المحيط البرهاني في الفقه النعماني

كتاب البيع
هذا الكتاب يشتمل على ستة وعشرين فصلاً:
1 * فما يرجع إلى انعقاد البيع به.
2 * وفي الاختلاف الواقع بين الإيجاب والقبول، وفي الحوادث التي تمنع صحة قبول المشتري.

3 * في قبض البيع بإذن البائع وبغير إذنه، وفي تصرف أحد العاقدين في البيع قبل القبض، وفيما يلزم المتعاقدين من المؤنة في تسليم البيع، وفي تسليم الثمن.
4 * في المسائل التي تتعلق بالثمن.
5 * فيما لا يدخل تحت البيع من غير ذكره صريحاً، وفيما يدخل تحته من غير ذكره.
6 * وفيما يجوز بيعه وما لا يجوز.
7 * وفي الشروط التي تفسد البيع والتي لا يفسد.
8 * وفي بيان أحكام الشراء الفاسد والتصرف في المملوك بالعقد الفاسدز
9 * وفي شراء الفضولي وبيعه وبيع أحد الشريكين في شيء كله أو بعضه، وما يكون إجازة في ذلك وما لا يكون، وفي اجتماع الفضولين على التصرف في محل واحد، ويدخل فيه بعض مسائل بيع الغصب.
10 * وفي الاختلاف الواقع بين البائع والمشتري.
11 * وفي الزيادة في الثمن والمثمن وازديادها، وفي الحط والإبراء عن الثمن، وفي هبة الثمن من المشتري به.
12 * في البيع بشرط الخيار.
13 * في خيار الرؤية.
14 * وفي العيوب.
15 * وفي بيع المرابحة والتولية والوضيعة.
16 * في الاستحقاق وبيان حكمه.
17 * وفي الاستبراء.

(6/267)


18 * وفي بيع الأب والوصي والقاضي ومال الصبي وشرائهم له.
19 * وفي كراهية التفريق بين الرقيق.
20 * وفي الإقالة.
21 * في الدعاوى والشهادة في البيع.
22 * في السلم.
23 * وفي القروض.
24 * وفي الاستصناع.
25 * في البياعات المكروهة، والأرباح الفاسدة وما جاء فيها من الرخصة.
26 * وفي المتفرقات.

(6/268)


الفصل الأول: فيما يرجع إلى انعقاد البيع
قال أصحابنا رحمهم الله: كل لفظين بلسان عن التمليك والتملك على صيغة الماضي والحال ينعقد بهما البيع، وذلك نحو أن يقول أحدهما ويقول الآخر: اشتريت وقبلت، وكذلك كل لفظين يؤديان معناهما، ولو قال البائع: ابتعك فقال المشتري: اشتريت بمعنى بعت لا ينعقد البيع بينهما، وفرق البيع والنكاح، فإن الرجل إذا قال للمرأة: تزوجيني فقالت: تزوجت ينعقد النكاح، والفرق قد عرف في موضعه.
ولو قال لغيره: بعت منك هذا العبد بكذا فقال المشتري: اشتريت ولم يسمع البائع كلام المشتري لا ينعقد البيع بينهما، فسماع المتعاقدين كلامهما في البيع شرط انعقاد البيع بالإجماع، فإن سمع أهل المجلس كلام المشتري والبائع يقول: لم أسمع ولا وقر في أذنه لا يصدق البائع؛ لأن الظاهر يكذبه، وإذا قال لغيره: بعت منك هذا العبد فقال المشتري: أجرب ينعقد البيع بينهما، ذكره في «الأمالي» .
وإذا قال لغيره: بعت منك هذا العبد وقال الآخر: قبلت قال الفقيه أبو بكر رحمه الله: يكون بيعاً، وقال الفقيه أبو جعفر: لا يكون بيعاً، وبه أخذ الفقيه أبو الليث.
رجل قال لغيره: عبدي هذا لك إن أعجبك فقال: أعجبني فهذا بيع، وكذلك إذا قال: إن أردت فهو سلف بعت، فهذا كله بيع في الجواب، وأما في الابتداء فلا يلزمه.
إذا قال الآخر: إن أديت إليّ كذا كذا درهماً ثمن هذا الثوب فقد بعته منك، فأدى الثمن في المجلس يكون بيعاً صحيحاً استحساناً ذكره في «السير» وكذا إذا قال: «فروختم جون بها بن ربيد» فأعطاه الثمن في المجلس فهذا بيع صحيح استحساناً. وفي «النوازل» إذا قال الآخر: بعت منك عبدي هذا بألف درهم فقال المشتري: قد فعلت فهذا بيع؛ لأن هذا تحقيق، ولو قال: نعم لا يكون بيعاً، فقد فرق بين قوله فعلت وبين قوله نعم، واستشهد فقال: ألا ترى من قال لامرأته اختاري نفسك فقالت: قد فعلت فهذا اختيار، ولو قالت نعم فهذا ليس باختيار.

وذكر في «فتاوي أهل سمرقند» أن من قال: لغيره اشتريت عبدك هذا بألف درهم فقال البائع قد فعلت (35ب3) أو قال: نعم أو قال: هات الثمن صح البيع بينهما؛ لأن هذا جواب، وسوى بين قوله فعلت وبين قوله نعم فكان فيه قولان والأصح أنه ينعقد البيع، وإذا قال لغيره بالفارسية: ابن خانه وآخر يدي ازمن بجندين فقال: اخر يدم ولم يقل المخاطب بعد ذلك فروختم. حكى الإمام الأجل ظهير الدين عن عمه شمس الإسلام الأوزجندي عن أستاذه الإمام شمس الأئمة السرخي: أنه ينعقد البيع؛ لأن قوله فروختم

(6/269)


مضمر في قول البائع معناه خريدي كه فروختم، وإذا قال: بعت فلانا الغائب فحضر في المجلس فلان، وقال: اشتريت يصح، وإذا قال لغيره: بعتك هذا العبد بألف درهم فقبضه المشتري ولم يقل شيئاً ينعقد البيع بينهما ذكره شيخ الإسلام في بيوعه في باب.... في البيع، وإذا قال لغيره: كل هذا الطعام بدرهم لي عليك، فأكل كان هذا بيعاً وكان ما أكل حلالاً له، ذكره شمس الأئمة السرخي في شرح كتاب الاستحسان، وفي «فتاوي أبي الليث» : إذا قال الرجل لغيره: بعتك عبدي هذا بألف درهم فقال المشتري: اشتريت منك بألفي درهم فالبيع جاز، فإن قيل: الزيادة في المجلس البيع بألفي درهم؛ لأنه أمكن تصحيحه بأن يقل كأن المشتري قال: قبلت البيع بألف درهم ورددتك ألفاً أخرى.
وفي «فتاوي أهل سمرقند» رجل قال لغيره: اشتريت منك هذا بألفين فقال ذلك الغير: بعته منك بألف فهو جائز، ويجعل كأن البائع بالغير قال حططت عنك ألفاً، وإذا قال لغيره: جعلت عبدي لك هذا بألف درهم وقال ذلك الغير قبلت هل ينعقد البيع بينهما؟ اختلف المشايخ فيه، وقد ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» مسألة تدل على أنه ينعقد. وصورتها: رجل مات وترك عبداً قيمته ألف درهم لا مال له غيره، وعلى الميت لرجل ألف درهم دين فأعطى القاضي الغريم بدينه وقال هذا العبد: بيع لك بدينك أو قال: جعلته لك بدينك وبنى على اللفظين أحكام البيع، قال شمس الأئمة السرخي: وهذا هو الصحيح؛ لأنهما بمعنى البيع إن لم يأتيا بلفظ البيع، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ، وهذه المسألة أيضاً دليل على أن من قال لغيره: هذا العبد بيع لك بدينك فقبل ذلك الغير، إنه ينعقد البيع بينهما.
وفي «طلاق النوازل» : إذا قال لغيره: هذا العبد عليك بألف درهم فقال الآخر: قبلت يكون بيعاً، قال: ألا ترى أنه لو قال لامرأته ثلاث تطليقات عليك إنه يقع الثلاث عليها، وإذا قال لغيره بعد ما جرى بينهما مقدمات البيع: بعت هذا العبد بألف وقال المشتري: اشتريت يصح، وإن لم يكن البائع قال: بعت منك. وفي «فتاوي أهل سمرقند» إذا قال لغيره: بعت هذا الثوب مني فقال ذلك الغير: بعت فقال المشتري: لا أريده فله ذلك؛ لأن البيع لم يتم بعد. ومثله لو قال المشتري: اشتريت منك طعامك هذا بألف فتصدق به على المساكين ففعل ولم يتكلم جاز؛ لأن هذا دلالة القبول.

وفي «فتاوي أهل بلخ» سئل أبو الليث الكبير رحمه الله عمن قال لآخر: بكم هذا الوقر من الحطب؟ فقال: بدرهم فقال: سق الحمار قال: يكون بيعاً ما لم يسلم الحطب وينقد منه الثمن، وقد قيل: لو قال قائل إن هذا بيع لا ينفذ؛ لأن قوله سق الحمار رضا بالبيع، فإذا ساقه البائع فقد ساعده على ذلك الرضا، فظهر تراضيهما بالبيع، وسئل أبو زيد الكبير أيضاً عمن قال لآخر خذ هذا الثوب بعشرة ليس له أن يمتنع بعد قوله أحد يسأله وقال خلف: سألت أسداً عمن قال في السوق: من عنده ثوب هروي بعشرة فقال له

(6/270)


رجل: أنا، فأعطاه قال: هذا ليس ببيع إلا أن يقول حين أخذه: أخذته بعشرة فاذهب وانظر إليه. وسألت الحسن عن هذا فقال: البيع جائز ولكل واحد منهما حق نقض هذا البيع، وإذا قال الرجل لغيره: بعتك عبدي هذا بألف درهم فقال ذلك الغير: بعتك عبدي هذا بألف درهم فقال ذلك الغير: هو حر. ذكر شيخ الإسلام والصدر الشهيد في دعوى الجامع أن هذا جواب ويعتق العبد، وذكر في «العيون» أنه ليس بجواب ولا يعتق العبد، ولو قال: فهو حر فهو جواب وعتق العبد وعليه ألف درهم.

وروى إبراهيم عن محمد في رجل قال لغيره: بعني غلامك هذا بألف درهم فقال: بعت فقال: اشتريت هو حر، قال: قال أبو حنيفة قوله هو حر قبض منه له وعتق عليه، قال: إبراهيم وقال محمد رحمه الله لا يعتق ولا يكون قابضاً بالعتق.
وفي «المنتقى» عن أبي يوسف رحمه الله فيمن قال لآخر: بعتك هذا العبد فقال الآخر: هو حر أو قال: هو مدبر فذلك سواء في قولي، وليس هذا ببيع حتى يأخذه ثم يعتقه. قال: وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا قال: هو حر يعتق عليه. وفي «فتاوى الأصل» إذا قال لغيره: بعتك عبدي هذا بألف درهم، وهبت لك الألف منك، فقال المشتري: اشتريت صح البيع ولا يجوز....؛ لأن الثمن لم يجب بعد. وفي «مجموع النوازل» أن البيع لا يصح في هذه الصورة؛ لأن هذا في معنى البيع بلا ثمن.

وفي «الفتاوي» : سئل أبو القاسم عمن ابتاع من آخر ثوباً بتسعة فقال: ربُّ الثوب بالفارسية: يده درهم يسند بدي بدين فقال المشتري: رضيت لا يجب به البيع حتى لو امتنع البائع عن تسليمه لا يجبر عليه، إذ ليس في هذه اللفظة ما ينبؤ عن إيجاب البيع.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» رجل جاء إلى قصاب وقال: كم يعطي من هذا اللحم بدرهم فقال: منوين فقال الرجل زن منوين فوزن القصاب ودفعه إلى الرجل وأخذ الدرهم ولم يقل القصاب بعت ولا قال المشتري اشتريت وتفرقا عن ذلك فهو بيع جائز، ويعيد بذلك الوزن؛ لأنه يثبت البيع بينهما مقتضى الوزن سابقاً عليه، فيكون الوزن بعد البيع فيعتدُّ به، رجل قال: من أين أهب خورا با اسب نو عرض كردم، فقال الآخر: وأنا فعلت أيضاً فهذا بيع، هكذا حكى فتوى شمس الإسلام الأوزجندي.
رجل قال: لآخر بعت هذا العبد من فلان فبلغه، فبلغه الرسول وقال المشتري: اشتريت فهو بيع، ولو لم يقل بلغه فبلغه وقال المشتري: اشتريت لا يصح؛ لأن شطر البيع لا يتوقف على ما وراء المجلس، ولو قال: بعته منه فبلغه، فبلغه رجل آخر جاز؛ لأنه حين قال: فبلغه فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ فكل من بلغه كان التبليغ برضاه، فإن قال: صح البيع وهذا شيء يحفظ جداً، وإذا قال لآخر: بعت منك هذا العبد بكذا، فقال الآخر لرجل آخر: قد اشتريت، فقال الرجل: اشتريت، ينظر إن أخرج الأخر الكلام مخرج الرسالة صح الشراء، وإن أخرج مخرج الوكالة لا يصح.

(6/271)


وفي «مجموع النوازل» : رجل له على آخر دين فطالبه فجاء المطلوب بشعير قدرا معلوماً وقال للطالب: خذه بسعر البلد قال: إن كان سعر البلد معلوماً وهما يعلمان ذلك كان بيعاً تاماً، وإذا لم يكن سعر البلد معلوماً وهما يعلمان ذلك كان بيعاً تاماً، وإذا لم يكن سعر البلد معلوماً إلا أنهما لا يعلمان ذلك لا يكون بيعاً. رجل قال لآخر: بعتك هذا العبد ثم قام أحدهما عن المجلس، إما البائع أو المشتري ثم قبل الآخر لا يصح قبوله، هذا هو المذكور في عامة المواضع، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في الباب الثاني من «شرح الجامع» أنه إذا باع وهو قاعد ثم قام البائع، إلا إنه لم يذهب عن ذلك المكان حتى قبل المشتري صح قبوله، وهكذا كتب في هذا الباب أيضاً، لو كانا يمشيان فقال أحدهما: بعت وقال الآخر بعدما مشيا خطوة أو خطوتين: قبلت، رأيت في موضع من المواضع أنه لا يجوز في ظاهر الرواية، وفي رواية يجوز، ورأيت مكتوباً على ظهر الجزء الثاني (36أ3) من شرح البيوع: شرحه الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي رحمه الله أن من قال لغيره: بعت منك هذا العبد فمشيا مكانا ثم قبل المشتري، إن في انعقاد هذا البيع وصحته اختلاف المشايخ، وسئل نصير بن يحيى عمن قال لآخر: بعت منك هذا العبد وفي يدي المشتري قدح ماء فشربه ثم قال: اشتريته كان بيعاً تاماً، وكذا لو أكل لقمة ثم قال: اشتريت لا ينعقد البيع بينهما؛ لأن المجلس قد تبدل.

قال لآخر: اشتريت منك هذا الثوب بكذا فاقطعه قميصاً لي، فقطعه فهذا بيع بينهما، في فتاوي شمس الأئمة السرخي رحمه الله، وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: أبعتني عبدك بألف استفهام فقال: نعم فقال: قد أخذته فهذا بيع لازم، فإن كان قد اشتراه بالأمس شراءً فاسداً ثم لقيه اليوم فقال: أليس قد بعتني عبدك هذا بألف درهم قال: بلى قال: قد أخذته، فهذا باطل؛ لأن هذا على ما كان أمس، وإن كان ماكراً بيع أمس فهذا اليوم جائز، ولو كان قال له أمس: بعتك عبدي هذا بألف درهم، فإن لم تجئني اليوم بالثمن فلا بيع بيني وبينك فقبل المشتري ذلك ولم يجىء بالثمن اليوم ولقي البائع من الغد وقال له: قد بعتني عبدك بألف درهم فقال: نعم قد أخذته فهذا شراء الساعة ولا أبطله بما كان منه أمس؛ لأن ذلك الشراء قد انتقض حين ما يأته بالثمن أمس قال: ولا يشبه هذا الشراء الفاسد.
رجل قال لآخر: بعت منك هذا العبد بألف فقال المشتري: اشتريت وقال البائع: رجعت وخرج قول البائع رجعت مع قول المشتري اشتريت معاً لا يصح البيع؛ لأنه قارن البيع ما يمنع صحته وهو رجوع البائع، كتب رجل إلى رجل: بعت عبدك هذا مني بكذا، فكتب المكتوب إليه: بعت منك عبدي هذا فهذا ليس ببيع، ولو كتب الأول اشتريت عبدك فلاناً بكذا، فكتب المكتوب إليه: إني قد بعت فهذا بيع، والفرق: أن البيع لابد له من الركنين، ففي الفصل الأول لم يوجد أحد الركنين، وفي الفصل الثاني وجد الركنان، وفي «فتاوي أبي الليث» : رجل قال لغيره: بعت منك هذا الثوب بعشرة والمشتري قال: أخذته بتسعة وتقابضا قال: هو بتسعة؛ لأنه ينظر إلى آخرهما كلاماً فيحكم بذلك.

(6/272)


وفي «العيون» عن محمد رجل ساوم رجلاً فقال البائع: أبيعه بخمسة عشر وقال المشتري: لا آخذه إلا بعشرة، فإن كان الثوب بيد المشتري حين ساومه فهو بخمسة عشر لما ذهب به، وإن كان الثوب في يد البائع وقت المساومة فدفعه إلى المشتري فهو بعشرة؛ لأن البائع رضي بعشرة لما دفع الثوب إلى المشتري، وعنه أيضاً: رجل ساوم رجلاً بثوب فأخذه على المساومة أو دفعه إليه وهو يساومه وقال: هو بعشرة فذهب به المشتري، قال: هو على الثمن الذي قاله البائع يرده عليه أن يقول المشتري: لا آخذه إلا بتسعة لا أرضى إلا بتسعة، وعن أبي يوسف رجل أخذ ثوباً من رجل فقال البائع بعشرين، وقال المشتري: لا أزيدك على عشرة فذهب بالثوب وضاع فهو بعشرين.
وفي «الواقعات» رجل قال لآخر: بكم هذا الثوب فقال: بعشرين فقال المشتري: لا أريده بعشرين، فذهب ثم جاء وأخذ الثوب وذهب به فهو بعشرين؛ لأنه رضي به وأخذ من الرجل ثوباً، وقال: اذهب به، فإن رضيته اشتريته فذهب به وضاع الثوب فلا شيء عليه، ولو قال: إن رضيت أخذته بعشرة فضاع فهو ضامن قيمته بناء على أن المقبوض على سوم الشراء إنما يكون مضموناً إذا كان الثمن مسمى. عن أبي يوسف في رجل ساوم رجلاً بثوب فقال صاحب الثوب: هو بعشرة فقال المساوم: هاته حتى أنظر إليه فدفعه إليه على ذلك فضاع لم يلزمه شيء علل فقال: لأنه أخذ على النظر، أشار إلى أنه ليس بمقبوض على سوم الشراء، إن أخذه على غير النظر ثم قال: انظر إليه فضاع لم يخرجه قوله انظر إليه عن الضمان، وهو على ما أخذه عليه أول مرة. هكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله أيضاً.

وصورة ما روي عنه: رجل قال لغيره: هذا الثوب لك بعشرة فقال ذلك الرجل: هاته حتى أنظر إليه، فأخذه على هذا فضاع منه فلا شيء عليه، ولو قال: هاته، فإن رضيته أخذته فضاع فهو على ذلك الثمن، رجل قال لغيره: إن الناس يشرون كرمك هذا بألفي درهم فلم لا تبيعه فقال له صاحب الكرم: بعته منك بألف درهم فقال المشتري: اشتريته بها صح البيع إن لم يكن على طريق الهزل، وإن اختلفا فالقول قول البائع أنه أراد به الهزل بأن يكون قوله بعت بألف درهم رد الكلام ذلك الرجل، وإن كان المشتري أعطاه شيئاً من الثمن وأخذه ثم ادعى الهزل لا تسمع دعواه بعد ذلك؛ لأن قبض الثمن علامة الجد، وينعقد البيع بلفظ السلم بالإتفاق، وفي انعقاد السلم بلفظ البيع روايتان وسيأتي بيان ذلك في موضعه.
وينعقد البيع بالتعاطي بدون لفظة الإيجاب والقبول، على هذا اتفقت الروايات، والأصل فيه عرف الناس وعاداتهم. وصورة ذلك ما مر قبل هذا: رجل قال لقصاب: بكم يعطي من هذا اللحم بدرهم؟ فقال منوين فقال الرجل: زن منوين فوزن ودفع الرجل درهماً إلى القصاب وذهب باللحم فهذا بيع، وإن لم يتلفظا بلفظة البيع والشراء.
وذكر في «النوازل» : وضع فلساً عند بقال وأخذ رمانة برضاه ولم يتكلما شيئاً فهذا بيع ثم اختلف المشايخ فيما بينهم، بعضهم قالوا: إنما ينعقد البيع بالتعاطي في الأشياء

(6/273)


الخسيسة نحو البقل والرمانة والخبز وأشباه ذلك، وهكذا ذكر الكرخي في كتابه وعامتهم على أنه ينعقد في جميع الأشياء الخسيسة والنفيسة في ذلك على السواء، وفي الكتاب مسائل تدل على هذا القول وهو الصحيح، واختلف المشايخ أن الشرط في بيع التعاطي: الإعطاء من الجانبين، أو الإعطاء من أحد الجانبين يكفي، وأشار محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : أن تسليم المبيع يكفي، وفي مسائل الوكيل مسألتان: أحدهما: تدل على أنه يشترط الإعطاء من الجانبين، والأخرى: تدل على أن الإعطاء من أحد الجانبين يكفي، وستأتي صورتهما في موضعهما، وسيأتي في فصل الإقالة نص أن الشرط هو الإعطاء من الجانبين، وكان الشيخ الإمام شمس الحلواني يشترط الإعطاء من الجانبين وكان يقول: إذا وجد قبض البدلين في المجلس ينعقد البيع بالتعاطي ومالا فلا، وبعض مشايخنا اكتفوا بالإعطاء من أحد الجانبين وهذا القائل شرط بيان الثمن لانعقاد هذا البيع بتسليم البيع، وهكذا حكى فتوى الشيخ الإمام أبو الفضل الكرماني.6
وفي «المنتقى» : رجل ساوم رجلاً بشيء أراد شراءه منه ولم يكن معه وعاء يأخذه منه، ثم جاء بالوعاء بعد ذلك وأعطاه الدراهم فهذا جائز، فقد حكم بجواز البيع بإعطاء الدراهم، فهذا يدل على انعقاد البيع بالتعاطي من أحد الجانبين، وعن أبي يوسف في رجل قال لغيره: كيف بيع الحنطة؟ فقال كل قفيز بدرهم فقال كل لي خمسة أقفزة فكال فذهب بها، قال: هذا بيع وعليه خمسة دراهم، وهذه المسألة دليل على انعقاد البيع بالإعطاء من أحد الجانبين أيضاً.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: إذا قال للقصاب: زن لي ما عندك من اللحم أو قال: زن لي من هذا الجنب أو قال من هذا الرجل على حساب ثلاثة أرطال بدرهم، فوزن له فلا خيار له، وفي «المجرد» عن أبي حنيفة إذا قال للحام: كيف بيع اللحم؟ قال: كل ثلاثة أرطال بدرهم فقال: قد أخذت منك زن لي، ثم بدا للحام أن لا يزن، فقبل قبض المشتري كان لكل واحد الرجوع، فإن قبضه المشتري أو جعله البائع في وعاء المشتري بأمره تم البيع وعليه درهم. وهذه المسألة دليل أيضاً (36ب3) على انعقاد البيع بإعطاء من أحد الجانبين.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: إذا قطع القصاب اللحم ووزن والمشتري ينظر أن يقبض له ذلك حتى يقول: رضيت أو يقبض. رجل اشترى وقرين من آخر بثمانية دراهم ثم قال البائع: أنت تؤمر آخر بهذا الثمن والغد ههنا، فجاء البائع بوقر آخر والعين في ذلك الموضع فهذا بيع، وله أن يطالب الأخر بثمانية دراهم.

