المحيط البرهاني في الفقه النعماني

الفصل الحادي عشر: في الزيادة في الثمن وازديادهما في الحط والإبراء عن الثمن وفي هبة الثمن من المشتري
هذا الفصل يشتمل على أنواع:

نوع منه في الزيادة المتولدة من المبيع.
كل زيادة تولدت من نفس المبيع كالولد والثمر واللبن فهي مبيعة، فإن حدثت قبل

(6/471)


القبض كان لها حصة من الثمن على اعتبار القبض، فإن ورد القبض على الأصل والزيادة قسم الثمن على الأصل يوم العقد وعلى الزيادة يوم القبض، وإن حدثت هذه الزيادة بعد القبض كانت مبيعة بيعاً ولا حصة لها من الثمن أصلاً، وإنما كانت هذه الزيادة مبيعة؛ لأنه يثبت فيها حكم البيع وهو الملك؛ لأن الملك في الأم إنما يثبت بالبيع، والملك في الزيادة إنما يثبت بملك الأم؛ لأن ملك الأصل علة ملك الزيادة بثبوت الملك في الزيادة بواسطة ثبوت الملك في الأصل مضافاً إلى البيع.
فهي معنى قولنا: أن الزيادة صارت مملوكة بالبيع فصارت مبيعة بيعاً بمنزلة أطراف المبيع فلا يكون لها حصة من الثمن؛ لأن الثمن تقابل الأصول وإنما يقابلها الثمن إذا صارت مقصودة بفعل محلها وهو القبض فعل مقصود وله شبه بالعقد من حيث أن العقد يثبت ملك الرقبة وباليد يثبت ملك التصرف، فإذا حل بالولد يصير للولد حصة من الثمن إما بدونه لا يكون للولد حصة من الثمن، حتى لو هلكت الزيادة في يد البائع هلكت بغير شيء؛ لأن القبض قد انعدم فيها فلم يصر بمقابلتها شيء من الثمن ولا خيار للمشتري بسبب هلاك الزيادة في يد البائع إلا في ولد الجارية خاصة؛ لأن الولادة عيب فيها فيثبت الخيار لنقصٍ في الأم دون هلاك الولد.

وإذا ورد القبض على الأصل والزيادة قسم الثمن على الأصل والزيادة ويعتبر في الانقسام قيمة الأصل يوم العقد وقيمة الزيادة يوم القبض؛ لأن الأصل صار مقصوداً بالعقد والزيادة صارت مقصودة بالقبض، والثمن إنما يقابل ما هو مقصود فاعتبرنا قيمة الأصل يوم القبض.
لهذا ولو أتلف البائع الزيادة المتولدة من المبيع قبل القبض سقطت حصته من الثمن يقسم الثمن على قيمة الأصل يوم العقد، وعلى قيمة التمام يوم الاستهلاك؛ لأن التمام مبيع وقد صار مقصوداً بالاستهلاك فيثبت له حصة من الثمن كما لو استهلك جزء من المبيع، وإنما اعتبر قيمة التمام يوم الاستهلاك؛ لأنه إنما صار مقصوداً بالاستهلاك.
ولو استهلك التمام أجنبي ضمن قيمته وكانت مع الأصل مبيعاً، لكون البدل قائماً مقام الأصل ولا خيار للمشتري إلا في ولد الجارية لما مر، ولو استهلك البائع التمام بطلت حصته على ما بينا ولا خيار للمشتري في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد: له الخيار؛ لأن التمام بالاستهلاك صار مقصوداً ولهذا أخذ حصته من الثمن فصار كالموجود لدى العقد، وعلى هذا الاعتبار تتفرق الصفقة على المشتري بالاستهلاك قبل التمام وذلك يثبت الخيار.

ولأبي حنيفة إن هذه الزيادة لو هلكت بنفسها، للمشتري خيار، فإذا استهلكها أولى؛ لأن البائع بالاستهلاك حصل للمشتري يقع لم يحصل بالهلاك وهو سقوط الحصة وهذا؛ لأن الرغبة في الأصل يزداد باستهلاك الزيادة ولا يتقاصر؛ لأنه لما رغب في أن يسلم له الأصل بكل الثمن، (76ب3) فإذا سلم له الأصل ببعض الثمن كانت الرغبة أزيد بخلاف الزيادة الموجودة لدى العقد؛ لأن الرغبة هناك تحمل بفوات الزيادة؛ لأن

(6/472)


الإنسان قد يرغب في التزام الثمن بمقابلة الشيء لرغبة له فيما ضم إليه، فإذا فات المضموم تحصل الرغبة، ولهذا استوى فيه الهلاك بخلاف ما نحن فيه.

ولو اشترى أرضاً ونخلاً فأثمرت النخلة في يد البائع، ثم استهلك البائع الثمرة، فإن عند أبي يوسف يأخذ الثمرة الحصة من النخل، وعند محمد: يأخذ الثمرة والنخلة الحصة من الأرض.
وبيانه: إذا كانت الأرض تساوي ألفاً والثمر يساوي ألفاً، فإن عند أبي يوسف يقسم الثمن نصفين على الأرض والنخل، ثم ما أصاب النخل يقسم نصفين فيسقط الربح، وعند محمد يقسم أثلاثاً فيسقط الثلث.

نوع منه في الزيادة المشروطة
اعلم أن الزيادة في الثمن والمثمن صحيحة ثمناً ومثمناً ويلحق بأصل العقد ويجعل كأن العقد على الابتداء.
ورد على الأصل والزيادة وهو مذهب علمائنا الثلاثة، وعند زفر لا يصح ثمناً ومثمناً إنما يصح هبة مبتدأة حتى لا يتم إلا بالتسلم والتسليم وقال الشافعي: لا يصح أصلاً.
والصحيح مذهب علمائنا الثلاثة رحمهم الله: أن الزيادة تصرف في العقد بتغييره من وصف مشروع وهو وصف كونه خاسراً إلى وصف مشروع وهو وصف كونه عدلاً أو رائجاً؛ لأن العقد قد يقع خاسراً من أحد الجانبين رائجاً من الجانب الآخر، وبأن كان أحد البدلين أكثر مالية، والزيادة على ما عليه الغالب، والظاهر إنما يشترط لمن وقع العقد خاسراً من جانبه، والعقد يقبل هذا النوع من التغير إذ ليس فيه أكثر من أن يصير بعض الثمن بمقابلة الزيادة بعد أن كان كله بمقابلة الأصل ومن أن يصير بعض المبيع بمقابلة الزيادة بعد أن كان كله بمقابلة أصل الثمن، والعقد قابل لذلك.
ألا ترى أن في الزيادة المتولدة من المبيع قبل القبض إذا قبضها المشتري يأخذ قسطاً من الثمن ويصير بعض الثمن بمقابلة الزيادة بعد أن كان كله بمقابلة أصل المبيع.
وكذلك الزيادة المتولدة من الثمن إذا ثبت أن العقد قابل لهذا النوع من التغير وجب القبول بتصحيح الزيادة ثمناً ومثمناً دفعاً للخسران من جانب المشروط له الزيادة يبقي هذا القدر أن الثمن لا بد له من مثمن هو ملك الغير.

وكذلك المثمن لا بد له من ثمن هو ملك الغير، ولكن الجواب عنه أن أصل الثمن لا يستغني عن المقابلة، وكذلك أصل المثمن، فأما فضول الثمن والمثمن يستغني عن المقابلة ويكتفي بصورة المقابلة فيه.
ألا ترى لو باع عبداً قيمته ألف درهم بألفي درهم يجوز وفي حق الألف الزائد لا مقابلة من حيث الحقيقة إنما الثابت المقابلة صورة.
وفي مسألتنا وجد صورة المقابلة فيكتفي بها لصحة الزيادة ثمناً ومثمناً وشرط صحة الزيادة من المشتري في الثمن في ظاهر الرواية بقاء المبيع وكونه محلاً للمقابلة في حق المشتري حقيقة.

(6/473)


وروى الحسن عن أبي حنيفة أن أشياء من ذلك ليس بشرط حتى أن على رواية الحسن تصح الزيادة بعد هلاك المبيع في ظاهر الرواية لا تصح، وروي عن محمد أن شرط صحة الزيادة كون المبيع قابل للمقابلة في نفسه لا كونه قابلاً للمقابلة في حق المشتري حتى أن على الرواية هذه تصح الزيادة من المشتري في الثمن بعد ما باع المشتري المبيع أو وهب وسلم أو تصدق وسلم؛ لأن المبيع بقي محلاً للمقابلة في نفسه، وفي ظاهر الرواية لا تصح الزيادة؛ لأن المبيع لم يبق محلاً للمقابلة في حق المشتري.

والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية؛ لأن طريق تصحيح الزيادة في الثمن تغيير العقد والعقد بعد هلاك المعقود عليه لا يقبل التغيير؛ لأن التغير يرد على الموجود والعقد كلام كما وجد تلاشى وانعدم، وإنما جعل باقياً ببقاء محله ومحله المبيع ذات محل العقد فلا يبقي العقد فلا يمكن القول بالتغيير.
والجواب عن رواية محمد على ظاهر الرواية: أن الزيادة من المشتري فيشترط محلية المقابلة في حقه.
يوضحه: أن التغيير المقابلة من وصف إلى وصف في معنى إن شاء المقابلة على ذلك الوصف، ثم يشترط الصحة إنشاء المقابلة حقيقة كون المحل قابلاً للمقابلة في حق المنسي لا كونه محلاً للمقابلة في نفسه، فكذا يشترط لصحة إنشاء المقابلة المعنوية كون المحل قابلاً للمقابلة في حق.

إذا اشترى عبداً بأمة وتقابضا وهلك أحدهما، ثم زاد أحدهما للآخر في المبيع جاز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الإقالة تجوز في هذا الوجه.
والأصل عند أبي يوسف: إن ما جازت الإقالة جازت الزيادة فيه، ولو زاد في الثمن بعد ما رهن المبيع أو أجر تصح الزيادة؛ لأن المحل بقي قابلاً للمقابلة حقيقة في حق المشتري وقت شرط الزيادة.
فإن بيع المرهون والمستأجر من المرتهن والمستأجر صحيح نافذ، وإنما لا ينفذ بيعهما من الأجنبي لعجز البائع عن التسليم لحق المرتهن والمستأجر لا؛ لأنه ليس بمحل للمقابلة في حقه.
وكذلك لو زاد المشتري في الثمن بعد ما قطع يد المبيع وأخذ المشتري أرشه صحت الزيادة المنفصلة لا تبطل محلية المقابلة في حق المشتري فلا يمنع الزيادة إلا أنه لا يملك الرد بالعيب لمكان الزيادة المنفصلة؛ لأن بالرد بالعيب ينفسخ العقد فتبقي الزيادة مبيعاً مقصوداً بلا ثمن أما في إثبات الزيادة لا يحتاج إلى الفسخ فلا يؤدي إلى هذا المعنى وهذا تبين أن الطريق المعتبر في تصحيح الزيادة طريقة التغيير لا طريقة الفسخ.
ولو زاد المشتري في الثمن بعد ما كان المبيع لا تصح الزيادة فرق بين الكتابة والرهن حيث جوز الزيادة في المبيع بعد الرهن ولم يجوز بعد الكتابة وكما ثبت للمكاتب يد على نفسه ثبت للمرتهن يد على المرهون.
والفرق: وهو أن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء، وأنه يد الملك لا يد حرية للمملوك

(6/474)


فبقي المرهون محلاً للمقابلة، فأما الكتابة تبطل يد المولى فيظهر للعبد يد حرية على نفسه ليتمكن من الضرب في أرض الله فيبتغي من فضل الله تعالى، فينال شرف الحرية، وبهذا تبطل محلية البيع.

ولهذا لو حلف أن لا يبيع فباع المرهون يحنث في يمينه ولو باع المكاتب لا يحنث هذه الجملة من بيوع «الجامع» .

وفي «القدوري» : وإذا صار المبيع لا يجوز العقد عليه نحو أن يعتقه المشتري أو يستولدها أو يدبر أو يكون عصيراً فيتخمر أو يخرجه المشتري عن ملكه أو يملك، ثم زاده فالزيادة جائزة في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز.
وعلى هذا الخلاف إذا زاد الزوج في مهر المرأة بعد موتها وعلل لأبي حنيفة وقال: أن الزيادة تثبت للحال ربحاً وبيعاً لا أصلاً ومقصوداً، ثم بعد الالتحاق بأصل العقد يثبت المقابلة بين الزيادة والمبيع ويثبت لهذه الزيادة حصة من الثمن ولما كان هكذا يراعي قيام المبيع وكونه محلاً للمقابلة حالة العقد لا حالة الزيادة.
وفي «البقالي» : تجوز الزيادة في المبيع بعد هلاك المبيع بخلاف الزيادة في الثمن في ظاهر الرواية، وهكذا روى ابن سماعة في «نوادره» .
ولو زاد بعد ما صار الخمر خلاً صحت الزيادة بلا خلاف؛ لأن الزيادة تقابل المبيع للحال صورة، ثم إذا التحق بأصل العقد يقابل المبيع معنى، فإن نظرنا إلى حالة المقابلة صورة فالمحل صالح للمقابلة، وإن نظرنا إلى حالة المقابلة معنى فالمحل صالح أيضاً، أما فيما بين ذلك ليس حالة المقابلة صورة ولا حالة المقابلة معنى فيجعل التخمر فيه عفواً.
وإذا اشترى (77أ3) شاة وذبحها ولم يسلخها، ثم زاد في الثمن صحت الزيادة؛ لأن المبيع قائم بعد الذبح والسلخ ولهذا لو كانت مغصوبة لا ينقطع حق المالك بهذه الأشياء هكذا ذكر في «الجامع» .
وفي «المنتقى» رواية مجهولة أنه لا تجوز الزيادة.
وفي «الجامع» أيضاً: ولو اشترى غزلاً وقبضه ونسجه ثوباً، ثم زاد في الثمن بطلت الزيادة؛ لأن بالنسخ صار شيئاً آخر وصار الأول هالكاً ولهذا ينقطع حق المغصوب منه.

ولو اشترى ثوباً فقطعه وخاطه قميصاً، ثم زاده في الثمن صحت الزيادة؛ لأن المبيع هو الثوب والثوب باقي إلا أنه إنما وجب انقطاع حق المغصوب منه باعتبار تعارض الحقين حق الغاصب وحق المغصوب، وترجح حق الغاصب على حق المالك على ما عرف، فأما حق المشتري هنا فلا يعارضه بنفسه فلا يجب الترجيح.
وكذلك إذا اشترى حديداً وضربه سيفاً، ثم زاد في ثمنه صح لما قلنا: أنه حديد كما كان، وإنما ينقطع حق المالك لترجح حق الغاصب على ما مر في مسألة الخياطة.
ولو اشترى حنطة فطحنها، ثم زاد في الثمن شيئاً بطلت الزيادة على ظاهر الرواية؛ لأن الحنطة هلكت، ألا ترى أنه قد زال الاسم والصورة قد تبدلت والمعنى قد هلكت وحدثت معنى آخر فبطلت الزيادة ضرورة، وإذا كانت الزيادة مفسدة للعقد التحقت بأصل

(6/475)


العقد وفسد بها البيع في قول أبي حنيفة.

وقال أبو يوسف ومحمد: لا تصح الزيادة، ثم في موضع تصح الزيادة من المشتري تصح من الأجنبي؛ لأن المشتري لا يملك بمقابلة الزيادة شيئاً لم يكن مملوكاً له فكان الأجنبي في هذا كالمشتري غير أن الزيادة من المشتري تصح بمطلق الإيجاب ومن الأجنبي إنما تصح إذا أضاف الإيجاب إلى ماله أو ذمته أو أضاف الضمان إلى نفسه، أما بدون أخذ هذه الأوصاف لا تصح، وإنما كان هكذا؛ لأن مطلق الزيادة ثمناً إنما يكون على من وقع له الثمن والثمن وقع للمشتري وله ولاية على نفسه فيصح، فأما لا ولاية لأجنبي على المشتري فلا يقع إيجاباً على المشتري بل يقع إيجاباً على الأجنبي فلا يصح إلا على الوجه الذي قلنا:
وهو نظير ما قلنا في الخطاب بالطلاق على مال، أنه يصح من الأجنبي كما يصح من المرأة؛ لأن المرأة بالطلاق بمال لا تملك شيئاً؛ لأن حقها في مالكيتها وحريتها وذلك باقي لكن يبطل به حق كان للزوج، وقد بطل ذلك مع الأجنبي أيضاً لكن يصح من المرأة مطلقاً ومن الأجنبي، لا يصح ما لم يصف الإيجاب إلى مال نفسه أو ذمته.

ثم الزيادة من الأجنبي لا تخلو إما أن تكون مطلقاً أو مقيدة بالثمن، وإما أن تكون مشروطة في العقد أو ملحقة بها، وإما أن تكون الزيادة بأمر المشتري أو بغير أمره، فإن كانت الزيادة مشروطة في العقد فإن كانت بغير أمر المشتري وكانت مطلقة غير مقيدة بالثمن.
وصورتها: رجل ساوم رجلاً له بألف درهم وأبى المالك إلا أن يبيعه بألف وخمسمائة فقال أجنبي لصاحب العبد: بعه إياه بألف على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف فباعه إياه بألف ولم يشرطه شيئاً في البيع فالبيع جائز والخمسمائة التي ضمن الرجل للبائع باطل، وإن كانت مقيدة بالثمن.
وصورتها: إذا قال الأجنبي لصاحب العبد: بعه بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف فباعه إياه جاز ووجب الألف على المشتري والخمسمائة على الأجنبي، وفي مسألة «الجامع الصغير» وإنما جاء الفرق بين المسألتين؛ لأن في المسألة الأولى لا يمكن أن يجعل كلام الأجنبي زيادة في الثمن؛ لأنه قال: على أني ضامن لك خمسمائة سوى هذه الألف والألف هو الثمن فكأنه قال: سوى الثمن فلا يمكن أن يجعل هذا زيادة في الثمن بقي هذا شرطاً للزيادة مطلقاً وشرط الزيادة مطلقاً التزام المال بلا سبب، والتزام المال بلا سبب رشوة حرام.
أما في المسألة الثانية: جعل الخمسمائة من جملة الثمن والثمن اسم لما يستحق بالبيع فخرج به من أن يكون رشوة.

فوضح الفرق بينهما: أن في المسألة الأولى لو كان المشتري هو الذي قال ذلك للبائع لا يلزمه الخمسمائة، وفي المسألة الثانية لو كان المشتري هو الذي قال ذلك للبائع يلزمه الخمسمائة فظهر الفرق بينهما.

وفرق آخر وهو: أنه إذا قال من الثمن فقد أضاف الإلتزام إلى ما بعد الوجوب؛ لأن الثمن اسم للواجب بالبيع وإضافة الكفالة إلى ما بعد الوجوب بل التزم المال في

(6/476)


الحال بشرط أن يبيعه منه بألف درهم وذلك غير صحيح، وفرق أجزائه إذا قال من الثمن فقد جعل المائة بمقابلة المبيع صورة لا معنى، ومثل هذا يصح من العاقد فيصح من الأجنبي، وإذا لم يقل من الثمن فقد جعل الزيادة مقابلاً بفعل البائع وهو البيع والبائع في البيع عامل لنفسه فلا يستوجب به عوضاً على غيره.

فرع
أما إذا قال الأجنبي من الثمن فقال: لو نقد المشتري الألف له أن يقبض المبيع وليس للبائع أن يمتنع عن التسليم لاستيفاء الخمسمائة؛ لأن الخمسمائة لم تثبت ثمناً في حكم يرجع إلى المشتري؛ لأنه لم يلتزمها ولم يأمر الأجنبي بها وإنما يثبت ثمناً في حق الأجنبي وفي حق حكم يرجع إلى الأجنبي، وهذا؛ لأن التزام الأجنبي فيما يتضرر به المشتري غير معتبر ولو وقفنا حق قبض المشتري على نقد الخمسمائة يتضرر به المشتري.
ولو كان المشتري أمر الأجنبي بالضمان والمسألة بحالها كان البيع جائزاً إذا لم يشرط ضمان الخمسمائة في البيع إنما ذكر هذه الزيادة تحرزاً عن البيع بشرط الكفالة، فإن هناك بين العلماء اختلافاً وفيه استحسان، وإذا جاز البيع هنا كان للبائع أن يأخذ الخمسمائة من الكفيل بحكم الضمان يريد به إذا كان الكفيل قال: على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن، وإن أراد البائع أن يطالب المشتري بالخمسمائة لم يكن له ذلك؛ لأن المشتري ما التزمها في ذمة نفسه إنما التزمها الكفيل بأمره فصار الكفيل ههنا بالشراء وهناك ليس للبائع أن يطالب الموكل بالثمن بل يطالب الوكيل كذا ههنا.

فإن نقد المشتري ألف درهم وأراد أن يأخذ المبيع ليس له ذلك حتى يأخذ البائع الخمسمائة من الكفيل بخلاف ما إذا لم يكن المشتري أمر الضامن؛ لأن ههنا الخمسمائة ثمناً في حق المشتري ولهذا الكفيل يرجع على المشتري بذلك وفيما إذا كانت الزيادة بغير أمر المشتري فالزيادة لم تثبت ثمناً في حق المشتري ولهذا لا يرجع الضامن على المشتري بالزيادة.
وإن ادعى المشتري الألف والخمسمائة إلى البائع أُجبر البائع على القبول منه، وإن كان لا يجبر المشتري على إعطاء الخمسمائة إذا أبى ذلك بمنزلة الموكل إذا أدى الثمن يجبر على القبول منه، وإن كان لا يجبر هو على الدفع ابتداء، وليس للكفيل أن يرجع على المشتري يريد به إذا أدى المشتري الألف والخمسمائة إلى البائع كالموكل إذا نقد الثمن من مال نفسه لا يكون للوكيل حق الرجوع عليه بشيء؛ لأنه إنما يرجع بما أدى من الثمن لا بما لم يؤد.
وأشار محمد رحمه الله في «الأصل» : إلى علة المسألة فقال: المشتري ليس بمتطوع فيما أدى عن الكفيل، وإنما أراد بهذا التفرقة بين هذا وبينما لو جاء إنسان وأدى الخمسمائة عن الكفيل حيث كان للكفيل أن يرجع على المشتري بالخمسمائة؛ لأن هناك الأجنبي في الأداء عن الكفيل (77ب3) متبرع فيصير كأنه ملك الخمسمائة من مال الكفيل، أما ههنا المشتري ليس بمتبرع عن الكفيل؛ لأنه يؤدي ما كان عليه فلم يصير مملكاً من الكفيل بطريق التبرع بل يكون مؤدياً من مال نفسه فلهذا افترقا.

(6/477)


r

هذا إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فأما إذا كانت الزيادة ملحقة به بأن اشترى رجل عبداً بألف درهم وقبضه حتى زاد رجل أجنبي في ثمنه خمسمائة فإن فعلها بإذن المشتري فهو على المشتري دون الأجنبي لما ذكرنا أن مطلق الزيادة إنما تنصرف إلى من دفع له الثمن وقد ثبتت له الولاية على المشتري لما أمره المشتري بالزيادة ويصير الأجنبي في هذا بمنزلة المعير والسفير، ولهذا لا يستغني عن الإضافة إلى عقد الشراء، فإنه لابد أن يقول زدتك خمسمائة في ثمن المبيع الذي اشتراه فلان.
وحقوق العقد إنما ترجع على العاقد دون المعير والسفير، بخلاف ما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد؛ لأن الأجنبي هناك بمنزلة الوكيل ولهذا يستغني عن إضافة الزيادة إلى عقد غيره فكانت الحقوق راجعة إليه أما هنا بخلافه.
وإن كان زاد بغير أمر المشتري فإن لم يضمن الزيادة ولا إضافة إلى مال نفسه، ولا إلى ذمته كانت الزيادة موقوفة على رضا المشتري لما مر أن يطلق الإيجاب ثمناً يكون على من وقع له المثمن فيصير إيجاباً على المشتري ولا ولاية له على المشتري فيوقف على رضا المشتري لهذا، وإن كان حين زاده الخمسمائة قال: إنه ضامن لهما، وقال: على إنها علي فهي لازم للأجنبي؛ لأنه التزمها في ذمة نفسه أو ماله فبعد ذلك أن إجازة المشتري لم يعمل فيه الإجازة؛ لأنها قد لزمت عقداً نفذ على غيره لا يعمل بخلاف ما إذا لم يضمنها الأجنبي ولا أضافها إلى ذمته على ما مر.
وفي «المنتقى» : رجل باع رجلاً ثوباً، ثم لقيه المشتري قال: إنك أغليت علي وبعتني بأكثر مما يساوي، وقال البائع: إني بعتك بعشرة وكان باعه بعشرين فهذا حطته للعشرة عن الثمن، ولو كان البائع قال للمشتري: قد أرخصت عليك وبعتك بنصف الثمن فقال المشتري: قد اشتريته بعشرين وقد كان اشتراه بعشرة فهذا من المشتري زيادة في الثمن.

ولو لم يكن الأمر على هذا الوجه ولكن البائع قال للمشتري: بعتكه ثانياً بعشرين فتراضيا عليه وكان البيع الأول بعشرة ينفسخ البيع الأول بالثاني.
وكذلك لو كان المشتري قال للبائع: اشتريته منك ثانياً بعشرة وتراضيا عليه وكان الشراء الأول بعشرين ينتقض الشراء الأول بالثاني. قال: ولا يشبه هذا الأول، ثم قال: إذا ذكرا غلاءً أو رخصاً فهو زيادة وحط وإذا لم يذكر فهو نقص الأول.
وفي «نوادر هشام» قال: سمعت أبا يوسف يقول في رجل اشترى من آخر ثوباً بعشرة دراهم وأرجح له دانقاً قال لا تعمله حتى يقول في حل أو يقول هو لك، فإن فعل ذلك باعه المشتري على عشرة دراهم يعني مرابحة أو تولية، ولو وجد به عيباً رده بعشرة.
وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف: رجل اشترى من آخر عبداً على أن البائع بالخيار، ثم إن المشتري قال للبائع: أصالحك على مائة درهم أعطيكها على أن تسلم لي البيع ففعل جاز وهذه زيادة، ولو كان الخيار للمشتري فقال البائع: أصالحك على أن أحط منك مائة وأزيدك شيئاً على أن تقبل البيع فهذا جائز أيضاً، وسيأتي في فصل الخيار بخلاف هذا.

(6/478)


وفي «المنتقى» : إذا مات البائع والمشتري والسلعة قائمة، ثم زاد وارث الآخر شيئاً فهو جائز في قولهم جميعاً.
وفي أول بيوع «الجامع» : إذا اشترى إبريق فضة بمائة دينار وتقابضا وتفرقا، ثم التقيا فزاد المشتري البائع في الثمن عشرة دنانير وصحت الزيادة بشرط قبض الزيادة في مجلس الزيادة؛ لأن الزيادة إذا صحت التحقت بأصل العقد بطريق الإسناد فتصير الزيادة بدل الصرف غير أن الإستناد لا يدخل في فعل العباد، والقبض من أفعال العباد فاعتبر في حق وجوب القبض حال ثبوت الزيادة، ولا يشترط قبض الإبريق للحال؛ لأنها مقابلة للحال تسمية.

وصورة إذا صحت التحقت بأصل العقد وتثبت المقابلة من وقت وجوب العقد معنى والمقابلة معنى أقوى من مقابلة صورة وقبض الإبريق وجد وقت العقد حقيقة فوقعت عن اشتراط قبضها وقت وجود المقابلة صورة، أما في حق الزيادة لا يمكن اعتبار القبض وقت المقابلة معنى فاعتبرناه وجود المقابلة صورة.

نوع آخر يرجع إلى قسمة الزيادة في بعض المعقود عليه
يجب أن يعلم أن الزيادة المتولدة من المبيع لا يزاحم المبيع في الزيادة المشروطة مادام المبيع قائماً حتى كانت الزيادة المشروطة زيادة في المبيع دون الولد؛ لأن الولد تبع والتبع لا يستتبع غيره مادام الأصل باقياً، وإذا صارت الزيادة المشروطة زيادة على المبيع فالثمن أولاً ينقسم على المبيع وعلى الزيادة المشروطة، ثم ما أصاب المبيع ينقسم عليه وعلى الولد مبيعاً، فإن المتولد من المبيع مبيع، ويكون الانقسام باعتبار القيمة.
ويعتبر قيمة الأصل يوم العقد وقيمة الزيادة المشروطة يوم الزيادة وقيمة الولد يوم قبض الولد، وهذا لما ذكرنا قبل هذا أن الثمن إنما يقابل بما هو مقصود بالعقد والمبيع صار مقصوداً بإيراد العقد عليه، والزيادة بالشرط والولد بالقبض الذي هو ملحق بالعقد فاعتبرنا في الانقسام قيمة المبيع يوم العقد وقيمة الزيادة يوم الشرط وقيمة الولد يوم القبض.

لهذا قال محمد رحمه الله: رجل اشترى من آخر جارية قيمتها ألف درهم بألف درهم فولدت الجارية قبل القبض ولداً بقيمة ألف درهم، ثم إن البائع زاد المشتري غلاماً يساوي ألف درهم ورضي به المشتري، ثم ازدادت قيمة الولد فصارت ألفي درهم وجاء المشتري وقبضهم ونقد الألف ووجد بالولد عيباً رده بثلث الألف، وإنما كان هكذا؛ لأن الثمن أولاً ينقسم على الجارية وعلى الزيادة نصفان اعتبار القيمة الجارية يوم العقد والقيمة الزيادة المشروطة يوم الزيادة، وجعلت الزيادة المشروطة زيادة على الجارية، ثم ما أصاب الجارية وذلك نصف الألف انقسم عليها وعلى الولد أثلاثاً وثلثاه بمقابلة الولد اعتبار القيمة الأم يوم العقد وهي الألف، ولقيمة الولد يوم القبض وهي ألفان وثلثا نصف الألف ثلث الألف، فإذا وجد بالعبد عيباً رده بثلث الألف، وإن وجد بالأم عيباً ردها بسدس الألف؛ لأن بمقابلتها ثلثا نصف الألف وثلث نصف الألف سدس الألف، وإن

(6/479)


وجد بالزيادة عيباً ردها بنصف الألف؛ لأن بمقابلتها نصف.
وكذلك لو لم تلد الجارية لكن كانت عينها بيضاء وقت العقد فذهب البياض عن عينها، ثم إن عبداً معاً عيبها عند البائع فدفعه مولاه بالجناية إلى البائع، ثم زاد البائع المشتري يساوي ألف فهذا والأول سواء إذا قبضهم المشتري ينقسم الثمن على قيمة الجارية وقت العقد وعلى قيمة المدفوع بالعين يوم يقبضه المشتري، فإذا وجد بأحدهم عيباً ردها بالحصة؛ لأنه لما انجلى البياض عن العين كان ذلك بمنزلة زيادة متصلة فلما برأت عن عيبها دفع بها صارت تلك الزيادة متصلة بمنزلة ولد ولدته فيكون العبد المدفوع تبعاً للجارية إنم (78أ3) يصير مقصوداً بالقبض فيعتبر في الانقسام قيمة وقت القبض.

وهذا بخلاف إتلاف البائع؛ لأن البائع بالإتلاف يصير مفوتاً القبض المستحق بحكم العقد مقصوداً بالفسخ وأن يصير مقصوداً بالفسخ إلا وأن يصير مقصوداً بالعقد ضرورة فلهذا يعتبر قيمته في تلك الحالة أما ههنا البائع يقبض العبد بهذا القبض المستحق للمشتري ولا يفوت فلا يصير مقصوداً بالفسخ ليصير مقصوداً بالعقد ضرورة، فلهذا اعتبر قيمته في الانقسام يوم قبض المشتري.
وهذا الذي ذكرنا إذا كانت الجارية بيضاء إحدى العينين عند البيع فانجلى البياض عنها عند البائع، ثم جاء عبد وضرب عينها حتى عاد البياض فدفع به، فأما إذا كانت عيناها صحيحتين عند البيع وقيمتها ألف درهم وجاء عبد وضرب عينها عند البائع حتى انتصب فدفع مولاه إلى البائع.
ثم زاد المشتري عبداً يساوي ألف درهم، ثم جاء المشتري وقبضهم فهنا لا يجعل المدفوع بمنزلة الولد بل يقسم الثمن أولاً على قيمة الجارية يوم العقد وعلى قيمة الزيادة نصفان، ثم (ما) أصاب الجارية ينقسم عليها وعلى العبد المدفوع نصفان قلت قيمة العبد أو كثرت بخلاف الفصل الأول، فإن هناك ما أصاب الجارية ينقسم على قيمتها يوم العقد وعلى قيمة العبد المدفوع يوم القبض.
والفرق: أن العبد المدفوع هناك قائم مقام ما هو أصل وهو العين إذ العين في هذه الصورة كانت أصلاً ولم تكن زيادة؛ لأنه اشتراها وهي صحيحة العينين فكان حكمه حكم نصف الجارية على أي قيمة كان إذا العين من الأدمي نصفه فيأخذ نصف ما أصاب الجارية من غير اعتبار القيمة، فأما في الفصل الأول العين كانت زيادة؛ لأنه اشتراها وهي بيضاء أحد العينين، ثم انجلى البياض عنها والعبد المدفوع بها قام مقاماً فصارت الزيادة المتصلة منفصلة فكان بمنزلة الولد، وفي انفساخ الثمن يعتبر قيمة الولد يوم القبض فكذا قيمة العبد المدفوع.

قال: ولو ولدت الجارية المبيعة قبل القبض ولداً أو جاء عبد وضرب عينها التي كانت بيضاء وقت العقد وانجلى البياض عنها حتى عاد البياض بسبب ضربه ودفع العبد

(6/480)


به، ثم ماتت الجارية بسبب آخر غير العين، ثم زاد البائع المشتري في المبيع دابة تساوي ألف درهم ورضي به المشتري صحت الزيادة؛ لأنها حصلت حال بقاء العقد؛ لأن الولد يقوم مقام الجارية حال فوات الجارية والعبد المدفوع في مثل هذه الصورة بمنزلة الولد فيبقي العقد ببقاء كل واحد منهما فصحت الزيادة.
وإذا قبض المشتري يقسم الثمن على قيمة الجارية يوم العقد وعلى قيمة الولد أو العبد المدفوع يوم قبض المشتري فحصة الجارية تسقط بهلاكها قبل القبض وحصة الولد أو العبد المدفوع يقسم عليه وعلى الزيادة يعتبر قيمته الزيادة يوم الزيادة وقيمة الولد أو العبد المدفوع يقسم عليه وعلى الزيادة يوم قبض المشتري وتعتبر الزيادة في هذه المسالة تابعة للولد أو العبد المدفوع؛ لأن الأصل متى، فإن قام الولد مقامه وصار أصلاً فاعتبرت الزيادة تبعاً للولد أو العبد المدفوع لهذا، فإذا بأحدهما عيباً رده بحصته من الثمن.
فإن لم يقبض المشتري شيئاً من ذلك حتى هلكت الزيادة هلكت بحصتها ويتخير المشتري إن شاء أخذ الولد أو العبد المدفوع بحصته من الثمن وإن شاء ترك؛ لأن بهلاك الزيادة تعتبر على المشتري شرط عقده فلابد من التخير طلباً لرضاه، وهذا الخيار غير الخيار والذي ثبت له بهلاك الجارية قبل القبض؛ لأن ذلك الخيار سقط حين رضي المشتري بالزيادة يكون رضاءً يلزم العقد وبسقوط الخيار فبطل ذلك الخيار وإنما هذا خيار وآخر يثبت بسبب هلاك الزيادة.

وإن هلك الولد أو العبد المدفوع قبل القبض وبقيت الزيادة فللبائع أن يمسك الزيادة عن المشتري؛ لأن الولد أو العبد المدفوع إذا هلك قبل القبض صار كأن لم يكن؛ لأنه ظهر أنه لم يكن، بمقابلته شيء من الثمن وإن الأم حين هلكت بجميع الثمن فانفسخ العقد كله بهلاك الأم، وإن الزيادة حصلت بعد انفساخ العقد فلم تصح الزيادة فكان للبائع أن يمسك الزيادة لهذا.
وإنما قلنا: أن بهلاك الولد قبل القبض يظهر أنه لم يكن بمقابلته شيء من الثمن؛ لأن الولد وإن صار مبيعاً إلا أنه إنما يأخذ قسطاً من الثمن إذا صار مقصوداً وإنما يصير مقصوداً إذا ورد عليه القبض إلا أن الظاهر لما كان إلى وقت القبض كان الظاهر صيرورته مقصوداً والأحكام مبنية على الظاهر فجعلنا للولد حصة من الثمن للحال بحكم الظاهر وأبقينا العقد ببقائه وصححنا الزيادة تبعاً له ولكن بشرط بقائه إلى وقت القبض، فإذا هلك الولد قبل القبض فات الشرط وظهر بخلاف ذلك الظاهر، وظهر أنه لم يكن بمقابلته شيء من الثمن.
وإذا اشترى عبدين قيمة أحدهما ألف درهم وقيمة الآخر خمسمائة درهم بألف درهم، فصارت قيمة التي كانت خمسمائة ألف درهم أيضاً، ثم زاد المشتري في الثمن شيئاً تصح الزيادة وتنقسم الزيادة عليهما أثلاثاً اعتباراً لقيمتهما يوم البيع على ما مر،

(6/481)


ومعنى آخر أن الزيادة للحال بل المبيع صورة لا معنى، ثم إذا صحت الزيادة والتحقت بأصل العقد تتحقق المقابلة بين الزيادة وبين المبيع معنى والانقسام حكم المعاني لا حكم الصور فيجب اعتبار حالة المقابلة المعنوية وهي حالة العقد، وفي تلك الحالة قيمة أحدهما ضعف قيمة الآخر فلا يتغير الانقسام بعد ذلك بتغير القيمة، فإن وجد المشتري بأحد العبدين عيباً رده بحصته من المثمن الأصل والزيادة، وإن مات أحدهما، ثم زاد المشتري في الثمن صحت الزيادة في حق القائم دون الهالك، حتى لو كان القائم هو الذي قيمته ألف صح ثلثاها، وإن كان القائم هو الآخر صح ثلثها.

وكان ينبغي أن لا تصح الزيادة أصلاً؛ لأنه جمع بين الحي وبين الميت في حق الزيادة، ولو جمع بين الحي وبين الميت في حق ابتداء العقد لا يصح العقد أيضاً فكذا في حق الزيادة.
وللوجه في هذا أن يقال: إن الجمع بينهما إنما يمنع ابتداء العقد بجهالة الثمن إن لم يكن الثمن مفصلاً عند الكل، والشرط الفاسد عند أبي حنيفة إن كان الثمن منفصلاً؛ لأنه جعل قبول العقد في الهالك شرطاً للعقد في القائم على ما عرف في موضعه، وكلا المعنيين لا يوجدان ههنا.
أما الجهالة؛ لأن الجهالة إنما تقع من قبل الانقسام من حكم المقابلة معنى لا صورة، والمقابلة من حيث المعنى إنما تثبت عند العقد فعند ذلك يثبت الانقسام، وفي الحالة لا جهالة فيصير بمنزلة موت أحدهما بعد الزيادة.
وأما المعنى الآخر؛ لأن الزيادة إنما تثبت بطريق الاستثناء، وكل مستند ظاهر من وجه مقتصر من وجه ولافساد باعتبار الظهور إنما الفساد باعتبار الاقتصار فكان الفساد في حصة الهالك ثابتاً من وجه دون وجه فلا تثبت حصة الهالك ولكن لا يتعدى ذلك إلى حصة القائم، ولا يصير شرطاً فاسداً في حق حصة القائم وكان ينبغي أن يصرف كل الزيادة إلى القائم عند أبي حنيفة.
كما إذا تزوج امرأتين إحداهما لا تحل له على ألف درهم يصرف الألف كله إلى التي تحل له عند أبي حنيفة. والجواب: أن الانقسام حكم صحة الإيجاب وهناك الإيجاب لم يصح في حق الحرمة أصلاً، أما ههنا (78ب3) الهالك داخل باعتبار شبه الظهور والتقسيم حكم شبه الظهور فصار كما لو مات أحدهما بعد الزيادة، وكذلك لو أعتق أو دبر أو كانت أمة فاستولدها أو باع أحدهما فهذا وما لو مات أحدهما سواء.
وفي «المنتقى» : رجل اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم وتقابضا أو لم يتقابضا حتى زاد المشتري مائة في ثمن أحد العبدين بعينه، أو قال: في ثمن أحدهما ولم يعين قال: لا تجوز الزيادة.

ثم قال: وإن كان لكل واحد منهما ثمن على حدة وزاد في ثمن أحدهما لا بعينه جاز، وجعل القول قول المشتري في إضافة الزيادة إلى أحد الثمنين.
وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم، ثم زاد المشتري مائة في ثمن أحد العبدين بعينه.
وقال القياس: أن تجوز الزيادة ويقسم

(6/482)


الثمن على العبدين، ثم تدخل الزيادة في حصة العبد الذي زيدت فيه، وكذلك إذا زاد جارية في ثمن أحدهما بغير عيبه جاز وكان للمشتري أن يضيفها إلى أيهما شاء وكذلك إذا زاد عرضها.

نوع آخر في الحط والإبراء عن الثمن وفي هبة الثمن من المشتري
حط الثمن صحيح ويلتحق بأصل العقد عندنا كالزيادة، غير أن بين الحط والزيادة فرق من وجهين:
أحدهما: أن الحط صحيح سواء بقي المبيع محلاً للمقابلة أو لم يبق، بخلاف الزيادة على الرواية؛ لأن الحط إخراج ما تناوله وله الحط من أن يكون ثمناً للحال وتستند إلى حال كمال العدم يشترط له قيام الثمن لا قيام البيع، فأما الزيادة فإثبات صورة المقابلة للحال وتستند إلى حال كمال الثبوت فيشترط لها قيام المبيع بشرط أن يكون محلاً للمقابلة.
الثاني: إن من اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم، فحط عنه المشتري مائة كان الحط نصفين، ولو زاد المشتري في هذه الصورة مائة يقسم الزيادة على قدر قيمتها.
والفرق: أن الحط يكون من الثمن ولا تعلق له بالمبيع، فإذا قال: حططت عن ثمنها مائة، فقد أدخلهما في الحط على السواء، فانقسم الحط عليهما نصفان بخلاف الزيادة في الثمن؛ لأنهما تقابل المبيعين، وقد قابلهما بهما، والمقابلة تقتضي الانقسام على المبيعين باعتبار القيمة، وإذا وهب بعض الثمن من المشتري قبل القبض أو أبرأه عن بعض الثمن قبل القبض فهو حط أيضاً.
وإن كان البائع قد قبض الثمن، ثم حط البعض أو وهب البعض بأن قال: وهبت منك بعض الثمن صح ووجب على البائع رد مثل ذلك على المشتري.

ولو قال: أبرأتك عن بعض الثمن بعد القبض لا يصح الإبراء، وكان يجب أن لا تصح الهبة والحط بعد القبض أيضاً كالإبراء؛ لأن المشتري قد برئ عن الثمن بالإبقاء، فالحط أو الهبة لم تصادف ديناً قائماً في ذمة المشتري، فينبغي أن لا يصح كالإبراء.
والجواب: أن الدين باق في ذمة المشتري بعد القضاء؛ لأنه لم يقض عين الواجب حتى لا يبقى في الذمة إنما قضى مثله فيبقى ما في ذمته على حاله، إلا أن المشتري لا يطالب به؛ لأن له مثل ذلك على البائع بالقضاء، فلو طالب البائع المشتري بالثمن كان للمشتري أن يطالب البائع أيضاً، فلا يفيد مطالبة كل واحد منهما صاحبه.
فعلم أن الثمن باق في ذمة المشتري بعد القضاء بالهبة والحط كل واحد منهما صادف ديناً قائماً في ذمة المشتري كان ينبغي أن يصح الإبراء أيضاً، إلا أنه لم يصح؛ لأن الإبراء نوعان:
إبراء بالإستيفاء وإبراء بإسقاط الواجب، ولهذا يقال: أبرأه براءة قبض واستيفاء كما يقال: أبرأه براءة اسقاط، فإذا أطلق البراءة إطلاقاً انصرفت إلى البراءة من حيث القبض؛ لأنه أقل، وإذا انصرف إليه صار كأنه قال: أبرأتك براءة قبض واستيفاء ولو نص على هذا

(6/483)


لا يسقط الواجب عن ذمة المشتري، ولا يجب على البائع رد ما قبض كذا ههنا.
فأما الهبة والحط لا يتنوع إلى نوعين: هبة إسقاط وهبة قبض، حط إسقاط وحط قبض، وإنما هو نوع واحد وهو هبة إسقاط، وإذا كان نوعاً واحداً وهو الإسقاط صار كأنه نص عليه، وقال: حططت عنك حط إسقاط، وهبت منك هبة إسقاط، ولو نص على ذلك يسقط الواجب عن ذمة المشتري ويبرأ المشتري مما عليه كذا ههنا، وإذا برئ المشتري مما عليه في هذه الصورة كان له أن يطالب البائع بما وجب له على البائع بالقضاء؛ لأن المطالبة الآن تفيد، فهذا هو الفرق بين الهبة والحط وبين الإبراء.

زان مسألة الحط والهبة أن لو قال البائع للمشتري بعد قبض الثمن: أبرأتك براءة إسقاط، وهناك يصح الإبراء أيضاً، ويجب على البائع رد ما قبض من المشتري. وأما إذا حط كل الثمن أو وهب كل الثمن أو أبرأه عن كل الثمن، فإن كان ذلك قبل قبض الثمن صح الكل، ولكن لا يلتحق بأصل العقد، وإن كان بعد قبض الثمن صح الحط والثمن، ولم يصح الإبراء لما ذكرنا.
هذا جملة ما أورده شيخ الإسلام في شرح كتاب الشفعة وفي شرح كتاب الرهن، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه في الباب الثاني من شرح كتاب الرهن: أن الإبراء المضاف إلى الثمن بعد الاستيفاء صحيح حتى يجب على البائع رد ماقبض من المشتري، وسوى بين الابراء وبين الهبة والحط فيتأمل عند الفتوى.

الفصل الثاني عشر: في البيع بشرط الخيار
هذا الفصل يشتمل على أنواع:

نوع منه في بيان ما يصح منه وما لايصح
يجب أن يعلم بأن الخيار المشروط في العقد لايخلو إما أن يكون مؤبداً بأن يقول المشروط له الخيار على أني بالخيار أبداً، وفي هذا الوجه العقد فاسد؛ لأن الأبد ينصرف إلى العمر ويصير تقدير المسألة كأنه قال: إني بالخيار مدة عمري، ولو صرح بذلك يفسد العقد بجهالة المدة كذا ههنا.
وكذلك إذا قال: على أني بالخيار، ولم يوقت لذلك وقتاً كان العقد فاسداً؛ لأن المطلق فيما يحتمل التأبيد ينصرف إلى الأبد، فكأنه قال: على أني بالخيار أبداً، وكذلك إذا قال: على أني بالخيار أياماً ولم يبين مقدار ذلك فالعقد فاسد.
وإن ذكر لذلك وقتاً معلوماً قال: ثلاثة أيام أو دون ذلك، فالعقد جائز بالاتفاق، وإن قال: أربعة أيام أو ما أشبه ذلك، فعلى قول أبي حنيفة العقد فاسد، وهو قول زفر، وقال أبو يوسف ومحمد: العقد جائز.

(6/484)


والصحيح ما قاله أبو حنيفة؛ لأن القياس يأبى جواز البيع مع شرط الخيار؛ لأنه شرط لايقتضيه العقد، ولأحد العاقدين فيه منفعة لكن عرفنا جوازه بالنص، وهو قوله عليه السلام لحبان بن منقذ: «إذا بايعت» ، وفي رواية: «إذا ابتعت شيئاً فقل لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام» فبقي مازاد على الأيام الثلاثة على أصل القياس، والنص الوارد في ثلاثة أيام لايكون وارداً فيما زاد عليهما؛ لأن منع حكم العقد فيما زاد على ثلاثة أيام أكثر، والشيء يدل على مثله ولا يدل على مافوقه، والاستدلال بالأجل لا يجوز؛ لأن الأجل أخف في منع حكم العقد من خيار الشرط؛ لأن الأجل يمنع المطالبة ولا يمنع وقوع الملك في البدلين، وخيار الشرط يمنع وقوع الملك والمطالبة، فإن سقط الخيار قبل (79أ3) دخول اليوم.I
.. الرابع ارتفع الفساد.
وهو نظير البيع إلى الحصاد والدياس إذا سقط الأجل قبل دخول وقت الحصاد والدياس، وإذا لم يكن الخيار مؤقتاً بوقت فلصاحب الخيار أن يختار في الثلاث، فإن مضت الثلاث قبل أن يختار البيع، فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز اختياره بعد الثلاث، وينقلب العقد جائزاً، هكذا ذكر في «الأصل» .
قال شمس الأئمة الحلواني: إنما ينقلب جائزاً عندهما، وفي «القدوري» : إذا سقط الخيار في أي وقت أسقطا، فالبيع جائز على قولهما.
وروي عن أبي يوسف: أن هذا البيع جائز؛ لأن الخيار ملائم بالعقد، فصح شرطه من غير توقيت كخيار الرؤية، وخيار العيب، إلا أنه يقول على هذه الرواية يخير من له الخيار على أن يمضي البيع أو يفسخ، وروي عنه رواية أخرى أنه قال: إذا اجتمعا فإن أجاز البيع وإلا فسخت، وعنه رواية أخرى: أنه إذا لم يكن للخيار مدة، فلكل واحد منهما إبطال العقد.

وقال محمد: إذا كان الخيار للمشتري غير مؤقت، فليس للبائع فسخ العقد وإنما ذلك إلى المشتري.

وفي «القدوري» : ولو كان الخيار إلى قدوم فلان أو موته أو إلى أن يهب الريح، فأبطلا الخيار لم يجز البيع في قول أبي يوسف.
وفي «نوادر ابن سماعة» : عن محمد باع من آخر عبداً أو ثوباً أو ما أشبه ذلك على أن المشتري فيه بالخيار ثلاثة أيام بعد ما مضى شهر رمضان، قال: هذا جائز وله الخيار في رمضان كله وثلاثة أيام بعده، وكذلك لو شرط الخيار للبائع ولو كان البائع قال للمشتري: لا خيار لك في شهر رمضان، ولكن الخيار بعد ذلك ثلاثة أيام، أو قال المشتري للبائع: لا خيار لك في شهر رمضان ولكن الخيار بعده ثلاثة أيام فالبيع فاسد.

(6/485)


وفي «الفتاوى» : إذا شرط للمشتري خيار يومين بعد شهر رمضان والشراء في آخر رمضان، فالشراء جائز وله الخيار ثلاثة أيام، اليوم الآخر من شهر رمضان ويومين بعده؛ لأنه سكت عن الخيار وقت العقد، فيمكن تصحيح هذا العقد باشتراط الخيار وقت العقد ويومين بعد رمضان، ولو قال: لاخيار له في رمضان فالبيع فاسد؛ لأنه تعذر تصحيح هذا العقد.
وعن أبي يوسف: أنه إذا باع بيعاً وشرط الخيار لنفسه يوماً بعد سنة، فالبيع جائز ولا خيار له في السنة، فإذا مضت السنة فله الخيار يوماً.
وإذا باع من آخر ثوباً بعشرة دراهم ثم إن البائع قال للمشتري: لي عليك الثوب أو عشرة دراهم، قال محمد رحمه الله: هذا عندنا خيار، وإذا باع على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما، فالبيع جائز والشرط جائز، هكذا ذكر محمد رحمه المسألة في «الأصل» ، واعلم بأن هذه المسألة على وجوه:

إما إن لم يبين الوقت أصلاً بأن قال: على أنك لم تنقد الثمن فلا تبيع بيننا أو بين وقتاً مجهولاً بأن قال: على أنك إن لم تنقد الثمن أياماً في هذين الوجهين العقد فاسد، وإن بين وقتاً معلوماً إن كان ذلك الوقت مقدراً بثلاثة أيام أو دون ذلك، فالعقد جائز عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله، والقياس يأبى جواز العقد مع هذا الشرط، وبه أخذ زفر؛ لأنه شرط لايقتضيه البيع، فإنه شرط الفسخ متى لم ينقد الثمن ثلاثة أيام وفيه منفعة للبائع، فإن المبيع يعود إلى ملكه متى لم ينقد المشتري الثمن ثلاثة أيام.
لكن ترك القياس فيما إذا كان الوقت مقدراً بثلاثة أيام بحديث عبد الله بن عمر، فإنه روي أنه لو باع بأمة له من رجل على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما، والمروي عن الصحابة فيما لايعرف قياساً كالمروي عن النبي عليه السلام، ولأن هذا شرط متعامل فيما بين الناس يشترطون ذلك فيما بينهم لدفع العين عن أنفسهم متى لم ينقد المشتري الثمن، والقياس يترك بالتعامل.

وإن ترك المدة أكثر من ثلاثة أيام قال أبو حنيفة: البيع فاسد، وقال محمد: البيع جائز. قال شيخ الإسلام: سوى أبو حنيفة بين هذا وبين خيار الشرط، فلم يجوّز أكثر (من) ثلاثة أيام فيهما، ومحمد سوى بينهما أيضاً، فجوز فيهما أكثر من ثلاثة أيام، ولم يذكر محمد قول أبي يوسف.
يقول في رجل قال لآخر: بعتك عبدي هذا بألف درهم فإن لم تأتي بالثمن إلى سنة، فلا شيء بيني وبينك، قال: هذا فاسد وليس هذا بمنزلة الخيار، قال: على هذه الرواية لو نقد المشتري الثمن في الثلاث، وقال للبائع: خذه فلا أريد تأخيره، فإني أجبره، فهذه الرواية دليل أن أبا يوسف في هذه الصورة جوز البيع بهذا الشرط.
والفرق له على هذه الرواية بين هذا الشرط وبين شرط الخيار أن القياس يأبى الجواز مع هذا الشرط ومع شرط الخيار، وإنما تركنا القياس في الوضعين بالنص، والنص مقيد بثلاثة أيام، وفي شرط الخيار ورد النص بالزيادة على ثلاثة أيام.

