد، فصاحب الأجمة ما صار محرزاً بما حصل فيها من السمك، وإنما المحرز الآخذ، فإن كان صاحب الأجمة..... كذلك حتى خرج الماء، وبقي السمك (146أ2) فهو لصاحب الأجمة؛ لأنه صار محرزاً بما صنع، فالسمك على اليبس لا يكون صيداً، فإذا صار بحقله يجب بتمكن من أخذه من غير صيد، فهو محرز، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله من مشايخنا من إلى السمك، وليس قصده السمك، فهو للآخذ، وإن نصب عنه الماء، فإن كان قصده أخذ السمك ينظر؛ إن كان لم يكن أخذه إلا بصيد، فهو للآخذ، وإن أمكن أخذه من غير صيد، فهو لصاحب الحوض، صار آخذاً له.
نوع آخرمن خبر هذه المسائل

في «المنتقى» : داود بن رشد عن محمد: رجل اتخذ كوارات في أرض رجل، فخرج منها عسل كثير، كان ذلك لصاحب الأرض، ولا سبيل لأحد على أخذه؛ قال: ولا يشبه هذا الصيد، وأشار إلى معنى الفرق فقال: الصيد يجيء ويذهب، والبعض يصير وإنما يشبه الطير في هذا النحل نفسه، أو آخذ النحل أخذ كانت له، فأما العسل، فلم يكن صيداً قط، ولا يصير صيداً قط، وعن أبي يوسف إذا وضع رجل كوارة النحل، فتعسلت فيها، فالعسل لصاحب الكوارة.
في «المنتقى» إبراهيم عن محمد: إذا وضع الرجل الشبكة بين يدي قوم، وقال: خذوه، فمن أخذه، فهو جائز لمن أخذه؛ اختلف العلماء في صفته أنه تمليك أو إباحة؛ قال بعضهم: تمليك، ولكن من مجهول يصير معلوماً عند الأخذ، وقال بعضهم: إنه إباحة، قال: وإذا بين فوقع في حجر رجل، أو كم رجل، فأخذه آخر، فهو للذي أخذه؛ هكذا ذكر في «الكتاب» وعلى قياس ما تقدم ينبغي أن يكون الجواب على التفصيل؛ إن بسط هذا الرجل كمه، وذيله ليقع فيه السكر؛ كان السكر له، وليس للآخذ أن يأخذه، ولو أخذه لا يملكه، وإن لم يبسط كذلك، فالسكر لمن أخذه، وهكذا ذكر في المسألة

(6/61)


على هذا التفصيل في كراهية «فتاوى أهل سمرقند» ، وفي «الأمالي» : عن محمد رحمه الله؛ رجل سيل ماء في أرضه فلاحة، فمن أخذ من ذلك الماء شيئاً، فلا ضمان عليه فيه، وإذا صار ذلك الماء ملحاً، فلا سبيل لأحد عليه؛ لأنه ما دام ماء، فحكم الشركة فيه ثابت، وبعدما صار ملحاً أيضاً من جنس أرضه واتصل بأرضه أيضاً؛ لا يقدر معه التمييز، فصار محرزاً له.
قال: وفي نهر شق في أرض رجل، فتقدم الطين في أرضه، فصار قدر ذراع، وذراعين، فلا سبيل لأحد على ذلك الطين لما بينا في المسألة الأولى ومن أخذ منه شيئاً ضمنه.

الفصل الثالث في شرائط الاصطياد
يجب أن يعلم أن الاصطياد بثلاثة أشياء؛ الصائد، والآلة، والصيد، وفي كل واحد من هذه الأشياء شرائط.
في الصائد فنقول.

ينبغي أن يكون الصائد من أهل الذكاة، وذلك بأن يعقل الذبح، والتسمية؛ حتى لا يؤكل صيد الصبي، والمجنون إذا كانا لا يعقلان الذبح، والتسمية، ويؤكل صيدهما إذا كانا يعقلان ذلك، يريد به إذا أرسل كلبه أو بازه، أو رمى، فأصاب الصيد وقتله، وأن يكون له ملة التوحيد دعوى واعتقاداً، كالمسلم، أو دعوى الاعتقاد كالكتابي حتى أن المجوسي إذا أرسل، أو رمى إلى صيد فأصابه وقتله لا يحل أكله؛ وهذا لأن الإرسال والرمي ذبح من المرسل والرامي حكماً، فيعتبر بالذبح حقيقة، والإباحة لا تثبت بذبح المجوسي حقيقة؛ لأنه ليس له ملة التوحيد؛ لأنه مشرك يدعي الاثنين فهكذا لا يثبت بذبحه حكماً، وكذلك لا يؤكل صيد المرتد؛ لأنه لا ملة له.
ويشترط مع ذلك أن لا يكون محرماً، وأن لا يكون في الحرم، والتسمية شرط عند الإرسال والرمي لما ذكرنا أن الإرسال ذبح من المرسل والرامي حكماً، والتسمية عند الذبح حقيقة شرط؛ هكذا عند الذبح حكماً، ولا بأس بصيد الأخرس المسلم والكتابي؛ لأن له ملة التوحيد، وملة التوحيد تقام مقام التسمية.
ألا ترى أنها أقيمت مقام التسمية في حق الأخرس أولى، ولو أرسل النصراني، أو رمى وسمى باسم المسيح لم يؤكل.
وكذلك الإرسال شرط عندنا في الكلب والبازي، حتى أن الكلب المعلم إذا انفلت من صاحبه، فأخذ صيداً وقتله لا يؤكل، فإن صاح صاحب الكلب به صيحة بعدما انفلت، وسمى، فإن لم ينزجر بصاحبه، وإن لم يردد طلباً وحرصاً للأخذ فأخذ الصيد وقتله لا يؤكل؛ لأنه لما لم ينزجر بصاحبه صار وجود الصياح منه والعدم بمنزلة، وأما إذا انزجر بصاحبه، وأخذ الصيد وقتله فالقياس: أن لا يؤكل، وفي الاستحسان: أن يؤكل.

(6/62)


فرق على جواب الاستحسان بين هذه المسألة، وبينما إذا أرسل كلبه، ولم يسم عمداً، ثم زجره وسمى فانزجر وأخذ الصيد لا يحل تناوله.
والفرق: إرساله فعل معتبر في نفسه قد تعلق به حكم، فالحاجة إلى التسمية.... لا يصح..... دونه والزجر دون الإرسال، فأما انبعاث الكلب، فغير معتبر؛ لأنه فعل العجماء.
ألا ترى أنه لم يتعلق به حكم، فالحاجة إلى ابتداء الفعل ههنا في..... فعل معتبر، فإذا انزجر بزجره جعل ذلك بمنزلة ابتداء الإرسال وقد سمى عند ذلك فيحل وعلى الأصل.
ولنا: إذا أرسل المسلم كلبه إلى صيد وسمى، فزجره مجوسي وانزجر، وأخذ الصيد وقتله يؤكل، وبمثله لو أرسل المجوسي أو من بمعناه كلبه، فزجره مسلم، وسمى وانزجر بزجره وقتل الصيد لايؤكل؛ لأن الإرسال دفع معتبر في الفصلين جميعاً حتى تعلق به حكم، فلا يبيح بالانزجار الذي دونه.