ومما يتصل بهذا الفصل معرفة المبيع والثمن؛ لأن البيع لا بد له من المبيع والثمن. قال القدوري في كتابه: ما يتعين بالعقد فهو مبيع، وما لا يتعين فهو ثمن إلا أن يقع عليه لفظ البيع ثم قال: الدراهم والدنانير أثمان أبداً؛ لأنها في الأصل خلقت ثمن الأشياء وقيمتها قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} (يوسف: 20) عين الثمن بالدراهم، وقال القدوري في «كتابه» الثمن: ما يكون في الذمة والدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات على أصلنا، وإنما ينعقد على مثلها ديناً في الذمة، فجعلوا

(6/274)


الدراهم والدنانير أثماناً لهذا، والأعيان التي ليست من ذوات الأشياء مبيعةً أبداً، والمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة بين مبيع.... فإن كان مقابلها الدراهم والدنانير فهي مبيعة، وإن كان مقابلها عين، فإن كانت المكيلات والموزونات معينة فهي مبيعة وثمن؛ لأن البيع بدل من مبيع وثمن، وليس لأحدهما بأن يجعل مبيعاً بأولى من الآخر؛ لأن المكيل والموزون يتقينان في البياعات كالعروض، فجعلنا كل واحد منهما مبيعاً على وجه ثمناً من وجه.
وإن كانت المكيلات والموزونات غير معينة، فإن استعملت استعمال الأثمان فهي ثمن نحو أن يقول: اشتريت هذا العبد بكذا كذا حنطة ونحو ذلك، وإن استعملت استعمال المبيع كان مبيعاً بأن قال: اشتريت منك بكذا كذا حنطة بهذا العبد فلا يصح العقد إلا بطريق السلم، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في شرح شهادات «الجامع» أن المكيل والموزون إذا لم يكن معينا فهو ثمن، دخل عليه حرف الباء أو لم يدخل؛ لأن المكيل والموزون من ذوات الأمثال حتى يضمنا بالمثل في الإتلاف، فصار نظير الدراهم والدنانير، والدراهم والدنانير أثمان دخل عليها حرف الباء، أو لم يدخل، والفلوس بمنزلة الدراهم والدنانير في أنها لا تتعين بالتعيين، وكان أبو الحسن الكرخي يقول: الدراهم والدنانير يتعينان في العقود ولا يتعينان في التسليم، ويستدل بمسألة ذكرها محمد في «الجامع» .
وصورتها: إذا قال الرجلان: بعت هذا العبد بهذا الكر وبهذه الألف فهما في المساكين صدقة، فباع العبد بهما لزمه التصدق بالكر دون الألف، ولم تتعين الدراهم في العقد، ولا يجب التصدق بشيء؛ لأن شرط وجوب التصدق البيع بالكر المعين والدراهم المعينة، فإذا كانت الدراهم لا تتعين في العقود كان البيع واقعا بكر معين والدراهم في الذمة فكان الموجود نصف الشرط، وبوجوب نصف الشرط لا ينزل الجزاء.

والجواب عن هذا الإشكال وهو وجه تخريج هذه المسألة: أن شرط وجوب التصدق وجود البيع مضافا إلى الكر وإلى الدراهم وتسميتها في البيع، فأما تعيين الدراهم فليس من الشرط في شيء؛ لأنه ليس من صنع العبد، فصار في التقدير كأنه قال: إن بعت هذا العبد بيعا مضافا إلى هذا الكر وإلى هذه الألف فهما في المساكين صدقة، فإذا أضاف البيع إليهما وسماها في البيع فقد وجد شرط وجوب التصدق فيلزمه التصدق.

وإذا عرفت المبيع والثمن فنقول من حكم المبيع إذا كان منفعة أن لا يجوز بيعه قبل القبض، ورد الأثر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولأنه تمكن في هذا العقد غرر يمكن التحرز عنه، ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام «عن بيع فيه غرر» .

(6/275)


بيانه: أن المشتري الأول لو قبض المبيع بعدما باع يتم البيع الأول ويصير بائعا ملك نفسه، ومتى لم يقبض حتى هلك في يد البائع الأول فيفسخ البيع الأول ويعود العبد إلى ملك البائع الأول، فيصير المشتري الأول بائعا ملك الغير، فأما إذا كان لا يدري أنه يقبضه أو لا يقبضه لا يدري أن يكون بائعا ملكه فيصح، أو يكون بائعاً ملك غيره فلا يصح، فكان فيه غرر من هذا الوجه، وكل جواب عرفته المشتري فهو الجواب في الأجرة إذا كانت الأجرة عينا وقد شرط تعجيلها لا يجوز بيعها قبل القبض، وكذلك بدل الصلح عن الدين إذا كان عينا لا يجوز بيعه قبل القبض؛ لأن النص وإن ورد في البيع ولكن المعني الغرر فكان غير ملك يعقد، وينفسخ العقد فيه بهلاكه قبل القبض إن كان فيه غرر فيكون النص واقعا فيه دلالة، فأما المهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد.
إذا كان عينا فبيعها جائز قبل القبض وهم الغرر بانفساخ العقد في هذه الأشياء منتف فلا يكون النص ورادا في هذه الأشياء والمطلق للتصرف موجود وهو الملك، فجاز بيع هذه الأشياء قبل القبض، وما لا يجوز بيعه قبل القبض فكذا لا يجوز إجازته.
ولو تصدق بالمنقول المشتري قبل القبض وبما هو في معنى الشراء نحو الأجرة وبدل الصلح عن دعوى الغير فعلى قول أبي يوسف لا يجوز، وعلى قول محمد يجوز، وعلى هذا إذا وهبه، فأبو يوسف اعتبر معنى العود على نحو مابينا في البيع وأشباه ذلك، ومحمد يقول: تمام هذه التصرفات بالقبض، فكانت العبرة بحالة القبض، ولهذا كان الشيوع وقت القبض مانعا جواز الهبة ولم يكن وقت العقد مانعا. قلنا: والمانع زائل وقت القبض فيصح، ويصير الموهوب له وغيره مما ذكرنا عنه في القبض، فيصير قابضا لنفسه بخلاف البيع والإجارة؛ لأن ذلك مما يلزم بنفسه، وعند ذلك المانع قائم والقرض والوصية على هذا الخلاف أيضاً. هذا إذا تصرف المشتري في المنقول قبل القبض، فأما إذا تصرف فيه مع بائعه فإن باعه منه لم يجز بيعه أصلاً قبل القبض، وإن وهبه له لا يصح إقالة والبيع لايصح أصلاً.

الفرق: وهو أن لفظة الهبة تستعمل مقام لفظة الإقالة يقول الرجل: اللهم هب لي ديوني كما يقول: أقلني عثرتي، فعند تعذر العمل بحقيقته يجعل مجازا عن الإقالة.
وفي «فتاوي الفضلي» : اشترى دارا ووهبها لغير البائع قبل القبض جاز بالاتفاق. فرق محمد بين الهبة لا تتم إلا بالقبض، فمتى أمر المشتري الموهوب له بالقبض صح الأمر؛ لأنه صادف ملكه، وصار الموهوب له وكيل المشتري في القبض فصار قبضه كقبض المشتري، فصار هبة للحال، وهو ما بعد قبض الموهوب فيكون هبة بعد القبض، فأما تمام البيع فبالإيجاب والقبول لا بالقبض، فلا يمكن أن يجعل تبعاً من الثاني للحال وهو ما بعد قبضه ليكون تبعاً بعد القبض.

وذكر الكرخي في «مختصره» : إذا قال المشتري للبائع قبل القبض: بعه لنفسك فهو نقض البيع؛ لأنه لا يتصور بيعه لنفسه إلا بعد فسخ الأول فالأمر به من جهة المشتري وقبول البائع ذلك يتضمن فسخ الأول، ولو قال: بعه لي لا يكون نقضا، لو باعه لم يجز

(6/276)


بيعه؛ لأن هذا أمر بما هو باطل فلا يتضمن فسخ الأول، ولو قال: بعه ولم يقل: لي أو لنفسك فقبل فهو نقض للأول وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: لا يكون نقضا. وجه قول أبي يوسف: أن قوله بعْ ينصرف إلى البيع للأمر (37أ3) ؛ لأن الملك له، فكأنه قال: بعه، وجه قولهما؛ لأن الأمر بالبيع للأمر لا يصح للمأمور بواسطة انفساخ البيع الأول للمأمور، ويتضمن ذلك انفساخ الأول كما لو قال: بعه لنفسك، ولو قال المشتري للبائع قبل القبض أعتقه فأعتقه البائع جاز العتق عن البائع وينفسخ البيع الأول، ولا يقع العتق عن المشتري عند أبي حنيفة؛ لأن بالعتق يصير المشتري قابضا والبائع لا يصلح قابضا للمشتري بطريق النيابة عنه فيقع العتق عن البائع، وطريقه: أن ينفسخ البيع الأول فيعود إلى ملك البائع، وعند أبي يوسف: العتق باطل؛ لأنه لا يقع عن المشتري لما قاله أبو حنيفة، ولا يقع عن البائع لعدم الملك، ولو ملك المنقول بالوصية أو بالميراث يجوز بيعه قبل القبض، أما في الميراث فلأن يد الورثة يد المورث؛ لأنهم خلفا عنه فكان هذا بيع المقبوض، وأما الوصية فلأنهما أحب الميراث فكان حكمها حكم الميراث، وأما مسألة العقار فنقول: العقار إذا ملك بالبيع أو الإجارة أو الصلح عن الدين لا يجوز التصرف فيه قبل القبض عند محمد وزفر والشافعي لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض، ويجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف لانتفاء الغرر إذ العقار لا يتصور هلاكه، والحديث خاص في المنقولات؛ لأن القبض حقيقة يتصور في المنقول دون العقار فينصرف الحديث إليه.
وفي «النوازل» : إذا اشترى دارا وأوقفها قبل القبض وقبل نقد الثمن فالأمر موقوف إن أدى الثمن وقبضها جاز الوقف قيل: هذا على قول من لا يوقف صحة الوقف على التسليم إلى المتولي، هذا هو الكلام في طرف المبيع، جئنا إلى طرف الثمن فنقول: التصرف في الأثمان قبل القبض والديون استبدالا سوى السلم والصرف جائز عندنا، واختلفت عبارة المشايخ فيه بعضهم قالوا: لأن الثمن بيع المنقول قبل القبض إنما لا يجوز لمكان الغرر وهو انفساخ البيع الأول بالهلاك، وهذا المعنى لا يتأتى في جانب الثمن فيجوز التصرف فيه عملا بالمطلق، وبعضهم قالوا: لأن الثمن واجب في الذمة، والقبض لا يرد عليه حقيقة، وإنما طريق قبضه أن يقبض مثله عينا مضمونا عليه معاً فيلتقيان قصاصاً، وإذا كان طريق القبض هذا لا يقع التفرقة بين أن يكون المقبوض من جنسه أو من خلاف جنسه؛ لأنه مضمون بمعناه، والمقاصة تقع به وروي عن ابن عمر أنه قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع ونأخذ مكان الدراهم الدنانير ومكان الدنانير الدراهم، وكان يجوزه رسول الله عليه السلام..... بخلاف السلم؛ لأنه وإن كان دينا لكن الشرع جعل المقبوض في السلم غير المستحق بالعقد؛ لأن الأصل فيه أن يكون مبيعاً، والاستبدال فيه بالقبض لا يجوز، وذكر الطحاوي أنه يجوز التصرف في القرض قبل

(6/277)


القبض قال: لأنه لا يجوز تأجيله فلا يجوز التصرف فيه أيضاً، وهذا منه إشارة إلى أن الاستبدال إنما يصح في الديون المطلقة؛ لأن طريق قبض الديون قبض أمثالها لا أعيانها.
وفي باب القرض الواجب رد العين؛ لأنه إعارة فيصير كأنه انتفع بالعين وردّه، ومن هذا الوجه لم يجز التأجيل؛ لأن التأجيل في العواري لا يلزم فلا يصح الاستبدال عنه أيضاً. قال القدوري في «كتابه» : هذا سهو والصحيح أنه لا يجوز؛ لأن الواجب بالقرض رد المثل لا رد العين، وأقيم رد المثل مقام رد العين فكان طريق رده ماهو الطريق إيفاء الديون فيصح الاستبدال.

ومما يتصل بهذه المسائل: إذا اشترى من آخر عبدا بدراهم وتقابضا ثم تقايلا ولم يقبض البائع العبد بحكم الإقالة حتى باعه ثانيا من المشتري صح، ولو باعه من أجنبي لا يصح، وبمثله لو اشترى رجل من آخر عبدا وباعه قبل القبض من بائعه أو من أجنبي لا يجوز، ففي بيع المنقول المشتري قبل القبض سوى بين البيع من بائعه وبين البيع بين أجنبي، وفي مسألة الإقالة فرق بين البيع من المشتري وبين البيع من الأجنبي، والوجه في ذلك: أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق الثالث، ففي حق المتعاقدين يعود إلى البائع قديم ملكه وأنه مقبوض، فإذا باعه من المشتري فقد باع ماهو مقبوض في حقهما، وفي حق الثالث لما كان عقداً جديداً جعل في حق الثالث كأن البائع اشتراه ثانياً من المشتري ولم يقبضه بحكم الشراء، فكان هذا البيع المنقول قبل القبض، فوقع الفرق في مسألة الإقالة من هذا الوجه.

وفي مسألة الشراء هذا بيع المنقول قبل القبض في حق الكل فاستوى فيه البيع من البائع والبيع من الأجنبي، ولو اشترى غلاماً من رجل بألف درهم بشرط الخيار للمشتري ثلاثة أيام وتقابضا ثم فسخ المشتري العقد بخيار الشرط فلم يردها على البائع حتى اشتراه منه ثانيا صح، ولو اشتراه أجنبي صح أيضاً.
والأصل في جنس هذه المسائل: أن في كل موضع انفسخ البيع بين البائع والمشتري في المنقول بسبب هو فسخ من كل وجه في حق الناس كافة فباعه البائع قبل أن يقبضه من المشتري أو من أجنبي، وفي كل موضع انفسخ البيع بينهما بسبب هو فسخ في حق المتعاقدين عقد جديد في حق الثالث، ولو باعه من المشتري يصح، ولو باعه من أجنبي لا يصح، وهذا أصل جنس كبير أشار إليه محمد رحمه الله في «بيوع الجامع» وفي «المنتقى» رواية مجهولة: رجل اشترى من رجل عبداً وقبضه ثم أقاله البيع ثم باعه من الذي هو بيديه قبل أن يقبضه فالبيع ... حتى يقبض.

(6/278)


الفصل الثاني: في الاختلاف الواقع بين الإيجاب والقبول وفي الحوادث التي تمنع صحة القبول
المشتري إذا أوجب البائع البيع في سنتين أو ثلاثة وأراد المشتري أن يقبل العقد في أحدهما دون الآخر فهذا على وجهين: إن كانت الصفقة واحدة ليس له ذلك، وإن كانت متفرقة فله ذلك، وهذا لأن الصفقة إذا كانت واحدة فالمشتري بقبول العقد في أحدهما يريد تفريق الصفقة على البائع وذلك ضرر بالبائع؛ لأن العادة فيما بين الناس أنهم يضمون الرديء الى الجيد في البياعات وينقصون أشياء عن ثمن الجيد لترويج الرديء بالجيد، فلو جاز قبول العقد في أحدهما فالمشتري يقبل العقد في الجيد ويترك الرديء على البائع فيزول الجيد عن ملك البائع بأقل من ثمنه، وفيه ضرر بالبائع، وكذلك لو قال: بعتك هذا العبد فقال المشتري: قبلت في نصفه لم يصح؛ لأن فيه ضرر عيب الشركة فالشركة في الأعيان عيب.
قال القدوري في «الكتاب» : إلا أن يرضى البائع في المجلس نحو أن يقول: بعتك هذين القفيزين بعشرة فيقول المشتري: قبلت في أحدهما فيرضى به البائع ويكون ذلك من المشتري في الحقيقة استئناف إيجاب القبول، فإذا رضي به البائع في المجلس فيجوز، قال: وإنما يصح مثل هذا إذا كان للتبعيض الذي قبل المشتري حصة معلومة من الثمن على نحو ما ذكرنا من المثال في القفيزين؛ لأن الثمن ينقسم عليهما باعتبار الأجزاء فيكون حصة كل قفيز معلومة، فأما إذا كان الثمن ينقسم باعتبار القيمة نحو إن أضاف العقد إليه عبدين أو ثوبين فلم يصح العقد إذا قبل المشتري في أحدهما؛ وإن رضي البائع به؛ لأن القبول من المشتري لما جعل بمنزلة ابتداء الإيجاب (37ب3) ، فإذا لم يكن حصة كل واحد مسمى لو جاز البيع في الذي قبل كان هذا ابتداء العقد بالحصة وإنه لا يجوز.

ثم لا بد من بيان معرفة اتحاد الصفقة وتفرقها فنقول: إذا اتحد البيع والشراء والثمن بأن ذكر الثمن جملة والبائع واحد والمشتري واحد فالصفقة متحدة قياسا واستحساناً، كذلك لو تفرق الثمن بأن سمى لكل بعض من المبيع ثمنا على حدة واتحد الباقي، بأن قال البائع: بعتك هذه الأثواب العشرة كل ثوب منها بعشرة، كانت الصفقة متحدة أيضاً، وكذلك إذا كان البائع والمشتري اثنين بأن قال البائع لرجلين: بعت منكما بكذا، وقال المشتريان: اشتريناها منك بكذا، كانت الصفقة متحدة، هذا هو الكلام في الاتحاد، وأما الكلام في جانب التفرق فنقول: إن تفرقت التسمية بأن سمى لكل بعض ثمناً على حدة وتكرر البيع أو الشراء والبائع والمشتري اثنان وكان أحدهما اثنين فالصفقة متفرقة، وكذلك إذا تفرق الثمن وتكرر البيع أو الشراء والبائع والمشتري واحد، بأن قال البائع لرجل: بعت منك هذه الأثواب، بعتك هذا بعشرة، بعتك هذا بخمسة، أو قال المشتري:

(6/279)


اشتريت منك هذه الأثواب، اشتريت هذا بعشرة، اشتريت هذا بخمسمائة كانت الصفقة متفرقة بالاتفاق، وأما إذا تفرق الثمن إلا أنه لم يتكرر لفظ البيع والشراء واختلف العاقدان بأن كان بأمر أحد الجانبين أو كان من كل جانب اثنين ذكر في بعض المواضع أنها صفقة واحدة، وذكر في بعض المواضع أنها صفقتان قيل: الأول: استحساناً، والثاني: قياس وقيل: الأول قول أبي حنيفة، والثاني قول صاحبيه، ذكر الصدر الشهيد هذه الجملة في بيوع «الجامع» .
وذكر شيخ الإسلام في شرح «صلح المبسوط» في باب اختلف الشراء والصلح إذا كان العبد بين رجلين فباعاه من رجل.... على أن نصيب الآخر ألف وجعل الصفقة متفرقة حتى قال: لو قبل المشتري البيع في نصيب أحدهما جاز، وعلل فقال: لأن كل واحد منهما بين لنصيبه ثمنا لا تقتضيه الواحدة؛ لأن الصفقة الواحدة تقتضي (أن) يكون الثمن بينهما نصفين على قدر ملكهما، فإذا سميا على التفاوت فقد غير حكم الصفقة الواحدة، وذكر حكم صفقتين فصارت الصفقة الواحدة في حكم صفقتين متفرقتين، بخلاف ما إذا سميا الثمن على المساواة بأن سمى كل واحد منهما لنصيبه خمسمائة، حيث تكون الصفقة متفرقة؛ لأن كل واحد منهما سمى لنفسه مقدار ما تقتضيه الصفقة الواحدة فيكون ذلك تقديرا لموجب الصفقة الواحدة لا تغيرا لها، فكانت الصفقة حقيقة وحكما متحدة وينبني على اتحاد الصفقة وتفرقها ما إذا اشترى شيئين أو أشياء مختلفة أو شيئاً واحدا ونفد بعض الثمن، وأراد أن يقبض بعض المبيع، فإن كانت الصفقة متفرقة فله ذلك.

بيان هذه الصورة فيما ذكر محمد رحمه في «الجامع» : وصورته: رجل اشترى من آخر عشرة أثواب يهودية كل ثوب بعشرة دراهم وبعث المشتري عشرة دراهم وقال: هذه العشرة ثمن هذا الثوب بعينه وأراد أن يقبض ذلك ليس له؛ لأن الصفقة متحدة، وفي الصفقة الواحدة ضم الرديء إلى الجيد في البيع والحط عن بعض ثمن الجيد معتاد فيما بين الناس، فلو جاز له قبض أحدهن يقبض الجيد ولا يتسارع إلى قبض الرديء، وربما يهلك الرديء قبل القبض وينفسخ العقد فيه ويسلم للمشتري الجيد بأقل من ذلك، وفي ذلك ضرر على البائع،.... المشتري عن ثمن أحد هذه الأثواب بعينه فقال المشتري: أنا أجد ذلك الثمن لم يكن له ذلك اعتبارا للبراءة الحاصلة بالاستيفاء، وكذلك لو أخر البائع عن المشتري ثمن ثوب بعينه سهوا لم يكن له أن يقبض ذلك الثوب اعتبارا للبراءة المؤقتة بالبراءة المؤبدة، وكذلك لو أبراه عن جميع الثمن إلا درهما، وكذلك لو كان الثمن مائة وللمشتري على البائع سبعون درهماً، فصار ذلك قصاصا بما وجب على المشتري قبض شيء من الثياب حتى تنفذ العشرة اعتباراً للبراءة الحاصلة بالمقاضاة بالبراءة الحاصلة بالإيفاء باليد، وكذلك إذا كان ثمن أحد الأثواب بعينه عشرة دنانير،

(6/280)


وثمن الباقي مائة درهم فنقد الدنانير أو نقد الدراهم لم يقبض شيئاً منها، وكذلك لو وقع الشراء على أن ثمن ثوب منها بعينه حالا وثمن الباقي مؤجلاً لم يكن له أن يقبض شيئاً حتى ينفذ المال.