(6/486)


وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف: أنه رجع عن قوله بفساد البيع مع هذا الشرط أكثر من ثلاثة أيام.
والحاصل أن هذا البيع بمنزلة البيع بشرط الخيار للمشتري، فإذا بين المدة أكثر من ثلاثة أيام. فالعقد فاسد عند أبي حنيفة ويرتفع الفساد بالنقد قبل مضي اليوم الثالث على ما ذهب إليه أهل العراق، وعلى ما ذهب إليه أهل خراسان: العقد موقوف، فإذا مضى اليوم الثالث ولم ينقد الثمن الآن يفسد العقد.
وإذا باع عبداً ونقد الثمن على أن البائع إن رد الثمن فلا بيع بينهما فهو جائز، وهو بمنزلة البيع بشرط الخيار للبائع، ويجوز شرط الخيار بعد البيع كما يجوز شرطه وقت البيع حتى إن المشتري إذا قال للبائع أو البائع قال للمشتري بعد تمام البيع: جعلتك بالخيار ثلاثة أيام أوما أشبه ذلك صح، وكان بالخيار كما شرط له وإن (كان) الخيار فاسداً فسد العقد به عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لايفسد، وهو نظير ما إذا ألحق شيء من الشروط الفاسدة بالعقد الصحيح.
ومن باع من آخر شيئاً وقبض المشتري المبيع ومضى أيام، فقال البائع للمشتري: أنت بالخيار فله الخيار مادام في المجلس؛ لأن هذا بمنزلة قوله: لك الإقالة، ولو قال: أنت بالخيار ثلاثة أيام فله الخيار ثلاثة أيام كما بينا في «الفتاوى» .
وإذا اشترى الرجل شيئاً على أنه بالخيار إلى الغد أو إلى الظهر دخلت في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لايدخل حتى كان له الخيار في الغد والليل، وفي وقت الظهر عند أبي حنيفة خلافاً لهما هكذا ذكر المسألة في «الأصل» .

وذكر الحسن بن زياد في «المجرد» عن أبي حنيفة بخلاف ماذكر في «الأصل» فقال: إذا باع على أنه بالخيار إلى الليل، فله الخيار مابينه وبين أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس بطل خياره عند أبي حنيفة.
إذا قال للمشتري: خذه وانظر إليه اليوم فإن رضيته أخذته بعشرة فهو خيار، إذا قال: هو بيع لك إن شئت اليوم.
وفي «الفتاوى» : باع عبداً على أنه بالخيار على أن له نقله ويستخدمه جاز وهو على خياره بخلاف ما لو باع كرماً على أن يأكل من تمره حيث لايجوز؛ لأن المنفعة لا حصة لها (79ب3) من الثمن وللتمر حصة من الثمن.

نوع آخر في بيان عمل الخيار وحكمه
إذا كان الخيار مشروطاً للبائع، فالمبيع لايخرج عن ملكه بالاتفاق؛ لأن الخيار استثناء لحكم العقد؛ لأنه دخل على العقد فأوجب تعليقه ونفس العقد لايقبل التعليق وحكمه وهو الملك يقبل، فتخير في هذا الحكم بين أن يثبت وبين أن لايثبت كما تخير في الابتداء بين أن يباشر العقد وبين أن لا يباشر، فكان هذا هو الخبر الأصلية، والثمن

(6/487)


يخرج عن ملك المشتري باتفاق؛ لأن المانع من عمل العقد شرط الخيار، ولا شرط في جانب المشتري وعمل العقد في جانبه في إزالة الثمن عن ملكه، فلهذا قلنا: إن الثمن يزول عن ملك المشتري.
وهل يدخل في ملك البائع؟ على قول أبي حنيفة: لا يدخل، وعلى قولهما: يدخل إذا كان الخيار للمشتري، فالثمن لايزول عن ملكه. والمبيع يخرج عن ملك البائع بالاتفاق على نحو ما ذكرنا في خيار البائع.
وهل يدخل المبيع في ملك المشتري؟ على قول أبي حنيفة: لا يدخل، على قولهما: يدخل.

وجه قولهما: أن المانع من عمل العقد شرط الخيار ولا شرط في جانب البائع، فيعمل في جانبه وعمل العقد في جانبه في إزالة المبيع عن ملكه إلى ملك المشتري، ولأبي حنيفة أن الشراء كما هو علة زوال الثمن عن ملك المشتري، فهو شرط دخول المبيع في ملكه، ولهذا توقف دخول المبيع في ملك المخاطب على قبوله، والخيار دخل على الشراء مطلقاً، فكان يمنع عمله من حيث إنه علة يمتنع ومن حيث إنه شرط.
ويبنى على هذا الأصل المختلف مسائل منها:
إن من اشترى زوجته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح عند أبي حنيفة، وعندهما يفسد، فإذا وطئها فله أن يردها بحكم الخيار عند أبي حنيفة، وعندهما ليس له ذلك.
ووجه البيان: أن خيار المشتري لما منع دخول المبيع في ملكه عنده، فالمشتري لم يملك زوجته عنده، فلا يفسد النكاح ويكون الوطء حاصلاً بحكم ملك النكاح لا بملك اليمين، فيضاف إلى البائع فلا يمنع الرد، عندهما: خيار المشتري لما لم يمنع دخول المبيع في ملك المشتري ملك المشتري امرأته فيفسد النكاح، وكان الوطء حاصلاً بحكم ملك اليمين فيمنع الرد.
منها: أن المشترى بشرط الخيار إذا كان ذو رحم محرم منه لم يعتق عليه عند أبي حنيفة؛ لأنه لم يملكه وخياره على حاله، وعندهما: يعتق وبطل خياره.
ومنها: أن المشترى إذا كانت جارية وقبضها المشتري فحاضت في يد المشتري في مدة الخيار بعض الحيض، وأجاز المشتري العقد لا تجزئ تلك الحيضة عند أبي حنيفة؛ لأن بعضها حصلت خارج ملك المشتري.

وعندهما: تجزئ تلك الحيضة، وإذا فسخ المشتري العقد ورد الجارية على البائع لايجب على البائع الاستبراء عند أبي حنيفة سواء جعل الفسخ والرد قبل القبض أو بعده، وعندهما: إن كان الفسخ والرد قبل القبض لا يجب على البائع الاستبراء استحساناً.
والقياس: أن يجب، وإن كان الفسخ والرد بعد القبض يجب على البائع الاستبراء قياسًا واستحساناً بمنزلة العقد البات.

ومنها: أن المشتري إذا كان قبض المبيع بإذن البائع، ثم أودعه عند البائع في مدة الخيار أو بعدها هلك على البائع وبطل البيع عند أبي حنيفة؛ لأن عنده المشتري لم يملكه وقد ارتفع قبضه بالرد على البائع، فكان الهلاك على ملك البائع.

(6/488)


وعندهما: يهلك على المشتري، ويلزمه الثمن؛ لأن عندهما ملكه المشتري، فصار مودعاً ملك نفسه، ويد المودع يد المودع فصار هلاكه في (يد) البائع كهلاكه في يد المشتري.
ومنها: عبد مأذون له في التجارة اشترى من آخر سلعة على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم إن البائع أبرأه عن الثمن صح الإبراء استحساناً وخياره على حاله عند أبي حنيفة إن شاء أجاز وتكون السلعة له بغير ثمن، وإن شاء فسخ وأعاد السلعة إلى البائع بغير ثمن.
عندهما: بطل خياره؛ لأن عند أبي حنيفة رحمه الله: العبد لم يملك السلعة، فيكون الرد والفسخ امتناعاً من التملك، والعبد يملك ذلك كما إذا أوهب له هبة، فامتنع عن القبول، وعندهما يملك السلعة، فالرد والفسخ من العبد يكون تمليكاً من البائع بغير بدل وانه اصطناع بالمعروف، والعبد لايملك ذلك.
ومنها: إذا باع عبد الجارية وشرط الخيار لبائع العبد فأعتق مشتري العبد الجارية أو العبد لاينفذ عتقه، أما في الجارية؛ لأنها خرجت عن ملكه، وأما في العبد؛ لأنه لم يملكه، ولو أعتق بائع العبد نفذ عتقه؛ لأنه بقي على ملكه أو ينقض البيع، ولو أعتق الجارية نفذ العتق ولزم البيع؛ لأنه لم يملك الجارية عند أبي حنيفة فهو.... من إثبات الملك لنفسه فيها بإسقاط الخيار، فيضمن الإعتاق إسقاطاً للخيار.

ولو أعتقهما معاً يعني بائع العبد نفذ عتقه فيهما وانتقض البيع وعليه قيمة الجارية في قول أبي حنيفة؛ لأن العبد بقي على ملكه، فينفذ عتقه فيه وحال ما أعتق العبد كان ... من اعتاق الجارية بإلزام العقد فنفذ العتق فيهما لكن بدل الجارية قد هلك قبل التسليم، فأوجب ذلك فسخاً للعقد في الجارية فوجب ردها وقد عجز عن ذلك بسبب العتق فيضمن قيمتها.
قال بشر: سمعت أبا يوسف يقول: رجل اشترى عبداً على أنه بالخيار لم أجبر البائع على دفع العبد إلى المشتري ولا أجبر المشتري على دفع الثمن إليه، ولو دفع المشتري الثمن أجبرت البائع على دفع العبد إليه.

ولو دفع العبد إلى المشتري أجبرت المشتري على دفع الثمن وله الخيار للبائع ونقد المشتري الثمن وأراد أن يقبض العبد فمنعه البائع، فله ذلك غير أن يجبر البائع على رد الثمن.
قال أصحابنا: خيار الشرط يمنع تمام الصفقة؛ لأنه يمنع ثبوت الحكم وهو الملك ويمنع اللزوم، فكان مانعاً تمام الصفقة؛ لأن تمامها بثبوت جميع أحكامها، فإذا كان الخيار للمشتري والمبيع شيء واحد أو أشياء لم يكن له أن يجيز العقد في البعض دون البعض مقبوضاً أو لم يكن؛ لأنه تفريق الصفقة قبل التمام وإنه لا يجوز بخلاف ما بعد التمام حيث يجوز التفريق.
والفرق: أن في الحالين يوجد ضرران؛ ضرر البائع وضرر المشتري، فيجب دفع الأقوى يتحمل الأدنى عند تعذر دفعهما، وقبل التمام إما يلحق البائع من الضرر بتفريق

(6/489)


الصفقة أقوى مما يلحق المشتري بعدم التفريق؛ لأنه ضرر مالي؛ لأن ضم الرديء إلى الجيد لترويج الكل بالثمن الجيد معتاد فيما بين الناس، فلو جاز التفريق فالمشتري يأخذ الجيد ويرد الرديء، ويتعذر على البائع ترويج الرديء بعد ذلك بثمن الجيد، فيلحق البائع ضرر مالي من هذا الوجه.

أما ما يلحق المشتري من الضرر بعدم صحة التفريق قبل التمام ليس بضرر مالي بل فيه ضرر بطلان قوله حيث لايصح قبوله العقد في البعض، أو لا يصح رده البعض وإنه مجرد قوله، فإبطال مجرد القول في ضرر دون إبطال المال، فأما بعد تمام الصفقة.
أما يلحق المشتري من الضرر برد الكل أكثر مما يلحق البائع برد البعض؛ لأن برد الكل يبطل حق المشتري عن التسليم من غير رضاه، وإنه ضرر مالي، وإن كان بعوض. (80أ3) وما يلحق البائع برد البعض موهوم، فإنه عسى يتهيأ له بيع المعيب بثمن السليم، فكان ضرر المشتري أكثر في هذه الصورة، فهذا هو الفرق بين الصورتين.
ولو كان الخيار للبائع والمبيع مقبوض فهلك بعضه فللبائع أن يجيز البيع في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: إذا كان المبيع مما يتفاوت فهلك واحد منه أو تبعض البيع وليس للبائع أن يجيز الباقي وإن كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً غير متفاوت، فهلك بعضه للبائع أن يلزمه البيع فيما بقي.
وجه قول محمد: أن خيار البائع لما منع زوال ملك البائع كانت الإجازة بمعنى ابتداء التمليك، ولما كان هكذا يتعذر إثباتها في الهالك لعدم المحل كان إجازة المالك بيع الفضولي بعد هلاك المبيع وتعذر إثباتها في القائم إذا كان شيئاً متفاوتاً؛ لأنه حينئذٍ يكون تمليكاً للقائم بحصة من الثمن، وإنه مجهول بخلاف ما إذا كان شيئاً يتفاوت؛ لأن حصته من الثمن معلوم، فأمكن اعتبار الإجازة في الباقي.

ولهما: أن علة الملك وهي التمليك وهو المالك إلا أن حكم العلة صار مستثنى بالخيار، فإذا سقطت الخيار بالإجازة التحق الحكم من الابتداء من كل وجه ولما كان المتفاوت وغير المتفاوت سواء وما قال بأن الإجازة بمعنى ابتداء التمليك فاسد؛ لأن الحكم لايتوقف على وجود الإجازة، فإنه يثبت بدونها بمضي المدة.

وكذلك بموت من له الخيار. ولو كان لها حكم ابتداء التمليك لما ثبت بدونها بخلاف الإجازة في الفضولي؛ لأنها بمعنى ابتداء التمليك، ولهذا توقف ثبوت الحكم وجوباً؛ وهذا لأن الإجازة في بيع الفضولي معملة للعلة وهي التمليك لصدورها من غير المالك والعمل للعلة يعطي له حكم العلة فاعتبرنا قيام المحل.
أما ههنا الإجازة ليس لها حكم الإعمال للعلة لما ذكرنا أن العلة صدرت من المالك إلا أن حكمها صار مستثنى بالخيار فإذا سقط الخيار ثبت الحكم من الابتداء من كل وجه فلم تكن الإجازة في معنى ابتداء التمليك أصلاً، فلا يعتبر قيام المحل عند الإجازة.
ولو استهلك مستهلك المبيع في يد المشتري فللبائع أن يلزمه ويأخذ الثمن في قول

(6/490)


أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال أبو يوسف بعد ذلك: ليس للبائع أن يلزمه إلا برضى المشتري؛ لأن المبيع قد تغير قبل ثبوت الحكم، فيثبت الخيار للمشتري كما في البيع البات قبل القبض بل أولى؛ لأن هناك يثبت ملك الرقبة إن لم يثبت ملك التصرف لم يثبت الملك أصلاً.
وأبو حنيفة رحمه الله مر على الأصل الذي قلنا: إن الحكم عند الإجازة لما كان يثبت من وقت العقد من كل وجه كما لو كان باتاً من الأصل واستهلك.... المشتري في يد المشتري وهناك لايثبت الخيار للمشتري فههنا كذلك، ولو هلك أحد العبدين في يد البائع لم يكن له أن يلزم المشتري العبد الباقي إلا برضاه؛ لأن فيه تفريق الصفقة على المشتري قبل التمام وصار كما لو كان العقد باتاً من الأصل.

نوع آخر في بيان ما ينفذ به هذا البيع، وفي بيان ما ينفسخ به هذا البيع
فنقول: شرط الخيار إذا كان البائع منفوذ العقد بمعانى:
أحدها: أن يجيز البيع صريحاً سواء كان المشتري حاضراً أو غائباً.
الثاني: أن يموت البائع في مدة الخيار؛ لأنه يعجز عن التصرف بحكم الخيار في آخر جزء من أجزاء حياته فيسقط خياره ضرورة.

والثالث: أن تمضي مدة الخيار من غير فسخ من جهته؛ لأن بمضي مدة الخيار يسقط الخيار وهو المانع من نفوذ العقد.
وكذلك إذا أغمي عليه أو جن حتى مضت الأيام الثلاثة.
ولو أنه أفاق في مدة الخيار حكي عن الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي (أنه) على خياره، وذكر شمس الأئمة الحلواني: أنه على خياره. قال رحمه الله: وهو منصوص وهو الأصح.
وإن سكر من الخمر لم يبطل خياره؛ لأنه عد غافلاً كما في الطلاق، وإن سكر من البيع يبطل خياره حتى لو زال السكر من البنج في المدة ليس له أن يتصرف بحكم الخيار هكذا حكى عن الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي، والصحيح أنه لايبطل.
وإن ارتد وعاد إلى الإسلام في المدة فهو على خياره إجماعاً، وإن مات أو قتل على الردة بطل خياره إجماعاً، وإن تصرف بحكم الخيار بعدها توقف تصرفه عند أبي حنيفة ونفذ عندهما، وفسخه بأحد أمرين، أما بالقول أو بالفعل، أما بالقول فسخت فبعد ذلك ينظر إن كان المشتري حاضراً يصح الفسخ ولا يحتاج فيه إلى قضاء أو رضا، وإن كان غائباً لا يصح الفسخ، ويكون موقوفاً عند أبي حنيفة ومحمد خلافاً لأبي يوسف.
والمراد من الحضرة المذكورة في هذه المسألة العلم بالفسخ في مدة الخيار حتى إن المشتري لو علم بالفسخ صح الفسخ وإن لم يكن حاضراً، وإن علم بعد مضي المدة تم

(6/491)


البيع؛ لأن تمام المدة دلالة لزوم البيع، فإذا اعترض في حال توقف الفسخ.
فوجه قول أبي يوسف: أن صاحب الخيار تصرف برضا صاحبه فلا يشترط علم صاحبه كالوكيل بالبيع، فإنه لا يشترط علم الموكل لصحة البيع لما قلنا كذا هنا.
بيانه: أن ولاية النقض بحكم شرط الخيار، وصاحبه شاركه في شرط الخيار، وعن أبي يوسف رواية أخرى في «النوادر» مثل قولهما: إن صاحب الخيار بالفسخ يلزم حكماً مبتدأً على صاحبه، ولصاحبه فيه ضرر إذا لم يعلم به، ونعني بهذا الفسخ فسخ العقد، فإن العقد ثابت في حق الحكم ففسخه ورفعه يكون حكماً مبتدأً.

وإنما قلنا لصاحبه فيه ضرر إذا لم يعلم به؛ لأنه تبنى على هذا أحكام يلزمه أداؤها، فإذا كان لا يشعر بها يمضي على موجب العقد ولا يؤدي تلك الأحكام، فيؤاخذ بسبب تركها، وهذا الضرر إنما جاء من ناحية الفسخ بلا علم، فيكون هذا إضراراً منه لصاحبه، فوجب أن لا يرد من غير علم صاحبه دفعاً للضرر عن صاحبه، ألا ترى أن من له خيار العيب إذا أراد الرد ... العبد إلى ملك البائع ويبني على الملك أحكام يجب آداؤها، فإذا كان لايعلم به لايؤدي فيؤاخذ بترك الأداء، فلم يصح من غير علمه دفعاً للضرر عنه، ولا يلزم على ماقلنا الإجازة؛ لأنه لا ضرر على صاحبه في الإجازة من غير علمه، فلا يتوقف صحتها على علمه، ولأنه لازم في حقه قبل الإجازة.
وأما الفسخ بالفعل أن يتصرف البائع في مدة الخيار في المبيع تصرف الملاك كما إذا اعتق أو دبر أو كاتب؛ لأن هذه التصرفات مختصة بالملك ولا يحتاج إليها للاختيار للملك دلالة، واختيار الملك يوجب نقض البيع، ولأن بعد هذه التصرفات يتعذر عليه الإجازة؛ لأن الحر ليس بمحل الابتداء، فلا يكون محلاً لإجازة البيع فيه، والأصل في العقد الموقوف إذا حدث فيه ما يتعذر بالإجازة أن ينفسخ، العقد مشروع للإجازة لا.
t
... وكذلك إذا باع من غيره؛ لأن البيع من التصرفات المختصة بالملك ولأن البيع قد نفذ؛ لأنه لاقى ملك البائع، والعقد.

النافد إذا طرأ على العقد الموقوف أوجب انفساخه، وكذلك لو وهب وسلم ينفسخ البيع، ولو وهب ولم يسلم لاينفسخ البيع. اذا رهن وسلم ينفسخ (80ب3) البيع، وإذا رهن وسلم ينفسخ البيع، وإذا آجر ذكر هذه المسألة في بعض المواضع، وقال: لا يكون فسخاً ما لم يسلمه إلى المستأجر، وذكر في بعضها أنه يكون فسخاً وإن لم يسلمه إلى المستأجر، وبه أخذ عامة المشايخ، ثم تصح هذه التصرفات بغير محضر من المشتري بلا خلاف، وإن كانت هذه التصرفات توجب فسخ البيع، والمشروط له الخيار لا يملك فسخ البيع حال غيبة صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن الفسخ بهذه التصرفات يثبت حكماً لا قصداً، وقد يثبت الشيء حكماً لغيره وإن كان لا يثبت قصداً، وقد روي عن محمد ما يدل على اشتراط حضرة صاحبه، وستأتي تلك الرواية بعد هذا إن شاء الله.

(6/492)


وفي «المنتقى» : إذا باع عبداً على أن البائع فيه بالخيار، ثم إن البائع أخذ الثمن من المشتري، فذلك ليس بإمضاء للبيع، ولو أخذ بالألف من المشتري مائة دينار كان هذا إجازة للبيع، قال: لأنه عمد إلى الثمن بعينه فباعه، ولو قبض منه الألف، ثم باعها منه أو من غيره لم يكن ذلك إجازة منه للبيع؛ لأن هذه الألف التي باعها قضاء من الألف التي على المشتري.
والحاصل في هذه المسائل: أن الثمن إذا كان شيئاً يتعين بالتعين، فإذا قبض البائع الثمن وتصرف فيه من بيع أو هبة، فذلك إمضاء للبيع؛ لأن تصرفه صادف عين المستحق بالعقد، فكان تقريراً للملك فيه فيكون دليلاً للإجازة، وإن كان الثمن شيئاً لا يتعين بالتعيين كالدراهم، فتصرف فيه بعد ما قبض مع المشتري أو مع غيره، فذلك ليس بإمضاء للبيع، وإن تصرف فيه قبل القبض مع المشتري فاشترى منه بالثمن ثوباً أو صارفه الألف على مائة دينار، فذلك إجازة للبيع.

والفرق: أن التصرف قبل القبض أضيف إلى غير ما هو مستحق بالعقد؛ لأنه لا حق للبائع في ذمة المشتري إلا ما هو ثمن فكان التصرفة تقريراً للملك فيه فيكون دليل الإجازة، أما بعد القبض التصرف ما أضيف إلى ما هو مستحق بعينه؛ لأن ما يدخل تحت القبض غير مستحق بالعقد أيضاً.

رجل باع جارية بعبد رجل وشرط بائع الجارية الخيار لنفسه في الجارية، ثم إنه وهب العبد الذي اشتراه بالجارية أو عرضه على بيع فهو إمضاء للبيع، ولو كان باع الجارية بألف درهم على أنه بالخيار في الجارية وقبض الألف، ثم وهبه أو أنفقه فهو على خياره؛ لأن له أن يدفع غيره. ولو لم يكن قبض الثمن من المشتري حتى اشترى منه بالألف شيئاً أو صارفه على مائة فهذا نقض لخياره وإمضاء لبيعه.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل باع عبدين من رجل على أن البائع فيهما بالخيار، ثم إن البائع نقض البيع في أحدهما وبغير عينه فنقضه باطل، وكأنه لم يتكلم بشيء ولا يكون نقضه بعض البيع نقضه بجميعه ولا شيء منه، وله أن يجيز البيع كله بعد ذلك.
وكذلك لو باع عبداً واحداً على أنه بالخيار فيه، ثم قال نقضت البيع في نصفه كان ذلك باطلاً وكأنه لم يتكلم بشيء، وله أن يجيز البيع في الكل بعد ذلك.
وفي «المنتقى» : باع من آخر بيضة على أن البائع فيها بالخيار، فخرج منها فرخ بغير صنع المشتري فليس للبائع أن يجيز ذلك على المشتري علل، فقال من قبل أنه قد تحول عن حاله، وكذلك إذا باع كفرى على أنه بالخيار فيه فصار تمراً بعد القبض، وهذا إشارة إلى أن هذا العقد لا يبطل.

وهكذا ذكر في «الزيادات» . وذكر الصدر الشهيد في «واقعاته» أنه يبطل؛ لأنه لو بقي يبقى مع الخيار فيقدر البائع على الإجازة وإن أبى المشتري، وهذا لا يجوز؛ لأن

(6/493)


المبيع صار شيئاً آخر ولو لم يكن في البيع خيار البيع، فالبيع باق والمشتري بالخيار، إن شاء أخذ وإن شاء ترك؛ لأنه لو بقي البيع لا يلزم المشتري إلا إذا شاء، وهذا جائز بعد تغيير المبيع.
وفي «نوادر عيسى بن أبان» عن محمد: رجل باع من رجل أرضاً بعبد على أن البائع بالخيار وتقابضا، ثم تناقضا العقد، فالأرض في يد المشتري مضمونة بالقيمة لما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله، ويكون لمشتري الأرض أن يحبس الأرض من البائع إلى أن يرد العبد عليه، وإن أذن بائع الأرض للمشتري في زراعتها خرجت الأرض من الضمان وصارت عارية للبائع في يد المشتري، وللبائع إن يأخذها متى شاء، وإن كان المشتري زرع الأرض كان للمشتري أن يمسكها بأجر المثل ويمنع البائع عنها إلى أن يستحصد الزرع.
وإن أراد المشتري بعد زرعها أن يمنع الأرض من البائع حتى يسترد العبد ليس له ذلك؛ لأنه حين زرعها بإذنه فكأنه سلمها إليه.
وإن أبى المشتري أن تكون الأرض في يده بأجر المثل إلى وقت إدراك الزرع وكره قلع الزرع أيضاً وأراد تضمين رب الأرض الزرع كان له ذلك إذا كان قد أذن له في زراعتها إلى أن يدرك الزرع إلا أن يرضي البائع أن يترك الزرع فيها حتى يستحصد بغير شيء.

وإن كان الخيار للبائع في عبد باعه فقال البائع للعبد: أنت حر إن دخلت الدار، وقال: إن دخلت الدار فأنت حر لم يكن هذا نقضاً للبيع، وكذلك إذا قال للعبد: أنت حر أو هذا العبد الآخر ذكر المسألة في «المنتقى» .
وروى بشر عن أبي يوسف: إذا باع عبداً على أن البائع فيه بالخيار ثلاثة أيام، ثم قال له: أنت حر أو هذا العبد لم يكن هذا نقضاً للعقد، فإذا مضى أجل الخيار (لم يكن له) أن ينقض البيع (و) وجب البيع وعتق العبد الآخر.

وفي «المنتقى» أيضاً: إذا باع فعرض المبيع على البيع ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه (إن) كان بغير محضر من صاحبه لا ينفسخ البيع، وبعض مشايخنا قالوا: العرض على البيع من البائع ليس بفسخ على كل حال وإليه مال الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي، وذكر شيخ الإسلام في «شرحه» أن فيه روايتين.
وفي «المنتقى» عن محمد: البائع إذا عرض المبيع على البيع لا يبطل خياره وعلل فقال: لأن نقضه لا يجوز بغير محضر من المشتري، فهذا التعليل يشير إلى أن العرض على البيع لو كان بمحضر من المشتري أنه يكون نقضاً للبيع.
وإذا هلك المبيع في يد البائع انفسخ البيع سواء كان الخيار للبائع أو المشتري، وإن هلك في يد المشتري والخيار للبائع إن هلك في الأيام الثلاثة فعلى المشتري قيمته، وإن هلك بعد مضي الأيام الثلاثة فعلى المشتري الثمن؛ لأن بمضي المدة تم العقد ولزم الثمن فلا ينفسخ بالهلاك في يد المشتري بعد ذلك، فيبقى الثمن لازماً، فأما (إذا) هلك في الأيام الثلاثة فقد انفسخ

(6/494)


العقد بهلاك المبيع؛ لأن الخيار قائم، وهذا؛ لأن المبيع بالهلاك والموت (يعاب) وإن تعيب في آخر جزء من أجزاء حياته؛ لأن الموت لا يخلو عن سابقة عيب إلا أن العيب الحادث في يد المشتري لا يعجز البائع عن الفسخ.
والإجازة بحكم الخيار فلا ينافي بقاء الخيار؛ لأن بقاء الخيار حينئذٍ يكون مقيداً، وإذا كان الخيار قائماً عند الهلاك كان العبد مملوكاً للبائع، فيهلك على ملكه وينفسخ العقد ضرورة، ولا يضمن المشتري الثمن ولكن يضمن القيمة، لأنه في معنى المقبوض على سوم الشراء إنما قبضه ليتملكه بعوض عيني كما في المقبوض على سوم الشراء، فيضمن القيمة عند العجز عن الرد كما في تلك المسألة.

وفي «المنتقى» : رجل باع من آخر جارية على (أن) البائع فيها بالخيار ودفعها (81أ3) إلى المشتري، فأعتقها المشتري أو زوجها في مدة الخيار، ثم إن البائع أجاز البيع فيها لا يجوز عتق المشتري ولا تزويجه وقد نقض البائع التزويج بإجازته البيع وإحلاله فرجها للمشتري.

ولو كان الزوج وطئها وهي بكر، ثم نقض البائع البيع فيها وقد نقصها الوطء مائة درهم، وعقرها مائتا درهم، فالبائع بالخيار إن شاء اتبع الزوج بالعقر تاماً ولم يرجع به الزوج على أحد، وإن شاء اتبع المشتري بنقصان الوطء ورجع المشتري على الزوج الواطء بالمائة التي ضمن ولم يكن البائع دفع الأمة إلى المشتري، وزوجها المشتري رجلاً وهي في يد البائع فوطئها الزوج، ثم أجاز البائع البيع ولم ينقصها الوطء؛ لأنها ثيب فالنكاح فاسد إذا فسخه المشتري، ولا يبطل ما لم يفسخه؛ لأن فرجها لم يحل للمشتري بإجازة البائع البيع وللمشتري على الوطء مهر مثلها إذا فسد النكاح، ولا خيار للمشتري في رد الأمة بالوطء الذي كان عند البائع من قبل أن الوطء لم ينقصها، وإن كان الوطء زناً كان هذا عيباً رد فيه.

قال هشام: سألت محمداً: عن رجل باع داراً على أنه بالخيار ثلاثة أيام فتوارى المشتري في بيته أراد أن يمضي الثلاث، فيجب له البيع مثل يوجد في هذا بالأعذار، قال: نعم أبعث إليه من يعذره فإن ظهر وإلا أبطلت خياره إلا أن يجيء في الثلاث، قلت: فإن لم يأت الخصم في الأيام أتاك في وقت لا تستطيع أن تبعث إليه من قبلك الأعذار، فسألك أن تبطل الخيار عليه، قال: لا أفعل ذلك، قلت: فإن قال الخصم: إني قد أعذرت إليه وأشهدت فاختفى مني، فاشهد لي بذلك، قال: أقول اشهدوا أن هذا قد زعم أنه قد أعذر إلى صاحبه في الأيام الثلاثة كان يأتيه عند كل يوم، فتعذر إليه فيختفي منه، فإن كان الأمر كما قال فقد أبطلت عليه الخيار، فإذا ظهر بعد ذلك وأنكر سألت المدعي البينة على الخيار وعلى أعذاره كما كان ادعى.
وإن كان الخيار للبائع فأبرأ البائع المشتري من الثمن صح إبراؤه، وكان ذلك إمضاء للبيع؛ لأن التصدق إنما يكون من المالك، ومالكية الثمن عند أبي حنيفة رحمه الله موقوفة على إجازة العقد، فيضمن الإقدام على ذلك إجازة للعقد، وستأتي مسألة الإبراء عن أبي يوسف بعد هذا بخلاف ما ذكر هنا.

(6/495)


وكذلك لو اشترى بالثمن منه شيئاً أو ساومه به صح ويكون ذلك إمضاء للبيع.
ولو اشترى بالثمن شيئاً من غيره لم يصح الشراء، ولو حدث بالمبيع عيب في يد البائع والخيار له فهو على خياره، ولو كان العيب حادثاً بفعل البائع انتقض البيع؛ وهذا لأن ما يحدث بفعل البائع قبل القبض يكون مضموناً عليه حتى تسقط حصته من الثمن، فلو بقي البائع على خياره تفرقت الصفقة على المشتري قبل التمام، وإنه لا يجوز.

أما ما انتقض لا بفعل البائع لا يكون مضموناً عليه، ولهذا لو سقط أطراف المبيع قبل القبض لا يسقط بحصته من الثمن شيء. فلو نفينا الخيار لا يكون فيه تفريق الصفقة على المشتري قبل التمام إلا أنه لا يجبر المشتري إذا ألزم البائع العقد؛ لأنه إنما رضي بمبيع سليم.

فإذا تعيب قبل القبض انعدم الرضا فكان الخيار كما لو سقط أطرافه قبل القبض.
وروى أبو سليمان عن أبي يوسف في «الإملاء» فيمن اشترى من آخر جارية بألف درهم على أن البائع بالخيار، ثم إن البائع وهب الثمن بعدما قبضه، فإبراء المشتري منه لم يكن ذلك فسخاً ولا إمضاء للبيع، فإن أجاز البيع بعد ذلك، فالبيع جائز والهبة جائزة، ولو كان المشتري نقد الثمن للبائع، ثم وهبه للبائع وقبل ذلك البائع، ثم أجاز البيع ليس للبائع أن يأخذه المشتري بثمن آخر، والثمن الموهوب هو الثمن وهبته باطلة؛ لأنه وهب للبائع ما ملكه البائع؛ لأن البائع مالك لهذا الثمن لا المشتري، وهذا بناء على ما قلنا إن الخيار إذا كان للبائع فالثمن يزول (عن) ملك المشتري ويدخل في ملك البائع عندهما.
بشر عن أبي يوسف: مسلم باع من مسلم عصيراً على أن البائع بالخيار وقبضها المشتري، فصارت في يده خمراً فقد انتقض البيع، ذكر المسألة في «المنتقى» قال: وضمن العصير، وهكذا روي عن محمد. قال الحاكم أبو الفضل: وقد قال في موضع آخر البائع على خياره، فإن سكت حتى مضت الثلاث لزم البيع المشتري، ثم على ما ذكر بشر أن البيع ينتقض لو لم يختصما حتى صار خلاً، فاختار البائع فله ذلك ولا يعتبر رضا المشتري في المشهور من الرواية، وفي بعض الروايات يعتبر رضا المشتري.
وإذا تبايع الذميان خمراً بشرط الخيار للبائع، فأسلم البائع بعد القبض بطل البيع، هكذا ذكر القدوري في كتابه، وهكذا ذكر في موضع آخر من «المنتقى» بناء على أن خيار البائع زوال ملك البائع فبقيت الخمر على ملكه في مدة الخيار، فلو لم يبطل العقد انتقل الملك عنه في الخمر بعد سلامه وإنه لا يجوز.

وذكر في موضع آخر من «المنتقى» : لو أسلم البائع بعد القبض جاز المبيع بمنزلة موته، ولو أسلم المشتري لم يبطل البيع، هكذا ذكر في «القدوري» ، وفي «المنتقى» في موضع؛ لأن المسلم لا يحتاج إلى صنع فيه لإتمام العقد على الخمر إذا لم يكن الخيار مشروطاً له، فصار إسلامه في هذا البيع وإسلامه في البيع البات إذا كان المبيع مقبوضاً على السواء، وهناك لا يفسد العقد فههنا كذلك.

وفي موضع آخر في «المنتقى» : أن البيع ينتقض بإهدام المشتري في هذه الصورة

(6/496)


بناء على ما قلنا إن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه، فلو بقي العقد ينتقل الملك في الخمر إلى المسلم، ولو أسلم أحدهما قبل قبض الخمر بطل البيع.
وإذا باع طيباً على أن البائع فيه بالخيار فقبضه المشتري وأحرم المشتري لم ينفسخ البيع، ولو أحرم البائع وقد دفعه إلى المشتري أو لم يدفعه ينفسخ البيع، وروى ابن سماعة في إحرام المشتري بخلاف ما ذكرنا.
وإذا باع عبداً على أن البائع بالخيار وقبضه المشتري قتيلاً ومات العبد وضمن المشتري قيمته للبائع أخذ أولياء الجناية القيمة من البائع، (وللبائع) أن يرجع على المشتري بمثلها، وهو بمنزلة الغصب.
رجل باع عبداً على أن البائع فيه بالخيار والعبد في يد البائع، فقال في الثلاث: قد فسخت البيع ونقضته، ثم قال بعد ذلك: قد أجزت البيع وقبل المشتري فهذا جائز، وإنه استحسان، ولو جنى البائع على المبيع في هذه الصورة جناية ونقضه فقال المشتري: أنا آخذه فليس له ذلك إلا أن يسلم البائع له؛ لأن جناية البائع عليه في الثلاث نقض للبيع، ولو كان الخيار للبائع والجارية عنده فوطئت بشبهة انتقض البيع من قبل المهر الذي وجب بالوطء.
وإذا كان الخيار للبائع وحلف بعتق المبيع أن لا يكلم فلاناً فلان يرده بالخيار ما لم يعتق بالحلف.

وروى أبو سليمان عن أبي يوسف في «الأمالي» : إذا جنى المبيع في يد البائع جناية والخيار له، فإن نقض البيع دفعه البائع أو فداه، فإن أمضى البيع أو سكت حتى مضت المدة وقتله المشتري ورضي بعيب أو فداه.
إذا اشترى ابنه على أن البائع بالخيار، ثم مات المشتري، فأجاز البائع البيع لا يرث الابن أباه.
اشترى عبداً على (أن) البائع بالخيار، فأذن له في التجارة لا يكون هذا فسخاً إلا أن يلحقه دين إلا في قول من يقول: فسخه بغير محضر من المشتري فسخ، ولو أمضاه بعد ما لحقه دين لم يجز؛ لأن الغريم أحق به من المشتري.
وإذا كان الخيار للبائع فقال المشتري للبائع: (81ب3) أعطيتك مائة درهم على أن تنقض البيع ففعل، فالمناقضة جائزة وليس عليه شيء.
وإذا باع عبداً بألف درهم على أن البائع فيه بالخيار ثلاثة أيام فأعطاه المشتري بها مائة دينار، ثم إن البائع نقض البيع فالصرف باطل، وكان عليه أن يرد الدينار.
وإذا باع جارية على أن البائع فيها بالخيار وتقابضا أو لم يتقابضا، فوجد المشتري بالمبيع عيباً فقال: رضيت به أو باعه أو وهبه أو عرضه على بيع أو ما أشبه ذلك من المعاني التي تكون رضاً في البيع خيار فليس للمشتري أن يردها بذلك العيب، هذا هو الكلام (في) البائع.

(وأما الكلام) في جانب المشتري، فنقول: إذا كان الخيار للمشتري فيعود هذا البيع بما ذكرنا من المعاني الثلاث، وبمعنى آخر سواها، وهو أن يتصرف المشتري في المبيع تصرف الملك.

(6/497)


والأصل فيه: أن كل فعل باشر المشتري في المشترى بشرط الخيار له فعلاً يحتاج إليه للامتحان ويحل في غير الملك بحال فالاشتغال به أول مرة لا يكون دليل الاختيار حتى لا يسقط خياره، وكل فعل لا يحتاج إليه للامتحان أو يحتاج إليه إلا أنه لا يحل في غير الملك بحال فإنه يكون دليل الاختيار، وهذا لا يحتاج إليه للامتحان ويحل في غير الملك بحال متى جعل دليل الاختيار، ويسقط خياره به أول مرة لا يفيد الخيار فائدة؛ لأن فائدة شرط الخيار إمكان الرد متى لم يوافقه بعد الامتحان، فمتى لزمه البيع بفعل الامتحان أول مرة لا يمكنه الرد متى لم يوافقه فتفوت فائدة شرط الخيار حينئذٍ، ومتى فعل فعلاً لا يحتاج إليه للامتحان لو جعل دليل الاختيار إلى أن تفوت فائدة الخيار فيسقط به الخيار.
ولهذا إذا ثبت هذا فنقول: إذا اشترى جارية على أنه بالخيار فاستخدمها مرة، لا يبطل خياره؛ لأن الاستخدام يحتاج إليه للامتحان؛ لأن الجارية تشترى للخدمة والخدمة لا تصير معلومة للمشتري من غير امتحان فكان الاستخدام محتاجاً إليه للامتحان، وإنه يحل بدون الملك فلم يكن الاشتغال به مرة دليل الاختيار فبقي على خياره.
بخلاف ما لو وطئها حيث يبطل خياره وإن كان الوطء محتاجاً إليه للامتحان لأنها تشترى للوطء ولا يعلم كونها صالحة للوطء بالنظر لأنها إنما كانت كذلك؛ لأن الوطء تصرف لا يحل بدون الملك بحال فكان الإقدام عليه اختياراً للملك، حتى لا يقع وطؤه في غير الملك، ولا كذلك الاستخدام؛ لأنه يحل في الملك، هذا إذا كان الاستخدام يسيراً.

فإن كان كثيراً يخرج عن حد الامتحان والاختيار يكون اختياراً للملك، وإن استخدمها مرة أخرى فإن كان في النوع الذي استخدمها في المرة الأولى كان اختياراً للملك؛ لأن المرة الأخرى في ذلك النوع غير محتاج إليه؛ (لأن) الامتحان حصل بالمرة الأولى، وإن كان في نوع آخر لا يكون اختياراً للملك؛ لأن للخدمة أنواعاً أخر محتاجاً إليه للامتحان أيضاً، والإكراه على الاستخدام في المرة الأولى اختيار للملك.
فسر محمد الاستخدام في كتاب الإجارات فقال: يأمرها بحمل المتاع على السطح أو بإنزاله من السطح أو بتقديم النعل بين يديه أو بأن تغمز رجله بعد أن لا يكون عن شهوة، أو بأن تطبخ أوتخبز بعد أن يكون ذلك يسيراً، وإن أمرها بالطبخ أو الخبز فوق العادة فذلك رضا.

ولو اشترى دابة على أنه بالخيار فركبها لينظر إلى سيرها لا يسقط خياره ولو ركبها مرة أخرى؛ لأن الركوب مرة أخرى غير محتاج إليه للامتحان بخلاف الركوب في المرة الأولى، ولو سافر عليها يسقط خياره؛ لأن السفر عليها غير محتاج إليه للامتحان، وكذلك إذا ركبها بحاجة سقط خياره.
وكذلك لو حمل عليها شيئاً وكذلك لو حمل عليها علفاً لها هكذا روي عن أبي يوسف وعن محمد: أنه إذا حمل علفاً لها عليها لا يسقط له خياره، ولو كان له دواب فحمل علف جميع الدواب عليها فذلك رضا ولو ركبها ليردها أو ليسقيها أو ليعلفها لا يكون رضا به ولا يسقط خياره استحساناً، كذا ذكر في

(6/498)


«الأصل» ، بعض مشايخنا قالوا: هذا إذا لم يمكنه الرد والسقي والإعلاف إلا بالركوب.
ويدل على هذا التأويل ما ذكر في «السير الكبير» في فصل العيب إن جوالق العلف إذا كان واحداً فركبها مع الجوالق لا يكون رضاً بالعيب؛ لأنه (لا) يمكنه حمل الجوالق الواحد إلا بالركوب، ولو كان جوالقين فركب يكون رضاً، لأنه يمكن حملها بدون الركوب.

ومن مشايخنا من قال: الركوب إذا كان لأجل الرد لا يسقط الخيار وإن أمكنه الرد بدون الركوب، بخلاف الركوب للسقي والإعلاف.
والقاضي ركن الاسلام علي السغدي والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي على أن الركوب للسقي والإعلاف رضا لما ذكرنا في «الأصل» ؛ لأن الركوب للسقي وحمل العلف من أمر الرد لأنه لو لم يسقها ولم يعلفها تهلك أو نتقض فلا يمكنه الرد، وربما تكون الدابة جموحاً لا يمكن ضبطها إلا بالركوب فكان الركوب من أسباب الرد فلا يمنع الرد.
ولو قص حوافر الدابة أو أخذ من عرقها فليس برضا؛ لأنه نقض وإتلاف جزء منها فيعتبر بإتلاف سائر الأجزاء، ولو كانت شاة فجز صوفها ذكر في «المنتقى» أنه يسقط، ولو كانت شاة فحلبها أو شرب لبنها فهو رضا هكذا ذكر في القدوري؛ لأن اللبن زيادة عنها والزيادة منفصلة عنها، والزيادة المنفصلة تمنع الرد بالعيب عندنا فكذا بخيار الشرط.
وفي صلح «الفتاوي» : رواية عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: إذا اشترى شاة أو بقرة على أنه بالخيار فاحتلب لبنها فقد انقطع خياره، وذكر «البقالي» قول محمد في هذا كقول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: هو خياره حتى يشرب لبنها أو يستهلكها.
g
ولو حجم الغلام أو سقى دواء أو حلق رأسه فهو رضا، وعن أبي يوسف في الدابة وحجامة الغلام أنه لا يسقط خيار المشتري. وفي المنتقى والأخذ من الشعر ليس برضا، وعن محمد رحمه الله: إذا أمر الغلام بجز رأسه يعني رأس الغلام فهو ليس برضا، إلا أن يريد به الدواء، وكذا الطلى وكذا غسل الرأس واللحية.

وفي «المنتقى» : إذا احتجم الخادم بأمر المشتري فهو رضا، وفي موضع آخر إذا رأى المشتري الغلام يحجم الناس بأجر فسكت فهو رضا، وإن كان يحجم بغير أجر فهذا ليس برضا، هذا بمنزلة الخدمة، ألا ترى أن المشتري لو قال له: أحجمني لا يكون رضا، ولو كان الخيار للبائع فاحتجم الغلام بإذن المشتري فهذا ليس ينقص إذا كان نفسه المشتري. قال في «المنتقى» : أيضاً: وأمر الخادم ليحمل شيئاً ليس برضا هذا من الخدمة. ولو أمر الجارية بمشط أو دهن أو لبس فهو ليس برضا أيضاً، وكذا إذا علق عنقها بشرط لا يسقط خياره ما لم تعتق بحكم اليمين.
ولو اشترى أرضاً فيها حرث اشترى الأرض مع الحرث أو حصده أو فصل منه شيئاً سقط خياره؛ لأن السقي للإستنماء وإنه دلالة الاختيار وبالقطع ينقبض المعقود عليه، وذلك مانع من الرد فيسقط خياره ضرورة، ولو سقى من نهرها دوابه أو شرب بنفسه لا

(6/499)


يسقط خياره؛ (82أ3) لأنه مباح بدون الملك فلا يكون فعله دليلاً على تقدير الملك، ولو سقى من نهرها أرضاً أخرى فهو رضا بخلاف ما إذا سقى أجنبي بغير علمه وإن هناك لا يسقط خياره، ولو رعت ماشية المشتري الكلأ يسقط خياره بخلاف ماشية الناس، وكري النهر وكنس البئر يسقط الخيار.
ولو انهدم البئر فبناها لم يعد خياره، ولو وقع فيها فأرة أو نجاسة سقط خياره، وروي في الفأرة إذا نزح عشرون دلواً أنه على خياره، وإذا سقى من البئر زرعه أو دوابه فهو على ما ذكرنا في النهر.
وإذا باع المشتري على أنه بالخيار، ذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي في «شرحه» في باب من الخيار قيل: لا يبطل خياره، وذكر شيخ الإسلام في «شرحه» : أنه يبطل وهو الصحيح؛ لأن البيع (باتاً) كان، أو بشرط الخيار من التصرفات المختصة بالملك وإنه غير محتاج إليه للاختيار فيصير به مختاراً للملك، ولو عرض المشتري التقوم لا يبطل خياره، ولو عرضه ليباع يبطل خياره؛ لأن العرض على جهة البيع من التصرفات المختصة بالملك، فإنه لا يعرض على البيع إلا المالك أو نائبه وإنه غير محتاج إليه للاختيار فيصير به مختاراً كما في البيع.
ولو اشترى ثوباً ولبسه لينظر إلى مقداره لا يسقط خياره، فإن لبسها ثانياً يسقط خياره؛ لأن اللبس ثانياً غير محتاج إليه للاختيار بخلاف اللبس أول مرة، فإن طال اللبس الأول سقط خياره أيضاً، وإن لبسه ليستدفئ به بطل خياره.
ولو اشترى رحاً فطحن به المشتري ليعرف مقدار طحنها لا يبطل خياره؛ لأن الطحن محتاج إليه للامتحان والاختبار، ولم يذكر محمد رحمه الله في شيء من الكتب مقدار ذلك.

وحكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني: أنه إذا طحن بها زيادة على يوم وليلة يبطل خياره وإن كان دون ذلك لا يبطل خياره. وفي «البقالي» : الطحن بالرحى لا يسقط خيار المشتري إلا أن يطول أو ينقصها، وذكر الخصاف: أن الطحن يوماً ونحوه لا يسقط حتى يجزئه، ثم يريد بعد ما بان له طحنها على قلة الماء وكثرته.
وإذا كان المشتري بشرط الخيار للمشتري دار فسكنها المشتري سقط خياره هكذا ذكر المسألة في كتاب البيوع.
وفي «القدوري» : إذا سكن المشتري الدار وأسكنها رجلاً بأجر أو رمم فيها شيئاً أو أحدث فيها بناءً أو جصصها أو طيبها أو هدم فيها شيئاً فهو إمضاء للبيع.

وذكر في كتاب القسمة: أن خيار الشرط في القسمة لا يبطل بالسكنى بعد القسمة، إلا أن في كتاب القسمة وضع المسألة فيما إذا دام على السكنى، وفي كتاب البيوع ذكر السكنى مطلقاً، فمن مشايخنا من قال: ما ذكر في كتاب البيوع ابتداء السكنى، بأن كان المشتري ساكناً في الدار قبل الشراء بإجارة أو إعارة لا يسقط خياره كما في القسمة.
ومنهم من قال: خيار الشرط في البيع يسقط بالسكنى في الحالين، كما أطلق محمد

(6/500)


رحمه الله في كتاب البيوع، وفي القسمة لا يسقط خيار الشرط وفي الحالين.
غير أن محمداً وضع المسألة وفي القسمة في الدوام على السكنى اتفاقاً، وإن كان في الدار ساكناً بأجر فباعها البائع برضاه وشرط الخيار للمشتري فترك المشتري وأساء العلة فقد سقط خياره؛ لأنه أخذ عوض المنافع وإنما يجب عوض المنافع لمن كان ملك المنافع إنما يملك الأصل فكان أخذ العوض على تقدير ملك الأصل.
وسئل أبو بكر عمن اشترى كتاباً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم إنه انتسخ منه لنفسه لا يبطل خياره، كالنساج إذا نظر في نقش الديباج لا يبطل خياره، ألا ترى أن من انتسخ من كتاب المبسوط ولم يرفعه لا يصير غاصباً، وإن قلب أوراقه قيل له: لو درس منه ولم يكتب قال: يبطل خياره؛ لأن شراء الكتاب للدراسة يكون لا للانتساخ، وكذلك لو انتسخ لغيره لا يبطل أيضاً قال الفقيه: ولو قيل يبطل الخيار بالانتساخ دون الدراسة كان له وجهاً؛ لأن في الدراسة امتحان لينظر إلى صحته، فصار كاستخدام العبد وفي الكتابة استعمال، قال الفقيه: وبه نأخذ.
وإذا بيعت الدار بجنب الدار المشتراة بشرط الخيار للمشتري، فأخذها المشتري بالشفعة فقد سقط خياره، وإذا كان الخيار للمشتري فأبرأه البائع عن الثمن لم يصح الإبراء في قول أبي يوسف، وروي عن محمد: أنه إذا أجاز البيع نفذ الإبراء.

فوجه قول أبي يوسف: أن هذا إبراء عن دين غير واجب فلا يصح كما قبل العقد، وجه قول محمد: أن المشتري لما أجاز البيع، استند وجوب الثمن إلى أصل العقد فكان إبراء عن دين واجب، وإذا كان الخيار للمشتري فقال المشتري للبائع: إن أردها إليك اليوم فقد رضيتها فهذا القول باطل، وله أن يردها بخيار الشرط.
وكذلك إذا قال: إن لم أفعل كذا فقد أبطلت خياري، ولو لم يقل هكذا ولكن قال: أبطلت خياري غداً، وقال: إذا جاء غداً فقد أبطلت خياري فهذا جائز قال: لأن هذا وقت كائن لا محالة.
ولو قال بعد ما اشترى وشرط الخيار لنفسه شهراً: إن لم آتك بالثمن فيما بيني وبين ثلاث فلا يمتنع بيني وبينك فهو على ما قال كان ذلك، قال في أصل العقد وكذلك إذا قال: إن لم آتك بالثمن إلى سنة فقد نقضت البيع فيه.
وفي «نوادر هشام» قلت لمحمد: رجل اشترى قرية وفيها قناة غزيرة اشتراها وماءها على أنه بالخيار كيف يصنع بماء القناة؟ قال: يدعه يذهب، قلت: إن لم يصرف الماء يفسد، قال: يوكل البائع رجلاً لصرفه.
وإذا كان الخيار للمشتري فولدت الجارية في يده، أو أثمرت النخلة، أو باضت الدجاجة، فقد سقط خياره؛ لأن فائدة الخيار الرد وقد تعذر الرد؛ لأنه وجه إلى رد الأصل بدون الزيادة يبقى مبيعاً في يده بلا ثمن ولا وجه إلى رد الأصل مع الزيادة؛ لأن العقد لم يرد عليها فكيف يرد الفسخ عليها.
وفي «البقالي» : ولا يسقط الخيار بالولد الميت والبيضة الفاسدة.

(6/501)


وفي «المنتقى» : إذا ولدت في يدي المشتري ولداً ميتاً أو لم تنقصها الولادة فهو على خياره، وإن كانت الزيادة ذات المبيع كالسمن وما أشبهه سقط الخيار في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي قول محمد: لا يسقط.