وقد ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الصيد في مسألة المسلم إذا أرسل كلبه، وزجره مجوسي أنه إنما يؤكل للصيد إذا زجره المجوسي في ذهابه، فأما إذا وقف الكلب عن سير الإرسال، ثم زجره المجوسي بعد ذلك وانزجر لا يؤكل.
....، وكذلك بشرط أن لا يشارك في الإرسال الذمي الذي لا تحل ذبيحته كالمجوسي وتارك التسمية عمداً؛ لأنه يجمع في الصيد سبب الحرمة وسبب الإباحة، وكذلك يشترط أن لا يشتغل بعمل آخر بعد الرمي والإرسال أثر الصيد.

قال في «الكتاب» : إذا توارى الصيد والكلب عن المرسل، ثم وجده بعد وقت، وقد قتله وليس..... عبرة فهذا على وجهين: إما أن لم يترك الطلب حتى وجده ذلك، والكلب عنده وفي هذا الوجه القياس أن لا تؤكل، وفي الاستحسان: تؤكل؛ شرط في «الكتاب» أن يكون الكلب عنده؛ قالوا: وهذا شرط لازم للحل على جواب (146ب2) الاستحسان؛ لأن الكلب إذا كان عنده، فالظاهر أنه قتيل الكلب، فأما إذا وجد الصيد ميتاً، والكلب قد انصرف عليه فلا يؤكل قياساً واستحساناً؛ لأنه يحتمل أن القتل حصل بسبب آخر، وأما إذا اشتغل بعمل آخر بعدما أرسل الكلب حتى إذا كان قريباً من الليل طلبه فوجده ميتاً، والكلب عنده، وبه جراحة لا يدري أن الكلب جرحه أو غيره، فقال في «الكتاب» : كرهت؛ لأنه لو لم يترك طلبه ربما وجده حياً فذكاه، فيصير تاركاً الاختياري فيه مع القدرة عليه؛ ولأنه يحتمل أنه بفعل غيره؛ لكن سقط اعتبار هذا الاحتمال ما دام في طلبه فبقي معتبراً إذا ترك طلبه، ثم ذكر في هذا الفصل كرهت أكله، وأراد به كراهة التحريم.
ثم نص عليه شمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي، وذكر في القدوري

(6/63)


نصاً: أنه لا يؤكل، وذكر شيخ الإسلام أنه أراد به كراهة التنزيه والأول أصح، وهذا كله إذا وجده وبه جراحة واحدة يعلم أنه جراحة الكلب؛ أما إذا علم بالعلامة أنها جراحة غير الكلب، أو علم أنه جراحة الكلب، وبان بها جراحة أخرى ليست من جراحة الكلب؛ لا يؤكل ترك الطلب أو لم يترك.
وكذلك الجواب في البازي، والصقر من أوله إلى آخره، والجواب في الرمي هكذا إذا رمى سهماً إلى الصيد فأصابه، وتوارى عن بصره، ثم وجده ميتاً، وبه جراحة أخرى سوى جراحة السهم لا يؤكل وإن كان في طلبه، وإن وجده وليس به جراحة أخرى إن لم يشتغل بعمل آخر تؤكل استحساناً، وإن اشتغل بعمل آخر لا يؤكل قياساً واستحساناً، والله أعلم.

الفصل الرابع في بيان الشرائط في الآلة
فنقول: الآلة نوعان: جماد كالمرزاق والسهم والرمح والمعراض وأشباهها.
وحيوان كالكلب ونحوه والصقر والبازي ونحوها، فإن كانت الآلة حيواناً، فمن شرطها أن تكون معلمة؛ قال الله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} (المائدة 4) ، وقال عليه السلام: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه كل» الحديث، ولا يكون الكلب معلماً إلا بالإمساك علينا، وترك الأكل، وإن كان مجيؤه إذا دعاه، وإذا أرسله على الصيد يصيد.
فعلامة تعلم الكلب، وما بمنعاه ترك الأكل من الصيد، وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يحد في ذلك حداً، ولا يوقت وقتاً، وكان يقول: إذا كان معلماً، فَكُلْ وربما كان يقول: إذا غلب على ظن الصائد أنه معلم، وربما كان يقول: نرجع في ذلك إلى قول أهل العلم من الصائدين، فإذا قالوا: صار معلماً، فهو معلم، وروى الحسن عنه إذا ترك الأكل ثلاثاً فهو معلم، وهو قول أبي يوسف ومحمد في ظاهر روايتهما؛ لا يحل الثالث ولنا يحل الرابع، وروي عنهما أيضاً أنه يحل الثالث.
وأما البازي وما بمنعاه فترك الأكل في حقه ليس علامة تعلمه، وأما علامته أن يجيب صاحبه إذا دعاه حتى أن البازي وما بمعناه إذا أكل من الصيد يؤكل صيده قال بعض مشايخنا في البازي: هذا إذا أجاب صاحبه عند الدعوة العامة من غير أن يطمع في اللحم، فأما إذا كان لا يجيب إلا بطمع في اللحم لا يكون معلماً، ولا يحل صيده.
وكذلك الكلب إذا أكل من الصيد خرج من حكم المعلم، وحرم ما عند صاحبه من الصيود قبل ذلك في قول أبي حنييفة، وعندهما لا يحرم الصيود التي أحرزها صاحبها،

(6/64)


ولم يأكل منها قبل هذا إذا كان العهد قريباً بأخذ ملك الصيود، فأما إذا كان بعيداً بأن أمضى شهراً أو نحوه، وقد قدر صاحبه ملك الصيود لم يجز بلا خلاف.
قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي: وبه ظهر أن الخلاف في الفصلين، وأجمعوا أن ما لم يحرزه المالك من صيوده أنه يحرم؛ هكذا ذكر شيخ الإسلام.

