المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب الأضحية
هذا الكتاب يشمل على تسعة فصول:
1 * في بيان وجوب الأضحية ومن تجب عليه ومن لاتجب.
2 * في وجوب الأضحية بالنذر وما هو في معناه.
3 * في وقت الأضحية.
4 * فيما يتعلق بالمكان والزمان.
5 * في بيان ما يجوز في الضحايا وما لا يجوز وفي بيان المستحب والأفضل فيها.
6 * في الانتفاع بالأضحية.

7 * في التضحية عن الغير وفي التضحية بشاة الغير عن نفسه.
8 * فيما يتعلق بالشركة في الضحايا
9 * في المتفرقات

(6/83)


الفصل الأول في بيان وجوب الأضحية ومن لا تجب (عليه)
قال القدووي في «شرحه» : الأضحية واجبة عند أصحابنا إلا في إحدى الروايتين عن أبي يوسف فإنها سنة.
وشرط وجوبها اليسار عند أصحابنا رحمهم الله، والموسر في ظاهر الرواية من له مائتا درهم، أو عشرون ديناراً، أو شيء يبلغ ذلك سوى مسكنه ومتاع مسكنه ومتاعه ومركوبه وخادمه في حاجته التي لا يستغني عنها، فأما ما عدا ذلك من متاعه أو رقيقه أو ... أو متاع..... أو لغيرها فإنها.... في داره.
وفي «الأجناس» إن جاء يوم الأضحى وله مائتا درهم أو أكثر ولا مال غيره فهلك ذلك لم تجب عليه الأضحية، وكذلك لو نقص عن المائتين، ولو جاء يوم الأضحى ولا مال له ثم استفاد مائتي درهم فعليه الأضحية، وإن كان له عقار ومستغلات ملك اختلف فيه:
المتأخرون من مشايخنا في اعتبار الدخل أوقيمة العقار مائتي درهم، فالزعفراني والفقيه علي الرازي اعتبرا قيمتها، وأبو علي دقاق وغيره اعتبروا الدخل، واختلفوا فيما بينهم، قال أبو علي الدقاق: إن كان يفضل من ذلك قوت سنة فعليه الأضحية، ومنهم قال قوت شهر فمتى فضل من ذلك قدر مائتي درهم فصاعداً فعليه الأضحية.
ومنهم قال: إن كان غلتها تكفيه ويكفي عياله فهو موسر وإن كان لا تكفيه ولا تكفي عياله فهو معسر، وإن كان العسار وقع عليه، ينظر إن قد وجب له في أيام النحر أكثر من مائتي درهم فعليه الأضحية وإلا فلا أضحية عليه، وروى ابن سماعة عن محمد عن أبي حنيفة أنه لا تجب الأضحية إلا على من له مائتا درهم فصاعداً فعلى هذه الرواية سوى بين غنى النصاب وبين غنى الأضحية، وعلى ظاهر الرواية فرق.

والمرأة تعتبر موسرة بالمهر إذا كان الزوج مليئاً عندهما، وعلى قول أبي حنيفة الآخر لا تعتبر موسرة بذلك، قيل: هذا الاختلاف بينهم في المعجل الذي يقال بالفارسية دستمان، فأما المؤجل الذي يسمى كابتن فالمرأة لا تعتبر موسرة بذلك بالإجماع.
وفي «الأجناس» : وإن كان عنده حنطة قيمتها مائتا درهم يتجر بها، أو ملح قيمتها مائتا درهم، أو قصار عنده صابوت أو أشنان قيمتها مائتا درهم فعليه الأضحية.

(6/85)


وإن كان له مصحف قيمته مائتا درهم وهو ممن يحسن أن يقرأ فيه فلا أضحية عليه سواء كان يقرأ منه أو يتهاون ولا يقرأ ولا يستعمله، وإن كان لا يحسن أن يقرأ فيه فعليه الأضحية.
وإن كان له ولد صغير حبس المصحف لتسلمية إلى الأستاذ فعلمه فعليه الأضحية، وكتب المعلم والحديث مثل مصحف القرآن في هذا الحكم، وإن كان الرجل غنياً وله أولاد صغار وليس للأولاد مال فليس عليه أن يضحي عن أولاده في ظاهر الرواية.

وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه ذلك، وقد قيل أيضاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف عليه ذلك وعند محمد وزفر ليس عليه ذلك.
وإن كان للأولاد مال فذكر شمس الأئمة السرخسي قال بعض مشايخنا: على الأب والوصي أن يضحي عنه من ماله عند أبي حنيفة (150أ2) قال رحمه الله: والأصح أنه ليس عليه ذلك؛ لأن القربة إنما تقع بإراقة الدم، والتصدق بعده تطوع، وذلك لا يجوز في مال الصغير، والصغير ربما لا يمكنه أن يأكل الجميع، والبيع متعذر فلهذا لم يجب، وذكر شمس الأئمة الحلواني: أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف يجب في ماله، وإن ضحى عنه الأب ضمن؛ قال القدوري في «شرحه» : والصحيح أن يقال بأنه يضحي عنه، ويأكل الصبي منه ما يمكنه، ويباع بالباقي ما ينتفع بعينه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وذكر الصدر الشهيد في شرح الأضاحي: عليه أن يضحي من ماله، وعند محمد وزفر ليس عليه ذلك، فإن فعل الأب أو الوصي ذلك ضمن، وروى الحسن عن أبي يوسف، وعن أبي حنيفة ضمن الأب أو الوصي ذلك، فعلى قول محمد وزفر على ما رواه الحسن يجب الضمان، وأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: فالأب لا يضمن بلا خلاف على كل حال، وفي الوصي اختلف المشايخ؛ بعضهم قالوا: إن كان الصبي يأكل فلا ضمان على الوصي، وإن كان لا يأكل، فعليه الضمان.
وفرق هذا القائل بين الأب والوصي من حيث إن تصرف الوصي إنما ينفذ على الصغير إذا كان للصغير فيه نفع ظاهر، وإنما يكون نفعاً ظاهراً إذا كان الصبي يأكل.
أما تصرف الأب، فإنما لا ينفذ إذا كان ضاراً ولا ضرر ههنا.
ومنهم من قال: لا ضمان على الوصي على كل حال؛ كما لا ضمان على الأب، قال رحمه الله، وعليه الفتوى.
ومن كان موسراً في أحد أيام النحر، فلم يضح حتى افتقر قبل مضي أيام النحر سقطت عنه الأضحية، وكذلك إذا أنفق حتى انتقص النصاب، وإن افتقر بعد مضي أيام النحر لم يسقط عنه التصدق بثمن الشاة.
وكذلك لو كان موسراً في أيام النحر، فلم يضح حتى مات قبل مضي أيام النحر؛ سقطت عنه الأضحية حتى لا يجب عليه الإيصاء، ولو مات بعد مضي أيام النحر لم يسقط عنه التصدق بقيمة الشاة؛ حتى لزمه الإيصاء به، أشار إلى أن الوجوب يتعلق بآخر الوقت كما في الصلاة، وعن أبي حنيفة في الموسر: إذا ولد له في أيام النحر يضحي عنه ما لم تمض أيام النحر بناءً على ما قلنا: الوجوب بآخر الوقت، وعلى أهل السواد الأضحية بخلاف الجمعة وصلاة العيد؛ لأن المصر هناك شرط، ولا كذلك في الأضحية.

(6/86)


ولا أضحية على المسافر، وإن كان له أولاد بعضهم معه، وبعضهم في المصر، فليس عليه أن يضحي عن الأولاد الذين معه، وعليه أن يضحي عن المقيمين في المصر، وهذا على الرواية التي توجب الأضحية على الأب عن الولد الصغير، واعتبر حال من يضحى عنه لا حال المضحي في «القدوري» .
في «المنتقى» : إذا اشترى شاة، وضحى بها، فسافر في أيام الأضحية قبل أن يضحي بها، فله أن يبيعهاعلل فقال: لأنه صار في حال سقطت عنه الأضحية؛ أشار إلى أن الوجوب بآخر الوقت، وهو في آخر الوقت مسافر، ولا أضحية على المسافرين.

