المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الذبائح
هذا الكتاب يشتمل على أربعة فصول:
1 * في بيان أهلية الذابح
2 * في صفة الذكاة
3 * فيما يذكي به
4 * فيما يتعلق بالتسمية على الذبح.

(6/77)


الفصل الأول في بيان أهلية الذابح
فنقول: أهل الذبح من له ملة التوحيد دعوى واعتقاداً كالمسلم، أو دعوى لا اعتقاداً كالكتابي ويستوي أن يكون الكتابي حربياً، أو ذمياً لعموم قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} (المائدة: 5) ، وذبيحة الأخرس حلال؛ لأنه عاجز عن التسمية بحكم الخرس، فيعتبر بالعجز بحكم الكتابي، وذبيحة الصبي الذي يعقل ويضبط حلال، وقوله يضبط معناه يضبط شرائط الذبح من فري الأوداج، وقوله يعقل تكلموا في معناه؛ قال بعض مشايخنا معناه يعقل التسمية، وقال بعضهم: معناه أن يعلم أن الحل بقطع الحلقوم، والأوداج.

الفصل الثاني في صفة الذكاة
اعلم بأن الذكاة نوعان؛ إجباري حالة القدرة، وذلك في اللبلة، وما فوق ذلك إلى اللحيين هذا هو لفظ «القدوري» ، وفي «الجامع الصغير» لا بأس بالذبح في الحلق كله أسفله وأوسطه وأعلاه، وفي «فتاوى أهل سمرقند» : قصاب ذبح الشاة في ليلة مظلمة، فقطع أعلى من الحلقوم، أو أسفل منه يحرم أكلها؛ لأنه ذبح في غير المذبح، هو الحلقوم، فإن قطع البعض، ثم علم يقطع مرة أخرى الحلقوم قبل أن يموت بالأول.
فهذا على وجهين: إما إن قطع الأول بتمامه، أو قطع شيئاً منه، ففي الوجه الأول: لا يحل، وفي الوجه الثاني: يحل.
وذكاة اضطراري إلى حال عدم القدرة، وهي الحرج في أي مكان كان، ثم في حالة القدرة إذا قطع الحلقوم والمري وأودجين فقد أتم الذكاة، وإن قطع الأكثر من ذلك حل أكله، واختلفت الروايات في تفسير ذلك؛ روى الحسن عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف الأول: أنه إذا قطع الثلاث من الأربعة أي ثلث ما قطع فقد قطع الأكثر، رجع أبو يوسف الأول أنه إذا قطع الثلاث من الأربعة أي ثلث ما قطع، فقد قطع الأكثر، رجع أبو يوسف عن هذا، وقال: يشترط قطع الحلقوم والمري، وأحد الودجين، وعن محمد: أنه يعتبر قطع الأكثر عن كل واحد من هذه الأشياء الأربعة.

وفيه أيضاً: أنه إذا قطع الحلقوم والمري، والكثير من كل ودجين يحل، وما لا فلا؛ قال مشايخنا: وهو أصح الجوابات، وإذا ذبح الشاة من قبل القفا، فإن قطع الأكثر من هذه الأشياء لا يحل، ويكره هذا الفعل؛ لأنه خلاف السنة، وفيه زيادة إيلام وإن نحر الشاة، أو ذبح الإبل جاز، لحصول ما هو المقصود، وهو تسييل الدم المسفوح، والسنه خلافه.

(6/79)


وإذا ضرب شاة بالسيف، وأبان رأسها حلت، وذلك الفعل مكروه، وإذا ذبحها متوجهة إلى غير القبلة حلت، ولكن يكره.

الفصل الثالث فيما يذكى به
وما ذبح بسن أو ظفر مبروح، فهو ميتة، ولا بأس بأكله إذا كان مبروعاً، ولكن يكره الذبح به، وما أفرى الأوداج وأنهر الدم فلا بأس بالذبح به حديداً كان أو قصباً للحديث المعروف.

الفصل الرابع فيما يتعلق بالتسمية على الذبيح
إذا سمى على الذبيح بالفارسية يجوز، وإذا قال مكان التسمية: الله أكبر، أو قال: سبحان الله، أو قال: الحمد لله، فإن أراد به التسمية يحل، وإن أراد به التسبيح والتحميد والتكبير؛ لا يحل، وإن قال: اللهم اغفر لي، اللهم تقبل مني؛ لا يحل.
قال «البقالي» : والمستحب أن يقول: باسم الله والله أكبر، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في شرح كتاب الصيد المستحب أن يقول: بسم الله؛ الله أكبر بدون الواو؛ قال: ومع الواو يكره؛ لأنه يقطع بغير التسمية، وإذا ذبح شاة وسمى، فهذا على ثلاثة أوجه:
إما إن لم يكن له نية أو أراد التسمية على الذبح وفي هذين الوجهين حل الذبح، وإن أراد غير التسمية على الذبيح؛ لأنه لم يأت بالمأمور به والمأمور به التسمية على الذبيح، وإذا ذكر التسمية بدون ذكر الهاء إن أراد به التسمية على الذبيح، ويكون ترك الهاء على سبيل الترخيم، وإنه مسموع من كلام العرب، وإن لم يرد به التسمية لا يحل؛ هاتان المسألتان في «النوازل» .