فالحاصل: أن أبا حنيفة يحكم بجهله مستنداً فهما يقولان حكمنا بإباحة ما أحرز المالك من صيوده بنوع اجتهاد، فلو نقضنا هذا الحكم نقضناه باجتهاد مثله؛ لأن أكله من الصيد الذي أكل يحتمل أن يكون لجهله، وتركه الأكل فيما مضى كان لسعة لا يعلمه، ويحتمل أن أكله كان لمسألة جوعه، أو لأنه نسي ذلك، وهذا لا يوجب جهله فيما مضى، فرجحنا ما يوجب الحرمة في المستقبل احتياطاً، ولكن لم ينقض ما حكمنا به من الإباحة فيما مضى بالاجتهاد الثاني، بخلاف ما لم يحرزه من الصيود؛ لأنه لم يحكم بإباحة ما لم يحرزه من كل وجه، فأما إنما يحكم بالإباحة بعد خروجه من أن يكون صيداً، وقتل الآخر ليس شيء من؟ من معنى الصيد به باقي وهو أنه في المعلى وأبو حنيفة رحمه الله قال: المقصود من إباحة الأكل وإنه لم يوجد، وظهور اجتهاد آخر قبل حصول ما هو المقصود من الإباحة؛ كظهور اجتهاد آخر للقاضي قبل القضاء، وأما ما باع المالك مما ورد من صيوده فلا شك أن على قولهما: لا ينقض البيع فيه، وأما على قول أبي حنيفة فينبغي أن ينقض البيع إذا تصادق البائع، والمشتري على كون الكلب جاهلاً.

قال: ولا يحل صيده بعد ذلك حتى يعلم، وحد تعليمه ما ذكرنا في ابتداء الأمر على الخلاف، وكذلك هذا الخلاف في البازي إذا فر من صاحبه، فدعاه فلم يجبه؛ حتى حكم بكونه جاهلاً إذا أجاب صاحبه ثلاث مرات بعد ذلك على الولاء يحكم بتعلمه عندهما.

ولو شرب الكلب من دم الصيد يؤكل، وإن أخذ الرجل الصيد من الكلب، ثم وثب عليه الكلب، فانتهش منه قطعة، أو رمى صاحبه إليه اليد فأكلها، لم يفسده، وهو على تعلمه؛ لأنه انتهى موجب الإمساك لصاحبه بعد التسليم إليه في الأكل بعد ذلك لا في علم الاصطياد، ولو أن الكلب أكل قبل أن يأخذه صاحبه كرهت أكله لما مر، ولو امتنع الكلب الصيد فانتهش منه قطعة فأكلها، ثم أخذ الصيد بعد ذلك، فقتله، ولم يأكل منه ما لم يؤكل؛ لأن الأكل منه قد وجد في حالة الاصطياد، فلم يكن متمسكاً على المالك، ولو أكل ما انتهش بعده أخذ الصيد وقتله صاحبه منه، فإنه منه يؤكل؛ لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة لم يعتبره، فإذا أكل ما بان (147أ2) على صيد كثير، وسمى مرة واحدة حالة الإرسال، فقيل: الكل حل أكله وكفاه تسمية واحدة في حق الكل في البازي.
فرق بين هذا وبينما إذا ذبح شاتين بتسمية واحدة، فإنه لا يحل.
والفرق: أن الذبح في باب الكلب يحصل بالإرسال، ولهذا شرط التسمية وقت

(6/65)


الإرسال، ولهذا تشترط التسمية وقت الإرسال، والإرسال واحد، فعليه تسمية واحدة بمنزلة ما لو رمى سهماً إلى صيد فنفذه وأصاب صيداً آخر، بخلاف ما لو ذبح شاة، ثم ذبح أخرى؛ لأن الثاني صار ذبحاً بغير فعل الأول، فلا بد من تسمية أخرى حتى لو أضجع شاتين، وذبحها بمرة واحدة، فإنه يكفيه تسمية واحدة؛ لأن ذبحهما حصل بفعل واحد، وهذا كله ما دام الكلب في وجه إرساله، فإن انحرف يميناً أو شمالاً ثم أخذ صيداً، فإنه لا يحل أكله؛ لأن هذا الأخذ حصل بغير إرسال؛ لأنه أرسله قبل المشرق وهو قد ذهب إلى المغرب.

وإذا قتل صيداً، وحتم عليه طويلاً، ثم مر به آخر، فأخذه وقتله لم تؤكل؛ لأنه انقطع فور الإرسال، وإذا كمن الفهد في إرساله حتى استمكن الصيد، ثم وثب عليه وقتله، لم يحرم أكله، وكذلك الكلب إذا فعل مثل ذلك؛ لأن قصده من هذا التمكن من الصيد، وهذه عادة ظاهرة في حق الفهد والكلب، فلا ينقطع به حكم الإرسال، أو إذا أرسل بازيه المعلم فوقع على شيء، ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله لا بأس بأكله، وتأويله إذا مكث ساعة الكمين حتى لا ينقطع به فور الإرسال؛ أما إذا مكث زماناً طويلاً يكون الإسراع بحيث ينقطع به فور الإرسال؛ لا يؤكل ومن شرطها أن لا لا يشاركها؟ كلب غير معلم غير مرسل حتى لو أرسل كلبه المعلم وشاركه في قتل الصيد؛ كلب آخر غير معلم، يريد به أن يأخذ معه ويخرج معه، فإنه لا يؤكل؛ لأنه اجتمع في الصيد ما يبيح وما يحرم، والاحتراز غير ممكن، فيرجح جانب الحرمة احتياطاً، وإن رد عليه، ولم يخرج هو معه حتى جرحه أو ورد عليه سبع في حد الكلب المعلم، ومات من جرحه، وذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : أنه يكره أكله؛ قال شيخ الإسلام: لم يرد بهذه الكراهة التحريم، وقال شمس الأئمة الحلواني: أراد بها التحريم، وهو الصحيح.

وإن رد عليه مجوسي حتى أخذه لا بأس بأكله؛ بخلاف ما لو مد المجوسي قوساً إلى صيد وأصابه، فإنه لا يحل أكله، والبازي في هذا نظير الكلب، وإن كان غير المعلم اتبع المعلم..... عليه حتى ازداد طلباً لهذا الصيد؛ لا بأس بأكله، وكذا في البازي، ومن شرطها أن لا يوجد منهما بعد الإرسال، بول..... أوجد ذلك منه، أوطال..... لا يؤكل الصيد، كذلك من شرطها أن يكون جارجاً؛ حتى لو قتله من غير جرح؛ لا يحل ذكر في «الزيادات» وفي «المختصر» لعصام، وأشار في «الأصل» إلى أنه يحل، فإنه قال: أخذ ومثله، ولم يفصل بينهما إذا قتله جرحاً، أو خنقاً.

وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف في غير رواية «الأصول» : أنه يحل وإن لم يجرحه، من المشايخ من قال: ما ذكر في «الأصل» قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وما ذكر في «الزيادات» قول محمد، وقيل: ما ذكر في «الأصل» إيجاز، وما ذكر في «الزيادات» إشباع، والصحيح ما ذكر في «الزيادات» وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة:

(6/66)


أنه إذا كسر عضواً وقتله؛ لا بأس بأكله؛ لأن الكسر جراحة في الباطن، فتصير الجراحة في الظاهر.
هذا كله إذا كانت الآلة حيواناً.
أما إذا كانت الآلة جماداً؛ قال محمد رحمه الله في «الأصل» : ولا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصا وما أشبهه، وإن جرح؛ لأنه لا يخرق؛ إلا أن يكون شيء من ذلك قد حدده، وحلوله كالسهم، وأمكن أن يرمي به، فإن كان كذلك وجرحه حل؛ وهذا لأن المطلوب بالذكاة تسييل الدم، وذلك يحصل بالخرق والتقطيع، فأما الجرح الذي ينزف في الباطن، ولا يخرق في الظاهر، ولا يحصل تسييل الدم به، فهو معنى الموقوذة والموقوذة حرام بالنص، وفعل الحديد، وغير الحديد في ذلك سواء.
وكذلك لو رمى الصيد بسكين، فأصابه بحده فجرحه يؤكل، وإن أصابه بعرض السكين، أو بمقبض السيف لم يؤكل، والمزراق كالسهم؛ لأنه يخرق، ويعمل في تسييل الدم ما يعمل السهم، وإن حدد مبردة، ورمى بها صيداً حل لحصول بتسييل الدم بحدة الآلة، ثم في كل موضع وجد القطع.... هل يشترط مع ذلك الأداة؟ اختلف المشايخ فيه.

منهم من قال: يشترط، ومنهم من قال: لا يشترط، ومنهم من قال: إذا كانت الجراحة صغيرة يشترط، وإذا كانت كبيرة لا يشترط، ولو رمى صيداً بسهم في سنته وأصاب صيداً آخر، أو أصاب ذلك الصيد، ونفذ منه، وأصاب صيداً آخر وقتله، فذلك كله حلال، وإن عرض السهم ريح أو شجر أو حائط ورده إلى ورائه، أو يمنة أو يسرة، وأصاب صيداً لم يؤكل، وإن لم يرده عن سنته يؤكل، وعن أبي يوسف: أنه وإن رده يمنة أو يسرة يؤكل، ولو عرض للسهم بسهم آخر، فرده عن سنته وأصاب صيداً، وقتله لم يؤكل؛ هكذا ذكر في «الأصل» ، وذكر في «الزيادات» : أنه يؤكل.

قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني: تأويل ما ذكر في «الأصل» : أن الرامي الثاني لم يقصد الرمي إلى الصيد، إنما قصد اللعب، أو تعلم الرمي، أو ترك التسمية عمداً؛ حتى لو قصد الثاني الاصطياد يحل على رواية «الأصل» أيضاً، وهكذا ذكر القدوري في «شرحه» .
ولو كانت الريح شديدة فوقعت السهم في سنته وأصابت الصيد أكل.

الفصل الخامس في الشرائط التي في الصيد
فمن شرط أن لا يشارك في موته سوى جراحة السهم، أو الكلب، أو ما أشبه ذلك، وذلك نحو الرمي من موضع، والوقوع في الماء، وجراحةٍ أخرى يتوهم موته من تلك الجراحة.

(6/67)


قال محمد في «الأصل» : إذا أصاب السهم، فوقع على السطح أو على الأرض من الهواء أو مات، فإنه يؤكل، وإذا وقع على السطح أو على الجبل، ثم وقع على الأرض لا يؤكل؛ لأنها متردية، والمتردية حرام لجواز أن يكون (147ب2) التردي قتله، والأصل أنه متى دخل على الصيد لعل وعسى لا يؤكل، وههنا دخل لعل وعسى لجواز أن يكون التردي قتله، ولو وقع على شيء ومات، فإن كان ذلك الشيء قبل الأرض لا يقتل كالسطح، والآجر المبسوطة يؤكل، وإن كان يقتل منه مثل حد الرمح والقصبة المنصوبة وحد الآجر لا يؤكل؛ لأنه يحتمل أنه قتيل الرمح، والآخر، والاحتراز عنه ممكن، فيجب اعتباره بخلاف ما لو سقط على الأرض حيث يؤكل إن احتمل أنه مات بسبب السقوط على الأرض؛ لأن الاحتراز عن السقوط على الأرض غير ممكن، فيسقط اعتباره، وإذا سقط اعتبار السقوط على الأرض سقط اعتبار السقوط على ما هو بمعنى الأرض قالوا: وهذا إذا كانت الجراحة التي أصابت الصيد جراحة يجوز أن يسلم الصيد منها بأن أصاب رجله أو يده؛ أما إذا كانت جراحة لا يجوز أن يسلم منها إن بقي فيه من الحياة مقدار ما يبقى في المذبوح بعد الذبح كالاضطراب ونحوه؛ لا يحرم بالإجماع؛ لأنه يعلم أنه قتيل الجراحة لا قتيل التردي، وإن بقي فيه من الحياة أكثر من ذلك؛ مقدار ما يعيش نصف يوم أو أكثر؛ لا يحرم عند محمد، وعند أبي يوسف يحرم.

وإذا رمى طائراً ووقع في الماء؛ إن كان الطير مائياً، والجراحة فوق الماء، يعلم قطعاً أنه قتيل الجراحة لا قتيل الماء؛ لأنه يفلس في الماء، وإن كانت الجراحة تحت الماء، أو في صيد الذي فوق الماء، أو تحته يحتمل أن يكون الموت بسبب الماء هنا في الوجوه التي ذكرنا في فصل التردي من الذي يجوز أن يسلم، ويجوز أن لا يسلم من الاتفاق والاختلاف، وذكر شيخ الرسلام المسألة على هذا الوجه في «شرحه» ، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى في «شرحه» إن الطير إذا وقع في الماء؛ لا يؤكل برياً كان أو مائياً، فيتأمل عند الفتوى، ومن شرائطه أن يموت قبل أن يصل الصائد إليه؛ حتى يكون حله بلا شبهة وخلاف، فإنه لو وصل إليه الصائد، وهو حي ففيه كلمات على ما يأتي بيانها بعد هذا إن شاء الله.
ومن شرائطه أن يكون متنفراً متوحشاً، ولا يكون ألفاً كالدواجن من الوحوش.