ولو كان المشتري بشرط الخيار جارية فلمسها المشتري، أو قبلها بشهوة سقط خياره، بخلاف ما إذا لمسها بغير شهوة؛ لأن اللمس بشهوة تصرف يختص بالملك جماع حكماً حتى يثبت به حرمة المصاهرة فيعتبر بالجماع حقيقة، وبالجماع حقيقة يثبت الخيار فكذا بالجماع حكماً.
فأما اللمس بغير شهوة ليس بجماع حكماً، وإنه فعل يحتاج إليه للامتحان فلا يسقط الخيار، والنظر إلى فرجها بشهوة نظر المسن بشهوة جماع حكماً حتى يثبت به حرمة المصاهرة، بخلاف النظر إلى ما هو سوى الفرج من أعضائها بشهوة؛ لأنه ليس بجماع أصلاً.
وإذا دعاها إلى فراشه لا يبطل خياره هكذا ذكر في «فتاوي أبي الليث» : لأنه لعل إنما دعاها للاختبار ليعلم أنها تجيبه أو لا تجيبه، وإذا كانت الجارية قد نظرت إلى فرج المشتري بشهوة أو لمسته بشهوة أو قبلته بشهوة وأقر المشتري أنها فعلت بشهوة أجمعوا على أنه إذا كان يتمكن المشتري بأن علم المشتري بذلك منها فتركه (82ب3) حتى فعلت أنه يسقط خياره؛ لأن فعل الجارية بتمكين المشتري بمنزلة فعل المشتري بنفسه.

ولو أن المشتري فعل ذلك يسقط خياره فكذا هذا، وبهذا الطريق قلنا: بأن المرأة إذا فعلت مثل هذا بالزوج بتمكين الزوج يصير راجعاً كذا هنا، فأما إذا فعلت ذلك لا بتمكين من المشتري، على قول أبي يوسف: يسقط خياره.
وعلى قول محمد: لا يسقط وإن وجدت المشتري نائماً فأدخلت فرجه فرجها، يسقط خياره بالإجماع، ولو نظرت المعتدة طلاقاً رجعياً إلى فرج زوجها بشهوة أو لمسته بشهوة يثبت في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا يثبت في قول محمد، إلا أن تحصل المجامعة بفعلها بأن أدخلت فرجه فرجها، ذكر المسألة على هذا الوجه بشر بن الوليد في «نوادره» ، وروى ابن سماعة في «نوادره» في مسألة الرجعة روايتين عن محمد رحمه الله.
وفي سقوط الخيار بنظر الأمة إلى فرج المشتري بشهوة رواية واحدة عن محمد أنه لا يسقط.

وجه قول محمد: أن الخيار حق المشتري فلا يسقط إلا بإسقاطه إما نصاً أو دلالة، ولم يوجد منه الإسقاط نصاً وهذا ظاهر ولا دلالة؛ لأن دليل الإسقاط وجود صنع من جهته، إما من حيث الحقيقة أو من حيث الاعتبار، ولم يوجد من المشتري صنع لا من حيث الحقيقة، وإنه ظاهر ولا من حيث الاعتبار؛ لأن فعل المس يضاف إلى الماس لا إلى الممسوس؛ لأن الممسوس محل فعل المس والفعل يضاف إلى الفاعل لا إلى المحل.
ثم إن محمداً يحتاج إلى الفرق بين مسألة الرجعة وبين مسألة الخيار على إحدى روايتي ابن سماعة.

(6/502)


والفرق من وجهين: أحدهما: أن الرجعة يشترك فيه الزوجان لكل واحد منهما فيها حق، فجاز أن يجعل فعل أحد الشريكين كفعل صاحبه، والدليل على أن للمرأة في الرجعة حقاً كما للرجل قال الله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} (البقرة: 228) فلولا أن للمرأة حقاً في ذلك، وإلا لم يكن لقوله: أحق معنى وفائدة؛ لأن الفعل إنما يستعمل بين شخصين في شيء يشتركان فيه كما يقال: فلان أحسن من فلان وأفقه من فلان وأجمل من فلان وكقوله عليه السلام: «الأيِّم أحق بنفسها من وليها» اقتضى أن يكون للولي حق في نفسها إلا أن حق المرأة أكثر فكذلك هذا.
وإذا ثبت أن لها حقاً في الرجعة أمكن أن يجعل فعلها في إثبات المراجعة كفعل الزوج، فأما لا حق للأمة في خيار المشتري ولا يمكن أن يجعل فعلها كفعل المشتري في حق إسقاط خياره.
والفرق الثاني: أن المرأة في باب النكاح عاقدة من وجه ومعقود عليها من وجه، فوفرنا على الشبهين حظهما.
قلنا: لكونها عاقدة من وجه تثبت الرجعة من جهتها من حيث الحكم، ولكونها معقوداً عليها من وجه لا يثبت الرجعة من جهتها قصداً توفراً على الشبهين حظهما، فأما الأمة في باب الشراء معقود عليها من كل وجه وليست بعاقد، فلم يسقط خيار المشتري من جهتها لا من حيث الحكم بالنظر (إلى) فرج المشتري بشهوة ولا من حيث العقد بصريح الاختيار.

وأما أبو حنيفة وأبو يوسف ذهبا في ذلك إلى أنه وجد منها ما هو جماع حكماً، فيعتبر بما لو وجد منها ما هو جماع حقيقة، دليله جانب الزوج، فإن في جانب الزوج اعتبر الجماع الحكمي بالحقيقي فكذا في جانبها.
ولو وجد منها ما هو جماع حقيقة سقط خيار المشتري فكذا في جانبها ما هو جماع حكماً وإنما قلنا وجد منها ما هو جماع حكماً؛ لأن هذا الفعل من جانبها أوجب حرمة المصاهرة كما لو وجد منها الجماع حقيقة.
وأما قول محمد رحمه الله: لم يوجد ممن له الخيار صنع، قلنا: وجد الصنع من حيث الاعتبار لما ذكرنا أنه وجد منها جماع حكماً، والفعل في الجماع الحقيقي مضاف إلى الزوج من حيث الحقيقة، فكذا فيما هو جماع حكماً يكون الفعل مضاف إليه حكماً، فقد وجد منه فعل حكماً.
وفي «نوادر هشام» عن محمد: رجل اشترى من آخر جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام، فمرض العبد في الثلاث، فنقض المشتري العقد ورد العبد إلى البائع أن سلمه

(6/503)


فأمضى الثلاث، والعبد مريض على حاله لزم المشتري، وإن صح قبل مضي الثلاث قبل أن يرد، فله أن يرد بالرد الذي كان منه في الثلاث.
وإذا كان الخيار للمشتري والسلعة مقبوضة فحدث بها عيب لا يرتفع لزم العقد وبطل الخيار، سواء كان بفعل البائع أو بغير فعله، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يلزم بجناية البائع؛ لأن فيه تسليط البائع على إلزام العقد وبه تفوت فائدة الخيار للمشتري، إلا أن يتمكن المشتري من الفسخ شاء البائع أو رضي أم سخط.

ولهما: أن العقد قد لزم في القدر الذي تلف بالتعييب في ضمان المشتري وتقرر عليه حصته من الثمن، فلو جاز رد الباقي كان ذلك تفريقاً للصفقة على البائع قبل التمام في حق الرد، وذلك لا يجوز، وإذا تعذر الرد لهذا المعنى لزم العقد في فعل الأجنبي، إلا أن يكون الأجنبي مسلطاً على إلزام العقد، وإذا لزم العقد عندهما رجع المشتري على البائع بالأرش؛ لأن البيع قد تم بأول جزء من النقص فصار البائع جانياً على ملك المشتري فيضمن الأرش.
وفي «نوادر هشام» قال: قلت لمحمد رجل اشترى من رجل شيئاً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، فجاء إلى باب البائع في الثلاث ليرده، فاختفى منه البائع فأشهد المشتري ناساً أنه قد رد البيع بخياره، ثم ظهر البائع بعد الثلاث فأخبرني أن أبا حنيفة رحمه الله قال: رده باطل إلا أن يجتمعا جميعاً، قال هشام: وهو قول محمد وهي المسألة المعروفة أن المشروط له الخيار في البيع لا يملك الفسخ إلا بحضرة صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد ومعناه ألا يعلمه.
وتأويل ما ذكر هشام: إن لم يعلم البائع بفسخ المشتري قال هشام: قلت لمحمد كيف يصنع المشتري؟ قال: إن أراد أن يستوثق ينبغي أن يقول للبائع: تقيم له كفيلاً المشتري وبرضاه إن رد البيع ونقضه بخياره فرده يكون عليه جائزاً.
ولو اشتراه على أن البائع إن غاب عيبة ففسخه عليه جائز فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأن هذا شرط فاسد عندهما لأنهما لا يريان الفسخ عند غيبة الآخر.
في «المنتقى» : إذا اشترى عبداً على أنه إن لم ينفذ الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما، ثم إن المشتري قطع يد العبد في الثلاث أو قطعها أجنبي في الثلاث قال: إذا قطعها المشتري في الثلاث، فالبائع بالخيار إن شاء أخذ العبد مقطوع اليد ولا شيء له غير ذلك، وإن قطعها أجنبي في الثلاث فقد وجب البيع للمشتري لأنه وجب له أرش.

رجل اشترى من آخر سمكاً طرياً أو عصيراً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، فقبضه فوهب للعبد مال أو اكتسبه، ثم استهلكها العبد بعلم المشتري بغير إذنه أو بغير علمه، لم يبطل خيار المشتري ولو وهب للعبد ابن المشتري وقبض العبد الابن العبد عتق الابن، ولا يبطل خيار المشتري في العبد، ولو وهب للعبد أم ولد المشتري وقبضها العبد بطل

(6/504)


(83أ3) خياره في العبد، وهكذا روى ابن سماعة عن محمد هذه المسألة: الأفضل استهلاك العبد الموهوب فإنه لم يروه عن محمد.
وعن أبي يوسف: اشترى عبداً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم قال المشتري: شئت أخذه أو قال: رضيت بأخذه أو أحببت أو أردت أو أعجبني ذلك أو قال: وافقني لم يلزمه.
وفي «نوادر بشر بن الوليد» : عن أبي يوسف: رجل اشترى من آخر عبداً على أنه بالخيار ثلاثة أيام فقال البائع للمشتري: أعطيك مائة على أن تبطل البيع ففعل، قال: قد انفسخ البيع وليس على البائع شيء.
وإذا اشترى من آخر عبداً بألف درهم على أن المشتري بالخيار، فأعطاه بها مائة دينار، ثم أن المشتري رد البيع فالصرف جائز عند أبي يوسف ويرد الدراهم، وعلى قول أبي حنيفة: الصرف باطل.
رجل اشترى من آخر جارية على أن المشتري بالخيار ثلاثة أيام، ثم إن المشتري قبلها أو لمسها أو نظر إلى فرجها، ثم أراد أن يردها وقال: لم يكن ذلك بشهوة فالقول قوله مع يمينه.
هكذا روي عن محمد في «المنتقى» : ثم قال: ألا ترى أن رجلاً لو قبل امرأة أو لمسها أو نظر إلى فرجها، ثم قال لم يكن عن شهوة، كان القول قوله كذا هنا، ولو كان مباشرة، ثم قال: كان ذلك مني بغير شهوة لم يقبل قوله، وكان الصدر الشهيد يقول في القبلة: يفتي بحرمة المصاهرة ما لم يبين أنه فعل بشهوة، قياس ما قاله الصدر الشهيد ثمة: يجب أن يقال في مسألة الشراء إذا قبلها، ثم قال: لم يكن عن شهوة، أن لا يقبل قوله ويسقط خياره.

وقال أبو يوسف: في رجل اشترى بئراً على أنه بالخيار ثلاثة أيام فغار ماؤها أو دفع فيها فأرة ميتة قال: إن اختصما على تلك الحالة لم يكن له ردها، وإن لم يختصما حتى عاد الماء كما كان على خياره.

نوع منه
في اشتراط الخيار لهما وفي بيان أحكامه إذا كان الخيار لهما فمات أحدهما لزم البيع من جهته والآخر على خياره، فخيار الشرط لا يورث هنا عندنا خلافاً للشافعي.
وفي «المنتقى» : رجل باع عبداً بأمة على أن كل واحد منهما بالخيار فأجاز بائع العبد البيع وقد تقابضا فمات العبد في يد المشتري فقد لزمه وتم البيع فيه.
رجل اشترى عبد الجارية وشرط كل واحد الخيار لنفسه فيما باع، ثم إنهما أعتقا معاً جاز عتق كل واحد منهما في السلعة التي كان يملكها.
رجل اشترى من آخر عبداً بألف درهم وهما جميعاً بالخيار فقال البائع: قد أجزت البيع بحضرة من المشتري، وقال المشتري بعد ذلك: قد فسخت البيع بحضرة البائع فالبيع

(6/505)


ينفسخ، فإن هلك العبد في يدي المشتري قبل أن يرده في الأيام الثلاثة أو بعدها فعلى المشتري الثمن من قبل أن البائع قد ألزم البيع وصار المشتري بالخيار دون البائع.
ولو أصابه عيب قبل هذه المقالة أو بعدها فهو على سواء وعليه الثمن ولا يستطيع رده بعد العيب الذي أصابه، وإن بدأ المشتري ففسخ العقد، ثم إن البائع أجاز البيع، ثم هلك العبد فعلى المشتري قيمته.

وكذلك لو أصابه عيب نقصه بعد هذه المقالة فالبيع منتقض يرد المبيع ويرد نقصان العيب، ولو أصابه العيب قبل أن يفسخ المشتري البيع، ثم فسخه المشتري، ثم أجازه البائع فالبيع لازم للمشتري وعليه الثمن من قبل أن العيب الذي حدث به عند المشتري بمنزلة إجازة البيع، فإذا أجازه البائع بعد ذلك فقد تم البيع فلزم الثمن وإذا كان الخيار للبائع أو للمشتري فتناقضا العقد، ثم هلك المبيع في يدي المشتري قبل الرد على البائع يبطل حكم ذلك الفسخ ويعود حكم البيع ويجعل كأن الهلاك كان قبل فسخ البيع.

نوع آخر في الاختلاف في عقد البيع على الخيار
هشام قال: سمعت أبا يوسف قال: قال أبو حنيفة رحمه الله: رجل ادعى أنه باع هذا العبد من هذا أمس بألف درهم على أني بالخيار وجحد المشتري الخيار فالقول قول البائع وهو المدعي للخيار وقال أبو يوسف: القول قول المشتري وكذلك إن كان المشتري هو الذي ادعى الشراء بشرط الخيار وجحد البائع الخيار فالقول قول المشتري وهو المدعي للخيار.
وفي «البقالي» : عن أبي حنيفة: أن القول قول من سعى بالخيار، وفيه أيضاً: القول قول من يدعي الخيار عند محمد.
قال في «البقالي» : وأطلق الأصل أن القول قول من يبقيه وكذا في المجرد، وقال أبو يوسف: إذا ادعى أحدهما الخيار لبيع قد مضى، ثم أصدقه إلا يبقيه وإن ادعى أحدهما الخيار لبيع باعه من ساعته ووصل دعواه بالخيار، فإني أقبل ذلك من أيهما ادعاه، وعن أبي يوسف فيمن قال لامراته: طلقتك أمس إن شئت وقالت المرأة: طلقتني لغدٍ فالقول قول الزوج، ولو قال: بعتك أمس إن شئت، وقال المشتري: اشتريته إليه فالقول قول المشتري، وإنما افترقا؛ لأن في قوله: بعتك أمس أنك قبلته وليس ذلك في الطلاق.
وفي «المجرد» : إذا اختلفا في مقدار الخيار فالقول قول من يدعي الأقل، وإذا اتفقا على مقدار واختلفا في المضي فالقول قول من أنكر المضي.
s

نوع آخر في الاختلاف في الخيار في البيع في موت العبد ومضي الخيار وبعده
قال محمد في «الجامع الكبير» : رجل باع عبداً من رجل بألف درهم على أن البائع

(6/506)


فيه بالخيار وقبضه المشتري فمضت المدة فقال أحدهما أيهما كان، إن العبد مات في الثلاث وانتقض البيع ووجبت القيمة.
وقال الآخر: لا بل هو حي آبق فالقول قول من يدعي أنه حي آبق؛ لأن الظاهر شاهد له من وجوه من حيث إنه عرف حياة العبد، والأصل في الثابت بقاؤه ومن حيث إن العقد قد انعقد فكان الأصل بقاؤه ومن حيث إن مدة الخيار انقضت فكان الأصل لزوم العقد فكان الظاهر شاهداً له من هذه الوجوه الثلاثة، ومدعي الموت يشهد له الظاهر من وجه واحد من حيث إن الغير في مدة الخيار كان مضموناً على المشتري بالقيمة، والأصل بقاؤه.
قلنا: من يشهد له الظاهر من وجه واحد لا يعارض من خبره خبر من يشهد له الظاهر من وجوه، فإن أقاما البينة كانت البينة بينة من يدعي أنه حي آبق أيضاً.
وطعن عيسى ابن أبان في هذا فقال: يجب أن تكون البينة بينة من يدعي الموت في مدة الخيار؛ لأنه يدعي أمراً على خلاف الظاهر على ما مر، والبينات شرعت لإثبات ما خفي من الأمور دون إثبات ما ظهر منها، ألا ترى أنا رجحنا بينة الخارج على بينة ذي اليد في دعوى الملك المطلق خفي من الأمر كذا ههنا، الجواب أن بينة من يشهد له الظاهر إنما تبطل إذا بقي الظاهر مع بينة خصمه كما في الخارج مع ذي اليد؛ لأن هناك شهادة الظاهر إنما تثبت بحكم اليد واليد لا تبطل بينة الخارج إما إذا بطل الظاهر ببينة خصمه لا يبطل كونها حجة لحق وهو أن الظاهر إذا لم يبطل ببينة خصمه مما يثبت له بالظاهر لا يثبت لبينة وبينة الخصم تثبت من كل وجه فكانت بينة (83ب3) خصمه أكثر إثباتاً فترجحت باعتبار هذا، أما إذا أبطل الظاهر بينة خصمه وبينته مبيناً من كل وجه أيضاً، فلا يترجح بينة خصمه، بل يطلب الترجيح في نفس البينة فكانت أكثر أماناً فهو أولى إذا ثبت هذا.

فنقول لما قامت البينة على الموت في الثلاث بطل الظاهر الذي كان يشهد لمن يدعي الحياة بعد الثلاث من كل وجه وهو ظاهر الحياة وظاهر العقد وانقضاء المدة، فإن انقضاء المدة لا يؤثر في اللزوم مع الموت في المدة، فإذا بطل الظاهر كله يعتبر معنى الإثبات وبينة من يدعي الحياة بعد مضي المدة أكثر إثباتاً لأنها تثبت لزوم العقد وإنتقال المبيع من ملك البائع إلى ملك المشتري، والانتقال من ضمان القيمة إلى ضمان الثمن أيضاً.

وبينة صاحبه تبقي ذلك كله فكانت بينة من يدعي الحياة أولى، وإن تصادقا بعد الثلاث أن العبد مات واختلفا في وفاته، فقال أحدهما: مات في الثلاث وقال الآخر: مات بعد الثلاث فالقول قول من يدعي الموت في الثلاث؛ لأن مدعي الموت في الثلاث مدعي نقض البيع وموت العبد سبب لنقض البيع في البيع بشرط الخيار للبائع إذا علم موته بعد الثلاث ولم يثبت فكان الظاهر شاهد المدعي الموت في الثلاث من هذا الوجه، ولأن مدعي الموت في الثلاث يدعي ضمان القيمة وقد عرف ثبوته، ويدعي هلاك العبد على ملك البائع وعرف كونه ملك البائع أيضاً فكان الظاهر شاهداً له من هذه الوجوه.
فأكثر ما في الباب أن الظاهر شاهد يدعي المدعي الموت بعد الثلاث من حيث إنه يدعي

(6/507)


بقاؤه حياً إلى بعد الثلاث وقد عرف كونه حياً ويدعي حدوث الموت لأقرب الأوقات ومدعي بقاء العقد إلى ما بعد الثلاث وقد عرف قيامه فتعارضت الظواهر، لكن الظاهر يصلح للدفع دون الاستحقاق ومدعي النقض يدعي حدوث ملك المشتري وحدوث ضمان الثمن. ومدعي الجواز يدعي حدوث ملك المشتري وضمان الثمن.
فلهذا كان القول قول من يدعي الموت في الثلاث، فإن أقاما البينة (فالبينة) بينة من يدعي الموت بعد الثلاث؛ لأنه يثبت ببينته لزوم العقد وحدوث الملك للمشتري والنقل من ضمان القيمة إلى ضمان الثمن وكل ذلك غير ثابت قبل البينة، وبينة من يدعي بعد الموت بعد الثلاث أولىّ.

ولو تصادقا أن العبد مات بعد الثلاث في يد المشتري فأقام أحدهما البينة أن البائع نقض البيع في الثلاث بمحضر من المشتري وأقام الآخر البينة أن البائع أجاز البيع في الثلاث فالبينة بينة من يدعي النقص؛ لأن حياة العبد بعد مضي المدة تدل على لزوم العقد فالانتقال من ضمان القيمة إلى ضمان الثمن بالذي على نص النقض يثبت خلاف الظاهر والأخر يثبت ما هو ظاهر فكانت بينة من يدعي أكثر إثباتاً.
ولو تصادقا أن العبد مات في الثلاث وأقام أحدهما البينة على النقض والأخر على الإجازة قبل الموت فالبينة بينة من يدعي الإجازة؛ لأن الموت في الثلاث موجب النقض فالبينة على الإجازة هي التي تثبت ما ليس بظاهر فكانت حق بالقبول.
ولو ادعى أحدهما أن الثلاث مضت والعبد حي، ثم مات وأن البائع نقض البائع قبل موته بمحضر من المشتري ولا بينة لهما فالقول قول من يدعي الموت في الثلاث؛ لأن كل واحد منهما يدعي شيئين.
أحدهما: الموت في الثلاث، والنقض قبل ذلك وادعى الأخر بقاؤه في الثلاث والإجازة ودعوى كل واحد منهما أولاً متضمن دعواه آخر؛ لأن الذي ادعى بقاء العبد بعد الثلاث ادعى لزوم العقد، وقوله: إن البائع جاز البيع دعوى لما تضمنه الكلام الأول والذي ادعى الموت في الثلاث ادعى انتقاص البيع، وقوله: إن البائع نقض البيع دعوى لما تضمنه الكلام الأول فلغى عن دعوى كل واحد منهما لدعوى الثاني في بقيت العبرة لدعوى أحدهما الموت في الثلاث ودعوى الأخر: الموت بعد الثلاث، وقد ذكرنا أن في هذا القول قول من يدعي الموت في الثلاث والبينة بينة صاحبه كذا ههنا.

وإن ادعى أحدهما أن العبد مات بعد الثلاث وإن البائع نقض البيع في الثلاث بمحضر من المشتري وادعى الأخر أن العبد مات في الثلاث وأن البائع جاز البيع قبل موت العبد فنقول كل واحد منهما ضم إلى دعواه لا بجانبه؛ لأن موت العبد في الثلاث يدل على النقض فلا يصح معه دعوى جواز البيع فلا يصح معه دعوى النقض فاعتبر من دعوى كل واحد منهما السابق، وهو دعوى الموت في الثلاث، أو بعد الثلاث وقد بينا هناك أن القول قول من يدعي الموت في الثلاث والبينة بينة صاحبه.
ولو كان البائع والمشتري جميعاً بالخيار ثلاثة أيام وقد قبض المشتري العبد فادعى

(6/508)


أحدهما أن الثلاث مضت والعبد حي، ثم مات بعد ذلك، وأيهما جميعاً أجاز البيع قبل موته فالقول قول من يدعي النقض والبينة بينة صاحبه؛ لأن كل واحد منهما ضم إلى دعواه السابق ما لا يجانسه على أمر، فاعتبر السابق من دعوى كل واحد منهما وهو دعوى الموت في الثلاث ودعوى الموت بعد الثلاث، وقد بينا في هذا أن القول قول من يدعي الموت في الثلاث والبينة بينة صاحبه.
قال أبو يوسف ومحمد: لو أن رجلاً باع من رجل عبداً على (أن) البائع أو المشتري بالخيار ثلاثه أيام وقبض المشتري العبد فمضت الثلاث والعبد حي قائم فأقام أحدهما البينة على النقض في الثلاث وأقام الآخر البينة على الإجازة في الثلاث كانت بينة النقض أولى؛ لأن العبد لما بقي حياً بعد الثلاث فذلك دليل الجواز.

ولهذا لو لم يكن لهما بينة جعل القول قول من يدعي الجواز فصارت بينة النقض هي البينة لأمر غير ظاهر فكانت أولى، وإن أقام البينة على ما ذكرنا في الثلاث فالبينة بينة من لا خيار له؛ لأن من له الخيار يثبت ببينته أمراً يملك الشاة فلا حاجة له إلى إثباته بالبينة، والذي لا خيار له يحتاج إلى إثبات ما يدعيه بالبينة فكانت بينته أولى، بخلاف ما إذا مضت المدة؛ لأن هناك كل واحد منهما يدعي أمراً لا يملك استئنافه وبينة النقض على المنفعة على أمر فكانت هي أولى، ولو كان الخيار لهما فأقام أحدهما البينة على النقض منهما جميعاً، وأقام الأخر البينة على الإجازة منهما جميعاً وكان الاختلاف بينهما بعد مضي الأيام الثلاثة فالبينة بينة من يدعي النقض؛ لأن لزوم البيع ثابت بمضي المدة ظاهراً فكانت بينة النقض على المنفعة فيكون أولى.
ولو اختلفا على هذا الوجه في الأيام الثلاثة ولم يكن لهما بينة، فالقول قول من يدعي النقض، ولو أقام البينة فالبينة بينة مدعي الإجازة؛ لأنه ادعى أمراً لا يتفرد به فاحتاج إلى إثباته بالبينة، والأخر ادعى أمراً يتفرد به فلم يحتج إلى إثباته بالبينة، فإن عرف تقدم أحدهما فذلك أولى؛ لأن أحد الأمرين إذا ثبت تقدمه بطل الآخر بعده؛ لأنهما ضدان.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» أيضاً: رجل باع عبداً على أن (84أ3) البائع بالخيار ثلاثة أيام فقبضه المشتري وقيمته ألف درهم فزادت قيمته في الأيام الثلاثة فصارت ألفي درهم، ثم مضت الأيام الثلاثة، فأقام البائع بينة أن المشتري قتله خطأ في الأيام الثلاثة، وبعدما صارت قيمته ألفي درهم، وأنكره المشتري فأقام المشتري بينة أن البائع قتله خطأً بعد مضي الأيام الثلاثة فالبينة بينة البائع.
فرق بين القتل وبين الموت على هذا الوجه بأن أقام أحدهما البينة بعد مضي الأيام الثلاثة، أنه مات في يد المشتري في الثلاث، وأقام الآخر البينة أنه مات بعد الأيام الثلاثة حيث كانت البينة بنية من يدعي الموت بعد الثلاث.
والفرق: وهو أن القتل نفسه مقصود بالإثبات بالنية لما يتعلق بالقتل من الضمان على العاقلة، فإنه لا يتوصل الى هذا الحكم إلا بعد إثبات القتل فصار نفس القتل مقصوداً بالإثبات.
ولما كان هكذا فبينة البائع أثبت القتل من المشتري في وقت لا مزاحم لها

(6/509)


ضرورته انتفاء القتل من البائع بعد ذلك، إذ القتل لا يتكرر فأما الموت فغير مقصود بالإثبات إذ لا يتعلق به حكم مقصود، فلا تعتبر البينة على نفس الموت، وإنما المعتبر ما يترتب على الموت من الحكم وبينة من يدعي الموت بعد الثلاث أكثر إثباتاً فيما يترتب عليه من الحكم على (ما) مر.
ونظير هذا ما قال في الشهادات في رجل أقام البينة إن أباه مات في رمضان وهو وارثه لا وارث له غيره، وأقامت امرأة البينة إن أباه تزوجها في شوال من تلك السنة فالبينة بينة المرأة؛ لأن الموت غير مقصود بالإثبات في رمضان إذ لا يتعلق به حكم المقصود بالموت في رمضان، وإنما يثبت الابن الإرث لنفسه، والمرأة مقرة بذلك.
أما المرأة يثبت بها النكاح في شوال وهو مقصود لما يتعلق به من الأحكام، فكان بينتها أولى، وبمثله لو أقام الابن البينة أن فلاناً قتل أباه في رمضان وباقي المسألة بحاله كانت بينته أولى؛ لأن النفس القتل ههنا مقصود بالإثبات لما يتعلق به وجوب الدية على العاقلة ببينته بالقتل في رمضان، ثم لا يتصور للنكاح منه بعد ذلك في شوال، فكذلك في مسألتنا.

وإذا قضينا بموجب ضمان القتل للبائع هنا كان للبائع أن يضمن عاقلة المشتري، ولو أراد أن يضمن المشتري قيمة العبد يوم قبضه لما أنه قبضه على ضمان القيمة لم يكن له ذلك؛ لأنا لو أثبتنا له ذلك ابتداء أبطلناه انتهاءً، وهو أن البائع متى اختار تضمين المشتري قيمة العبد بسبب القبض تبين أن القتل لم يكن مقصوداً بالإثبات إذ لا يبقي للقتل حكماً في هذه الحالة لصيرورة البائع معرضاً عن دعوى ضمان الجناية على القتل فبقي مدعياً بمجرد الموت، ولو وقعت الدعوى في مجرد الموت على هذا الوجه كانت بينة المشتري أولى فيظهر أنه لم يكن للبائع تضمين المشتري القيمة بسبب القبض، فصح أن في تضمينه في الابتداء إبطاله في الانتهاء.

وكذلك لو أقام البائع البينة أن فلاناً قتله في الأيام الثلاث خطأ، وأقام المشتري بينته على ذلك الرجل أو غيره أنه قتله خطأً بعد مضي الأيام الثلاثة كانت بينة البائع أولى، ويقضي البائع على العاقلة القاتل بقيمته يوم القتل، وإن اختار تضمين المشتري القيمة لم يكن له ذلك لما مر.
ولو كان المشتري أقام البينة على البائع قتله في الأيام الثلاثة وأقام البائع بينته أن المشتري قتله بعد الأيام الثلاث فالبينة بينة البائع؛ لأن القتل هنا غير مقصود بالإثبات؛ لأن كل واحد منهما لهذا القتل لا يدعي لنفسه حقاً على صاحبه؛ لأن قتل المشتري بعد الثلاث يقع على ملكه فلا يوجب شيئاً للبائع.

وكذلك قتل البائع في الثلاث يقع على ملكه فلا يوجب شيئاً للمشتري، فلم يكن القتل مقصوداً بالإثبات إنما يتعلق به من أحكام، وذلك في بينة البائع أكثر، وهو جواز البيع ولزومه والانتقال إلى ضمان الثمن فكانت بينة البائع أولى، ولو أقام البائع بينة على أن هذا الأجنبي قتله بعد الأيام الثلاثة، وأقام المشتري بينة على أن هذا الأجنبي أو غيره

(6/510)


قتله في الأيام الثلاثة فالبينة بينة البائع؛ لأن كل واحد ببينته يثبت حكم القتل لغيره، وذلك الغير ممكن فلم يكن ليقتل مقصوداً فاعتبر كأن البينتان قامتا على الموت على هذا الوجه.
وهناك كانت بينة البائع أولى فكذلك هنا، وإن أراد المشتري في هذا الوجه إثبات القتل على الذي أقام عليه البائع البينة أنه قتله بعد الثلاث، وأراد تضمنه لم يكن له ذلك؛ لأنه قد ادعى القتل على غيره فيصير يدعي القتل عليه فتناقضاً.
قال محمد في «الجامع» أيضاً: رجل باع عبداً من رجل بألف درهم أن البائع بالخيار فيه ثلاثة أيام فقبضه المشتري فصارت قيمته ألفي درهم فأقام البائع بينة على أن هذا الأجنبي غصب هذا العبد من المشتري بعد ما صارت قيمته ألفي درهم فمات في الأيام الثلاث عنده، وأقام المشتري البينة أن هذا الرجل أو غيره غصب هذا العبد في الأيام الثلاثة وقيمته ألف درهم فمات عنده بعد مضي الأيام الثلاثة، فإن بينة المشتري أولى بخلاف مسألة القتل.
والفرق بينهما: وهو أن دعوى الغصب على الأجنبي إنما يعتبر بحكمه وكل واحد منهما يدعي الحكم لنفسه، ولا يعتبر بالموت في دعوى الغصب، فإن في دعوى الغصب بحكم نفسه صحيح بدون دعوى الموت.
وإنما المعتبر في ذلك جواز العقد وانتقاضه إن أجاز العقد فحكم الغصب للمشتري، وإن انتقض فحكمه يكون للبائع فصار المحتاج إليه في دعوى الغصب إثبات النقض للبائع، وإثبات الجواز للمشتري فالجواز هو العارض، وذلك في بينة المشتري فصار الحكم به أولى، ثم تبعه ضمان الغصب بخلاف ضمان القتل.

ولو أقام البائع بينة على الموت بعد الثلاث عند الغاصب وأقام المشتري بينته على البائع؛ لأن كل واحد منهما يثبت حكم الغصب لغيره، فلم يعتبر البينة على حكم الغصب، واعتبر نفس الموت، فيكون القضاء ببينة البائع أولى لما مر، وإذا قضينا على هذا الوجه كان للمشتري أن يضمن الغاصب قيمته بخلاف ما سبق من مسألة القتل في نظير هذا، فإن هناك إذا قضينا ببينة البائع ليس للمشتري أن يضمن القاتل شيئاً.
والفرق بينهما: أن في مسألة القتل كل واحد منهما يثبت حكم القتل لغيره فبطل ذلك، واعتبرت البينة على الموت وعقد ذلك يقضي بالموت بعد الثلاث فالقضاء بالموت بعد الثلاث ينافي القضاء بالقتل في الثلاث، أما ههنا الغصب ثبت من هذا الغاصب في الثلاث بينهما والقضاء بالموت بعد الثلاث لا ينافي الغصب في الثلاث فبقي الغصب محكوماً به، فكان للمشتري أن يأخذه بضمان الغصب، وكذلك إذا كان الغصب من اثنين كان للمشتري أن يأخذ الذي ثبت الغصب عليه بضمان؛ لأن الغصب ثبت على الذي أثبته المشتري ببينته (84ب3) لا أن المشتري زعم أن حكمه للبائع، وإذا قضينا ببينة البائع صار المشتري مكذباً في زعمه أن ضمان الغصب للبائع فالتحق زعمه بالعدم، فلهذا كان الجواب كذلك، وإن لم يقم البينة على ما وصفنا من القتل والموت فالقول قول من يدعي القتل، والموت في الثلاث؛ لأن الظاهر يشهد له على الوجه الذي قلنا.

(6/511)


نوع آخر في شرط الخيار في بعض المبيع
قال محمد في «الجامع الصغير» : وإذا اشترى الرجل شيئين بأن اشترى عبدين أو ثوبين على أنه بالخيار في أحدهما يأخذ أيهما شاء بعشرة مثلاً ويرد الآخر فهو جائز في الثوبين والثلاثة استحساناً، والقياس أن لا يجوز ولا يجوز فيما زاد على ذلك قياساً واستحساناً.

وقد اختلف ألفاظ الفسخ في هذه المسألة: وقع في بعضها اشترى شيئين، ووقع في بعضها اشترى أحد الشيئين وهو الصواب؛ لأن المشتري أحدهما وإنما جاز هذا العقد استحساناً مع كون المبيع مجهولاً؛ لأنه بمعنى ما جاءت به السُنة وهوشرط الخيار ثلاثة أيام لمساس الحاجة، وكون الجهالة غير مفضية إلى المنازعة، أما الحاجة؛ فلأن الإنسان قد يشتري الشيء لعياله ولا يعجبه أن يحمل معه عياله إلى السوق ولا يرضى البائع بالتسليم إليه عينتيّ ليحمله إلى عياله من غير عقد فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة لاختيار الأرفق بمحضر من عياله.
والجهالة هنا غير مفضية إلى المنازعة؛ لأن التعيين إلى من له الخيار بخلاف ما إذا لم يشترط الخيار لنفسه؛ لأن الجهالة ثمة تفضي إلى المنازعة، وبخلاف ما إذا لم يسم لكل ثوب ثمناً، فإن هناك ثمن ما يتناوله العقد مجهول وإنما اقتصر الجواز على الأبواب الثلاثة؛ لأن فيما زاد على الثلاث إن انعدمت المنازعة لم توجد الحاجة لاندفاعها بالثلاث لاقتصار صفات الأبواب على الجودة والوساطة والرداءة وهذه الرخصة كانت قائمة بوضعين فلم يقم بأحدهما، ويجوز هذا العقد إذا كان فيه شرط الخيار مع خيار التعيين.

وهل يجوز بدون شرط الخيار؟ فيه كلام على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، ثم هذا البيع يجوز مع هذا الخيار ثلاثة أيام بلا خلاف، وهل يجوز مع هذا الخيار أربعة أيام لا شك أن على قولهما يجوز كما في العين الواحد، وأما على قول أبي حنيفة فقد اختلف المشايخ فيه، كان الكرخي يقول لا يجوز؛ لأن هذا الخيار على قول الكرخي ملحق بخيار الشرط ولهذا قال: لا يجوز البيع إذا لم يكن الخيار مؤقتاً، وخيار الشرط إذا كان مؤقتاً أربعة أيام يوجب فساد البيع عند أبي حنيفة، فكذلك هذا الخيار، وكان ابن شجاع يقول: يجوز؛ لأن هذا الخيار على قول ابن شجاع غير ملحق بخيار الشرط، ولهذا قال: أن البيع جائز مع هذا الخيار، وإن لم يكن مؤقتاً، فأما إذا ذكر الخيار مطلقاً ولم يؤقته كان الكرخي يقول: لا يجوز البيع وإليه أشار في «الجامع الصغير» وفي «المأذون» ، فإنه وضع المسألة في الخيار المؤقت.

وفائدة ذكر التوقيت: أنه لا يجوز بدونه وإليه مال شمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام علي البزدوي، وكان ابن شجاع يقول: يجوز وإليه أشار في «الجامع الكبير» وفي بيوع «الأصل» وإليه مال بعض المشايخ، وبعضهم قالوا في المسألة روايتان.

(6/512)


وجه ما ذكره الكرخي: أن هذا اختيار لا يثبت إلا بالشرط فلا يجوز إلا مؤقتاً قياساً على خيار الشرط في عين واحد ولهذا ذكره مؤقتاً في بعض الكتب، وما ذكره مطلقاً في بعض الكتب فهو مجهول على المؤقت.

وجه ما ذهب إليه ابن شجاع: أن هذا الخيار ليس بخيار شرط بل هو خيار تمييز ملك من له الخيار عن ملك غيره ابتداء وإنتهاء؛ لأنه فسر قوله على أني بالخيار بقوله أحديهما شئت وأراد الآخر، وإبداء الحكم للتفسير لا لأول الكلام وخيار تيميز الملك لا يتوقت كما لو ثبت هذا الخيار بسبب الاختلاط، ولهذا ذكر محمد رحمه الله هذا الخيار في بعض الكتب مطلقاً، وإنما ذُكر في بعض الكتب مؤقتاً لتبيين أن العقد جائز مع التوقيت في الخيار، كما هو جائز مع التأبيد لا لبيان أن التوقيت شرط للخيار، وأما قول الكرخي أنه لا يثبت إلا بشرط.
قلنا: إنما تعلق بثبوته بالشرط قطعاً للمنازعة؛ لأنه متى لم يشترط الخيار لأحدهما يثبت خيار التعيين لهما جميعاً بحكم الملك، فلا يتعد تعيين أحدهما على صاحبه قبل اشتراط الخيار له فكان الشرط محتاجاً إليه لهذا لا؛ لأنه خيار شرط، ثم إذا جاز البيع على وجه الذي قلنا فقبضهما المشتري فأحدهما معقود عليه مضمون على المشتري بالثمن والأخر ملك البائع أمانة في يد المشتري؛ لأن الداخل تحت العقد أحدهما لا كلاهما والذي لم يدخل تحت العقد حصل قبضه بإذن المالك لا على سوم الشراء ولا على وجه الوثيقة فيكون أمانة في يده كالوديعة، فإذا هلك أحدهما أو تعيب أحدهما وقد عجز عن رد الخيار لفوات الشرط وهو الرد على الوجه الذي قبض يتعين هو مبيعاً حين تعيب أو أشرف على الهلاك ويتعين الآخر.
بخلاف ما لو اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك أحدهما عنده، فإنه لا يرد الباقي؛ لأن العقد تناولهما ولهذا ملك إتمام العقد فيهما، فلو رد الباقي منهما بعد هلاك أحدهما كان فيه تفريق الصفقة قبل التمام، وذلك لا يجوز، أما ههنا العقد يتناول أحدهما، ولا لهذا لا يملك إتمام العقد فيهما فبعد ما هلك أحدهما لو رد الأخر لا يكون فيه تفريق الصفقة قبل التمام، وكذلك إذا تصرف في أحدهما تصرفاً يبطل الخيار ولزمه ثمنه ويتعين هو مبيعاً؛ لأنه دليل الاختيار بالدلالة كالاختيار بالصريح.
t

ولو تصرف المشتري أو حدث العيب بهما وهما حيَّان فهو على خياره؛ لأن المبيع أحدهما وأحدهما لم يتعين البيع فيه بأولى من الأخر فكان على خياره فيرد الذي لم يخير وليس له أن يردهما بخلاف ما قبلهما قبل التعييب.
والفرق وهو: أن العقد ههنا قد لزمه في المبيع منهما وسقط خيار الشرط فيه فلا يتمكن من ردهما بخلاف ما قبل التعييب؛ لأن العقد هناك لم يلزمه في المبيع منهما وبقي خيار الشرط فكان له أن يردهما، أما ههنا بخلافه، وإذا ردَّ الذي لم يخير في مسألتنا لا يلزمه أن يغير النقصان استحساناً، والقياس أن يرد معه نصف أرش النقصان، ولو ماتا معاً لزمه نصف ثمن كل واحد منهما.

(6/513)


ووجه القياس: أن بحدوث العيب فيهما هلك جزء منهما والجزء معتبر بالكل ولو هلكا معاً شاع الأمانة والضمان فيهما، فكذلك إذا هلك جزء منهما.

وجه الاستحسان: وهو أن خيار التعيين لم يسقط بحدوث العيب بهما؛ لأن المبيع محل لابتداء البيع فيكون محلاً للبيان، وإذا بقي خيار التعيين صح تعينه، فتعين عينه للبيع فيه، ومن ضرورة تعينه للبيع تعين الأخر للأمانة وتعيب الأمانة في يد الأمين لا يوجب عليه ضماناً بخلاف ما إذا ماتا؛ لأنه سقط خيار التعيين بموتهما؛ لأن الهلاك محلاً لابتداء البيع فيه، فلا يكون محلاً للتعيين، وإذا سقط خيار التعينين استحكمت الجهالة فكان طريق رفعها التوزيع والشيوع فلهذا لزمه نصف ثمن كل واحد منهما بخلاف ما نحن فيه، (85أ3) ثم هل يشترط أن يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين اختلف المشايخ فيه. منهم من قال: يشترط وهو المذكور في «الجامع الصغير» .
فقد ذكر فيه اشترى ثوبين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء وهو بالخيار وثلاثة أيام منهم من قال: لا يشترط وهو المذكور في «الأصل» و «الجامع» ، فإنه ذكر هذه المسألة في «الأصل» ولم يذكر خيار الشرط وهذا القائل يقول: إذا لم يذكر خيار الشرط يلزم العقد في أحدهما ولا يردهما، وإذا ذكر لا يلزم العقد في أحدهما وله أن يردهما، وذكر الكرخي هذه المسألة في كتابه ولم يذكر فيها خيار الشرط، وذكر أن له أن يردهما؛ لأن هذا الخيار عنده في معنى خيار الشرط ولهذا يشترط التأقيت فيه هذا إذا حصل البيع بشرط الخيار للمشتري، فإن حصل البيع بشرط الخيار للبائع، فإن قال البائع: بعتك أحد هذين الثوبين على أني بالخيار عيَّن البيع في أحدهما دون الآخر، لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة ههنا ولا في بيوع «الأصل» .

وذكر الكرخي في «مختصره» : أنه يجوز استحساناً قالوا، وإليه أشار في «المأذون» ؛ لأن هذا بيع يجوز مع خيار الشرط، فيجوز مع خيار البائع قياساً على خيار الشرط.

وذكر في «المجرد» : أنه لا يجوز هذا العقد مع خيار المشتري إنما يجوز بخلاف القياس باعتبار الحاجة إلى اختيار ما هو الأرفق بحضرة من يقع الشراء له، وهذا المعنى لا يتأتى في جانب البائع؛ لأنه لا حاجة له إلى الخيار لاختيار الأرفق؛ لأن المبيع كان معه قبل البيع فيرد جانب البائع إلى ما يقتضيه القياس هذا إذا باع أحدهما وشرط الخيار للمشتري ليأخذ أيهما شاء.
ولو لم يشترط الخيار للمشتري إنما باعه أحد الثوبين أو أحد العبدين بعشرة مثلاً، فإنه لا يجوز هذا العقد؛ لأن المبيع مجهول جهالة تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم، فإذا دفعها البائع إلى المشتري فماتا عند المشتري ضمن نصف قيمة كل واحد منهما؛ لأن أحدهما يبيع ملكه المشتري بالقبض بحكم الفاسد وصار مضموناً عليه بالقيمة، والأخر أمانة في يده وليس أحدهما بأن يجعل أمانة على التعيين بأولى من الآخر، وبيع الأمانة والضمان فيهما، ولو مات أحدهما قبل صاحبه يتعين الأول للعقد، كما في البيع الصحيح لو مات أحدهما قبل صاحبه يتعين الأول.

(6/514)


وإن اعتقهما المشتري معاً عتق عليه أحدهما ملكه وكان على المشتري قيمته؛ لأنه ملكه بحكم عقد فاسد، وكان البيان إلى المشتري؛ لأن الذي نفذ عتقه فيه مضمون عليه، والقول في تعيين المضمون قول من عتق عليه.
ولو اعتق المشتري أحدهما قبل الآخر جاز عتقه في الأول وتعين هو معقوداً عليه تصحيحاً لإعتاقه، ولو قال المشتري: أحدكما حر كان باطلاً؛ لأنه جَمْعٌ، بينما يملك وبينما لا يملك، وأعتق أحدهما وفي مثل هذا لا يصح الإعتاق أصلاً.

وكذلك لو أعتق البائع أحدهما بغير عينه كان باطلاً؛ لأنه جمع بينما يملك وبين لا يملك؛ لأن أحدهما زال عن ملكه، وكذلك إذا قالا: جميعاً أحدكما حر كان ذلك باطلاً حتى لا يعتق واحد منهما، وإن قالا: جميعاً وأحدهما قبل الأخر هما حران عتقا؛ لأن كل واحد أعتق ما يملك وما لا يملك فيصح إعتاقه فيما يملك ولا يصح فيما لا يملك وتقرر على المشتري قيمة الذي نفذ عتقه فيه ويكون الخيار إليه لما قلنا.
وإن مات المشتري قبل التعيين كان الخيار لورثته؛ لأن الخيار إنما يثبت للمشتري باعتبار أنه وجب عليه القيمة والقول في تعيين القيمة إليه، وبعدما مات المشتري فالقيمة تجب على الورثة في تركة الميت فيكون البيان إليهم أيضاً، ولو أن البائع أعتق أحدهما بعينه بعدما قبضهما المشتري لم ينفذ عتقه.

وإن رفع الأمر الى القاضي حتى ردهما القاضي على البائع بحكم فساد البيع نفذ إعتاق البائع؛ لأن إعتاق البائع صادف محلاً مملوكاً للبائع؛ لأن زوال ملك البائع بالبيع إنما كان ضرورة الثبوت للمشتري، وملك المشتري إنما ثبت في المنكر فيزول ملك البائع عن المنكر أيضاً، والإعتاق صادف المعين فكان مصادفاً ملك البائع إلا أنه لم ينفذ في الحال؛ لأن للمشتري خيار التعيين، ولو نفذ الإعتاق يبطل خيار المشتري وقد زال هذا المعنى ههنا، فوجب القول بنفاذ العتق بين هذا وبينما إذا أعتق البائع العبد المبيع بشرط الخيار للمشتري البيع حيث لاينفذ العتق.
والفرق وهو: أن شرط الخيار للمشتري لا يمنع زوال المبيع عن ملك البائع وإنما يعود بعد ذلك إلى ملك البائع بسبب الفسخ، والفسخ لم يوجد بعد، فلم يكن السبب قائماً حتى يتوقف العتق باعتبار النظر الى سبب الملك، أما ههنا بخلافه.
وفرق بين هذا وبين الموصى له يأخذ العبيد الثلاثة إذا أعتق أحدهم بعينه بعد موت الموصي، ثم عين الوارث الوصية فيه حيث لاينفذ عتقه.

والفرق وهو: أن الموصى له إنما يملك الموصي به بالوصية ابتداءً والوصية صادفت المنكر والسبب المصادف المنكر في حق المعين كالمعلق بخطر البيان، والسبب القاهر لايكفي لتوقف العتق، أما ههنا بخلافه على ما مر، ولو أن القاضي لم ينقض البيع حتى أعتق المشتري العبد الذي أعتقه البائع نفذ ذلك منه وبطل إعتاق البائع؛ لأن إعتاق البائع موقوفاً فيه، وكان للمشتري خيار التعيين فإذا أقدم على إعتاق هذا العبد صار ذلك منه تعييناً للبيع فيه فتعين وطرأ الإعتاق النافذ على الإعتاق الموقوف فأبطله.
وكذلك لو مات

(6/515)


هذا العبد من غير أن يعتقه المشتري بطل إعتاق البائع، لأنه لما مات تعين هو مبيعاً فلو أن البائع أعتق العبدين جميعاً بعد قبض المشتري، ثم نقض القاضي البيع فيهما عتق على البائع أحدهما، والخيار إليه؛ لأن أحدهما باقي على ملك البائع وقت الإعتاق، والآخر لا يدخل ملكه بحكم البيع الفاسد، والزائد عن ملك البائع بسبب البيع الفاسد لايتوقف فيه إعتاق البائع، ما الذي بقي على ملكه ينفذ الإعتاق فيه ويكون التعيين الى البائع.

وكذلك لو أعتق البائع أحد العبدين بعينه، ثم إن المشتري أعتق العبد الآخر أو دبر أو مات الآخر في يد المشتري نفذ عتق البائع فيه، وكذلك إذا اختار المشتري البيع في الآخر نصاً، وكذلك لو أعتق البائع العبدين، ثم إن المشتري أعتق أحدهما بعينه نفذ عتق البائع في الآخر فيتوقف عتق البائع في هذه المسائل، وإنما توقف؛ لأنه نفذ فيهما يبطل خيار المشتري، ولو نفذ في أحدهما يتعين الآخر للبيع من غير اختيار المشتري نصاً أو دلالة ولا وجه إليه وتعذر القول بالبطلان؛ لأنه إنما يبطل من حيث إنه صادف ملك المشتري ومثل اختيار المشتري ملك المشتري، ليس بثابت قطعاً بل الحال يتردد بين أن يكون ملك المشتري وبين أن يكون باقياً على ملك البائع فقلنا: بالتوقف لهذا، وكل جواب عرفته في البيع الفاسد بعد القبض، فكذلك الجواب في البيع الصحيح قبل القبض؛ (85ب3) لأن البيع الصحيح يزيل الملك بنفسه فصار نظير البيع الفاسد بعد القبض، ولو أن البائع أعتقهما قبل قتل المشتري بحكم العقد الفاسد عتقا؛ لأن أحدهما ليس بمبيع والآخر كان مبيعاً، إلا أنه باقي على ملكه لعدم التسليم، وكان المشتري قبض أحدهما في البيع الفاسد فأعتقه البائع، ثم إن المشتري قبض الآخر وأعتق أحدهما إن أعتق الذي أعتقه البائع نفذ إعتاق المشتري وتعين مبيعاً، ويبطل إعتاق البائع وغرم المشتري قيمته ورد الآخر، وإن أعتق المقبوض آخراً تعين هو مبيعاً ورد المقبوض أولاً ونفذ فيه إعتاق البائع، ولو قبض المشتري أحدهما فمات في يديه تعين هو مبيعاً؛ لأنه لو قبضهما ومات أحدهما تعين الميت مبيعاً مع أن الحي يزاحم الميت في الملك؛ فلأن يتعين الميت هنا مبيعاً والحي لا يزاحم الميت في الملك لانعدام القبض في الحي كان أولى، ولو لم يمت المقبوض حتى أعتق المشتري الذي لم يقبضه بطل الإعتاق؛ لأن الذي لم يقبضه إن كان أمانة فإعتاقه باطل وإن كان مبيعاً فهو مبيع بيع فاسد لم يملك لعدم القبض فصادف الإعتاق

محلاً ليس بمملوك له فكان باطلاً.
ولو قبض أحدهما ثم قبض الآخر ثم أعتق المقبوض آخراً جاز عتقه ويتعين هو مبيعاً، وكذا إذا مات يتعين الميت مبيعاً فقد جعل موت أحدهما أو أعتق أحدهما تعييناً للعقد في المعتق والميت، ولم يجعل قبض أحدهما تعييناً للعقد في المقبوض، وكذا الجواب في العقد الجائز.
والمعنى الجامع بينهما وهو: أن جواز هذا العقد إنما كان باعتبار الحاجة إلى اختيار ماهو الأرفق، وذلك إنما يكون بعد قبضهما، وعسى (أن) لا يتهيأ له قبضهما معاً، ولو جعل قبض أحدهما تعييناً للعقد في المقبوض يفوت له هذا العوض فيعود إلى

(6/516)


موضوعه بالبعض، وإنه لا يجوز بخلاف الإعتاق والموت.