ومما يتصل بهذه المسائل: رجلان اشتريا من رجل عبداً بألف درهم فغاب أحدهما وحضر الآخر فليس له أن يقبض شيئاً من العبد ما لم ينقد الثمن جملة؛ لأن الصفقة متحدة، فلا يملك الحاضر تفريقها، فإن أوفى جميع الثمن قبل القبض قبض كله، ولا يكون متطوعاً، وإذا حضر الغائب ليس له أن يقبض حصته حتى يدفع الى الحاضر ما نقده من حصته، فإذا فعل ذلك قبض نصيبه، فإن هلك العبد في يد الذي قبضه قبل أن يحضر الغائب أو بعد ما حضر قبل أن يطلبه هلك أمانة حتى حضر الغائب رجع الأول عليه بحصته، وإن حضر الأول وطلب نصيبه فمنعه حتى يستوفي ما نقده عنه ثم هلك هلك بما نقد عنه، بمنزلة المبيع يهلك في يد البائع، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يقال للحاضر: ليس لك أن تقبض شيئاً من العبد حتى تنقد جميع الثمن، فإذا نفذت جميع الأثواب لم تقبض إلا نصيبك وكتب متطوعا مع ذلك عن الشريك.
o
فوجه قول أبي يوسف: أن الغائب لم يرض بقبض الحاضر نصيبه فلا يصح قبضه عليه، وإنما يقبض نصيب نفسه إلا أنه لا يمكنه قبض نصيب نفسه ما لم ينقد جميع الثمن لما قلنا، فإذا نقد جميع الثمن ملك قبض نصيبه؛ لأن البائع لما رضي بتسليم الكل عند تسليم جميع الثمن كان أرضى بتسليم النصف عند قبض جميع الثمن، ويكون متبرعا إذ لا يجيء بما أدى للغائب ملكا ولا يداً.
وجه قولهما: أن الحاضر محتاج إلى قبض نصيبه ولا يمكنه قبض نصيبه إلا بقبض الكل كيلا يؤدي الى تفريق اليد على البائع، ولا يمكنه قبض الكل، فكان مضطرا في أداء ما على الغائب، والمضطر لا يكون متبرعا، فكان بمنزلة الوكيل وكان له حبسه بما أدى كالوكيل، فإذا هلك عنده بعد البيع صار كالبيع يهلك في ضمان البائع، وعن أبي يوسف في «النوادر» : أنه يدفع نصف الثمن ويأخذ نصف المبيع؛ لأن المستحق عليه نصف الثمن وقد أدى، فلو توقف حقه في قبض نصيبه لتوقف على أداء ما على صاحبه، وحق الإنسان لا يتوقف على أداء ما على غيره، ولو كان البائع أبرأ أحد الشريكين عن حصته من الثمن أو أخر عنه شهرا لم يكن له أن يقبض حصته من العبد حتى ينقد الآخر حصته من الثمن؛ لأن البراءة الحاصلة بالإبراء أو بالتأخير لا تكون أعلى حالا من البراءة الحاصلة بالإيفاء، وهناك ليس له أن يقبض لنفسه ما لم يوفِ كل الثمن كذا ههنا، ولو أن المشتريين اشترى كل واحد منهما نصفه بخمسمائة بأن قال: كل واحد منهما للبائع، اشتريت منك نصف هذا العبد بخمسمائة فقال البائع: بعت ثم نقد أحدهما حصته فله أن يقبض نصيبه من العبد؛ لأن الايجاب وإن كان متحداً (38أ3) فالقبول متفرق، فرجحنا التفرق بحكم تفرق التسمية، وكذلك لو أن البائع أبرأ أحدهما حصته أو أخر أحدهما عن حصته كان له قبض نصيبه، وعلى هذا يخرج جنس هذه المسائل.

(6/281)


الفصل الثالث: في قبض المبيع بإذن البائع وبغير إذنه في تصرف أحد المتعاقدين في المبيع قبل القبض، وفيما يلزم المتعاقدين في المؤونة في تسليم المبيع، وفي تسليم الثمن
قال أصحابنا رحمهم الله: وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن إذا كان الثمن مالاً؛ لأن البائع عين حق المشتري في المبيع، فيجب على المشتري تعيين حق البائع في الثمن تحقيقا للتساوي بينهما، ثم تعيين النقود بالقبض، فيجب تقديم القبض في الثمن تعييناً لحق البائع، ولو وقع البيع عينا بعين أو دينا بدين سلما معا؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر، وإن كان الثمن مؤجلا لم يمكن له حق الحبس؛ لأن حق الحبس إنما يثبت للبائع تحقيقا للتسوية بينهما، وقد سقط حق البائع في المساواة بحكم التأجيل، فيسقط حقه في الحبس ضرورة، ولو كان بعض الثمن حالا وبعضه مؤجلا فله حبسه حتى يستوفي الحال اعتبارا للبعض بالكل، ولو بقي من الثمن شيء قليل كان له حبس جميع المبيع؛ لأن حق الحبس لا يتجزأ، ولو دفع بالثمن هنا أو كفل به كفيلاً لم يسقط حق البائع لأنه وثيقة، والوثيقة توجب تأكيد الأصل، فكان حق البائع في الثمن قائما قبل المشتري فيبقى له حق الحبس، ولو أحال المشتري البائع على غريم له بالثمن لا يبطل حق البائع في الحبس، ولو أحال البائع غريماً من غرمائه على المشتري حوالةً مقيدة بالثمن يبطل حقه بالحبس، هكذا ذكر المسألة في «الزيادات» : ووجه ذلك أن سقوط حق البائع بالحبس يتعلق بسقوط حقه عن المطالبة بالثمن لا ببراءة المشتري عن الثمن، بدليل أن الثمن إذا كان مؤجلا سقط حق البائع في الحبس؛ وإن بقي الثمن في ذمة المشتري، فإذا أحال المشتري البائع على غريم من غرمائه لم يسقط حق البائع عن المطالبة بالثمن، ولكن عين المشتري في حق تحمل هذه المطالبة، فلهذا لا يسقط حق البائع عن المطالبة بالثمن فيسقط حقه في الحبس.
وفي «القدوري» : إذا أحال المشتري البائع بالثمن على إنسان أو أحال البائع رجلا على المشتري سقط حق البائع في الحبس في قول أبي يوسف، وقال محمد: إذا أحال المشتري البائع بالثمن على إنسان لم يسقط حق البائع في الحبس، ولو أحال البائع رجلا سقط حقه. وتبين لما ذكر «القدوري» أن ما ذكر في «الزيادات» قول محمد وأبي يوسف إلى جانب ابني المشتري، وقال: ذمة المشتري برئت عن الثمن بالحوالة فتعتبر بالأداء، ومحمد نظر إلى جانب البائع، وقال: إن حق البائع إنما ثبت في الحبس لتعيين حقه في الثمن، فما دام حقه في المطالبة فإنما يبقى حقه في الحبس، فإذا أحال البائع رجلا على

(6/282)


المشتري فقد سقط حق البائع في المطالبة فيبطل حقه بالحبس، أما إذا أحال المشتري الباقي على رجل فحق المطالبة للبائع قائم، لكن المشتري أقام غيره مقامه في حق تحمل المطالبة فلا يبطل حق البائع في الحبس.

وفي «المنتقى» رواية مجهولة: لو أحال البائع غريما من غرمائه على المشتري بالثمن مؤجلا فلم يقبض المشتري حتى حل الأجل كان له قبضه قبل نقد الثمن وليس للبائع منعه؛ لأن حق البائع في الحبس سقط بالتأجيل والساقط متلاشي لا يقبل العود، ولو أحله بالثمن سنة غير معينة فلم يحضر المشتري حتى مضت السنة فالأجل سنة من حين يقبض المبيع في قول أبي حنيفة، وإن كانت سنة بعينها صار الثمن حالا، وقال أبو يوسف ومحمد: الثمن حال في الوجهين؛ لأن مطلق الأجل ينصرف إلى ما يلي العقد كمدة الإجارة، فاستوى المعين وغير المعين، ولأبي حنيفة رحمه أن التأجيل إنما شرع نظراً للمشتري لتتأخر عنه المطالبة بالثمن مع حصول الانتفاع له بالبيع والتصرف في المبيع في مدة الأجل ليؤدي الثمن عند مضي الأجل ويستفصل لنفسه أشياء.

وهذا المعنى إنما يحصل باعتبار الأجل من وقت القبض فيجب اعتباره ما أمكن، وقد أمكن اعتباره إذا كانت السنة غير معينة، فأما إذا كانت معينة فلأنها إذا كانت معينة فأتت لو بينا التأجيل في سنة أخرى كان هذا إثباتاً للحكم في غير المحل الذي تناوله اللفظ وهذا لا يجوز، بخلاف ما إذا لم تكن السنة معينة، ولو كان في المبيع خيار لهما أو أحدهما والأجل مطلق فابتداؤه من حين يلزم العقد، وأما في خيار الرؤية فالأجل يعتبر من حين العقد؛ لأن التأجيل لتأخير المطالبة إلى وقت مضي الأجل، وذلك إنما يكون في موضع يجب البدل لولا التأجيل، وذلك من وقت لزوم العقد، فأما خيار الرؤية فلا يمنع وجوب الثمن ولا يوجب المطالبة بالثمن، فاعتبر التأجيل من وقت العقد، وتسليم البيع: هو أن يحل بين المبيع وبين المشتري على وجه يتمكن المشتري من قبضه من غير حائل، كذا التسليم في جانب الثمن، وقال الشافعي رحمه: التخلية ليست بقبض والصحيح مذهبنا؛ لأن التسليم مستحق على الإنسان يجب أن يكون له طريق الخروج عن عهدته بنفسه، لو قال لوقف ذلك على وجود الفعل من غيره، وذلك الغير مختار في الفعل يبقى هو في عهدة الواجب، وإذا اشترى حنطة بعينها وخلى البائع بينها وبين المشتري في بيت البائع فعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يصير المشتري قابضا حتى لو هلكت هلكت من مال البائع، وعلى قول محمد يصير المشتري قابضاً حتى لو هلكت هلكت من المشتري، وعلى هذا الخلاف إذا اشترى خلا في دن وخلى البائع بين المشتري وبين الدن في بيت البائع وختم المشتري على الدن صار المشتري قابضا للحال عند محمد خلافا لأبي يوسف.

حجة محمد أن التخلية من البائع قد صحت؛ لأن صحتها بإزالة البائع يده، وقد زالها حين خلى بينه وبين الطعام، فيجب أن يصير قابضا، كما لو خلى في غير بيت البائع، ولأبي يوسف أن صحة التخلية بزوال يد البائع إن زالت حقيقة لم تزل من حيث الحكم؛ لأن البيت وما فيه في يد البائع حكماً.

(6/283)


وفي «العيون» : إذا اشترى من آخر حنطة في بيت ودفع البائع المفتاح إلى المشتري وقال: خليت بين الحنطة وبينك فهذا قبض، ولو دفع المفتاح إليه ولم يقل: خليت بينها وبينك فهذا ليس بقبض، ولو قال: خذ لا يكون قبضاً، ولو قال: خذه فهو قبض إذا كان يصل إلى أخذه ومرآه.
في «أجناس الناطفي» وفي «فتاوي الفضلي» إذا قال لغيره: بعت منك هذه السلمة وسلمتها إليك فقال ذلك الغير: قبلت لم يكن هذا تسليما حتى يسلمه بعد البيع، فإنما يعتبر بعد تمام البيع، ثم لاخلاف أن بالتخلية يقع القبض إذا كان المعقود عليه يقربهما، فأما إذا كان يبعد عنهما فقد ذكر الناطفي في «أجناسه» وهشام في «نوادره» فيمن باع من آخر دارا غائبه فقال البائع للمشتري: سلمتها إليك، وقال المشتري: قبضتها كان ذلك قبضا في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كان يقدر على دخولها وأعلامها كان قبضا.
قال في «العيون» : وكذلك الهبة والصدقة وأشار الخصاف في «شرح الحيل» أن التخلية تقع بالقبض وإن كان المعقود عليه يبعد عنهما، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: ذكر في «النوادر» أن الرجل إذا باع ضيعته وخلى بينها وبين المشتري إن كانا بقرب من الضيعة يصير المشتري قابضا، وإن كانا ببعد عنها لا يصير قابضا، قال محمد رحمه الله: والناس عن هذا غافلون، فإنهم يشترون الضيعة في السواد ويقرون (38ب3) بالقبض والتسليم في المصر، وذلك مما لا يصح به القبض إلا رواية شاذة عن أبي يوسف رحمه الله.

قال: ولا يؤخذ بتلك الرواية ولا يعمل بها، وفي «فتاوي الفضلي» : إذا باع دار إنسان ببلدة أخرى ولم يسلمها إليه إلا باللفظ ثم امتنع المشتري عن تسليم الثمن كان له ذلك؛ لأن تسليم الثمن إنما يجب عند قدرة البائع على تسليم المبيع، والبائع في هذه الصورة غير قادر على تسليم المبيع في الحال، فهذه المسألة دليل أن بالتحلية لا يقع القبض إذا كان المعقود عليه يبعد من المتعاقدين، وفي «نوادر هشام» عن محمد: رجل اشترى من آخر سمكة وهي مشدودة بخيط في الماء فقبضها المشتري، كذلك ثم ناول الخيط البائع وقال: احفظها فجاءت سمكة وابتلعت المشدودة، فالتي ابتلعت المشدودة للبائع إذا كان البائع هو الذي مد الخيط وأخرجها؛ لأنه هو الذي صادها، وأما المشدودة فهي للمشتري، فإن كانت المشدودة هي ابتلعت الماسة فهما جميعاً للمشتري سواء كان المشتري قبض المشدودة أو لم يقبضها؛ لأن الماسة كسب ملكه، وإن كان المشتري لم يقبض المشدودة فابتلعت الماسة المشدودة فالمشتري بالخيار: إذا خرجت المشدودة من بطن الذي ابتلعتها وقد ضرب بها لمن شاء، وإن شاء ترك.

وفي «كتاب العلل» قال: إذا أخذ البائع الآكلة وسلم المشدودة إلى المشتري جاز، وإن عجز عن تسليم الآكلة فقد عجز عن تسليم المبيع صح المشتري، كما لو أبق العبد المشترى قبل القبض، وإن كان المشتري قبض السمكة المشدودة ثم قال للبائع: أمسكها

(6/284)


لتصيد بها فما كان من ذلك فهو للمشتري، زاد في «كتاب العلل» وإن بيد البائع الخيط وكان البائع كالعون له؛ لأن المشتري إنما ترك المشدودة ليصطاد بها، فهو بمنزلة ما لو نصب شبكة ووقع صيد فقال الآخر: مد فم الشبكة ففعل.

وفي «نوادر هشام» عن محمد: رجل اشترى من آخر داراً بالكوفة وهما ببغداد وقبض الثمن ولم يسلم الدار، خاصمه المشتري فيها فإن القاضي يأمر بائع الدار أن يوكل وكيلاً يشخص مع المشتري إلى الكوفة فيأخذ الدار ويأخذ المشتري كفيلاً من البائع بنفسه، ويوكل المشتري ههنا وكيلاً بخصومة البائع، ثم يخرج المشتري إلى الدار مع الوكيل ويكتب: قاضي بغداد له إلى قاضي الكوفة فيأخذ الدار ويأخذ المشتري كفيلاً بخصومة البائع بما استقر عنده من أمرها، فإن كتب قاضي الكوفة إلى قاضي بغداد أن الوكيل لم يسلم الدار، يعني جحد الوكالة وأعادها لنفسه حبس القاضي البائع في السجن حتى يسلم وكيله الدار.
وفي «فتاوي أبي الليث» : إذا باع داراً وسلمها إلى المشتري وفيها متاع قليل للبائع لا يصح التسليم حتى يسلمها إليه فارغة؛ لأن يد البائع قائمة، وقيام يد البائع تمنع صحة التسليم، وإن أذن البائع للمشتري بقبض الدار والمتاع صح التسليم؛ لأن المتاع صار وديعة عند المشتري، فزالت يد البائع عن الدار، وكذلك إذا باع أرضاً فيها زرع البائع وسلم الأرض إلى المشتري لا يصح التسليم، ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير:» إذا ولى الإمام رجلاً بيع المغانم فجعل ذلك الأرماك في حظيرة وباع رمكة منها وقال للمشتري: ادخل الحظيرة واقبض الرمكة فخليت بينك وبينها، فدخل الرجل الحظيرة لقبض الرمكة، فعالجها فأفلتت منه وخرجت من باب الحظيرة وذهبت ولا يدري أين ذهبت، ينظر في ذلك إن كان المشتري لا يقدر على أخذها فالهلاك على البائع؛ لأن المشتري لم يصر قابضاً لها لا حقيقة وهذا ظاهر، ولا حكماً لأنه لم يتمكن من قبضها، إذا كان لا يقدر على أخذها، وإن كان المشتري يقدر على أخذها فالهلاك على المشتري؛ لأنه صار قابضاً لها حكماً، ثم في هذا الوجه يستوي الجواب بينهما إذا كان يقدر المشتري على أخذها من غير كلفة ومشقة وبين ما إذا كان يقدر على أخذها بكلفة ومشقة، ففي الحالين جميعاً يصير قابضاً لها بالتخلية؛ لأن المعتبر في هذا الباب التمكن من القبض لا غير. ألا ترى أن من اشترى من آخر صبرة عظيمة مشاراً إليها وخلى البائع بينها وبين المشتري صار قابضاً لها، وإن كان لا يقدر على قبضها إلا بكلفة ومشقة وإن كان المشتري لا يقدر على أخذها وحده ويقدر على أخذها لو كان معه أعوان أو له فرس ينظر إن كان الأعوان أو الفرس معه يصير قابضاً.

وإن كانت الرمكة في يد البائع وهو يمسك لها فقال المشتري: هاك الرمكة فأثبت المشتري يده عليها أيضاً حتى صارت الرمكة في أيديهما والبائع يقول للمشتري: خليت بينها وبينك وأنا أمسكها منعاً لها، وإنما أمسكها حتى يضبطها فانفلتت في أيديهما فالهلاك على المشتري؛ لأن المشتري قابض لنصفها حقيقة ولنصفها حكماً لتمكنه منه؛ لأن البائع لا يمنعه من ذلك، فإن قيل: الرمكة في يد البائع حقيقة، وقيام يد البائع عنها يمنع بثبوت يد غيره عليها، قلنا: قيام يد الإنسان على المحل يمنع ثبوت يد غيره عليه على طريق تمكين المشتري وإعانته عليه إياه على تقدير يده، فلا يمنع ذلك صحة قبض المشتري.
وإن كانت الرمكة في يد البائع ولم تصل إليها يد المشتري فقال البائع للمشتري: خليت

(6/285)


بينها وبينك فاقبضها، فأبى إنما أمسكها لك فانفلتت من يد البائع قبل أن يقبض المشتري وهو يقدر على أخذها من يد البائع وضبطها كان الهلاك على البائع، بخلاف ما إذا كانت الرمكة في أيديهما والبائع لا يمنعها من المشتري فانفلتت فإن هناك الهلاك على المشتري.
والفرق: أن المشتري لا يصير قابضاً للمشترى ما لم يزل قبض البائع، ومتى كانت الرمكة في أيديهما والبائع لا يمنع فقد زال قبض البائع حكماً؛ لأن يد المشتري ثابتة على أحد النصفين حقيقة، وعلى النصف الآخر حكماً، إنما يد البائع ثابتة على أحد النصفين لا غير، فكان قبض البائع حكماً دون قبض المشتري فيرتفع بقبض المشتري، وأما إذا كانت الرمكة كلها في يد البائع فلم يزل قبض البائع حكماً؛ لأن جميع الرمكة في يد البائع حقيقة، ويد المشتري ثابتة عليها حكماً، إذا كان لا يمنعها البائع عن المشتري فكان قبض المشتري دون قبض البائع فلا يرتفع به قبض البائع، ومع قيام قبض البائع لا يعتبر قبض المشتري، وبخلاف ما إذا لم تكن الرمكة في يد البائع ولا في يد المشتري وهو قريب من البائع، والمشتري بحيث لو أراد المشتري قبضها أمكنه ذلك، فقال البائع للمشتري: خليت بينك وبينها فانفلتت في هذه الحالة كان الهلاك على المشتري؛ لأن الثابت لكل واحد منها، أعني البائع والمشتري في هذه الصورة التمكين من القبض لا القبض الحقيقي، فكان يد كل واحد منهما مثل يد صاحبه، فجاز أن تزول يد البائع بيد المشتري، فإن كانت الرمكة ببعد عن المشتري والبائع فقال البائع للمشتري: خليت بينها وبينك فهذا لا يكون قبضاً، وقد مر هذا في فصل الضيعة والدار.

وسئل شمس الإسلام الأوزجندي: عن فرس بين اثنين وهو في المرعى، باع أحدهما نصيبه من صاحبه وقال للمشتري: اذهب واقبضه وهلك الفرس من قبل أن يذهب المشتري إليه قال: الهلاك عليهما؛ لأن المشتري لم يقبض المشترى حقيقة ولا حكماً، وكان الهلاك على المشتري، ووقعت في زماننا أن رجلاً اشترى بقرة من رجل وهي في المرعى فقال له البائع: اذهب واقبض البقرة فأفتى بعض مشايخنا: أن البقرة إن كانت بمرأى العين بحيث يمكن الإشارة إليها فهذا قبض وما لا فلا، وهذا الجواب ليس بصحيح (39أ3) والصحيح أن البقرة إن كانت بقربهما بحيث يتمكن المشتري من قبضها لو أراد فهو قابض لها بدليل المسألة التي ذكرناها، ولو كان المشتري اشترى الأرماك

(6/286)


كلها في الحظيرة وخلى البائع بينها وبين المشتري والأرماك بحيث لا يقدر على الخروج إلا بفتح الباب، ففتح المشتري باب الحظيرة ليدخل فلعله يأخذ بعض الرماك فعليه الرماك وخرجت من الحظيرة وذهبت فالهلاك على المشتري والثمن لازم، سواء كان المشتري يقدر على أخذها لو دخل الحظيرة أو لا يقدر، وهذا الجواب ظاهر فيما إذا كان يقدر على قبضها لو دخل الحظيرة؛ لأن المشتري صار قابضاً لها لما تمكن من قبضها، مشكل فيما إذا كان لا يقدر على قبضها لو دخل الحظيرة؛ لأن المشتري لم يقبضها لا حقيقة باليد ولا حكماً بالتمكن من القبض، فينبغي أن يكون الهلاك على البائع في هذه الصورة. ألا ترى لو فتح غير المشتري الباب، ولو كان المشتري لا يقدر على أخذ الرماك لو دخل الحظيرة فانفلتت رمكة وخرجت لا يكون الهلاك على المشتري لم يصر قابضاً لها لما لم يكن متمكناً من قبضها، والجواب أن الجواب صحيح في الوجهين؛ لأن المشتري إذا كان لا يقدر على قبض الرماك إن كان لا يصير قابضاً لها بالتمكن من القبض يصير قابضاً لها بالإتلاف. والقبض كما يتحقق من المشتري بالتمكن من القبض يتحقق منه بالإتلاف. ألا ترى أن من اشترى عبداً والعبد يبعد منه بحيث لا يتمكن من

قبضه لو أراد قبضه فأعتقه يصير قابضاً حتى يتأكد عليه الثمن وما صار قابضاً لتمكنه من القبض؛ لأن العبد يبعد منه، وإنما صار قابضاً بالإتلاف كذا هنا، وبيان الإتلاف أن فتح الباب سبب خروج الرمكة وإتلافها، فيقام مقام مباشرة الإخراج والإتلاف.
وخرج على هذا ما إذا كان فاتح الباب غير المشتري ولا يلزم أبا حنيفة وأبا يوسف ما إذا فتح الرجل باب قفص إنسان أو باب اصطبل إنسان فطار الطير أو خرجت الدابة من فور ذلك؛ فإنه لا يضمن الفاتح عندهما مع أنه سبب لإخراج الدابة والطير بالفتح؛ لأن هناك لو فتح الباب ضمن الفاتح إنما يضمن ضمان غصب؛ لأنه لم يوجد منه عقد ضمان في حق الطير والدابة، والمشتري في فعل الرمكة لو ضمن بفتح الباب ضمن ضمان العقد؛ لأنه وجد منه عقد ضمان في حق الرمكة، وقد جرى في بعض ضمان العقد من السهولة ما لم يجر في ضمان الغصب. ألا ترى أن المشتري قابض بحكم العقد وضامن بالتمكن من قبض ما اشترى، ولا يثبت الغصب بمجرد التمكن بالقبض فكذا هنا.