الفصل السادس فيما لا يقبل الذكاة من الحيوان، وفيما يقبل
وإذا أرسل كلبه إلى صيد، فجرحه الكلب؛ ثم وصل إليه صاحبه وهو حي، أو رمى سهماً إلى الصيد فأصابه فوصل إليه صاحبه وهو حي، فهذه المسألة على وجهين: إن لم يتمكن من الذبح؛ إن كان عدم التمكن لفقد الآلة، فلذلك لا يحل إلا بالذبح؛ قال شيخ الإسلام في «شرحه» وقد روي في غير رواية «الأصول» عن أبي حنيفة، وأبي يوسف أنه يحل، وإن كان عدم التمكن لضيق الوقت بأن بقي فيه من الحياة مقدار ما لا يتأتى فيه الذبح.

(6/68)


ذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : أنه لا يحل عندنا، وقال الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل: يحل، وهو قول الشافعي، وبه أخذ الصدر الشهيد في «واقعاته» ، وذكر شيخ الإسلام في «شرحه» : أنه إن كان الباقي من الحياة مقدار ما يبقى في المذبوح بعد الذبح يحل؛ قيل: هو قول أبي يوسف ومحمد؛ أما على قول أبي حنيفة لا يحل، وإن كان الباقي من الحياة أكثر مما يكون في المذبوح إلا أنه لا يتأتى فيه الذبح بذلك القدر لا يحل، قيل هذا بلا خلاف.
قال محمد في «الأصل» في باب المتردي: وما أدركت ذكاته، والمتردي، وما أكل السبع فذكيتها حل، وتكلموا في إدراك ذكاته.
والحاصل: أنه إذا كان يتوهم أن يعيش تقبل الذكاة بلا خلاف حتى لو ذكاه هل يحل، وإن لا يتوهم أن يعيش لكن بقي فيه من الحياة أكثر مما بقي في المذبوح بعد الذبح، قال أبو يوسف رحمه الله: لا تقبل الذكاة، وقال محمد: تقبل، وإذا بقي فيه من الحياة مقدار ما بقي في المذبوح بعد الذبح كالحركة وشبهها؛ قال أبو يوسف: لا تقبل الذكاة، أبي حنيفة اختلف المشايخ؛ ذكر القاضي الإسبيجابي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي: أنه تقبل، وذكر شيخ الإسلام: أنه لا تقبل، وشيخ الإسلام سوى بين هذا، وبين ما إذا جرحت الكلب أو السهم، وقد بقي فيه من الحياة مقدار ما في المذبوح بعد الذبح، فإنه لا يكون محلاً للذكاة؛ حتى لو أخذه المالك، ولم يذكه حل، وهم فرقوا.
والجواب في الشاة إذا مرضت، وبقي فيها من الحياة مقدار ما بقي في المذبوح بعد الذبح وإذا ضرب البازي الصيد بمنقاره أو مخلبه حتى أثخنه أو جرحته الكلب بمرضاة صاحبه ومات الصيد، عامة المشايخ: على أنه لا يحل أكله، وإذا رمى سهماً إلى صيد، فأصابه، وأثخنه حتى لا يستطيع برؤها ثم رماه، بسهم آخر فأصابه ومات لا يحل أكله.

قال الشيخ الأجل شمس الأئمة الحلواني: هذا إذا علمت أنه مات من الرمية الأولى، وإن رماه بسهم وأصابه، ثم رماه رجل آخر بسهم وأصابه؛ إن لم.... للأول حل، وإن.... للأول إلى أن يبقى فيه من الحياة مقدار ما بقي في المذبوح بعد الذبح؛ نحو الاضطراب، فإن أبان الأول رأسه، وفي هذا الوجه يحل أيضاً.

وإن كان الباقي فيه من الحياة أكثر مما بقي في المذبوح بعد الذبح، فعلى قول أبي يوسف لا يحرم الصيد بالرمي الثاني؛ لأنه لا عبرة لهذه الحياة عنده، وعلى قول محمد يحرم؛ لأن لهذه الحياة عبرة عنده، إذا رمى إلى صيد، وانكسر الصيد بسبب آخر قبل أن يصيبه السهم، ثم أصابه السهم حل؛ لأنه حين رماه كان صيداً، والعبرة في حق الحل لوقت الرمي إلا في مسألة واحدة ذكرها محمد في آخر كتاب الصيد.
وصورتها: الحلال إذا رمى صيداً، والرامي والصيد في الحل، فلم يصل السهم

(6/69)


الصيد حتى دخل الصيد في الحرم وبسهم على إثره، فأصابه السهم في الحرم، ومات في الحرم والسهم في الحلال لا يؤكل، واعتبر وقت الإصابة؛ أما فيما عداها، فالعبرة لحالة الرمي.
وفي «النوازل» : إذا رمى سهماً إلى صيد، فأصابه، ووقع عند (148أ2) مجوسي مقدار تعذر على ذبحه، فمات لا يحل تناوله؛ لأنه قادر على ذبحه بتقديم الإسلام، وإذا وقع عند نائم والنائم بحال لو كان مستيقظاً تعذر على تذكيته فمات؛ روي عن أبي حنيفة: أنه لا يحل؛ لأن النائم عنده كاليقظان في مسائل معدودة من جملتها هذه المسألة عن محمد أنه يحل؛ لأن النائم عنده كالغائب وكالميت، وإن وقع عند صبي لا يعقل الذبح حل، وإن كان يعقل الذبح لا يحل.

في «فتاوى أهل سمرقند» : شق الرجل بطن شاة، وأخرج ولدها، وذبح الولد، ثم ذبح الشاة، فإن كانت الشاة لا تعيش من ذلك يحل؛ لأن في الفصل الأول الشاة مثل الفصل الثاني، وإنه تصح ذكاة شاة ذبحت فلم تتحرك بعد الذبح، ولم يخرج منها الدم، فالمسألة على وجهين: إن علم حياتها وقت الذبح حلت، وذكر الصدر الشهيد المسألة في «واقعاته» من غير ذكر خلاف، وذكر شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الصيد: اختلف المشايخ في هذا الوجه؛ قال: كان الفقيه أبو القاسم الصفار يقول: لا يحل لعدم معنى الذكاة، وهو تسييل الدم النحر، وكان الفقيه أبو بكر الإسكاف يقول: يحل لوجود فعل الذكاة، قال عليه السلام: «الذكاة ما بين اللبة واللحيين» ، وإن لم يعلم حياتها وقت الذبح، فإن لم يتحرك، ولم يخرج منها الدم لا يحل، وإن تحرك ولم يخرج منها الدم لا يحل، وإن تحرك ولم يخرج منها الدم المسفوح، أو خرج منها الدم المسفوح، ولم يتحرك حل، والله أعلم.