الفصل الثاني في وجوب الأضحية بالنذر، وما هو في معناه
أجمع أصحابنا رحمهم الله: أن الشاة تصير واجبة الأضحية بالنذر بأن قال: لله علي أن أضحي هذه الشاة، وأجمعوا على أنها لا تصير واجبة الأضحية بمجرد النية، بأن نوى أن يضحي هذه الشاة ولم يذكر بلسانه نيته، وهل تصير واجبة الأضحية بالشراء بنية الأضحية؛ قال: إن كان المشتري غنياً لا تصير واجبة الأضحية باتفاق الروايات كلها؛ حتى لو باعها، واشترى أخرى، والثانية شر من الأولى جاز، ولا يجب عليه شيء.
وإن كان المشتري فقيراً ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في شرح كتاب الأضحية أن في ظاهر رواية أصحابنا تصير واجبة للأضحية.
وروى الزعفراني عن أصحابنا: أنها لا تصير واجبة وإلى هذا أشار شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» ، وذكر شمس الأئمة الحلواني في «شرحه» : أن في ظاهر رواية أصحابنا لا تصير واجبة الأضحية، وذكر الطحاوي في «مختصره» : أنها تصير واجبة، وأما إذا صرح بلسانه وقت الشراء أنه اشتراها ليضحي بها، فقد ذكر شمس الأئمة الحلواني أنها تصير واجبة.

ذكر الزعفراني في أضاحيه: رجل اشترى أضحية، فأوجبها للأضحية فضلت عنه، ثم اشترى مثلها، وأوجبها أضحية، ثم وجد الأولى قال: إن كان أوجب الأخرى إيجاباً مستأنفاً، فعليه أن يضحي بهما، وإن كان أوجبها بدلاً عن الأولى، فله أن يذبح أيهما شاء، ولم يفصل بين الغني والفقير.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : الفقير إذا اشترى أضحية، فسرقت، فاشترى أخرى مكانها، ثم وجد الأولى، فعليه أن يضحي بهما، فرق بينه وبينما إذا كان غنياً، والفرق: أن الوجوب على الفقر بالشراء، والشراء يتعدد، فيتعدد الوجوب، والوجوب على الغني بإيجاب الشرع، والشرع لم يوجب الأضحية إلا واحدة.
وفيه أيضاً: الفقير إذا اشترى أضحية، فضلت، فليس عليه أن يشتري مكانها أخرى، ولو كان غنياً، فعليه ذلك؛ لأن الوجوب على الفقير بالشراء، والشراء يتناول هذا

(6/87)


العين فوجب التضحية بهذه العين، فسقط الوجوب بهلاكه؛ أما الوجوب على الغني فبإيجاب الشرع، والشرع لم يوجب التضحية بهذه العين، فلا يسقط الوجوب بهلاكه.
وإذا اشترى أضحية وباعها حتى جاز البيع في ظاهر رواية أصحابنا، ثم اشترى مثلها، وضحى بها، فإن كانت الثانية مثل الأولى أو خير منها جاز، ولا يلزمه آخر، وإن كانت الثانية شراً من الأولى، فعليه أن يتصدق بفضل الثمنين؛ قال شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : من أصحابنا من قال: هذا إذا كان الرجل فقيراً (151أ2) فأما إذا كان غنياً ممن يجب (عليه) الأضحية، فليس عليه أن يتصدق بفضل القيمة؛ لأن في حق الغني الوجوب عليه بإيجاب الشرع، فلا يتعين بتعينه في هذا المحل.

ألا ترى أنها لو هلكت بقيت الأضحية عليه، فإذا كان ما ضحى به محلاً صالحاً لم يلزمه شيء آخر، وأما الفقير، فليس عليه أضحية شرعاً، وإنما لزمه بالتزامه في هذا المحل بعينه، ولهذا لو هلكت لم يلزمه شيء آخر، فإذا استفضل لنفسه شيئاً مما التزمه كان عليه أن يتصدق به؛ قال الشيخ: والأصح عندي أن الجواب فيهما سواء؛ لأن الأضحية، وإن كانت واجبة على الغني في ذمته، فهو متمكن من تعيين الواجب في المحل، فيتعين بتعيينه في هذا المحل من حيث قدر المالية؛ لأنه تعيين، وإن كان لا معنى من حيث فراغ الذمة.
رجل أوجب على نفسه عشر أضحيات؛ قالوا: لا يلزمه إلا اثنان؛ لأن الأمر جاء بالاثنين؛ هكذا ذكر في «النوازل» قال الصدر الشهيد رحمه الله في «واقعاته» : والظاهر أنه يجب؛ لأنه أوجب على نفسه ما لله تعالى من جنسه واجب، في «الحاوي» : ذكر هشام في «نوادره» عن محمد: إذا نذر ذبح شاة لا يأكل منها الناذر، ولو أكل فعليه قيمة ما أكل.
وفي «أضاحي» الزعفراني: إذا قال: لله علي أن أضحي شاة في أيام النحر، فإن كان موسراً، فعليه أن يضحي بشاتين؛ إلا أن يعني بالإيجاب، وما يجب عليه؛ لأن النذر إيجاب، والإيجاب ينصرف إلى غير الواجب ظاهراً.
ألا ترى أن من قال: لله تعالى عليَّ حجة كان عليه حجتان: حجة الإسلام، وما أوجبه على نفسه إلا إذا عني بالإيجاب ما هو واجب عليه؛ كذا ههنا، فإن كان فقيراً فعليه شاة، فإن أيسر كان عليه شاتان؛ ما أوجب بالنذر وما أوجب عند اليسار كذا ههنا.

الفصل الثالث في وقت الأضحية
وقت الأضحية ثلاثة أيام؛ اليوم العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر من ذي الحجة، فإذا غربت الشمس من اليوم الثاني عشر لا تجوز الأضحية بعد ذلك، وأفضلها أولها.

(6/88)


قال علي: يصح النحر ثلاثة أيام، أفضلها أولها؛ قال في «الأجناس» : أول وقت الأضحية لأهل السواد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، وفي أهل المصر عند فراغ الإمام من صلاة العيد يوم النحر، وآخر وقت الذبح يستوي فيه أهل السواد وأهل المصر، قال ثمة أيضاً: والوقت المستحب لذبح الأضحية في حق أهل السواد بعد طلوع الشمس، وفي حق أهل المصر، بعد خطبة الإمام، ولو ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة جاز، ذكر في «إملاء» محمد بن الحسن عن أبي حنيفة: ولو ذبح بعد أن يتشهد الإمام قبل أن يسلم جاز عن أضحيته وقد أساء، وقيل: إن شهد الإمام قبل أن يسلم جاز عن أضحيته وقد أساء، وقيل: أن يتشهد الإمام لا يجوز، وفي «الحاوي» : لو ذبح بعدما تشهد الإمام قبل أن يسلم لا يجوز، وفي رواية: يجوز وقد أساء؛ قال ثمة: لم يجزئه عندنا، وعند الحسن: يجزئه.
وفي «الأجناس» : لو صلى الإمام صلاة العيد على غير وضوء ولم يعلم به حين ذبح الناس جاز من أضحيتهم سواء علموا قبل تفرق الناس أو بعد تفرقهم، ومتى علم الإمام ذلك، ونادى بالصلاة ليعيدها فمن ذبح قبل أن يعلم ذلك * يعني نداء الإمام * أجزأه، ومن ذبح بعد العلم إن ذبح قبل الزوال لا يجوز، وإن ذبح بعد الزوال جاز؛ لأن مضي وقت الإعادة.
في «الواقعات» : إذا أخر الإمام يوم العيد الصلاة ينبغي للناس أن يؤخروا التضحية إلى وقت الزوال؛ لأن قبل ذلك الصلاة مرجوة، فإن فاتت الصلاة إما سهواً، وإما عمداً جاز لهم التضحية في هذا اليوم، فإن خرج الإمام إلى الصلاة من ال.... ومن بعد فضحى الناس قبل أن يصلي الإمام أو بعدما صلى جاز؛ لأن الشمس إذا زالت في اليوم الأول فات الوقت المسنون، وإنما يصلي الإمام في اليوم الثاني والثالث على وجه القضاء فلا يظهر ذلك في حق التضحية.