وفي «فتاوي أهل سمرقند» : إذا اشترى طيراً في بيت والباب مغلق فهبت الريح بالباب وفتح الباب وطار الطير لا يصح التسليم، وإن فتح المشتري الباب وطار الطير صح التسليم، وهذا الجواب ليس بصحيح،...... أن المشتري إذا كان بحال يمكنه قبض المشترى بيده من غير أعوان أو مع أعوان إلا أن الأعوان معه يصير قابضاً حتى لو انفتح الباب وطار الطير ذهب من مال المشتري سواء انفتح الباب بفتح المشتري أو بهبوب الريح أو بفعل أجنبي، وإن كان بحال لا يمكنه الأخذ أصلاً أو كان يمكنه بعون إلا أن الأعوان ليسوا معه، فإن فتح الباب بفتح المشتري وذهب الطير ذهب من مال

(6/287)


المشتري، وإن انفتح الباب بهبوب الريح أو بفتح الأجنبي ذهب من مال البائع بدليل مسألة الشراء.

اشترى من آخر دهناً معيناً ودفع إليه قارورة ليزنه فيها، فوزن بحضرة المشتري صار قابضاً، وإن كان في دكان البائع أو بيته لا وزن البائع هنا منقول من المشتري؛ لأن الأمر به قد صح، وإن وزن بغيبة المشتري ذكر بعض المتقدمين في شرح «الجامع الصغير» أن المشتري لا يصير قابضاً، والصحيح أنه يصير قابضاً لما ذكرنا.
ولو أن البائع حين صب رطلاً انكسرت وهما لا يعلمان بذلك، فما صب قبل الانكسار يهلك على المشتري وما صب بعد الانكسار يهلك على البائع، في القارورة شيء بعد الانكسار، فما وزن قبل الانكسار فصب البائع في القارورة رطلاً حتى خرج الكل عن القارورة، فالبائع يصير ضامناً للمشتري مثل ما بقي في القارورة بعد الإنكسار، وإن دفع المشتري القارورة منكسرة إلى البائع ولم يعلما بذلك فصب فيه بأمر المشتري فذلك كله على المشتري.
m
ولو أن المشتري أمسك القارورة بنفسه ولم يدفعه إلى البائع والمسألة بحالها كان الهلاك في جميع ما ذكرنا على المشتري.
وفي «المنتقى» : لو دفع القارورة إلى البائع منكسرة ولا يعلم به المشتري والبائع يعلم وكاله فيه فتلف فالبائع متلف فيه ولا شيء على المشتري ولو لم يعلم به البائع أو كانا يعلمان به وكاله فيه، فالمشتري قابض له.
قال هشام في «نوادره» : سألت محمداً عن رجل اشترى من آخر شيئاً وأمره المشتري أن يجعله في وعاء المشتري، فجعله فيه ليزنه عليه، فانكسر الإناء وتوي ما فيه فهو من مال البائع؛ لأنه إنما جعله في إناء المشتري ليزنه فيعلم وزنه لا للتسليم إلى المشتري، فإن وزنه ثم انكسر الإناء فهو من مال البائع أيضاً، وإن وزنه في شيء للبائع ثم جعله في إناء المشتري ثم انكسر فهو من مال المشتري.

(قال) للبائع: زن لي في هذه الإناء كذا وكذا وابعث به مع غلامك أو قال مع غلامي ففعل، فانكسر الإناء في الطريق، قال: هو من مال البائع حتى يقول: ادفعه إلى غلامك أو قال: إلى غلامي، فإذا قال ذلك فهو وكيل، فإذا دفعه إليه فكأنه دفعه إلى المشتري.
وفي «مجموع النوازل» : إذا اشترى من قروي وعاء هديل، وأمره أن يذهب به إلى منزله، فسقط في الطريق وهلك، فالهلاك على البائع إن لم يقبضه المشتري.
رجل باع من آخر ثوباً وأمره أن يقبضه فلم يقبضه حتى أخذ إنسان الثوب، فإن كان حين أمره البائع بالقبض أمكنه القبض من غير قيام صح التسليم، وإن كان لا يمكنه القبض إلا بقيام لا يصح التسليم.
في «فتاوي أبي الليث» وفيه أيضاً: إذا اشترى من آخر دابة والبائع راكبها، فقال له المشتري: احملني معك فحمله معه، فهلكت الدابة هلكت من مال المشتري؛ لأن ركوب

(6/288)


المشتري قبض منه. وقيل: إن كان المشتري ركب على السرج والبائع رديفه يصير قابضاً وما لا فلا، وإن لم يكن عليه سرج فهو قابض كيف ما كان، ولو كانا راكبين فباع أحدهما من صاحبه لا يصير قابضاً بمنزلة ما لو باع داراً والبائع والمشتري في الدار.
رجل اشترى من آخر حنطة بعينها، ثم قال للبائع: أعرني جوالقك هذا، أو قال جرابك هذا، وكل لي ما اشتريت منك حتى أرجع فاحمله، فذهب المشتري ففعل البائع ذلك وضاعت الحنطة، فهذا ليس بقبض حتى يدفع إليه المشتري آنية له يكيل فيها الطعام أو يقبض منه المشتري وعاءه التي استعارها ويدفعها إليه، فإذا كان كذلك فهو قبض هكذا رواه ابن سماعة عن محمد رحمهما الله.
وذكر عمرو بن أبي عمرو عن محمد إذا قال المشتري للبائع: أعرني جوالقك هذا كله فيه، ففعل صار المشتري قابضاً، ولو قال: لم هذا والباقي بحاله لا يصير.

وفي «القدوري» : وقال أبو يوسف: إذا استعار المشتري من البائع جوالق أو أمره أن يكيل فيها، فإن كانت الجوالق بعينها صار المشتري قابضاً بالكيل فيه، وإن كانت بغير أعيانها نحو أن يقول: أعرني جوالق أو كِلْ فيها ففعل فإن كان المشتري حاضراً فهو قبض، وإن كان غائباً لم يكن قبضاً، وقال محمد رحمه الله: لا يكون قابضاً في المعينة في الوجهين حتى يقبض الجوالق منه ثم يسلمها إليه، فإذاً على ما ذكره القدوري بينهما اتفاق أن المشتري إذا لم يعين الغرائر لم يصر المشتري قابضاً بكيل البائع حال غيبة المشتري، وهذا لأن البائع بالكيل عامل لنفسه من وجه من حيث إنه يميز ملكه عن ملك المشتري، وعامل المشتري من وجه من حيث إنه يميز ملك المشتري فينتقل (39ب3) فعله إلى المشتري من وجه دون وجه، فلا يثبت القبض بالشك بمجرد الأمر بالكيل بخلاف ما لو دفع إليه غرائر نفسه حيث يصير قابضاً بجعله في غرائره بعد الكيل والتمييز؛ لأنه عامل في هذا للمشتري من كل وجه، فيصير فعله في هذا منقولاً إلى المشتري من كل وجه، ويصير كأن المشتري هو الذي جعله في غرائره بعد الكيل والتمييز؛ لأنه عامل في هذا للمشتري من كل وجه فيصير فعله في هذا منقولاً إلى المشتري من كل وجه، فيصير فعله في هذا منقولاً إلى المشتري من كل (وجه) ويصير كأن المشتري هو الذي جعل الغرائر بعد الكيل والتمييز ولأن الاستعار مع الجهالة لا يصح، فقبل التعيين لا تصير الغرائر للمشتري لا ملك منفعة ولا ملك رقبة، فلا يحصل الجعل في غرائر المشتري، وبدون الجعل في غرائر المشتري (لا يصير) قابضاً، وأما إذا عين الغرائر وأمره بالكيل بها ففعل بعينه المشتري، فعلى قول محمد لا يصير قابضاً؛ لأن العارية لا تتم بدون القبض، وما لم يتم العارية لا تصير الغرائر للمشتري لا ملك منفعة ولا ملك رقبة، وقال أبو يوسف: يصير قابضاً؛ لأن استعارة الغرائر غير مقصودة لعينها وإنما يثبت حكماً لتصحيح القبض، فكانت قصدية من

وجه حكمية من وجه، فشرطنا التعيين لكونها قصدية ولم يشترط القبض لكونها حكمية.
وفي «القدوري» أيضاً: إذا اشترى من آخر كراً بعينه وله على البائع كر دين، فأعطاه

(6/289)


جوالق وقال: كلها فيه، فإن كان العين أولاً ثم الدين صار المشتري قابضاً لهما، أما للعين فظاهر، وأما للدين فلأن البائع خلطه بمال المشتري بأمره، وهذا سبب ملك لو وجد من الآمر، فإن خلطه الجنس بالجنس بسبب ملك، وإذا كان هذا سبب ملك كان المشتري أمر للبائع أن يباشر له بسبب ملك، فيكون عاملاً للمشتري بأمره كما لو أمره بالشراء فاشترى، وإن كان الدين أولاً ثم العين لم يصر قابضاً للدين وكانا شريكين، فهذا على قول محمد و (على) قول أبو يوسف يصير قابضاً لهما؛ لأن خلطه الجنس بالجنس استهلاك، فإذا خلطه الدين بملك المشتري بأمره صار المخلوط ملكاً للمشتري، فصار قابضاً له لاتصاله بملكه.
وجه قول محمد: أن المشتري لو صار قابضاً الدين، إما أن يصير قابضاً بالكيل أو يجعل المكيل في غرار المشتري، لا وجه إلى الأول؛ لأن الكيل لم يصر منفعة لا إلى المشتري؛ لأن أمره بالكيل لم يصح؛ لأن الكيل يلاقي ملك المديون، فلا يصير المكيل منقولاً إلى المشتري كما قبل الأمر، ولا وجه إلى الثاني، وإن صح الأمر من المشتري بجعل الحنطة في غرائره من حيث إنه يصرف في الغرائر ملك المشتري؛ لأن جعل المديون الدين في غرائر المشتري لا يصير منقولاً إلى المشتري؛ لأن المديون في ذلك عامل لنفسه؛ لأن الحنطة ملك المديون، وقد أذن له المشتري أن يجعلها في غرائره، فصار معير الغرائر من المديون، والمستعير في الانتفاع بالعارية عامل لنفسه وإن كان بأمر المعير، ولهذا كان قرار الضمان على المستعير، وإذا صار عاملاً لنفسه فيما صح الأمر به لم يصر فعله منقولاً إليه لا في حق الكيل ولا في جعله في الغرائر، صار الحال بعد الأمر كالحال قبله، وقبل الأمر لا يصير قابضاً فكذا ههنا، بخلاف شراء العين؛ لأن هناك فعل البائع وهو الكيل وجعل الحنطة في غرائر المشتري صار منقولاً إلى المشتري؛ لأن البائع في جعل الحنطة في غرائر المشتري عامل للمشتري؛ لأنه يضع ملكه ومنفعة ذلك له فكان عاملاً له، فانتقل فعل البائع إلى المشتري حكماً، وصار المشتري فعل ذلك بنفسه، فلهذا صار قابضاً، وعن هذا قلنا: إن في فصل العين إذا أمر المشتري البائع بالطحن، فطحن يصير المشتري قابضاً، وفي الدين لا يصير؛ لأن الأمر بالطحن من المشتري قد صح؛ لأنه لاقى ملك المشتري ومنفعته تعود إليه، فانتقل فعل البائع إليه. أما الأمر بالطحن من رب الدين فلم يصح؛ لأنه لاقى ملك المديون فلم ينتقل فعله إلى رب الدين.

وإذا ثبت من مذهب محمد أن المشتري لم يصر قابضاً للدين في هذه الصورة بقي دين المشتري على البائع حاله، وبقي الكر في الجوالق على ملك المديون لكن صار البائع خالطاً ملك المشتري بملك نفسه بأمر المشتري، فكانا شريكين فيه.
ولو أحدث المشتري في المبيع عيباً أو أخذ البائع بأمره فهو قبض من المشتري، أما إذا أحدث المشتري فلأن هذا لا يتأتى إلا بالاستيلاء على المحل، وذلك فوق القبض حقيقة في إثبات القدرة على المحل. وأما إذا فعل البائع بأمره فلأن فعل غيره بأمره كفعله بنفسه.

(6/290)


وكذلك لو أعتقه المشتري أو دبره أو أقر أن الجارية أم ولد له فهو قبض من المشتري، أما الإعتاق فلأنه إبطال المحل حكماً فيعتبر بالإتلاف حقيقة، وما عدا الإعتاق من التدبير والإقرار.... منه الولد ينقبض حكماً، فيعتبر بالقبض حقيقة وهو الصلت.

ولو زوج المشتري الأمة المشتراة قبل القبض من إنسان، فالقياس: أن يكون قابضاً بنفس النكاح، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله. وفي الاستحسان: لا يصير قابضاً ما لم يطأها الزوج، وهذا لأن النكاح ليس بتعييب من حيث إتلاف الملك وتنقيص المالية بل هو تعييب حكمي من حيث...... الناس، فهو في معنى نقصان السعر بخلاف الإعتاق والتدبير؛ لأن ذلك إتلاف الملك وتنقيص المال، فلهذا افترقا، فإذا وطئها الزوج الآن يصير قابضاً؛ لأن الوطء استيلاء على المحل وقد فعل الزوج بتسليط المشتري فيعتبر بما لو فعل المشتري بنفسه.

فرع على مسألة النكاح
في «المنتقى» فقال: رجل اشترى من رجل جارية وزوجها قبل القبض وماتت الجارية قبل أن يدخل بها الزوج ينتقض البيع ويموت من مال البائع بناء على ما قلنا: إن المشتري بنفس النكاح لم يصر قابضاً، فإذا ماتت فقد ماتت قبل القبض، وهلاك المبيع قبل القبض يوجب انتقاض البيع ثم قال: ويكون المهر الذي على الزوج للمشتري وعليه حصته من الثمن يقسم على المهر من الثمن لزمه، ويتصدق بالفضل إن كان في المهر فضل. قال: والمهر في هذا بمنزلة الولد، ولا يشبه المهر الهبة لو وهب للجارية هبة، فإن الهبة لا حصة لها من الثمن قال: لأن المهر من الجارية، ألا ترى أن الجارية المرهونة إذا وطئت كان المهر رهناً معها، لو وهب هبة كانت الهبة للراهن ولم يكن رهناً.

قال ثمة أيضاً: رجل اشترى من رجل عبداً لجارية فلم يتقابضا حتى زوج المشتري الجارية من إنسان بمئة درهم ثم مات العبد في يد البائع قبل أن يدفعه إلى مشتري العبد، فإن العقد ينتقض فيما بينهما ورجعت الجارية التي كانت له مهرها، ويرجع الذي كانت الجارية له على مشتريها بقدر النقصان. قال: ولا يكون نكاح المشتري إياها قبضاً منه لها، وإن كان هذا عيباً فليس بعيب في يديها. ألا ترى أن المشتري لو أقر بدين عليها في يد البائع قبل القبض جاز إقراره عليه، وإن كان ذلك عيباً أخذته فيها ولم يصر به قابضاً لها ما كان الطريق إلا ما قلنا: وذكر هذه المسألة في موضع آخر من «المنتقى» وزاد في وصفها فقال: رجل اشترى من رجل جارية بعبد، فقبل أن يقبض المشتري الجارية زوجها المشتري من رجل بمئة درهم، وقد كانت الجارية تساوي قبل التزويج ألفي درهم، فنقصها التزويج خمسمئة ثم وطئها الزوج في يد (40أ3) البائع ثم مات العبد قبل التسليم إلى مشتريه، قال: المهر للذي باعها ويكون الخيار إن شاء أخذ جاريته ناقصة ولا

(6/291)


شيء له غيرها، وإن شاء ضمن مشتريها قيمتها يوم وطئها الزوج؛ لأن بموت العبد قبل القبض فسد البيع في الجارية، والمبيع بيعاً فاسداً مضمون على المشتري بقيمته يوم القبض، ويوم قبض المشتري يوم وطء الزوج إياها.
ولو كان المشتري زوجها من البائع قبل القبض فوطئها الزوج ثم مات العبد قبل التسليم، فإن بائع الجارية إن شاء يسلم الجارية لمشتريها منه وضمنه قيمتها يوم وطئها هو بحكم النكاح من قبل أن المشتري صار قابضاً لها بوطء الزوج، ولا يغرم البائع مهر مثلها للمشتري، وإن شاء بائع الجارية نقض المبيع فيها وأخذ جاريته من المشتري وفسد النكاح وبطل المهر، والخيار في نقض البيع وتركها إلى بائعها دون مشتريها وينتقض البيع (وإن لم) ينقضه القاضي، ألا ترى أن في البيع الفاسد إذا قبض البائع الجارية من المشتري ونقض البيع فيها انتقض البيع، وإن لم ينقضه القاضي.

وإن كان المشتري زوجها إياه بعدما قبضها بأمره والباقي بحاله لم يكن للبائع سبيل على الجارية من قبل أنه وجب المهر بعد القبض، ولا يستطيع بائعها أن يأخذها ويأخذ معها مهراً لم يكن في البيع ويضمن المشتري قيمتها يوم قبضها وسلم هي للمشتري ويكون المهر على البائع والنكاح صحيح.
ولو كان المشتري قبضها بغير أمر البائع ثم لقي البائع فزوجها إياه وقد علم البائع نقضه لها أو لم يعلم، فإن هذا لا يكون تسليماً عن البائع للمشتري؛ لأن تزويجه إياها قبل القبض صحيح، فإن وطئها البائع بعد ذلك في يد المشتري بحكم النكاح، فإن هذا تسليم من البائع لقبضه، فإن مات العبد قبل التسليم لم يكن للبائع على الأمة سبيل من قبل أنه وجب لها في يدي المشتري مهر؛ لأن قبضه الأول قد سلم له.
وفي «العيون» : اشترى من غيره فصاً في خاتم بدينار، فدفع البائع الخاتم إليه، فهلك في يده فإن أمكن نزع الفص من غير ضرر، فعليه ثمن الفص لا غير؛ لأن التسليم قد صح، فيتأكد الثمن وهو في الخاتم أيسر وإن لم يمكن نزع الفص إلا بضرر لا شيء عليه؛ لأنه لا يصح التسليم.
وفي «القدوري» : لو باع قطناً في فراش وحنطة في سنبل وسلم كذلك، فإن كان المشتري لا يتمكن إلا بفتق الفراش ودق السنبل لم يصر قابضاً؛ لأن المشتري لا يملك التصرف في ملك البائع والفتق والدق تصرف في ملك البائع، فلم يكن مملوكاً للمشتري، فلم يصر المشتري متمكناً من المبيع، فلم يصر قابضاً.
قال: ولو باع التمر على الشجر وسلمه كذلك صار قابضاً؛ لأنه لا يحتاج في قبض المبيع إلى إحداث فصل تلك البائع، فلا يمتنع صحة التسليم.

نوع آخر منه

إذا قبض المبيع بغير إذن البائع كان للبائع أن يسترده منه حتى يستوفي حق الإنسان لا يبطل من غير رضاه، ولو تصرف المشتري في ذلك تصرفاً يلحقه النقض بأن باع أو وهب أو رهن أو آجر أو تصدق نقض التصرف، وإن كان لا يلحقه الفسخ كالعتق والتدبير والاستيلاء لم يملك البائع رده إليه والفرق وهو أن تصرف المشتري حصل في ملكه

(6/292)


والنقض عليه لحق البائع، ولكن إنما يجب رعاية حق البائع عند الإمكان تصرف المشتري قابلاً للنقض، فالإمكان ثابت، ولا كذلك ما إذا لم يكن تصرف المشتري قابلاً للنقض، ولو نقده الثمن، فوجده البائع ... أو مستحقاً أو وجد بعضه كذلك كان للبائع منعة، فإن كان المشتري قبضه بغير إذن البائع بعد ما نقد الزيوف أو الستوق فللبائع أن ينتقض قبضة. ولو تصرف فيه المشتري بعض تصرفه؛ لأن ما نقد ليس حق البائع، فصار وجوده والعدم بمنزلة، فصار كأنه قبض بغير إذن البائع قبل نقد الثمن، وهناك قد ذكرنا أن للبائع أن ينقض قبض المشتري وتصرفه إذا كان تصرفاً يحتمل النقض فكذا هنا.

ولو قبض بأمره ثم وجد الدراهم المقبوضة زيوفاً لم يكن للبائع أن يسترده، وقال زفر له أن يسترده وهو قول أبي يوسف الأول، ووجه ذلك: أن البائع إنما سلم المبيع بناء على أن المقبوض من الثمن حقه، وقد تبين أنه لم يكن حقاً له؛ لأن حقه في الجياد والمقبوض زيوف، فلم يتم رضاه بالتسليم فكان له أن يعيده إلى يده بمنزلة الرهن، فإن الراهن إذا سلم الدين وقبض المرهون بإذن المرتهن ثم وجد المرتهن المقبوض زيوفاً كان له أن يرد المقبوض ويسترد الرهن كذا هنا. ولنا: أن الزيوف من جنس حقه، ولهذا لو تجوز به في الصرف والسلم يجوز إلا أن بها عيباً، والعيب لا يبدل الجنس حقه، فإذا أذن له بالقبض بناء على ما وجد من الاستيفاء، وذلك يصلح أن يكون استيفاء يسقط حقه في الجنس، وعمل إذنه والساقط لا يتحمل العود بخلاف الرهن؛ لأن ما ثبت للمرتهن من ملك اليد والجنس لا يبطل، وإن وجد قبض الرهن بإذن المرتهن ألا ترى أن المرتهن لو سلم الرهن إلى الراهن بطريق الوديعة أو العارية كان له أن يسترده، وإنما المقسط لحقه وصول كمال حقه إليه ولم يوجد، ولو وجد المقبوض رصاصاً أو ستوقاً أو

(6/293)


مستحقاً كان له أن يسترد المبيع، وإن قبضه المشتري بإذنه بخلاف الزيوف، والفرق: أن إذن البائع في القبض كان بناء على ما يوجد من الاستيفاء وقبض الستوق والرصاص لا يصلح للاستيفاء؛ لأن الستوق ليس من جنس حقه، ولهذا لو تجوز به في الصرف والسلم لا يجوز، فإذا لم يصلح استيفاء والإذن كان بناء على الاستيفاء صار وجود الإذن والعدم بمنزلة، وكذلك قبض المستحق موقوف على إجازة المالك، فإذا لم يجز انتقض القبض فيه من الأصل، فصار الحكم فيه بعدم الإجازة نظير الحكم في الستوق والرصاص، فإن لم يجد البائع شيئاً مما ذكرنا في الثمن حتى باع المشتري العبد أو أجره أو رهنه وسلم، ثم إن البائع وجد في الثمن شيئاً مما ذكرنا، فجميع ما صنع المشتري في العبد جائز لا يقدر البائع على رده ولا سبيل له على
العبد، وهذا الجواب ظاهر فيما إذا وجد الثمن زيوفاً أو نبهرجة وذلك حق البائع في الجنس قد بطل حتى لم يكن له أن ينقض قبض المشتري قبل وجود التصرف من المشتري، فلا يكون له نقض تصرفه أيضاً كما لو أذن له في القبض مرسلاً أو استوفى الثمن بتمامه مشكل مما إذا وجد الثمن رصاصاً أو ستوقاً أو مستحقاً؛ لأن حق البائع في الجنس في هذه الصورة لم يسقطه إلا أن له أن ينقض قبض المشتري، فكان له أن ينقض تصرفه أيضاً كما لو قبض بغير إذنه. والجواب: أن قبض المشتري في هذه الصورة وقع فاسداً؛ لأن شرط صحته أن يكون بإذن البائع من كل وجه، وهنا قبض المشتري حصل بغير إذن البائع من وجه باعتبار المعنى، وبإذنه من وجه باعتبار الحقيقة، فيعتبر القبض الفاسد، وفي البيع الفاسد إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع كان له أن ينقض قبضه بحكم الفساد، وكان له أن ينقض تصرفه؛ لأنه لم يحصل بتسليطه، فكذا ههنا حتى كان القبض فاسداً، وقد حصل بإذن البائع كان للبائع نقض قبضه بحكم الفساد، ولا يكون نقض تصرفه وهو حصل بغير إذن البائع كان للبائع نقض قبضه ونقض تصرفه أيضاً.