الفصل السابع في صيد السمك
الأصل عندنا في إباحة السمك؛ أن ما مات بآفة يؤكل، وما مات منه بغير آفة لا يؤكل، وإن قتلها شيء من طير الماء أكل؛ لأنها ماتت بآفة، وإن القاها في حب ماء، وماتت؛ فكذلك لأن ضيق المكان آفة، وكذلك إذا جمعها في حظيرة لا يستطيع الخروج منها، وهو يقدر على أخذها بغير صيد فمتن كلهن فلا بأس بأكلهن؛ لأنهن متن لضيق المكان؛ حتى كانت الحالة هذه، وإن كان لا يقدر على أخذهن من غير صيد، فلا خير في أكلهن؛ لأنه لم يظهر لموتهن سبب، ولو ماتت في الشبكة وهي لا تقدر على التخلص

(6/70)


منها، وأكلت شيئاً مما يلقى في الماء ليس أكل فمات وذلك معلوم، فلا بأس بأكله، وكذلك لو ربطها في الماء وماتت، وكذلك إن جمد الماء بقي في الجمد وماتت.

ولو ماتت بحمى الماء أو برودته ذكر القدوري أنه فيه روايتين، وذكر شيخ الإسلام في غير رواية الأصول: أن على قول أبي حنيفة لا يحل، وعلى قول محمد يحل، وإذا انحسر الماء عنها تؤكل، وإذا انحسر الماء عن بعضها؛ إن كان رأسها في الماء لا تؤكل، وإن كان رأسها خارج الماء تؤكل؛ لأن ذلك سبب موتها، وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» .
وفي «المنتقى» : إذا كان ما على الأرض النصف أو أقل لا تؤكل، وإذا كان ما على الأرض أكثر من النصف تؤكل، وإذا اصطاد سمكة، فوجد في بطنها أخرى أكلهما؛ لأن الأولى ماتت بالأخذ، والثانية لضيق المكان، وهذه المسألة تدل على أنه إذا وجد في بطن السمكة الطافية سمكة أنها تؤكل، وإن ماتت الطافية لا تؤكل، وعن محمد في السمكة توجد في بطن الكلب أنه لا بأس بأكلها؛ يريد إذا لم تتغير؛ لأنها ماتت بسبب، وإذا أضرب بها ضارب، وقطع بعضها لا بأس بأكل ما قطع منها، وإن كان ما قطع مباناً من الحي، والمبان من الحي ميت إلا أن الميت من السمكة حلال إذا ماتت بآفة والمبان من السمكة ميت بآفة، وكذلك لا بأس بأكل الباقي؛ لأنه مات كالسمك يصيده مجوسي؛ لأنه يحل من غير تسمية، فإن المسلم إذا أخذها السمك، وترك التسمية عليه عمداً يحل بدون التسمية؛ المجوسي، وغير المجوسي فيه سواء.

الفصل الثامن في الرجل يسمع حس صيد ويرميه ثم تبين خلافه
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : ومن سمع حساً ظن أنه حس صيد، فأرسل كلبه عليه، أو رماه، فأصاب صيداً، فإن كان ذلك الحس حس صيد، فلا بأس بتناول ما أصاب؛ يستوي فيه أن يكون الذي سمع حس مأكول اللحم، أو غير مأكول اللحم، فإن كان ذلك الحس حس إنسان، أو حساً من الأهليات؛ لا يكون تناول ما أصابه حلالاً به رمي إلى الحس، والرمي إلى الآدمي والأهليات لا يكون اصطياداً، وحل الصيود يتوقف على الاصطياد، وإن لم يتبين ما كان ذلك الحس لا يحل تناول ما أصاب.

وفي «النوادر» : إذا رمى طائراً، فأصاب طيراً آخر، وذهب ذلك الطير، ولا يدري إن كان أهلياً أو وحشياً، فإنه يحل تناول الطير الذي أصابه، وعن أبي يوسف أنه إذا كان الحس حس خنزير لا يحل تناول ما أصابه؛ بخلاف سائر السباع؛ لأن فعله في الخنزير؛ لا يؤثر شرعاً في جلده، فلا يؤثر فيما أصابه أيضاً؛ بخلاف سائر السباع؛ لأن فعله في سائر السباع يؤثر في طهارة الجلد، فجاز أن يؤثر في إباحة لحم ما أصابه، وإن كان ذلك الحس حس سمكة، فظنه طير الماء، أو كان ذلك الحس حس جلاد فظنه صيداً لم

(6/71)


يؤكل؛ لأنه لا يقع عليهما الذكاة، فالنية في آكلها وتركه على السواء وعن أبي يوسف: أنه يؤكل؛ لأن المرمي إليه صيد.
وفي «المنتقى» : إذا سمع حساً بالليل، وظن أنه إنسان أو دابة أو حية فرماه، فإذا ذلك الذي سمع حسه صيد، فأصاب سهمه ذلك الصيد الذي سمع حسه، أو أصاب صيداً آخر فقتله لا يؤكل؛ لأنه رماه وهو لا يريد الصيد؛ قال ثمة: ولا يحل الصيد إلا بوجهين: أن يرميه وهو يريد الصيد، وأن يكون ذلك الذي أراده أو سمع حسه، ورمى إليه صيداً؛ سواء كان مما يؤكل أو لا يؤكل، وذكر بعد هذه المسألة في «المنتقى» أيضاً لو سمع حساً، وظنه أنه شيء، فأصاب الحس نفسه، فإذا هو صيد أكل؛ لأن تعيينه في الرمي إليه يسقط حكم قصده، فصار كما لو قصد إلى المجوس (148ب2) قال: ولو نظر إلى بعير ناد فرماه فأصاب صيداً يؤكل، وكذلك إذا سمع حسه ورماه وهو يظن أنه صيد، فأصاب صيداً، ولو نظر إلى ظبي مربوط أو بصيد فرماه، وهو يظن أنه صيد، فأصاب ظبياً آخر لم يؤكل، ولو رماه، فأصاب غيره، وقد ذهب المرمي إليه، فلا يدري ألفاً كان، أو غير ألف، فلا بأس بأكل الصيد الذي أصابه؛ لأن الظبي صيد حتى يعلم أنه غير صيد، وأما البعير إذا رماه، وهو يظن أنه ناد فأصاب صيداً، ثم ذهب البعير، ولا ندري أنه ناد أو غير ناد لم يؤكل؛ لأن البعير غير نادٍ في الأصل، فيبقى على الأصل حتى يعلم خلافه.