في «الأجناس» : أدرك أهل المصر صلاة العيد بتعيين أو بعدم الأمر من قبل السلطان؛ لا تجوز الأضحية إلا بعد الزوال، وفي اليوم الثاني والثالث تجوز قبل الزوال، وفي «الحاوي» قيل: لا تجوز في اليوم الثاني والثالث أيضاً لا بعد الزوال، قال صاحب «الحاوي» : قال القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله: القول الأول أشبه جمع بينما إذا كان..... الواحد فيها أنه لا تجوز الأضحية في هذا اليوم إلا بعد الزوال.

وفي «الواقعات» : لو أن بلدة وقعت فيها فتن ولم يبق فيها والٍ ليصلي بهم صلاة العيد، فضحوا بعد طلوع الفجر جاز؛ لأن البلدة في هذا الحكم صارت كالسواد.
في الأضاحي للزعفراني: إذا وقعت فتنة في المصر، ولم يكن فيها إمام من قبل السلطان يصلي بهم صلاة العيد؛ القياس: أن يكون وقت الأضحية لهم بعد طلوع الفجر، وفي الاستحسان: بعد زوال الشمس.

(6/89)


وفيه أيضاً: لو ذبح أضحيته بعد زوال الشمس من يوم عرفة، فيما يرى أنه يوم عرفة، ثم تبين أنه يوم النحر؛ جازت عن الأضحية؛ لأنه تبين أنه ضحى في وقته، ولو ذبح قبل الصلاة، وهو يرى أنه يوم التحريم تبين أنه اليوم الثاني أجزاه عن الأضحية أيضاً لما ذكرنا، إذا استخلف الإمام من يصلي بالضعفة في المسجد الجامع، وخرج بنفسه إلى الجبانة مع الأقوياء فضحى رجل بعدما انصرف أهل المسجد قبل أن يصلي أهل الجبانة؛ القياس: أنه لا يجوز، وفي الاستحسان في الأصل، وإن ضحى بعدما فرغ أهل الجبانة قيل في هذه الصورة يجوز قياساً، واستحساناً، وقيل: القياس والاستحسان فيهما واحد.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: هذا إذا ضحى رجل من الفريق الذي صلى، فأما إذا ضحى رجل من الفريق الذي لم يصلِّ، فلم تجز أضحيته قياساً، واستحساناً.

وفي الأضاحي للزعفراني: إذا ضحى رجل من الناحية الأخرى جاز، وذكر القدوري: لو استخلف الإمام من يصلي بضعفة الناس في المصر، فصلى بضعفة الناس في المصر (151ب2) فصلى أحد المسجدين أيهما كان؛ جازت الأضحية، ولم يذكر القياس، والاستحسان، ولا تجوز التضحية في الليلة الأولى من أيام النحر، ويجوز في الليلة الثانية والثالثة، فلم تجعل الليلة الأولى ههنا تبعاً للنهار الآتي، إنما فعل كذلك رفقاً بالناس حتى لا يفوتهم الحج لو وقفوا في الليلة الأولى من يوم النحر.
في «واقعات الناطفي» : إذا وقع الشك في يوم الأضحى فأحب أنه لا يؤخر الذبح إلى يوم الثالث؛ لأنه يحتمل أن يقع في غير وقته، فإن أخر فأحب إلي أن يتصدق بذلك كله ولا يأكل، ويتصدق بما هو ثمن المذبوح؛ لأنه وقع في غير وقته؛ لا يخرج عن العهدة؛ إلا بذلك، ولو اشترى أضحيته في اليوم الثالث، والمسألة بحالها ليس عليه شيء؛ لأنه وقع للاحتمال في الوجوب.
في «النوازل» : الإمام إذا صلى العيد يوم عرفة فضحى الناس، فهذا على وجهين؛ إما أن يشهد عنده شهود على هلال ذي الحجة، أو لم يشهدوا.
ففي الوجه الأول: جازت الصلاة والتضحية؛ لأن التحرز عن هذا الخطأ غير ممكن، والتدارك أيضاً غير ممكن غالباً، فحكم بالجواز صيانة لجمع المسلمين، ومتى جازت الصلاة جازت التضحية ضرورة.

وفي الوجه الثاني: لا يجوز؛ لأنه لا ضرورة إلى التجريد فيما لم تجز الصلاة لا تجوز التضحية، فمتى لم تجز لو ضحى الناس في اليوم الثاني، وهو أول يوم النحر، فهذا على وجهين:

إما أن صلى الإمام في اليوم الثاني أو لم يصلِّ، ففي الوجه الأول: لم يجز؛ لأنه ضحى قبل الصلاة في يوم هو وقت الصلاة، وفي الوجه الثاني: المسألة على قسمين؛ إما أن ضحى قبل الزوال، أو بعد الزوال، فإن ضحى قبل الزوال، فإن كان يرجوا أن الإمام يصلي لا يجزئه، وإن كان لا يرجو يجزئه، وفي الوجه الثاني يجزيه؛ هذا كله إذا تبين أنه يوم عرفة؛ أما إذا لم يتبين لكن شكوا فيه، ففي الوجه الأول، وهو ما إذا شهدوا به عنده

(6/90)


لهم أن يضحوا من الغد؛ من أول الغد؛ لأنه لو تبين كان لهم ذلك، فهذا أحق، وفي الوجه الثاني، وهو ما إذا لم يشهدوا عنده الاحتياط أن يضحوا من الغد بعد الزوال؛ لأن رجاء الصلاة إنما تنقطع من الغد بعد الزوال.

الفصل الرابع فيما يتعلق بالمكان، والزمان
قال القدوري: لو أن رجلاً من أهل السواد دخل المصر لصلاة الأضحى، وأمر أهله أن يضحوا عنه؛ جاز أن يذبحوا عنه بعد طلوع الفجر؛ قال محمد رحمه الله: أنظر في هذا إلى موضع الذبح دون المذبوح عنه، ولو كان الرجل بالسواد، وأهله بالمصر لم يجز ذبح الأضحية عنه إلا بعد صلاة الإمام، وهكذا روي عن أبي يوسف.
وروي فيها أيضاً: أن الرجل إذا كان في مصر، وأهله في مصر آخر، فكتب إليهم أن يضحوا عنه، فإنه يعتبر مكان الذبيحة، فينبغي أن يضحوا بعد صلاة الإمام في المصر الذي يذبح فيه، وروي عن أبي الحسن أنه قال: لا تجوز التضحية حتى يصلى في المصرين جميعاً احتياطاً، وإذا أراد المصري أن يتعجل اللحم في يوم الأضحى ينبغي أن يأمر بإخراج الأضحية إلى بعض هذه.... فيصح هناك قبل الصلاة، فيجوز اعتباراً لمكان الأضحية.