ولو قال: بسم الله وباسم فلان، فقد اختلف المتأخرون فيه؛ قال إبراهيم بن يوسف: يصير ميتة، وبه أخذ الصدر الشهيد في «واقعاته» ، وقال محمد بن سلمة: لا يصير ميتة، فأما إذا ذكر بدون الواو يريد أن يضحي عن فلان لا يصر ميتة وهذا الفصل

(6/80)


منقول عن الفقيه أبي بكر؛ إلا أن المنقول عنه بالفارسية بسم الله يتام فلان، وعلى هذا إذا قال: بسم الله، واسم محمد صلى الله عليه وسلم، ولو قال: بسم الله، ومحمد رسول الله، وقال: بسم الله، أو قال: بسم الله محمد رسول الله؛ إن قال بالرفع يحل، وإن قال بالخفض لا يحل؛ هكذا ذكر في «النوازل» ، وقال بعضهم: هذا إذا كان يلحن النحو ويلحن به في كلامه، وقال بعضهم: على قياس ما روى محمد أنه لا يرى الخطأ في النحو معتبراً في باب الصلاة، ونحوها لا يحرم الذبح.
ولو قال: بسم الله، وصلى الله على محمد، أو قال: صلى الله على محمد بدون الواو؛ حل الذبح، ولكن يكره ذلك.
وفي «البقالي» : حل الذبح إن رافق التسمية الذبح، وقيل: أراد بذكر محمد صلى الله عليه وسلم الاشتراك في التسمية؛ لا يحل، وإن أراد الشرك بذكر محمد عليه السلام يحل الذبح، ويكره ذلك.
ويكره أن يدعو بعد التسمية قبل الذبح بالتقبل وغيره؛ نحو قوله: بسم الله؛ اللهم تقبل مني، أو يقول: من فلان، أو يقول: اللهم اغفر لي؛ لأن الواجب (150أ2) تجريد التسمية، ولم يجرد التسمية، وأما إذا دعا قبل التسمية أو دعا بعد الذبح فلا بأس به، ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإذا أراد أن يذبح عدداً (من) الذبائح لم تجزئه التسمية الأولى عما بعدها، ولوا أرسل كلبه على صيد وسمى أو رمى سهماً وسمى فأصاب صيوداً في فور الإرسال فإنه يحل الأكل، والفرق ما ذكرنا في كتاب الصيد.
h

وإذا أضجع شاة ليذبحها وأحد السكين وسمى ثم ألقى تلك السكين وأخذ أخرى وذبح بها حل، ولو أخذ سهماً وسمى ثم وضع ذلك السهم ورمى بتلك التسمية.

والفرق بينهما أن التسمية في ذكاة الاختيار مشروعة على الذبح لاعلى الآلة والذبح لم يتبدل بما صنع إنما تبدلت الآلة، وأما في ذكاة الاضطرار فالتسمية شرعت على الآلة، فإن النبي عليه السلام قال لعدي بن حاتم: «وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل لأنك سميت على كلبك» .
فقد شرط التسمية على الآلة وهو الكلب، وإذا ثبت في الكلب ثبت في السهم؛ لأن السهم نظير الكلب من حيث إنه آلة يعمل منفصلاَ عن صاحبه، وإذا كانت التسمية مشروعة في ذكاة الإضطرار على الآلة والآلة قد تبدلت صار بدل الآلة في ذكاة الإضطرار كبدل الذبح في ذكاة الاختيار فإن أضجع شاة ليذبحها وسمى فلم تقطع السكين فرماها وأخذ أخرى وذبحها بتلك التسمية لا يجوز فهاهنا كذلك.
وإذا أضجع شاة ليذبحها وسمي عليها ثم كلم إنساناً أو شرب ماء أو حدَّ سكيناً أو أكل لقمة وما أشبه ذلك من عمل لم يكثر حلت بتلك التسمية، وإن طال الحديث وكثر العمل كرهت أكلها وليس في ذلك يقدير بل ينظر فيه إلى العادة.

(6/81)


إن استكثر الناس في العادة يكون كثيراً وإن كان يعد قليلاً فهو قليل، ثم ذكر في هذا الفصل لفظة الكراهة وقد اختلف المشايخ فيها.
وفي «أضاحي الزعفراني» : إذا حدد السكين وقطع بتلك التسمية من غير فصل..... إذا قل أو كثر.
وفيه أيضاً: إذا سمى ثم انفلتت الشاة أو نفرت من يده وقمامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها انقطعت تلك التسمية. وفيه إذا ذبح الذابح وسمى صاحب الأضحية أو غيره لم يجز.

(6/82)