إما في الإعتاق؛ فلأن هناك لما أنه أقدم على الإعتاق فقد قصد صحته ولا صحة للإعتاق إلا، وأن يتعين معقوداً عليه ضرورة بخلاف القبض؛ لأن القبض كما يصح في الملك يصح في غير الملك؛ فلأن يكون قبض أحدهما تعييناً للعقد فيه وفي الموت إنما يتعين الميت للعقد ضرورة أنه لا يمكن نقض العقد في الباقي بالشك، وهذه الضرورة لا توجد في قبض أحدهما بدون الموت والإعتاق.
وشرط في «الكتاب» : أن يكون القبض بإذن البائع؛ لأن قبض المشتري في البيع الفاسد بغير الافتراق عن المجلس إنما نعيد الملك إذا كان بإذن البائع، وكذلك الجواب في الهيئة الفاسدة، فأطلق الجواب في اشتراط الإذن إطلاقاً تحرزاً عن القبض بعد الافتراق عن المجلس بغير إذن البائع.
قال محمد في «الجامع الصغير» : رجل باع من آخر عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما فالبيع باطل، فهذه المسألة في الحاصل على أربعة أوجه:

إما أن لا يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن، وفي هذا الوجه البيع فاسد؛ لأن المبيع مجهول؛ لأن الخيار يمنع حكم العقد في مدة الخيار فالذي فيه الخيار هو غير داخل في الحكم، وإنه مجهول لم يعين، وإذا لم يكن غير الداخل في الحكم معلوماً لم يكن الداخل في الحكم معلوماً، فهو معنى قولنا: أن المبيع مجهول.
وإما أن لا يعين الذي فيه الخيار ويفصل الثمن، وفي هذا الوجه العقد فاسد أيضاً لجهالة المبيع على ما بينا.
وإما أن يعين الذي فيه الخيار ويفصل الثمن، وفي هذا الوجه فاسد فيه الخيار ويفصل الثمن بأن قال كل واحد منهما بخمسمائة، وفي هذا الوجه العقد جائز؛ لأن المبيع معلوم والثمن كذلك.
فرق بين الوجه الثالث وبينما إذا اشترى عبدين أحدهما مدبر أو مكاتب أو اشترى جاريتين فإما أحدهما أم ولد، فإن العقد ينعقد في حق القن بوصف الصحة، وإن كان انعقاد العقد في حق القن في هذه المسائل بالحصة؛ لأن العقد لا ينعقد في حق المكاتب والمدبر وأم الولد، فمن مشايخنا من لم يشتغل بالفرق فقال: على قياس هذه المسألة لاينعقد العقد في حق القن في تلك المسائل ويصير ماذكر هنا رواية في تلك المسائل.
ومنهم من اشتغل بالفرق وهو الصحيح.

والفرق ماذكرنا: أن شرط الخيار يمنع انعقاد البيع في حق الحكم ويجعل العقد في حق الحكم كالمعدوم فيما شرط فيه الخيار وإذا لم ينعقد في حق الحكم في حق المشروط فيه الخيار، لو انعقد في حق الآخر ينعقد ابتداءً بالحصة، والعقد لاينعقد ابتداء بالحصة إما في المدبر والمكاتب، وأم الولد العقد منعقد في حق الحكم إذ لم يوجد في حقهم ما يمنع انعقاد البيع، ولهذا لو قضى القاضي يجوز بيع هؤلاء لكن لم يثبت الحكم بحق محترم واجب الصيانة يحصل بمجرد منع الحكم، فلا ضرورة إلى أن يجعل العقد

(6/517)


غير مباشرة في حق الحكم كما انعقد في حق القن، ثم وجب قسمة الثمن بعد ذلك عند فسخ العقد على هؤلاء، والانقسام ابتداءً يكون بالحصة ولا يوجب خلالاً في العقد.

ولو كان المبيع شيئاً واحداً عبداً أو مكيلاً أو موزوناً وقد اشتراه بألف درهم وشرط الخيار في نصفه للبائع أو للمشتري جاز بخلاف ما اشترى عبدين بألف درهم وشرط الخيار في نصفه للبائع أو المشتري جاز بخلاف ما اشترى عبدين بألف درهم وشرط الخيار في أحدهما بعينه.
والفرق وهو: أن النصف من الشيء الواحد لايتفاوت وثمنه أيضاً لا يتفاوت، وإذا كان ثمن الكل معلوماً كان ثمن النصف معلوماً أيضاً.
فأما العبد الواحد من العبدين يتفاوت وثمنه أيضاً يتفاوت فكان حصة المبيع من الثمن مجهولاً، وإذا جاز البيع مع شرط الخيار في النصف، فإن كان الخيار للمشتري كان له أن يؤد النصف الذي شرط له الخيار فيه إن شاء، وإن شاء أجاز العقد فيه فإن أجاز العقد لزمه الكل، وإن رد انتقص العقد في النصف، وإن كان في رد النصف تفريق الصفقة على البائع وتنقيص المعقود عليه إلا أن البائع رضي بهذا التفريق؛ لأنه أثبت الخيار للمشتري في النصف والخيار مشروط للفسخ فيكون راضياً بفسخ العقد في النصف بتفريق الصفقة عليه.

قال في «الزيادات» : وإذا اشترى الرجل من آخر عبدين كل منهما بألف درهم وشرط الخيار في أحدهما بعينه، البائع حتى جاز العقد على ما مر قبل هذا، فقال المشتري: أنا آخذ الذي لاخيار فيه وأنقد ثمنه لم يكن له ذلك؛ لأن البائع مسلط على إجازة البيع في الذي فيه الخيار، وعلى اعتبار الإجازة يجعل كأن البيع وقع بابا من الأصل.
فيتبين أن المشتري فرق الصفقة على البائع في القبض والمشتري كما لا يملك تفريق الصفقة للبائع في العقد حتى لو أراد أن يقبل العقد في البعض دون البعض ليس له ذلك، لا يملك تفريق الصفقة في حق القبض ولكن يتوقف الأمر إن فسخ البائع البيع في الذي فيه الخيار، فقد تفرقت الصفقة وكان للمشتري أن يأخذ الأجر بثمنه، فإن أجاز العقد فيه أو سقط الخيار فيه بمضي المدة أخذ الكل بجميع الثمن وأبى المشتري لايجبر عليه.
ولو أراد البائع أن يسلم الذي لا خيار فيه الى المشتري وتوقف العقد الأخر وقال المشتري: لا أقبل ولا أعطيك شيئاً من الثمن حتى (86أ3) عبر البيع في الآخر وأحدهما أو بفسخ العقد فيه يأخذ العبد الذي تم البيع فيه بحصته فذلك إلى المشتري؛ لأن على اعتبار إجارة البيع في الآخر تبين أنه فرق الصفقة على المشتري في القبض وليس له ذلك الولاية، ولو أراد البائع أن يدفع العبدين إلى المشتري ويأخذ ثمنها لم يجبر المشتري على ذلك؛ لأن الذي فيه الخيار لم يملكه المشتري، والإنسان لايجبر على قبض ما لم يملكه.

وإن قال المشتري: أنا آخذ العبدين وأنقد ثمنهما ليس له ذلك إلا برضاء البائع؛

(6/518)


لأن الذي فيه الخيار بقي على ملك البائع والإنسان لا يجبر على تسليم ملكه إلى غيره ولكن الأمر موقوف حتى يظهر الفسخ من البائع أو الإجازة، فإن أجاز البائع البيع قبضهما المشتري جميعاً، وإن فسخ قبض الذي وجب البيع بثمنه ولا يجبر المشتري بسبب تفريق الصفقة عليه لرضاه بذلك.

ولو كان الخيار في هذه الصورة فأراد المشتري أن يأخذ العبد الذي وجب البيع فيه ويأخذ ثمنه إلى البائع لا يجبر البائع عليه لما مر، أن فيه تفريق الصفقة على البائع على اعتبار إجازة المشتري البيع في الآخر، وكذلك لو أراد البائع أن يسلم إلى المشتري العبد الذي وجب البيع فيه ويأخذ ثمنه وأبى المشتري ذلك فذلك إلى المشتري.
ولو قال المشتري: أنا آخذ العبدين وأنقد ثمنهما وأكون على خياري؛ فأبى البائع ذلك، لا يجبر البائع عليه، ولو قال البائع للمشتري: أعطيك العبدين وآخذ الثمنين وأنت على خيارك لايجبر عليه؛ لأن هذا جبر على تسليم مالم يلزم المشتري وهو ثمن المشروط فيه الخيار، وقد مر شيء من هذا الجنس في آخر النوع الثاني من هذا الفصل.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل أخذ من رجل واحد بعشرين وآخر بثلاثين وآخر بعشرة على أن يأخذ منها أيها شاء فضاعت عنده معاً لزمه ثلث ثمن كل واحد منهما، ولو ضاع واحد لزمه ثمن الأول وهو في الآخرين معاً ثمن.
ولو احترق ثوبان ونصف منها معاً فإنه يرد النصف الباقي ولزمه نصف ثمن كل واحد منهما، ألا ترى أنهما لو كانا ثوبين فاحترق أنصافهما معاً كان له أن يردهما معاً ويلزمه الآخر بثمنه، ولو احترق أحدهما ونصف الآخر معاً، فإنه يرد النصف الباقي ولزمه الآخر بثمنه، وليس له أن يمسك هذا النصف بجميع ثمنه ويجعل الأمانة في الهالك.

ابن سماعة عن محمد رحمه (الله) : رجل اشترى إحدى أمتين على أنه بالخيار فيهما جميعاً يأخذ أيتهما شاء إن شاء هذه بألف وإن شاء هذه بخمسمائة، فوطء المشتري الأمتين وحملتا منه، ثم اختلف البائع والمشتري فقال المشتري وطئت هذه أولاً، وقال البائع: بل وطئت هذه الأخرى أولاً، فالقول قول المشتري في التي وطئها أولاً ويلزمه ويثبت ولدها منه وتكون أم ولد، وأما التي زعم البائع أن المشتري وطئها أولاً فلا سبيل للبائع ولا للمشتري عليها، أما للمشتري فظاهر فلأن البائع حين زعم أنه وطئها أولاً فقد زعم أنها ولد للمشتري، وأنه لا سبيل له عليها وزعمه معتبر في حقه وتكون موقوفة إلى أن يموت المشتري فيعتق عند موته بإقرار البائع، ولا يلزم المشتري ثمن هذه الجارية؛ لأن زعم البائع حجة في حق المشتري.

قال ابن سماعة: وينبغي أن يلزم المشتري عقر الجارية التي زعم البائع أنه وطئها أولاً، ويكون العقر له من الثمن الذي لا يغير واحد منهما على النفقة عليها ولكن تكتسب فتأكل من ذلك.
ابن سماعة في «نوادره» عن أبي يوسف: رجل أخذ من رجل ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء أخذ هذا بعشرة وإن شاء أخذ هذا بعشرين، وإن شاء أخذهما جميعاً فصبغ

(6/519)


أحدهما واختاره، والأخر فقال البائع: أخترت الذي ثمنه عشرون، وقال المشتري: بل أخترت الذي ثمنه عشرة فالقول في الثمن قول المشتري.
وهو بمنزلة رجل اشترى ثوباً وصبغه، ثم اختلفا في قيمته ولا سبيل للبائع على الثوب؛ لأن الصبع زيادة فيه وليس هذا كالغضب، ولو أن المشتري قطع الثوب قميصاً ولم يخطه، ثم اختلفا في الثمن، فإن شاء البائع أخذ ما أقر به المشتري له من الثمن، وإن شاء أخذ الثوب مقطوعاً، وإن كان القطع قد زاد فيه مثل الصبغ فلا سبيل للبائع عليه، وله ما أقر به المشتري.

المعلى عن أبي يوسف: رجل أخذ من رجل ثوبين على أن يأخذ أحدهما بثمن مسمى فضاع أحدهما، وقطع الآخر فقال المشتري: أجزت الذي قطعت، ثم ضاع الآخر وأنا أمين فيه، وقال البائع أجزت الذي ضاع، ثم قطعت الآخر فعليك قيمة الذي قطعت مع ثمن الذي ضاع، فإن المشتري ضامن نصف ثمن الذي ضاع ونصف قيمة الذي قطع ونصف ثمنه.

نوع آخر في شرط الخيار لغير العاقد
يجب أن يعلم أن من اشترى شيئاً أو باع شيئاً اشترط الخيار لثالث، فالقياس: أن لايجوز العقد، وبالقياس أخذ زفر رحمه (الله) ، وفي الاستحسان: يجوز العقد ويثبت الخيار للعاقد، ثم يصير المشروط له بالخيار وكيلاً من جهة في الفسخ والإجازة، وإنما كان كذلك، وذلك لأن تقدير هذا الشرط عندنا كأن العاقد شرط الخيار لنفسه، ثم وكل المشروط له الخيار بالتصرف بحكم الخيار. /
ولو صرح بهذا كان العقد جائزاً؛ فإنه لو قال: بعت على أني بالخيار، ثم وكلت فلاناً بالتصرف بحكم الخيار، إن شاء أجاز وإن شاء فسخ صح، وصار فلان وكيلاً من جهته إذا علم بذلك، فكذلك إذا كان تقديره هذا وإنما جعلنا تقديره هذا؛ لأن اشتراط مايجب بالعقد لغير العاقد لايجوز بحكم الوكالة والنيابة فيصح من هذا الوجه حملاً لكلامه على الجواز.
هذا كما قال علماؤنا رحمهم الله: فيمين قال لآخر: أعتق عبدك عني بألف فأعتق فإنه يصير الأمر مستوياً منه أولاً ثم موكلاً إياه بالعتق تصحيحاً للأمر، حتى لا يلغو فكذلك هذا، وأيهما أجاز أو نقض صح ذلك؛ لأن تصرفه صدر عن ولائه، أما المشتري فظاهر، وأما المشروط له الخيار؛ فلأنه وكيل من جهة المشتري بالفسخ والإجازة، وإن أجاز أحدهما ونقض الآخر فإن عرف السابق منهما أولى؛ لأن تصرفه صدر عن ولائه فعقد حال وجوده أفاد حكمه ولا يعمل الآخر بعد ذلك، وإن خرج الكلامان معاً، ذكر في «المأذون الكبير» أن الفسخ أولى، وذكر في بيوع «الأصل» أن تصرف المشتري أولى نقضاً كان أو إجازة.

(6/520)


وجه ماذكر في بيوع «الأصل» : أن العمل بالأمرين جميعاً متعذر؛ لأن العقد الواحد لا يجوز أن يكون مفسوخاً كله وغير مفسوخ فلا بد من إثبات أحدهما وإلغاء الآخر، فنقول: إثبات تصرف المشتري وإلغاء تصرف الوكيل أولى؛ لأن تصرف المشتري أصل؛ لأنه يتصرف بحكم الملك، وتصرف الوكيل بناء عليه فيكون كالبيع له، ولا شك أن إلغاء المبيع واعتبار الأصل أولى وجه ما ذكر في «المأذون» : أن العمل بهما لما تعذر ووجب العمل بأحدهما كان العمل بالفسخ أولى لوجهين:
أحدهما: وهو أن الاحتياط فيه، فإن الفسخ يوجب الحرمة على المشتري، والإجازة توجب الإباحة، فإذا اجتمعا رجحنا المحرم على المبيح.
فإن قيل: هذا اعتبار جانب المشتري وإنه يوجب أن يكون الفسخ أولى فاعتبار جانب البائع يوجب أن تكون الإجازة أولى؛ لأن الإجازة تثبت حرمة في حقه، والفسخ يثبت إباحة في حقه، فيجب أن تكون الإجازة أولى باعتبار جانب البائع فلم يصر المشتري بهذا الاحتياط أولى (86ب3) من البائع والجواب عنه أن مراعاة الاحتياط من كلا الجانبين متعذر، فلا بد من مراعاة أحد الجانبين فكان مراعاة جانب المشتري أولى، لأنا نحتاج في جانبه الى إثبات الحل ابتداء؛ لأنه لم يكن ثابتاً له، وفي جانب البائع نحتاج إلى إبقاء الحل؛ لأن الحل كان ثابتاً له وبالفسخ يعود إليه قديم ملكه ويحل له قديم ملكه فيكون إبقاءً باعتبار قديم الملك لا إثباتاً مبتدأ، وأي جانب راعيناه فقد راعيناه مع الشك، إذا لم يعرف السابق، فنقول مراعاة جانب المشتري بالاحتياط أولى؛ لأن البقاء مع الشك أخف من الإثبات ابتداءً بالشك؛ لأن الشيء يبقى مع الشك ولا يثبت ابتداء مع الشك، فلهذا كان مراعاة الاحتياط في جانب المشتري أولى من مراعاة الاحتياط في جانب البائع.

والثاني: أن الإجازة لا ترد على الفسخ، فإن المفسوخ لا يجاز لفسخ يرد على الإجازة لا المجاز بفسخ، فإذا اجتمعا معاً كان الفسخ أولى.

كنكاح الحرة مع نكاح الأمة إذا اجتمعا كان نكاح الحرة أولى بالجواز؛ لأنه يرد على نكاح الأمة، ونكاح الأمة لا يرد على نكاح الحرة فعند الاجتماع كان نكاح الحرة أولى، وكما قلنا في العتق والبيع إذا توقفا فأجاز المالك كلاهما كان العتق أولى؛ لأن العتق يرد على البيع والبيع لايرد على العتق، فعند الاجتماع كان العتق أولى فكذلك هذا.
قيل: ما ذكر في البيوع قول محمد، وما ذكر في «المأذون» قول أبي يوسف؛ لأن محمد رحمه الله يقدم ولاية الملك على ولايته، وأبو يوسف يسوي بينهما أصله: في الوكيل بالسلم أو بشراء شيء بغير عينه إذا عقد ولم تحضره البينة، فعلى قول محمد يقع للوكيل، وعند أبي يوسف بحكم النقد.
وقيل: ما ذكر في البيوع و «المأذون» من ترجيح أحد التصرفين على الآخر قول أبي حنيفة، فأما على قول محمد: ينبغي أن تصح الإجازة في النصف والفسخ في النصف، ثم يكون للمشتري الخيار، إن كان الخيار مشروطاً للبائع وللأجنبي لتفرق الصفقة على

(6/521)


المشتري، وإن كان الخيار مشروطاً للمشتري وللأجنبي فللبائع الخيار لما يلحقه من الضرر بسبب عيب الشركة ويفرق الصفقة، وإنما قالوا هذا قياساً على مسألة أخرى اختلف فيها أبو حنيفة ومحمد، وهو أن الوكيل بالبيع إذا باع الموكل وخرج الكلامان معاً وباع كل منهما من رجل.

قال أبو حنيفة رحمه الله: بأن بيع الموكل أولى، وقال محمد: يجوز بيع كل واحد منهما في نصف العبد وتكون العهدة عليهما يخير كل واحد من المشتريين إن شاء رضي كل واحد منهما بنصف العبد وإن شاء رد، فأبو حنيفة رحمه الله لم يعمل بالتصرفين متى كان التصرف تبعاً، بل طلب الترجيح لأحدهما وعمل بالراجح وأبطل الآخر فكذلك في الفسخ والإجازة لا يعمل بهما بل يطلب الترجيح لأحدهما بالراجح على رواية كتاب البيوع تصرف الموكل بسبب الأصالة، ورجح في «المأذون» الفسخ على الإجازة من أيهما وجد، للوجهين اللذين ذكرنا فأما محمد رحمه الله لم يشتغل بالترجيح في بيع الوكيل والموكل بل عمل بقدر الإمكان، وأثبت تصرف كل واحد منهما في النصف متى أجاز أحدهما وفسخ الآخر تثبت الإجازة في النصف والفسخ في النصف.

نوع آخر في البيع والشراء لغيره مع شرط الخيار
هذا النوع يشتمل على قسمين في البيع، وقسم في الشراء.
فأما قسم البيع: قال محمد رحمه الله: رجل أمر رجلاً أن يبيع عبده وأمره أن يشترط الخيار للآمر ثلاثة أيام فباعه ولم يشترط الخيار لم يجز البيع؛ لأنه خالف أمر آمره إلى سر؛ لأنه أمره ببيع يلزمه ولا يزيل ملكه إلا برضاه، وقد أتى ببيع يلزمه ملكه من غير رضاه، فرق أبو حنيفة وأبو يوسف بين هذا وبين المأمور بالبيع الفاسد إذا باع بيعاً جائزاً، فإنه ينفذ على الآمر.
والفرق: وهو أن البيع الفاسد نوعان: نوع يزيل الملك بنفسه، وهو ما إذا كانت السلعة مقبوضة، ونوع لايزيل الملك بنفسه وهو إذا لم تكن السلعة مقبوضة، وكلا النوعين داخل تحت عقد الوكالة فلا يتحقق الخلاف من هذا الوجه، لو تحقق إنما يتحقق من حيث اسقاط الخيار، وذلك خلاف إلى ما ينفعه؛ لأن الخيار الثابت بحكم فساد العقد مستحق على العاقد، فإنه يفترض عليه الفسخ إزالة للفساد ودفعاً للحرام، فإذا باع الوكيل بيعاً صحيحاً فقد أسقط عنه حقاً مستحقاً عليه فكان خلافاً إلى خير فلا يعد خلافاً، فأما خيار الشرط يثبت حقاً له؛ لأنه ينتفع به فكان تركه وإسقاطه خلافاً إلى سر فيعتبر خلافاً، فإن باعه وشرط الخيار للآمر كما أمره به نفذ تصرفه عليه؛ لأنه وافق أمره ويثبت الخيار له ولآمره؛ لأن القياس يأبى شرط الخيار لغير العاقد إلا أنا جوزنا ذلك بطريق، وهو أن العاقد لما شرط الخيار لغيره فقد قصد تصحيحه، وأمكن تصحيحه بجعله شارطاً الخيار لنفسه بطريق الاقتضاء أولاً، ثم عاجلاً ذلك الغير نائباً ووكيلاً عن نفسه في الفسخ والإجازة ولهذا إلى زفر، شرط الخيار لغير العاقد؛ لأن شرط الخيار لغير العاقد إنما كان

(6/522)


بطريق شرط الخيار للعاقد بطريق الاقتضاء، وزفر لا يقول بالمقتضيات، فإن فسخ الوكيل العقد صح فسخه كما لو شرط الخيار لنفسه لا غير، وإن أجاز بطل خياره وخيار الآمر؛ لأن ذلك ثابت بطريق النيابة، ولكن العقد لايلزم على الآمر بإجازة الوكيل؛ لأن الآمر لم يرض بلزوم العقد عند رضاء الوكيل واختياره يكون له خيار الإجازة لا خيار الشرط.

ولهذا لا يتوقت هذا الخيار بعد إجازة الوكيل بمدة الخيار، وقالوا: كأن الآمر أمره بالبيع مطلقاً فباع وشرط الخيار للآمر أو للأجنبي صح عملاً بإطلاق اللفظ، فإن مطلق اسم البيع كما يتناول البيع الثابت يتناول البيع بشرط الخيار، وأيهما يصرف فسخاً أو إجازة يريد به العاقد والمشروط له الخيار صح تصرفه، لما ذكرنا أن شرط الخيار لغير العاقد شرط للعاقد وتوكيل للمشروط له الخيار بالفسخ والإجازة بحكم الخيار.

فيصح فسخ العاقد، وإجازته بحكم اشتراط الخيار، ويصح فسخ المشروط له الخيار وإجازته بطريق النيابة والوكالة عن العاقد، ويلزم هذا العقد بإجازة الوكيل؛ لأن الآمر لما أمره بالبيع مطلقاً يتناول البيع، مع أن اسم البيع مطلقاً يتناول البيع الباب والبيع بشرط الخيار فقد رضي بلزوم العقد عند رضاء الوكيل فلم يصر بإسقاط الخيار بالإجازة بمنزلة الفضولي، فلا يتوقف على إجازة الآمر بخلاف ما تقدم.
وإن فسخ أحدهما وأجاز الآخر وخرج الكلامان منهما معاً ففي رواية «كتاب المأذون» الفسخ أولى؛ لأنه ألزم، وفي رواية كتاب البيوع تصرف المالك أولى؛ لأنه أقوى، وإن أمره بالبيع بشرط الخيار لنفسه أي للمأمور فباع بشرط الخيار لنفسه أو للآمر أو للأجنبي فإنه يجوز، أما اذا شرط الخيار لنفسه فظاهر، وأما إذا شرط الخيار للآمر أو للأجنبي فلما ذكرنا، أن اشتراط الخيار لغير العاقد اشتراط للعاقد، وتوكيل للمشروط له الخيار بالفسخ والإجازة فصار شارطاً الخيار لنفسه كما أمره به فيجوز.

وأما قسم الشراء قال محمد رحمه الله: وإذا أمر الرجل رجلاً بأن يشتري له عبداً بعينه أو بغير عينه، وسمى له ثمناً أو جنساً حتى صح الأمر، وأمره أن يشترط الخيار للآمر أو للأجنبي فلما ذكرنا، أن شرط الخيار لغير العاقد شرط للعاقد، ولو أمره أن يشترط الخيار للآمر فاشتراه بغير خيار، أو شرط الخيار لنفسه لاينفذ على الآمر؛ لأنه خالفه عما ينفعه إلى ما يضره (87أ3) فإن أمره شراء لايلزمه إلا برضاه، وقد أتى بشراء يلزمه من غير رضاه فلا ينفذ على الآمر، ولكن يلزم المأمور بخلاف المبيع، فإنه إذا أمر بالبيع بشرط الخيار، أو باع بشرط الخيار لنفسه حيث لاينفذ أصلا لا على الآمر ولا على المأمور.
وكذلك لو أمره بأن يشترطه الخيار لنفسه يعني للوكيل فاشتراه بغير خيار لنفسه فقد أمره شراء يلزمه برضاء المأمور، فإذا اشترى ولم يشترط الخيار فقد رضي المأمور بلزوم هذا الشراء للآمر هذا الشراء للآمر فهذا شراء دخل تحت الأمر فينفذ على الآمر، والجواب عنه: أن الآمر لما أمره بشرط الخيار لنفسه، فإنما رضي بشراء لا يلزمه بنفسه، وإنما يلزمه بإجازة توجد بعد العقد، فإذا اشترى ولم يشترط الخيار فقد أراد أن يلزمه هذا

(6/523)


الشراء بنفسه فصار مخالفاً الأمر، فلا يلزم الآمر ويصير المأمور مشترياً لنفسه على ماذكرنا، ولو أمره أن يشترط الخيار لنفسه أي للآمر، فاشترى وشرط الخيار للآمر كما أمره به حتى نفذ على الآمر، ثم أجاز المأمور البيع بطل خياره، والآمر على خياره، وإنما كان كذلك لما ذكرنا، أن خيار الشرط لغير العاقد يقتضي بثبوته للعاقد، وإذا ثبت الخيار للعاقد بطل بإبطاله، إلا أنه لايلزم الآمر لما ذكرنا، أن الآمر ما رضي بلزوم هذا العقد من غير اختياره فيتوقف على إجازته واختياره.

واختلف المشايخ في أن الباقي للآمر بعد إجازة الوكيل خيار شرط أم خيار آخر، بعضهم قالوا: شرط؛ لأنه ذو حظ من هذا العقد، فإن المبيع يدخل في ملكه ويجب الثمن في ذمته، فصح اشتراط الخيار له على طريق الخصوص، فلا يبطل إلا بإبطاله، وقال بعضهم: لا يبقى له خيار شرط لما ذكرنا، أن ثبوت شرط الخيار لغير العاقد بطريق النيابة من العاقد، فإذا أبطل العاقد خياره بطل خيار الأصل فيبطل خيار الثابت ضرورة، ولكن يبقى له خيار آخر، وهو أنه مارضي بالتزام حكم العقد وعدم التزامه كما في مسألة البيع، وهذا أقيس، وإن كان شراء الفضولي لايتوقف على الإجازة، إلا أنه إنما لا يتوقف إذا وجد نفاذاً على المشتري، كما إذا اشترى شيئاً لغيره بغير أمره، فإذا اشترى ولم يشترط الخيار للآمر حتى صار مخالفا وجد نفاذاً على المشتري فنفذ عليه، فأما إذا شرط الخيار للآمر كما أمر به لم يجد نفاذاً على المشتري، وإن أجاز لتعلق حق البائع والآمر به، فيتوقف على إجازة الآمر كما في البيع، وصار الشراء الذي لا يجد نفاذاً على المشتري في حق التوقف على إجازة الآمر العقد بعد ذلك كان العبد له؛ لأنه التزم حكم العقد، فإن رد كان العبد للوكيل، حتى لو هلك العبد بعد ذلك في يد الوكيل هلك من مال الوكيل؛ لأن الإجازة من الوكيل قد صحت، إلا أنها لم تعمل في حق الآمر بحصته، فإذا زال حقه بالنقض عملت الإجازة السابقة عملها في حق الوكيل، فدخل العبد في ملك الوكيل وضمانه، فإذا هلك يهلك من ماله.

ونظير هذا الوكيل بالبيع إذا رد عليه بالعيب من غير قضاء القاضي، فإنه يتوقف على قبول الموكل، فإن قبل لزمه وإن رد الوكيل، والمعنى ماذكرنا كذا هنا، ولو أن الوكيل لم يرض به ولم يجز البيع من الابتداء حتى قال الآمر للوكيل: رد العبد فلا حاجة لي فيه، فهلك بعد هذا القول في يد الوكيل هلك من مال الآمر؛ لأن العبد دخل في ضمان الآمر بقبض الوكيل؛ لأن يد الوكيل يد الآمر، وبقول الآمر: رد العبد، لم ينفسخ العقد؛ لأن هذا ليس بفسخ للعقد بل هو أمر بالفسخ، لا يكون فسخاً فبقي العين في ضمان الآمر، فإذا هلك يهلك من مال الآمر، وقول محمد رحمه الله في «الكتاب» على وجه التعليل هذا ليس بنقض حتى ينقض بمحضر من البائع، ليس المراد منه إنه نقض في نفسه لكنه لم يعمل لعند البائع كما ظنه بعض أصحابنا، وإنما المراد أنه ليس بنقض في نفسه حتى يبتدئ النقض بحضرة البائع.
قال مشايخنا: وإنما يشترط حضرة البائع لابتداء النقض على قول أبي حنيفة

(6/524)


الذى كان قبل
ومحمد، وأما على قول أبي يوسف: يصح ابتداء النقض، وإن لم يكن بحضرة البائع والمسألة معروفة، فإن قال الوكيل بعد ما قال الآمر رد هذا العبد: رضيت بهذا العقد، ثم هلك العبد في يد الوكيل هلك من مال الآمر لما ذكرنا، أن بقول الآمر رد هذا العبد لم ينفسخ العقد، وقول الوكيل رضيت بهذا العقد لا يعمل في حق الآمر، فبقي العبد على ملك الآمر، وضمانه، فإذا هلك يهلك من مال الآمر قال: ولو أن الآمر حين قال للمأمور: رد هذا العبد على البائع فلا حاجة لي فيه، باعه المأمور من رجل، فإنه يتوقف هذا البيع على إجازة الآمر؛ لأن العبد بعد قول الآمر رده، باقي على ملك الآمر وقد باعه بغير أمره، فيتوقف على إجازته كما توقف الأول على إجازته، من مشايخنا من قال: هذا الجواب يستقيم على قول أبي يوسف ومحمد، أما على قول أبي حنيفة لا يستقيم؛ لأن المشترى بشرط الخيار للمشتري لا يدخل في ملك المشتري عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، وإذا لم يصر العبد مملوكاً للآمر عنده كيف يتوقف بيع العبد بعد ذلك على إجازته، والتوقف إنما يكون على إجازة المالك لا على إجارة غير المالك، ومنهم من قال: لا بل هذا قول الكل.

ووجهه أن على قول أبي حنيفة إن لم يصر العبد مملوكاً للآمر، فسبب الملك في حقه هو الشراء وقد وجد، والحكم مستحق بقضية السبب فصار العبد كالمملوك له، نظراً إلى السبب فجاز أن يتوقف عند المأمور بعد ذلك على إجازته، أو يقول إن لم يكن العبد مملوكاً للآمر فهو أقرب الناس إلى إجازة هذا العقد فجاز أن يعطى له حكم المالك في حق إجازة هذا العبد، إذ يجوز أن يعطى للإنسان حكم المالك في حق بعض الأشياء، وإن لم يكن له حقيقة الملك لما أنه أقرب الناس إليها.

ألا ترى أن السبع إذا افترس الميت وبقي الكفن يرد إلى الورثة؟ لا لأنهم ملكوه ولكن؛ لأنهم أقرب الناس إليه فأعطي لهم حكم المالك كذا هنا، ثم إذا توقف البيع الثاني على إجازة الآمر لو أجاز الآمر البيع الثاني ينفذ البيع الثاني والبيع الأول؛ لأنه لما أجاز البيع الثاني فقد قصد تصحيح البيع الثاني ولا صحة للبيع الثاني إلا بعد نفاذ البيع الأول، ولا نفاذ للبيع الأول إلا بإجازته الأول فصار بإجازة الثاني في حكم (مجيز) البيع الأول فنفذ البيع الأول من وقت وجوده، ويثبت الملك له من ذلك الوقت، فحصل البيع على ملكه وقد لحقته الإجازة فنفذ، ويطيب له الربح إن كان في الثمن ربحاً؛ لأن البيع الثاني حصل على ملكه وضمانه، وإن نقض الآمر البيع الثاني صار الحال بعد نقض البيع الثاني كالحال قبل وجود البيع الثاني؛ لأنه لما نقض الآمر البيع الثاني وله ولاية نقضه صار وجوده والعدم بمنزلة، فصار الحال بعد نقض البيع الثاني، والحال قبل البيع الثاني سواء من هذا الوجه، وإن نقض الآمر البيع الأول بعد البيع الثاني لزم (87ب3) العبد المأمور؛ لأن إقدام المأمور على البيع الثاني إبطال للخيار وإمضاء للشراء بينه وبين البائع، كقوله: رضيت إلا أنه لم يعمل هذا الإبطال في حق الآمر بحقه، فإذا اختار بعض الشراء فقد أبطل حقه، فعمل ذلك الإبطال في حق الآمر عمله فصار العبد ملكاً للمأمور لهذا، ولكن لا ينفذ عليه بيعه الذي كان قبل

(6/525)


ذلك؛ لأنه كان قبل ملكه، إذ ملكه حدث الآن، والبيع لا يتوقف على ملك سيحدث.
ألا ترى أن من باع شيئاً، ثم ملكه بسبب من الأسباب لا ينفذ ذلك البيع عليه، وإنما لم ينفذ عليه لما قلنا، فإن حدد المأمور بيعاً بعد ذلك وطاب الربح إن كان في الثمن الربح؛ لأن العبد صار ملكاً له من وقت البعض وإنه في يده وضمانه فحصل البيع على ملكه وضمانه فينفذ مع ظنه لهذا وإذا اشترى الرجل شيئاً لغيره بأمره وشرط الخيار للآمر كما أمره به حتى يثبت الخيار للآمر وللوكيل، ثم اختلف البائع والوكيل بعد ذلك فقال: إن الآمر قد رضي والآمر غائب، وأنكر الوكيل ذلك فالقول قول الوكيل؛ لأن البائع يدعي على الوكيل سقوط خياره بعد ما كان ثابتاً ووجب الثمن على الوكيل بعد ما لم يكن واجباً عليه، والوكيل ينكر ذلك فيكون القول قوله.

ألا ترى أنه لو ادعي الرضا على الوكيل في مدة الخيار وأنكر الوكيل ذلك، كان القول قوله؟ فكذا هذا، ثم يكون القول قول الوكيل بلا يمين، بخلاف ما لو ادعي الرضاء على الوكيل في مدة الخيار وأنكر الوكيل كان القول قول الوكيل مع اليمين.

والفرق: أن الدعوى في مسألتنا توجه على الآمر مقصوداً، فإنه يدعي رضاء الآمر لا رضاء المشتري بيعاً ونقضاً؛ لأن رضاء الآمر متى ثبت سقط خيار المشتري ولزمه الثمن وحكم الأصل، وهذه الدعوى لم تصح في حق (هذا) الجانب، اليمين على من توجه عليه الدعوى مقصوداً وهو الآمر، فإن الآمر لو كان حاضراً وأنكر الرضاء لا يستحلف الآمر بهذه الدعوى فكيف يصح في حقٍ توجيه اليمين على من توجه عليه الدعوى تبعاً وهو المشتري، بخلاف ما لو ادعي الرضاء على المشتري؛ لأن الدعوى هناك توجه على المشتري مقصوداً وهو أصل فيما ادعي عليه؛ لأن العقد في حق الحقوق للعاقد، كأنه اشترى لنفسه، وإنما لم تجب اليمين على الآمر متى كان حاضراً وادعى عليه الرضا، وذلك؛ لأن الأمر في حق حقوق العقد ثابت عن المشتري لما مر، والدعوى على الثابت لا تصح في حق الجانب اليمين عليه، وإن كان يصح في حق سماع البينة كالوكيل بالخصومة والأب والوصي وصحت الدعوى في مال اليتيم على هؤلاء في حق سماع البينة، ولم تصح في حق إيجاب اليمين فكذلك هنا.

وذكر شمس الأئمة الحلواني: أن في استحلاف الوكيل في هذه المسألة روايتين، على أصح الروايتين: يستحلف الوكيل هنا إذا أنكر المشتري ما ادعاه البائع، ولم يقم البائع (بينة) على ما ادعى، فأما إذا أقام البائع البينة أن الآمر قد رضي، فإن البيع لازم للآمر، وإن كان الآمر غائباً؛ لأن المشتري انتصب خصماً عن الآمر حكماً؛ لأن البائع ادعى على المشتري حقاً بسبب ادعاه على الغاصب فيه، وبين المشتري والغائب إيصال سبب وهو الأمر ولا يثبت ما ادعى على المشتري إلا بإثبات ما ادعي على الغائب، فينتصب المشتري خصماً عن الغائب، وإن لم يقم له بينة على ذلك؛ لأن المشتري صدقه فيما ادعى من رضا الآمر، ثم حضر الآمر في مدة الثلاث وأنكر الرضا وادعى أنه نقض البيع بمحضر من البائع، ذكر أن الشراء يلزم المشتري ولا يلزم الآمر، حتى لا يكون

(6/526)


للوكيل أن يرجع على الآمر بالثمن مدفوعاً إليه؛ لأن المشتري بإقراره أن الآمر رضي أقر على نفسه بسقوط حقه في الخيار ووجوب الثمن، وعلى الآمر بالرجوع بالثمن، فإذا أنكر الآمر الرضا صح إقرار الوكيل في حقه، ولم يصح إقراره في حق الآمر وصار وجود هذا الإقرار في حق الآمر وعدمه بمنزلة، ولو عدم فقال الآمر في مدة الخيار: كنت فسخت والبائع حاضر كان القول قوله؛ لأنه حكي أمراً يملك استئنافه للحال، ومن حكى أمراً يملك استئنافه للحال، فإنه يصدق فيما حكى، هذا إذا قال الآمر مدة المقالة في مدة الخيار، فأما إذا قال هذه المقالة بعد مدة الخيار فإن البيع يلزمه، ولا يكون مصدقاً فيما حكى؛ لأنه حكى مالا يملك استئنافه للحال فلزمه البيع بمضي المدة، لا بإقرار المشتري.l
ومما يتصل بهذا النوع: إذا باع الوصي أو الأب شيئاً من مال الصغير وشرط الخيار لنفسه فهو جائز، فإن بلغ الصبي في مدة الخيار تم البيع وبطل الخيار في قول أبي يوسف، وقال محمد في ظاهر الرواية: ينتقل الخيار إلى الصبي، فإن أجاز البيع في مدة الخيار، وإن رد بطل، وجه قول أبي يوسف أن الخيار إنما يثبت حقاً للعاقد، لكونه من حقوق العقد وقد تعذر استيفاؤه بعد البلوغ لانقطاع الولاية فيسقط، ولا ينتقل إلى غير العاقد كما لا ينتقل إلى غير الوارث بعد موت المورث.
وجه قول محمد: أن الخيار من حقوق العقد والعقد وقع للصغير فكذا الخيار، إلا أنه كان يستوفيه بنفسه لعجزه، فإذا قدر على الاستيفاء بالبلوغ يستوفيه، نظيره الملك، فإن الملك فيما يشتريه الأب والوصي للصغير يقع للصغير، إلا أنه كان يَتَصرف في ملكه بنفسه لعجزه، فإذا قدر على التصرف بالبلوغ فلا كذا ههنا.
إذا ثبت أن الخيار للصبي بعد البلوغ على قول محمد يقول ليس للوصي أن يجيز وله أن يفسخ؛ لأن ولاية الإجازة بحكم الخيار ولم يبق له الخيار بعد البلوغ لانقطاع الولاية، أما يَملك الفسخ؛ لأنه لما شرط الخيار فقد بين أنه لم يرض بالتزام العهدة إلا عند وجود الإجازة منه، فإذا انعدمت الإجازة منه كان له أن يفسخ دفعاً للعهدة عن نفسه، ويجوز أن يثبت حق الفسخ للإنسان، وإن لم يكن له ولاية الإجازة كالفضولي إذا باع مال الغير كان له الفسخ قبل إجازة المالك، ولا يكون له أن يجيز كذا هنا.

وفي «النوادر» عن محمد ثلاث روايات، قال في رواية مثل ما قال أبو يوسف، وقال في رواية: ينتقض العقد؛ لأنه تعذر القول ببقائه مع الخيار وبدون الخيار، وقال في رواية: ينتقل الخيار إلى الصبي، واختلفت الروايات عن محمد في مضي المدة، قال في رواية: يلزم العقد لاستحالة بقاء الخيار بعد المدة، وفي رواية لا يلزم إلا بإجازته؛ لأن عنده الإجازة في معنى إنشاء العقد، فيجعل البلوغ الطارئ على العقد قبل الإجازة بمنزلة المقارن للعقد، ولو كان مقارناً للعقد بأن باع فضولي مال الغير وشرط الخيار لنفسه لا يلزم العقد من غير إجازة المالك، وإن مضت مدة الخيار فهنا كذلك.
ولو باع المكاتب وشرط الخيار لنفسه فعجز في الثلاث تم البيع في قولهم؛ لأن

(6/527)


المكاتب عاقد لنفسه فكان الخيار ثابتاً له أصلاً والعجز أوجب بطلان ولايته فصار كموت من له الخيار وكذلك المأذون (88أ3) إذا حجر عليه المولى في الثلاث بطل خياره لما مر.

ولو اشترى الأب أو الوصي شيئاً بدين في الذمة وشرط الخيار، ثم بلغ الصبي فأجاز الأب أو الوصي جاز العقد عليهما، والصبي بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء فسخ؛ لأن ولاية الأب والوصي تنقطع عن الصغير بالبلوغ فلم يبق لهما ولاية الإجازة والفسخ في حق الصغير، أما بقي لهما ولاية الإجازة في حق أنفسهما، فإن أجاز الصبي تم البيع في حقه، وإن فسخ زال حق الصغير فيصح الشراء في حق الأب والوصي لوجود الإجازة منه، ونظير هذا الوكيل بالشراء بشرط الخيار للموكل، إذا اشترى وشرط الخيار للموكل، ثم أجاز العقد تعمل الإجازة في حقه دون الموكل، حتى أن الموكل لو رضي بالشراء لزمه البيع، وإن فسخ العقد ورد المبيع لزم الوكيل فهنا كذلك، وإن لم يجز الصبي شيئاً حتى مات الوصي بعد ما رضي بالبيع أو قبل ذلك فاليتيم على خياره، وإن لم يمت الوصي ومات العبد في يد الوصي في وقت الخيار أو بعد مضيه، أو مات اليتيم في وقت الخيار قبل رضى الوصي بالمشترى أو بعده فالشراء لازم للمشتري وسيأتي بعض هذه المسائل يعد هذا في فصل الأب والوصي.

نوع آخر في الاختلاف في تعيين المشتري بشرط الخيار عند الرد
وإذا اشترى الرجل من آخر شيئاً على أنه بالخيار ثلاثة أيام وقبضه، ثم جاء ليرده على البائع بحكم الخيار فقال البائع: ليس هذا هو الذي بعتك، وقال المشتري: هو ذلك فالقول قول المشتري مع يمنيه؛ لأن في خيار الشرط، المشتري ينفرد بالفسخ فيفسخ العقد بمجرد قوله، وبقي ما قبض في مدة مال البائع، فالمشتري يقول للبائع: مالك الذي قبضت منك هذا، والبائع يقول: غيره، فيكون القول قول المشتري في تعيين المقبوض اعتبر أمانةً كالمودع أو ضماناً كالغاصب، ولو كانت السلعة غير مقبوضة في هذه الصورة فأراد المشتري إجازة العقد في غير يد البائع فقال البائع: ما بعتك هذا، وقال المشتري: لا بل بعتني هذا، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في شيء من الكتب، قالوا: وينبغي أن يكون القول قول البائع، كما ادعى عليه مع هذا العين، وأنكر البائع البيع أصلاً، وقال: ما بعتك شيئاً، ولا يتحقق الخلاف في الفسخ هنا؛ لأن المشتري ينفرد بالفسخ، والمبيع في يد البائع، وإنما يتحقق الخلاف حالة الإجازة، كما إذا ادعى كانت السلعة مقبوضة لا يتحقق الخلاف حالة الإجازة؛ لأنه أجاز والمبيع في يده، إنما يتحقق الخلاف حالة الفسخ هذا الذي ذكرنا إذا كان الخيار للمشتري.

فأما إذا كان الخيار للبائع إن كانت السلعة مقبوضة، فجاء المشتري بسلعة ليردها على البائع في مدة الخيار، فقال البائع: ليس هذا الذي بعتك وقبضت مني، وقال المشتري: الذي بعتني وقبضتني هذا فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأن الحال لا يخلو

(6/528)


إما أن يدعي البائع هلاك ما باع منه أو ادعى القيام في يده، فإن ادعى ضمان القيمة على المشتري وإن لم يكن واجباً والمشتري ينكر، وإن ادعى القيام فقد تصادقا على أن للمشتري حق الرد؛ لأن للمشتري حق الرد في مدة الخيار حتى يخرج عن ضمان القيمة، إلا أنهما اختلفا في تعيين المقبوض فيكون القول قول المشتري مع يمينه، وإن كانت السلعة غير مقبوضة، فأراد البائع إلزام البيع في عين فقال المشتري: ما اشتريت هذا، ذكر أن القول قول المشتري مع يمينه؛ لأن البائع يدعي عليه ولاية إتمام الشراء في هذا العين، والمشتري ينكر فيكون القول قوله كما أنكر المشتري الشراء أصلاً.

نوع آخر في جناية المبيع في البيع بشرط الخيار
قال محمد رحمه الله في «الجامع:» رجل باع عبداً على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فقتل العبد قتيلاً خطأً في مدة الخيار، فعلم المولى ذلك، فأجاز البيع وهو عالم بالجناية لم يصر مختاراً للفداء أو صحت الإجازة، لأن الإجازة لا تكون أقوى من ابتداء البيع.

ولو باع المولى العبد الجاني ابتداء يجوز، فالإجازة أولى ولم يصر مختاراً للفداء؛ لأنه بالإجازة حصل مزيل له عن ملكه فيصير مختاراً للفداء كما لو باعه أو أعتقه، والجواب ثمة إنما صار مختاراً للفداء؛ لأن بالبيع والإعتاق يبطل حق أولياء الجناية، أما بالإعتاق فلا شك وكذلك بالبيع؛ لأن المشتري لا يُخَيَّر بين الدفع والفداء إذ الجناية لم تكن في ملكه، وهو لا يملك إبطال حق ولي الجناية عن عين العبد إلا بالفداء، فيصير مختاراً للفداء، أما هنا بالإجازة لا يبطل حق ولي الجناية عن عين العبد؛ لأن المشتري تخير بين الدفع والفداء؛ لأن عند الإجازة يثبت الملك له من وقت البيع، ولهذا إذ حصل الولد من المبيعة بشرط الخيار للبائع في مدة الخيار، ثم سقط الخيار بالإجازة فالولد يسلم له، إذا ثبت أن عند الإجازة يثبت الملك للمشتري من وقت البيع، ظهر أن العبد حتى ملكه فيخير، وإذا كان كذلك لم يبطل حق أُولي الجناية عن العبد، فلم يصر البائع مختاراً الفداء.
وذكر في كتاب البيوع: إذا باع جارية على أن البائع فيها بالخيار، فملك البائع ولدها في مدة الخيار، يكره للبائع أن يخير البيع في الأم، لما فيه من التفريق بين الوالدة وولدها فجعل الإجازة بمنزلة ابتداء العقد، والفرق: أن الإجازة تشبه ابتداء العقد من وجه، من حيث إن الملك موقوف على الإجازة ويشبه الإمضاء من وجه، من حيث إن الإجازة بعمله للبيع السابق وعند الإجازة يستند الملك إلى وقت العقد حكماً، فكان الملك قبل الإجازة ثابتاً من وجه دون وجه، والملك الثابت من وجه يكفي للخطاب بالدفع والفداء، أصله ملك المكاتب، فإن عبد المكاتب إذا جنى جناية يخاطب المكاتب بالدفع أو الفداء، وإذا ثبت أن الملك من وجه كافي للخطاب بالدفع أو الفداء، وأنه ثابت للمشتري يوجه الخطاب على المشتري بالدفع أو الفداء، فلم يصير البائع مبطلاً حق أولياء الجناية، وهكذا يقول في مثله، مسألة التفريق أن الإجازة تعتبر بإبتداء العقد من وجه لكن

(6/529)


الباب باب الجزئيات، والثابت من وجه ملحق بالثابت من كل وجه في حق الحرمات.

فإن قيل: البائع منها يتمكن من فسخ العقد، فإذا لم يفسخ مع التمكن جعل كالمنسي للبيع.

كمن وكل رجلاً بطلاق امراءته في صحته ولم يعزل الوكيل حتى طلق امرأته في مرض موته فصار وجعل امتناعه عن العزل بمنزلة إنشاء الوكالة، والجواب عنه وهو الفرق بين المسألتين أن الإمتناع من الفسخ بمنزلة البيع المبتدأ أما ليس ببيع المبتدأ حقيقة، والامتناع عن العزل أيضاً ليس بتوكيل مبتدأ حقيقة، بل هو بمنزلة التوكيل المبتدأ، إلا أن حق المرأة متعلق بماله، فباعتبار الحقيقة لم يصر فاراً، وباعتبار الحكم يصير فاراً، فلا يبطل حقها بالشكل، أما حق أولياء الجناية لم يكن متعلقاً بالفداء فباعتبار الحقيقة لم يثبت حق ولي الجناية، إن كان يثبت باعتبار الحكم، فلا يثبت بالشك والاحتمال، إذا ثبت أن البائع لم يصر مختاراً للفداء كان للمشتري الخيار؛ لأن العبد قد تعيب بعيب في ضمان البائع.
(88ب3) فإن رقبته صارت مستحقة بالجناية، فإن اختار المشتري أخذه تخير بين الدفع والفداء لأنه تبين أن العبد جنى على ملكه وأي الأمرين اختار لا يرجع به على بائعه، وإن وجد العيب في ضمان البائع، لأن المشتري رضي بكونه معيباً، وإن اختار المشتري نقض البيع تخير البائع بين الدفع والفداء، لأن الرد بالعيب قبل القبض فسخ العقد من الأصل، فصار كأن البيع لم يكن، ثم ذكر في بعض الروايات: فأي ذلك فعل المشتري تخير البائع، وذكر في بعضها فإن فعل ذلك والمراد فإن رد وهو الصحيح، لأن البائع إنما تخير عند رد المشتري المبيع عليه لا عند الإمضاء، هذا إذا كانت الجناية في يد البائع. وإن كانت الجناية في يد المشتري والباقي بحاله، فالبائع على خياره، لأن الجناية في يد البائع لما لم يبطل خياره، فالخيار في يد المشتري، لأن لا يبطل كان أولى، فإن أجاز البيع جاز ولا يكون للمشتري خيار العيب، لأن عند الإجازة يثبت الملك للمشتري من وقت العقد، فظهر أن العيب حدث على ملكه في ضمانه لا يكون له الخيار، بخلاف الفصل الأول، ثم تخير المشتري بين الدفع والفداء لأن الجناية لو كانت حاصلة في ملكه لا ضمانه، تخير عند استقرار الملك له، فلا تخير هنا والجناية حصلت في ملكه في ضمانه كان أولي، هذا الذي ذكرنا إذا كان الخيار للبائع فجنى العبد جناية أو في يد المشتري، فإن كان الخيار للمشتري وجني العبد جناية في يد البائع كان للمشتري خيار العيب، ليعيب المشترى في يد البائع، ويبقى خيار الشرط أيضاً، لأن في إبقائه فائدة، فإن ولي الجناية ربما يبرئ العبد من الجناية فيتمكن المشتري من الرد بخيار الشرط، فإن اختار الأخذ تخير بين الدفع والفداء، وإن اختار البعض تخير البائع، وقد مر هذا من قبل، ولو كان الخيار للمشتري فجنى العبد في يد المشتري في مدة الخيار، لم يكن له أن يرده على البائع لأن العبد تعيب في مدة الخيار، ولا يكون له ولاية الرد إلا أن يفدي العبد في مدة

الخيار له أن يرده بخيار الشرط لزوال العيب، وهو بمنزلة ما لو اشترى عبداً فَحُمَّ في مدة الخيار لا يكون له ولاية الرد، فلو زال الحمَّى يرده بخيار الشرط كذا هنا،

(6/530)


ولو لم يفد واختار الدفع سقط خيار الشرط وتقرر العبد على ملكه عند الإقدام على الدفع فيجب عليه الثمن.

ومما يتصل بهذا النوع رجل اشترى داراً بشرط الخيار للبائع أو للمشتري أو كان البيع فوجد في الدار قتيل، فعلى قول أبي حنيفة: الدية على عاقلة صاحب اليد على كل حال، وعلى قول أبي يوسف ومحمد على عاقلة المشتري إن كان البيع باتاً وعلى عاقلة من يصير الدار له بالفسخ والإجارة إن كان فيه الخيار، فوجه قولهما: أن هذا مؤنة الملك فيدور مع الملك ويتوقف حاله توقف الملك كصدقة الفطر، وإنما قلنا ذلك لأن الدية إنما يجب على عاقلة صاحب الدار لصيرورة صاحب الدار حانثاً بترك الحفظ، والحفظ إنما يجب على المالك، وجه قول أبي حنيفة أن الحفظ أمر حسي فإنما يتأتى بآلة حسية وذلك اليد، وإنما تعتبر تلك الرقبة لتصير اليد محقة وقد تيقنا أن يد صاحب اليد ههنا محقة فلا معتبر بالملك، ثم عندهما إذ كان البيع باتاً والدار في يد البائع حتى وجبت الدية على عاقلة المشتري، لم يذكر في «الكتاب» أن المشتري هل يتخير ويجب أن يتخير، لأن وجود القتيل في الدار ليس يعيب حل بالدار لا حقيقة ولا اعتباراً، فإن الدار لا تصير مستحقة بضمان الجناية، ولا كذلك ما إذا جنى العبد في يد البائع والله أعلم.