ذكر الفضلي في «فتاويه» : وإذا مضى أيام النحر، فقد فاته الذبح؛ لأن الإراقة إنما عرفت في زمان مخصوص، ولكن يلزمه التصدق بقيمة الأضحية، إذا كان ممن يجب عليه الأضحية، فإن كان أوجب شاة بعينها، أو اشترى ليضحي بها، فلم يفعل حتى مضت أيام النحر تصدق بها حية؛ لأنه تعذر إقامة القربة من حيث الذبح لفوات الوقت، والتصدق في باب الأضحية، فإن لم يكن ركناً، ولكن له مدخل فيه، وإنه قربة معقولة، فيجعل أصلاً عند تعذر إقامة القربة بالذبح، فوجب التصدق، ولا يجوز الأكل منها؛ لأن فعل التصدق.
d
... أصلاً في هذا الباب، والصدقات للفقراء دون الأغنياء، فإن باعها تصدق بثمنها؛ لأن الثمن بدل عنها، فيلزمه التصدق به عند وقوع العجز عن التصدق بعينها بالبيع.
وفي الأضاحي للزعفراني: إذا اشترى أضحية، فأوجبها، ثم باعها، ولم يضح ببدلها حتى مضى أيام النحر؛ تصدق بقيمته التي باع، فإن لم يبعها حتى مضت أيام النحر؛ تصدق بها حية، فإن ذبحها، وتصدق بلحمها جاز، فإن كان قيمتها حية أكثر تصدق بالفضل، ولو أكل منها شيئاً غرم قيمته؛ لأنه فوت المبدل، فيجب عليه البدل، فإن لم يفعل ذلك كله حتى مضت أيام النحر فضحى بها عن العام الأول؛ لم يجزئه؛ لأن

(6/91)


إراقة الدم عرفت فدية بالنص، والنص شرعاً فدية إذ لا قضاء، وإن كان باعها بعدما مضت أيام النحر تصدق بثمنها، فإن باعها بما يتغابن الناس فيه أجزأه، وإن باعها بما لا تتغابن الناس فيه تصدق بالفضل.

الفصل الخامس في بيان ما يجوز في الضحايا وما لا يجوز، وفي بيان المستحب، والأفضل منها
ويجزىء في الأضحية الثني فصاعداً من كل شيء، ولا يجزىء ما دون ذلك كل شيء إلا الجذع من الضأن إذا كان عظيماً، ومعناه أنه إذا اختلط مع المثان يظن الناظر إليه أنه ثني.

ثم الجذع أتى عليه أكثر السنة، وهو سبعة أسهم، وطعن في الثانية، وهو قول أهل الفقه، والثني من الغنم الذي تم عليه سنة وطعن في الثانية، ومن البقر الذي تم له سنتان وطعن في الثالثة، ومن الإبل الذي تم له خمس سنين، وطعن في السادسة، هذا كله قول أهل الفقه، ولا بأس بالخصي والجماء وهي الشاة التي لا قرن لها ومكسور القرن، والجرباء إذا كانت سمينة، والثولاء وهي التي بها ثؤلول إذا كانت سمينة والتولاء، وهي المجنونة إذا كانت سمينة، والعرجاء إذا كانت تمشي فلا بأس بها، وإذا كانت لا تقوم، ولا تمشي لا يجوز وهو المراد من العرجاء البين عرجها المذكور في الحديث.
قال مشايخنا: إذا كانت تمشي بثلاث قوائم، وتجافي الرابع عن الأرض لا يجوز، وإذا كانت تضع الرابع على الأرض تستعين بها لا أنه تتمايل مع ذلك (152أ2) وتضعه وضعاً خفيفاً يجوز، وأما إذا كانت تدفع دفعاً، أو يحمل إذا.... أن يجوز، ولا يجزي العمياء ولا العوراء أو هي ذاهبة إحدى العينين بكماله، ولا التي ليس لها أذنان، أو إحدى الأذنين، ولا مقطوعة الألية، وإن كانت صغيرة الأذن جاز، وروى أسد بن عمرو عن محمد؛ ما لم يخلق لها أذنان يجوز، وفي الضحايا للحسن بن زياد؛ قال أبو حنيفة: جاز إذا خلقت بلا أذنين، وفي «زيادات نوادر هشام» قال أبو حنيفة: إذا كان لها أذنان صغيران يجوز بعد أن تسمى أذناً، وإذا كان لها إلية صغيرة خلقة تشبه الذنب؛ قال محمد: تجزىء، ولم يكن لها ذنب ولا إلية خلقة فقد روي عن أبي يوسف: أنه لا يجوز سواء كان تعتلف أو لا تعتلف.

وإن بقي بعض أسنانها إن كانت تعتلف بما بقي من الأسنان جاز، وما لا فلا، ولا تجزىء العجفاء التي لا تبقى، ولا المريضة البين مرضها، ولا الجلالة التي تأكل الجيف، ولا تأكل غيرها، ولا بأس بالشق في الإذن، والكي، والسمة وهي الثقب في

(6/92)


الأذن، وروى أبو سليمان عن محمد لا بأس بالمقابلة، وهي التي شق أذنها من خلفها، ولم يصل الشق إلى قدامها، وبالشرقاء، وهي التي قطع من وسط أذنها، فتعدى الخرق إلى الجانب الآخر، وإذا ذهبت بعض العين الواحدة وبعض الذنب، أو بعض....، فإن كان الذاهب كثيراً منع جواز الأضحية، وإن كان الذاهب قليلاً لا يمنع جواز الأضحية، وتكلموا في حد الفاصل بين القليل والكثير، فالزائد على النصف كثير بالإجماع، وأما النصف وظاهر مذهبهما أنه كثير، وأما ما دون النصف فوق الثلث فهو قليل عندهما، وعند أبي حنيفة في ظاهر مذهبه كثير؛ قال أبو يوسف: ذكرت قولي لأبي حنيفة رحمه الله، فقال: قولي مثل قولك.
ولا بأس بالمهذولة إذا بقي لها بعض اللحم، فإن لم يبق شيء من ذلك لا يجوز، ولا تجزىء الجدعاء وهي مقطوع الأنف، ولا التي قطع ضرعها، ولا التي يبس ضرعها، ومن المشايخ من يذكر هذا الفصل أصلاً، ويقول: كل عيب يزيل المنفعة على الكمال، أو الجمال على الكمال يمنع الأضحية، وما لا يكون بهذه الصفة لا يمنع.
كل عيب يمنع الأضحية، ففي حق الموسر يستوي أن يشتريها كذلك أو يشتريها وهي سليمة، فصارت معتوهة بذلك العيب، ولا يجوز على كل حال، وفي حق المقتر يجوز على كل حال؛ لأن في حق الموسر الوجوب في الذمة صفة الكمال، فلا يتأدى بالناقص، فأما في حق المقتر لا وجوب في الذمة، وإنما يثبت الحق في العين، فيتأدى بالعين على أي صفة ما كانت، وبه ورد الأثر عن نفيع.

وإن أصابها شيء من العيوب في اصطحابها حين اصتحبها للذبح، وذبحها على مكانها جاز استحساناً، وإذا انفلتت ثم أحدق، وذبحت؛ روي عن أبي يوسف في غير رواية «الأصول» : أنها إذا أحدق من فوق ذلك جاز، وإلا فلا وعن محمد: أنه يجوز في الحالين بعد أن تكون التضحية في الأضحية، ولا يجوز شيء من الوحوش، وبقر الوحش وأشباهها، وإن ألفت، وفي المتولد بين الوحشي والأهلي تعتبر الأم إن كانت الأم وحشية لا تجزئ في الأضحية، وإن كانت أهلية تجزئ، وتجزئ في الأضحية؛ لأنه نوع من البقر، والخصي أفضل من الفحل؛ لأنه أطيب لحماً؛ قال الشيخ أبو محمد ... : البقرة أفضل من الشاة في الأضحية إذا استويا في القيمة؛ لأنها أعظم وأكبر، والشاة أفضل من سبع البقرة، وإذا استويا في القيمة، واللحم؛ لأن الشاة أفضل من سبع البقرة، وإن استويا في القيمة، واللحم؛ لأن لحم الشاة أطيب، وإن كان سبع البقرة أكثر لحماً، فسبع البقرة أفضل، والأصل في هذا أنهما إذا استويا في اللحم والقيمة فأطيبهما لحماً أفضل، وإذا اختلفا في القيمة واللحم، والفاضل أولى.
إذا ثبت هذا، فنقول العجل بعشرين، وذلك قيمته أفضل من خصي بخمسة عشر، وإن كان الخصي أطيب لحماً؛ لأن الآخر أكثر؛ قلنا: وإن استويا في القيمة، واللحم،

(6/93)


فالكبش أفضل، وكذا الكبش والنعجة إذا استويا في القيمة واللحم، فالكبش أفضل، وإن كانت النعجة أكثر قيمة، فهو أفضل، والذكر من الضأن أفضل إذا استويا؛ لأنه أطيب لحماً، والأنثى من البقر أفضل إذا استويا؛ لأنه أطيب لحماً، والأنثى من البعير كذلك، والبقرة أفضل من سبع شياه إذا استويا، وسبع شياه أفضل من البقرة.
في أضاحي الزعفراني: البعير أفضل من البقر؛ لأنه أعظم.