وإن كان البائع حين علم بقبض المشتري بغير إذنه في هذه الصورة سلم ذلك ورضي به والباقي بحاله كان هذا مثل إذنه في القبض في الابتداء؛ لأن الإجازة في الانتهاء (40ب3) بمنزلة الإذن في الابتداء، ودلت المسالة على أن الإجازة تلحق الأفعال كما تلحق العقود.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : وإذا اشترى الرجل مصراعي باب..... أو دهليز، فقبض أحدهما بغير إذن البائع ولم يقبض الآخر حتى هلكت ما كان عند البائع، فلم يجعل قبض أحدهما قبضاً للآخر، وقال: خير في المقبوض، فقد جعلهما في حق الخيار كشيء واحد.

ولو قبض أحدهما فاستهلكه أو عيبه صار قابضاً للآخر حتى لو هلك الآخر عند البائع قبل أن يحدث البائع فيه حبساً أو بيعاً هلك (على) المشتري، ولو منعه البائع بعد ذلك ثم هلك هلك على البائع حتى سقط من الثمن بحصته، فجعلها كشيء واحد في الاستهلاك والتعييب، وفي حق الاسترداد جعلهما بمنزلة العبدين والثوبين حتى لم يجعل استرداد البائع أحدهما كاستردادهما.
ولو جنى البائع على أحدهما بإذن المشتري صار قابضاً لهما حتى لو هلكا بعد ذلك هلكا من مال المشتري، ولو منع البائع أحدهما بعد ذلك أو منعهما كان عليه قيمة ما هلك. ولو أذن البائع للمشتري في قبض أحدهما كان إذناً في قبضهما حتى لو قبضها ثم استرد البائع أحدهما ليحبسه بالثمن صار غاصباً.
ولو رأى المشتري أحدهما فرضيه لم يلزمه حتى لو رأى الآخر كان له أن يردهما بخيار الرؤية.
ولو أحدث بأحدهما عيباً لم يكن له أن يرد الآخر بالعيب ولا يختار الرؤية ولو جاء أجنبي واستهلك أحدهما كان لصاحبهما أن يدفع إليه الآخر ويضمنه قيمتهما.
والأصل في هذه المسائل أن القبض فعل حقيقي يلاقي الصورة، والمعنى فيه تابع، فاعتبرا فيه بالثوبين والعبدين، فأما الخيار فإنما يثبت باعتبار نقصان في مالية القائم، فإن

(6/294)


هلاك أحدهما يوجب نقصاناً في مالية القائم، والهلاك كان في ضمان البائع، فجعل كأن انتقاض مال القائم حصل في ضمان البائع، والتعييب ينتقص المالية، والاستهلاك يفوت المالية، وهما في المالية كشيء واحد، فأوجب ذلك تعييباً في الآخر مقبوضاً، فصار بحكم التعييب، واسترداد البائع يلاقي الصورة، فاعتبرا فيه بالثوبين، والإذن في قبض أحدهما إنما كان لإيصال المشتري إلى منفعة ملكه، وهما فيه كشيء واحد؛ وجناية البائع بإذن المشتري بمنزلة جناية المشتري بنفسه لكن برضا البائع، وجناية المشتري بنفسه على أحدهما بإذن البائع؛ لأن ذلك تعييب أو إتلاف للمالية، وهما في ذلك كشيء واحد، فيوجب ذلك قبض الآخر وبطلان حق الحبس لرضا البائع بقبضهما، فكذا جناية البائع بإذن المشتري على أحدهما، فإذا منع البائع بعد ذلك صار غاصباً والغصب يلاقي الصورة، فاعتبرا فيه بالثوبين والعبدين، فلم يصر غصب أحدهما غصباً للآخر وخيار الرؤية إنما يثبت باعتبار الجهل بأوصاف المعقود عليه، فإنما يبطل بالعيان الذي يدرك به معرفة الأوصاف، والعيان يلاقي الصورة فاعتبرا فيه بالثوبين، وإذا أحدث عيباً بأحدهما، فذلك يوجب نقصاناً في مالية الآخر، فيبطل خيار العيب والرؤية فيهما؛ لأن شرط الرد بخيار الرؤية على الوجه الذي خرج عن ملك البائع واستهلاك الأجنبي أحدهما يوجب نقصاناً وخللاً في مالية الآخر، فكان بمنزلة من عيب دابة غيره أو ثوب غيره عيباً فاحشاً، وهناك كان لصاحبه أن يضمنه قيمة الكل ويسلم إليه المعيب كذا ههنا.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى من رجل جارية بألف درهم ولم ينقد ثمنها حتى قبضها بغير إذن البائع وباعها من رجل بمئة درهم وتقابضا وغاب المشتري الأول وحضر بائعه، وأراد استرداد الجارية من المشتري الآخر، فإن أقر المشتري في الآخر أن الأمر كان وضعه البائع كان للبائع الأول أن يستردها منه؛ لأن المشتري الآخر أقر بثبوت حق الاسترداد للبائع في ملكه فصح إقراره، وإذا استردها بطل البيع الثاني؛ لأن البيع الأول أبطل قبض المشتري الأول بحق سابق على قبضه فانتقض قبضه من الأصل.
وإن كذب المشتري الآخر البائع الأول فيما قال أو قالت: لا أدري أحق ما قال أو باطل لا خصومة بينهما حتى يحضر الغائب؛ لأن الجارية صارت مملوكة للمشتري الآخر والبائع الأول مقر بذلك ثم هو يدعي على البائع حقاً، فلا يصدق إلا بحجة والحجة لا تسمع على الغائب إلا إذا كان عن خصم حاضر، والمشتري الثاني ليس بخصم عن الأول، فإن حضر الغائب وصدق البائع الأول فيما قال لا يصدق على المشتري الآخر، وإن كذبة يقال للبائع الأول: أقم البينة على أنه ما غيب، فإن أقام البينة بمحضر من المشتري الأول والثاني ردها القاضي على البائع الأول وانتقض البيع الثاني لما مر، إلا أن ينقد المشتري الأول الثمن قبل الرد على البائع الأول، فحينئذ لا يردها القاضي على البائع الأول؛ لأن حق البائع الأول في الاسترداد، إنما يثبت له حق الاسترداد حبساً للجارية بالثمن، فإذا سلم له الثمن لو بقي له حق الاسترداد يبقى مقصوداً وهذا مما لا وجه له.

(6/295)


وإن نقد المشتري الأول الثمن بعدما أخذها البائع الأول سلمت الجارية للمشتري الأول، ولم يكن للمشتري الآخر عليها سبيل؛ لأن شراءه قد انتقض على ما مر، فلا يعود إلا باستحقاق جديد ولم يوجد.
ولو ماتت الجارية في يد المشتري الآخر كان للبائع الأول أن يضمن المشتري الآخر قيمتها؛ لأن للبائع الأول على الجارية يداً مستحقة لأجل الحبس، فصار المشتري الثاني بقبضه خائناً على البائع الأول فصار كالغاصب، وهكذا المشتري الأول؛ لأن قبض المشتري الأول أوجب تأكيد الثمن عليه للبائع الأول، فلا يوجب القيمة عليه، أما قبض المشتري الآخر لا يوجب الثمن عليه للبائع الأول ليمكن إيجاب القيمة عليه للبائع الأول، وتكون القيمة المردودة على البائع الأول قائمة مقام الجارية حتى لو هلكت عند البائع الأول انتقض البيعان ويرجع المشتري الآخر على المشتري الأول بما يعدله من الثمن كما لو هلكت الجارية بعد الاسترداد في يد البائع الأول، ولو لم تهلك والقيمة في يد البائع الأول حتى نقد المشتري الأول الثمن أخذ القيمة من بائعه، ولم يكن للمشتري الثاني على القيمة سبيل لما لم يكن له على الجارية في هذه الصورة سبيل، ورجع المشتري الثاني على المشتري الأول بالثمن الذي نقده. وإذا سلمت القيمة للمشتري الأول ينظر إن كان من غير جنس الثمن لا يتصدق بالفضل إن كان ثمة فضل.

قال في «الجامع» أيضاً: رجل اشترى من رجل ثوباً بعشرة ولم يقبضه حتى أحدث فيه عيباً يعني المشتري صار قابضاً على ما مر ثم هلك الثوب في يد البائع، فإن هلك قبل أن يمنعه البائع هلك من مال المشتري، وإن هلك بعد ما منعه البائع هلك من مال البائع، وهذا لأن المشتري صار قابضاً للثوب، وإنما ينتقض قبضه بالاسترداد كون المال في يد البائع لا يصير البائع مسترداً ألا ترى أنه لا يصير غاصباً بهذا القدر، فكذا لا يصير مسترداً فبقي قبض المشتري على حاله، فإذا هلك يهلك من مال المشتري. فأما إذا منعه البائع فقد صار مسترداً. ألا ترى أنه يصير غاصباً مال الغير بمجرد المنع عنه، فكذا يصير مسترداً فانتقض قبض المشتري وعاد الثوب إلى ضمان البائع، فإذا هلك تهلك من مال البائع وبطل الثمن على المشتري إلا قدر ما انتقص بفعل المشتري، فإن ذلك القدر ينفرد على المشتري؛ لأنه لم يوجد الاسترداد لذلك القدر لكونه هالكاً.
وإن كان الثوب على عاتق البائع وفي حجره فعيبه المشتري ثم هلك من غير فعل أخذ به البائع هلك على المشتري؛ لأن (41أ3) كون الثوب على عاتقه أو في حجره لا يصلح أن يكون غصباً، ولهذا لو هبت الريح بثوب إنسان ألقته على عاتقه أو في حجره لا يصير غاصباً، فلا يصير البائع مسترداً، وكذلك لو كان البائع ممسكاً الدابة؛ لأن مجرد إمساك الدابة لا يصلح غصباً، ولهذا جاز للبائع أن يفعل ذلك في المبيع، ولو كان أمسك الثوب أو ركب الدابة فأحدث المشتري فيه عيباً ينقصه ثم لم يمنعه البائع حتى هلك هلك من مال البائع؛ لأن دوام الركوب واللبس يصلح غصباً، ولهذا لو استعار ثوباً يوماً، فدام على اللبس بعد ما مضى اليوم يصير ضامناً، وكذا دوام الركوب على هذا فصار البائع مسترداً للدابة والثوب.

(6/296)


ولو كانت دار فهدم المشتري حائطاً منها حتى يصير قابضاً، ثم إن البائع سكن الدار بعد ذلك لا يصير البائع مسترداً عند أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر؛ لأن السكنى لا يصلح غصباً موجباً للضمان عندهما، فلا يصير البائع به مسترداً. وعند محمد وهو قول أبي يوسف الأول: السكنى تصلح غصباً للعقار، فيصير البائع مسترداً فبطل الثمن عن المشتري إلا حصة ما هدم.
وصار الحاصل أن المشتري إذا قبض المبيع بغير إذن البائع فإنما يصير البائع مسترداً؛ بما يصير به غاصباً مال الغير حتى أن مجرد التمكن والتخلية لا يصير مسترداً، وهذا بخلاف المشتري، فإن المشتري بمجرد التمكن والتخلية يصير قابضاً.
والفرق: أن التسليم مستحق على البائع، فيجب تعليقه بما في وسعه وهو التمكين والتخلية حتى لا يبقى في العهدة المستحق، أما التسليم غير مستحق على المشتري بعد ما قبض المبيع بغير إذن البائع لما عرف أنه ليس للبائع يد مستحقة على المبيع إنما على المشتري تسليم الثمن، فلو علقنا التسليم بحقيقة الأخذ لا يبقى المشتري في عهدة المستحق.

نوع آخر

إذا باع الرجل من غيره شيئاً هو في يد ذلك الغير: الأصل في هذا النوع من المسائل أن البيعان إذا تجانسا تناوبا؛ لأن التجانس دليل التشابه والمتشابهان ينوب كل واحد منهما عن صاحبه، وإذا تغايرا ناب الأعلى عن الأدنى؛ لأن في الأعلى ما في الأدنى وزيادة، فوجد القبض المحتاج إليه وزيادة شيء، والأدنى لا ينوب عن الأعلى؛ لأن الأدنى من الأعلى قدر بعضه والمحتاج إليه كله، والقبض المستحق بالشراء أن يقبض المشتري لنفسه قبضاً موجباً ضمان نفسه وهو قيمة العين، أما القبض لنفسه؛ لأنه متملك بالشراء، والمتملك في القبض يكون قابضاً لنفسه وأما موجباً ضمان نفسه؛ لأنه ملك بعقد المعاوضة فيكون بعوض، والعوض الأصلي للعين قيمته إلا أنه يصار إلى المسمى قطعاً للمنازعة، ويكون المسمى قيمة اصطلاحية قائمة مقام قيمة العين كما في باب النكاح، فإن منافع البضع مضمون بمهر المثل بقضية الأصل وإنما يصار إلى المسمى قطعاً للمنازعة كذا ها هنا.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل غصب من آخر جارية أو إناء فضة ووضعه في بيته ثم لقيه واشتراه منه بمئة دينار ونقده الثمن وليس الإناء بحضرتهما صار المشتري قابضاً بنفس الشراء حتى لو هلك قبل أن يصل المشتري إلى بيته هلك من مال المشتري قبل الشراء كان لنفسه، وإنه موجب ضمان نفسه وهو قيمة العين، وكان مجانساً للقبض المستحق بالعقد فناب عنه.
ولو أراد البائع أن يسترد الجارية من المشتري ليحبسها بالثمن لم يكن له ذلك؛ لأنه لما أوجب العقد مع علمه بقيام قبض ينوب عن القبض المستحق وذلك يسقط حقه عن العين صار راضياً بسقوط حقه عن العين القبض.

(6/297)


ولو كانت العين وديعة في يد المشتري أو عارية فاشتراه لا يصير قابضاً بنفس الشراء حتى لو هلك قبل أن يقبضه المشتري هلك من مال البائع؛ لأن قبض الوديعة والعارية قبض أمانة، وقبض المشتري قبض ضمان فكانا متغايرين، وقبض الأمانة أدنى ولا ينوب عن قبض الشراء. ومعنى آخر يخص الوديعة أن المودع قابض لغيره والمشتري قابض لنفسه، والقبض الواقع للغير كيف ينوب عن المستحق لنفسه، وبه فارق قبض الغصب، فإن ذهب المودع أو المستعير إلى العين أو انتهى إلى مكان يتمكن من أخذه الآن يصير المشتري قابضاً له بالتخلية، فإذا هلك بعد ذلك يهلك من مال المشتري، فإن فعل المشتري في فصل الوديعة والعارية ما يكون قبضاً ثم أراد البائع أن يحبسها بالثمن لم يكن له ذلك؛ لأنه لما باعه منه مع علمه أن المبيع في بيت المشتري وهو يتمكن من القبض يصير راضياً بقبض المشتري دلالة، وقبض المشتري برضا البائع يسقط حقه في الحبس، فإن أخذها البائع من بيت المودع قبل أن يصل إليه يد المودع كان له ذلك؛ لأن البائع إنما يصير راضياً بقبض المشتري بطريق الدلالة، والإذن دلالة لا يمكن إثباته مع المنع صريحاً.
ولو كان المبيع بحضرتهما فباعه منه لم يكن للبائع حبسه؛ لأن بيعه منه رضا منه بالقبض دلالة، فمتى كان المبيع بحضرته، وذلك يصلح قبضاً جديداً يثبت القبض بحكم الشراء برضا البائع، فلا يكون للبائع حق الحبس، ولو كان العين رهناً في يد المشتري فالمشتري لا يصير قابضاً له بنفس الشراء؛ لأن قبض الرهن في حق العين قبض أمانة، والضمان الذي يثبت ضمان استيفاء الدين، فإن المرتهن بعقد الرهن يصير مستوفياً الدين بالعين في حق ملك اليد والحبس والاستيفاء يعتمد المجانسة ولا مجانسة بين العبد والدراهم من حيث العين، وإنما المجانسة بينهما من حيث المالية، فكان القبض في حق العين، فلا ينوب قبض الرهن عنه، فلا يصير قابضاً بنفس الشراء، فإذا ذهب إلى بيته وانتهى إلى مكان يتمكن من قبضه حقيقة الآن يصير قابضاً بالتخلية.
وإذا اشترى إبريق فضة بمائة دينار وقبض المشتري الإبريق ولم ينقد الدنانير حتى افترقا وبطل الصرف لعدم قبض أحد البدلين في المجلس كان على المشتري رد الإبريق على البائع، فإن وضع المشتري الإبريق في بيته ولم يرده حتى لقي البائع واشترى الإبريق منه..... مستقبلاً بدنانير ونقد الثمن ثم افترقا فالبيع جائز ويصير قابضاً الإبريق بنفس الشراء؛ لأن الإبريق بعد بطلان عقد الصرف مضمون بضمان نفسه، ولهذا لو هلك قبل التسليم إلى البائع يهلك مضموناً بالقيمة، ومثل هذا القبض ينوب عن قبض المشتري، فحصل الافتراق بعد قبض البدلين فلا يبطل الصرف.

ولو اشترى رجل من رجل عبداً بألف درهم وتقابضا (وتقا) يلا ثم إن المشتري

(6/298)


اشتراه ثانياً من البائع قبل أن يسلمه إلى البائع صح الشراء على ما مر لا يصير المشتري قابضاً بنفس الشراء حتى لو هلك قبل أن يحدد المشتري قبضاً يهلك بالعقد الأول ويبطل الإقالة والبيع الثاني لا بعد الإقالة العين في هذه الصورة مضمون على المشتري بالثمن حتى لو هلك في يد المشتري قبل التسليم إلى البائع يبطل الإقالة ويعود حكم العقد الأول حتى يلزمه الثمن ومثل هذا القبض لا ينوب عن قبض الشراء.
ولو اشترى رجل من رجل غلاماً بجارية وتقابضا وجعل كل واحد منهما ما اشترى في منزله ثم تقايلا، ثم اشترى أحدهما من مال صاحبه ما أقاله إياه قبل أن يدفعه إليه حتى جاز الشراء صار المشتري قابضاً له بنفس الشراء حتى لو هلك أحدهما قبل الرد لا تبطل الإقالة، وكان على الذي هلك في يده قيمته، وهذا لأن في بيع العرض بالعرض يصح ابتداء الإقالة بعد هلاك أحدهما (41ب3) وإذا لم تبطل الإقالة بهلاك أحدهما لا يعود حكم العقد الأول فبقي مضموناً ضمان نفسه، ومثل هذا القبض ينوب عن قبض الشراء بخلاف الفصل الأول، وهو ما إذا اشترى بدراهم؛ لأن هناك محل الإقالة والتصرف لا يبقى بعد فوات محله، فتبطل الإقالة بهلاك العبد ويعود حكم العقد الأول، فكان العبد مضموناً بالثمن أما ههنا بخلافه، هذا إذا تقايلا العبد مع الجارية قائمين.

فأما إذا تقايلا العقد بعدما هلك العبد بعد التقابض صحت الإقالة، ووجب على مشتري العبد قيمة العبد. فإن اشترى من في يده الجارية في هذه الصورة الجارية من بائعها قبل أن يدفعها إليه وليست الجارية بحضرتهما ثم ماتت الجارية بعد الشراء الثاني قبل أن يحدد المشتري لها قبضاً هلكت بالشراء الأول وبطلت الإقالة والشراء الثاني؛ لأن الجارية بعد هلاك العبد مضمونة على المشتري بغيرها وهو قيمة العبد حتى لو هلكت بعد الإقالة قبل الشراء الثاني هلكت بقيمة العبد ومثل هذا القبض لا ينوب عن قبض الشراء.
ولو كانا قائمين بعد الإقالة ثم اشترى كل واحد منهما من صاحبه ما في يده بدراهم ثم هلكا معاً أو على التعاقب هلك كل واحد منهما من مال من اشتراه؛ لأن كل واحد منهما مضمون بضمان نفسه، ولهذا لو هلك أحدهما بعد الإقالة قبل الشراء تجب قيمته، ومثل هذا القبض ينوب عن قبض الشراء. ولو اشترى جارية بدراهم على أن المشتري بالخيار فيه ثلاثة أيام وتقابضا ثم فسخ المشتري البيع بخيار الشرط، فلم يردها على البائع حتى اشترى منه شراء مستقبلا صح؛ لأن الرد بحكم خيار الشرط فسخ في حق الناس كافة، وكذلك ينبغي أن يصح شراء الأجنبي من البائع قبل قبض البائع؛ لأن الرد بخيار الشرط فسخ في حق الناس كافة فلو هلكت الجارية قبل أن يصل إليها يد المشتري بطل الشراء الثاني والفسخ وهلك بحكم الشراء الأول؛ لأن المبيع في خيار الشرط بعد الفسخ مضمون على المشتري بضمان غيره وهو الثمن؛ ومثل هذا القبض لا ينوب عن قبض الشراء. وإذا هلكت الجارية هلكت بالشراء؛ لأن المشترى بشراء الخيار للبائع مضمون على المشتري بضمان نفسه وهو القيمة قبل الفسخ وبعد الفسخ، ومثل هذا القبض ينوب عن قبض الشراء.

(6/299)


والجواب في الرد بخيار الرؤية وبخيار العيب نظير الجواب فيما إذا كان البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأن هذا الخيار لا يمنع زوال ملك البائع كخيار المشتري فيكون الجواب عنهما على السواء.

وإذا أرسل الرجل غلامه في حاجته ثم باعه من ابن صغير له حي جاز العبد حتى مات مات من مال الأب؛ لأن قبض الأب أمانة ولأنه قبض لنفسه فلا يقع عن قبض مضمون لغيره، فإن لم يمت الغلام حتى رجع إلى الولد وتمكن من القبض صار قابضاً له عن ولده، وإذا لم يرجع العبد حتى بلغ الغلام ثم رجع العبد إلى الولد لم يصر قابضاً للولد حتى لو هلك هلك على الولد وانتقض البيع فيكون القبض في هذا إلى الولد.
فرق بين هذا وبين ما إذا اشترى الوالد لولده الصغير من غيره ثم بلغ قبل القبض، فإن القبض وتسليم الثمن يكون إلى الوالد واستفاء الحقوق يكون له أيضاً، وفي شراء الوالد لولده من نفسه ترجع الحقوق إلى الولد متى بلغ. والفرق: أن الاب إذا اشترى من نفسه، فالعقد في حق الحقوق ما وقع للأب؛ لأن الأب هو المملك، فلا يجوز أن يثبت له على نفسه حقاً، وكانت الحقوق ثابتة للصغير على الأب يستوفيه بحكم النيابة عن الصغير، فإذا بلغ وصار أهلاً للاستيفاء بنفسه بطلت النيابة وعاد إلى الأصل، فأما إذا اشترى من غيره فالعقد في حق الحقوق وقع للأب؛ لأنه لم يوجد المانع من ذلك، والقبض من حقوق العقد، وبعد البلوغ لم يوجد ما يغير العقد فلا يتغير حقوقه فبقي حق القبض واقعاً للأب والله أعلم.