الفصل الثالث عشر: في خيار الرؤية
هذا الفصل يشتمل على أنواع: نوع منه في بيان صفته وحكمه وفي وضع ثبوته^
p
يجب أن يعلم أن شراء مالم يره المشتري جائز عندنا، وصورة المسألة: أن يقول الرجل لغيره: بعت منك الثوب الذي في كمي هذا، والصفة كذا، أو الدرة التي في كفي وصفته كذا، أو لم يذكر الصفة، أو يقول: بعت منك هذه الجارية المتبقية، وأما إذا قال بعت منك مافي كمي هذا، أو مافي كفي هذا من شيء، فهل يجوز هذا البيع؟ لم يذكره في «المبسوط» . قال عامة مشايخنا: اطلاق الجواب يدل على جوازه عندنا، ومنهم من قال: لا يجوز ههنا وللمشتري لما لم يره له خيار إذا رآه، الاصل في جواز هذا العقد قوله صلى الله عليه وسلّم «من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه» ولأن المبيع وإن كان مجهول الوصف إلا أن الجهالة انما تفسد العقد باعتبار الإفضاء الى المنازعة، ألا ترى أن من باع

(6/531)


فقيزاً من صبرة، يجوز وإن كان مجهولاً لأنه (الجهل) يفضي إلى المنازعة ولا منازعة هنا، لأن المشتري بالخيار، فإن وافقه أخذه وإلا رده وهذا الخيار غير مؤقت، بخلاف خيار الشرط، لأن ثبوت هذا الخيار عرف بالحديث الذي روينا وإنه مطلق، فإنه عليه السلام قال: «فهو بالخيار إذا رآه» لايورث، بمنزلة خيار الشرط لأن الثابت ليس إلا ولاية الفسخ والإجازة وأنه لا يبقى بعد موت العاقد، والإرث إنما يجري فيما يبقى بعد الموت وهذا خيار لايسقط بالاسقاط مقصوداً، حتى لو قال: أسقطت خيار الرؤية لايسقط بخلاف خيار الشرط، ولو باع شيئاً يره بأن ورث شيئاً ولم يره حتى باعه جاز البيع، ولا خيار له في قول أبي حنيفة الآخر، وكان يقول أولاً: له الخيار، فعلى قوله الأول قاس جانب البائع بجانب المشتري، وعلى قوله الآخر: فرق بينهما، وكأنه اعتمد على ماروي أن عثمان باع أرضاً كانت له بالبصرة من طلحة فقيل لطلحة: إنك قد عيبت، فقال: لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره، وقال عثمان: لي الخيار لأني بعت ما لم أره، فحكما جبير بن مطعم فقضى لطلحة بالخيار، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد.

وفي «صرف القدوري» وليس في الدراهم والدنانير خيار الرؤية، وكذلك سائر الديون، لأنه لافائدة في الرد فإن العقد لاينفسخ بردها، لأن العقد لم يرد على عيبها، وإذا رد وقبض ثانيا لابد وأن يثبت خيار الرؤية أيضاً، كما في المقبوض الأول فيؤدي إلى مالا يتناهى، ولو كان إناءً أو تبراً أو حلياً مصوغاً فله فيه خيار الرؤية، لأن الرد مفيد ههنا لأنه يتعين وينفسخ العقد فيه بالرد. ولو اشترى عينا بدين فالخيار للمشتري ولا خيار للبائع، ولو تبايعا عينا بعين، فلكل واحد منهما الخيار، لأن الرد من كل جانب مفيد لأن العقد ينفسخ برد كل واحد منهما ويعود إلى الرادعين ماكان له، وإذا اشترى شيئا قد كان رآه ولا يعرفه، بأن رأى ثوبا في يد إنسان ثم إن صاحب الثوب لفه في منديل وباعه منه، أو رأى جارية في يد إنسان ثم رآها قصة عنده فاشتراها منه ولم يعلم بأنه ذلك الثوب، وتلك الجارية، فله الخيار إذا رآه بعد ذلك لأنه جاهل بأوصاف المعقود عليه وقت العقد وهو العلة الموجبة للخيار.

وفي «المنتقى» : إذا عرض (98آ) على رجل جراب هروي فنظر الى كل ثوب ثم ان صاحب الثوب لف ثوباً من الجراب في منديل فاشتراه الذي اعترض الجراب، فله الخيار إذا رآه، وإن كان بين له صاحب الجراب أنه من ذلك حتى بينه إلى شيء يعرفه لأنه جاهل بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء فإنه لايدري أن الثوب الذي اشتراه جيداً.
وروي في «الأصل» : فلو أراه ثوبين وعرضهما عليه ثم لف أحدهما في منديل ثم اشتراه منه ولم يره ولم يعلم أيهما هو، فهو بالخيار إذا رآه لما ذكرنا أنه جاهل بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء فإنه لا يدري أنه جيد أو رديء ولو رآه بالثوبين جميعا قد لف كل واحد منهما في منديل، وقال: هذين الثوبين اللذين عرضت عليك أمس، فقال: أخذت هذا الثوب نفسه بكذا وهذا الثوب بعينه بكذا، ولم يرهما حالة الشراء فهذا على

(6/532)


وجهين أما إن اشتراهما بثمن واحد بأن قال هذا بعشره وهذا بعشرة وفي هذا الوجه لاخيار له لأنه عالم بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء حيث سوى بينهما في الثمن لأن ذلك دليل على أنهما كانا مستويين في الوصف وإذا كانا مستويين في الوصف كان عالما بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء، وأما ان اشتراهما بثمن مجهول مختلف بأن قال: هذا بعشرة، وفي هذا الوجه له الخيار لأن التفصيل في الثمن دليل على أن أحدهما أجود من الآخر ولم يعلم وقت الشراء أن الذي قاتله العشرين جيد أو رديء ولو قال: أخذت أحدهما بعشرين ولم يُسَلَّم أيهما هو، فإن هذا فاسد لأن المبيع مجهول جهالة يوقعهما في المنازعة، ولو اشترى شيئا قد رآه وعلم وقت الشراء أنه ذلك الشيء، فلا خيار له إلا أن يكون قد تغير عن الحال الذي رآه عليه، وإن ادعى المشتري، التعيين فالقول قول البائع مع يمينه لأن المشتري يدعي عرضاً والبايع ينكر، قالوا: وهذا إذا كانت المدة قريبة يعلم أنه لايتغير في تلك المدة، فأما إذا كانت المدة بعيدة فالقول قول المشتري، لأن الظاهر يشهد له وإليه مال شمس الأئمة السرخسي، قال: أرأيت لو كانت جارية رآها فاشتراها بعد ذلك بعشرين سنة، زعم البائع أنها لم تتغير أكان يصدق على ذلك؟ لاشك أنه لايصدق، وبه كان يفتي الصدر الشهيد حسام الدين والشيخ الإمام ظهير الدين المرغيتاني.

وخيار الرؤية يمنع تمام الصفقة حتى أن من اشتري من آخر عدل زطي ولم يره فقبضه وحدث ثبوت عيب فليس له أن يرد منه شيئاً بختار الرؤية، لأنه عجز عن ردها بعيب في يده فلو رد شيئا من الباقي تفرقت الصفقة على البائع قبل التمام وأنه لا يجوز، وكذلك لو لم يتعيب شيء منه وأراد أن يرد بعض الأثواب دون البعض ليس له ذلك، لأن فيه تفريق الصفقة على البائع قبل التمام، ثم إنما منع خيار الرؤية تمام الصفقة لأنه إنما يثبت بسبب جهالة وصف المعقود عليه، وبجهالة أصل المبيع ووصفه أثر في منع الجواز ولزومه، بأن اشترى ثوبا من جملة الثياب لابعينه فجهالة الوصف مع العلم بالأصل في منع اللزوم دون الجواز، عملاً بالدليلين بقدر الإمكان، واذا امتنع اللزوم لم تكن الصفقة تامة، لأن اللزوم من أحكام الصفقة وليس للمشتري أن يخير قبل الرؤية حتى أنه لو أجازه ثم رآه فله أن يرده، ويجوز له أن يفسخ وإن لم يره عند عامة المشايخ، وهكذا روى بشر ابن الوليد عن أبي يوسف في «الأمالي» وهكذا ذكر في «شرح الطحاوي» وفي «القدوري» وهو الصحيح.
والفرق وهو أن صحة الفسخ تعتمد عدم لزوم العقد، والعقد ههنا غير لازم ليمكن الخلل في الرضا، أما ولاية الإلزام تعتمد تمام الرضا، وإنما يتم الرضا بعد العلم بأوصاف المعقود عليه وإنه يتحقق قبل الرؤية، والرد بخيار الرؤية فسخ قبل القبض وبعده، حتى لايحتاج فيه إلى قضاء القاضي ولا إلى رضا البائع، لكن لايصح هذا الرد إلا بمحضر من البائع عند أبي حنيفة ومحمد، أما الرضا به يصح بعد الرؤية بمحضر من البائع وبغير محضر منه بالاتفاق، والرضا به على ضربين: رضا بالصريح ورضا بالدلالة،

(6/533)


فالرضا بالصريح: أن يقول بعد الرؤية رضيت أو يقول أجزت، والرضا بالدلالة، أن يراه ثم يشتريه أو يراه بعد البيان فيقبضه، أو يتصرف فيه تصرف الملاك على مايعرف في خيار الشرط، فإذا فعل شيئاً من ذلك سقط خياره وهو النوع الثاني من هذا الفصل، إذا تصرف المشتري في المبيع قبل الرؤية تصرف الملاك فهو على وجهين: إن كان تصرفاً لايمكن فسخه بعد وقوعه ونفاذه نحو الإعتاق والتدبير لزم البيع وبطل خياره، لأنه ملك المشتري قبل الرؤية فتنفذ هذه التصرفات وبعد نفاذ هذه التصرفات يتعذر الفسخ فبطل الخيار ضرورة. وكذلك لو علق بالمبيع حقاً للغير، بأن أجر أو رهن أو باع بشرط الخيار للمشتري، لأن هذه الحقوق مانعة من الفسخ فيبطل الخيار ضرورة، حتى لو انفك المرهون أو مضت مدة الإجازة أو رُدَّ المشترى عليه بشرط الخيار ثم رآه لايكون له الرد، وإن كان تصرفا لم يتعلق به حق الغير، بأن باع بشرط الخيار أو وهب ولم يسلم أو عرض على البيع لايبطل خياره، وإن كانت هذه التصرفات منه بعد الرؤية يبطل خياره، ذكر القدوري هذه الجملة في كتابه، والفرق بين ماقبل الرؤية في حق التصرفات التي لم يتعلق بها حق الغير، أن خيار الرؤية لم يبطل بهذه التصرفات إنما يبطل من حيث إنها دليل الرضا بالامساك لاباعتبار تعلق حق الغير، إلا أن خيار الرؤية لايسقط بصريح الرضا أولى أما بعد الرؤية فبدليل الرؤية

أولى، أما بعد الرؤية يسقط هذا الخيار بصريح الرضا فكذا يسقط بدليله أيضا، وروي الحسن عن أبي حنيفة أن المشتري إذا باعه بشرط الخيار لنفسه يسقط خياره. وقيل: تلك الرؤية أصح.
وذكر شيخ الاسلام وشمس الأئمة السرخسي في شرحهما أن هذا الخيار يبطل بالعرض على البيع، وذكر القاضي الإمام فخر الإسلام علي السغدي أنه لايبطل كما ذكره القدوري، ورأيت في نسخة أن على قول أبي يوسف لايبطل هذا الخيار بالعرض على البيع، وعلى قول محمد: يبطل، وروي أن هذا الخيار يبطل بنقد الثمن، وقد مر أن خيار الشرط لايبطل بنقد الثمن.
وفي «المنتقى» : اشترى شيئا لم يره فقال للبائع: بعه لنفسك فهذا رد البياعة، باعه البائع أو لم يبعه، وقد انتقض البيع، ولو قال ذلك بعد ما رآه لم يذكر هذا الفصل في هذه المسألة، إنما ذكره بعد هذا في مسألة الشاة فقال: إذا اشترى شاة ولم يقبضها قال للبائع بعها أو بعها لنفسك فهو سواء، فإن كان لم يرها فهو البياعة نقض للبيع ورد (98ب) بخيار الرؤية، وإن كان قد رآها لم يكن نقضاً، حتى يقول: قد قبلت ذلك وأنا أبيع، وفيه أيضاً اشترى شاة ولم يقبضها ولم يرها حتى قال للبائع: احلب لبنها وتصدق به، أو قال: فأطعمه عيالك، أو قال صبه في الأرض، ففعل البائع ذلك فإن المشتري قابض لذلك اللبن وقد بطل خيار الرؤية في الشاة. ذكر مسألة الشاة بعد هذا وقال: إذا لم يرها وقال البائع: كل لبنها أو قال: أطعمه عيالك ففعل فهو نقض في اللبن خاصة، ولو قال: احلبها وأطعمته أو قال فاطعمه عيالي فهذا لايبطل خيار الرؤية البياعة، فإن حلبها فأطعمه المشتري والمشتري يعلم أنه لبنها أو

(6/534)


لايعلم، أو كان المشتري لم يأمره بذلك وفعله البائع من قبل نفسه فإن خيار الرؤية في هذا يبطل، ولو كان اللبن محلوبا فقال: بع لبنها أو قال: أطعمه عيالي أو قال: تصدق به ففعل فهو نقص في اللبن خاصة بمنزلة ما لو اشترى عبدين كل واحد منهما بخمسمائة، ولم يرهما ثم قال للبائع: بع فلانا يعني أحدهما بعينه فإن ذلك مناقضة فيه خاصة كذا هنا.
واذا اشترى خفافاً لبسه البائع وهو نائم فقام فمشى فيه وذلك ينقضه فقد بطل خيار الرؤية، وإن لم ينقضه لايبطل خيار الرؤية. إذا اشترى دارا ولم يرها فبيعت دار بحيها فأخذها بالشفعة فله أن يرد الدار المشتري بخيار الرؤية، رواه ابراهيم عن محمد.

وفي «الأصل» : إذا اشترى عدل زطي لم يره ثم باع ثوبا منه، ثم نظر إلى مابقي ولم يرض به فليس له أن يرد بخيار الرؤية، فإن عاد ما باع الى ملكه بسبب هو فسخ من كل وجه، فله أن يرد الكل بخيار الرؤية، إلا على رواية علي بن الجعد عن أبي يوسف فانه روي عنه أن خيار الرؤية إذا سقط لايعود اليه قديم ملكه بخيار الشرط.
وفي «الأصل» : إذا جرح العبد عبد المشتري جرحاً له أرش أو كانت أمة فوطئها غير المشتري بشبهة، فليس له أن يردها بخيار الرؤية، وإن كان وطئها غير المشتري بطريق الزنا أو وطئها المشتري أو كان الجرح من المشتري فليس له الرد إلا أن يرضي البائع في مسائل الثلاث، واذا ولدت ولدا فإن بقي الولد فليس له الرد على كل حال، وإن مات الولد إن أوجبت الولادة نقصاناً ظاهراً فليس له الرد إلا برضى البائع، وإن لم يوجب نقصانا ظاهرا فكذلك على رواية كتاب المضاربة، لأن على رواية كتاب المضاربة الولادة في بني آدم عيب لازم أبداً. وإن كانت شاة فولدت في يد المشتري إن بقي الولد فليس للمشتري أن يردها على كل حال، وكذلك ان قبل الولد وإن مات كان له الرد لأنه لما مات من غير صنع أحد جعل كأن لم يكن فالولادة لا تكون عيباً فيها لأنها لا توجب نقصاناً في البهائم. ولو أن البائع جرح العبد، عبد المشتري ذكر في «الأصل» أنه وجب البيع على المشتري، وعلى البائع القيمة في القتل والأرش في الجراحة، وذكر فصل الجراحة في كتاب الشرب وقال: على قول أبي حنيفة ومحمد يسقط خيار المشتري ويلزمه البيع، وعلى قول أبي يوسف لايسقط خياره، وقال في موضع آخر: على قول أبي يوسف الأول يسقط خياره، وعلى قوله الآخر لايسقط.

وفي «نوادر ابن سماعة» أن الخيار لايسقط وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وفي بعض «النوادر» خيار المشتري يسقط بجراحة البائع عند أبي حنيفة، وعندهما لايسقط
قالوا: وهو الصحيح. ولو أجاز المشتري العقد في بعض المبيع دون البعض بأن اشترى ثوبين أو عبدين أو ما أشبه ذلك ورآهما بعد ماقبضهما ورضي بأحدهما فقال: رضيته بهذا، لم يجز لما فيه من تفريق الصفقة قبل التمام، والخيار على حاله لأن إلزام بقية المبيع ولم يوجد الرضا به متعذر ورد الباقي وحده متعذر لما فيه من تفريق الصفقة فتعين رد الكل وصار وجود الإجازة في البعض والعدم بمنزلة.

(6/535)


ذكر المسألة على هذا الوجه. ابن سماعة في «نوادره» عن محمد قال ثمة: ولو لم يقل رضيت بهذا، ولكن عرض أحدهما على البيع لم يكن له أن يردهما لأن خيار الرؤية قد سقط حكما للعرض على البيع، وما ثبت حكماً لا يرد، فيلزمه العقد في الآخر ضرورة، قال ثمة: وكذلك لو كانا في يد البائع فرآهما وقبض أحدهما فهو دليل الرضا بهما، وليس له أن يردهما. وفي «المنتقى» عن أبي يوسف أنه سوى بين الرضا بأحدهما وبين عرض أحدهما على البيع وقال: لايبطل خياره حتى يرضا بهما أو بعرضهما على البيع، فهذا إشارة إلى أنه لو عرضهما على البيع انه يبطل خياره، وقد ذكرنا قبل هذا عن أبي يوسف ان المشتري لو عرض المبيع على البيع لايبطل خياره.
وفي «القدوري» عن أبي يوسف لو عرض المشتري بعض المبيع على البيع أنه لايبطل خياره، وفي «المنتقى» أيضاً عن أبي حنيفة فيمن اشترى جاريتين ورآهما ورضي بأحديهما فهو رضا بهما، ولو رأى أحديهما ورضي بهما لم يكن رضا بهما.

رجلان اشتريا شيئا لم يرياه وقبضاه ثم نظرا إليه فرضي به أحدهما وأراد الآخر الرد فليس له الرد إلا أن يجمعا على الرد وهذا قول أبي حنيفة. وكذلك إذا كان البائع اثنين والمشتري واحدا والخيار للبائعين فنقض أحدهما وأجاز الآخر لايجوز ما لم يجمعا على الإجازة. رجلين اشتريا جارية قد رآها أحدهما فنظر إليها الذي لم يرها وأجمعا على ردها هو وصاحبه فلهما ذلك، ولو أن الذي رآها قال: قد رضيت وأنفذت البيع قبل أن يرد الذي لم يره كان للذي لم يره أن يرد جميع البيع ورضا شريكه بمنزلة رؤيته.
عن أبي يوسف في «الأمالي» اشترى ثوباً لم يره فإذا هو قصير، لايغطيه فأراد أن يرده فقال له البائع: إن الخياط فإن قطعك فأمسكه وإلا فرده فأراه الخياط فإذا لا يغطيه فله أن يرده، وليس هذا كعرضه على البيع، هذا بمنزلة مالو قال: اذهب به فإن رضيته وإلا فرده، وكذلك الخف والقلنسوة وكل شيء بمنزلة صغره أو نقصانه. ولو كان عبداً فوجده أعمى فقال: أريد أن أعتقه عن كفارة يميني فإن أجري وإلا رددته فله أن يرده هذا بمنزلة الصغر. وفي الفتاوي سئل أبو بكر عمن اشترى أرضاً ولها أكار فزرعها الأكار برضا المشتري بأن تركها عليه، على الحالة المتقدمة ثم رآها فليس له أن يردها، لأن فعل الاكار بمنزلة فعل المشتري، وعن محمد فيمن

(6/536)


اشترى تمراً بالري وهو في أوعية فحمله الى الكوفة ولم يكن رآه هل له أن يرده بالكوفة، قال: لا ولكن يحمله إلى الري ويرده ثمنه.

وفي «الفتاوي» : إذا اشترى لبنا على أن يحمله البائع إلى منزل المشتري وكان ذلك بالفارسية حتى صح البيع فحمله البائع إلى دار المشتري ولم يكن رآه المشتري، فأراد أن يرده بخيار الرؤية ليس له ذلك، لأنه لو رده يحتاج البائع إلى الحمل فيصير بمنزلة عيب حادث عند المشتري. (90آ) .

وفي «المنتقى» : رجل باع جارية بألف درهم وعبد ودفع الجارية وقبض العبد

(6/537)


والألف فرآي ولم يكن رآه قبل ذلك، فرده بخيار رؤية جاز رده ولا ينتقض البيع في جميع الجارية، وإنما ينتقض بحصته العبد فيها ويرجع حصة العبد من الجارية إلى بائعها، وأما حصة الألف من الجارية فلا ينتقض البيع فيها ولا يعود إلى بائعها. بشر عن أبي يوسف في رجل اشترى كري حنطة ولم يرهما قبل القبض أو بعده فله خيار الرؤية فيما بقي.

نوع آخر فيما يكون رؤية بعضه كرؤية كله في إبطال الخيار
وإذا رأى بعض المبيع ورضي له ولم ير الباقي هل يكون على خياره، فلأصل فيه أن غير المرئي إذا كان تبعاً للمرئي فليس له رد غير المرئي، وإن كان برؤية المرئي لا يعرف حال غير المرئي إن البيع حكمه حكم البيوع فيعتبر مرآها تبعاً للمرئي وإذا سقط الخيار في الأصل سقط في البيع. بيانه إذا اشترى جارية أو عبداً ورأى وجهه ورضي به لا يكون له الخيار بعد ذلك، ولو رأى ظهرها وبطنها ولم ير وجهها فله خيار الرؤية لأن سائر الأعضاء في العبيد والجواري تبع للوجه، ألا ترى أنه تتفاوت القيمة بتفاوت الوجه مع التساوي في سائر الأعضاء، وفي الدواب بشرط النظر إلى مقدمها ومؤخرها هكذا ذكر القدوري قال: لأنه في العادة عند شراء هذه الأشياء ينظر إلى مقدمها ومؤخرها ولا يلتفت إلى شيء آخر فصار ذلك أصلاً وغيره تبعاً، وذكر في موضع آخر عند أبي يوسف يعتبر النظر إلى مقدمها ومؤخرها، وعند محمد يعتبر النظر إلى مؤخرها لا غير.

وفي «المتنقى» : قال أبو يوسف في الدواب: يسأل النحاسون فإن قالوا يحتاج مع النظر إلى الوجه والكفل النظر إلى مؤخرها لنقصان كان في مؤخرها من غير عيب فله الخيار ما لم ينظر إلى مقدمها ومؤخرها، وإن كان مؤخرها لا يكون فيه نقصان من غير عيب، لم يكن له خيار إذا نظر إلى مؤخرها. وعند محمد رحمه الله في الداوب: أنه يحتاج إلى النظر إلى وجهها وجسدها، والنظر إلى قوائمها لا يكفي، وعن أبي حنيفة في البرذون والحمار والبغل يكفي أن يرى شيئاً منه إلا الحافر والذنب والناصية، وفي الشاة الفتية لا بد من النظر إلى فرعها وسائر جسدها، وفي شاة اللحم لا بد من الجس حتى يتعين به الهزال والسمن. وفي المنقول إن كان شيئاً مقصوداً منه كالوجه في المعافر وموضع العلم في بعض الثياب فلابد من النظر إلى ذلك الموضع لسقوط الخيار، كذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وإن لم يكن شيء منه مقصوداً كالكرباس فإذا نظر إلى ظاهره مطوياً فلا خيار له بعد ذلك، لأن التفاوت بين المرئي وغير المرئي في الكرباس وأشباهه يسير، فإن وجد الباقي مثل ما رآه فلا خيار له وإن وجده دونه فله الخيار. وروى الحسن عن أبي حنيفة إذا اشترى جراب هروي فأراه من كل ثوب قطعة فلا خيار له وإلا له الخيار، قال هشام قلت لمحمد: إذا كان المشترى طنفسة فرأى أسفلها ولم يرى وجهها وموضع الوشي منها، قال: لا خيار له قال هذا شيء واحد وقد ذكرنا قبل هذا بخلافه. وروي عن أبي حنيفة فيمن اشترى بساطاً أن له الخيار حتى يرى جميعه، وما كان له وجهان من ثوبين مختلفين فإنه شرط رؤية كل الوجهين. وعن محمد فيمن اشترى جبة مبطنة ورأى بطانتها ورضي بها لا يبطل خياره حتى يرى الظهارة يريد به إذا كان بطانتها دون ظهارتها كذلك الحكم في كل شيء مبطن بطانته دون ظهارته، وأما السمور وكل شيء بطانته أرفع وأكثر ثمناً من ظهارته فرأى البطانة ورضي بها بطل خياره إلا أن يكون البطانة فائقة يشترط رؤيتها.

وفي «فتاوى النسفي» : إذا اشترى مكاعب وقد جعل الوجوه المكاعب بعضها إلى بعض فنظر المشتري إلى ظهورها لا يبطل خيار الرؤية، لأن الوجه أصل والصرم تبع. وإذا اشترى رحا بأداتها شيء تباين لم يره فله الخيار إذا رآه ويرد الكل، وكذلك إذا اشترى سرجابا دابة ورأى ولم يرى اللبد فله الخيار إذا رأه ويرد الكل، وإن كان المشترى داراً إذا رأى حيطانها ولم يرد أجلها ورضي به خيار له بعد ذلك قالوا وهذا إذا لم يكن جوف الدار أبنية، أو كان إلا أنه لا يختلف أبنية ذلك الموضع بل يكون على تقطيع واحداً.
d
أما إذا كان داخل الدار أبنية وتختلف أبنية دور ذلك الموضع فله الخيار، وما ذكر من الجواب في «الكتاب» فذلك بناء على عادة أهل الكوفة وبغداد فإن أبنية دورهم لا تختلف، وقال زفر: لا يبطل الخيار حتى يرى شيئاً من أرض دهليز أو شيئاً من أرض الدار، وقال الحسن: لا يبطل الخيار حتى يدخلها ويتأمل جوانبها وشخصها وبعض مشايخنا من أهل زماننا قالوا في البيت الصغير وهو الذي يسمي عله جابه إذا رآى خارج البيت ورضي به بطل خياره كما هو جواب «الكتاب» .
وفي الدور يعتبر رؤية داخلها كما هو جواب المشايخ، وقالوا أيضاً في الدور أيضاً يعتبر رؤية ما هو المقصود حتى أنه إذا كان في الدار بيتان شتويان وبيتان صيفيان وبيتاً طابق يشترط رؤية الكل كما يشترط رؤية صحن الدار، ولا يشترط رؤية المطبخ والمزبلة والعلو إلا في بلد يكون العلو مقصوداً كما في سمرقند، وبعضهم شرطوا رؤية الكل وهو الأظهر والأشبه. وإن كان المشترى بستاناً يشترط رؤية رؤوس الأشجار ويكتفي بها لأن رؤية رؤوس الأشجار يعرف حال الباقي.

وفي كتاب القسمة لم يشترط رؤية رؤوس الأشجار أيضاً، وصورة ما ذكر ثمة إذا اقتسما بستاناً وكرماً فأصاب أحدهما البستان وأصاب الآخر الكرم ولم يرى واحد منها الذي أصابه ولا رأى جوفه ولا نخله ولا شجره ولكنه رأى الحائط من ظاهره فلا خيار لواحد منهما فقد اكتفي برؤية ظاهر الحائط ولم يشترط رؤية رؤوس الأشجار، ويجب أن يكون الجواب المذكور في البستان بناء على عادة بلادهم أما في بلادنا لا يكتفي برؤية ظاهر حائط البستان ولا برؤية رؤوس الأشجار ويشترط رؤية داخل الكرم، لأن داخل الكرم في بلادنا يتفاوت تفاوتاً فاحشاً. وإن كان المبيع شيئاً ففي العدديات المتفاوتة نحو الثياب التي اشتراها في جراب، والبطيخ الذي يكون في السريحة وغير ذلك لا بد من رؤية كل واحد، وإذا رآى البعض فهو بالخيار في الباقي لأن كل واحد مقصود رؤية المرئي لا يعرف حال الباقي، ولكن إذا أراد الرد يرد الكل تحرزاً عن تفريق الصفقة على البائع قبل التمام، وفي العدديات المتقاربة نحو الجوز والبيض رؤية البعض يكفي إذا وجد الباقي مثل المرئي أو فوقه رؤية البعض (90ب3) يعرف حال الباقي والمكيل والموزون

(6/538)


نظير العدديات المتقاربة يكتفي فيه برؤية البعض إذا كان في وعاء واحد بلا خلاف، وإذا كان في وعائين فرأى ما في أحد الوعائين اختلف المشايخ فيه قال مشايخ عراق: إذا رضي بما رأى يبطل خياره في الكل إذا وجد في الوعاء الآخر مثل ما رأى أو فوقه، أما إذا وجد دونه فهو على خياره ولكن إذا أراد يرد الكل وهو الصحيح.

وفي «المنتقى» : رجل اشتري من آخر حنطة في بيتين متفرقين فرآى في أحد البيتين ورضي به ثم رآى ما في البيت الآخر فلم يرض به، فإن كان طعاماً واحداً لزمه البيع فيهما، وإن كان الذي رآه أخيراً ليس من الطعام الذي رآه أولاً فله أن يرده عليه، قال: وكذلك الكيل كله والوزن كله.

وفيه أيضاً إذا اشترى زقين من السمن أو الزيت أو العسل أو حملين من القطن أو الحب أو الشعير أو شيء من الحبوب ورأى أحدهما ورضي به فليس له أن يرد إلا أن يكون (الأخير) مخالفاً للأول يأخذهما أو يردهما، وهذه المسائل تؤكد قول مشايخ العراق، وإن قال المشتري في هذه الفصول لم أجد الباقي على الصفة التي رأيت المرئي بل هو دونه، وقال البائع: لا بل وجدته على تلك الصفة فالقول قول البائع مع يمينه، وعلى المشتري البينة.
وإن كان المعقود عليه شيئاً معيناً في الأرض كالثوم والبصل والشلجم والجزر والفجل فإن كان شيئاً يكال أو يوزن بعد القلع كالجزر والبصل، فإذا قلع المشتري شيئاً منه بإذن البائع أو قلع ورضي المشتري سقط خياره فيما بقي، وإن قلع المشتري ذلك بغير إذن البائع سقط خياره حتى لم يكن له أن يرد رضي بالمقلوع أو لم يرض وجد في ناحية أخرى من الأرض أقل منها أو لم يجد فيها شيئاً إذا كان المقلوع شيئاً له ثمن، وإن كان المقلوع شيئاً لا ثمن له لا يسقط خياره لأنه بالقلع صار معيناً، لأنه كان حياً ينمو أو بعد القلع صار من الموات لا ينمو أو العيب الحاصل في يد المشتري يمنع الرد بخيار الرؤية فيمتنع الرد إلا إذا كان المقلوع شيئاً لا ثمن له وجوده وعدمه بمنزلة فكأنه لم يقلع شيئاً. وإن كان ذلك شيئاً يباع عدداً كالفجل فرؤية البعض لا يبطل خياره فيما بقي إذا حصل القلع من البائع أو من المشتري بإذن البائع، وإن كان قلع المشتري بغير اذن البائع وكان المقلوع شيئاً له ثمن يسقط خياره لأجل العيب هكذا ذكر في «الأصل» .
وفي «القدوري» إذا اشترى معيناً في الأرض كالجزر والبصل فله الخيار إذا رآى جميعه، وإن رآى بعضه ورضي به فهو على خياره في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا قلع شيئاً يستدل به على الباقي في عظمه ورضي به المشتري فهو لازم.

وفي «نوادر هشام» قال: سألت محمداً عن رجل اشترى عشرة أجربة جزر في الأرض فقبض الأرض وبعث الغلام وأمره بقلع الجزر فقلع كله، ثم جاء المشتري هل له خيار الرؤية قال: نعم، قلت: قد نقصه القلع ثلث القيمة، قال: وإن نقصه لأنه لم ينقصه من عيب إنما نقصه من شعر، وإن كان المشتري هو الذي قلع فإذا قلع منه شيئاً قدر الكفين، أو قال ما يدخل في الكيل قدر ما يستدل به على الباقي فإنه إذا ما أقلع الباقي

(6/539)


لزمه ذلك كله بمنزلة متاع اشتراه، فإذا قبضه بعد الرؤية أو قبض بعضه لزمه وانقطع خيار الرؤية.

وإذا اشترى دهناً في قارورة فنظر إلى القارورة ولم يصب على راحته يعني كفه أو على أصبعه منه شيئاً فهذا ليس برؤية عند أبي حنيفة، وعن محمد فيه روايتان.
وفي «المنتقى» عن محمد: إذا رآى عنب كرم فله الخيار حتى يرى من كل نوع منها شيئاً، وفي النخل إذا رآى بعضه ورضي به بطل خيار الرؤية وجعل رؤية نوع من أنواع النخل جائزاً على كله.
وإذا اشترى رماناً حلواً وحامضاً ورآى أحدهما فله الخيار إذا رآى الآخر، وفيه أيضاً إذا اشترى حمل نخل فرأى بعضه ورضي به لم يلزمه البيع حتى يرى كله ويرضى به، وكذلك الثمار الظاهره كلها ما يدخل منها في الكيل والوزن وما يدخل في العد بعد أن يكون في رأس النخل والشجر وليس هذا كالذي قد جمع وخلط وجعل في موضع واحد.
وفي «البقالي» : وإذا اشترى وزناً من تراب المعدن بعينه فله الخيار إذا خرج ما فيه، أيضاً رؤية أحد المصراعين أو أحد الخفيين أو النعليين لا يكفي. وفي «فتاوى» إذا اشترى نافجة مسك وأخرج المسك منها فليس له أن يردها برؤية أو عيب لأن الاخراج يدخل فيه عيباً حتى لو لم يدخل كان له أن يرده بها والله أعلم.

نوع آخر في شراء الأعمى

شراء الأعمى وبيعه جائز وهو بمنزلة البصير الذي لم ير بلمسه وحشة بمنزلة النظر من الصحيح، وفي المشمومات يعتبر الشم وفي المذوق يعتبر الذوق لأن هذه الأشياء مما يعرف بعض أوصاف المبيع فيقام مقام النظر حالة العجز، كما تقام الإشارة من الأخرس مقام النظر للعجز، وأما الثوب فلا بد من صفة وبيان طوله ورفعته لأنه أقصى ما يستدل به على أوصافه وسقوط اعتبار النظر كان لضرورة العجز ولا ضرورة في الأقصى، فيعتبر إذا اشترى التمر على رؤوس النخيل يعتبر الصفة لأنه هو الممكن، وكذلك العقار وقيل: يلمس الحائط والبيتان، وروي عن أبي يوسف أنه يوقف في مكان يصير حصل له العلم، وفي الحقيقة لا اختلاف بين الروايات والمنظور في الروايات كلها أقصى ما يتصور.
وعن أبي حنيفة رحمه أنه يوكل بصيراً حتى يقبضه الوكيل وهو ينظر إليه، وهذا أصله مستقيم فإن عنده الوكيل بالقبض يملك إسقاط خيار الرؤية على ما نبين هذا إن شاء الله تعالى. ولو وصف له ثم أبصر فلا خيار له لأن العقد قد تم حين وصف له وسقط الخيار فلا يعود بعد ذلك، ولو اشترى البصير ثم عمي انتقل الخيار إلى الصفة لأن المعنى أن قل للخيار من النظر إلى الصفة العجز وفي هذا كونه أعمى وقت العقد وصيرورته أعمى بعد العقد قبل الرؤية سواء.

(6/540)


نوع آخر في الاختلاف في الرؤية

إذا اختلف البائع والمشتري في رؤية ما اشترى فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه أمراً حادثاً وهو لزوم العقد بسبب حادث وهو الرؤية والمشتري ينكر فالقول قول المنكر، ولو أراد المشتري أن يرده فقال البائع: ليس هذا هو الذي بعتك وقال المشتري: هو ذلك فالقول قول المشتري، لأن في خيار الرؤية المشتري ينفرد بالفسخ فينفسخ العقد بقول المشتري، ويبقى الاختلاف في المقبوض فيكون القول فيه قول القابض كما في باب الغصب والوديعة وما أشبه ذلك. وإن كان المشترى محدوداً وأقر المشتري بقبض المحدود المشترى ثم قال بعد ذلك: لم أر جميع المحدود لا يقبل قوله لأن القبض في المحدود لا يتصور (91أ3) بدون الرؤية فالإقرار بقبض المحدود المشترى ينقض دعواه عدم الرؤية في بعضه.

نوع آخر في الوكيل والرسول
قال محمد رحمه الله في الجامع الصغير: عن أبي حنيفة إذا اشترى طعاماً لم يره ووكل وكيلاً بقبضه فقبضه الوكيل بعد ما رآه ونظر إليه فللمشتري أن يرده، وقال أبو يوسف ومحمد: الوكيل والرسول سواء، للمشتري أن يرده إذا رأه إن شاء وإن شاء أخذه.

أصل المسألة أن الوكيل بالقبض يملك إبطال خيار الرؤية عند أبي حنيفة وعندهما لا يملك إبطاله، عند أبي حنيفة بأن يقبضه وهو ينظر إليه فأما إذا قبضه مستوراً ثم أراد بعدما نظر إليه ابطال الخيار قصداً فليس له ذلك، فوجه قولهما أن التوكيل تناول القبض وإبطال خيار الرؤية ليس من القبض في شيء، ولهذا لا يملك إبطاله مقصوداً، ولهذا لا يملك إبطال خيار الشرط ولا إبطال خيار العيب. ولأبي حنيفة أن التوكيل بالشيء توكيل بما هو تمامه ألا ترى أن التوكيل بالخصومة توكيل بالقبض الذي هو من تمام الخصومة، وإتمام القبض بإبطال خيار الرؤية لأن تمام القبض بتمام الصفقة، والصفقة لا تكون تامة مع خيار الرؤية فيضمن التوكيل بالقبض توكيلاً بالرؤية المسقط للخيار ومقتضي تتميم القبض لا مقصوداً فيملك إسقاط الخيار مقتضي تتميم القبض ولم يملك إسقاطه مقصوداً لهذا. وأما خيار الشرط فقد ذكر في «القدوري» أن من اشترى شيئاً على أنه خيار فوكل وكيلاً بقبضه فقبضه بعد ما رآه فهذا على هذا الخلاف أيضاً، وإن سلمنا فلأن خيار الشرط لا يحتمل البطلان مقتضي تتميم القبض، ولهذا لا يبطل خيار الشرط لو قبضه المشتري بنفسه. وأما خيار العيب فقد ذكر الفقيه أبو جعفر أنه يبطل بقبض الوكيل بالقبض والصحيح أنه لا يبطل، وإليه أشار في «الأصل» : لأنه لا يمنع تمام القبض فلا يتضمن الوكيل بالقبض توكيلاً بإبطال خيار العيب.
وأما الرسول فقلنا: الرسول ليس إليه إلا تبلغ الرسالة أما تتميم ما أرسل لا إلى

(6/541)


الرسول هذا هو الكلام في الوكيل بالقبض.
أما الوكيل بالشراء فرؤيته كرؤية الموكل بالإتفاق بخلاف الرسول بالشراء فإن رؤيته لا تكون كرؤية المرسل. وإذا وكل إنساناً أو أرسله قبل الشراء حتى رآه ثم اشتراه الموكل والمرسل بنفسه يثبت له خيار الرؤية، وإذا اشترى شيئاً لم يره قال لغيره أني اشتريت سلعة فاذهب وانظر إليه، فإن كان يصلح فارض بها وخذه أو قال: فإن رضيت بها فخذه فذهب ورضي. ذكر شيخ الإسلام في باب الخيار بغير شرط أن هذا لا يجوز، ورأيت في موضع آخر أن هذا لا يجوز عند أبي يوسف ومحمد، وأما علي قول أبي حنيفة إن قيل يجوز فله وجه، وإن قيل لايجوز فله وجه. الوكيل بالشراء إذا اشترى شيئاً لم يره وقد كان رآه الموكل ولم يعلم به الوكيل يثبت للوكيل خيار الرؤية ذكره شيخ الإسلام في «شرح كتاب المضاربة» .

الفصل الرابع عشر: في العيوب
هذا الفصل يشتمل على أنواع أيضاً:

نوع منه في بيان معرفة العيب

قال القدوري في «كتابه» : كل ما يوجب نقصاناً في الثمن في عادات التجار فهو عيب لأن المالية مقصودة في البيع وما ينقص الثمن ينقص المالية فكان عيباً، وذكر شيخ الإسلام خواهرزاده أن ما يوجب نقصاناً في العين من حيث المشاهدة والعيان فهو عيب وذلك كالسلل في أطراف الجواري والهشم في الأواني، وما لا يوجب نقصاناً في العين من حيث المشاهدة والعيان ولكن يوجب نقصاناً في منافع العين فهو عيب لأن الأعينان يقصد بها المنافع، ومالا يوجب نقصاناً في العين ولا منافع العين إلا أن يعتبر فيه عرف الناس أن عدوه عيباً كان عيباً ومالا فلا، إذا ثبت هذا العمى والعور والحول والإصبع الزائدة والناقصة عيب لما قلنا، والولادة القديمة ليست بعيب، على رواية «كتاب المضاربة» عيب، حتى إن من اشترى جارية قد ولدت عند البائع لا من البائع أو عند بائع البائع ولم يعلم المشتري بذلك وقت العقد فعلى رواية كتاب البيوع ليس له أن يردها بخيار العيب إذا لم يتمكن بسب الولادة نقصاناً ظاهراً.

وعلى رواية «كتاب المضاربة» يرد وإن لم يتمكن بسبب الولادة نقصاناً ظاهراً، وفي البهائم لا يرد ما لم يمكن بسبب الولادة نقصاناً ظاهراً باتفاق الروايات، والحبل في الجارية عيب يزول بالولادة على رواية «كتاب البيوع» لأن على رواية «كتاب البيوع» نفس الولادة ليس بعيب، فإذا قبضها ووجدها حاملاً فولدت فلا رد ولا رجوع إلا أن يتمكن بسبب الولادة نقصان ظاهر، وفي البهايم الخبل ليس بعيب وترك الختان في الجارية والغلام ليس بعيب إذا كانا محلوبين سواء كانا صغيرين أو كبيرين لأن الكبار لا يختنون،

(6/542)


وإن كانا صغيرين فكذلك، وإن كانا كبيرين فهو عيب فيوجب نقصاناً في الداب والمراد من الكبير البالغ، والزنا في الجارية عيب وليس بعيب في الغلام إلا أن يكون مديماً على ذلك، وهذا لأن الاستفراش مقصود من الجواري والزنا يخل به لأن الزانية لا تستفرش عادة، والمقصود من العبيد الأعمال خارج البيت والزنا لا يخل به إلا إذا اعتاد ذلك يكون عيباً لأن ذلك يضعفه ويعجزه عن الأعمال. وفي الإجازة إذا اشترى جارية كانت زنت في يد البائع فله أن يردها وإن لم تزن عند المشتري، وإذا كانت الجارية ولد لزنا فهو عيب وليس عيب في الغلام.
وفي «البقالي» لو كان أبوها أو جدها لغير رشد فهو عيب: وفي «نوادر ابن رشيد» عن محمد إذا كان أبوها لغير رشد فهو عيب عندي في الجواري اللاتي يتخذن أمهات الأولاد، وأما غير ذلك فليس بعيب إلا أن يكون عيباً عند النخاسين.
وفي «المنتقى» : شرب النبيذ مما لا يحل ليس بعيب في الجارية والغلام ولكنه عيب في دينه، وفيه أيضاً والشجر فيهما عيب ويحتمل أن يكون المروي والشجر بالجيم وفتح الشين وفارسيته سوختكي براندام. والبخر والدفر في الجواري عيب وفي العبيد ليس بعيب لأن الاستفراش مقصود من الجارية وأنه لا يحصل بهما والمقصود من العبير العمل، وعن هذا قيل أن كثرة الأكل عيب في الجواري دون العبيد لأنها تورث التخمة فتخل به الاستفراش، وفي بيوع «الأصل» الدفر في العبيد ليس بعيب إلا أن يكون من داءه، موضع آخر من «المنتقى» الدفر ليس بعيب لا في الجارية ولا في الغلام بخلاف البخر في الجواري، وفي موضع آخر منه الدفر ليس بعيب إلا أن يكون من داء فيكون عيباً في الجارية دون الغلام. وفي «البقالي» البخر والدفر ليس بعيب في الغلام إلا أن يكون فاحشاً، وفي «النوادر» الدفر ليس بعيب إلا أن (91ب3) يوجب نقصاناً فاحشاً بأن يؤخذ رائحة ذلك يؤخذ منه، وذكر شمس الأئمة السرخسي إلا يكون ذلك فاحشاً لا يكون في الناس مثله فذلك يكون الداء في الباطن. والنكاح عيب في الجارية والغلام وكذلك الدين عيب في الجارية والغلام وانقطاع الحيض في البالغة عيب، لأن انقطاع الحيض في أوانها يكون لداء في باطنها إلا أن دعوى المشتري لا تسمع ما لم يدع انقطاع الحيض بالحبل أو الداء، وسيأتي ذلك في موضعه. والاستحاضة عيب أيضاً (لأنها) علامة المرض ولا يقبل قول الأمة في الفصلين جميعاً إلا رواية عن محمد. والكفر عيب في الجواري والعبيد لأن المسلم لا باء ثمنه على نفسه ولا على مصالح الدينية من اتخاذ ماء الطهارة وحمل المصحف وكذلك في المعاملات، لأنه ربما يوكله من الحرام. والبخر عيب وهو الانتفاخ تحت السرة، الأدر عيب وهو عظم الخصيتين، وسيلان الماء من المنخر عيب، والعسر وهو أن يعمل بيساره ولا يعمل بيمنه عيب، والسن السوداء والخضراء عيب وفي الصفراء

(6/543)


اختلاف الروايات، والغناء في الجارية التي

تتخذ أم ولد عيب، والعدة عن الطلاق الرجعي في الجارية عيب وعن الطلاق البائن ليس بعيب، لأن المشتري يتمكن من إزالته من غير مؤنة تلحقه وهذا هو الأصل أن كل عيب يتمكن المشتري من إزالته من غير مؤنة تلحقه وكان المبيع بحال إذا أزيل العيب عنه لا ينتقص فهو ليس بعيب يوجبه الرد كما في مسألة الإحرام، وكما إذا اشترى ثوباً بخساً ولم يعلم به، ثم علم وكان الثوب بحال إذا غسل الثوب لا ينتقص الثوب لا يكون له حق الرد على ما هو المختار للفتوي في تلك المسألة. والعنة والخصاء عيب.
ذكر في «العيون» : والسن الساقط عيب ضرب كان أو غيره هو الصحيح، والظفر الأسود عيب إذا كان ينتقص الثمن، والثؤلول والخال كذلك عيب إذا كان ينتقص الثمن، والصهوبة في الشعر وفارسيته موري خرما كون عيب، والتخنث في الغلام عيب حتى لو وجده خنثاً رده بالعيب، لأن هذا مما يعده التجار عيباً قالوا: وهذا إذا كان التخنث من حيث العمل القبيح يأتي بالأفعال القبيحة، أما إذا كان التخنث من حيث المشية والقول لا يرد لأنه لا يعد عيباً، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي يحكي عن استاذه هذا إذا كان تخنثاً في الرد من أفعاله حتى كان يخالطه النساء ويفسدهن أما إذا كان به نوع رعونة ونوع تخنث للابن في صورته ويكسر في مشيته، فإن كان ذلك يسيراً لا يكون عيباً وإن كان فاحشاً يكون عيباً. والغشاء عيب وتفسيره عند بعضهم ضعف في البصر وعند بعضهم أن لا يبصر عند أدنى الظلمة، والعفل عيب وهو أن يكون المال منها شبه الكيس، والعتق عيب، قيل: معناه أن يصير المسلك واحداً، وقيل: معناه ريح في المثائة ربما يهيج بالإنسان فيقبله، والسلعة عيب وهو القروح التي في العتق يسمى بالفارسية «حول والكي» عيب إلا أن يكون سمه كما يكون في بعض الدواب والفحج عيب وهو في الأدمي يقارب صدور قدميه وتباعد عقبيه، والفدع عيب والمصدر أفدع وهو المعوج الرسمي، والحنف عيب وهو إقبال كل واحد من الإبهامين على صاحبه، والصدق عيب وهو يوسع مفرط في الغنم، والشتر عيب وهو انقلاب في الأجفان وبه كان يسمى «اليسر ناخنة وبادسيل سوي درجشم أبي درجشم» كل ذلك عيب، والجرب في العين في غير العين والسرقة والبول في الفراش، والأباق في حالة الصغر قبل أن يأكل واحده وقبل أن يشرب وحده ليس بعيب هذا هو لفظه «القدوري» وبعد لك هو عيب ما دام صغيراً فإذا بلغ فهو عيب أخر سوي الذي كان حتى لو أبق أو سرق في يد البائع قبل البلوغ ثم فعل عند المشتري بعد البلوغ لم يكن له أن يرده.

وفي «المنتقى» : إذا اشترى عبداً يفعل البيع والشراء والأباق والسرقة والبول في الفراش فتقيد المسألة بالذي يعقل البيع والشراء دليل على أنه إذا كان لا يعقل البيع والشراء فهذه الأشياء منه لا تكون عيباً، وذكر في موضع آخر من «المنتقى» ما ذكر في «القدوري» .
ومن مشايخنا من قال: إنما تكون هذه الأشياء عيب إذا كان الصغير بحيث يميز أما

(6/544)


إذا كان صغيراً جداً لا يكون عيباً، وبعض مشايخنا قالوا: البول في حالة الصغر إنما يكون عيباً إذا كان ابن خمس فما فوقه أما إذا كان ابن سنة أو سنتين فليس ذلك بعيب. فأما الجنون فهو عيب واحد في حالة الصغر والكبر حتى لو جن في يد البائع قبل البلوغ ثم جن عند المشتري بعد البلوغ فله الرد، وتكلم المشايخ في مقدار ما يكون عيباً من الجنون.

قال بعضهم: إن كان أكثر من يوم وليلة فهو عيب فما دونه فليس بعيب، وقال بعضهم: المطبق عيب وغير المطبق ليس بعيب. والسرقة وإن كانت أقل من عشرة دراهم عيب لأن السرقة أنما كانت عيباً، لأن الإنسان لا يأخذ ثمن السارق على مال نفسه، وفي حق هذا المعنى العشرة وما دونه سواء، وقيل: ما دون الدرهم نحو فلس أو فلسين أو ما اشبه ذلك ليس بعيب، والعيب في السرقة لا يختلف بين أن يكون من المولى أو غيره إلا في المأكولات فإن سرقه من المولي لأجل الأكل لا يعد عيباً ومن غير المولي يعد عيباً، وسرقة ما يؤكل لا لأجل الأكل بل لأجل البيع عيب من المولى وغيره، وإذا وهب البت ولم يختلس فهو عيب.
m
والإباق ما دون السفر عيب بلا خلاف بين المشايخ وتكلموا في أنه يشترط الخروج من البلدة، وهذا لأن الإباق إنما كان عيباً لأنه يوجب فوات المنافع عن المولى وفي حق هذا المعنى السفر، وما دون السفر سواء.
وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف: في رجل اشترى أمة وأبقت عنده ثم وجدها واستحقها مستحق ببينة فذلك الإباق لزم لها أبداً، وكذلك لو أبقت من الغاصب إلى أن مولاها فهذا ليس بإباق وإن أبقت فلم يرجع إلى الغاصب ولا إلى المولى وهو يعرف منزل مولاها ويقوى على الرجوع إليه فليس بعيب، وإن أبقت في دار الحرب من المغنم قبل أن يقسم ثم ردت إلى المغنم فهذا ليس باباق، وإن بقيت في المغنم أو قسمت فوقعت في سهم رجل فأبقت في دار الحرب تريد الرجوع إلى أهلها أو لا تريد فهو إباق وهو عيب.
ثم اختلف المشايخ في فصل الجنون أن معاودة الجنون في يد المشتري هل هو شرط للرد، بعضهم قالوا: أنها ليست بشرط بل إذا ثبت وجوده عند البائع يرد به، وإليه مال شمس الآئمة الحلواني وشيخ الإسلام خواهرزاده، وهو رواية «المنتقى» فقد نص في «المنتقى» أنه إذا جن في صغره أو كبره مرة واحدة فذلك عيب فيه أبداً ولم يعادوه وفي الجامع الصغير يقول: الجنون عيب أبداً، وهذا لأن الجنون آفة تحل بالدماغ وهي إذا تمكنت لا تزول هكذا قاله أهل الطب، وإذا بقت في نفسه كان للمشتري (92أ3) حق الرد ان لم يجن في يده، وبعض مشايخنا قالوا: المعاودة في يد المشتري شرط وهو المذكور في «الأصل» وفي «الجامع الكبير» إذا ليس من ضرورة وجود هذه الآفة بقاؤها والله تعالى قادر على أن يزيل تلك الآفة بكمالها، وإن سلمنا أن تلك الآفة لا تزول بالكلية إلا أن مايبقى منها بعد زوال الجنون الظاهر إلا بعد عيبا لأنه يفوت بها شيء من المنافع وفيها عد الجنون من السرقة والإباق والبول على الفراش ذكرها شمس الأئمة الحلواني في شرحه ظاهر أن لايشترط المعاودة في يد المشتري.

(6/545)


ومن المشايخ من قال: يشترط قال رحمه وهو الصحيح، وبعضهم ذكر في شروحهم إن معاودة هذه الأشياء في يد المشتري شرط بلا خلاف بين المشايخ هكذا ذكر في عامة الروايات.