وفي «فتاوى أبي الليث» : شراء الأضحية بثلاثين درهماً شاتان أفضل من شراء واحدة؛ قال: وشراء الواحدة بعشرين أفضل من شراء شاتين بعشرين؛ لأن بثلاثين درهماً توجد شاتان على ما يجب من كمال الضحية في السن والكبر، ولا يوجد بعشرين كذلك حتى لو وجد كان شراء الشاتين أفضل، ولو لم يوجد بثلاثين كذلك كان شراء الواحدة أفضل.
في «فتاوى أهل سمرقند» : الأفضل أن يضحي الرجل بيده إذا قدر، وإن لم يقدر يوصي إلى غيره، وقد صح أن رسول الله عليه السلام تولى البعض بنفسه، وولى علياً بعض الباقي، وحكي أن أبا حنيفة فعل بنفسه، ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويطعم منها غيره، وإن أكل الكل أو أطعم الكل جائزاً واسعاً، ويجوز أن يطعم منه الغني والفقير، ويهب منه ما شاء لغني أو فقير، أو مسلم أو ذمي، ولا بأس بأن يحبس المضحي لحماً، ويدخر كم شاء من المدة، والصدقة أفضل؛ إلا أن يكون الرجل ذا عيال، فإن الأفضل أن يدعه لعياله، ويوسع به عليهم، هذه الجملة في أضاحي الزعفراني.
روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف: في رجل له تسعة من العيال، وهو العاشر، فضحى بعشر من الغنم عن نفسه، وعن عياله، ولا ينوي شاة بعينها؛ لكن ينوي العشرة عنهم وعنه؛ جاز في الاستحسان، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.

الفصل السادس الانتفاع بالأضحية (152ب/2)
قال: ويكره له أن يحلب الأضحية، ويجز صوفها قبل الذبح، وينتفع به؛ لأن الحلب، والجز يفوّت جزءاً منها، وقد التزم التضحية بجميع أجزائها، فلا يجوز له أن يحبس شيئاً منها، فإن فعل ذلك تصدق بها؛ من أصحابنا من قال بأن هذا في الشاة التي أوجبها، وليست بواجبة كالمقتر إذ اشترى أضحية، فأما الموسر إذا عين أضحية، فلا بأس بالحلب والجز؛ لأن الوجوب لم يتعين بها، وإنما هو واجب في ذمته، ويسقط عنه بالذبح، فقبل الذبح صارت هذه وغيرها سواء.

قال: وإذا ذبحها في وقتها جاز له أن يحلب لبنها أو يجز صوفها، وينتفع به؛ لأن القربة أقيمت بالذبح والقربة، ولا انتفاع بعد إقامة القربة مطلقاً؛ كالأكل، وإن كان في

(6/94)


ضرعها لبن، وهو يخاف نضح ضرعها فغسله بالماء البارد ليتقلص اللبن، فلا يتأدى به، إلا أن هذا إنما ينتفع إذا كان بقرب من أيام النحر، فأما إذا كان بالبعد فلا تقيد؛ هذا لأن اللبن ينزل.... .... يتعلق، ولكن ينبغي أن يحلبها. ويتصدق باللبن، كالهدي إذا عطبت قبل أن يبلغ محله، فإن عليه أن يذبحها، ويتصدق بلحمها؛ قال البقالي في «كتابه» : وما أصاب من لبنها تصدق بمثله أو قيمته، وكذا الأرواث إلا أن يعلفها بقدرها، ويجوز الانتفاع بجلد الأضحية، وهدي المتعة والتطوع بأن يتخذها فرواً أو بساطاً، أو حراماً، أو غربالاً أو قطعاً وله أن يشتري به متاع البيت كالغربال، والمنخل، والفرو، والكساء، والخف، وكذلك له أن يشتري به ثوباً يلبسه، ولا يشتري به الخل،.....، وكذلك لا يشتري به اللحم، ولا بأس ببيعه بالدراهم ليتصدق بها، وليس له أن يبيعها بالدراهم لينفقه على نفسه، ولو فعل ذلك تصدق بثمنها.
ولو أراد بيع لحم الأضحية ليتصدق بثمنها؛ ليس له ذلك؛ ليس له في اللحم إلا أن يطعم، أو يأكل؛ هكذا ذكر في «الأجناس» .
فصار حاصل الجواب في الجلد أنه لو باعه بشيء ينتفع به بعينه، أو باعه بشيء لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الأضحية: أن الجواب في اللحم كالجواب في الجلد إن باعه بشيء ينتفع به بعينه، أو باعه بشيء لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه.

وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الأضحية: أن الجواب في الجلد إن باعه بشيء ينتفع به بعينه يجوز، ويتأيد هذا القول بما روى ابن سماعة في «نوادره» عن محمد: أنه لو اشترى باللحم ثوباً، فلا بأس بلبسه، وإذا اشترى بقراً أو بعيراً، وأوجبه للأضحية كره له ركوبه واستعماله، وإن فصل ذلك، ونقصه يتصدق بأجره في أضاحي الزعفراني، وإذا اشترى بقرة، وأوجبها أضحية، فولدت ولداً ذبحها، وولدها معها؛ لأن حق التضحية ثبت في الأيام حتى يمنع المالك عن الانتفاع به؛ كما يمنع من الانتفاع به لو رهن أو كاتب، والحق متى ثبت في عين الأم سرى إلى الولد، وإذا سرى الحق إلى الولد وجب ذبح الولد ومن المشايخ من قال: لا يجب عليه أن يذبح الولد والأم؛ لأنه لو ذبحه ذبحه بطريق الأضحية، ولا يجوز التضحية بالولد.

قلنا: هذا هكذا إذا أراد التضحية بالولد مقصوداً، والتضحية ههنا بالولد تجب تبعاً، ويجوز أن يثبت الشيء تبعاً، وإن كان لا يثبت مقصوداً، ومن أصحابنا من قال: ما ذكر من الجواب في «الكتاب» : أنه يذبح الولد مع الأم محمول على الأضحية التي وجبت بالإيجاب بأن كان صاحبها معسراً، فأما إذا اشتراها موسر، فولدت؛ لا يكره ذبح الولد؛ لأن الحق غير متعلق بهذا العين، (فإذا ذبح الولد) ؛ لأن الحق غير متعلق بهذا العين، فإذا ذبح الولد يوم الأضحى قبل الأم، أو بعدها جاز، وإن لم يذبحه، وتصدق به حياً في يوم الأضحى أجزأه؛ هكذا ذكره الزعفراني.

(6/95)


وعن محمد في «المنتقى» : أنه لو تصدق به حياً في أيام الأضحى فعليه أن يتصدق بقيمته، فإن باع الولد في أيام الأضحى تصدق بثمنه، فإن لم يبعه، ولم يذبحه حتى مضت أيام النحر، فعليه أن يتصدق بالولد مع الأم أكل من الأم، وهل يأكل من الولد؟ ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في الأضاحي: أنه يأكل في ظاهر الرواية؛ كما يأكل من الأم.
وروي عن أبي حنيفة: أنه لا يأكل، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في شرح كتاب الأضحية ذكر الزعفراني في هذه المسألة في أضاحيه، وقال في موضع: لا يأكل، وفي «الحاوي» : لا يأكل من الولد؛ بل يتصدق به، وإن أكل منه تصدق بقيمة ما أكل، ويتصدق بولدها حياً أحب إليَّ، والله أعلم.