الفصل التاسع في الأهلي يتوحش
الأصل في هذا أن الإنسي إذا توحش، ووقع العجز عن ذكاة الاختيار يحل بذكاة الاضطرار، به ورد الأثر عن رسول الله عليه السلام؛ قال أبو يوسف، ومحمد رحمهما الله في البعير، أو البقرة: إذا ندا، فلا يقدر على أخذه؛ قال: إذا علم أنه لا يقدر على أخذه إلا أن يجتمع كذلك جماعة كثيرة من الناس، فله رميه، وهذا على ما يقع في نفس صاحبه، ويستوي في ذلك أن يكون الند في المصر، أو خارج المصر؛ قال: وأما الشاة فليس هكذا؛ إذا كانت في المصر؛ لأن البعير يصول، والبقر تنطح، فأما الشاة فليست كذلك أشار إلى أن في الشاة القدرة على الذكاة الاختيارية ثابتة بحكم الغلبة ما دامت في المصر، وإن كانت الشاة ندت في الصحراء، فذهبت، وظن صاحبها أنه لا يقدر عليها، فله أن يرميها.
وفي «القدوري» : وكل بعير، أو بقرة، أو شاة ندت وصارت كالصيد لا يقدر عليها صاحبها، فإن ذكاتها ذكاة الصيد سواء البعير والبقرة والشاة والصحيح هو الفرق.
وفي «النوازل» : دجاجة لرجل تعلقت بشجرة لا يصل إليها صاحبها فرماها، إن كان يخاف فوتها تؤكل، وإن كان لا يخاف فوتها؛ لا تؤكل.

(6/72)


وفيه أيضاً: رجل له حمامة طارت منه، فرماها صاحبها أو غيره، فإن كانت لا تهتدي إلى منزلها أصابت الرمية مذبحها، أو موضعاً آخر، وإن كانت تهتدي إن أصابت الرمية المذبح حل أكلها، وإن أصابت موضعاً آخر اختلف المشايخ، ونص محمد رحمه الله في «العيون» : أنه لا يحل أكلها، وهكذا ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» .
وكذا ذكر «البقالي في فتاويه» وعلى هذا الظبي؛ إذا علم في البيت فخرج إلى الصحراء، فرماه رجل، فإن أصاب المذبح يحل أكله، وإن أصاب موضعاً آخر؛ لا يحل أكله إلا أن يتوحش، فلا يؤخذ إلا بصيد، وإن أصاب الظلف أو القرن فقتله حل إذا أدماه، وخلصت الرمية إلى اللحم، وكذلك المتردي إليه إذا لم يقدر على إخراجه، ولا على مذبحه، فإن ذكاته ذكاة الصيد.

في «المنتقى» : بعير تردى في بئر فوجأه وجأة يعلم أنه لا يموت منها؛ لا يؤكل، وإن كان شاكاً أكل.
وفيه أيضاً: رجل حمل عليه بعير غيره ليقتله فقتله أكل لحمه؛ إن كان لا يقدر على أخذه، وأراد بذلك ذكاته، وإن لم يرد به ذكوته لا يؤكل، وجعل الصيال بمنزلة الند.
وفي «النوازل» : بقرة تعسر عليها الولادة، فأدخل صاحبها يده وذبح الولد؛ حل أكله، وإن جرحه في غير موضع الذبح إن كان لا يقدر على مذبحه يحل، والله أعلم.

الفصل العاشر فيما أبين من الصيد
قال: إذا قطع من يد شاة قطعة، أو من فخذها لا يحل، وأهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك، فرد عليهم رسول الله عليه السلام، فقال: « (ما) أبين من الحي، فهو ميتة» ؛ ثم الأصل في جنس هذه المسائل: أنه ينظر إن كان الصيد مما يعيش بدون المبان، فإن المبان منه يؤكل؛ إذا مات من ضربه ورميه والمبان لا يؤكل، وإن كان الصيد لا يعيش بدون المبان يؤكل المبان منه، والمبان جميعاً.
مثال الأول: إذا قطع فخذه فأبانها.
مثال الثاني: إذا قطع الرأس؛ وهذا لأنا إنما عرفنا حرمة المبان بالحديث الذي روينا، والحديث يتناول المبان الحي المطلق، والمطلق ينصرف إلى الكامل، فتناول الحي صورة ومعنى، فإذا كان المبان الفخذ أو ما أشبه ذلك فيما يعيش الصيد بدونه، فهو مبان من الحي حقيقة، ومعنى.
وإذا كان المبان رأس أو ما أشبهه، فهذا مبان من الحي صورة ومن الميت معنى؛ لأنه لا يبقى بعد مثل هذا القطع إلا قدر ما يبقى في المذبوح بعد الذبح، وذلك القدر من

(6/73)


الحياة غير معتبر شرعاً، وكان مباناً من الميت، فلا يدخل تحت الحديث.

قال: ولو ضرب صيداً، وسمى فأبان طائفة من الرأس؛ إن كان المبان يقل عن نصف الرأس؛ لا يؤكل المبان؛ لأنه يتوهم بقاء الصيد حياً بعد قطع هذا المقدار، وإن كان المبان نصف الرأس، وأكثر يؤكل المبان؛ لأنه لا يتوهم بقاؤه حياً بعد قطع هذا المقدار، وإن قطع شيئاً منه من موضع يتوهم أن يعيش الصيد بدون ذلك المقطوع، إلاأنه لم يبينه، فهذا على وجهين: إن كانت الإبانة على وجه تحتمل الإلتئام والإندمال يؤكل كله، وإن كان على وجه لا يحتمل الإلتئام والإندمال بأن تعلق المبان بجلدة كان ذلك بمنزلة ما قد بان منه؛ لأن في الوجه الأول لم توجد الإبانة لا حقيقة ولا حكماً، والميت هو المبان من الحي، وفي الوجه الثاني: وجدت الإبانة معنى، وإن لم توجد صورة والعبرة للمعنى، وعلى هذا يخرج جنس هذه (149أ2) المسائل.
في «الواقعات» : رجل ذبح الشاة، وقطع الحلقوم والأوداج؛ إلا أن الحياة فيها، فقطع إنسان بضعة منها يحل أكل تلك البضعة منها؛ لأن هذا ليس بمبان من الحي؛ لأن ما بقي فيها من الحياة غير معتبر أصلاً.

الفصل الحادي عشر في بيع آلة الاصطياد
قال شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الصيد: إن الصحيح من المذهب أن المعلَّم، وغير المعلم إذا كان بحيث يقبل التعليم؛ سواء في حكم البيع.
حتى قال في «النوازل» : لو باع الجرو جاز بيعه؛ لأنه يقبل التعليم؛ قال: وإنما الذي لا يجوز بيعه العقور الذي لا يقبل التعليم، وذكر شمس الأئمة فصل الكلب الجاهل في موضعين؛ ذكر في أحد الموضعين أن الكلب مع جهالته لو كان عقوراً لا نص فيه، وقد اختلفوا فيه؛ منهم من قال: له قيمة، وذكر في الموضع الآخر أن بيع الجاهل العقور جائز في ظاهر الرواية.
وفي «النوادر» : أنه لا يجوز بيعه، وأما كلب المزابل ذكرت في ظاهر الرواية: أنه لا بأس بأكل ثمنه، وعن محمد في «النوادر» أنه قال: لا يحل من الكلب المزابل.