وذكر في بعض روايات «كتاب الاستخلاف» أن المعاودة في يد المشتري ليس بشرط. وإذا اشترى جارية فوجدها ذميمة أو سوداء ليس له حق الرد بالعيب إذا كانت تام الخلقة.
وإذا اشترى غلاماً أمرد فوجده محلوق اللحية فهو عيب في فتاوي أبي الليث، وسيأتي فرع هذه المسألة بعد هذا ان شاء الله تعالى.
وإذا اشترى جارية تركية لا تعرف التركية أو لا تحسن والمشتري عالم بذلك إلا أنه لا يعلم أنه عيب عند التجار فقبضها ثم علم أنه عيب فإن كان هذا عيبا بينا لايخفى على الناس كالعور ونحوه لم يكن له أن يردها، لأنه لم يرمز به، وإذا اشترى جارية هندية لا تعرف الهندية، ينظر إن عده أهل المصر عيبا فله الرد وإن لم يعدوه عيباً فليس له الرد بخلاف المسألة الأولى، لأن ذلك عيب عند أهل البصر لامحالة ولا كذلك المسألة الثانية قيل: إذا كان لايعرف الترك والهندي فإن كان جلباً فالجواب ما ذكرنا، وإن كان مولداً فهو ليس بعيب. وإذا اشترى جارية فوجد بها وجع الضرس يأتي مرة أخرى فإن كان حديثاً فليس له الرد وإن كان قديما فله الرد لأنه علم أنه كان في يد البائع. في فتاوي أهل سمرقند وإذا كان بها حمى غبت في يد البائع فزال ثم عاد في يد المشتري إن عاد في يد المشتري غباً فله الرد لا تحاد السبب فإن اتحاد السبب يوجب اتحاد الحكم، وإن عاد في يد المشتري وبها فليس له أن يرد لاختلاف السبب، فإن إختلاف السبب يوجب اختلاف الحكم.
وفي «فتاوى الفضلي» : اشترى عبدا فأصابه في يد المشتري حمى وقد أصابه في يد البائع فإن أصابه في يد المشتري لوقته فله الرد لأنه إذا أصابه لوقته علم أنه يولد بالسبب الذي كان يتولد عند البائع وأنه ذلك الحمى بعينه حكماً، وإن أصابه لغير وقته لايرد لأنه يولد من سبب آخر فكان حمى آخر فلا يكون له الرد به. وإذا اشترى جارية ثيباً على أن البائع لم يطأها ثم ظهر أنه قد كان يطؤها قبل البيع فليس له الرد في «الزيادات» في باب الكسب والعلة في الشرح. وفي الزيادات إذا اشترى جارية فوجدها مخترمة الوجه بحيث لايستبين لها صح ولا جمال كان له حق الرد لفوات صفة السلامة، فإن امتنع الرد بسبب من الأسباب فوهب مخرمة الوجه كما هي وقومت صحيحة غير محترمة الوجه، ولكن على الصح لاعلى الجمال فيرجع بفضل مابينهما، وإنما قومت على الصح لاعلى الجمال لأن المستحق بالعقد السلامة عن العيوب دون الجمال، ألا ترى لو اشترى جارية فوجدها مستحة وهي سليمة عن العيوب لايكون له حق الرد بسبب العيب، وهذه المسألة نص أن الفتح في الجواري ليس بعيب.

رجل اشترى من آخر غلاماً بركبته ورم فقال البائع: إنه ورم حديث أصابه ضرب فأورمه فليس بقديم فاشتراه المشتري على ذلك ثم ظهر أنه قديم فليس له أن يرده لأنه رأى العيب ورضي به، وكل عيب قديم حديث في أوله. وكذلك إذا قال البائع: إن كان قديماً

(6/546)


فجوابه علي ثم تبين أنه قديم فليس له الرد، وكذلك إذا اشترى على أنه حديث فإذا هو قديم ليس له الرد ذكر المسألة في «فتاوى الفضلي» قيل: المسألة مشكلة فإنه إذا اشترى غلاماً به حمى فقال البائع: إنه غب واشتراه على ذلك فإذا هو ربع أو عكس فإنه يرده وهذا الإشكال ليس بشيء لأن هناك عاين الغب ورضي به وقد ظهر الربع والربع غير الغب لاختلاف مادتهما، ألا ترى أنه تختلف النوبة، والذي ظهر لم يعاينه ولم يرض به، فأما الورم بهذه الصفة قد يكون قديماً وقد يكون جديداً، وقد وقعت في زماننا واقعة من جنس مسألة ورم فقد باع واحد من الفقهاء فرساً وقد ظهر بإحدى رجليه فرجة هي أثر الحسام، فافتى ظهير الدين المرغيناني للمشتري ليس له الرد وقاسه على مسألة الورم.
وفي «صلح الفتاوى» : اشترى جارية وبها قرحه ولم يعلم المشتري أنها عيب فله الرد، وهذه تخالف مسألة الورم لأنه إذا لم يعلم أن هذه القرحة عيب لايكون راضيا بالعيب والصحيح من الجواب في مسألة القرحة أنه إن كان عيباً بيناً لايخفى على الناس لايكون له الرد لأنه قد رضي بالعيب وإن لم يكن هذا عيباً بيناً فله الرد.
وفي «صرف القدوري» : إذا قال: أبيعك هذه الدراهم وأراها إياه ثم وجدها زيوفاً قال: يستبدلها إلا أن يقول هي زيوف أو يبرأ عن عيبها.
ومن جنس مسألة الورم مسائل ذكرها في «فتاوى أبي الليث» .

صورتها: إذا اشترى من آخر سويقاً على أن البائع لته بمن من السمن والمشتري ينظر اليه وقت الشراء ثم ظهر أنه لته بنصف من من السمن فلاخيار لأن هذا شيء يعرف بالعيان وهو معاين مرئي، وهو نظير مالو اشترى صابوناً على أنه يتخذ من كذا حرة من الدهن فتبين أنه متخذ بأقل من ذلك والمشتري ينظر إليه وقت الشراء أو اشترى من آخر قميصاً على أنه اتخذ من عشرة أذرع من كرباس فتبين أنه اتخذ من أقل من ذلك والمشتري ينظر إليه وقت الشراء فإنه لاخيار للمشتري والمعنى ماذكرنا.

نوع آخر في معرفة عيوب الدواب
سئل شمس الأيمة الأوزجندي عمن اشترى بقرة فوجدها قليلة الأكل يقال بالفارسية «ناخوران» قال: له الرد، ولو وجدها بطيئة الذهاب يقال بالفارسية «كاهل» فليس له الرد، إلا إذا اشتراها بشرط أنها عجول. وفي «الفتاوى» : اشترى بقرة فوجدها لاتحلب إن كان مثلها يشترى للحلب فله الرد، لأن المعروف كالمشروط وإن كان يشترى للحم لايرد. وفي «المنتقى» إن كانت الدابة تعثر كثيراً دائماً فهو عيب، وإن كان في الاجالن فليس بعيب، ذكر في «الأصل» السم عيب وهو يبس في اليد أو في الرجل أو في المرفق، والجيف عيب وهو تداني القدمين وتباعد الفخذين، وقيل: هو خلاف العينين وهو أن يكون إحدايهما زرقاء والأخر غير زرقاء والعزل عيب وهو ميلان في الذنب، والمشيش عيب وهو شيء يخرج في ساق الدابة يكون له حجم وليس له صلابة، والجرد (92ب3)

(6/547)


بالدال عيب وهو كل ماحدث في غير قوته من مربد أو انتفاخ عصب والفرموت نوسس وخلع الرأس عيب وهو أن يكون له حيلة بخلع رأسه وهو العدار أن سد عليه وبل المحلاة عيب إن كان ينقص الثمن، والمفهوع عيب فسره في «الأصل» فقال مأخوذ من الهممة وهي الدائرة التي في صدره من الجانب الأيسر ويكون ذلك انتصاب بشأم به، وفسر في «المنتقى» المفهوع: الذي إذا سار سمع مابين خاصرته ومرحه صوت والانتشاء عيب وهو انتفاخ العصب عند الإيعاب، وقيل: هو اتساع سواد العين حتى كاد يأخذ البياض كله، وإذا كانت الدابة تأكل الذباب فقد ذكر في موضع من «المنتقى» أنها إذا كانت تأكل الكسر فهو عيب، وإن كانت تأكل في الأحانين فليس بعيب، وذكر في موضع آخر منه أن محمداً رحمه الله سئل عن الشاة تأكل الذباب فلم يره عيباً ترد به. إذا اشترى خفين فوجدهما ضيقين لا تدخل رجله فيهما ذكر شيخ الإسلام في شرح بيوعه أنه إن كان لايدخل لا لعلة في رجله يرد، وذكر في «فتاوى الفضلي» : أنه إذا اشتراهما ليلبسهما لا يرد، وكان القاضي الإمام علي السعدي يفتي بالرد اشتراهما للبس أو لغير

اللبس، فإن وجد أحدهما أضيق من الآخر فإن كان خارجاً عما عليه خفاف الناس في العادة يرد ومالا فلا.
في «فتاوى الفضلي» : اشترى خشبة ووجد فيها فأرة ميتة فهو عيب، وإذا اشترى ثوباً فوجد فيه دماً إن كان ينقصه الغسل فهو عيب وإن كان لا ينقصه فليس بعيب، وقد مر شيء من هذا في النوع الأول ذكر المسألة في العيوب.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا اشترى من آخر ثوباً نجساً ولم يبين البائع جاز، وإذا علم المشتري فله الرد لأن النجاسة عيب لأنها تمنع أداء الصلاة، وعلى قياس المسألة الأولى تأويلها إذا كان الثوب بحال ينقصه الغسل. وإذا اشترى كرماً وظهر أنه شربة على تأوق يوضع على ظهر نهر أو على موضع آخر فله حق الرد لأنه عيب فاحش فيما بين الناس في هذا الموضع. أيضاً وإذا اشترى حنطة مشار اليها فوجدها رديئة فليس له حق الرد بالعيب وكذا إذا اشترى إناء فضة بعيبها فوجدها رديئة من غير شيء عشر ولا كسر فليس له حق الرد بالعيب، فلم يعتبر الرداءة في المكيل والموزون عيباً في «شرح الكافي» : في كتاب الصرف في باب العيوب.

وفي «نوادر المعلى» عن أبي يوسف: إذا اشترى نقرة فضة لعينها بدينار ثم اختلفا فقال المشتري: اشتريتها على أنها بيضاء فإذا هي سوداء وقال البائع: لم اشترط شيئاً، فقال: السواد عيب في الفضة وللمشتري أن يردها.
اشترى حزمة بقل فأصاب في جوفها حشيشاً فإن كان ذلك يعد عيباً فله الرد فإن شاء رد وإن شاء أخذ بجميع الثمن وإن كان لا يعد عيباً ليس له الرد. في «واقعات الناطفي» إذا وجد في الأرض طريقاً يمر فيه الناس فهو عيب، في بيوع «فتاوى الفضلي» وجد في

(6/548)


الكرم على كر فهو عيب في هذا الموضع أيضاً.
وفي «المنتقى» : اشتري مصحفاً فوجد في حروفه سقطاً، أو اشتراه على أنه منقوط بالنحو فوجد في نقطه سقطاً قال هذا عيب يرد منه، وفيه أيضاً وإذا اشترى مصحفاً على أنه جامع فإذا فيه أيتان ساقطتان أو آية، قال: هذا عيب يرد منه، ووجدت في موضع آخر: رجل اشترى مصحفاً لولده، قال المعلم أن فيه خطاءً كثيراً، قال: إن كان فيه خطأ الكتابة يرد ويرجع بالثمن.
وفي «فتاوى الفضلي» : لو اشترى أرضاً فنزت عند المشتري وقد كانت لك عند البائع فله أن يرد لأن سبب النز واحد وليس لها أسباب مختلفة، فيكون كالحمي إلا إذا رفع المشتري وجه الأرض فيعلم أنها نزت لرفع التراب، أو جاء الماء الغالب من موضع لأنه يعلم أن هذا غير النز الذي كان في يد البائع. وفي «فتاوى الصغرى» قال: ينظر إن كان النز بسبب آخر بأن كان في يد البائع بسبب نز نهر وفي يد المشتري بسبب نزنهر آخر لا يرد، وإن كان بغير ذلك السبب يرد ولا ينظر أن يكون النز صار في يدالمشتري أكثر مما كان في يد البائع، أو كان ذلك القدر إذا كان بغير ذلك السبب يملك الرد كيف ما كان. وكذلك إذا اشترى كرماً وقد ظهر في يد المشتري هماري يملك تخريجها بالتأمل.
وفي «فتاوى الفضلي» : أيضاً رجل اشترى جارية في إحدى عينيها بياض فانجلى البياض ثم عاد فقبض المشتري وهو لا يعلم بذلك، ثم علم، فله أن يرد، ولو قبض وفي إحدى عينيها بياض وهو لا يعلم ثم انجلى البياض ثم عاد لا يرده. والفرق وهو أن الثاني غير الأول حقيقة ففي الوجه الأول حدث في يد البائع فيوجب الرد، وفي الوجه الثاني حدث في يد المشتري فلا يوجب الرد.

وفي «فتاوى أبي الليث» : اشترى خمسمائة قفيز حنطة فوجد فيها تراباً إن كان ذلك التراب مثل ما يكون في مثل تلك الحنطة لايعده الناس عيباً ليس له أن يرجع بنقصان العيب فإن ذلك ليس بعيب، وإن كان مثل ذلك التراب لا يكون في مثل تلك الحنطة ويعده الناس عيباً، فإن أراد أن يرد الحنطة كلها فله ذلك لعدم المانع من الرد، وإن أراد أن يميز التراب فيرده على البائع بحصته من الثمن ويحبس الحنطة ليس له ذلك، لوجود المانع على ما تبين، هذا إذا لم يميز فوجد تراباً كثيراً يعده الناس عيباً فإن أمكنه أن يردها كلها على البائع بذلك الكيل لو خلط البعض بالبعض فله أن يرد، لكنه أمكنه الرد كما قبض، وإن لم يمكنه الرد بذلك الكيل لو خلطهما بأن انتقص بالسقية ليس له الرد لأنه لايمكنه الرد كما قبض لكن يرجع بنقصان العيب، وهو نقصان الحنطة إلا أن يرضى البائع أن يأخذها ناقصة فيكون له ذلك لأن النقصان إنما يمنع الرد لحق البائع وقد رضي ببطلان حقه هذا إذا اشترى الحنطة، وكذا إذا اشترى السمسم وسائر ماكان نظير الحنطة فوجد فيه تراباً فهو على التفصيل الذي ذكرنا.

فرق بين هذا وبينما إذا اشترى مسكا فوجد فيها

(6/549)


رصاصا حيث يميز الرصاص، ويرده على البائع بحصته من الثمن قل أو كثر، والفرق أن في الحنطة يسامح في القليل من التراب ولا يميز الكثير، لأن في ذلك ضرر بالبائع لما أنه لايظهر المسامحة في القليل وفي المسك لايسامح في القليل فلم يكن في التمييز ضرر بالبائع ولهذا يستوي فيه القليل والكثير في الحنطة لا فيه، أيضا لو اشترى نقرة من نحاس (فإذا بها) فخرج منها حجر مثل ما يخرج من النحاس، فله أن يمسك من الثمن بحسابه إلا أن يشاء البائع أن يأخذها كذلك ويرد الثمن كله لأن القليل من الحجر لا يسامح في النحاس كالرصاص في المسك. وإذا اشترى شحماً قديداً ووجد فيه ملحاً كثيراً فهو على ماذكرنا في الحنطة يجد فيها التراب.

نوع آخر في بيان ما يمنع الرد بالعيب وما لا يمنع
الأصل في هذا النوع أن المشتري متى تصرف في المشترى بعد العلم بالعيب تصرف الملاك بطل حقه في الرد، لأنه دليل الإمساك (93آ3) ودليل الرضا بالعيب، بيان هذا الأصل إذا اشترى دابة فوجد بها جرحاً فداواها أو ركبها لحاجة نفسه فليس له أن يردها لأن المداواة دليل الرضا والإمساك، وكذلك الركوب لحاجة نفسه، ولو داواها من عيب قد برئت إليه فله أن يردها بعيب آخر لم تبرأ إليه لأنه لم يرض بذلك العيب والاستخدام بعد العلم بالغيب مرة لايكون دليل الرضا، بعض مشايخنا قالوا: لا يجوز أن يكون للامتحان والاختيار ليعلم أنه مع العيب هل يصلح له أم لا، ولكن هذا ليس بصحيح بدليل مسألة الركوب واللبس التي بعد هذا، ولكن الصحيح أن يقال: بأن الاستخدام مرة لايختص بالملك والاستخدام في المرة الثانية دليل الرضا، وكذلك الإكراه في المرة الأولى دليل الرضا. فسر الاستخدام في كتاب الإجازة فقال: بأن يأمرها بحمل المتاع على السطح أو بإنزاله عن السطح، أو بأن يأمرها بأن تغمز رجله بعد أن لايكون عن شهوة، أو يأمرها بأن تطبخ أو تخبز بعد أن يكون يسيرا، فإن أمرها بالخبز والطبخ فوق العادة فذلك يكون رضا. ولو ركب الدابة ينظر إلى سيرها أو لبس الثوب ينظر إلى قدره فهذا منه رضا، وقد ذكرنا في خيار الشرط أن ذلك ليس برضا.

والفرق أن خيار الشرط مشروع للاختيار، والركوب واللبس مرة محتاج إليه للاختيار فلو بطل خيار الشرط بالركوب واللبس مرة لفاتت فائدة خيار الشرط، فأما خيار العيب ماشرع للاختيار إنما شرع للرد ليصل إلى رأس ماله عند عجزه عن الوصول إلى الجزء الفائت فلم يكن هذا التصرف في خيار العيب محتاجاً إليه للاختيار وإنه لايحل بدون الملك فيجعل دليل الرضا. والركوب ليردها أو ليسقيها أو ليعلفها لا يكون دليل الرضا استحساناً قال مشايخنا: هذا إذا لم يمكنه الرد والسقي والإعلاف إلا بالركوب، بأن كان لايمكنه ضبطها إلا بالركوب، فأما إذا أمكنه ذلك بدون الركوب كان الركوب رضا.

والدليل على صحة هذا ماذكر محمد رحمه في «السير الكبير» أن جوالق العلف إذا كان واحداً فركب فهذا لا يكون رضا، لأن الجوالق إذا كان واحداً لا يمكن حمله إلا

(6/550)


بالركوب، وإذا كان الجوالق اثنين فركب يكون رضا لأن حمل الجوالق بدون الركوب ممكن. ومن المشايخ من قال: الركوب للرد لايكون رضا وإن أمكنه الرد بدون الركوب، لأنه يفضي إلى الرد وتفرق ولا كذلك الركوب للسقي والعلف، ولو حمل عليها علفها وركبها مع العلف فهذا ليس برضا، وإنه مؤول عند بعض المشايخ على ما ذكرنا، ولو حمل عليها علف دابة أخرى وركبها أو لم يركبها فهذا يكون رضا. والسكنى في الدار هل يكون رضا فهو على ماذكرنا في خيار الشرط. وعن أبي يوسف: فيمن اشترى جارية لها لبن فأرضعت صبيا لها أو للمشتري ثم وجد المشتري بها عيباً فله أن يردها، ولو أنه حلب لبنها واستهلك لبنها أو شربه ثم وجد بها عيباً لم يردها، وعلى هذا قالوا: إذا اشترى شاة فرضعها ولدها ثم أطلع على عيب بها بعد ذلك فله أن يردها، فأما إذا حلبها فاتلفه لم يكن له أن يردها بالعيب إذا اطلع عليه بعد ذلك. وفي «المنتقى» إذا اشترى شاة وشرب من لبنها قال أبو يوسف: له أن يردها بالعيب، وفيه عن محمد اشترى شاة وحلبها ثم وجد بها عيباً يلزمه ويرجع بنقصان العيب، وإن جز صوفها ثم وجد بها عيباً، فإن لم يكن الجز نقصاناً فله أن يردها قال محمد رحمه: والجز عندي ليس بنقصان.
وفي موضع آخر من «المنتقى» : إذا جز صوفها بعد العلم بالعيب فهو رضا، ولو أخذ من صوفها فليس برضا. وفي «النوادر» عن أبي يوسف إذا اشترى شاة وحلبها ثم وجد بها عيباً فإني أقسم الثمن على قيمتها وقيمة اللبن فيردها بحصتها من الثمن. وفي «المنتقى» إذا أطلاه بعدما رأى به العيب أو حجمه أو أخر رأسه فليس برضا، وفيه عن أبي يوسف إذا اشترى جارية فوجد بها عيباً، فداواها فإن كان ذلك دواءً من ذلك العيب فهو رضا، وإن لم يكن دواءً منه فليس برضا إلا أن يكون ذلك نقصها فهو رضا، ولو أصابها عنده فسق عنها إن كان ذلك ينقصها فهو رضا، وإن لم ينقصها فليس برضا. ولو حجم العبد بعد النظر إلى العيب فإن كانت الحجامة دواء ذلك العيب فهو رضا، وإن لم تكن دواء ذلك العيب فليس برضا، قال الحاكم أبو الفضل: جعل الحجامة والتوديج في موضع آخر رضاً من غير اشتراط هذا الشرط.
وفي «المنتقى» : أيضا اشترى جارية فوجد بها عيباً فداواها من عيب قد كان برئ إليه البائع فهذا لايكون رضا بالعيب الذي وجده، وفي بيوع «فتاوى أبي الليث» : اشترى أمة ترضع وأمرها أن ترضع صبياً له فهذا لا يكون له رضاً لأن الأمر بالإرضاع استخدام ولو حلب لبنها وأكل أو باع فهذا رضا لأن اللبن جزء منها واستيفاء جزء منها دليل الرضا، ولو حلب لبنها ولم يبع ولم يأكل فكذلك الجواب. وفي صلح الفتاوى أن الحلب بدون البيع أو الأكل لا يكون رضا.

وفي «المنتقى» : اشترى مملوكاً ووجد به عيباً ورضي به فإن أثر به الضرب لم يرده، وإن لم يكن له أثر فله أن يرده، وفي موضع آخر منه قال: فضربه ضرباً لم يؤثر بأن لطمه أو ضربه سوطين أو ثلاثة فله أن يرد. وإذا وطيء الجارية المشتراة ثم أطلع على عيب بها لم يردها ويرجع بنقصان العيب سواء كانت بكرا أو ثيبا إلا أن يقول البائع: أنا أقبلها

(6/551)


كذلك، وكذلك إذا قبلها بشهوة وكذلك الجارية إذا جعلت أجرة فوطئها الآخر ثم أطلع على عيب بها فليس له أن يردها ولكن يرجع بنقصان العيب إلا أن يقول المستأجر: أنا أقبلها كذلك، وإن وطئها المشتري أو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة بعدما علم بالعيب فهو رضا بالعيب وليس له أن يردها، إلا أن يرجع بنقصان العيب، وإذا وطئها غير المشتري في يد البائع بزنا فليس له أن يردها بكراً كانت أو ثيباً ويرجع بنقصان العيب إلا أن يرضى البائع أن يأخذها كذلك، لأنها تعيبت عنده بعيب زائد وهو عيب النقصان أن أوجب النقصان الوطء نقصاناً أو عيب الزنا إن لم يوجب الوطء نقصاناً فيها، وإن كان الوطء بشبهة حتى وجب العقر على الواطء فليس له أن يرد وإن رضي به البائع، لمكان الزيادة، على مايأتي بيانه بعد هذا ان شاء الله تعإلى.

ولو زوجها المشتري لم يكن له أن يردها وطىء الزوج أو لم يطأها رضي البائع أو لم يرض، لأن النكاح يوجب الصداق والصداق زيادة منفصلة وإنها تمنع الرد على مايأتي بيانه. ولو كان لها زوج عند البائع فوطئها عند المشتري فإن كانت الجارية بكراً فليس للمشتري أن يردها بالعيب (93ب3) إلا برضا البائع لأنه فات جزء منها في ضمان المشتري بقسم من العباد، وإن كانت الجارية ثيباً إن نقصها الوطء فكذلك الجواب لايملك المشتري ردها إلا برضا البائع، وإن لم ينقصها الوطيء كان للمشتري أن يردها على البائع، هذا الذي ذكرنا في السبب إذا وطئها الزوج في يد البائع مرة، ثم وطئها عند المشتري، وأما إذا لم يطأها عند البائع مرة إنما وطئها عند المشتري لم يذكر محمد رحمه هذا الفصل في «الأصل» ، وقد اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه يرد.
ذكر في «المنتقى» إذا اشترى جارية وقبضها ولها زوج كان عند البائع فوطئها الزوج في يد المشتري لم يمنع وطئه المشتري عن الرد بالعيب، وإن كان الوطء عيباً قد برئ البائع إلى المشتري منه، وإذا عرضه على البيع بعدما علم بالعيب أو أجره أو رهنه فذلك رضا بالعيب وليس له أن يرد ولا ان يرجع بنقصان العيب. وإذا اشترى برذوناً وأخصاه ثم اطلع على عيب به كان له الرد إذ لم ينقصه الخصي ذكره في «فتاوى أهل سمرقند» : وكان الشيخ الإمام الأجل ظهير الدين المرعيناني يفتي بخلافه.

قال محمد رحمه في «الجامع الصغير» : إذا اشترى من آخر ثوباً فقطعه ولم يخطه حتى اطلع على عيب به لم يرده ولكن يرجع بنقصان العيب، فإن قال البائع: أنا أقبله كذلك فله ذلك، وإن كان المشتري صبغه أحمر ثم وجد به عيباً لايرده ولكن يرجع بنقصان العيب، فإن قال البائع: أنا أقبله كذلك، فليس له ذلك، هذه المسألة تبتني على أصل أن المبيع إذا انتقص في يد المشتري بآفة سماوية أو بفعل أجنبي ثم اطلع المشتري على عيب كان عند البائع لايرده بالعيب، لأن حق الرد إنما يثبت للمشتري دفعاً للضرر عنه ولا يجوز للإنسان أن يدفع الضرر عن نفسه بالأضرار للغير. وفي «المنتقى» الرد بعدما انتقص في يد المشتري إضرار بالبائع فلا يملك المشتري رده ولكن يرجع بنقصان العيب دفعاً للضرر عن نفسه، غير أن النقصان إذا كان بآفة سماوية أو

(6/552)


بفعل المشتري فامتنع الرد لدفع الضرر عن البائع لاغير، فإذا قال: أنا أقبله كذلك فقد رضي بالضرر وله ذلك فكان للمشتري أن يرده، وإذا كان النقصان بفعل أجنبي من قطع أو ماأشبهه حتى وجب الأرش فامتناع الرد لحق البائع دفعا للضرر عنه وبحق الشرع أيضاً، لأن العقد لم يرد على الأرش فلا يرد عليه الفسخ فتعذر رد الارش ورد المبيع بدون رد الأرش متعذر لمكان الربا لأن الأرش يبقى في يد المشتري مبيعاً مقصوداً بلا عوض وأنه ربى، والربا حرام حقاً للشرع، وإذا قال البائع: أنا أقبله كذلك، فقد أراد بطلان حق الشرع وليس للعبد هذه الولاية، هذا هو الكلام في النقصان الحادث في يد المشتري.
جئنا إلى الزيادة الحادثة في يد المشتري فنقول: الزيادة نوعان متصلة ومنفصلة فالمتصلة نوعان غير متولدة عن المبيع كالصبغ وما أشبهه وأنها تمنع الرد بالعيب بالاتفاق سواء قال البائع أنا أقبله كذلك أو لم يقل، لأنها تمنع الفسخ في ملك الأصل لأن الملك لو فسخ في الأصل لأدى أن يفسخ في الأصل والزوائد، وفي الأصل لاغير لاوجه إلى الأول لأنه لو فسخ الملك في الزوائد أما أن يفسخ مقصودا ولا وجه إليه، لأنه لم يرد عليها عقد ولا ما له شبهه بالعقد مقصوداً، أو يفسخ الملك في الزوائد تبعاً لفسخ الملك في الأصل ولا وجه إليه أيضاً، لأن هذه الزوائد إن كانت تبعاً للأصل بحكم الاتصال فلها حكم الأصل، لأنها كانت أصلا قبل الاتصال ولا وجه إلى أن يفسخ الملك في الأصل بدون الزوائد لأنه يؤدي إلى أمر غير مشروع، لأنه يؤدي إلى أن يصير الأصل ملكاً للبائع، ويبقى الأصل الصبغ للمشتري، والشركة على هذا الوجه وفي حق هذا المعنى لافرق بين أن يقول البائع: أنا أقبل كذلك، وبين أن يقول: ومتولدة من المبيع كالسمن والجمال وإنها لا تمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية لأن فسخ العقد على الزيادة ممكن تبعاً للأصل إذا رضي من له حق في الزيادة لأن السمن والجمال وأنها تبع للأصل من كل وجه لايتصور أصلا بحال، لأنه متصل بالأصل فيكون تبعاً له بحكم الاتصال فإذا انفسخ العقد على الأصل ينفسخ فيهما، فإن أبى المشتري الرد وأراد الرجوع بنقصان العيب، وقال البائع لا أعطيك نقصان العيب ولكن رد علي المبيع حتى أرد عليك جميع الثمن هل للبائع ذلك، على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ليس له ذلك، وعلى قول محمد له ذلك، وهذا لأن الزيادة المتصلة بعد القبض تمنع فسخ العقد على الأصل إذا لم يوجد الرضا بمن له الحق في الزيادة عن أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لايمنع فسخ العقد في الأصل وجد الرضا في من له الحق في الزيادة أولم يوجد، كما في المسألة المهر إذا ازداد زيادة متصلة بعد القبض ثم

طلقها الزوج قبل الدخول بها هذا هو الكلام في الزيادة المتصلة.
وأما الزيادة المنفصلة فنوعان أيضاً:
متولدة عن المبيع: كالولد والتمر وماهو في معناهما كالأرش والعقر وأنها تمنع الرد بالعيب والفسخ بسائر أسباب الفسخ عندنا، لأنه لايمكن فسخ العقد على الزيادة

(6/553)


لامقصودا لما ذكرنا ولا تبعاً للأصل، لأن الولد بعد الانفصال ليس تبع الأصل لاحقيقة وهذا ظاهر ولاحكماً، فإن شيئاً من أحكام البيع لايثبت في الولد الحادث بعد القبض، ولا يجوز أن يفسخ العقد في الأصل دون الولد لأن الولد مبيع من وجه لأنه متولد من المبيع والمتولد من الشيء يحدث على صفة الأصل كالمتولد من المدبر والمكاتب، وما يكون مبيعاً من كل وجه لايسلم للمشتري بعد فسخ العقد مجازاً بغير عوض، لأنه يكون ربى فكذا ما يكون مبيعاً من وجه وهنا بعدما فسخ العقد في الأصل يبقى الولد سالما للمشتري مجاناً بغير عوض.

وغير متولدة من المبيع: كالكسب والغلة وأيهما لايمنعان الرد بالعيب والفسخ بسائر أسباب الفسخ، وطريقه أن يفسخ العقد في الأصل دون الزيادة ويسلم الزيادة للمشتري مجاناً بغير عوض وأمكن القول به، لأن هذه الزيادة ليست بمبيعة بوجه ما لأنه لم يرد عليها العقد وماله شبه العقد، وما تولد من عين المبيع حتى يكون مبيعه بحكم التوليد بل تولدت من المبيع والمنافع غير الأعيان. ولهذا كانت منافع الحر مالا مع أن الحر ليس بمال وكسب المكاتب والمدبر لايكون مكاتباً ومدبراً، وسلامة ماليس بمبيع بوجه ما، للمشتري لايمنع فسخ العقد على الأصل، لأنه لا يؤدي إلى الربا.
إذا ثبت هذا الأصل جئنا إلى تخريج المسألة فنقول: إذا اشترى ثوباً وقطعه ولم يخطه فامتناع الرد لنقصان حصل بفعل المشتري، فيرتفع برضا البائع لما قلنا، وإن صبغ الثوب بعصفر فامتناع الرد بسب الزيادة المتصلة وأنها لا ترتفع برضا البائع لما ذكرنا، فعلى هذا إذا قطع الثوب وخاطه ثم وجد به عيباً فقال البائع: انا أقبله كذلك، ليس له ذلك، لأن امتناع الرد ههنا بسبب الزيادة المتصلة وهي الخياطة ولا يرتفع برضا البائع. وفي «المنتقى» : إذا اشترى عبداً كاتباً أو خبازاً وقبضه فنسي ذلك في يده ثم اطلع على عيب به فله أن يرده.
وفي «المنتقى» : اشترى من آخر تمراً بالري وحمله إلى الكوفة ثم اطلع على عيب (94آ3) هناك فإن أراد أن يرده قال محمد رحمه: ليس له ذلك حتى يرده إلى ذلك الموضع علل فقال: لأن لحمله مؤنة ولو كان مكان التمر جارية فقد أشار محمد رحمه إلى أنها ليست نظير التمر، حيث قال: أرى سعر هذه ثمة وههنا قريباً ولا أرى لحملها تلك المؤنة.
وفي «القدوري» : اشترى شيئاً وأجره من غيره ثم اطلع على عيب به فله أن ينقض الإجارة ويرد المستأجر بالعيب بخلاف مالو رهنه من غيره، والفرق أن الإجازة تنقض بالاعذار والرهن لا.

قال محمد رحمه في «الزيادات» : وإذا اشترى الرجل من آخر جارية بيضاء إحدى العينين وهو يعلم بذلك فلا خيار له في ردها، لأن العيب إنما يثبت حق الرد للمشتري إذا عجز البائع عن تسليم بالتزام، ولم يعجز لأنه التزم تسليمها معيبة لما علم المشتري بعيبها وقت البيع، فإن لم يقبضها المشتري حتى انجلى البياض ثم عاد البياض

(6/554)


فهي لازمة للمشتري ولا خيار له في ردها، وعن أبي يوسف: أن له الخيار، والصحيح ماذكر في ظاهر الرواية، لأن البياض الثاني وإن كان غير الأول حقيقة فهو غير الأول حكماً من حيث أن البائع بسببه لم يعجز عن تسليم ما التزم بالعقد كما التزم بيانه، وهو أن المشتري لما اشتراه مع علمه بالبياض الأول فالبائع لم يلتزم تسليمها سليمة عن عيب البياض بهذه العين، وإنما التزم تسليمها معيبة بهذا العيب والبياض الأول وقت العقد كان بياضاً ظاهراً مع احتمال أن لا يكون والثاني بهذه الصفة فكان الثاني غير الأول حكماً من حيث أن البائع لم يعجز عن تسليم ما التزم بالعقد كما التزم. قال في «الكتاب» : ألا ترى أن رجلاً لو اشترى جارية وبنتها ساقطة أو سوداء والمشتري علم بذلك فلم يقبضها حتى ثبت بنيتها الساقطة أو ذهب السواد عن بنيتها ثم سقطت تلك البنية أو عاد السواد فالجارية لازمة للمشتري وإنما كانت لازمة لأن البائع لم يعجز عن تسليم ما التزم بالعقد كما التزم على ماذكرنا، ولم ير عن أبي يوسف في مسألة السن بخلاف ما ذكره في «الكتاب» . واختلف المشايخ في ذلك منهم من قال: هذا قول الكل، ومنهم من قال: لا بل مسألة السن على الاختلاف أيضا. ولو قبضها وهي بيضاء إحدى العينين أو بينتها ساقطة وهو يعلم بذلك ثم انجلى البياض وثبتت البينة ثم عاد البياض وسقطت البينة، ثم وجد بها عيباً آخر كان عند البائع ردها بذلك العيب، لأن الواجب على المشتري أن يردها على الوجه الذي قبضها، وقد قبضها معيبة بهذا العيب.
قال في «الكتاب» : ألا ترى أنه لو اشترى شاة حاملاً وولدت في يد المشتري ولداً ثم هلك الولد ثم وجد بها عيباً كان له أن يردها على البائع، لأن الولادة لا تمكن نقصاناً في الشاة ليمتنع الرد بسبب ذلك، لكن امتناع الرد بالولادة باعتبار أن بالولادة حدث زيادة منفصلة، فإذا هلكت فقد ذهبت الزيادة وجعلت كأن لم تكن فكان المشتري قادراً على رد ماقبض كما قبض كذا هنا. ولو لم يعد البياض في العين التي ذهب عنها البياض لكن ابيضت العين الأخرى لم يكن له أن يرد الجارية بعيب أبداً، لأنه عجز عن ردها كما قبضها لأنه قبضها وهي صحيحة هذه العين، والآن يردها وهي مبيضة هذه العين، ولم تبيض العين الأخرى ولكن عاد البياض في العين التي ذهب عنها البياض بفعل المشتري بأن ضرب المشتري عينها فابيضت ثم وجد بها عيباً آخر كان عند البائع لم يكن له أن يردها، بخلاف ما إذا عاد البياض، والفرق أنه لما انجلى البياض فقد حصلت زيادة متصلة فإذا ضربها المشتري صار جالباً تلك الزيادة وإنه مانع من الرد، بخلاف ما إذا عاد البياض بضرب الأجنبي في يد المشتري حيث لا يكون للمشتري أن يردها بالعيب، وإن رضي به البائع. والفرق أن في الفصل الأول المانع من الرد حق البائع فإذا أسقط حقه (سقط) ، والمانع في الفصل الثاني حق الشرع (وهو) لا يسقط بإسقاط العبد.

هذا الذي ذكرنا كله إذا اشتراها مع علمه ببياض إحدى العينين، فأما إذا اشتراها ولم يعلم لكونها بيضاء إحدى العينين وقبضها ثم علم كان له أن يرد فإذا لم يرد حتى انجلى البياض لم يكن له أن يردها بعد ذلك، وإن استحقها سليمة لما لم يعلم بالعيب

(6/555)


وقت العقد لأنه لما انجلى البياض فقد استوفى عين حقه لايكون له الخيار فإن عاد البياض لايكون له أن يردها أيضاً لما ذكرنا أنه لما انجلى البياض صار المشتري مستوفياً عين حقه حكماً وبعود البياض لاينتقض الاستيفاء، لأن قبض المبيع لايحتمل الانتقاض كما لو قبض السلامة ثم فاتت. ولو وجد بها عيبا آخر كان له أن يردها به لأنه لما انجلى البياض صار المشتري مستوفياً عين حقه حكماً فوقعت البراءة للبائع عن العيب، لأن البراءة كما تقع بالإبراء تقع بالاستيفاء فصار كأنه أبرأه نصاً عن هذا العيب. ولو أبرأه المشتري عن عيب ثم وجد بالمبيع عيباً آخر كان له أن يرده بذلك العيب فههنا كذلك فقد جعل البياض العائد كأنه غير الأول في حق الرد به، وجعل كأنه عين الأول في حق الرد بعيب آخر. وكذلك إذا اشترى جارية وهي ساقطة البينة أو مسودة البينة وهو لا يعلم بذلك فقبضها، ثم علم بذلك، ثم زال السواد وثبت البينة لم يكن له أن يردها ولو وجد بها عيبا آخر كان له أن يردها.
ثم في كل موضع ثبت للمشتري حق الرد إذا قال في وجه البائع: قد أبطلت البيع إن كان قبل القبض انتقض البيع، قبل البائع أو لم يقبل، وإن كان بعد القبض، فإن قبل البائع فكذلك ينتقض البيع، وإن لم يقبل لاينتقض البيع.
وإن كان بغير محضر من البائع لاينتقض البيع وإن كان قبل القبض، أصل المسألة في العيوب وفصل الحضرة في وكالة السامي. وفي «المنتقى» : إذا اشترى عبداً محموماً كأن تأخذه الحمى كل يومين أو ثلاثة فأطبق عليه عنده فله أن يرده وأنه يخالف ماذكر في «فتاوى أبي الليث» ، فقد ذكر ثمة إذا اشترى عبداً وبه مرض في يد المشتري، فليس له أن يرده ويرجع بالأرش، وكذلك إذا كانت قرحة فانفجرت عنده أو جدري فانفجر فله أن يرده، ولو كان به جرح فذهبت يده به، أو كانت موضحة فصارت آمة فليس له أن يرده. وفيه أيضاً إذا اشترى عبداً فاستقاله فأبى أن يقيله، قال هذا ليس بعرض على البيع وله أن يرده، إذا وهب المبيع بعدما اطلع على عيب به ولم يسلم فليس له أن يرده على بائعه لأن هذا دلالة الرضا بالعيب، ألا ترى أن العرض على البيع يمنع الرد وإنما منع لأنه دلالة الرضا، ولو فعل شيئاً من ذلك قبل العلم بالعيب، يعني العرض والهبة بدون التسليم فهذا لايكون رضا، ولايمنع الرد لو علم بالعيب بعد (94ب3) ذلك، مسألة الهبة في «فتاوى أبي الليث» اشترى شيئاً أو خاصم البائع في عيب به، وترك الخصومة أياماً ثم عاد إلى الخصومة قال: لأنظر وأسأل أهذا عيب فله أن يخاصمه في العيب ويرده، لأن هذا ليس دلالة الرضا وكذا إذا أراد الرد ولم يجد البائع فأطعمه وأمسكه أياماً ولم يتصرف فيه تصرفاً يدل على الرضا ثم وجد البائع فله أن يرد، قال محمد رحمه الله: على هذا أدركت مشايخ زماني.

وفي «المنتقى» : رجل اشترى من رجل عبداً ثم ان المشتري أمر رجلاً ببيعه ثم علم الآمر بعد ذلك أن به عيباً، قال: إن باعه الوكيل بمحضر من الموكل ولم يقل الموكل شيئاً فهذا منه رضا بالعيب، حتى لو لم ينقض البيع ليس للمشتري أن يرد العبد على بائعه

(6/556)


بذلك، قال: وكذلك إن أعلمه الوكيل أنه ذهب من فوره ليبيعه فلم ينهه أو أخبره أن الوكيل ساوم به وهويعرضه ليبيعه فلم ينهه فهذا منه رضا. اشترى أبريسماً فإذا هو «دار وكرده امله» لايرده ويرجع بالنقصان، لأن الباب في الابريسم عيب اشترى كرماً فأكل الثمار ثم اطلع على عيب فليس له الرد وإن رضي البائع، وكذا إذا اشترى بقرة فأكل من لبنها.
اشترى قدوماً وأدخله في النار ثم اطلع على عيب به لم يرده، ولو اشترى ذهباً وأدخله في النار ثم اطلع على عيب به يرده، لأن الذهب لاينتقص بالإدخال في النار والحديد ينتقص، سئل شمس الأئمة الأوزجندي عمن اشترى منشاراً وحدده ثم اطلع على عيب به قال: لم يرده إلا برضا البائع، لأنه ينتقص منه شيء بسبب التحديد. قال محمد رحمه: رجل اشترى من آخر عبداً قد سرق عند البائع ولم يعلم، فقطع عند المشتري فللمشترى أن يرده على البائع، ويرجع بجميع الثمن، وقال أبو يوسف ومحمد: لايرده ولكن يرجع نقصان العيب فيقوم سارقاً وغير سارق فيرجع بفضل ما بينهما، وحاصل هذا أن أبا حنيفة يجعل هذا بمنزلة الاستحقاق فيكون عيباً في الباقي مضافاً إلى ضمان البائع، وهذا إذا اشترى عبداً فوجده حلال الدم بقصاص، أورده وقبل ذلك المشتري يرجع على البائع بجميع الثمن بمنزلة مالو استحق العبد، وعندهما يقوم مباح الدم ويقوم معصوم الدم فيرجع بفضل ما بينهما.
وفي «نوادر هشام» : قال: قلت لمحمد: ففي قياس قول أبي حنيفة إذا اشترى عبداً قد سرق عند البائع ولا يعلم به المشتري وسرق عند المشتري أيضاً فقطعت يده بالسرقتين جميعاً، قال: يرجع عليه بالنصف وجه قولهما: أن فوات المبيع مضاف إلى أمر حادث في ضمان المشتري، لا إلى أمر كان في ضمان البائع فلا يجري مجرى الاستحقاق لمن اشترى جارية حاملاً وولدت وهلكت في نفاسها، لايضاف الهلاك إلى أمر كان في ضمان البائع، ولا يجري مجرى الاستحقاق وإنما كان كذلك، لأن السبب الموجود في يد البائع حل بالدم والحياة وأثر في إتلافهما دون المالية، وإنما ذهبت المالية ضرورة أنها لا تبقى بدون الحياة وهذا أمر غير مضاف إلى الجناية، ولأبي حنيفة وجهان أحدهما: أن التلف حصل بفعل كان في ضمان البائع فينتقص به قبض المشتري، ويجعل كأنه تلف في يد البائع، وقاسه على مالو غصب عبداً فقتل العبد رجلاً في يد الغاصب ثم رده فقتل قصاصاً يرجع المالك على الغاصب بجميع القيمة، لأن الرد انتقص بسبب كان عند الغاصب فصار كأنه قتل في يد الغاصب، من المشايخ من ربط هذا الوجه بمسائل منها: أن البائع لو قطع يده ثم باعه فمات العبد في يد المشتري من القطع، لا يرجع المشتري على البائع بجميع الثمن، وإن زال القبض بسبب كان في يد البائع. وكذلك إذا اشترى أمة حبلى فولدت عند المشتري فماتت لا يرجع بجميع الثمن وإن ماتت بسبب كان في يد البائع. وكذلك إذا اشترى عبداً محموماً ولم يعلم به ثم قبضه ثم مات من الحمى يرجع بالنقصان لابجميع الثمن، وإن مات بسبب كان في يد البائع، إلا أن هذا ليس بشيء والمسائل غير لازمة، أما مسألة قطع اليد فلأن قطع اليد لايوجب الهلاك لامحالة وهو التحريج لمسالة الحمى، وأما في فصل الولادة فمن مشايخنا من قال مسألة الولادة على هذا الخلاف أيضا، وما ذكر في «الكتاب» : أنه لايرجع بجميع الثمن قولهما، وأما على قول أبي حنيفة يرجع بجميع الثمن الذي الدليل عليه أن محمداً

رحمه ذكر في «الكتاب» إذا غصب من آخر جارية فحبلت عند الغاصب فردها على المالك فولدت وماتت في نفاسها قال: يرجع بجميع القيمة على الغاصب عند أبي حنيفة، وجعل كأنها ماتت في يد الغاصب كذا هنا وإن سلمنا فوجه التخريج أن الولادة ليست بسبب الهلاك لامحالة والتقريب مامر وجه آخر لأبي حنيفة أن العبد الذي هو مستحق القتل لا قيمة له إذا القيمة عبارة عن الغرة وغرة الأشياء باعتبار مولها وإدخارها لإقامة المصالح، ومتى كان مستحق القتل، كان حرام الاستيفاء فلم يكن متقوماً، والبيع لاينعقد على غير المتقوم كالميتة والدم والخمر فإن كان المشتري علم بذلك العيب، فعندهما لزمه العبد ولا يرجع بنقصان العيب، لأنه عيب رضي به. وأما عند أبي حنيفة فمن مشايخنا من قال: أنه عند أبي حنيفة كذلك وهو غير صحيح، إنما الصحيح أن عند أبي حنيفة رحمه الله العلم والجهل سواء، لأن هذا بمنزلة الاستحقاق عنده والعلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع وأن يداوله البيوع ثم قتل عند المشتري الآخر يراجعون عند أبي حنيفة بمنزلة الاستحقاق وعندهما بمنزلة العيوب. وإن كان المشتري أعتق العبد ثم قتل، فعندهما يرجع بنقصان العيب، وأما عند أبي حنيفة فعلى قول ماذكرنا في الوجه الأول له أن بالقتل يموت يد المشتري مضافاً إلى سبب كان في يد

(6/557)


البائع ينبغي أن لا يرجع بفيء، لأن بالإعتاق فات ملك المشتري قبل القتل والقطع لايتصور انتقاصه بالقطع والقتل، وعلى قول ماذكرنا من الوجه الثاني أن البيع غير منعقد لعدم تقوم العبد يرجع بجميع الثمن.

ذكر الحسن بن زياد في «كتاب الاختلاف» : إذا اشترى بدراهم وتقابضا ثم باعه المشتري من بائعه ثم وجد به عيباً قديماً، قال أبو يوسف: له أن يرده على المشتري الأول إذا لم يعلم به وقال: هو قول أبي حنيفة.
وفي «شرح الجامع» : من تعليقي في كتاب الوكالة في باب القتل نقل الوكالة في الطلاق، رجل اشترى من آخر عبداً وباعه من غيره ثم اشتراه من ذلك الغير ثم اطلع على عيب كان عند البائع الأول لم يرده على الذي اشتراه منه لأنه غير مفيد، لأنه لو رده عليه كان للمردود عليه ثانياً لأنه اشتراه منه فلا يفيد الرد لايرده على البائع (95آ3) الأول لأن هناك الملك غير مستفاد من جهة فيسمي البائع الأول صالحاً والمشتري الأول جعفر أو المشتري الثاني زيداً وصور مسألتنا بعد تسمية هؤلاء اشترى جعفر عبداً من صالح ثم إن جعفراً باعه من زيد ثم إن جعفر اشتراه من زيد ثانياً ثم أطلع على عيب قديم كان بالعبد، فعلى ما ذكر في «الجامع» : ليس لجعفر أن يرده على زيد، لأنه لو رده على زيد كان له أن

(6/558)


يرده على جعفر لأنه قد اشتراه منه فلا يفيد الرد، وعلى ما ذكر الحسن بن زياد في كتاب «الاختلاف» كان لجعفر أن يرده على زيد ثم يرد زيد على جعفر وأنه مقيد حتى يرده جعفر على صالح، لأن بدون ذلك لا يعود إلى جعفر قديم ملك إلا المستفاد من جهة صالح ثم على ما ذكره في كتاب الاختلاف إذا رد جعفر العبد على زيد رده زيد على جعفر إنما كان لجعفر حق الرد على صالح إذا كان الرد على جعفر نقصان لأن الرد بالقضاء فسخ من كل وجه في حق الناس كافة فيعود إلى جعفر قديم ملكه الذي استفاده من جهته صالح في حقه صالح فكان له الرد على صالح فأما إذا كان الرد على جعفر بغير قضاء والرد بغير قضاء بيع جديد في حق الثالث لا يعود إلى جعفر قديم ملكه الذي استفاده من جهة صالح فلا يكون له الرد على صالح، وتبين بما ذكر في كتاب «الاختلاف» المذكور في «شرح الجامع» قول محمد.d

وفي «المنتقى» : إذا اشترى من آخر ديناراً بدرهم أن مشتري الدينار باع الدينار من رجل آخر ثم وجد المشتري الآخر بالدينار عيباً ورده على المشتري الأول بغير قضاء كان للمشتري الأول أن يردها على بائعه بذلك العيب، ولا يشبه الصرف ههنا العروض قال: لأن البيع لا يقع على الدينار ببيعها، وعلى هذا إذا قبض رجل دراهم له على رجل وقضاها آخر فوجد فيها زيوفاً وردها عليه بغير قضاء قاضي فله أن يردها على الأول. وفي «المنتقى» : اشترى عبداً فوجده أعمى فقال المشتري للبائع: أريد أن أعتقه عن كفارة يميني فإن جاز عني وإلا رددته فله أن يرده، وهو نظير مسألة الثوب التي بعدها. وفي «العيون» : اشتري من آخر ثوباً فإذا هو صغير فأراد رده فقال له البائع: أره الخياط فإن قطعه وإلا رده عليَّ فأراه الخياط فإذا هو صغير فله أن يرده، وكذا الخف والقلنسوة، وكذا إذا قضاه دراهم زائفة، وقال للقابض: أنفقها فإن جازت عليك وإلا يردها علي، فقبلها على ذلك فلم تنفق عليه فله أن يردها استحساناً ذكره في كتاب «الصلح من النوازل» . وفي «المنتقى» اشترى شيئاً بألف درهم وقبض الألف فوجدها نبهرجة ثم عرضها على البائع فهو رضا منه بها وليس له أن يردها، وعن أبي يوسف أنه لا يكون رضا وله أن يردها.
وفي «المنتقى» عن محمد المشتري في خيار العيب إذا قال للبائع أن لم أردها إليك اليوم فقد رضيتها بالعيب فهذا القول باطل وله الرد، وفيه أيضاً رجل اشترى من رجل داراً فادعى رجل فيها مسيل ماء وأقام على ذلك بينة فهو بمنزلة العيب فإن شاء المشتري أمسكها بجميع الثمن وإن شاء ردها، وإن كان قد بني فيها بناء فله أن ينقض بناءه وليس له أن يرجع بقيمة بنائه لأن هذا عيب وليس باستحقاق شيء منها، وفيه أيضاً رجل اشتري من آخر عبداً بكر موصوف بغير تعينه، وتقابضا ثم وجد بائع العبد بالكر عيباً ووجد به عنده عيب آخر فإنه لا يرجع بشيء، وإن كان الكر بعينه عند الشراء رجع في العبد بمثل نقصان العيب في الكر إلا أن يرضى البائع وهو مشتري العبد أن يأخذ الكر بعينه ويرد العبد، وفيه أيضاً رجل استقرض من رجل (كرّ) حنطة وقبضه ثم اشتراه منه بمائة درهم يعني المستقرض

(6/559)


اشترى الكر المستقرض من المقرض ثم وجد بالكر عيباً، قال أبو يوسف: له أن يرده بالعيب ولا يرده في قياس قول أبي حنيفة، وكذلك إن كان القرض دراهم فاشترى المقرض بها دنانير وقبض الدنانير ثم وجد المستقرض الدراهم القرض زيفاً فله أن يستبدلها في قول أبي يوسف.

نوع آخر

منه إذا اشترى شيئين ووجد بأحدهما عيباً، وكان ذلك قبل أن يقبضها أو قبض أحدهما فأراد أن يرد المعيب خاصة ليس له ذلك، لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام ولو قبضهما رد المعيب خاصة، لأن خيار العيب لا يمنع تمام الصفقة لهذا القبض فرد المعيب خاصة لا يؤدي إلى تفريق الصفقة على البائع من قبل التمام، وليس له أن يردها إلا برضا البائع وهذا الجواب يستقيم في شيئين فيستغني كل واحد في الانتفاع به عن الآخر، فأما إذا كانا شيئين لا يستغني أحدهما في الإنتفاع به عن الآخر كروجي الخف ومصراعي الباب وما أشبهه إذا قبضهما ثم وجد بأحدهما عيباً ليس له أن يرد المعيب خاصة لما فيه من الإضرار بالبائع، ولكن أما أن يردهما أو يمسكهما وهكذا ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» .
إذا اشترى زوجي وجد بأحدهما عيباً بعد القبض فأراد أن يرد المعيب خاصة فظاهر الجواب أن له ذلك، قال مشايخنا: أن ألف أحدهما العمل مع صاحبه وصار بحال لا يعمل إلا مع صاحبه فإنه لا يرد المعيب خاصة وصار بمنزلة شيء واحد وإن كان المشتري شيئاً واحداً فوجد ببعضه عيباً قبل القبض أو بعده فليس له أن يرد المعيب خاصة، وإن كان المعقود عليه مما يكال أو يوزن من ضرب واحد فوجد ببعضه عيباً ليس له أن يرد المعيب خاصة سواء كان قبل القبض أو بعد القبض فظاهر وأما بعد القبض بخلاف ما إذا كان المعقود عليه ثوبين أو عبدين، والفرق أن المكيل والموزون جعل كشيء واحد من حيث الحكم في حق البيع لأن المالية والتقوم للمكيل والموزون يثبت بالإجتماع صار الكل في حق البيع كشيء واحد حكماً، ولو كان شيئاً واحداً حقيقية بأن كان ثوباً وجد ببعضه عيباً فأراد أن يرد المعيب خاصة ليس له ذلك كذلك ههنا.