الفصل السابع في التضحية عن الغير، وفي التضحية بشاة الغير عن نفسه
في «فتاوى أبي الليث» : وسئل أبو نصر عمن ضحى وتصدق بلحمه عن أبويه فيجوز. رجل ذبح أضحية غيره بغير أمره صريحاً، ففي القياس هو ضامن لها، ولا يجزىء الآمر عن أضحيته.
وفي الاستحسان لا ضمان، ويجزىء عن أضحية الأمر، ووجه ذلك: أن المالك لما عينها بجهة الذبح صار مستعيناً بكل أحد في التضحية بها في أيام الأضحية دلالة؛ لأن ذلك قد يفوته بمضي الوقت، واعتراض عارض يمنعه عن إقامتها، والإذن دلالة كالإذن صريحاً أطلق المسألة في «الأصل» ، وقيدها في «الأجناس» بما إذا أضجعها صاحب الأضحية.
وعلى هذا لو أن رجلين غلطا، فذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه بأمره دلالة، فيجوز عن كل واحد منهما أضحية، ويأخذ كل واحد منهما مسلوخة من صاحبه، فإن كان قد أكلا اللحم علما.... كل واحد منهما صاحبه ويجزئهما، وإن نسياها بعد ذلك؛ ضمن كل واحد منهما (153أ2) لصاحبه قيمة شاته؛ لأن كل واحد منهما إذا لم يجز صنع صاحبه لم يكن إضافة الذبح إليه، فيضمنه الثمن إن شاء، قال: ويتصدق كل واحد بتلك القيمة إن كان قد انقضت أيام النحر؛ لأن العين يجب التصدق بالقيمة، قائماً مقام التصدق بالعين.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : رجل اشترى خمس شياه أيام الأضحية، وأراد أن يضحي بواحدة منها إلا أنه لم يعينها، فذبح رجل واحدة منها يوم الأضحى، بغير أمره بنية أضحية يعني أضحية صاحب الشاة، فهو ضامن؛ لأن صاحبها لم يعينها لما لم يأذن بذبح عينها دلالة.

(6/96)


في «المنتقى» : رجل غصب أضحية غيره، وذبحها عن نفسه، وضمن القيمة لصاحبها أجزأه ما صنع، والذبح يخالف الإعتاق، فإن الغاصب إذا أعتق ثم ملكه بأداء الضمان لا ينفذ.
والفرق: أن عند أداء الضمان يثبت للغاصب الملك مستنداً إلى وقت الغصب السابق، والمستند فائت للحال من وجه، ومن ذلك الوقت من وجه، وكان الملك فيما بين الغصب وأداء الضمان ثابتاً من وجه، ومثل هذا الملك لا يكفي لنفاذ العين، ويكفي لنفاذ القرب أصله المكاتب إذا أعتق، وإذا حضر ونصب بهدي من كسبه، وعن أبي يوسف: أنه لا يجزئه الذبح عن نفسه بأداء الضمان، وفاتته بالإعتاق، وهكذا روى ابن رستم عن محمد؛ هذا إذا ضمن الغاصب قيمتها للمالك، وإن اختار المالك أحدها مذبوحة، فعلى الذابح أن يعيد الذبح بلا خلاف.
ولو كان مكان الغاصب مستودعاً، والباقي بحاله لا يجزئه عن أضحيته؛ أخذها المالك مذبوحة، أو ضمنه قيمتها، ولو كان العيب استحق، فإن ضمنه صاحبه قيمتها، ذكر الزعفراني في أضاحيه أنه يجزيه بلا خلاف، وذكر الناطفي في «أجناسه» فصل الاستحقاق، ونص أنه يجزئه في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف.

وفي الأضاحي للزعفراني أيضاً: إذا غصب الرجل أضحية الغير ذبحها عن نفسه متعمداً لذلك، فصاحب الأضحية بالخيار؛ إن شاء ضمن الذابح قيمتها، وإن شاء أخذها مذبوحة، وإياها اختار لا يجوز عن صاحبها، وقال محمد بن مقاتل الرازي: إن ضمنه لا يجزئه، وإن أخذها مذبوحة يجزئه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ومحمد، قال: لأنه قد نواه فلا يضره ذبح غيره لها، وعن نصير فيمن دعا قصاباً ليضحي عنه، فضحى القصاب عن نفسه؛ قال: هي للآمر.
ابن سماعة عن محمد: أمر رجلاً أن يذبح شاة له، فلم يذبحها المأمور؛ حتى باعها الآمر ثم ذبحها، فالمأمور ضامن، ولا يرجع بما ضمن على الآمر علم بالبيع أو لم يعلم؛ أما إذا علم، فظاهر، وأما إذا لم يعلم؛ فلأنه ما ... لأنه حين أمره بالذبح؛ كانت الشاة له.
في «واقعات الناطفي» وفي «الأجناس» ابن سماعة عن أبي يوسف: إذا أمر الرجل غيره بذبح شاة، وقد كان الآمر باعها، فذبحها المأمور، وهو يعلم بالبيع، فإن للمشتري أن يدفع الثمن ويبيع الرابح، فيضمنه قيمتها، وليس للذابح أن يرجع على الآمر؛ قال: ولو كان لا يعلم بالبيع يمكن للمشتري أن يضمنه القيمة؛ علل فقال: لأنه لو ضمنه كان له أن يرجع على الآمر، فكأنه هو فعل ذلك، فينقض البيع.
في «النوازل» : أسلم غنمه إلى راعٍ، فذبح شاة منها، فقال: ذبحتها، وهي.... وقال صاحب الغنم: ذبحتها، وهي....، فالقول قول الراعي؛ لأنه أنكر سبب الضمان، ولا يحل أكلها؛ لأنه لم يثبت المبيح، وهو الذكاة.

(6/97)


وفيه أيضاً: اشترى أضحية، وأمر غيره بذبحها، فذبحها، وقال: تركت التسمية عمداً ضمن الذابح قيمة الشاة؛ لأنه جعلها ميتة، فبعد ذلك ينظر إن كان أيام الذبح قائمة يشتري بقيمتها أخرى، ويضحي بها، ويتصدق بلحمها، ولا يأكل، وإن لم تكن باقية تصدق بالقيمة على المساكين.

الفصل الثامن فيما يتعلق بالشركة في الضحايا
الشاة لا تجزىء إلا عن واحد، وإن كانت عظيمة، والبقر والبعير كل واحد منهما يجزىء عن سبعة إذا كانوا يريدون بها وجه الله أتفقت جهات القربة (أو) اختلفت، قال زفر: إذا اختلفت جهات القربة لا يجوز، وإن كان أحدهم يريد اللحم؛ لم يجز عن واحد منهم، والتقدير بالسبع يمنع الزيادة، ولا يمنع النقصان.