نوع آخر في تصرف أحد المتعاقدين في المبيع قبل القبض

إذا أمر المشتري البائع أن يعمل في المبيع عملاً، فإن كان ذلك العمل لا ينقصه مثل القصارة والغسل بأجر أو بغير أجر لم يصر قابضاً والأجرة واجبة، وإن كان ذلك العمل مما ينقصه فهو قبض، والفرق وهو أن العمل إذا كان ينقصه فهو استهلاك الجزء من المبيع وذلك غير مملوك للبائع، فإذا حصل بأمر المشتري صار كأن المشتري فعل بنفسه فيصير قابضاً، فأما إذا كان لا ينقصه الفعل المأمور به، فذلك الفعل مملوك للبائع؛ لأنه فيما يرجع إلى نفس الثوب إمساك، وما يحدث في الثوب من الوصف يفعله من قصارة أو غير ذلك، فذلك وصف زائد يتصل بالمبيع حصل بإذن المشتري فبقي تصرفه في المبيع إمساكاً، فيكون مقصوراً على الفاعل، فلا يصير به قابضاً إلا أنه يجب الأجر؛ لأن هذا العمل غير مستحق على البائع فصح ذكر البدل في مقابلته، هكذا ذكر في «شرح القدوري» .
وفيه أيضاً: لو أرسل المشتري العبد في حاجته صار قابضاً؛ لأنه صار مستعملاً له (و) بالاستعمال تثبت يد المستعمل على المحل. ألا ترى أن الأجنبي يصير به غاصباً وطريقه ما قلنا.
وكذلك لو أعاره المشتري أجنبياً أو أودعه أجنبياً يصير قابضاً؛ لأنه أثبت يد غيره على المحل فيصر كما لو أثبت يد نفسه، وهناك يصير قابضاً فكذا ههنا. ولو أعاره

(6/300)


المشتري البائع أو أودعه إياه أو آجره منه، فإن المشتري لا يصير قابضاً به؛ لأن يد البائع ثابتة على المحل للحبس، فلا يتصور ثبوتها بجهة أخرى مع قيام الأولى كما كانت صار الحال بعد هذا التصرفات والحال قبلها سواء.

في «الجامع» : إذا قال المشتري للبائع: قل للعبد يعمل لي كذا، فأمره البائع فعمل صار المشتري قابضاً؛ لأنه جعل البائع رسولاً ينتقل إلى المرسل، فكأن المشتري قال للعبد: اعمل كذا فعمل، وهناك ينتقل المشتري قابضاً كذا ههنا. ولو كان المشتري أجره من البائع شهراً فاستعمل البائع بحكم الإجارة لا يلزمه الأجر؛ لأن هذه إجارة فاسدة، وفي الإجارة الفاسدة إنما يجب الأجر باستيفاء المنافع إذا وجد التسليم إلى المستأجر، ولم يوجد التسليم هنا إلى المستأجر إذ ليس للمشتري آلة التسليم وهو اليد، إنما اليد للبائع والبائع لا يصلح نائباً عن المشتري في القبض، فلم يتحقق التسليم، فكيف يجب الأجر؟.
في «النوازل» : إذا اشترى عبداً بثمن معلوم فلم يقبضه حتى أمر البائع أن يؤاجره من إنسان معين، فأجره جاز ويصير المشتري قابضاً له، والغلة التي يأخذها البائع تجب من الثمن؛ لأن الأمر من المشتري قد صح؛ لأنه صادف ملكه والمستأجر ينتصب نائباً عنه في القبض ثم يصير قابضاً لنفسه بحكم العقد.

وفي «العيون» : إذا اشترى غلاماً فلم يقبضه حتى وهبه لرجل أو رهنه وأمره بالقبض فقبض جاز، ولو آجره وأمر المستأجر بالقبض لم يجز والفرق أن الهبة والرهن إنما تصح بعد التسليم، وعند التسليم يصير قابضاً فيكون الرهن والهبة نافذاً بعد قبض المشتري، ولا كذلك الإجارة.

في «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل اشترى من آخر كر حنطة بعينه وكر شعير بعينه، فلم يقبضه المشتري حتى خلطهما البائع، قال: يقوم كر من هذا أي من المخلوط ويقوم الحنطة قبل الخلط ثم يقسم ثمن الحنطة عن المشتري ما دخل الحنطة من النقصان ويأخذ (42أ3) المشتري الكر ويأخذ الشعير بثمنه. وكذلك لو باعه رطلاً من زنبق ورطلاً من بنفسج، فخلطهما. ولو باعه (رطلاً) من زنبق ومئة رطل من زيت وخلط الزنبق بالزيت فقد بطل في الزنبق البيع؛ لأن البائع استهلكه وللمشتري أن يأخذ الزيت إن أحب، فيأخذ مئة رطل ولا خيار فيه وإن كان ذلك لم ينقصه.
و (لو) أن رجلاً كان في خابيته زيت عشرة أرطال، فاشتراها منه رجل فلم يقبضها حتى خلطها البائع بما في الخابية كان المشتري في أخذه بالخيار؛ لأن البائع خلطها بمتاعه.
رجل باع من رجل عبداً بألف درهم فلم يقبضه المشتري، باعه البائع من رجل آخر ودفعه إليه فمات في يد المشتري الثاني أو وهبه له ودفع إليه ومات في يده، أو أعاره إياه ودفعه إليه فمات في يده، فالمشتري الأول بالخيار إن شاء نقض البيع واسترد الثمن إن كان قد دفع الثمن، وإن شاء أمضى البيع وضمن المشتري الثاني قيمة العبد يوم قبضه،

(6/301)


وكذلك في الهبة والعارية، ولا يرجع الموهوب له ولا المستعير على البائع بشيء، وإن اختار الأول نقض البيع ونقضه، فللبائع أن يُضَمِّن المشتري الثاني قيمته يوم دفعه إليه، وكذلك في الهبة والعارية؛ لأن العبد إنما صار له بعد قبض المشتري الأول وبيعه.

ولو كان البائع آجره من رجل أو أودعه إياه فمات في يده انتقض البيع ولا سبيل للمشتري على تضمين واحد منهما؛ لأنه إن ضمنه رجع به على البائع، وإذا كان كذلك صار كأنه مات في يد البائع والرهن نظير الإجارة والوديعة رواه هشام عن محمد رحمه الله. وعن أبي يوسف: إذا أودع البائع العبد المبيع قبل التسليم إلى المشتري من رجل ودفعه إليه أو أعاره إياه أو أجره ودفعه إليه، فمات عنده من غير عمله، فلا ضمان عليه ولا على البائع.
ولو مات عبد المستعير من عمله المودع فمات من ذلك، فإن شاء المشتري أمضى البيع واتبع المستعير والمستودع بالقيمة، وإن شاء نقض البيع وكان للبائع أن يضمن المستودع القيمة؛ لأنه استعمله بغير أمره وليس له أن يضمن المستعير؛ لأنه استعمله بأمره، وأما المستأجر فإن عطب من عمله فليس للمشتري أن يضمنه؛ لأنه لو ضمنه رجع على البائع؛ لأن البائع غره وليس على المستعير غرر.
d

ولو كان البائع أجر رجلاً أن يقتله فقتله فالمشتري بالخيار إن شاء ضمن القاتل قيمته ودفع الثمن إلى البائع، وإن شاء نقض البيع، فإن ضمن القاتل فالقاتل لا يرجع على البائع؛ لأن القتل ليس فيه غرر، ولو كان مكان العبد ثوباً فقال البائع لخياط: اقطعه لي قميصاً بأجر أو بغير أجر لا يكون للمشتري أن يضمن الخياط؛ لأن الخياط يرجع بالقيمة على البائع.
رجل باع شاته من رجل وأمر البائع رجلاً حتى ذبحها، فإن كان الذابح يعلم بالبيع فللمشتري أن يضمن الذابح ولا يرجع الذابح به على الآمر، وإن كان الذابح لا يعلم بالبيع لم يكن للمشتري أن يضمنه؛ لأنه لو ضمنه يرجع به على البائع الآمر، فيصير كأن البائع ذبح بنفسه.

نوع آخر

فيما يلزم المتعاقدين من المؤنة في تسليم المبيع والثمن: الأصل أن مطلق العقد يقتضي تسليم المعقود عليه وقت العقد، ولا يقتضي تسليمه في مكان العقد، هذا هو ظاهر مذهب أصحابنا، حتى إنه لو اشترى حنطة وهو (في) المصر والحنطة في السواد يجب تسليمها بالسواد. ومن الناس من قال: يجب تسليمها حيث عقدا العقد قبيل باب السلم. ذكر ابن سماعة في «نوادره» عن محمد رحمه الله: أن من اشترى تمراً على نخل، فجزه على المشتري. في «المنتقى» : أنه إذا باعه مجازفة فالجواب كذلك، وإذا باعه مكايلة فعلى البائع أن يقطعه ويكيله، وكذلك الجز والقطع والتسليم على المشتري، وكذلك قلع البصل هكذا ذكر في رواية ابن سماعة. وذكر في «المنتقى» أن على البائع قلع أنموذج قدر ما برأه المشتري، فإذا رضي به كان القلع على المشتري. وفي «المنتقى» : إذا اشترى

(6/302)


حنطة في سعفه فالإخراج على المشتري، وكذلك إذا باع حنطة في جراب أو ثوباً في جراب باع الحنطة والثوب دون الجراب ففتح الجراب على البائع، والإخراج من الجراب على المشتري وأجرة الكيال والوزان والذراع والعداد على البائع إذا باعه مكايلة أو موازنة أو مذارعة؛ لأن الكيل والوزن فيما باع مكايلة أو موازنة من تمام التسليم، والتسليم على البائع فما يكون من تتمته يكون عليه.
وفي «نوادر هشام» : قال: سألت محمداً رحمه الله عمن اشترى شيئاً بدراهم فعلى من الانتقاد وقد زعم المشتري أن دراهمه جياد قال: القول له؛ لأن الدراهم كلها جياد حتى يتبين لنا غير ذلك، فإن قال البائع هي رديئة فالقول قول المشتري وعلى البائع أن يجيء بالناقد والأجرة عليه.
وعن إبراهيم عن محمد أن الانتقاد على المستوفي والوزن على الموفي، يريد أن انتقاد الثمن على البائع ووزن الثمن على المشتري. وفي «العيون» : أن أجرة وزان الثمن والناقد على المشتري، وكان الصدر الشهيد يقول بأن أجرة الناقد على المشتري ونفتي به.

وروي عن محمد أنه جعل أجرة الناقد على من عليه الدين إلا أن يقتضي دينه رب الدين ثم يدعي أنه من غير نقده، فيكون الأجر على رب الدين.
والفرق بينهما قبل القبض وبينهما بعد القبض على هذه الرواية: أن الواهب على المديون إيفاء دراهم مقدرة جيدة، فكان النقد قبل القبض لإيفاء الحق في الجودة كما أن الوزن لإيفاء الحق في القدر، ثم أجرة الوزان على المديون، فكذا أجرة الناقد، فأما إذا قبض رب الدين فقد دخل في ضمانه، فإذا ادعى أنه على خلاف حقه كان النقد محتاجاً إليه ليتمكن من الرد، وذلك يقع لرب الدين فيكون الأجر عليه.
ولو اشترى وقد دخل في المصر فحملها إلى بيت المشتري على البائع، ولو هلك في الطريق من مال البائع. ولو اشترى حنطة في سنبلها فتخليصها بالكدس والتذرية على البائع؛ لأن التسليم لا يتهيأ بدون ذلك وصبها في وعاء المشتري على البائع بحكم العرف، وصب الماء من القربة على البائع أيضاً بحكم العرف.
ولو اشترى داراً وطلب من البائع أن يكتب صكاً على الشراء لا يجبر البائع عليه وإن كتب المشتري الصك من مال نفسه وأمره بالإشهاد لا يجبر على الخروج إلى الشهود، وإن أبى الشهود يجبر على إشهاد شاهدين، وهو أن يقر بين شاهدين، فإن أبى البائع يرفع المشتري الأمر إلى القاضي، فإن أقر بين يد القاضي كتب له سجلاً وأشهد عليه.

الفصل الرابع: في المسائل التييْتعلق بالثمن
قال محمد رحمه في كتاب الصرف: إذا اشترى الرجل من آخر شيئاً بألف درهم أو بمئة دينار ولم يسمِ شيئاً، فهذا على وجهين:

(6/303)


الأول: أنه يكون في البلد نقد واحد معروف في هذا الوجه جاز العقد، وينصرف إلى نقد البلد بحكم العرف؛ لأن الناس يتبايعون بنقد البلد والمعروف كالمشروط.

الوجه الثاني: إذا كان في البلد نقود مختلفة، وإنه على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون الكل في الرواج على السواء ولا صرف لبعضها على البعض، وفي هذا الوجه جاز العقد، وإن كان الثمن مجهولاً إذ لم يصر نقد من النقود معلوماً لا بحكم العرف ولا بحكم التسمية إلا أن هذه (42ب3) جهالة لا توقعهما في منازعة مانعة من التسليم والتسلم، وإن كان لبعضها صرف على البعض والكل في الرواج على السواء كما في العطارف العدال في الزمان السابق لا يجوز البيع؛ لأن الجهالة ههنا توقعهما في المنازعة المانعة من التسليم، وإن كان لبعضها فضل على البعض إلا أن واحداً منهما أروج، فإنه يجوز لأن العقد ينصرف إلى الرواج.
في «كتاب الصرف» أيضاً: إذا اشترى الرجل مئة فلس بدرهم فنقد الدرهم ولم يقبض شيئاً من الفلوس حتى كسدت الفلوس، فالقياس: أن لا ينقض العقد، ويتخير المشتري إن شاء قبضها كذلك، وإن شاء فسخ العقد وأخذ الدراهم كما لو تعيب المبيع قبل القبض، وبالقياس أخذ زفر. وجه ذلك: أن بالكساد لم يهلك ما تعلق العقد به قبل القبض بل تعيب؛ لأن العقد في جانب الفلوس تعلق بها من حيث إنها ثمن؛ لأن الفلوس صارت ثمناً باصطلاح الناس، وبالكساد لم تزل الثمنية من كل وجه؛ لأن بعد الكساد يباع وزناً والموزون ثمناً، وإذا بقيت الثمنية من وجه بقي ما تعلق به العقد لكنه صار معيباً من حيث إنه لم يبقَ ثمناً باعتبار العدد، والعيب لا يوجب انتقاض المبيع إنما يوجب الخيار كما لو تعيب المبيع قبل القبض.

وكما لو اشترى شيئاً بقفيز رطب في الذمة ثم انقطع أوانه فهذا هو وجه القياس، وفي «الاستحسان» : ينتقض العقد كالمبيع إذا هلك قبل القبض. بيانه: أن العقد في جانب الفلوس تعلق بها من حيث إنها ثمن باعتبار العدد وبالكساد بطلت الثمينة باعتبار العدد، فإن بعد الكساد يباع وزناً لا عدداً، وقولنا بلا خلاف انتباه إلى أن بعد الكساد وإن كانت تباع وزناً، والموزون يصلح ثمناً؛ لأن الثمنية من حيث الوزن لم تحدث بالكساد حتى يجعل حلها عن الثمنية من حيث العدد، وإنما زالت الثمنية من حيث الوزن بالاصطلاح على الثمنية من حيث العدد، فإذا زالت بالاصطلاح على العدد عادت الثمنية باعتبار الوزن الذي كان في الأصل بسبب الكساد، وليس كالمبيع إذا هلك وجب القيمة؛ لأن هناك القيمة وجبت بسبب القتل؛ لأنها لم تكن واجبة قبل القتل بل وجبت ابتداءً بمقابلة المبيع، فكانت خلفا عن المبيع بخلاف الرطب إذا انقطع أوانه؛ لأن هناك ما تعلق به العقد لم يهلك؛ لأن العقد متعلق بالرطب من حيث إنه ثمن، وثمنية الرطب من حيث إنه مكيل وقد بقي مكيلا بعد الانقطاع، إلا أنه لا يوجد في أيدي الناس والشراء بثمن ليس عنده حالة العقد ولا عند آخر جائز، فإنه لو اشترى برطب والرطب منقطع عن أيدي الناس يجوز، فلأن يبقى أولى.

(6/304)


وإذا اشترى شيئاً بدراهم هي نقد البلد ولم ينقد الدراهم حتى تغيرت، فإن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق فسد البيع؛ لأنها هلكت، وإن كانت تروج ولكن انتقصت قيمتها لا يفسد البيع، وليس للبائع إلا ذلك؛ لأنها لا تهلك.

وفي «عيون المسائل» : إن عدم الرواج إنما يوجب فساد البيع إذا كان لا يروج في جميع البلدان؛ لأنه حينئذ يصير هالكاً ويبقى البيع بلا ثمن، فأما إذا كان لا يروج في هذه البلدة ويروج في غيرها، فلا يفسد المبيع؛ لأنه لم يهلك ولكنه يعيبه، فكان للبائع الخيار: إن شاء قال: أعط مثل النقد الذي عليه البيع، وإن شاء أخذ قيمته ذلك دنانير، قالوا: وما ذكر في «العيون» مستقيم على قول محمد رحمه الله، أما لا يستقيم على قولهما إذ يكتفي لفساد المبيع في كل بلدة بالكساد في تلك البلدة بناء على اختلافهم في بيع الفلس بالفلسين عندهما يجوز اعتباراً لاصطلاح بعض الناس، وعند محمد رحمه الله: لا يجوز اعتباراً لاصطلاح الكل، والكساد يجب أن يكون على هذا القياس أيضاً.
وذكر في كتاب الصرف: إذا اشترى بدراهم ونقد الثمن ولم يقبض الفلوس حتى كسدت بطل البيع استحساناً، وإن كان قبض الفلوس ولم يقبض الدراهم حتى كسدت الفلوس، فالبيع جائز والدراهم دين على حالها؛ لأن العقد قد انتهى في الفلوس بالقبض، فهلاكها بالكساد لا يؤثر في العقد.
ولو اشترى بفلوس فاكهة أو غيرها وقبض ما اشترى ولم ينقد الفلوس حتى كسد بطل استحساناً.
وفي «القدوري» في باب استقراض الفلوس: إذا اشترى بفلوس وكسدت قبل القبض فسد العقد في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يفسد العقد وفي «المنتقى» : إذا كسدت الفلوس قبل القبض فعلى المشتري قيمة الفلوس في قول أبي يوسف، وهذه إشارة إلى أن العقد لا يفسد على قوله.

وذكر محمد في كتاب الرهن مسألة تدل على أن البيع لا ينتقض بهلاك الفلوس قبل القبض، وصورتها: رجل رهن من آخر فلوساً تساوي عشرة بعشرة، فكسدت فهي رهن على حالها حتى لو هلكت هلكت بالعشرة، ولو كان الكساد بمنزلة الهلاك لسقط الدين بمجرد الكساد، والمشايخ اختلفوا في هذه المسألة، بعضهم قالوا: ينتقض البيع كما ذكر في كتاب الصرف، وبعضهم قالوا: لا ينتقض، واستدلوا بمسألة الرهن. وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله يصحح رواية كتاب الصرف، وشيخ الإسلام يصحح رواية الرهن، وهذا القائل يقول معنى قول محمد في كتاب البيع يبطل البيع أنه يخرج من أن يكون لازماً حتى لا يجبر البائع على القبض دفعا للضرر عنه، أما لو اختار البائع الأخذ فله ذلك.

وعن أبي يوسف أنه إذا اشترى فلوساً بدراهم أو دنانير وكسدت الفلوس قبل القبض بطل البيع، وإذا اشترى بالفلوس شيئاً فاكهة أو عرضاً وكسدت الفلوس قبل القبض لا يبطل البيع، والفرق: أن الفلوس الرائجة ثمن بيع الفلوس والشراء بها بيع الثمن والشراء،

(6/305)


وبالكساد تصير مبيعة بمقابلة الدراهم والدنانير؛ لأن الدراهم والدنانير أثمان من كل وجه، فلو اتقينا ذلك البيع اتقينا على المبيع، وإنه ما ورد على المبيع فبطل ضرورة، فأما بمقابلة العرض والفاكهة يمكن أن يجعل الفلوس الفاسدة ثمناً؛ لأن العرض والفاكهة مبيع والفلوس بمقابلة المبيع يمكن أن تجعل ثمناً باعتبار أنه عددي متقارب كالجوز وغيره.

وفي «المنتقى» : إذا اشترى فلوساً بدراهم وبمد من دقيق بعينه، فقبض المد والدراهم ولم يقبض الفلوس حتى كسدت فسد البيع في قياس أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: ينتقض البيع في حصة الدراهم ويجوز في الدقيق بحصته وعليه قيمة الفلوس تلك الحصة من الدراهم أو الفلوس هذا إذا كسدت الدراهم أو الفلوس قبل القبض، فأما إذا غلت بأن ازدادت قيمتها، فالبيع على حاله ولا يخير المشتري، وإذا انتقصت قيمتها فالبيع على حاله ويطالبه بالدراهم بذلك العنان الذي كان وقت البيع.
وفي «المنتقى» : إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت، قال أبو يوسف رحمه الله: قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع ويوم وقع القبض، والذي ذكرنا من الجواب في الكساد فهو الجواب، والانقطاع إذا انقطعت الدراهم عن أيدي الناس قبل القبض فسد المبيع عند أبي حنيفة، وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق وإن كان يوجد في يد الصيارفة في البيوت، وقيل: إذا كان يوجد في يد الصيارفة فهو ليس بمنقطع، والأول أصح وسيأتي جنس هذه المسائل في مسائل السلم (43أ3) إن شاء الله.
وفي «المنتقى» : قال أبو حنيفة: كل ما يكال أو يوزن إذا كان ثمناً بغير عينه وقد انقطع عن أيدي الناس أن الطالب بالخيار إن شاء أخره إلى الجديد، وإن شاء أخذ قيمة بيعه، فقد حكم بفساد العقد حتى أوجب قيمة المبيع، وقال أبو يوسف: إن شاء أخره إلى الجديد، وإن شاء أخذ قيمة الثمن قبل انقطاعه بلا فضل، ولأبي يوسف في هذا قول آخر أن عليه قيمة الثمن يوم وقع البيع وهو قوله وعليه الفتوى. وكذلك الدراهم والفلوس إذا انقطع عن أيدي الناس قبل القبض، فللبائع قيمة الدراهم والفلوس يوم وقع البيع في قول أبي يوسف الآخر وعليه الفتوى.