حكى الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي أنه كان يقول على قياس قول محمد: يجب أن يرد بعض المكيل والموزون بالعيب وإن كان مجتمعاً إذا كان التمييز لا يرد بالمعيب عيباً، وكذلك إذا وجد البعض صغاراً فأراد أن يغربل ليرد الصغار من الحب الذي هو من تحت الغربال ويمسك الباقي ليس له ذلك، وكذلك إذا اشترى الجوز والبيض صغاراً فأراد أن يرد الصغار خاصة ويمسك الباقي فليس له ذلك. وحكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني أنه قال: ما ذكر من الجواب في المكيل والموزون محمول على ما إذا كان الكل في وعاءٍ واحداً أما إذا كان (95ب3) في أوعية مختلفة فوجد في وعاء واحد معيناً فإنه يرد ذلك وجد بمنزلة الثوبين والصفين كالحنطة والشعير وكان يفتي به ويزعم أنه رواية أصحابنا، وبه أخذ شيخ الإسلام خواهرزاده رحمه الله وقد عثرت على الرواية في «المنتقى» .

(6/560)


وصورة ما ذكر ثمة: إذا اشترى سمن أو عسل أو اشترى جرة زيت أو دهن أو سلة زعفران أو قوصرة تمر أو جوالق حنطة أو دقيق فوجد بشيء من ذلك عيباً قبل القبض أو بعده فهو بالخيار إن أمضاه، وليس له أن ينقض البيع في المعيب خاصة، لأن هذا شيء واحد والحال فيه قبل القبض وبعد القبض سواء، ولو اشترى قوصرتي تمراً أو جرتي زيت أو قرتي عسل أو كرين متفرقين وفي وعائين أو جانبيتي خل، فوجد بأحدهما عيباً قبل القبض فله أن يدع البيع أو يأخذ المبيع وإن كان بعد القبض فليس له أن يرد إلا الذي به العيب قال الحاكم أبو الفضل: قال أبو يوسف إلا إذا كان سواء مثل الأول زيتاً واحداً وسمناً واحداً فيرده كله أو يتركه كله في قول أبي حنيفة وهو قلنا.

قال أبو الفضل أيضاً: وجدت في البيوع عن أبي حنيفة إذا اشترى أثواباً فقبضهما أو لم يقبضهما رد المعيب خاصة ولزمه الآخر، وروى الحسن عن أبي حنيفة إذا اشترى عشرة قوصير تمر فوجد ببعضها عيباً فإن كان تمراً واحداً من صنف واحد ليس له أن يرد إلا جميعه أو يأخذ جميعه، وإن كان مختلفاً له أن يرد المعيب خاصة. وكذلك قال الفقيه أبو جعفر فيما اشترى لفائف إبريسيم، فوجد بعض ما في كل لفافة معيباً فأراد أن يرد ذلك خاصة بأن يميز المعيب فليس له ذلك، وبمثله لو وجد لفافة منها كلها معيباً كان له أن يرد لك ويمسك مالا عيب به، وكذلك إذا اشترى عدداً من كر الغزل فوجد في كل واحد شيئاً معيباً لا يكون له أن يميز ذلك ويرده خاصة، وإن وجد بعض العدد معيباً له أن يرد ذلك ويمسك ما لا عيب به، ومن المشايخ من قال: لا فرق بينما إذا كان الكل في وعاء واحداً أو أوعية ليس له أن يرد البعض بالعيب وإطلاق محمد رحمه الله في «الأصل» : يدل عليه، وبه كان يفتي شمس الأئمة السرخسي.
وفي «المنتقى» : قال محمد: رجل اشتري طعاماً ووجد به عيباً فأراد أن يرد البعض دون البعض فله ذلك، وكذلك كل ما يكال أو يوزن لأنه ليس في رد بعضه ضرر على البائع قال محمد رحمه الله: وقال أبو حنيفة ليس له أن يرد البعض دون البعض، قال: وأظنه قول أبي يوسف..

وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف رجل اشترى جاريتين صفقة واحدة ورأى بأحديهما عيباً قبل القبض وأعتق التي لا عيب بها لزمه الآخرى، ولو قبض التي لا عيب بها ثم أراد ردها فله ذلك، ولو كان قبض التي بها العيب وهو يعلم بالعيب فقبض أحديهما فله أن يردهما جميعاً، ولو كان قبض أحديهما وأعتقها وهو لا يعلم بالعيب ثم وجد بالأخرى عيباً ولم يقبضها فله أن يردها، وإذا قبضهما جميعاً فأعتق أحديهما وهو يعلم بعيب الأخرى فليس هذا منه رضا، ولو قبض واحدة وترك واحدة ثم حدث بكل واحدة عيب، فله أن يدع التي لم يقبض إلا أن يرضي البائع أن يقبل الأخرى بعيبها، وإن شاء البائع ذلك قال للمشتري: خذهما جميعاً. وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد إذا اشترى عبدين وعلم بعيب فقبض أحدهما فهو رضا بعيبهما جميعاً.

وفي «المنتقى» : رجل اشترى ثلاثة أعبد فقبض أحدهم ثم وجد بأحد الباقيين عيباً

(6/561)


فليس له إلا أن يردهم جميعاً أو يأخذهم جميعاً، ولو كان أعتق العبد الأول لزمه بحصته من الثمن، وهو بالخيار في الباقيين إلا إن شاء أحدهما وليس له أن يرد المعيب خاصة إلا أن يوصي البائع. وإذا اشترى جراب هروياً وأخذ ثوباً منه وقطعه وخاطه أو باعه، ثم وجد بثوب من الجراب عيباً فللمشتري أن يأخذ ما بقي من الثياب ويرد الذي به العيب خاصة، لأنه حين استهلك ثوباً فكأنه قبض كله، ولو قال البائع: لا أسلم لك أنا أرضى أن يرد الجراب كله، فليس له ذلك إلا إن شاء المشتري، ولو كان قطع الثوب ولم يخطه فرضي البائع أن يمسك الجراب ويأخذ الثوب المقطوع فله ذلك، ذكر مسألة الجراب في «المنتقى» .
وفيه أيضاً اشترى من آخر نخلاً فيه تمر بوضعه من الأرض وتمره ولم يقبض المشتري حتى جر البائع فإن كان حرارة بعض النخل أو التمر بأن كان لم يبلغ الحرار فالشراء بالخيار، لأنه عيب حدث في ضمان البائع، وإن كان ما صنع البائع لم ينقص النخل والتمر فلا خيار للمشتري، لأن فعله إصلاح، وإذا قبضهما المشتري وجد بأحدهما عيباً رده وحده، لأن البائع سلم المبيع متفرقاً فلا بأس بالرد كذلك، وإن كان المشتري قبض ذلك كله قبل الحرار ثم حرة المشتري ولم ينقصه الحرار شيئاً، ولم ينقص النخيل أيضاً، ثم وجد بأحدهما عيباً لم يكن له أن يرد أحدهما دون الآخر، وله أن يردهما جميعاً بالعيب الذي وجد بأحدهما، لأنه إذا قبضهما قبل الحرار كانا بمنزلة شيء واحد وليس هذا كالفص والخاتم إذا غير أحدهما عن الآخر بعد القبض وليس فيه ضرر، لأن التمر بعض النخل لأنه خرج منه، والفص ليس من الفضة، ولو كان حرار المشتري بفص أحدهما ثم وجد العيب لم يرد واحداً منهما.

أما إذا كان العيب بالذي ينقص لأنه بعيب زائد، وأما إذا كان بالآخر تفرقت الصفقة وقد كانت مجتمعة فإذا تعذر الرد رجع بنقصان العيب إلا أن يشاء البائع أن يقبل ذلك مع العيب رد، لأن امتناع الرد إنما كان لحق البائع فإذا رضي زال حقه فيرتفع الامتناع. وكذلك لو اشترى شاة على ظهرها صوف فجز البائع الصوف قبل القبض أو جزه المشتري بعد القبض، كان الجواب فيه كالجواب في التمر إلا أن فرق بينهما أن الصوف يدخل في العقد في غير شرط بخلاف التمر، والقياس في التمر كذلك لأن التمر مع النخل بمنزلة شيء واحد، لكون التمر متصلاً بالنخلة إتصال خلقة، إلا أنا تركنا القياس في التمر بالنص وهو قوله عليه السلام: «من باع نخلاً مؤبراً فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع» ، ولو كان شاة حاملاً فولدت عند البائع ولم تنقصها الولادة، فقبضها المشتري ثم وجد بأحدهما عيباً رده بحصته من الثمن، لأنه مبيع متفرق في يد البائع فلا يكون في رد أحدهما تفريق اليد على البائع، وإن قبضها ثم ولدت ثم وجد بأحدهما عيباً لم يملك الرد لأنه لا يمكن رد الأم مع الولد، لأن العقد لم يرد على

(6/562)


الولد فلا يرد عليه الفسخ ولا يمكن رد الأم بدون الولد، لأن الولد عنده يبقى مقصوداً بلا عوض فيكون ربا بخلاف الصوف، لأنه ظاهر صار مبيعاً فصار انفصاله عن الأصل وبقاؤه متصلاً به سواء، واللبن مثل الولد يريد به إذا اشترى شاة وفي ضرعها لبن فحلب البائع أو المشتري لبنها كان بمنزلة الولد إذ لا قيمة له حالة الإتصال كما في الولد ولهذا إذا (96أ3) غصب شاة يصير ضامناً لصوفها ولا يصير ضامناً لولدها ولبنها، وزان هذه المسألة من تلك المسألة ما إذا زاد الصوف بعد القبض يمنع الرد. وإذا اشترى فجلاً أو شلجماً معيناً في الأرض فقلعه المشتري كله فوجد ما اشترى من الفراج فيه ذلك ووجد به عيباً بعد ما قلعه كله لا يستطيع الرد بعيب ولكن يرجع بنقصان العيب. وإذا اشترى من آخر عبداً بثمن معلوم فجاء

أجنبي وزاد المشتري في المبيع ثوباً فقبضه المشتري فهذا متطوع وللثوب حصة من الثمن، وقد رضي صاحب الثوب أن يكون حصة ثوبه للبائع فإن وجد المشتري بالعبد عيباً رد بحصته من الثمن ويكون حصة الثوب للبائع، وإن وجد بالثوب عيباً بعد ذلك رده على صاحبه وأخذ من البائع تلك الحصة. ولو لم يجد بالعبد عيباً رده على صاحبه ولم يرجع بحصته، فإن وجد بعد ذلك عيباً رده على صاحبه بجميع الألف.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا اشترى مصراعي باب فأخذ أحدهما بإذن البائع، ثم ذهب ليأخذ الآخر فوجده قد سرق من البائع، هلك على البائع، لأنه هلك في يده ويرد عليه المشتري ما أخذ إن شاء لأنه صار معيباً، فلو أنهما حين أخذ أحدهما عينه بصرفه قاس وباقي المسألة بحاله كان الهلاك على المشتري، لأن تعييب المأخوذ يؤثر في غير المأخوذ فيصير قابضاً له، وكذا في الخفين والنعلين. وفيه أيضاً اشترى ضيعة مع غلاتها واطلع على عيب بها وأراد ردها ساعة وجدها معيبة، لأنه لو جمع الغلات امتنع الرد لأن ذلك يكون رضا منه بالعيب، ولو ترك الغلات فكذلك يمتنع الرد لأنه تضييع فيزداد العيب. وإذا اشترى مشجرة ووجد ببعض الأشجار عيباً فأراد أن يرد المعيب خاصة ليس له ذلك، لأنها وإن كانت متباينة حقيقة فهي كشيء واحد، بمعنى ألا ترى أن المعيب لو ردها خاصة لا تشترى من البائع بمثل ما تشترى مع غيرها.

نوع آخر في بيان ما يمنع الرجوع بالأرش وما لا يمنع

كيفية الرجوع بنقصان العيب أن يقوم المبيع ولا عيب به، ويقوم وبه ذلك العيب، فإن كان تفاوت ما بين القيمتين النصف فالمشتري يرجع على البائع بنصف الثمن، وعلى هذا القياس فإنهم وإذا باع المشتري المبيع بعد ما علم بالعيب به، فالأصل في هذا أن في كل موضع لو كان المبيع قائماً على ملك المشتري أمكنه الرد على البائع، إما برضاه أو بغير رضاه فإذا أزاله عن ملكه بالبيع، أو ما أشبهه لا يرجع بنقصان العيب، وفي كل موضع لا يمكنه الرد لو كان المبيع قائماً على ملكه فأزاله عن ملكه بالبيع، أو ما أشبهه يرجع بنقصان العيب، ولهذا لأن المشتري الثاني قام مقام المشتري الأول بالبيع فصار كون المبيع في يد المشتري الأول وأراد أن يرجع بنقصان العيب مع إمكان الرد ليس له

(6/563)


ذلك، فكذا إذا كان في يد المشتري الثاني، بيان هذا الأصل إذا تعيب المبيع في يد المشتري بعيب، ثم أطلع على عيب آخر كان في يد البائع كان له أن يرده برضى البائع، فإذا خرج المبيع عن ملكه في هذه الصورة أو ما أشبهه ليس له أن يرجع بنقصان العيب. وإذا اشترى ثوباً وصبغه أو اشترى داراً وبنى فيها بناءً ثم اطلع على عيبه، ليس له أن يرده، وإن رضي به البائع فإذا أخرجه عن ملكه في هذه الصورة بالبيع أو ما أشبهه يرجع بنقصان العيب.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : رجل اشترى عبداً وأعتقه، ثم وجد به عيباً إن كان أعتقه على مال لا يرجع بنقصان العيب، وإن كان أعتقه بغير مال يرجع بنقصان العيب عندنا، فالأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعذر رد المبيع على البائع بسبب إخراج المشتري المبيع عن ملكه بالبيع أو الهبة وكان ذلك قبل العلم بالعيب منع الرجوع بالنقصان عند ظهور العيب، لأن المشتري متشبث بالمبيع مع إمكان الرد بعد العلم بالعيب، أما التشبث بالبيع بعد العلم بالعيب فلأن المشتري منه والموهوب له متشبث به، وبعد العلم بالعيب، وتشبثهما كتشبث المشتري الأول لأنه حصل بتسليطه. وأما مع الرد فلأن المشتري منه لورد المشتري عليه بقضاء أمكنه الرد على البائع وكذلك الموهوب له، لو فسخ الهبة مع المشتري أمكنه الرد، قلنا: والتشبث بالمبيع بعد العلم بالعيب مع إمكان الرد دليل الرضا بالعيب، والرضا بالعيب يسقط حق المشتري في الرد وفي الرجوع بنقصان العيب. ومتى تعذر الرد بتلف المشتري على حكم ملك المشتري من غير فعله، وكان ذلك قبل العلم بالعيب لا يمنع الرجوع بنقصان العيب وذلك كالموت لأنه غير متشبث بالمبيع بعد العلم بالعيب مع إمكان الرد فلا يمنع الرجوع بنقصان العيب، كما لو كان حياً وتعذر الرد بسبب من الأسباب. ومتى تعذر الرد بتلف المشترى على حكم ملك المشتري بفعل المشتري ينظر إن كان بفعل مضمون عليه من جميع الجهات لو حصل في ملك الغير نحو القتل وإحراق الثوب وغير ذلك منع الرجوع بنقصان العيب، فإنه وصل إليه عوض الجزء الفائت من حيث المعنى، لأن القتل والإحراق سبب الضمان وجد في ملك الغير، وإنما سقط عنه الضمان بسبب ملكه، فيجعل سقوط الضمان بسبب الملك وقد زال عنه الملك بسبب القتل بدلاً عن الملك فهو معني قولنا: أنه وصل إليه العوض فلا يرجع بنقصان العيب كما لو باع. وإن كان بفعل غير مضمون عليه يمنع بجميع الجهات لو حصل في ملك الغير لا يمنع الرجوع بنقصان

العيب، وذلك نحو الإعتاق والتدبير، ولأن العتق في ملك الغير لا يتصور بسبب الضمان لأنه لا ينفد أصلاً فإذا لم يكن بسبب الضمان في ملك الغير لا يمكننا أن نجعل الضمان واجباً بالسبب ثم ساقطاً عنه بسبب الملك حتى يصير سقوط الضمان بسبب الملك وقد زال عنه الملك بالإعتاق بدلاً عن الملك على نحو ما ذكرنا في القتل فهو معنى قولنا: لم يصل إليه عوض الجزء الفائت بخلاف فصل القتل على ما ذكرنا، بخلاف ما لو أعتقه على مال أو كاتبه لأنه وصل إليه عوض الجزء الفائت، لأن البدل مقابل تجميع الأجزاء القائم والفائت لأن حقه

(6/564)


بالجزء والفائت قائم من حيث الاعتبار ما له يصل إليه بدله، ولو قتله أجنبي لا يرجع بالنقصان قتله عمداً أو خطاءً لأنه وصل إليه العوض وهو القصاص أو القيمة.

قال في «القدوري» : وإذا اشترى ثوباً أو طعاماً وخرق الثوب واستهلك الطعام ثم اطلع على عيب كان (له أن) يرجع بنقصان العيب بلا خلاف، ولو لبس الثوب حتى تخرق من اللبس، أو أكل الطعام ثم اطلع على عيب به قال أبو حنيفة: لا يرجع بنقصان العيب، وقالا: يرجع والصحيح قول أبي حنيفة، لأن الأكل واللبس في ملك الغير سبب الضمان، وإنما سقط الضمان عنه بسبب الملك والثوب ما ذكرنا. وإذا اشترى عبداً (96ب3) وباع بعضه وبقي البعض لم يرد ما بقي كيلا يتضرر البائع، ضرر عيب الشركة ولم يرجع بنقصان العيب بحصة ما باع بلا خلاف، وهل يرجع بحصة ما بقي؟ ففي ظاهر رواية أصحابنا لا يرجع، وعن محمد أنه يرجع، والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية، لأنه متشبث بالبيع بالقدر الذي باع بيد المشتري منه مع إمكان الرد أن يرد المشترى منه ذلك بعيب نقضاً، فيصير راضياً في القدر الذي باع فيصير راضياً بالباقي ضرورة عدم التجزؤ.

وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف فيمن اشترى ثوباً أو باع نصفه ثم وجد بالنصف الآخر عيباً أنه يرد ما بقي، وقال أبو حنيفة: لا يرد ويرجع بفضل العيب، قال أبو الفضل: هذا خلاف جواب «الأصل» .
ولو اشترى حنطة أو سويقاً وطحن الحنطة أولت السويق بسمن ثم اطلع على عيباً يرجع بنقصان العيب، لأنه لم يتشبث بالمبيع بعد العلم بالعيب مع إمكان الرد لأنه لا يمكنه الرد بعد الطحن ولت السويق وإن رضي به البائع لمكان الزيادة فلا يصير راضياً بالعيب فيرجع بحصة النقصان. وإذا اشترى طعاماً فأكل بعضه ثم وجد بالباقي عيباً فعلى قول أبي حنيفة لا يرد ما بقي ولا يرجع بأرش ما أكل ولا بارش ما بقي، وقال أبو يوسف: لا يرد ما بقي ويرجع بأرش ما أكل، وقال محمد: يرد ما بقي ويرجع بنقصان العيب فيما أكل، فالحاصل: أن أبا حنيفة وأبا يوسف يجعلان المكيل والموزون في حكم شيء واحد فلا يرد بعضه بالعيب كما في العبد الواحد، وإنما اختلفا في الرجوع بنقصان العيب فعند أبي حنيفة الأكل بمنزلة البيع حتى قال: لو أكل جميع الطعام ثم أطلع على عيب به لا يرجع بنقصان العيب، كما لو باع فصار أكل بعض الطعام وأنه شيء واحد عنده بمنزلة بيع نصف العبد، وهناك لا يرجع بنقصان العيب أصلاً. وعند أبي يوسف الأكل بمنزلة الطحن حتى إن عنده بعد ما أكل الطعام إذا طلع على عيب يرجع بنقصان العيب كما لو طحن الحنطة ثم اطلع على عيب بها، فصار أكل بعض الطعام كطحن بعض الحنطة وذلك لا يمنع الرجوع بنقصان العيب في الكل. ومحمد رحمه الله: جعل المكيل والموزون في حكم شيئين، لأنه مما لا يضره التبعيض والأكل عنده بمنزلة الطحن فكأنه اشترى شيئين حنطة وشعيراً وطحن أحدهما ثم أطلع على عيب بالكل، وهناك يرجع بحصة ما طحن ويرد الباقي فكذا هنا هذا جملة ما ذكر في «الأصل» .
l

وذكر في موضع من «المنتقى» : عن محمد إذا أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب أنه

(6/565)


يرجع بنقصان العيب فيما أكل وفيما بقي ولا يرد الباقي، وذكر في موضع آخر منه عن أبي يوسف: أنه إذا أكل بعض الطعام رجع بنقصان العيب الذي بقي عنده، وذكر في موضع آخر منه عن أبي يوسف عن أبي حنيفة إذا أكل بعض الطعام ثم أطلع على عيب كان بالذي أكل وبالذي بقي، فإنه يرجع بنقصان عيب ما أكل، وكذلك جميع ما يكال أو يوزن مما لا ينقصه التبعيض.
وأما إذا باع بعض المكيل والموزون فعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يرد ما بقي ولا يرجع بشيء من النقصان؛ لأنه في حكم شيء واحد فصار بمنزلة العبد الواحد، وعن محمد أنه يرد ما بقي ولا يرجع بحصة العيب فيما باع هكذا ذكر في «الأصل» .
وكان الفقيه أبو الليث يفتي في هذه يقول محمد على ما ذكر في «الأصل» رفقاً بالناس، وعليه اختيار الصدر الشهيد حسام الدين.
وفي «فتاوي أبي الليث» : أن من اشترى دقيقاً وخبز بعضه، ثم تبين أن الدقيق مُر، رد الباقي بحصة من الثمن ورجع بالنقصان بحصة ما استهلك وهو بناء على مذهب محمد على ما هو المذكور في «الأصل» .
وفي «المنتقى» عن أبي يوسف: أنه إذا باع بعض الطعام رد ما بقي في يده ولا يرجع بنقصان العيب.
وفي موضع آخر من «المنتقى» إذا باع بعض الطعام، ثم وجد بالباقي عيباً لم يرد الباقي ولا يرجع بنقصان العيب في قولهم جميعاً، إذا أبق بعد القبض، ثم علم المشتري به عيباً كان عند البائع لا يكون له أن يرجع بنقصان العيب ما دام العبد حياً، فإذا مات له أن يرجع بنقصان العيب، وهذا؛ لأن الرجوع بنقصان العيب خلف عن الرد بالعيب، وإنما يصار إلى الخلف عند وقوع اليأس عن الأصل، وما دام العبد حياً لا يقع اليأس عن الأصل فلهذا لا يرجع بنقصان العيب.
وإذا اشترى أرضاً ووقفه، ثم وجد به عيباً رجع بنقصان العيب، ذكر المسألة هلال الرازي في «وقفه» ، ولو جعله مسجداً، ثم وجد به عيباً لا يرجع بنقصان العيب ذكر المسألة في القدوري في «شرحه» ، والفرق بينهما: أنه لما جعله مسجداً فقد جعله لله تعالى، قال الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} (الجن: 18) ومتى صار لله تعالى زال عن ملكه، ولهذا لا يعتبر فيه شرطه، فإنه لو جعل داره مسجداً بشرط أن يصلي فيه فلان دون فلان لا يعتبر هذا الشرط ولو بقي على حكم ملكه لا يعتبر شرطه؛ لأنه حينئذٍ يكون هذا شرطاً في ملكه، علم أن الدار زال عن ملكه باتخاذه مسجداً فيعتبر الإزالة عن ملكه باتخاذه مسجداً كالإزالة بالبيع، وهناك لا يرجع بالأرش وهنا كذلك إما بجعله وقفاً لا يزيله عن ملكه؛ لأن الموقوف باقي على حكم ملكه ألا ترى أنه يعتبر شرطه؟ فإنه لو وقف أرضه بشرط أن تصرف غلته إلى فلان دون فلان يعتبر شرطه فلم توجد الإزالة في باب الوقف فلا يمنع الرجوع بالأرش.

ذكر القدوري مسألة المسجد في «شرحه» من غير ذكر خلاف، وفي موضع آخر أن على قول محمد لا يرجع بنقصان العيب، وعلى قول أبي يوسف يرجع بناء على أن قول

(6/566)


محمد المسجد مؤبد فتحت الإزالة، عن ملكه وعند أبي يوسف المسجد ليس بمؤبد فلم تتم الإزالة عن ملكه وصار من حيث المعنى كأنه لا إزالة.
ولو اشترى ثوباً وكفن به ميتاً، فإن كان المشتري وارث الميت وقد اشترى بشيء من التركة رجع بالأرش، ولو تبرع بالتكفين أجنبي لم يرجع بأرش العيب، والفرق وهو أن المشتري إذا كان وراثاً وقد اشترى من التركة لمورثه فالملك في الكفن لم يثبت للوارث بل هو على ملك المورث فبقي الملك في الكفن على الوجه الذي أوجبه العقد وقد تعذر الرد، بخلاف ما إذا تبرع أجنبي بالتكفين؛ لأن الكفن ملك المتبرع وبالتكفين أزاله عن ملكه فيبطل حقه من كل وجه كما لو تبرع به على إنسان في حال حياته.

إذا مات العبد المشترى في يد المشتري الثاني، ثم اطلع على عيب به ورجع على بائعه وهو المشتري الأول بنقصان العيب، فالمشتري الأول لا يرجع على بائعه بنقصان العيب؛ لأن البيع الثاني لم ينفسخ فلم يثبت حق الرد في المشتري الأول فلا يثبت له حق الرجوع بالنقصان خلفاً عنه، وهذا قول أبي حنيفة وعلى قول أبي يوسف يرجع، ذكر قول أبي يوسف في هذه المسألة في «المنتقى» ولم يذكر قول محمد، وذكر في «المنتقى» أيضاً قول محمد في مثل هذه المسألة نظير قول أبي يوسف في هذه المسألة، وذكر قول أبي يوسف بخلافه.
وصورتها: رجل اشترى (79أ3) من آخر جارية وباعها فولدت في يد المشتري الثاني ولداً ووجد بها عيباً قد كان دلسه البائع الأول ولم يعلم به المشتري الأول ورجع المشتري الثاني على المشتري الأول بنقصان العيب لا يرجع المشتري الأول على بائعه بذلك في قول أبي يوسف، وقال محمد: يرجع.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى من آخر عبداً بألف درهم وتقابضا، ثم أقر المشتري أن البائع قد كان أعتقه قبل البيع أو دبره، أو كاتب أمة فأقر أنه استولدها، وأنكر البائع ذلك، وحلف لا يصدق المشتري على البائع؛ لأن إقرار الإنسان ليس بحجة على غيره على ما عرف ويكون العبد حراً في الإقرار بالعتق وولاؤه موقوف، وصار مدبراً موقوفاً في مسألة التدبير وكذا في مسألة الاستيلاد، وإن وجد المشتري بالمبيع عيباً علم أنه كان عند البائع، فله أن يرجع بنقصان العيب؛ لأنهما تصادقا على الرجوع بنقصان العيب، أما البائع؛ فلأن في زعمه أن المشتري أقر كاذباً، وإنه صار كالمنسي للإعتاق والتدبير، وذلك لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب على ما مر، والمشتري يزعم أن البيع وقع باطلاً، وإن له حق الرجوع بجميع الثمن فصار قدر النقصان متفقاً فلهذا رجع بنقصان العيب.
وكذلك لو كان المشتري أقر أنه والأصل والمسألة بحالها رجع بنقصان العيب لما قلنا، ولو كان المشتري أقر أن العبد لم يكن للبائع يوم باعه، وإنما كان لفلان فصدقه المقر له في ذلك، فإن شاء أجاز البيع وأخذ منه الثمن وإن شاء لم يجز وأخذ العبد؛ لأنه ثبت بتصادقهما أن البائع كان فضولياً في هذا البيع وأن البيع توقف على إجازة المقر فيكون له الخيار، فإن أجاز بيعه وأخذ الثمن، ثم إن المشتري وجد بالعبد عيباً قديماً لم يرجع بشيء على البائع؛ لأن الإقرار من المشتري نزل منزلة التمليك، ولا نعني به أن الإقرار تمليك مبتدأ؛ لأن الإقرار خيار عن كائن سابق والتمليك إنشاء الملك، ولكن نعني به أن الإقرار بدل عن التمليك؛ لأن الإقرار بالملك إخبار عن سبق الملك والملك لا بد له من التمليك ولكن الإقرار إنما يدل على سبق التمليك بأدنى زمان يمكن فيجعل كأن المشتري ملكه منه، ثم أقر له بناءاً على ذلك، فإذا كان هكذا انقطع ملك المشتري عن المبيع فبطل حقه في العيب أصلاً، وهذا إذا صدقه المقر له في الإقرار، فإن كذبه فيه رده بالعيب؛ لأن الإقرار نفسه ليس بتمليك، وإنما يثبت التمليك في ضمن الإقرار، فإذا بطل الإقرار بطل التمليك الذي يثبت في ضمنه.
وكذلك لو كان الإقرار من المشتري بهذا بعد علمه بالعيب وكذبه المقر له رده المشتري على البائع، بخلاف ما إذا عرضه المشتري على البيع بعد العلم بالعيب.
والفرق وهو أن العرض على البيع إنشاء تصرف يعتمد الملك في المحل بعضه الأصل فيكون ذلك دليلاً على تقرير ملكه وإبطال حقه في العيب، فأما الإقرار كما يصح في الملك يصح في غير الملك حتى أن من أقر بما لا يملك، ثم ملكه يوماً من الدهر يؤمر بالتسليم إلى المقر له فلا يكون هذا رضاً من المقر ينوب ملكه.

ولو وجد به المشتري عيباً قديماً وقد حدث عنده آخر حتى امتنع رده وذلك قبل إقراره فرجع بنقصان العيب، ثم أقر به المشتري المقر له وصدقه المقر له لم يرجع البائع على المشتري بنقصان العيب الذي أخذ منه؛ لأن أكثر ما في الباب أن الإقرار من المشتري جعل بمنزلة تمليك مبتدأ على ما مر أن التمليك إنما يثبت سابقاً على الإقرار بأدنى يوم يمكن فيحمل وجود التمليك بعد الرجوع بنقصان العيب، ويحتمل أن يكون قبله فلا يبطل المأخوذ بالشك، وفي الفصل الأول لا يثبت حق الرجوع للمشتري بالشك.
قال: رجل اشترى من رجل عبداً بألف درهم، وتقابضا فأقر المشتري أن العبد لفلان أعتقه قبل أن اشتريه وأنكر البائع ذلك كله فهو على وجوه: أما إن صدقه المقر له في الملك والإعتاق، أو صدقه في الملك دون الإعتاق، أو كذبه فيهما جميعاً.

ففي الوجه الأول: كان العبد مولى للمقر له؛ لأن المشتري أقر له بالملك وشهد عليه بالعتق، فإذا صدقه في الملك نفذ الكل عليه، وإن وجد المشتري بالعبد عيباً قديماً لم

(6/567)


يرجع بشيء؛ لأنه لما ثبت الملك للمقر له بإقرار المشتري ولم يصدقا على البائع جعل كأن المشتري ملكه بعد الشراء تمليكاً مبتدأ، ثم أعتقه المقر له، ثم أقر به المشتري، ولو كان كذلك لم يرجع المشتري على البائع بشيء فههنا كذلك.
وفي الوجه الثاني: دفع العبد إلى المقر له وكان عبداً له لا يعتق عليه؛ لأن المشتري أقر له بالملك وشهد عليه بالعتق فثبت ما أقر به بحكم التصديق، وبطل ما شهد به بحكم التكذيب، وإن وجد المشتري به عيباً لم يرجع بشيء لما قلنا: إن الإقرار منه بمنزلة تمليك مبتدأ على ما مر.

وفي الوجه الثالث: عتق العبد على المقر؛ لأنه مالكه ظاهراً وقد أقر بحريته حيث

(6/568)


نسب الإعتاق إلى من يزعمه مالكاً والمالك الظاهر متى أقر بحرية مملوكه يعتق وكان الولاء موقوفاً لما قلنا قبل هذا، وإن وجد المشتري بالعبد عيباً قديماً يرجع بنقصان العيب على البائع؛ لأن المقر بهذا الإقرار جعل كالمنسي للإعتاق ولم يجعل بمنزلة الملك؛ لأن التمليك إنما كان مقتضياً للإقرار بالملك للمقر له وقد بطل الإقرار بتكذيب المقر له فبطل ما ثبت في ضمنه.
ولو أقر المشتري أنه اشتراه وهو لفلان إلا أن المشتري قال أعتقه فلان بعد شرائي لا يرجع بنقصان العيب، أما إذا صدقه المقر له فيهما أو صدقه في الملك دون الإعتاق فلما قلنا، وكذلك إذا كذبه فيهما فرق بين هذا وبين ما تقدم، والفرق وهو: أن فيما تقدم المشتري زعم أن شراؤه وقع على حر فلم يثبت الملك له حتى يجعل الإقرار بالملك لفلان تمليكاً مبتدأ، منه أما ههنا إقرار الشراء وقع على مال متقدم وشراء ما هو مال متقدم صحيح فقد أقر بصحة الشراء، ثم أقر للمقر له بالملك على وجه لا يحتمل البطلان، والإقرار بالملك لفلان بعد الإقرار بصحة الشراء إقرار منه بالتملك من فلان وتعلق به حق البائع وهو أن تنقطع خصومة المشتري منه في العيب، وبتكذيب المقر له إن بطل الإقرار في حق المشتري لم يبطل في حق البائع.
استشهد في «الكتاب» فقال: ألا ترى أن المشتري إذا قال: بعت العبد من فلان، وإن فلاناً أعتقه بعد الشراء وكذبه فلان، ثم وجد المشتري به عيباً لم يرده ولم يرجع بشيء؟ لأنه أقر بالتمليك من فلان على وجه لا يحتمل النقض وقد تعلق به حق البائع الأول من حيث البراءة عن العيب ولئن بطل إقرار البائع الثاني في حقه بتكذيب المقر له لم يبطل في حق البائع الأول كذا هنا.

ثم فرع على مسألة الاستشهاد وقال: لو ادعى أنه باعه من فلان ولم يذكر الإعتاق وكذبه المشتري الثاني وحلف وعزم البائع (79ب3) على ترك الخصومة كان له أن يرده على البائع الأول؛ لأن العقد قد انفسخ في حق المشتري الثاني بتكذيبه، وتوقف في حق البائع الثاني على رضاه، فإذا عزم على الفسخ فيما بينهما بتراضيهما فعاد العبد إلى قديم ملك المشتري الأول فكان له الرد بالعيب وشرط عزم المشتري الأول على ترك الخصومة حتى يتم النقص في حقه، لو وجد المشتري الأول بينة فأقامها على البائع الثاني قبل العزم على ترك الخصومة لا يلتفت القاضي إلى ذلك.
وهو نظير ما قال في «الجامع الصغير» في رجل ادعى على رجل أنه باع أمته وحجد المشتري وحلف، وعزم البائع على ترك الخصومة كان له أن يطأها، والمعنى ما مر، ثم ما ذكر هنا إشارة إلى أن عند العزم على ترك الخصومة ينفسخ العقد من الأصل ولم يجعل هذا إقالة في حق البائع الأول، وإنما كان كذلك؛ لأن القاضي ألزم المشتري الأول حكم الفسخ بغير رضاه وما يلزم الإنسان من غير رضاه لا يمكن أن يجعل إقالة.
رجل اشترى من آخر عبداً بألف درهم وتقابضا، ثم أقر المشتري أن العبد مدبر لهذا الرجل أو كانت أمة فأقر المشتري أنها أم ولد لهذا الرجل اشتراهما وهما كذلك أو حدث

(6/569)


المقر له فيهما أو كذبه في التدبير والاستيلاد وصدقه في الملك أوكذبه في الكل، وزعم المقر أن المقر له فعل ذلك بعد الشراء، وإنما يخالف هذا الأول فيما إذا كذبه المقر في الكل، وزعم المقر أن المقر له فعل ذلك قبل الشراء، فإنه قال في الإعتاق يرجع بنقصان العيب وفي التدبير والاستيلاد لا يرجع.
والفرق: أن في مسألة الإعتاق والشراء زعم أن شراءه وقع على الحر ولم يثبت الملك له فلم يجعل الإقرار من المشتري تمليكاً مبتدأ منه ولم يتعلق به حق البائع بل جعل المقر كالمنسي للإعتاق فملك الرجوع بالنقصان.

أما في مسألة التدبير والاستيلاد المشتري اعترف بقيام المالية وقت الشراء؛ لأن المدبر وأم الولد مالان محلان للبيع، ولهذا جاز البيع فيهما بقضاء القاضي، ويجوز البيع فيما ضمت إليهما فيثبت الملك للمشتري، وصار مقراً بملك حادث للمقر له من جهته، ويعلق به حق البائع وهو بطلان خصومة المشتري معه في العيب، إلا أنه بإسناد التدبير إلى ما قبل الشراء ادعى معارضاً مانعاً ثبوت الملك له بالشراء مع قيام المحلية فلم يصدق في دعوى الإسناد فيما يرجع إلى حق البائع فلهذا لم يرجع بنقصان العيب.

ذكر في «فتاوي أهل سمرقند» : إذا اشترى سمناً ذائباً فأكله، ثم أقر البائع أنه قد كان وقع فيه الفأرة وماتت يرجع بنقصان العيب عند أبي يوسف ومحمد، وعليه الفتوى.
إذا اشترى شجرة وقطعها فوجدها لا تصلح إلا للحطب يرجع بنقصان العيب، إلا أن يأخذها البائع مقطوعة، في هذا الموضع أيضاً، قالوا: وهذا إذا اشترى لا لأجل الحطب أما إذا اشتراها لأجل الحطب، لا يرجع بنقصان العيب.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : مسلم اشترى عصيراً وقبضه وتخمر في يده، ثم اطلع على عيب به لم يرده ويرجع بنقصان العيب؛ لأن تعذر الرد كان لا يضيع من جهه المشتري، فإن قال البائع: أنا آخذ الخمر بعينها فليس له ذلك؛ لأن امتناع الرد لحق الشرع؛ لأن الرد بالعيب بغير قضاء عقد جديد في حق الثالث وحرمة تمليك الخمر حق الشرع فصار الرد بالعيب عقداً جديداً في حق الشرع، فيمتنع في الخمر، فعلم أن امتناع الرد لحق الشرع فلا يسقط برضا العبد، فإن لم يخاصم في العيب حتى صارت خلاً رجع بنقصان العيب ولا يرده بالعيب إلا أن يقبله البائع؛ لأن العين وإن عاد مالاً متقوماً إلا أنه لم يعد حلواً، والرغبات مختلفة باختلاف الصفات فلا يرده إلا أن يقبله البائع؛ لأن امتناع الرد لحق البائع وقد رضي به البائع.

ولو أن نصرانياً اشترى من نصراني خمراً وتقابضا، ثم أسلما، ثم وجد المشتري بالخمر عيباً لا يرده بالعيب، وإن قبله البائع كذلك، ولكن يرجع بنقصان العيب، فإن لم يرجع بنقصان العيب حتى صار الخمر خلاً لم يرده بالعيب، إلا أن يرضى البائع.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : رجل اشترى الجوز أو البيض فيكسره فيجده فاسداً فله أن يرده ويأخذ الثمن كله، قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: يريد به إذا وجده خاوياً علي أو وجده منتن اللب أو وجد البيض مذرة؛ لأنه تبين

(6/570)


أن البيع لا يصح لما نبين بعد هذا إن شاء الله، أما إذا وجده قليل اللب أو وجد لبه فاسداً ولم يكن مكتنزاً فهو من باب العيب وليس من باب الفساد وقد تعذر الرد بسبب الكسر فيرجع بنقصان العيب إلا أن يرضي البائع بأن يأخذه مكسوراً، حتى لو وجده بهذه الصفة قبل الكسر كان له الرد بسبب العيب؛ لأن الرد ممكن.
والمسألة على هذا التفسير مذكورة في «المنتقى» ، وصورة ما ذكر ثمة إذا اشترى جوز فكسره فوجده فاسداً، فإنه يرده ما بقي ويأخذ الثمن، وإن كان ما كسر ينتفع به وله ثمن بأن كان قليل اللب أو كان أسود اللب، فإنه لا يرده ولا يرد ما بقي، ولكن يرجع بنقصان العيب فيما كسر، قال ثمة: فهذا عيب والأول ليس بعيب بل هو عدم، وهذا إذا كسره ولم يعلم بالعيب أما إذا كسره وهو عالم بعيبه صار راضياً فيبطل حقه في كل وجه.

ثم ما ذكر في «الكتاب» مستقيم في البيض، فإنه لا قيمة لقشره، فإذا وجده فاسداً يتبين أن المبيع لم يكن مالاً فتبين أن البيع كان باطلاً لعدم مصادفته محله فيرده ويرجع بجميع الثمن، وفي الجوز أيضاً مستقيم إذا لم يكن للقشر قيمة أما إذا كان للقشر قيمة بأن كان في موضع يعد الحطب ويستعمل قشر الجوز استعمال الحطب فوجد خاوياً، اختلف المشايخ فيه منهم من قال: يرجع بحصة اللب ويصح العقد في القشر بحصته؛ لأن العقد في حق القشر صادف محله، ومنهم من قال: يرد القشر بجميع الثمن؛ لأن مالية الجوز قبل الكسر باعتبار اللب دون القشر، فإذا كان اللب لا يصلح للانتفاع به لم يكن محل البيع موجوداً وإن كان للقشر قيمة فتبين أن العقد وقع باطلاً، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي.
وإذا اشترى بيض نعامة فكسرها ووجدها مذرة ذكر بعض المشايخ في شرح «الجامع الصغير» : أنه يرجع بنقصان العيب ولا يرجع بجميع الثمن؛ لأنه ينتفع بقشرها فكونها مذرة يكون عيباً فيها فيرجع بنقصان العيب فهذا الفصل يجب أن يكون بلا خلاف؛ لأن مالية بيض النعامة قبل الكسر باعتبار القشر وما فيه بخلاف قشر الجوز على قول بعض المشايخ، وأما إذا كسر بيض النعامة فوجد فيها فرخاً ميتاً اختلف فيه المتأخرون، منهم من قال: لا يجوز؛ لأنه اشترى شيئين وأحدهما ميت فلا يجوز كما بعد الانفصال، ومنهم من قال: يجوز؛ لأن الميت في معدته ومثل هذا لا يمنع جواز العقد كما إذا اشترى جارية وفي بطنها ولد ميت.

وأما إذا وجد (98أ3) البعض فاسداً، لم يذكر في «الكتاب» ، وحكي عن الفقيه أبي جعفر أنه قال: إذا اشترى ألفاً أو ألوفاً من الجوز فوجد فيها عيباً أو وجدها خاوية لا يرجع بشيء؛ لأن الكثير من الجوز لا ينجو عن مثل هذا في العرف والعادة، وهو نظير التراب في الحنطة، ثم إنه جعل فلولا في الألف والألوف جميعاً وما ورد على ذلك البيض فقد حكي عن الفقيه أبي جعفر أيضاً أنه قال: إذا اشترى مائة بيضة فوجد فيها واحداً أو اثنين أو ثلاثة مذرة لا يكون له أن يرجع بشيء، وجعل الثلاثة في المائة قليلاً.
وأما إذا اشترى عشرة من الجوز فوجد فيها خمسة خاوية اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: يجوز العقد في الخمسة التي فيها لب بنصف الثمن بالإجماع، وقال بعضهم: يفسد العقد في الكل بالإجماع، وبعضهم قالوا: العقد يفسد في الكل عند أبي

(6/571)


حنيفة؛ لأنه جمع في العقد بين ما له قيمة وبين ما لا قيمة له فصار كالحر والميتة، وعندهما يصح العقد في الخمسة التي فيها لب بنصف الثمن وهو الأصح؛ لأن هذا بمعنى الثمن المفضل عندهما، فإن الثمن ينقسم على الأجزاء لا على القيمة.

وكذلك إذا اشترى بطيخاً وكثيرها منتناً لا تصلح لأكل أحد من الناس ولا لعلف الدواب، فإنه يرجع بجميع الثمن، فإن كان لا يصلح لعلف الدواب، أو كان قشره يصلح لعلف الدواب فهذا من باب العيب فيرجع بنقصان لتعذر الرد بسبب الكسر، وكذلك إذا اشتراه فوجده مراً أوكان يصلح لعلف الدواب أو يتكلف بعض الناس لأكله فهذا من باب العيب، وإن كان لا يصلح لأكل أحد من الناس ولا لعلف الدواب فالعقد باطل وعلى هذا حكم الثمار وغيره من الفواكه.
وفي «المنتقى» : اشترى بطيخاً بدرهم عدداً وكسر واحداً بعد القبض فوجده فاسداً لا ينتفع به فله أن يرجع بحصتها ولا يرد غيرها، وقال: وليس البطيخ في هذا كالجوز، يريد به أن في الجوز إذا وجد بعضه فاسداً رده كله.

قال: واللوز والفستق والبندق والبيض نظير الجوز والرمان والسفرجل والقثاء والخيار نظير البطيخ.
وفي «المنتقى» : اشترى دابة وقبضها فسرقت من يده، ثم علم بها عيباً لم يكن له أن يرجع إلى البائع بنقصان العيب رواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة.
وفيه أيضاً: اشترى ثوباً فقطعه لابن صغير له ثوباً وخاطه فوجد به عيباً فليس له أن يرجع بنقصان العيب، ولو كان الابن كبيراً رجع؛ لأن الوجه الأول: الهبة تمت بالقطع ولم يمتنع الرد بالقطع، فإن البائع لو رضي به يجوز فكانت الهبة في حال لم يكن الرد ممتنعاً، فيبطل بها حق الرد وهو الأصل، فيبطل الحلف وهو الرجوع بنقصان العيب، أما في الوجه الثاني: الهبة إنما تتم بالتسليم وبالخياطة امتنع الرد فالهبة وقعت في حال كان حق الرد باطلاً، وثبت حق الرجوع بنقصان العيب فلا يمنع الرجوع بنقصان العيب، وكذلك لو قطع لمملوكه أو لأم ولده فله أن يرجع بنقصان العيب.
وفي «فتاوي الفضلي» : اشترى بعيراً قبضه فلما أدخله داره سقط فذبحه إنسان فنظروا إلى أمعائه فوجدوها فاسدة فساداً قديماً، ينظر إن ذبحه الذابح بغير أمر المشتري، لم يرجع المشتري على البائع بالنقصان؛ لأن الذابح يضمن القيمة، وإن ذبحه بأمر المشتري يرجع المشتري عند أبي يوسف ومحمد بمنزلة ما لو اشترى طعاماً فأكله، ثم وجد به عيباً، فإنه يرجع بنقصان العيب.
وإذا اشترى حملاً وظهر به عيب فوقع فانكسر عنقه فنحره، ليس له أن يرجع على البائع بشيء؛ لأن النحر حصل بعد العلم بالعيب وذلك يمنع الرجوع بالنقصان.
رجلان لكل واحد منهما بعير فتبايعا وتقابضا، ثم وجد أحدهما عيباً في البعير الذي اشتراه فمات في يده وقد مرض البعير الآخر فله الخيار، إن شاء رجع بحصته العيب من الآخر وإن شاء رجع بحصته العيب من قيمة البعير الآخر صحيحاً، وإنما نحر لمرض البعير الآخر.

(6/572)


ولو اشترى عبداً بجارية وتقابضا فوطء المشتري الجارية، ثم رأى العبد صاحبه فلم يرضه، أو وجد به عيباً فرده يخير، إن شاء ضمن مشتري الجارية قيمتها يوم قبضها مشتريها، وإن شاء أخذ الجارية ولا يضمنه النقصان إن كانت بكراً ولا العقر إن كانت ثيباً؛ لأن الوطء حصل في ملك المشتري الواطئ.

نوع آخر منه في دعوى العيب والخصومة فيه وإقامة البينة عليه
يجب أن يعلم أن العيب نوعان: ظاهر يعرفه القاضي بالمشاهدة والعيان كالقروح والعمى والإصبع الزائدة وأشباهها، وباطن لا يعرفها القاضي بالمشاهدة والعيان.
والظاهر أنواع: قديم كالأصبع الزائدة ونحوها، وحديث لا يحتمل الحدوث من وقت البيع إلى وقت الخصومة كأثر الجدري وما أشبه ذلك، وحادث يحتمل الحدوث من البيع إلى وقت الخصومة كالجراحات وما أشبهها، وحادث لا يحتمل التقدم على مدة البيع.
وأما الباطن فنوعان: نوع يعرف بأثار قائمة كالثيابة والحبل والذاء في موضع لا يطلع عليها الرجال، ونوع لا يعرف بآثار قائمة كالسرقة والإباق والجنون، فإن كانت الدعوى في عيب ظاهر يعرفه القاضي بالمشاهدة ينظر إليه، فإن وجده سمع الخصومة ومالا فلا، ثم إذا سمع الخصومة، فإن كان العيب قديماً أو حادثاً لا يحدث من وقت البيع إلى وقت الخصومة كان للمشتري أن يرد؛ لأنا عرفنا قيامه للحال بالمعاينة وتيقنا بوجوده عند البائع إذا كان لا يحدث مثله، أو لا يحدث في مثل هذه المدة فيرده المشتري، إلا أن يدعي البائع سقوط حق المشتري الرد بالرضا أو غيره ويكون القول قول المشتري فيه مع يمينه، ثم عند طلب البائع يمين المشتري يحلف المشتري باتفاق الروايات وعند عدم طلبه هل يحلف المشتري عامة المشايخ على أنه لا يحلف في ظاهر الرواية.

ورأيت في «المنتقى» رواية عن أبي يوسف: أن المشتري إذا أراد الرد بعيب لا يحدث مثله يحلف بالله ما علم بالعيب حين اشتراه ولا رضي به منذ علم ولا عرضهُ على بيع. قال: وكان أبو حنيفة يقول: لا أحلف المشتري حتى يدعي ذلك البائع، قال: وأجب إلى أن استحلفه وإن لم يدع البائع ذلك، وعن أبي حنيفة رواية أخرى: أن المشتري لا يحلف على ذلك من غير فصل.
ثم كيف يحلف المشتري أكثر القضاة على أنه، يحلف بالله ما سقط حقك في الرد بالعيب من الوجه الذي يدعيه لا نصاً ولا دلالة وهو الصحيح.
وإن كان عيباً يحتمل الحدوث في مثل هذه المدة ويحتمل التقدم عليه، أو كان مشكلاً فالقاضي يسأل البائع أكان به هذا العيب في يدك، فإن قال: نعم كان للمشتري حق الرد إلا أن يدعي البائع سقوط حق المشتري في الرد ويثبت ذلك بنكوله أو بالبينة، فإن أنكر فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن للمشتري بينة على كون هذا العيب عند البائع.

(6/573)


ثم كيف يحلف البائع. (98ب3) ذكر في «الأقضية» في موضع: يحلف بالله لقد بعته وما به هذا العيب، وهذا الإنكار يصح لجواز أنه حدث به هذا العيب بعد البيع قبل التسليم، وإنه يكفي لثبوت حق الرد. وذكر في موضع آخر منه: أنه يحلف بالله لقد بعته وسلمته وما به هذا العيب، وهكذا ذكر محمد رحمه الله في «الجامع» والقدوري في «كتابه» . وهذا لا يكاد يصح لجواز أن العيب حدث بعد البيع قبل التسليم، وإنه يكفي للرد، فمتى حلفناه عليهما كان البائع باراً في يمينه لو كان العيب حادثاً بعد البيع قبل التسليم، فيبطل حق المشتري في الرد.

وذكر في كتاب الاستحلاف: أنه يحلف بالله لقد سلمته بحكم هذا البيع وما به هذا العيب، وهذا لا يكاد يصح أيضاً لجواز أنه كان، إلا أن المشتري رضي به أو أبرأه عنه، فالاعتماد على ما روى بشر عن أبي يوسف: أنه يحلف بالله ما لهذا المشتري قبلك حق الرد بالعيب الذي يدعيه، وهذا تحليف على الحاصل، وإنه موافق لمذهب محمد رحمه الله في كثير من المسائل على ما يأتي بيانه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وإن كان عيباً لا يحتمل التقدم على مدة البيع، فالقاضي لا يرده على البائع؛ لأنه تيقن بانعدامه في يده، وأما إذا كان البيع باطناً، فإن كان يعرف بآثار قائمة في البدن، وكان ذلك في موضع يطلع عليه الرجال، فإن كان للقاضي بصارة بمعرفة الأمراض ينظر بنفسه في ذلك، وإن لم يكن له بصارة في ذلك يسأل عن من له بصارة في ذلك ويعتمد على قول مسلمين عدلين وهو أحوط والواحد يكفي، فإذا أخبره واحد مسلم عدل بذلك يثبت العيب بقوله في حق توجه الخصومة فيحلف البائع ولا يرد بقول هذا الواحد هكذا ذكر بعض المشايخ في «شرح الجامع» وفي «شرح أدب القاضي» الخصاف.