وإذا اشترى الرجل بقرة أو بعيراً يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم أشرك فيها ستة بعد ذلك، القياس: أن لا يجزئهم، ويضمن الكل لحماً، وفي الاستحسان: يجزئهم؛ لأن البقرة قائمة مقام سبع شياه، وكذلك الدابة فصار شراؤها بنية الأضحية كشراء سبع شياه، ومن اشترى سبع شياه بنية الأضحية، ثم باع ستاً منها، وضحى بالسابعة، وضحى المشترون بالست جاز عن الكل؛ كذا ههنا، فإذا صار عنه، وعن شركائه هل يلزمه الذبح من الأسباع التي باعها ما بقي الوقت، والتصدق بقيمتها بعد فوات الوقت لم يذكر هذا الفصل في «الكتاب» .
قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده: حكي عن مشايخ بلخ أنهم قالوا: عليه الذبح بنية أسباع بقرة مثل الأولى في القيمة يشتري مع غيره، فذبح أو يشتري ست شياه، ويذبح إن كانت قيمته ست أسباع البقرة غنياً كان أو فقيراً، وهذا لما ذكر بأن شراء البقرة بمنزلة شراء سبع شراء سبع شياه.
ولو اشترى شياه بنية الأضحية، ثم باع شاة منها، فإنه يلزمه الذبح لمثل ذلك غنياً كان أو فقيراً، ما بقي الوقت؛ لأن الغني فيما زاد على شاة واحدة والفقير سواء، والفقير إذا اشترى سبع شياه بنية الأضحية، وباع شاة منها، فإنه يشتري شاة مثلها، ويذبحها ما دام الوقت باقياً، وإن مضى الوقت؛ يتصدق بقيمتهن؛ كذا ههنا؛ قال: ولو فعل ذلك قبل الشراء كان أحسن؛ لأن الاشتراك بعد الشراء خلف في الوعد (153ب2) وإنه حرام.
في «مناسك الحسن» لا يسعه إن أشركهم فيها بعد الشراء إلا أن يريد حين الشراء أن يشركهم فيها، فلا بأس بذلك، وعن أبي يوسف لا أرى بأساً فيما إذا نوى حين اشترى أن يشركهم، ولا أحفظ فيه رواية عن أبي حنيفة، ولو لم ينوِ أن يشاركهم، فقد كرهه أبو حنيفة، وهو قول أبي يوسف، وإذا كان الشركاء في البدنة والبقرة ثمانية لا يجزئهم؛ لأن نصيب أحدهم أقل من السبع.

(6/98)


وكذلك إذا كان الشركاء أقل من الثمانية إلا أن نصيب واحد منهم أقل من السبع بأن مات الرجل، وترك امرأة وابناً وبقرة فضحيا بها يوم العيد، ثم كان نصيب المرأة أقل السبع، فلم يجزىء نصيبها، ولم يجزىء نصيب الابن أيضاً.
وفي الأضاحي للزعفراني: اشترك ثلاثة نفر في بقرة على أن يدفع أحدهم أربع دنانير، والآخر ثلاثة دنانير، والآخر دينار، واشتروا بها بقرة على أن تكون البقرة بينهم على قدر رأس مالهم، وضحوا بها لم يجزىء؛ لأن نصيب أحدهم أقل من السبع، وإن كانت بقرة أو بدنة بين اثنين، فضحيا بها؛ اختلف المشايخ فيه؛ قال بعضم: لا يجزئهما؛ لأن لكل واحد منهما ثلاثة أسباع، ونصف سبع لا يجوز في الأضحية، فإذا لم يجز البعض لم يجز الثاني، وقال بعضهم: يجوز، وبه أخذ الفقيه أبو الليث، والصدر الشهيد برهان الأئمة رحمهم الله، وهكذا ذكر محمد الجومسي في مسائله.
وصورة ما ذكره الفقيه الجومسي: إذا اشترك ثلاثة نفر في بقرة على أن يدفع أحدهم ثلاثة دنانير، ونصفاً، وآخر دينارين ونصفاً وآخر دينارين، فاشتروا بها بقرة على أن تكون البقرة بينهم على قدر رأس مالهم، وضحوا بها جازت الأضحية عنهم، ولأحدهم سبعان ونصف سبع، ووجه ذلك: أن نصف السبع، وإن لم يكن أضحية، فهي قربة تبعاً للأضحية، فلا يصير لحماً.
قال في «الأصل» : سبعة اشتركوا في بقرة، أو بدنة ثم مات بعضهم قبل أن ينحروا، فقال ورثته انحروها عنكم، وعن فلان الميت هل يجزئهم؟ القياس: أن لا يجزئهم، وفي الاستحسان: إنه يجزئهم، وعلى هذا القياس والاستحسان أحد الشركاء إذا كان يضحي عن ولده الصغير، أو عن أم ولده.

وطريق الجواز: إن ذبح البقرة من سبعة بنية القربة بمنزلة ذبح شاة؛ لأن جواز ذبح البقرة من سبعة من حيث إن البقرة أقيمت مقام سبع شياه، وإراقة دمها أقيمت مقام سبع إراقات؛ لا من حيث إن كل واحد منهم صار مضحياً بجميع البقرة من حيث إن الإراقة لا تجزأ الجواز عن السبعة، لو كان بهذا الطريق لما اقتصر الجواز على السبعة.
ألا ترى أن القصاص لما وجب على الجماعة بقتل الواحد من حيث إن كان كل واحد جعل قاتلاً كملاً؛ لأن الإراقة لا تتجزىء وجب القصاص على أكثر من السبعة إذا اشتركوا في القتل، وما لم تجزه البدنة عن أكثر من سبعة علم أن طريق الجواز أن البدنة وإراقة دم أقيمت مقام سبع شياه، وسبع إراقات.
ولو اشترى سبعة نفر سبع شياه كل واحد شاة، فضحى أحدهم شاته عن ولده، أو عن أم ولده، أو عن الميت لا يصير الست تطوعاً كذا ههنا، وليس كما لو نوى أحدهم اللحم، أو صار نصيب أحدهم لحماً؛ بأن كان أحد الشركاء كافراً، فإنه لا يجوز عن

(6/99)


الكل، ولا يجعل ذلك بمنزلة سبع شياه؛ لأن البدنة أقيمت مقام سبع شياه، وسبع إراقات شرعاً إذا أوجدت للإراقة من الكل بنية القربة، وفيما عدا ذلك تكون العبرة للحقيقة، وإنما إراقة واحدة من حيث الحقيقة، فإذاً صار البعض لحماً.

وذكر الزعفراني هذه المسألة في أضاحيه، وجعلها على وجهين؛ إما إن قال الورثة....... الشركاء ضحوا بها عن الميت، وعن أنفسكم، أو لم يقولوا شيئاً، وفي الوجهين جميعاً يجوز عند محمد؛ إلا أن في الوجه الأول لا خيار للورثة، وفي الوجه الثاني لهم الخيار؛ إن شاؤوا أجازوا نصيبهم عن الميت، وإن شاؤوا ضمنوهم، ويجوز عنهم في الوجهين، وعند أبي يوسف؛ إن كان الميت أوجب على نفسه، فقد وجب شاة الورثة إذا ثبت أن.. ولم يوجب لا يجوز شاة الورثة.......... الأضحية عن الميت ابتداءً من غير أن يكون الميت أوجب على نفسه.

سبعة ضحوا بقرة، وأرادوا أن يقسموا اللحم بينهم؛ إن اقتسموها، وزناً يجوز؛ لأن القيمة فيها معنى السبع على هذا الوجه يجوز، وإن اقتسموها جزافاً إن جعلوا مع اللحم شيئاً من السقط نحو الرأس، والأكارع يجوز، وإن لم يجعلوا لا يجوز؛ لأن البيع على هذا الوجه لا يجوز، فإن..... مع هذا، وحللوا الفضل بعضهم لبعض لم يجز.
فرق بين هذا وبينما إذا باع رجل درهم بدرهماً، وأحدهما أكثر وزناً، فحلل صاحبه له حيث يجوز، والفرق: أن تحليل الفضل عنه هبة في فضل اللحم حصلت الهبة في مشاع يحتمل القسمة.
وفي الفضل الثاني: حصلت الهبة في مشاع لا يحتمل القسمة بأن الدرهم الواحد الصحيح لا يحتمل القسمة، وذكر في مسائل الجومسي، وإذا جعلوا اللحم والشحم سبعة أسهم، وقسموا بينهم جزافاً جازت القسمة.
في أضاحي الزعفراني: اشترى سبعة نفر سبع شياه بينهم أن يضحوا بها بينهم، ولم يسم لكل واحد منهم شاة بعينها فضحوا بها؛ كذلك فالقياس: أن لا يجوز.
وفي الاستحسان: يجوز؛ فقوله اشترى سبعة نفر سبع شياه بينهم؛ يحتمل شراء كل شاة بينهم، ويحتمل شراء سبع شياه على أن يكون (154أ2) لكل واحد منهم شاة، ولكن لا يعينها، فإن كان المراد هو الثاني، فما ذكر من الجواب باتفاق الروايات؛ لأن كل واحد منهم يصير مضحياً بشاة كاملة، وإن كان المراد هو الأول فما ذكر من الجواب على إحدى الروايتين، فإن الغنم إذا كانت بين رجلين ضحيا بها ذكر في بعض المواضع: أنه لا يجوز.
وفي «النوازل» : شاتان بين رجلين ذبحاها عن نسكهما جاز، وهكذا ذكر القدوري في آخر «كتابه» .
فرق بين هذا وبين عبدي رجلين أعتقاهما عن كفارتهما حيث لا يجوز؛ لأن الجبر على القيمة يجري في الشاة، فأمكن جمع كل واحد منهما في شاة واحدة، ولا كذلك الرقيق.