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وكذلك الأسد إذا كان يقبل التعليم، ويصطاد به جاز بيعه، وإن كان لا يقبل التعليم؛ لا يجوز بيعه، قال: والفهد والبازي يقبلان التعليم على كل حال، فجاز بيعهما كذلك، فأما بيع السنور الذي ينتفع به، فجائز بالاتفاق، وعبارة شمس الأئمة الحلواني أن السنور له ثمن عندنا إذا تمول، ذكر في باب الصيد أن من قتل كلباً معلماً أو بازياً؛ معلماً لغيره، فعليه قيمته كذلك، وكذلك إذا قتل هرة غيره، وكل ما ذكرنا أنه يجوز بيعه يجب الضمان بإتلافه وهبة المعلم من الكلاب، ووصيته جائزة بالإجماع.

(6/74)


الفصل الثاني عشر في المتفرقات
البازي المعلم إذا أخذ صيداً، وقتله، ولا يدري مآل حال البازي أرسله إنسان أو لا، لا يؤكل، وكذلك الكلب على هذا، ويكره لحم الإبل الجلالة، والعمل عليها، وتلك حالها التي تعتاد أكل الجيف ولا يخلط ويكون ميتاً، وإنما كره الاستعمال كيلا يتأذى الناس بروائحها، فأما ما تخلط فيتناول الجيف وغير الجيف على وجه لا يظهر ذلك في لحمه فلا بأس بأكل لحمه والعمل عليها.
ألا ترى إلى ما ذكر محمد رحمه الله في «النوادر» : لو أن جدياً غذي بلبن خنزير، فلا بأس بأكله؛ لأن ذلك لا يؤثر في لحمه، ولا يتغير به، وعلى هذا لا بأس بأكل الدجاج، وإن كان يقع على الجيف؛ لأنها تخلط، فلا يتغير لحمه، ولا ينتن، والحكم يدور على هذا المعنى.
وما ذكر في «الكتاب» : أن الدجاج يحبس، فذلك في الذي لا يأكل إلا الجيف، فأما الذي يأكل الجيف وغيره، فالحبس فيه ليس بشرط، ثم قال: يحبس أياماً، وقد اختلفت الروايات عن أصحابنا رحمهم الله؛ منهم من قال: ثلاثون يوماً، ومنهم من قال: عشرون، ومنهم من قال: عشرة.

وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن الإبل تحبس أربعون، والبقر عشرون، والشاة عشرة، والدجاج ثلاثة، وهكذا روي عنهم في «النوادر» ، وروي عن أصحابنا في الإبل عشرون، وفي البقر عشرة، وفي الشاة ثلاثة، وفي الدجاج يوم، وقال بعضهم: في كل ذلك أيام.
والأصح أنها تحبس إلى أن تزول عنها الرائحة المنتنة، وإليه أشار في «الأصل» حيث قال: حتى تزول عنها الرائحة الكريهة، ثم ذكر في «الأصل» الأكل والعمل عليها، ولم يذكر البيع، وذكر في «النوادر» بيعها، وهبتها ما دام تلك حالها.
وعن محمد في الجدي يغذى بلبن الحمار مرة أو مرتين أنه لا يكره، فإذا كثر كره؛ حتى يعلف مدة يحدث فيه مثل هذا السمن، وروي أنه لا يكره؛ لأنه يتغير، ويجب أن تكون مسألة الجدي غذي بلبن الخنزيرعلى الروايتين أيضاً، وذكر الحسن في الشاة تشرب خمر أو ما فيه بول أنه يكره ذبحها ساعته حتى تحبس ثلاثة أيام، وذكر الطحاوي خلافه، الجنين إذا خرج حياً، ولم يكن من الوقت مقدار ما يقدر على ذبحه، فمات؛ يؤكل، هكذا ذكر في الصيد إذا أصابه السهم، وأدركه صاحبه، ولم يتمكن من ذبحه لضيق الوقت؛ عن شمس الأئمة السرخسي: أنه لا يحل عندنا؛ فعلى قياس تلك المسألة ينبغي أن لا يحل هذا أيضاً.
في «المنتقى» : قال محمد رحمه الله: في الجنين إذا لم يتم خلقه لا يؤكل، وإن تم

(6/75)


أكل؛ أشعر، أو لم يشعر.

وفي «النوازل» أيضاً: رجل له شاة حامل، فأراد ذبحها، فإن تقاربت الولادة يكره ذبحها؛ لأنه تضييع ما في بطنها من غير زيادة فائدة؛ لأنه تقارب الولادة، وهذا التفريع إنما يتأتى على قول أبي حنيفة.
في «العيون» : رجل اشترى سمكة في خيط مشدود في ماء قبضها المشتري ثم ناول الخيط البائع، وقال: احفظ لي، فجاءت سمكة أخرى، فابتلعت الجائية المشدودة، والجواب فيها أن الجائية للبائع؛ لأنه هو الذي صادها، وتخرج السمكة المشدودة والمشتراة من بطنها، وتسلم إلى المشتري من غير ضمان، وإن نقصها الابتلاع؛ لأن هذا نقصان حصل بعد القبض؛ حتى لو لم يقبض المشتري والباقي بحاله، فيخير المشتري إن نقصها الابتلاع.
المسألة الثانية: إذا ابتلعت المشتراة المشدودة الجائية، وفي هذه المسألة هما جميعاً للمشتري لما قلنا.
وفيه أيضاً: أرسل كلبه على صيد فأخطأه، ثم عرض له صيد آخر، فقتله؛ يؤكل، وإن فاته الصيد، فرجع، فعرض له صيد آخر، فقتله؛ لا يؤكل؛ لأن الرجوع نقض الإرسال، والإرسال شرط حل الأكل.
في «مجموع النوازل» : وجد حيوان رأسه ووجهه يشبه السبع، وشعره وقوائمه تشبه الشاة هل يؤكل؟ قال: يلقى بين يديه لحم، وكلأً؛ فإن تناول اللحم لا يؤكل، وإن تناول الكلأ يؤكل.
ويكره الاصطياد للتسلي، وأن (149ب2) يأخذه حرفة وأخذ الطير بالليل؛ لا بأس، والنهي محمول على الندب، ونحن نقول: الأولى أن لا يفعل، والله أعلم بالصواب.

(6/76)