وروى بشر عن أبي يوسف في «الأمالي» في رجل اشترى من عبده شيئاً بألف درهم غلة، والغلة يوم اشترى طبرية ويزيدية، فكسدت الطبرية فإن عليه أن يعطيه غلة سوى الطبرية ما يقع عليه اسم الغلة، وإن أبى واحد منهما أجبر عليه. ولو باع سلعة بكذا ديناراً حتى كان له نقد الناس، فكسد صنف من الدنانير ما كان يجوز مثله فله نقده من الدنانير التي تجوز بين الناس، ولو باع شيئاً بدراهم مسماة مكروهة فكسد صنف من المكروهة أي المكحلة، فإن عليه أن يعطيه الصنف الباقي منها، ولو باعه بألف درهم طبرية والطبرية على صنفين صنف غلة وصنف نقد بيت المال كان له الطبرية الغلة الجائزة بين الناس. ولو كسدت لم يكن له من الطبرية المقدسي، وإنما له قيمة الكاسدة من الذهب، وهذا قول أبي يوسف فقد أشار إلى أن البيع لا يفسد بالكساد إذ لو فسد لوجب قيمة المبيع، ثم

(6/306)


إذا فسد البيع بالكساد أو بالإنقطاع على قول من يقول به، فإن لم يكن المبيع مقبوضاً فلا حكم لهذا البيع أصلاً، وإن كان مقبوضاً إن كان قائماً رده على البائع، وإن كان مستهلكاً أو هالكاً يرجع البائع عليه بقيمة المبيع إن لم يكن المبيع مثلياً وبمثله إن كان مثلياً.
دلال باع متاع الغير بإذنه بالدراهم واستوفى الدراهم فقبل أن يدفعها إلى صاحب المتاع كسدت الدراهم، فليس للدلال على المشتري سبيل؛ لأن حق القبض للدلال؛ لأنه هو العاقد وقد قبض.
وفي «النوازل» : رجل باع من آخر شيئاً بألف درهم فوزن له المشتري ألفاً ومئتي درهم فقبضها البائع ثم ضاعت من يده فهو مستوف للثمن ولا ضمان عليه؛ لأنه بقدر الألف استوفى حقه، وفيما زاد فهو مؤتمن فيه، فإن ضاع نصفها فالنصف الباقي على ستة أسهم، فالأصل أن المال المشترك إذا هلك منه شيء، فالهالك يهلك على الشركة، فلو عزل منها مئتي درهم، فضاعت المئتان يردها كان الألف بينهما على ستة أسهم لما قلنا. ولو ضاعت الألف فللبائع أن يرجع في المائتين بخمسة أسداسها.

وإذا باع جارية بألف درهم، فدفع إليه المشتري كيساً على أن فيه ألف درهم فذهب به البائع إلى المنزل، فإذا فيه دنانير فحمل الدنانير ليردها فضاعت في الطريق فلا ضمان عليه؛ لأنه أخذ بإذن فكان أميناً.
وإذا اشترى شيئاً وأعطى دراهم صحاحاً فكسرها ولا شيء عليه؛ لأنه لم يتلف عليه مالاً، وكذا إذا دفع إليه إنسان لينظر.
في «فتاوي أبي الليث» وفي «فتاوي أهل سمرقند» : إذا باع بدراهم جياد ودفع المشتري الدراهم، فأراها البائع رجلاً فأنقدها فوجد فيها قليل نبهرجة، فاستبدل وأراد أن يصرف في شراء الحوائج فلم يأخذها آخذ، وقالوا: كلها نبهرجة إن كان أقر البائع أنها جياد لا يرد؛ لأنه مناقض إلا إذا صدقه المشتري، وإن لم يكن أقر بذلك يرد؛ لأنه مناقض.

الفصل (الخامس) : فيما لا يدخل تحت البيع من غير ذكره صريحاً، وما يدخل تحته من غير ذكره صريحا
هذا الفصل يشتمل على أنواع:

نوع منها قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : رجل اشترى منزلاً فوقه منزل فليس له الأعلى إلا إذا قال بكل حق هو له، أو قال بمرافقه، أو قال قليل أوكثير هو فيه أو منه وعلم بأن ههنا ثلاث مسائل مسألة في بيع الدار، ومسألة في بيع المنزل، ومسألة في بيع البيت، ففي المنزل الجواب ما قلنا. وبيع الدار يدخل العلو تحت البيع وإن لم يذكر كل حق هو لها أو ما أشبه ذلك، كما يدخل السفل وإن لم يذكر كل حق هو لها أو

(6/307)


ماأشبه ذلك، وفي بيع البيت لايدخل العلو تحت (البيع) إلا بالتنصيص عليه، وهذا لأنَّ العلو بمنزلة البناء من وجه، وبمنزلة بيت آخر من وجه من حيث إن قوام العلو بالسفل هو بمنزلة البناء؛ لأن قوام البناء بالأرض، ومن حيث إنه يبنى لينتفع بنفسه لايصير السفل منتفعاً به فهو كبيت آخر، بخلاف البناء فإنه لا يبنى على الأرض لينتفع بنفسه، وإنما يبني ليصير داخل البيت منتفعاً بالبيت، فكان البناء تبعاً للأرض قواماً وانتفاعاً، فإذا كان العلو بينهما كان يجب أن يوفر على الشبهين حظهما في المسائل كلها فيجعل العلو منزلاً بين منزلين في المسائل كلها، فيقال: متى ذكر الحق يدخل العلو وإن لم يذكر العلو نصاً كالبناء يدخل من غير ذكره ومتى لم يذكر الحق لا يدخل كبيت آخر، إلا أن العمل بالشبهين على هذا الوجه متعذر في المسائل أجمع لما فيه من التسوية بين اسم الدار والبيت والمنزل في الاستتباع ولا يجوز التسوية بين هذه الأسماء في الاستتباع؛ لأن معاني هذه الأسماء متفاوتة في العموم والخصوص، فإن اسم الدار أعم من اسم البيت والمنزل من حيث المعنى، فإن الدار مشتقة من الدوران في موضع أدير عليه، فكان الاسم مأخوذاً من الدوران من إدارة الحائط، وفي الدوران نزول كما في المنزل، وبيتوته كما في البيت؛ لأن الدوران يكون بالنهار والمنزل أخص من الدار؛ لأنه مأخوذ من النزول دوران أما فيه بيتوته إلا أنه أعم من البيت؛ لأن البيت موجود من البيتونة عبارة عن

المقام ليلا ونهاراً، فكانت الدار أعم من المنزل، والبيت أخص من الدار والمنزل جميعاً، فألحق العلو بالبناء في الدار حتى يظهر اسم الدار وإنه أعم زيادة رتبة في الاستتباع ليس ذلك للمنزل، قلنا: إن ذكر الحق يستتبع العلو، وإن لم يذكر لا يستتبع العلو حتى يظهر نقصان رتبة المنزل في الاستتباع عن رتبة الدار، وفي البيت قلنا: لا يدخل العلو إلا بالتنصيص عليه.

وذكر محمد بن مقاتل الرازي في شروطه أن العلو إنما يدخل في بيت المنزل بذكر الحقوق أو المرافق أو بذكر كل قليل وكثير هو فيها ومنها إذا كان طريق الصعود إلى العلو في منزل الأسفل، فأما إذا كان في غيره فلا أعرف عن أصحابنا لهذا رواية، ويحتمل أن لا يدخل.
ويدخل الكنيف الشارع في الدارفي بيع الدار، وإن لم يذكر بكل حق هو لها؛ لأن الكنيف من حقوق الدار؛ لأن قراره على الدار، ولأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط والحائط أدير على الكنيف، فيكون الكنيف من الدار، فيدخل تحت بيع الدار من غير ذكر.
وأما الظلة التي تكون على الطريق وهي الساباط التي أحد طرفيه على جدار هذه الدار والطرف الآخر على جدار دار أخرى أو على الأسطوانات خارج الدار لا يدخل تحت بيع الدار إلا بذكر كل حق هو لها وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يدخل وإن (43ب3) لم يذكر كل حق لها إذا كان مفتحها إلى هذه الدار؛ لأن قرار الظلة في الدار كانت بمنزلة العلو والكنيف، ولأبي حنيفة أن قرار أحد طرفي الظلة لما كان

(6/308)


بالأسطوانات خارج الدار وبدار أخرى كانت الظلة تبعاً للدار المبيعة من وجه دون وجه، فلكونها تبعاً للدار المبيعة لا يشترط التنصيص عليها لدخولها في بيع الدار، ولكونها تبعاً للدار المبيعة اكتفينا بذكر الحقوق لدخولها في بيع الدار عملاً بالشبهين، وإذا ذكر الحقوق.

والمرافق يدخل الظلة عند أبي حنيفة في البيع إذا كان مفتحها إلى الدار المبيعة، وإن لم يكن مفتحها إلى الدار المبيعة لا يدخل، وإن ذكر الحقوق أو المرافق، قال الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي في «شرح الجامع الصغير» : هذا الذي ذكر محمد في «الكتاب» من الفصل بين الدار والمنزل والبيت في الجواب عرف أهل الكوفة، فأما في عرف بخارى يدخل العلو من غير ذكر اسم، سواء باع باسم الدار والمنزل والبيت؛ لأن في ديارنا المسقف بسقف واحد قلما يكون، وكل مسكن يسمى خانة سواء كان كبيراً أو صغيراً إلا دار السلطان، والعلو يدخل من غير ذكر على كل حال.
ويدخل في بيع الدار المخرج والمربط والمطبخ والبئر ذكروا المرافق أو لم يذكروا، وفي بيع منزل من الدار وبيت من الدار لم تدخل هذه الأشياء إلا بذكر؛ لأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط، فكل ما هو داخل في بيع الدار، فأما اسم المنزل من النزول واسم البيت من البيتوتة وهذه الأشياء سوى البيت في معنى النزول والبيتوتة فيها على السواء، فتكون هذه الأشياء منازل وبيوتاً باعتبار الاسم، وهو إنما ذكر في البيع منزلاً واحداً وبناء واحداً فلا تدخل هذه الأشياء تحت البيع.
Y

والبئر لا يتأتى فيه النزول والبيتوتة فلا يدخل تحت اسم المنزل والبيت، ويشترط التنصيص على هذه الأشياء ولا يكتفى بذكر الحقوق والمرافق؛ لأن حقوق الشيء ما يقصد إليه لأجل ذلك الشيء لا بعينه، وهذه الأشياء مقصودة بنفسها من غير المنزل والبيت فلا تكون من حقوقها ومرافقها.

والحاصل أن الحق في العادة يذكر فيما هو تبع للمبيع ولابد للمبيع منه، ولا يقصد إليه إلا لأجل المبيع كالشرب والطريق في الأرض، والمرافق عبارة عما يرتفق به ويختص بما هو من التوابع كالشرب للأرض ومسيل الماء وقوله: كل قليل أو كثير يذكر على وجه المبالغة في إسقاط حق البائع عن المبيع وما هو متصل بالمبيع، وهذا إذا كان المخرج والمربط في الدار المبيعة. فأما إذا كان في دار أخرى متصلاً بالدار المبيعة لا تدخل هذه الأشياء تحت بيع الدار.
قال محمد رحمه الله: وإذا اشترى بيتاً في دار أو منزلاً لا يدخل الطريق ومسيل الماء من غير ذكر، وكذلك إذا اشترى أرضاً لا يدخل الشرب في الشراء من غير ذكر، وفي الإجارة تدخل هذه الأشياء من غير ذكر، والفرق: أن الإجارة تعقد للانتفاع، ولهذا لا يجوز إجارة ما لا ينتفع به في الحال كالمُهْر الصغير والأرض السبخة ولا يمكن الانتفاع بهذه الأشياء إلا بالطريق ومسيل الماء والشرب للمستأجر لا يشتري هذه الأشياء عادة ولا يجد ليستأجر، ولو استأجر الطريق الذي لصاحب الدار لا يجوز، فتدخل هذه الأشياء في الإجارة تصحيحاً لها، فأما البيع فلا يعقد للانتفاع عيناً بل يعقد للانتفاع،

(6/309)


وتحصيل العين المتقوم ممكن بدون الطريق فلا ضرورة إلى إدخاله في البيع، فلا يدخل إلا بالتنصيص أو بذكر الحقوق أو بذكر المرافق، وأراد بالطريق الذي لا يدخل في بيع الأرض والدار من غير ذكر الطريق الخاص.
والطريق ثلاثة: طريق إلى الطريق الأعظم، وطريق إلى سكة غير نافذة، وطريق خاص في ملك إنسان، فالطريق الخاص في ملك الإنسان لا يدخل في البيع من غير ذكر إما نصاً وإما بذكر الحقوق والمرافق، والطريقان الآخران يدخلان في البيع من غير ذكر، وكذا مسيل الماء في ملك خاص وحق إلقاء الثلج في ملك خاص لا يدخل في البيع إلا بالذكر إما نصاً أو بذكر الحقوق والمرافق.

وإذا باع بيتاً من دار ولم يذكر الطريق ولا الحقوق ولا المرافق حتى لم يدخل الطريق في البيع، فللمشتري أن يزداد قال: يرد، أو قال: ظننت أن لي..... إلى الطريق هكذا ذكر في «المنتقى» يريد به أن البيت إذا كان لا يلي الطريق الأعظم حتى لا يمكنه أن يقع البيت بابًا إليه، وقال: وقت البيع أن البيت يلي الطريق الأعظم ويمكنني أن افتح باباً إليه فله أن يرد البيت، وفي بعض الكتب لم يذكر الخيار، وإنما ذكر أن البيت إذا كان لا يلي الطريق الأعظم لا يبطل البيع وله أن يستأجر أويستعير من صاحب الأرض، ثم الطريق الذي يدخل في البيع بذكر الحقوق والمرافق الطريق وقت البيع لا الطريق الذي كان قبل البيع حتى أن من سد طريق منزله وجعل طريقاً آخر وباع المنزل بحقوقه دخل تحت بيع المنزل الطريق الثاني دون الأول.

وإذا باع داراً وفيها بستان ذكر في «فتاوى أبي الليث» أنه إذا كان البستان في الدار يدخل في البيع من غير ذكره صغيراً كان البستان أم كبيراً؛ لأنه من جملة الدار. وإن كان البستان من خارج الدار إلا أن مفتاحه إلى الدار اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: لا يدخل، وبعضهم قالوا: إن كان البستان أصغر من الدار يدخل من غير ذكر، وإن كان مثل الدار أو أكبر لا يدخل، وبعضهم قالوا: يحكم الثمن.
وفي بيوع «المنتقى» : قال هشام: سمعت أبا يوسف يقول في رجل اشترى داراً، وفيها بستان إن البستان ليس بداخل في بيع الدار إلا أن يسميه إلا أن يكون البستان في وسط الدار والدار محدودة، قال هشام: ذاكرت أبا يوسف مرة أخرى فيمن باع داراً وفيها بستان، قال: البستان منها، قلت: فإن كان للبستان بابان أحدهما في الدار والآخر خارج منها، قال: هو منها.

وفي «العيون» : إذا اشترى داراً وفيها رحاء الإبل وقد اشتراها بحقوقها ومرافقها لا يكون الرحاء ولا متاعها للمشتري؛ لأن هذا ليس من حقوق الدار وهذا بخلاف ما لو

(6/310)


باع ضيعة وفيها رحاء باعها بكل حق هو لها حيث كان الرحاء المشتري؛ لأن هذا من عمارة الضيعة وصلاحها، فكان من حقوقها وفي الدار من خراب الدار فلم يكن من حقوقها، وكذلك دولاب الضيعة للمشتري بمنزلة الرحاء والدالية للبائع؛ لأنها معلقة بغير بناءٍ وكذلك جذعها.
وروى إبراهيم بن رستم عن محمد رحمه الله فيمن اشترى بيتاً وفيها رحا بكل قليل أو كثير هو فيه، فله الأسفل والأعلى، وكذلك إذا كان فيه قدر نحاس موصولاً بالأرض.
وفي «فتاوي الفضلي» دار فيها بيوت باع صاحب الدار بعض البيوت بمرافقها، ثم أراد أن يرفع باب الدار الأعظم وأبى المشتري ليس لصاحب الدار أن يرفعه؛ لأنه باع الأبيات بمرافقها والباب الأعظم من مرافقها، وكذلك لو كان باع البيوت بمرافقها من حقوقها؛ لأن الطريق دخل في البيع بقوله من حقوقها، فيدخل الباب أيضاً؛ لأنه منصوب على الطريق.
وفيه أيضاً: إذا اشترى بيتاً من منزل بحدوده وحقوقه وصاحب المنزل يمنعه عن الدخول ويأمره بفتح الباب إلى السكة ينظر: إن كان البائع بين له طريقاً معلوماً ليس له منعه، وإن لم يبين اختلف المشايخ فيه منهم من قال: له منعه؛ لأن بقوله بحقوق هذا البيت في السكة حتى لا يمنع عن المرور في السكة العظمى، ومنهم من قال: ليس له منعه؛ لأن الباب الأعظم دخل يذكر الحقوق على ما ذكرنا في المسألة المتقدمة. قال الصدر الشهيد رحمه الله: هو المختار.

وفي «العيون» : إذا باع داراً لا بناء فيها، وفيها بئر ماء ومخرج وآجر مطوي في البئر وأشياء أخر كلها متصلة بالبئر دخل تحت البيع.
وفي «النوازل» : إذا باع دار فيها بئر وعليها بكرة ودلو وحبل، فإن باعها بمرافقها دخل الحبل والدلو في البيع؛ لأنهما من مرافق الدار، وإن لم يذكر المرافق لا يدخلان والبكرة يدخل على كل حال؛ لأنها مركبة والأصل أن ما كان في الدار من البناء أو ما كان (44أ3) متصلاً بالبناء يدخل في بيع الدار من غير ذكر بطريق التبعية، وما لا يكون متصلاً بالبناء لا يدخل في بيع الدار من غير ذكر إلا إذا كان شيئاً جرى العرف فيه فيما بين الناس أن البائع لا يضن به ولا يمنعه عن المشتري، فحينئذ يدخل، وإن لم يذكره في البيع.
وعن هذا أن الغلق وفارسيته: كليدان يدخل في البيع من غير ذكر لكونه متصلاً بالبناء، والمفتاح يدخل استحساناً ولا يدخل قياساً؛ لأنه غير متصل بالبناء، فصار كثوب موضوع في الدار إلا أنا استحسنا وقلنا بالدخول بحكم العرف؛ لأن العرف فيما بين الناس أن بائع الدار لا يمنع المفتاح عن المشتري ويسلمون الدار بتسليم المفتاح، فإنما دخل المفتاح من غير ذكر بحكم العرف والقفل ومفتاحه لا يدخل، والسلم إن كان متصلاً بالبناء يدخل سواء كان من خشب أو مدر، فإن كان غير متصل بالبناء لا يدخل، والسرر نظير السلاليم.

(6/311)


وإذا اشترى رحا ماء يدخل في البيع من آلاته ما كان متصلاً بالبناء من غير ذكر؛ لأنه كالبناء فعلى هذا الحجر الأسفل يدخل تحت البيع من غير ذكر؛ لأنه متصل بالبناء، فكان كالبناء، والحجر الأعلى لا يدخل قياساً؛ لأنه غير مركب بالبناء ألا ترى أنه يمكن رفعه من غير أن يحتاج فيه إلى نقض شيء من البناء. وفي «الاستحسان» يدخل؛ لأن الرحا اسم لبيت فيه حجر دوارة، فالدوارة فيه الحجر الأعلى، فإذا كان اسم الرحى ثبت بالأعلى كان الأعلى وما يديره من البكرة داخلاً تحت اسم الرحى.

وعلى هذا إذا اشترى طاحونة، فالحجر الأسفل يدخل من غير ذكر، والأعلى لا يدخل قياساً واستحساناً. وإذا كان درج في الدار من خشب أو ساج أصلها في البناء، فإنها تدخل في بيع الدار من غير ذكر، ولو لم يكن في بناء........... فهو للبائع وهذا مثل السلم. ولو كان في البيت باب موضوع لا يدخل في البيع من غير ذكر.
في «المنتقى» وفي «العيون:» اشترى داراً واختلفا في بيت منها، فإن كانت الدار في يد المشتري، فالقول فيه قوله سواء كان الباب معلقاً أو موضوعاً، وإن كانت الدار في يد البائع، فإن كان الباب موضوعاً فيه فالقول قول البائع، وإن كان معلقاً فالقول قول المشتري.

وفي «النوازل» : إذا اشترى داراً واختلفا في باب الدار فقال البائع: لم يدخل في البيع، وقال المشتري: دخل، فإن كان الباب متصلاً بالبناء، فالقول قول المشتري سواء كان الدار في يد البائع أو في يد المشتري؛ لأن الباب من جملة الدار، وإن كان غير متصل بالبناء بل كان موضوعاً في الدار، فالقول قول من كان الدار في يده؛ لأن الباب ليس من جملة الدار ههنا. بقي الاختلاف في الملك، فيكون القول قول صاحب اليد، وهذه المسألة غير مسألة «العيون» .
وفي «المنتقى» : إذا قال لغيره: بعتك هذا البيت وما أغلق عليه بابه من المتاع للمشتري، وهذا يقع على حقوقه كأنه قال: بعتك بحقوقه، قال هشام: قلت لأبي يوسف: إن قال له: بعتك بما فيه من شيء، قال: هذا على حقوقه أيضاً، وإن قال على ما فيه من المتاع، فهذا جائز على ما فيه من المتاع.

نوع آخر
باع من آخر حانوتاً وباب الحانوت من.... يغلق ويفتح وينزع..... دخل الألواح تحت البيع، سواء باع الحانوت بمرافقه أو لم يبعه بمرافقه؛ لأن ألواح الحانوت مركبة بالحانوت معنى، هكذا ذكر في «المنتقى» .

ولو كان على الحانوت ظلة في السوق كما يكون في الأسواق، فإن كان باع الحانوت بمرافقه دخل الظلة؛ لأن الظلة من مرافقه، وإن كان باعه مطلقاً فالظلة لا تدخل.

(6/312)


وذكر في «العيون» : إذا اشترى حانوتاً فالألواح للبائع، والصحيح ما ذكرنا أن الألواح للمشتري ويدخل مفتاح الحانوت في البيع من غير ذكر استحساناً لما قلنا في مفتاح الدار.
وكوز الحداد للمشتري وكوز الصائغ للبائع؛ لأن الأول مركب، والثاني لا، قال في «المنتقى» : وكوز الحداد بمنزلة أتون الأجر وورق الحداد الذي منع فيه للبائع، وقدر من النحاس يطبخ فيه الحنطة السويق أو للصباغين يطبخ فيه الصبغ، أو للقصارين يوضع فيها الثياب للبائع، هذا كان معلاه السواقين من طين دخلت في البيع، وقد ذكرنا قبل هذا رواية محمد رحمه الله في القدر من النحاس إذا كان موصولاً بالأرض أنه يدخل في بيع البيت.
والصندوق المثبت في البناء أو حالهم و.............. أو المنفعة في البناء لا يدخل، وليست هذه الأشياء من متاع الدار ولا من حقوقها، وكذلك جذع القصار الذي زيد عليه الثوب لا يدخل في البيع؛ لأن هذا ليس من حقوق الحانوت ويستوي في هذه المسائل إن ذكر الحانوت مطلقاً أو بمرافقه أو حقوقه؛ لأن هذه الأشياء ليست من حقوق الحانوت ومرافقه، إنما هذا من حقوق التجارة أو الفعلة والعمال. وقدر الحمام يدخل في البيع من غير ذكر، والقصاع لا تدخل، وإن ذكر الحقوق ... ألقي على الأولاد ليست في البناء للبائع.
وإذا اشترى حانوتاً أو داراً ووجد في جذع منه دراهم فإن قال البائع: إنها لي فالقول قول البائع؛ لأنا عرفناها في يده، وإن قال: ليس لي فحكمها حكم اللقطة؛ لأنه لم يعرف لها مالك.
ومن هذا الجنس إذا اشترى داراً أو حانوتاً فانهدم حائط منها فوجد فيه رصاصاً أو صاجاً أو خشباً إن كان من جملة البناء كالخشب الذي تحت الجدار يوضع ليبتنى عليه ويسمى سبح بالفارسية فهو للمشتري، وإن كان مودعاً فيه فهو للبائع.