(6/100)


الفصل التاسع في المتفرقات
في «النوازل» : رجل ضحى بشاتين قال محمد بن سلمة: لا تكون الأضحية إلا بواحدة، وقال غيره من المشايخ: تكون الأضحية بهما، وبه أخذ الصدر الشهيد في «واقعاته» ، وروى الحسن عن أبي حنيفة لا بأس بالأضحية بالشاة والشاتين، وقد صح أن رسول الله عليه السلام كان يضحي كل سنة بشاتين، وضحى عام الحديبية بمائة بدنة.
في «فتاوى الفضلي» : شاة ندت وتوحشت فرماها صاحبها، ونوى الأضحية فأصابها أجزأه عن الأضحية؛ لأنها لم تصر بمنزلة الوحوش بالند، ولو امتنع جواز أضحيته ههنا امتنع لهذه الجهة.
اشترى شاتين للأضحية، فضاعت إحديهما، وضحى بالثانية، ثم وجدها في أيام النحر، أو بعد أيام النحر، فلا شيء عليه؛ سواء كانت هي أرفع من التي ضحى بها أو دون منها، ولو اشترى أخرى للأضحية، ثم ضاعت الأولى، فضحى بالثانية، ثم وجد الأولى، فإن كانت مثل الثانية أو دون فلا شيء عليه، وإن كان أفضل تصدق بفضل ما بينهما في «مسائل الخوميني» .
وفيها أيضاً: إذا قال: لله عليَّ أن أهدي شاة فأهدى بقرة أو جزوراً وضحى ببقرة أو جزور جاز؛ لأنه أدى أفضل مما لزمه، وفيها أيضاً: رجل ضحى شاة تساوي تسعين، ورجل آخر ضحى ببقرة تساوي سبعين، ورجل آخر تصدق بمائة درهم، فأضحية صاحب الشاة أعلى من أضحية صاحب البقرة؛ لأن قيمة الشاة أكبر، فالذي ضحى بقرة أعظم أجراً من الذي تصدق بمائة درهم.
وفيها أيضاً: اشترى شاة للأضحية في أيام النحر وهو فقير، فضحى بها، ثم أيسر في أيام النحر؛ قال الشيخ الفقيه أبو محمد الجوميني: عليه أن يعيد، وغيره من المتأخرين قالوا: لا يعيد وبه نأخذ.

وفيه أيضاً: أوصى بأن يضحى عنه، ولم يسم شيئاً، فهو جائز، ويقع ذلك (على) الشاة لأنها هي الأدنى؛ ولأنها هي المتعارف، وإذا أوصى بأن يشترى بجميع ماله، ويضحى بها عنه فمات، ولم يجز الورثة، فالوصية جائزة في قولهم جميعاً، ويشتري بالثلث شاة، ويضحى بها عنه، فلو أوصى بأن يشتري بقرة بعشرين درهماً ويضحى بها عنه، ثم مات وثلث ماله أقل من عشرين، فإنه يضحى عنه على مذهبهما بما أوصى به، وإذا أوصى بأن يشتري له شاة بهذه العشرين درهماً ويضحي عنه، ثم مات فضاع من الدراهم درهم واحد؛ لم تصح عندهما وصحّ عند أبي حنيفة خلافاً لهما.
إذا وكل إنساناً بأن يشتري له شاة، واستأجر إنساناً بأن يشتري له شاة، واستأجر إنساناً بأن يقودها بدرهم لم يلزم الآمر من اكتراء شيء.

(6/101)


وكله بأن يشتري له شاة للأضحية، فاعلم بأن الشاة اسم جنس فيتناول الضأن والمعز جميعاً.
وإن وكله إنسان يشتري له ضأناً، فاشترى معزاً، أو كان على العكس لا يلزم الآمر؛ لأن كل واحد منهما اسم نوع.
فالضأن نوع يشمل على الذكر والأنثى، فالذكر منه يسمى كبشاً، والأنثى منه تسمى نعجة.
والمعز نوع آخر يشتمل على الذكر والأنثى، فالذكر منه يسمى تيساً، والأنثى منه تسمى عنزاً، وأحد النوعين لا يدخل تحت اسم النوع الآخر.
اشترى شاة وضحى بها، ثم وجد بها عيباً ينقصها، ولكن لا يخرجها عن حد الضحايا، فله أن يرجع بنقصان العيب على البائع، وإذا رجع ليس عليه أن يتصدق به؛ لأن بالشاة المعيوبة جازت الأضحية، فليس عليه رد ذلك، فإن قال البائع: أنا آخذها مذبوحة، فله ذلك، فإذا أخذها ونقد الثمن، فعلى المشتري أن يتصدق بما استرد من البائع لا حصة نقصان العيب، وإن توى الثمن على البائع فلا شيء عليه، وإن توى البعض ووصل البعض يتصدق منه بما كان من حصة الشاة، ولا يتصدق بقدر حصة نقصان العيب؛ حتى لو كان الثمن عشرة، ونقصان العيب درهم؛ يتصدق بتسعة أعشار ما وصل إليه من الثمن.

إذا ضحى بشاة، ثم غصبها رجل من المضحي، فعلى الغاصب قيمتها مذبوحة، وعلى المضحي أن يتصدق بما يصل إليه من القيمة، وإن تويت القيمة على الغاصب، فلا شيء على.... من القيمة كلها أو بعضها، وهو غني أو فقير يحتمل أن لا يكون عليه شيء؛ لأن في الابتداء كان له أن يهب الأصل للغاصب، وإذا أخذ القيمة لا يجوز له أن يهبها لغيره؛ لأن بعدما قبض القيمة لزمه التصدق بها، وإن كان ضمن والغاصب على أقل من قيمتها ليس عليه أن يتصدق إلا بالقدر الذي يصل إليه، وإن صالحه على شيء مأكول، أو على شيء من متاع البيت يحتمل أن لا يجب عليه التصدق بذلك؛ بل يأكل المأكول، وينتفع بما كان من متاع البيت.
اشترى المعسر شاة، وأوجبها أضحيته، فماتت في أيام النحر وأخرج منها جنين حي فالقياس أن يكون الجنين له يعمل به ما يريد، وفي الاستحسان يتصدق.
وإذا وهب لرجل منه وضحى الموهوب له بها، ثم رجع الواهب فيها ففي ظاهر الرواية من أصحابنا صح رجوعه، وروي عن أبي يوسف: أنه لا يصح، وإذا صح الرجوع (216ب2) في ظاهر الرواية جازت الأضحية عن الموهوب له؛ لأن الرجوع من الواهب فيها بمنزلة هبة الموهوب له الشاة المذبوحة من الواهب، وليس على الواهب أن يتصدق بشيء.

(6/102)


(في «مجموع النوازل» : أربعة نفر اشترى كل واحد منهم شاة لونها وهيئتها واحد، فحبسوها في بيت، فلما فتحوا وجدوا واحدة منها ماتت، ولا يدرى لمن هي، فإنه تباع هذه الأغنام جملة، ويشترى بثمنهما أربع شياه كل واحد منهم أمر صاحبه بذبح كل واحد منهم صاحبه أيضاً حتى يجوز عن الأضحية، والله أعلم بالصواب) .

(6/103)