نوع آخر
إذا باع أرضاً أو كرماً ولم يذكر الحقوق ولا المرافق ولا ذكر بكل قليل أو كثير، فإن يدخل تحت البيع باركب للتأبيد.... والأشجار والأبنية؛ لأن هذه الأشياء بمعنى الأرض إذ ليس لنهايتها مدة معلومة، وما يعلم مدة نهايته فهو للتأبيد كالأرض، فإنها ذات نهاية ولكن لما لم يكن لنهايتها مدة معلومة..... كانت للتأبيد، فإذا كانت هذه الأشياء للتأبيد كانت كالأرض من كل وجه، فيدخل تحت بيع الأرض من غير ذكر، فأما الزرع والثمر لا يدخلان في البيع. والقياس: أن يدخل متصل بالأرض اتصال قوام والثمر متصل بالشجر إيصال قوام، فكان كالأشجار مع الأرض إلا أنا استحساناً وقلنا: بأنهما لا يدخلان لقوله عليه السلام: «من باع نخلاً مؤبراً فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع» والزرع مثل

(6/313)


التمر من حيث إن لكل واحد منهما غاية معلومة، فالنص الوارد في الثمر يكون وارداً في الزرع دلالة، والمعنى في ذلك: أن لقطعهما غاية معلومة وما لنهايته غاية معلومة.
وإن ذكر في بيع الأرض الحقوق أو المرافق لا يدخل الزرع والثمار أيضاً؛ لأنهما ليسا من جملة حقوق الأرض ومرافقه، وإن قال: بعتها بكل قليل وكثير هو منها وفيها، إن قال: في أثرها من حقوقها، أو قال: من مرافقها، فالثمار والزرع لا يدخلان، وإن لم يقل: في آخرها من حقوقها ومرافقها يدخلان في البيع، وذكر الحاكم أحمد السمرقندي في «شروطه» : أنه إذا ذكر في بيع الضيعة والنخيل كل حق يدخل الزرع والثمر في البيع قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ولم يذكر كل قليل وكثير، وهكذا ذكر الناطفي أن بذكر الحقوق والمرافق يدخل الزرع والثمر في بيع الأرض.

وفي «المنتقى» عن أبي يوسف برواية ابن سماعة عن محمد: أن الثمر والزرع لا يدخل بذكر الحقوق والمرافق. وإذا قال: بكل قليل أو كثير هو منها أو فيها يدخل استحساناً. وروى ابن أبي (44ب3) مالك عن أبي يوسف أنه يدخل الزرع والثمر في الألفاظ كلها، وذكر شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده في آخر شرح المزارعة الكبيرة أنه إذا قال في بيع الضيعة: بكل قليل وكثير فيها على رواية كتاب الشرب لا يدخل الزرع والثمر في البيع. وهكذا ذكر في «المنتقى» عن محمد؛ لأن الزرع ليس من الأرض، وعلى رواية كتاب الشفعة والمزارعة يدخل.
وإن قال بكل قليل وكثير هو فيها يدخل جميع ما فيها من الثمر والزرع والبقل والرياحين وغير ذلك، وإن كان فيها زرع قد حصدت أو ثمار قد جزت لا يدخل في البيع، قال ابن أبي مالك: سمعت أبا يوسف قال: هما سواء، ويدخل الثمر في البيع.

وفي «شرح القدوري» وشرح القاضي الإمام الإسبيجابي: أن الزرع إنما لا يدخل في بيع الأرض من غير ذكر، إذا لم يثبت بعد، وصار له قيمة يدخل، ثم إن محمداً رحمه الله ذكر أن الشجرة تدخل في بيع الأرض من غير ذكر، ولم يفصل بين المثمرة وغير المثمرة، ولا بين الصغيرة والكبيرة، فمن مشايخنا من فصل بين المثمرة وغير المثمرة، فقال: المثمرة تدخل من غير ذكر وغير المثمرة لا تدخل، وذهب في ذلك إلى أن غير المثمرة بمعنى الزرع لنهايتها مدة معلومة كما للزرع، فأما المثمرة فليس لنهايتها مدة معلومة، فكان مؤبداً، فكان كالأرض، ومنهم من قال: الشجرة الكبيرة إذا كانت مثمرة تدخل من غير ذكر، وإذا كانت غير مثمرة لا تدخل، والصغيرة لا تدخل إلا بالذكر مثمرة كانت أو غير مثمرة؛ لأن الصغير لقطعها مدة معلومة عند الناس مثمرة كانت أو غير مثمرة، فإنها تقلع وتنقل من موضع إلى موضع، ولمدة ذلك وقت معلوم بين الناس، وكذلك الكبيرة المثمرة هي مثمرة لقلعها مدة معلومة بين الناس، فصار كالزرع بخلاف الكبيرة المثمرة، ومنهم من قال: الكل يدخل من غير ذكر وهذا أصح؛ لأن غير المثمرة ليس لنهايتها مدة معلومة بل تتفاوت بتفاوت الأراضي تفاوتاً فاحشاً صغيرة كانت أو كبيرة بمعنى الكبيرة المثمرة.

(6/314)


وأما قوائم الخلاف هل يدخل في بيع الأراضي من غير ذكر؟ من المشايخ من قال: لا يدخل وألحقها بالثمرة؛ لأن لنهايتها مدة معلومة، ومنهم من قال تدخل؛ لأن مدة نهايتها تتفاوت بتفاوت الأراضي تفاوتاً فاحشاً، فصار بمنزلة الأشجار المثمرة وهو الأقيس.
وأما الورد والآس لا يدخلان في البيع من غير ذكر؛ لأن لنهايتها مدة معلومة لا تتفاوت إلا يسيراً، فصارت كالثمرة، فأما أصلهما (فيدخل) في البيع من غير ذكر؛ لأنه ليس لنهايتها مدة معلومة، فكانت بمنزلة سائر الأشجار، هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الشفعة. وفي «العيون» : أن أصل الآس لا يدخل؛ لأنه بمنزلة الثمر؛ لأنه يقطع كذلك.

وأما القطن فلا يدخل في البيع من (غير) ذكر وهو كالثمرة. وأما أصلها فقد قالوا: لا يدخل وهو الصحيح؛ لأن لنهايتها مدة معلومة، فإن بعد ما فرغ من القطن يقطع، ومنهم من قال: يدخل؛ لأن مدة قطعها يتفاوت بتفاوت الأراضي، فإن في بلاد الحر لا يقطع إلا بعد سنين وفي بلادنا يقطع في كل سنة.
وشجرة الباذنجان لا تدخل في بيع الأرض من غير ذكر، هكذا ذكر الحاكم أحمد السمرقندي في «شرحه» ، وعلى قياس مسألة القطن يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ. وأما الكراث والقت وفارسية: تيبست والرطبة فما كان على وجه لا يدخل في البيع من غير ذكر كالزرع والثمر؛ لأن لنهايتها مدة معلومة، وأما أصول هذه الأشياء وهي ما كان مغيباً في الأرض، فمنهم من قال: لا يدخل؛ لأن لنهاية الأصول مدة معلومة فيما بين الناس فصار كالزرع، ومنهم من قال: يدخل؛ لأن نهاية هذه الأشياء تتفاوت تفاوتاً فاحشاً بتفاوت الأراضي، فصار كالأشجار وصار الأصل أن ما كان لقطعه مدة معلومة ونهاية معلومة فهو بمنزلة الشجر فيدخل تحت بيع الأرض من غير ذكر.

والزعفران لا يدخل من غير ذكر وكذلك أصله، ذكر في «العيون» لأنه يقطع كذلك وصار كالثمرة، والقصب لا يدخل في بيع الأرض من غير شرط، والفرو يدخل؛ لأن الفرو شجر؛ لأن له ساق ولا يقطع أصله حتى كان شجراً يدخل تحت بيع الأرض من غير ذكر، وما لم يكن بهذه الصفة لا يدخل تحت بيع الأرض من غير ذكر؛ لأنه بمنزلة الثمرة.
وإذا باع أرضاً وفيها حطب ثابت لا يدخل في بيع الأرض من غير ذكر، ذكره في «العيون» وفي «البقالي» عن أبي حنيفة في الخلاف والحطب والقصب والطرف وأنواع الخشب أنها للمشتري. وروى بشر عن أبي يوسف أن القصب للبائع. وفي «المنتقى» : أن الشوك لمن أخذه بخلاف الحطب، ذكر شيخ الإسلام في شرح المزارعة الكبيرة أن الشجر الذي ذكره محمد في الكتاب أنه يدخل في بيع الأرض من غير ذكر شجر يغرس للبقاء، أما الشجر الذي يغرس للقطع كشجر الحطب وغيره لا يدخل في البيع من غير ذكر.
وفي «فتاوي أهل سمرقند» : إذا اشترى أرضاً وفيها أشجار تقطع في كل ثلاث سنين

(6/315)


إن كان يقلع من الأصل فهو للمشتري؛ لأنه شجر وهو الشجر الصغير الذي يباع في السوق في فصل الربيع، وإن كان يقطع من وجه الأرض فهو للبائع؛ لأنه بمنزلة الثمر.
ولا يدخل في بيع الأرض شربه وطريقه إلا إذا ذكر ذلك نصاً أو دلالة بأن قال: بجميع حقوقها أو قال بمرافقها، وإذا اشترى أرضاً ونخلاً وليس لها شرب وهو لم يعلم بذلك فله الخيار، هكذا ذكر في «المنتقى» .
وفي «العيون» : اشترى نخلة في أرض بطريقها في الأرض ولم يبين موضع الطريق وليس إليها طريق يعني من ناحية معروفة. قال أبو يوسف: الشراء جائز ويأخذ إلى النخلة طريقاً من أي ناحية أحب؛ لأن هذا مما لا يتفاوت حتى (إن) كان متفاوتاً كان البيع باطلاً، وعن محمد رحمه الله: أن البيع باطل ما لم يبين الطريق لمكان الجهالة. وفي «فتاوي الفضلي» : إذا اشترى اشترى أرضاً ... وبين والأرض مسناة وعلى المسناة أشجار، وجعل أحدهما حدود الأرض إلا قذف دخل المسناة وما عليها من الأشجار تحت البيع؛ لأنه جعل المسناة في البيع فيكون من جملة المحدود.

وقال في «المنتقى» : وإذا (اشترى) نخلة فهذا على الجذع، ولا يكون بأرضها واعلم بأن شراء الشجرة من ثلاثة أوجه: إما أن يشتريها للقلع بدون الأرض، وفي هذا الوجه يؤمر المشتري بقلعها بعروقها، وأصلها يدخل في البيع، وليس له أن يحفر الأرض إلى ما يتناهى إليه العروق، ولكن يقلعها على ما عليه العرف والعادة إلا إذا شرط البائع القلع على وجه الأرض أو يكون في القلع مضرة للبائع، نحو أن يكون بقرب الحائط أو ما أشبه ذلك، فحينئذ يؤمر المشتري أن يقطعها على وجه الأرض، فإن قلعها أو قطعها ثم نبت من أصلها أو عرقها شيء، فالنابت للبائع، وإن قطع من أعلى الشجرة فما نبت يكون للمشتري.

وأما إذا اشتراها مع قرارها من الأرض، فإنه لا يؤمر المشتري بقلعها، ولو قلعها فله أن يغرس مكانها أخرى.
وأما إذا اشتراها ولم يشترط شيئاً، فعند أبي يوسف رحمه الله: الأرض لا تدخل في البيع، وعند محمد: تدخل، وله الشجرة مع قرارها من الأرض هذه الجملة في بيوع «شرح الطحاوي» .
g
وأجمعوا أن ما تحت الشجرة من الأرض يدخل في القسمة.
وفي «كتاب العيون» : في باب بيع الشجرة قبل كتاب الرهن: أن دخول الأرض في الوصية الشجرة على الاختلاف الذي ذكرنا في البيع. قال: والهبة والصدقة كالوصية.
وذكر شيخ الإسلام في كتاب القسمة: أن ما تحت الحائط من الأرض يدخل في الإقرار والقسمة والبيع، وذكر في «المنتقى» أيضاً: أن ما تحت الحائط من الأرض يدخل في بيع الحائط، والمذكور في «المنتقى» إذا باع حائطاً من دار فهذا بأرضه، قال: لأن

(6/316)


الحائط (45أ3) بغير الأرض لا يسمى حائطاً.
وفي «المنتقى» أيضاً: وقال أبو حنيفة في الحائط: هو له بأصله، وفي النخلة يقلعها بأصلها في البيع والهبة كل شيء، وقال أبو يوسف: مثل ذلك إلا أنه قال أستحسن في الشجرة أن له بأصلها فصار حاصل الجواب في الشجر أن على قول أبي حنيفة لا تدخل الأرض في بيع الشجرة، وعند محمد تدخل، وعن أبي يوسف روايتان، قال الصدر الشهيد: والفتوى في مسألة البيع على أن الأرض تدخل، وفي أي موضع دخل ما تحت الأرض من الشجر، فإنما يدخل بقدر غلظ الشجرة وقت مباشرة ذلك التصرف، حتى لو ازدادت الشجرة غلظاً تحت الأرض كان لصاحب الأرض أن يسحب ولا يدخل تحت الأرض ما يتناهى إليه العروق والأغصان وعليه الفتوى.
وفي «المنتقى» إذا قال لغيره: بعت منك هذه المبطخة فهذا على البطيخ إذا كان فيه بطيخ، وكذلك المنقلة إذا كان فيه نقل، وكذلك هذه الرطبة ولو قال بعتك هذا الكرم أو هذا النخيل، فهذا على الأرض. قالوا: وأراد بالنخيل البستان أو الذي يقال له بالفارسية در خبيان.
فقد حكينا قبل هذا رواية «المنتقى» : أن من اشترى نخلة فهذا على الجذع ولا يكون بأرضها، وإذا قال: بعتك هذا الكرم أو هذا النخيل وفيه تمر أو عنب فإني أنظر إلى الثمن فإن كان ثمناً للعنب أو التمر فهو على العنب (والتمر) ، وإن كان ثمناً للنخيل والكرم (فهو على النخيل والكرم) ذكره في «المنتقى» : ولم ينسبه إلى أحد.
وهو نظير ما ذكر في دعوى «العيون» : إذا اشترى الرجل من آخر مزبلة بمائة درهم ثم اختلفا قال المشتري: إنما اشتريت منك الأرض وقال البائع: بعتك الكناسة بحكم الثمن إن كان مثل ذلك الثمن يكون للأرض قضيت ببيع المزبلة دون الأرض.

في «نوادر ابن سماعة» : عن أبي يوسف إذا قال لغيره: بعتك كرمي هذا، أو قال: بستاني هذا فهذا على الكرم بأصله والبستان بأرضه، فإن كان في البستان أو النخيل أو الكرم تمر فهذا كله على تمر البستان والنخيل والكرم ولم يقل ينظر إلى الثمن كما في المسألة المتقدمة.
وفي «المنتقى» : رواية مجهولة إذا قال لغيره: بعتك قريتي التي يقال لها كذا وكذا ولم يسم حدودها فهو على موضع القرية البناء والبيوت دون المحرث.
ولو باع قرية أخرى بجنبها فقال بعتك هذه القرية أحد حدودها أو الثاني أو الثالث أو الرابع قرية البائع تدخل أرض هذه القرية التي لم يبعها في أرض القرية التي باعها مما يليها، وإن قال: أحد حدود هذه القرية أرض قرية كذا لم تدخل فيه أرض القرية التي لم يبعها.
وفي «فتاوي أهل سمرقند» : إذا اشترى كرماً وفيه ورق التوت والورد وذكر حقوقها لا يدخل ذلك في البيع؛ لأنه بمنزلة الثمر، وقد ذكر الكلام في دخول الثمر في البيع بذكر الحقوق وما فيه من الاختلاف ففي ورق التوت والورد يكون كذلك.

(6/317)


وفيها أيضاً: اشترى شجرة بعروقها وقد نبت من عروقها أشجار، فإن كانت الأشجار النابتة بحيث لو قطعت شجرة الأصل يبست صارت مبيعة وإلا فلا؛ لأنها إذا كانت تيبس بقطع الشجرة كانت نابتة من هذه الشجرة، فكانت مبيعة.
ذكر في «النوازل» وفي «فتاوي الفضلي» : أن من اشترى أشجاراً وعليها ثمار إلا أنها بحال لا قيمة لها فإنها للمشتري. وذكر فيه أيضاً: علة المسألة فقال: لأن بائعها لو قصد بيعها على الإنفراد لا يجوز، وفي الجواب نظر وفي التعليل كذلك، وينبغي أن تكون الثمار للبائع لما ذكرنا قبل هذا، وبيعها على الانفراد جائز هو الصحيح على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وفي «فتاوي أبي الليث» : رجل باع كرماً بمجرى مائة وكل حق له، ومجرى مائة في سكة بينه وبين رجلين وعلى ضفة النهر أشجار، فإن كان المجرى ملك البائع فالأشجار للمشتري؛ لأن رقبة المجرى دخلت تحت البيع، فدخلت الأشجار تبعاً، وإن لم يكن المجرى ملك البائع لكن له حق المسيل، فالأشجار للبائع؛ لأن رقبة المجرى لم تدخل تحت البيع فلا تدخل الأشجار تبعاً لو دخلت دخلت أصلاً باسمها ولم يوجد.

نوع آخر
اشترى من آخر جارية وعليها ثيابها التي يباع مثلها دخل الثياب تحت البيع بحكم العرف وإنما تدخل ثياب مثلها إن شاء البائع أعطاها الذي عليها، وإن شاء أعطاها غير ذلك؛ لأن الدخول بحكم العرف والعرف في كسوة مثلها لا بعينها هكذا ذكر المسألة في «العيون» .
وليس معنى قوله: دخل الثياب تحت البيع أنه يصير للثياب حصة من الثمن بل لا يصير حتى لو استحق شيء من الثياب من يدي المشتري أو وجد المشتري بالثياب عيباً لا يرجع بشيء من الثمن في فصل الاستحقاق ولا يرد الثياب بالعيب في فصل العيب، وإنما معناه أن للمشتري أن يطالب البائع بذلك.
وكذلك إذا وجد بالجارية عيباً ردها، وإن لم يجد بالثياب عيباً، وذكر هذه المسألة في «النوازل» ووضعها في الغلام، فقال: إذا باع غلاماً وعليه ثياب دخل الثياب في العقد، ولو استحق ثياب الغلام لا يرجع المشتري على البائع؛ لأن الثياب لم تدخل تحت البيع حتى يصير له حصة من الثمن، فيردها بالعيب ويرجع ببعض الثمن عند الاستحقاق، ولكن للمشتري مطالبة البائع بذلك؛ لأن البائع صار مملكاً ذلك من المشتري تبعاً للبيع عرفاً، ولو وجد بالغلام عيباً رده؛ لأن الثياب ليست بمبيعة ليمتنع رد الجارية بالعيب.

وفي «النوازل» أيضاً: إذا باع حماراً دخل العذار وهو الذي بالفارسية فسار في البيع بحكم العرف، وإذا باع حماراً موكفاً دخل الإكاف والبردعة في البيع بحكم العرف، وإذا لم يكن عليه بردعة ولا إكاف دخل البردعة والإكاف أيضاً، كذلك اختاره الصدر الشهيد، وإذا كان موكفاً ودخل الإكاف والبردعة لا يكون له حصة من الثمن على نحو ما ذكرنا في

(6/318)


ثياب الجارية والغلام وبعض المشايخ قالوا: إذا كان على الحمار إكاف وبردعة دخل الإكاف، وإذا كان عرياناً لا يدخل شيء من ذلك في البيع.
وهذا القائل يفرق بين الحمار والجارية، والغلام والجارية، والغلام إذا بيع ليس عليه ثياب يدخل ثياب مثله في العقد؛ لأن الغلام والجارية لا يباعان عرياناً عادة بخلاف الحمار، فإنه يباع عرياناً عادة كما يباع مع البردعة والإكاف.
ولم يذكر في شيء من الكتب ما إذا باع فرساً وعليه سرج، قيل: وينبغي أن لا يدخل السرج في البيع إلا بالتنصيص عليه أو يكون الثمن شيئاً كثيراً لا يشترى ذلك الفرس عادة بمثل ذلك الثمن (إلا) مع مثل ذلك السرج؛ لأن العادة ما جرت ببيع الفرس معه ولا كذلك ببيع الحمار وبيع الغلام والجارية.
قال هشام: سألت أبا يوسف: عن رجل باع جاريته وعليها قلب فضة أو قرطان ولم يشترط ذلك والبائع ينكر، قال: لا يدخل شيء من الحلي فهو لها، وإن سكت عن طلبه وهو يراه فهو بمنزلة ما لو سلم ذلك.

وفي صلح «فتاوي الفقيه أبي الليث» رحمه الله: عبد له مال باعه المولى مع ماله قال: إن لم يسم ماله، فالبيع فاسد، قوله: إنه باع العبد مع ماله ولكن لم يبين مقداره، وأما إذا باع العبد وسكت عن ذكر المال، فالبيع يكون جائزاً ويكون المال للبائع وهو الصحيح، ولو كان باعه مع ماله وسمى أي سمى مقدار ماله ينظر إن كان ثمن العبد من جنس ماله بأن كان مال العبد دراهم وثمن العبد أيضاً دراهم أو كان مال العبد دنانير وثمن العبد دنانير لابد، وأن يكون الثمن زائداً على مال العبد ليكون بإزاء مال العبد من الثمن قدره والباقي (45ب3) يكون بإزاء العبد، فأما إذا كان ثمن العبد أقل من مال العبد أو مثله لا يجوز وإن كان ثمن العبد من خلاف جنس مال العبد بأن كان ثمن العبد دراهم ومال العبد دنانير أو على العكس يجوز كيف ما كان ثمن العبد، ولكن يشترط قبض حصة الصرف في المجلس، فإن افترقا قبل القبض بطل العقد بحصة الصرف وبقي بحصة العبد، ولو كان مال العبد ديناً أو كان بعضه ديناً فالعقد فاسد.
وفي «القدوري» : إذا اشترى سمكة فوجد فيها لؤلؤة فهي للمشتري.
ولو اشترى دجاجة فوجد فيها لؤلؤة فهي للبائع.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: إذا اشترى سمكة فوجد في بطنها سمكة أخرى فهما جميعاً للمشتري، ولو وجد في بطنها لؤلؤة فهي للبائع؛ لأن هذا مما لا يأكل السمك، قالوا: أراد بقوله فهي للبائع يأخذها وتكون لقطة في يده.
قال: ولو وجد في بطنها صدف فيه لحم وفي اللحم لؤلؤة كما يكون في الأصداف فهي للمشتري؛ لأن هذا مما يأكل السمك له. قال: ألا ترى أنه لو اشترى رجل من رجل أصدافاً ليأكل ما فيها من اللحم فوجد في بطنها لؤلؤة في اللحم أن ذلك له؛ لأنها خلقة في اللحم من الصدف قال: ولا يشبه هذا اللؤلؤة المنزوعة في بطن السمك.

وفي «نوادر هشام» قال: سألت محمداً عمن باع الصدفة كما هو قال: البيع جائز

(6/319)


واللؤلؤة يعني للبائع ما لم يسم اللؤلؤة، وإن اشتراها بدرهم وهي ثمن أكثر من ألف درهم وهذا يخالف رواية ابن سماعة رحمه الله.
وعن محمد رحمه الله برواية ابن رستم: لو اشترى سمكة ووجد في بطنها عنبرة فهي للمشتري؛ لأنها طعامها وهي حشيش يأكل السمك في البحر والله أعلم.