وذكر بعض المشايخ في «شرح المبسوط» : أنه ما لم يتفق اثنان عدلان من الأطباء لا يثبت العيب في حق توجه الخصومة، فبعد ذلك ينظر إن كان هذا العيب لا يحتمل الحدوث في مثل هذه المدة عرف ذلك بقول الواحد أو المثنى أو أشكل عليهما ذلك اختلفوا فيما بينهم، فإنه لا يرد على البائع بل يحلف، وإن كان هذا العيب لا يحتمل الحدوث في مثل هذه المدة بأن عرف وجوده بقول الواحد لا يرد ويحلف البائع، وإن عرف وجوده بقول المثنى ذكر في الأقضية، وفي القدوري: أنه يرد بقولهم، وهكذا ذكر في «شرح الجامع» ، وعن أبي يوسف: أنه لا يرد بقول المثنى ويحلف البائع؛ لأنهم لا يهتدون عن حقيقة الأمر، وإنما يشهدون عما لا يصلح حجة للرد، وفي «أدب القاضي» للخصاف: أن قبل القبض يرد بقول المثنى وبعد القبض يحلف البائع، وإن كان عيباً لا يطلع عليه إلا النساء كالحبل وما أشبه ذلك، فالقاضي يريها النساء، الواحدة (من) النساء العدلة يكفي والثنتان أحوط، فإذا قالت واحدة عدل: أنها حبلى أو قالت اثنتان ذلك بقيت في حق توجه الخصومة، فبعد ذلك أن قالت أو قالتا حدث في مدة البيع لا يرد على البائع ولكن حلف البائع، فإن نكل الآن يرد عليه، وإن قالت أو قالتا كان ذلك بعد القبض لا يرد ولكن يحلف البائع؛ لأن شهادة النساء حجة ضعفة والعقد بعد القبض

(6/574)


قوي، ولا يجوز فسخ العقد القوي بحجة ضعفة. وإن كان ذلك قبل القبض فكذلك لا يرد بقول الواحد هل يرد بقول المثنى؟ ذكر بعض مشايخنا: أن على قياس قول أبي حنيفة لا يرد، وعلى قولهما يرد. وذكر الخصاف في «أدب القاضي» : أنه لا يرد في ظاهر رواية، أصحابنا وفي «القدوري» : أنه لا يرد في المشهور من قول أبي يوسف ومحمد؛ لأن ثبوت العيب بشهادتين أمر ضروري ومن ضرورة ثبوت العيب توجه الخصومة لما ليس من ضرورته الرد فيحلف البائع، فإذا نكل فقال: بدت بشهادتين بنكوله فيثبت الرد. وروي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة مطلقاً: أنه يثبت الرد بشهادتهن؛ لأن شهادة
النساء فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطلع الرجال، وعن محمد في رواية ابن سماعة مطلقاً: أنه يثبت الرد بشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال إلا في الحبل؛ لأن معرفة الحبل غير ممكن؛ لأن الحبل من جملة ما توخى الله علمه بنفسه، أما معرفة ما سوى الحبل حقيقة ممكن بالنظر إليه فجاز الرد بشهادتهن. وفي «النوادر» عن أبي يوسف: أن قبل القبض يثبت الرد بشهادتهن بخلاف ما بعد القبض، والفرق: أن شهادة النساء وإن كانت حجة ضعيفة إلا أن العقد قبل القبض ضعيف أيضاً، ولهذا ملك المشتري الرد بالعيب قبل القبض من غير قضاء ولا رضا ويجوز فسخ العقد بحجة ضعيفه بخلاف ما بعد القبض.

وفي «المنتقى» ابن سماعة عن أبي يوسف: اشترى جارية فقبضها وادعى أنها رتقاء أريها النساء، فإن قلن هي رتقاء رددتها على البائع وكذلك إذا ادعى أن بها كية قديمة في موضع لا ينظر إليه إلا النساء قال وأرد في مثال هذا بقول امرأة واحدة، قال ثمة: وحكي عن محمد بن الحسن مثل ذلك.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل اشترى جارية وادعى أن لها حبلاً وأراد ردها بعد يوم أو يومين أو ثلاثة، فإن القاضي يحلف البائع البيتة بالله لقد بعتها وما بها حبل، وإن قال المشتري للقاضي: حلفه ما يعلم أن بها حبلاً فالقاضي يحلفه، فإن حلف على ذلك لا يحلف البتة حتى يشهد نساء أنها حامل، فإذا شهد بذلك حلف على ذلك البته على نحو ما ذكرنا، فإن لم يحلف على العلم حلف البتة لقد باعها وما بها حبل.
وفي «نوادر هشام» عن محمد: اشترى جارية وادعى أن بها حبلاً وأحضر أمرأة عدلة شهدت بذلك، قال: أقبل شهادتها على أن استحلف البائع بالله لقد باعها وقبضها المشتري وما هي يومئذ بحامل، وإذا لم تشهد المرأة قلت للبائع: أهي حامل عندك الساعة، فإن لم يقر قلت: أحلف ما هي عندك الساعة حامل.

وعن إبراهيم عن محمد: أن من اشترى في آخر جارية وادعى أنها خنثى يحلف البائع على ذلك؛ لأن هذا من جملة ما لا يطلع عليه الرجال والمرأة فيعذر معرفة ما وقع فيه الدعوى من جهة غيرها فيعتبر الدعوى والإنكار، والجواب في دعوى الاستحاضة في حق حكم الرجوع إلى النساء لتوجه الخصومة وفي الرد بشهادتهن قبل القبض وبعده كالجواب في دعوى الحبل على الوجه الذي ذكرنا كذا ذكر في كتاب «الاستحلاف» .

(6/575)


ولكن إذا شهد الرجال على الاستحاضة قبلت شهادتهم؛ لأن درور الدم يراه الرجال فجاز أن يثبت بشهادتهم. وأما إذا ادعى المشتري انقطاع حيضها وأراد ردها بهذا السبب لا يوجد لها رواية في المشاهير، وحكي عن الحاكم الإمام أبي محمد الكوفيين أنه قال: يسأل المشتري أولاً عن مقدار مدة الانقطاع، فإن ادعى الانقطاع في مدة يسيرة لا يعد (99أ3) عيباً، وإن ادعى الانقطاع في مدة كثيرة سمعت دعواه؛ لأن الناس يعدونه عيباً، فحينئذٍ يسأل البائع: أهي كما ادعاه، فإن قال: نعم، سأله: أكانت منقطعة الحيض عنده، فإن قال: نعم، ردها بإقراره عليه، وإن قال: هي كذلك للحال، ولكن ما كانت منقطعة الحيض عنده، وإنما حدث هذا العيب في يد المشتري توجهت الخصومة على البائع لتصادقهما على قيام العيب في الحال، فإن طلب المشتري يمين البائع يحلف البائع على ذلك.

وكيفية الاستحلاف فيه كما في دعوى سائر العيوب، فإن حلف برئ، وإن نكل يرد عليه؛ لأن نكوله بمنزلة إقراره، وإنه حجة ملزمة، فإن شهد للمشتري شهود على انقطاع الحيض عند البائع لا تقبل شهادتهم بخلاف ما لو شهدوا على كونها مستحاضة، والفرق أن الاستحاضة درور الدم، وإنه مما يوقف عليه، أما انقطاع الحيض على وجه يعد عيباً لا يقف عليه الشهود، فقد تيقن القاضي بكذبهم، فلا يقبل شهادتهم.
وإن أنكر البائع انقطاع حيضها للحال هل يستحلف البائع على ذلك؟ على قول أبي حنيفة لا يستحلف، وعلى قولهما يستحلف.
بعد هذا يحتاج إلى بيان المدة اليسيرة والكثيرة. قالوا: ويجب أن تكون هذه المسألة نظير مسألة مدة الاستبراء إذا انقطع الحيض، وفي تلك المسألة الروايات مختلفة، فعن أبي يوسف: قدر الكثير بثلاثة أشهر، وعن محمد: أنه قدر الكثير بأربعة أشهر وعشر، ثم رجع وقدر الكثير بشهرين وخمسة أيام. وعن أبي حنيفة وزفر: أنهما كانا يقدران الكثير بسنتين. وإذا عرفت المدة الكثيرة، فما دون ذلك يكون يسيراً، والكثير عيب دون اليسير.
فإن كان القاضي مجتهداً كان له أن يقضي بما أدى إليه اجتهاده من هذه الأقاويل، وإن لم يكن مجتهداً ليأخذ بالمدة التي اتفق عليه أصحابنا أنها كبيرة وهي سببان حتى لا يكون خروجاً عن أقاويلهم. وإذا ادعى الانقطاع في مدة كثيرة ينبغي أن يدعي الانقطاع بأحد الشيئين إما الداء أو الحبل حتى تسمع دعواه.
الدليل عليه ماذكر في «فتاوي الفضلي» : إذا اشترى جارية وهي طاهرة فامتد طهرها ولم تحض من غير ظهور الحبل بها ليس له أن يردها على بائعه مالم يدع ارتفاع الحيض بالحبل أو بالداء؛ لأن الارتفاع بدون هذين الشيئين لايعد عيباً والمرجع في الحبل إلى قول النساء، والمرجع في الداء إلى قول الأطباء.
وإذا أخبرت امرأة بالحبل أو طبيبان بالداء فتمام المسألة ماكتبناها قبل هذا، ويعتبر في ذلك أقصى ماينتهي إليه ابتداء حيض النساء عادة وذلك تسعة عشر سنة عند أبي حنيفة.
ذكر الصدر الشهيد في بيوع «الجامع الصغير» وفي دعوى الحبل: لو قالت امرأة

(6/576)


واحدة أن بالجارية حبلاً، وقالت امرأتان أو ثلاثة ليس بها حبل تتوجه الخصومة على البائع بقول ملك المرأة ولا يعارضها قول المرأتان والثلاث في أنهما ليس بها حبل، فإن قال البائع للقاضي: المرأة التي تقول انها حامل جاهلة ينبغي للقاضي ان يختار لذلك امرأة عالمة تقى ههنا.

فصل آخر

لابد من معرفته أن الاستحاضة وانقطاع الدم والحبل لأهل له يثبت بقول الجارية، وقد ذكر في كتاب الاستحلاف ما يدل على أنه لا يثبت، فقد ذكر ثمة: أن من اشترى أمة وادعى بها حبلاً واستحاضة فالقاضي لايجعل بين البائع وبين المشتري خصومة حتى تشهد امرأة أو امرأتان بها حبلاً أو استحاضة، وبهذا تبين ان ما ذكره الصدر الشهيد في «الجامع الصغير» : أنه لا يقف عليها غيرها غير مستقيم، وإن الطريق إقرار البائع أو إشهاده في الاستحاضة والحبل، وفي الانقطاع إقرار البائع.
وأما إذا كان العيب باطناً لايعرف بآثار قائمة بالبدن نحو الإباق والجنون والسرقة والبول في الفراش، فإنه يحتاج إلى إثباته في الحال؛ لأنه لايعرف عياناً وطريق معرفة ثبوته على ماذكره محمد في «الجامع» أن القاضي يسأل البائع عن ذلك إذا صح دعوى المشتري، وإنما تصح دعوى المشتري إذا ادعى أن هذه العيوب كانت في يد البائع وقد وجدت في يد المشتري إلا أن في الجنون يصح دعوى المشتري إذا ادعى هذا القدر، وفي الإباق والسرقة والبول في الفراش لابد لصحة الدعوى من زيادة شيء وهو أن يقول المشتري هذه العيوب كانت في يد البائع وقد وجدت في يد المشتري والحالة واحدة ويعني باتحاد الحالة أن يكون وجودها في يد البائع وفي يد المشتري قبل البلوغ وبعده.
أما لو كانت في يد البائع قبل البلوغ ووجدت في يد المشتري بعد البلوغ فهذا لا يكفي لصحة الدعوى والسؤال للبائع، وفي الجنون سواء كان الجنون في يد البائع والمشتري قبل البلوغ، أو كان في أيديهما بعد البلوغ، أو كان في يد البائع قبل البلوغ فهذا يكفي لصحة الدعوى ولسؤال البائع، وهذا؛ لأن الجنون عيب واحد؛ لأن سببه واحد وهو آفة تخل الدماغ ففي أي حالة وجد في يد المشتري فهو عين ماكان في يد البائع.

أما في الإباق وأشباهه: يختلف العيب باختلاف الحالة لاختلاف السبب فسبب الاباق والسرقة في حالة الصغر قلة العقل وبعد البلوغ سببه قلة المبالاة، وسبب البول في الفراش قبل البلوغ ضعف المثانة وبعد البلوغ داء في الباطن.
وإذا اختلف سبب العيب باختلاف الحالة يختلف العيب واختلاف العيب يمنع الرد، ثم إذا صح دعوى المشتري فالقاضي يسأل البائع أنها هذا العيب في الحال، فإذا أقر به ثبت العيب في حق توجه الخصومة فيسأل أكان هذا العيب بها عندك، فإن أنكر يحلف على الثبات، وإن أنكر البائع قيام هذا العيب للحال، فإن أقام المشتري بينة على ذلك يثبت قيام العيب للحال وتوجهت الخصومة على البائع في أن هذا العيب هل كان بها

(6/577)


في يده. وإن لم يكن للمشتري بينة على ذلك وطلب من القاضي أن يحلف البائع بالله ما يعلم قيام العيب به في الحال.

ذكر في «الجامع الكبير» : أنه يحلفه ونسب الجواب إلى أبي يوسف ومحمد فإنه معصوم ومحمد أنه يحلف ولم يذكر قول أبي حنيفة، من مشايخنا من قال: ماذكر عن الجواب قول الكل إلا أنه لم يذكر قول أبي حنيفة لا لأن قوله يخالف قولهما بل؛ لأنه لم يحفظ قوله.
وحكى القاضي أبي الهيثم عن القضاة الثلاثة أن المسألة على الخلاف، على قول أبي حنيفة لايحلف، وحكي عن الفقيه أبي إسحاق الحافظ أنه قال: وجدت في كتاب الاستحلاف لمحمد ابن سلمة أن المسألة على الخلاف فوجه قولهما: أنه ادعى عليه معنى لو أقر به يلزمه فعند الانكار يستحلف كما في سائر الدعاوي، ولأبي حنيفة أن اليمين لدفع الخصومة مستحقة لإنشائها (99ب3) ومتى استحلف البائع ههنا لاتنقطع الخصومة بينهما بل تتحقق بينهما خصومة أخرى في أن هذا العيب هل كان عند البائع ويستحلف البائع مرة أخرى، ولا كذلك سائر الدعاوي.

وفي «المبسوط» في «أدب القاضي» للخصاف: جعل طريق معرفة ثبوت هذه العيوب للحال البينة، فقال: لايثبت للمشتري حق الخصومة مع البائع مالم يقم بينة على وجود هذه العيوب في يد نفسه، فإن لم تكن له بينة وطلب يمين البائع فهو على الاختلاف الذي مر، وإذا ثبت وجود هذه العيوب في يد المشتري وأنكر البائع كونها عنده ولم يكن للمشتري بينة فاحتيج إلى تحليف البائع، كيف يحلف البائع؟.
فعلى رواية بشر بن الوليد: يحلف بالله لهذا ملك الرد بالسبب الذي يدعيه. وذكر في «الأقضية» في الجنون، بالله ما جن عندك قط، وفي الإباق والسرقة يحلف بالله ماسرق وما بال في الفراش عندك حتى بلغ مبلغ الرجال، وهذا بناء على ما قلنا: إن الجنون لا يختلف بالاختلاف الحالة وماعداه من السرقة والإباق والبول في الفراش يختلف باختلاف الحالة، واتحاد العيب شرط ثبوت حق الرد. ثم إذا اختلفا (المشتري و) البائع، فإن حلف بريء عن دعوى المشتري، وإن نكل يرد عليه بنكوله ولا يحلف المشتري على الرضا من دعوى البائع عند أبي حنيفة ومحمد وقدر هذا.
ثم إذا ادعى البائع ذلك كيف يحلف المشتري، أكثر القضاة على أنه يحلف بالله ما سقط حقك في الرد من الوجه الذي يدعيه البائع لاصريحاً ولا دلالة، وقال أبو بكر الرازي: يحلف بالله إنك محق في ردك العبد على البائع فقيل له: إن الاستحلاف مشروع على النفي وهذا استحلاف على الإثبات أيضاً، فإن المودع إذا ادعى الرد وهلاك الوديعة فإنه يستحلف على الرد وعلى الهلاك وهذا استحلاف على الإثبات.
قال في «كتاب الأقضية» : اشترى جارية وظفر المشتري بشجة كانت عند البائع وحلف القاضي البائع فنكل، ردها المشتري عليه، فادعى البائع بعد ذلك أنها حبلت في يد المشتري وهي حبلى في هذه الساعة فالقاضي يسأل المشتري عن ذلك، فإن قال

(6/578)


المشتري: مالي بها علم فالقاضي يريها النساء، فإن قلن: هي حبلى لا يثبت الرد بقولهن، ولكن تتوجه الخصومة على المشتري فيحلف القاضي المشتري بالله ماحدث هذا الحبل عندك، فإن حلف فلا شيء عليه والرد على حاله كما كان، إن نكل يثبت ما ادعاه البائع فيردها على المشتري؛ لأن رد المشتري على البائع لم يصح هنا؛ لأنه ردها مع عيب زائد وفيه ضرر للبائع أن يدفع ذلك الضرر عن نفسه بأن يرد الجارية على المشتري، ولكن إنما يردها على المشتري مع نقصان عيب الشجة؛ لأنه تعذر الرد بعيب الشجة فيلزم البائع نقصان عيب الشجة، فإن قال البائع للقاضي: أنا أمسك الجارية مع (عيبها) ولا أضمن نقصان عيب الشجة كان له ذلك؛ لأن حق الرد إنما يثبت للبائع هنا دفعاً للضرر عنه بالرد عليه بعيب زائد، فإذا اختار إمساك الجارية فقد أسقط حق نفسه ورضي بذلك الضرر، فكان له ذلك ولا يلزمه نقصان الشجة هنا وأنه ظاهر.

ولو أن القاضي حين سأل المشتري عن الحبل قال المشتري: إن هذا الحبل كان عند الباع ولم أعلم به سمع دعواه؛ لأن الحبل عيني لايظهر إلا بعد مدة فيحتمل وجوده عند البائع، وإن لم يظهر إلا في هذا الوقت فصار المشتري بدعوى وجود هذا الحبل عند البائع مقراً بوجوده عنده لكن لم يثبت وجوده عند البائع؛ لأن قول المشتري ليس بحجة على البائع إن كان حجة على نفسه، فيحلف البائع، فإن حلف لم يثبت وجوده عند البائع، وقد أقر المشتري بوجوده عنده فكان للبائع أن يرد الجارية عليه ويرد معها نقصان عيب الشجة، وإن نكل عن اليمين ظهر أن هذا العيب كان عند البائع، وظهر أن هذا الرد كان صحيحاً.
t

قال: ولو كان القاضي حين قضى برد الجارية على البائع بعيب الشجة فقبل أن يرد المشتري الجارية على البائع قال البائع: إنها حبلى، وهذا حبل حدث عند المشتري وقال المشتري: لا بل كان عند البائع فالقاضي لا يعجل في الرد ويحلف البائع على ما ادعى المشتري عليه أنه حدث عنده ولا يمين على المشتري هنا، بخلاف الفصل الأول، فإن هناك يحلف المشتري في تلك المسألة الرد قديم والبائع يريد نقض ذلك الرد وردها على المشتري ما دام المشتري ينكر، فلا يملك البائع ذلك بيمين نفسه فيكون اليمين على المشتري، وهنا الرد لم يتم بعد فيجعل في الحكم كأن القاضي لم يقض بالرد فكان المشتري مدعياً الرد على البائع والبائع ينكر فكان القول قول البائع مع يمينه، لكن هذا الفرق يشكل بالوجه الثاني، فإن في الوجه الثاني الرد قديم والبائع يريد نقض ذلك الرد مع هذا يحلف البائع، وإنما الفرق الصحيح أن يقال: بأن في الفصل الأول المشتري منكر وجود الحبل عنده فيحلف على ذلك، وههنا مقر بوجود الحبل عنده حيث أقر بوجوده عند البائع، فلا يحلف المشتري على وجود الحبل عنده وهو مقر بذلك، ولكن المشتري ادعى أن هذا الحبل الموجود في يده كان عند البائع، والبائع ينكر فيحلف البائع كما في الوجه الثاني.
قال محمد: رجل باع نصف عبد له من رجل بخمسين ديناراً وباعه النصف الآخر

(6/579)


بمائة دينار، ثم إن المشتري وجد العبد أعور فقال البائع: حدث عندك أيها المشتري، وقال المشتري للبائع: كان عندك فالقول قول البائع وعلى المشتري البينة، وإن لم يكن للمشتري البينة يحلف البائع، ويقال للمشتري: أتخاصم البائع في النصف الأول أو في النصف الثاني أو فيهما؛ لأن كل واحد من النصفين معقود عليه بإيراد العقد عليه على حدة واختلاف الأسباب ينزل اختلاف الأعيان.
ولو كانا عينين كان له أن يخاصم في أيهما شاء، وإن شاء خاصم فيهما كذا هنا، فإن قال: أنا أخاصم في الآخر وأقف في الأول لأتأمل أكان العيب عنده أم لا، كان ذلك، ويستحلف البائع على النصف الآخر، فإن نكل رد ذلك على البائع، وإن حلف لزم المشتري. وإذا حلف البائع، ثم إن المشتري خاصم من بعد في النصف الأول فأراد أن يستحلفه فقال البائع لما حلفت أنه لا عور عند البيع الثاني كان ذلك متى حلف أنه لا عور به عند البيع الأول بطريق الضرورة فلا أحلف مرة أخرى لايلتفت إلى ذلك؛ لأن هذه اليمين في النصف نفت الخصومة فلا تعتبر، ألا ترى أنه لو حلف المدعى عليه بعد الخصومة (100أ3) قبل طلب المدعي لا يعتبر يمينه فهذا أولى.
وكان الفقه في ذلك: أن اليمين أحد نوعي الحجة للمدعي كالبينة، ثم إن البينة لا تعتبر قبل وجود الدعوى فكذا اليمين، ثم إذا حلف في النصف الأول، فإن حلف لم يرد عليه شيء، وإن نكل عن هذا اليمين لزمه النصف الأولى، فإن قال المشتري: إن العيب واحد وقد ثبت بنكوله فأرد عليه النصف الآخر لا يلتفت إلى ذلك، وهذا لا يشكل على قول أبي حنيفة؛ لأن عنده النكول بدل، وبدل الفسخ في أحد النصفين لا يكون بدلاً للفسخ في النصف الآخر، وإنما يشكل عندهما النكول إقرار.
ولو أقر البائع بالعيب يوم باع النصف الأول كان للمشتري أن يرد عليه النصفان، ولكن الوجه في هذا أن يقال: بأن الإقرار حجة مطلقة في حق المقر، فإذا ثبت العيب بإقراره في النصف الأول ثبت في النصف الباقي؛ إذ يستحيل أن يكون العيب قائماً بأحد النصفين شائعاً ولا يكون قائماً في النصف الآخر، فأما النكول ليس بإقرار حقيقة ولكن جعل إقراراً ضرورة قطع الخصومة فيعتبر إقرار في محل الخصومة ههنا النصف الأول دون الثاني.

وكذلك لو خاصمه المشتري في النصف الأول قبل أن يخاصمه في النصف الثاني فنكل البائع عن اليمين فرد عليه النصف الأول، ثم أراد رد النصف الثاني بذلك النكول لم يكن له ذلك حتى يخاصمه فيه خصومة مستقبلة لما قلنا فلا يفيد، وإن أراد المشتري أن يخاصم في النصفين جميعاً يحلف البائع فيهما يميناً واحداً؛ لأن الدعاوي إذا اجتمعت وتوجهت من واحد على واحد والجنس متحد يكفي يمين واحدة، أصله حديث القسامة.
وألا ترى أن من ادعى أموالاً مختلفة على رجل فطلب يمينه في الكل يحلف يميناً واحداً؟ فكذا هنا يحلف يميناً واحداً بالله لقد باعه النصف الأول وسلمه إليه وما به هذا العيب، وباعه النصف الثاني وسلمه إليه وما به هذا العيب، فإن حلف فيهما برئ عنهما،

(6/580)


وإن نكل فيهما لزماه وإن حلف في أحدهما ونكل في الآخر لزمه، ما نكل فيه وبرئ عما حلف فيه.

قال محمد في «الجامع» أيضاً: رجلان باعا من رجل عبداً صفقة واحدة أو صفقتين فمات أحد البائعين وورثه البائع الآخر، ثم طعن المشتري بعيب في العبد، فإن شاء خاصمه في أحد النصفين، وإن شاء خاصمه في النصف ألأخر وقيام الحلف كقيام الأصل، فإن خاصمه المشتري فيما باعه بنفسه حلفه على الثبات بالله لقد بعته وسلمته وما به هذا العيب؛ لأن هذا تحليف على فعل نفسه فيكون على الثبات، وإن خاصمه بالذي باشر البيع مورثه، حلفه بالله لقد باعه وسلمه إليه، ولم يعلم به هذا العيب؛ لأن هذا تحليفه على فعل الغير فيكون على العلم، فإن حلف في أحدهما لم يقع به الاستغناء عن اليمين في النصف الآخر، وإن نكل في أحدهما لم يكن ذلك لازماً في النصف الآخر لما قلنا، وإن جمع بين النصفين في الخصومة فلا يخلو إما أن يكون البيع صفقة أو صفقتين، فإن كان صفقتين حلفه على النصفين ويجمع بين اليمين بالله لقد بعته بالنصف وسلمته وما به هذا العيب، ولقد باعه صاحبك بصفة وسلمه وما يعلم بهذا العيب وهذا بالاتفاق.

فأما إذا كانت الصفقة واحدة فكذلك الجواب عند محمد، وعند أبي يوسف يكتفي باليمين على نصيبه خاصته على الثبات ويبرأ ذلك عن يمينه في النصف الذي باعه مورثه.
محمد رحمه الله سوى بين الصفقة والصفقتين وقال: بأن الصفقة ههنا، وإن كانت متحدة صورة فهي متعذرة حكماً، ولهذا كان للمشتري أن يخاصم البائع في أي نصف شاء، ولو كانت الصفقة متعذرة ومعنى يحلف على النصفين فكذلك إذا كانت متعذرة صورة.
يوضحه: أن الوارث في نصيب المورث قام مقام المورث، ولو كان المورث حياً فاليمين في نصيب أحدهما لا ينوب عن اليمين في نصيب صاحبه فهنا كذلك، وأبو يوسف رحمه الله يفرق بين الصفقة والصفقتين ويقول بأن الصفقة إذا كانت واحدة، وحلف على أحد النصفين لا يكون في التحليف على النصف الآخر فائدة إذ لا يتصور أن يكون العيب عند بيع أحد النصفين دون الآخر إذ وقت بيع النصفين واحد، فإذا استحلف على النصف الذي باعه على الثبات لا يمكنه الحلف لو كان به العيب فيحصل ما هو المقصود من الاستحلاف وهو النكول فاكتفى باليمين على الثبات في النصف الذي باعه مورثه، ولم يجعل على القلب، باعتبار أن اليمين على الثبات أقوى من اليمين على العلم، فإن في اليمين على الثبات يحنث، علم بالعيب أو لم يعلم، وفي اليمين على العلم لا يحنث ما لم يعلم بالعيب، والأقوى ينوب عن الأضعف أما الأضعف لا ينوب عن الأقوى، بخلاف ما لو كان البيع بصفقتين متفرقتين فقد تصور أن يكون العيب عند بيع أحد النصفين دون الآخر؛ لأن وقت بيع أحد النصفين غير وقت بيع النصف الآخر فلو اكتفى بالاستخلاف على النصف الذي باعه يمكنه الحلف إذا لم يكن العيب قائماً وقت بيعه، وبخلاف ما إذا كان مورثه حياً؛ لأن هناك ربما يكون أحدهما أودع من صاحبه فينكل

(6/581)


بنوع اشتباه لا ينكل به الآخر، فكان في استحلاف كل واحد منهما فائدة، أما ههنا فبخلافه، وبخلاف ما إذا خاصمه في أحد النصفين فحلف البائع، ثم خاصمه في النصف الآخر حيث لا

يكتفي باليمين الأولى ولا ثبوت الأولى عن الثانية؛ لأن اليمين في النصف الأول لسبق الدعاوي في النصف الآخر، ولا يعتبر اليمين قبل الدعوى، أما ههنا وجدت الدعوى في النصفين فجاز أن ثبوت اليمين في النصف الذي باعه عن اليمين في النصف الذي باع مورثه.

قال في «الجامع» أيضاً: متفاوضان باعا عبداً، ثم غاب أحدهما وطعن المشتري في العبد بعيب، فله أن يخاصم هذا الحاضر ويحلفه؛ لأن كل واحد منهما أصيل فيما باع وكيل عن صاحبه في الخصومة وكفيل عنه فيما التزم، وصاحبه التزم تسليم العبد سليماً فيكون كفيلاً عنه في ذلك، فلهذا يحلف، فإن نكل لزمه وإن حلف لم يلزمه، فإن حلف الحاضر، ثم حضر الغائب فأراد المشتري استحلافه كان له ذلك؛ لأن صاحبه فيما باشر لكونه أصيلاً فيحلف الآخر لكونه كفيلاً؛ لأن تحلف الأصيل لا يسقط الحلف عن الكفيل وفيما باشر هذا الذي حضر آخراً استخلف الأول لكونه كفيلاً فيحلف الذي حضر لكونه أصيلاً؛ لأن تحلف الكفيل لا يسقط حلف الأصيل.
فرق بين هذا وبين ما إذا وجب لهما حق على رجل فاستحلف أحدهما الخصم، ثم حضر الأخر ليس له أن يستحلفه؛ لأن الاستحلاف يحتمل النيابة من جانب (100ب3) الطالب فصار استحلاف أحدهما لكونه وكيلاً عن الآخر كاستحلافهما، فأما في مسألتنا الكلام في الحلف والحلف لا يحتمل النيابة، وإنما يحلف كل واحد منهما فيما باع صاحبه بحكم الكفالة لا بحكم النيابة، وحلف الكفيل لا يسقط حلف الأصيل، ثم فرق بين الاستخلاف والحلف في جريان النيابة وعدم جريانه، والفرق: أن ما هو المقصود من اليمين للمدعي لا يفوت بالنيابة في الاستحلاف؛ لأن المقصود بكون المدعي عليه، وفي هذا استحلافه واستحلاف ما بينه سواء، أما هذا المقصود يفوت بالنيات في الحلف؛ لأن كل من وجب عليه اليمين يثبت فاسقاً لا يتورع عن اليمين الكاذبة فلهذا افترقا، ثم كيفية التحليف أنه يحلف الحاضر منهما بالله لقد باعه النصف وسلمه وما يعلم بهذا العيب، فإذا حضر الآخر حلف على هذا الوجه أيضاً إن كان العقد بصفقتين بالاتفاق، وكان صفقة واحدة فكذلك عند محمد وعند أبي يوسف يستحلف يميناً واحدة على الثبات في النصف الذي باع، وقد مر هذا فيما تقدم.

نوع آخر في اختلاف الواقع فيه
وعن محمد في «الإملاء» : إذا اشترى الرجل من آخر عبدين بألف درهم صفقة واحدة ووجد عيباً بأحدهما بعد ما قبضهما، ثم اختلفا في قيمتهما يوم وقع البيع فقال المشتري: كان قيمة المعيب ألفي درهم وقيمة الآخر ألف درهم، وقال البائع: على عكس هذا، لم يلتفت إلى قول واحد منهما، وينظر إلى قيمة العبدين يوم يختصمان فيه،

(6/582)


فإن كانت قيمة كل واحد منهما يوم الخصومة ألف درهم رد المعيب خاصة بنصف اليمين بعد ما حلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه.

وإن أقاما جميعاً البينة على ما ادعيا أخذ بنيتهما جميعاً فيما ادعيا من الفضل فيجعل قيمة المردود ألفي درهم على ما شهد به شهود المشتري ويجعل قيمة الآخر ألفي درهم على ما شهد به شهود البائع فيرد المشتري المعيب يتضمن الثمن.
ولو مات أحدهما والآخر قائم ووجد بالقائم عيباً واختلفا في قيمة القائم، وفي قيمة الميت ولا بينة لهما، فالقول قول البائع في قيمة الهالك، فالبينة بينة البائع أيضاً، ولو لم يقيما بينة على قيمة الهالك، وأقاما البينة على قيمة الحي فالبينة بينة المشتري.
وفي «النوازل» : اشترى خلاً في خابية وحمله في جرة له فوجد فيهما فأرة ميتة فقال البائع: هذه الفأرة كانت في جرتك، وقال المشتري: لا بل كانت في خابيتك فالقول قول البائع؛ لأنه ينكر العيب.
وفي «فتاوي أهل سمرقند» : اشترى دهناً بعينه في آنية بعينها وأتى على ذلك زمان فلما فتح رأس الآنية وكان رأسها مشدوداً منذ قبضها ووجد فيها فأرة ميتة وأنكر البائع أن تكون في يده فالقول قول البائع؛ لأنه ينكر العيب وتأويل المسألة إذا كان رأسها مشدوداً وقت القبض ولم يعلم انفتاحها بعد ذلك إلى أن وجد فيه الفأرة ولا عدمه، أما لو عرف استمرار الشد وعدم انفتاح رأس الآنية التي وجد فيها الفأرة فالقول للمشتري وله الرد.
وإذا اشترى عبداً وقبضه، ثم جاء به وقال: وجدته محلوق اللحية وأنكر البائع فالقول قول البائع، فإن أثبت المشتري أنه محلوق اللحية اليوم، فإن لم يكن أتى على البيع وقت يتوهم خروج اللحية عند المشتري له أن يرد؛ لأنه العيب عند البائع وإن كان أتى على البيع مثل ذلك لم يرد ما لم تقم البينة أنه كان محلوق اللحية على البائع أو يستحلفه فينكل.
وإذا ادعى المشتري عيباً بالمبيع والبائع يعلم أن هذا العيب كان به وقت البيع وبينه أن لا يأخذها حتى يقضي القاضي عليه بردها؛ لأنه لو أخذها بغير قضاء لم يكن له أن يردها على بائعه.

وفي «المنتقى» : رجل باع من آخر عبداً وقبضه المشتري وطعن به لعيب، وقال: اشتريته اليوم ومثله لا يحدث في اليوم، وقال البائع: بعته منذ شهر ومثله يحدث في الشهر فالقول للبائع.
وفيه أيضاً: اشترى من آخر جارية ووجد بها عيب فخاصم البائع إلى صاحب الشرطة والسلطان لم يوله الحكم فقضى على البائع وردهما إليه وقضى للمشتري بالثمن كله وبيع المشترى (قبل) أن يأخذ الثمن منه؛ لأنه يعلم أن البائع قد كان دلّس العيب.
وفيه أيضاً: اشترى دابة وأراد أن يردها بعيب فقال البائع: قد ركبتها في حوائجك بعدما علمت بالعيب، وقال المشتري: لا بل ركبتها لأردها عليك فالقول قول المشتري، وتأويل المسألة على قول بعض المشايخ: إذا كان لا يمكنه الرد إلا بالركوب.

(6/583)


وفيه أيضاً: رجل اشترى من رجل غلاماً بجارية ووجد مشتري الجارية بالجارية عيباً وردها واختلفا في الغلام فالقول قول الذي في يده الغلام.
وفيه أيضاً: رجل باع من آخر جارية وقال: بعتها وبها قرحة في موضع كذا وجاء المشتري بالجارية ولها قرحة في ذلك الموضع وأراد ردها، فقال البائع: ليست هذه القرحة، والقرحة التي أقررت بها قد برئت وهذه قرحة حادثة عندك، فالقول قول المشتري، وكذلك لو قال البائع: بعتها وإحدى عينيها بيضاء وجاء المشتري بالجارية وعينها بيضاء، وأراد أن يردها فقال البائع: كان البياض بعينها اليمنى وقد ذهب وهذا بياض حادث بعينها اليسرى، وكذلك إذا قال البائع بعتها: وبرأسها شجة إلى آخر المسألة، فإن قال البائع: في فصل الشجة كانت شجته موضحة فصارت منقلة عندك، فالقول قول البائع في هذا، وكذلك في فصل بياض العين لو قال البائع: كانت نكتة بياض ازداد عندك والعين مبيضة كلها أو عامتها فالقول قول البائع، وإن كانت بعينها نكتة بياض فقال البائع، كان البياض مثل الخردل أقل من هذا إذا جاء من هذا أمر متقارب جعلت القول قول المشتري، وإن تفاوت فالقول قول البائع.

ولو قال: بعتها وبها حمى فجاء المشتري محمومة يريد ردها فقال البائع: زادت الحمى لا يصدق البائع وكان للمشتري أن يردها، ولو قال البائع: بعتها وبها عيب وجاء المشتري وبها عيب وأراد ردها فقال البائع: لم يكن بها هذا العيب وإنما كان كذا وكذا فالقول قوله؛ لأن العيوب مختلفة.
ولو قال: بعته وبه عيب في رأسه فجاء به المشتري وأراد إن يرده بعيب برأسه فالقول قول المشتري أنه هذا العيب وإن كذبه البائع.
والحاصل: أن البائع إذا نسب العيب إلى موضع وسماه فالقول قول المشتري، وإذا لم ينسب إلى موضع بل ذكره مطلقاً فالقول قول البائع.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا اشترى جارية وقبضها، ثم ادعى أن لها زوجاً وأراد ردها فقال البائع: كان لها زوج عندي ولكن مات عنها أو طلقها وانقضت عدتها، ثم بعتها فالقول قول البائع؛ لأنه ينكر ثبوت حق الرد؛ لأن النكاح إنما يثبت حق الرد (101أ3) على تقدير البقاء، فإذا أنكر البقاء إلى وقت البيع فقد أنكر ثبوت حق الرد، وإن قال البائع: كان لها زوج فلان عين الزوج إلا أنه طلقها قبل البيع فكذلك الجواب القول قول البائع ما دام الزوج غائباً، فإذا حضر الزوج، فإن صدق البائع في الطلاق لا يثبت للمشتري حق الرد؛ لأنه لم يثبت العيب وإن كذبه وقال: ما طلقتها فالقول قول الزوج؛ لأنهم اتفقوا على وجود النكاح ولم يثبت الطلاق بمجرد قول البائع فكان للمشتري حق الرد بعيب النكاح، وهذا الفصل مشكل؛ لأن ثبوت النكاح ههنا مضاف إلى تصديق المشتري، فإنه لولا تصديق المشتري ما ثبت النكاح بإقرار البائع، لحصول الإقرار بعد زوال ملكه، وحصول العيب مضافاً إلى المشتري لا يثبت له حق الرد، وإن قال البائع: كان لها زوج بعد البيع إلا أنه طلقها منذ التسليم، أو قال: بعد التسليم لم يقبل قوله؛ لأن البائع أقر بقيام النكاح وقت البيع، ثم ادعى رداً له والمشتري ينظر.

(6/584)


ولو كان لها زوج عند المشتري فقال المشتري للبائع: قد كان هذا الزوج عندك وقال البائع: كان زوجها عندي غير هذا وطلقها ذلك الزوج أو مات عنها، وقال المشتري: بل هو هذا فالقول قول البائع ولا يكون للمشتري حق الرد؛ لأن ما أقر به البائع بطل بتكذيب المشتري وما ادعاه المشتري لم يثبت لعدم تصديق البائع بخلاف ما تقدم؛ لأن هناك اتفقا على عيب واحد متصل بالعقد فكان القول قول من ينكر زواله.
واستشهد محمد رحمه الله في «الكتاب» فقال: ألا ترى أن رجلاً لو اشترى عبداً أو قبضه فمات عند المشتري فادعى المشتري أن البائع باعه وبإحدى عينيه بياض ومات هو كذلك؟ وقال البائع: كان ذلك لكنه زال قبل البيع فالقول قول البائع، ولو قال: زال عنه بعد البيع فالقول قول المشتري، ولو قال البائع: كان البياض بعينه اليمنى فزال عندك وقد حدث البياض عندك باليسرى، وقال المشتري: بل البياض عندك كان باليسرى كان القول قول البائع. إن ما أقر به البائع بطل بتكذيب المشتري وما ادعاه المشتري لم يثبت لعدم تصديق البائع بخلاف ما تقدم؛ لأن هناك اتفقا على عيب واحد متصل بالعقد فكان القول قول من ينكر زواله.
قال في «الجامع» أيضاً: رجل اشترى من آخر جارية، ثم أقام بينة أن لها زوجاً معروفاً غائباً لا قبل هذه الشهادة؛ لأن هذه بينة قامت لغائب أو على غائب وليس عنه خصم حاضر، وطعن أبو حازم القاضي في جواب هذه المسألة فقال: ينبغي أن يقبل هذه البينة؛ لأن الحاضر يدعي لنفسه حق الرد ولا يتوصل إلى إثباته إلا من بعد إثبات حق الغائب، وهو النكاح في مثل هذه الصورة ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب في إثبات حقه إذا كان للحاضر حق فيما هو حق للغائب، أو يكون ما هو حق الغائب سبب حق الحاضر أما إذا لم يكن فلا.

ألا ترى أن من تزوج امرأة فادعت أنه كان تزوج أختها قبلها وأقامت على ذلك بينة والأخت غائبة لا تقبل بينتها؟ وإن كان لو ظهر نكاح أختها حصل الخلاص عن حبالة هذا الزوج، ولكن قبل لما لم يكن لها حق في نفس النكاح، ولم يكن النكاح سبب حقها لم تثبت هي خصماً عن أختها، إذا ثبت هذا فنقول: حق الغائب النكاح والنكاح ليس حق الحاضر ولا يثبت حقه في الرد بالعيب والنكاح ليس بسبب للرد بل الموجب للرد التزام البائع تسليم المعقود عليه سليماً، ولكن ظهور العيب كما أن عند ظهور الإحصان يجب الرجم بزنا المحصن لا بنفس الإحصان، وكما أن عند يسار الحالف تجب الكفارة بالعتق باليمين لا ننفس اليسار فكذا ههنا، وإذا لم يكن للحاضر حقاً في النكاح ولم يكن النكاح سبب حق الحاضر لا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب.
وكذلك لو شهد الشهود أن لها زوجاً ولم يعرفوه فشهادتهم باطلة؛ لأنهم شهدوا بالنكاح لمجهول، ولو شهدوا بالنكاح لغائب معروف لا تقبل شهادتهم، فإذا شهدوا لغائب مجهول أولى. ولو شهدوا على إقرار البائع أن لها زوجاً معروفاً غائباً، أو على إقراره بأن لها زوجاً مجهولاً صح؛ لأن هذه شهادة على إقرار البائع وهو معلوم حاضر بخلاف الوجه الأول على ما مر.

(6/585)


قال في «الكتاب» : ألا ترى أنه لو شهد الشهود أن لفلان على فلان شيئاً أو غصب منه شيئاً كان باطلاً، ولو اشهدوا على إقراره أنه غصب من فلان شيئاً كان ذلك جائزاً؟ فكذا هنا، وهناك كذلك وإذا قبلت الشهادة ظهر النكاح فكان للمشتري أن يردها مع يمينه بالله ما يعلم أن الزوج مات عنها أو طلقها طلاقاً بائناً، هكذا ذكر في «الجامع» من مشايخنا من قال: هذا إذا ادعاه البائع فأما بدون الدعوى فالقاضي لا يحلف المشتري؛ لأنه نصب لفصل الخصومات، وذلك إنما يكون عند الدعوى، والأصح أن القاضي يحلف المشتري على هذا في الحالين صيانة لقضائه.
وإذا اشترى خادماً وقبضه وطعن بعيب فيه فجاء بالخادم ليرده فقال البائع: ما هذا بخادمي، وقال المشتري: هذا خادمك الذي اشتريته فالقول قول البائع مع يمينه؛ لأن المشتري لا يملك الفسخ بخيار العيب إلا بقضاء أو رضاء ولم يوجد قضاء فلم ينفسخ البيع، بفسخه نفى المشتري بما يدعي في هذا العين المعين مدعياً حق الفسخ لنفسه والبائع ينكر فيكون القول قول البائع، كما لو تصادقا أن المبيع هذا إلا أن المشتري ادعى عيباً فيه آخر والبائع ينكر، وهناك القول قول البائع كذا ههنا.
m

نوع آخر منه
رجل قال لآخر: إن عبدي هذا أبق فاشتره مني فقال له الآخر: بكم تبيعه فقال: بكذا فاشتراه منه، ثم وجده المشتري آبقاً فليس له أن يرده، فإن باعه المشتري من آخر فوجده المشتري الثاني آبقاً فأراد أن يرده وأنكر المشتري الأول أن يكون آبقاً فأقام المشتري الثاني بينة على مقابلة البائع الأول لم يستحق به شيئاً؛ لأن البائع الأول أخبر أن عبده أبق لكن لم يجعل ذلك وصفاً للإيجاب فلم يصر إيجاب المشتري منتظماً لذلك، فلم يصر المشتري مقراً بذلك العيب وصار البائع الأول معترفاً بإباقة، واعترافه حجة عليه وليس بحجة على المشتري الأول.

ولو قال البائع الأول للمشتري الأول: بعتك هذا العبد على أنه أبق أو على أني بريء من إباقه والمسألة بحالها كان للمشتري الآخر أن يرده على المشتري الأول؛ لأن البائع الأول جعل الإباق وصفاً لإيجابه فصار جواب المشتري قبولاً لذلك الوصف، كأنه قال: اشتريته على أنه آبق، ولو قال هكذا كان مقراً بإباق العبد كذا هنا. ولو قال البائع الأول: بعت على أني بريء من الإباق ولم يقبل من إباقه لم يرده المشتري الآخر على المشتري الأول ما لم يقم البينة على أنه باعه وهو آبق؛ لأن البائع وإن جعل الإباق (101ب3) صفة لإيجابه إلا أنه ذكر الإباق مطلقاً غير مضاف إلى العبد فصار إيجاب المشتري منتظماً كذلك على سبيل الإطلاق وبهذا لا يصير مقراً بوجود العيب فيه، ألا ترى أن البيع قد يكون بشرط البراءة عن كل عيب وذلك لا يكون إقراراً بوجود كل عيب فيه بخلاف قوله على أني بريء من إباقه؛ لأنه أضاف الإباق إلى العبد بالهاء الذي هو كناية عنه فصار جواب المشتري قبولاً بذلك الوصف فصار مقراً بذلك أما ههنا فبخلافه.
وفي «المنتقى» : رجل أقر على عبده بدين، ثم باعه من آخر ولم يذكر الدين، ثم

(6/586)


باعه المشتري من آخر ولم يذكر الدين، فإن للمشتري الآخر أن يرده على بائعه بذلك الإقرار الذي كان من البائع الأول؛ لأن الدين لازم للغريم أن يرد البيع فيه وليس هذا كالإقرار بالإباق قبل البيع وبعده في حق فسخ البيع الآخر بين المشتري الآخر وبين بائعه الذي لم يقر بالإباق، والإقرار بالزوج كالإقرار بالدين في أن المشتري الآخر يرد على بائعه بالإقرار الذي كان من البائع الأول.
وفيه أيضاً: رجل أقر أن أمته أبقت منه، ثم وكل وكيلاً أن يبيعها ولم يبين أنها آبقه فباعها مأموره وكتم ذلك الإقرار وتقابضا، ثم علم المشتري بذلك الإقرار وأراد ردها به على بائعه وكذبه بائعه وقال: لم تأبق، أو كان الإقرار من المولى بعد ما باع الوكيل وتقابضا فليس للمشتري أن يردها على الوكيل.

ألا ترى أن المضاف أو شريك العنان لو باع أمة، ثم أقر رب المال أو الشريك بعيب فيها ليس بظاهر لم يكن للمشتري أن يردها على البائع بذلك الإقرار، ولو أن الموكل قال للوكيل إن عبدي آبق فبعه وابرأ من إباقه، فباع الوكيل ولم يبرأ من الإباق، ثم علم المشتري بمقالة الموكل قبل القبض فله أن يرده بذلك، وليس هذا كالمسألة الأولى التي لم يبين رب العبد فيها الإباق للوكيل، فإن هناك لا يجوز إقراره على بعض بيع الوكيل.
قال: ولو كان هذا في رب المال والمضارب لم يكن للمشتري أن يرده بإقرار رب المال على المضارب علل فقال: لأن رب المال لو نهى المضارب عن البيع كان له أن يبيعه.
وفيه أيضاً: لو وكل رجلاً ببيع عبد له فأقر الوكيل أنه أبق ولا يعلم أنه أقر به قبل الوكالة أو بعد الوكالة، ثم باع العبد من رجل وتقابضا، ثم اطلع على مقالة الوكيل فله أن يرد على الوكيل، وليس للوكيل أن يرده على الموكل، ولو كان المشتري سمع إقرار الوكيل بذلك قبل البيع، ثم اشتراه منه لم يكن له أن يرده على الوكيل.
وفيه أيضاً: إذا باع رجل من رجل عبداً وأقر البائع والمشتري بإباقه وكان ذلك منهما في عقد البيع، ثم باعه المشتري من آخر وكتم الثاني من الآخر على أنه مأمون وليس بآبق، ثم علم المشتري الآخر بالإباق وبما جرى بين البائع الأول والمشتري الأول من إقرارهما وقت جريان البيع لم يكن له أن يرده، ولا يكون إقرار المشتري الأول بإباقه نافذاً على من لم يشتر منه من الباعة.

ولو أن المشتري الأول اشتراه من غير إقرار منه ومن البائع الأول بإباقه، ثم أقام المشتري الأول بينة على إباقه ورد القاضي على البائع الأول، ثم إن البائع الأول باعه من ذلك المشتري أو من رجل آخر، وباعه المشتري من رجل وباعه المشتري الثاني من رجل آخر، ثم علم المشتري الآخر بالإباق وبما جرى بين المشتري الأول وبائعه من رد القاضي العبد عليه بالإباق ببينة قامت فله أن يرد على بائعه؛ لأن البينة حجة في حق الناس كافة.

(6/587)


وفيه أيضاً: إذا اشترى من آخر جارية، ثم ادعى أنها آبقة وأقام البينة على إباقها وردها القاضي بذلك أقام رجل بينة أنها أمته ولدت في ملكه وقضى القاضي له بالجارية، ثم باعها مأمونة فخاصمه المشتري في إباقها واحتج عليه بحكم الحاكم بالإباق فله أن يردها.
رجل اشترى عبداً فساومه رجل فيه فقال له المشتري: اشتره مني، فإنه ليس به عيب فلم يتفق بينهما بيع، ثم إن المشتري وجد بالعبد عيباً يحدث مثله فخاصم فيه البائع وأقام بينة أنه كان عند البائع وأقام البائع بينة أنه قال عند المساومة: اشتر مني، فإنه لا عيب به لا يلتفت إلى هذه البينة ويقضى بالرد على بائعه؛ لأن بإقالة المشتري كذب معين؛ لأن هذا نفي لكل العيوب والإنسان لا يخلو عن قليل العيب عادة، ومن العيوب بالآدمي ما لا يقف عليه غيره غالباً فيسقط اعتبار حقيقة هذا اللفظ حمل على المجازة هو ترويج السلعة. ولو قال للذي ساومه: اشتر فإنه ليس به عيب كذا فلم يتفق بينهما بيع، ثم إن المشتري ادعى ذلك العيب وأراد أن يرده على بائعه بذلك فليس له ذلك؛ لأن العمل بحقيقة ممكن؛ لأن الآدمي يخلو عن عيب واحد معين فكان ذلك منه إقرار في ذلك العيب فلا تسمع دعوى وجود ذلك العيب منه بعد ذلك.

ولو كان مكان العبد ثوباً وباقي المسألة بحالها، لا تسمع دعواه ولا يرده على بائعه في الوجهين جميعاً؛ لأنا لم نتيقن بكذبه؛ لأن عيوب الثوب مما يوقف عليه ولو كان العيب مما يحدث مثله أصلاً أو لا يحدث مثله في هذه المدة رد القاضي العبد على بائعه؛ لأنه صار مكذباً فيما أقر حقيقة، ولو صار مكذباً فيما أقر شرعاً ليس أنه يلتحق إقراره بالعدم كذا هنا.

نوع آخر منه
وإذا أصاب الإمام والجند غنائم في دار الحرب فأخرجوها إلى دار الإسلام فباع الإمام أو بعض أمنائه الغنائم لمصلحة رآها حتى جاز البيع، فوجد المشتري بجارية عيباً لا يدري أكان العيب يوم الشراء أو لم يكن، لم يكن له أن يخاصم الإمام في الرد بالعيب؛ لأن بيع الإمام خرج على وجه القضاء بالنظر للغانمين، ولو صار خصماً في هذا البيع خرج بيعه من أن يكون قضاء، فإن القاضي لا يصلح خصماً.
وإذا عرفت هذا الحكم في حق القاضي فكذا في حق أمينه؛ لأن أمنيه نائب عنه هذا بخلاف ما إذا نصب الإمام وصياً عن الميت بالتصرف حيث تلحقه العهدة؛ لأنه نائب الميت ولكن ينصب القاضي، والميت كان يصلح خصماً في حياته فكذا نائبه.
وإذا لم يصلح الإمام خصماً ولا نائبه كان للإمام أن يجعل أمينه خصماً للمشتري ابتداء وإن شاء نصب آخر دفعاً للضرر عن المشتري، فإن أقام المشتري البينة على الخصم أن العيب كان بالجارية يوم اشتراها ردها عليه، وإن لم يكن أراد استحلاف من يخاصمه لا يستحلف؛ لأن المقصود من الاستحلاف النكول الذي هو قائم مقام الإقرار، ولو أقر هذا الخصم بالعيب لا يصلح إقراره للمعنى الذي قلنا فكذا هذا الذي نصبه الإمام إذا أقر

(6/588)


لا يصلح إقراره، وإذا (102أ3) لم يصح إقراره لما قلنا فالقاضي يخرجه عن الخصومة وينصب للمشتري خصماً آخر؛ لأنه لا وجه إلى الخصومة مع هذا الخصم؛ لأنه مقر بالعيب فينصب خصماً آخر نظراً للمشتري وإذا نصب القاضي خصماً آخر ورد المشتري الجارية على هذا الخصم الآخر ببينة أقامها فالقاضي يبيع الجارية ويوفي المشتري ثمنها، فإن كان الثمن الثاني مثل الثمن الأول فيها، وإن كان أنقص أعطاه الفضل من بيت المال، وإن كان الثمن الثاني أفضل جعل الفضل للفقراء إن كانت الجارية من الخمس، وإن كانت من الأربعة الأخماس جعل الفضل في بيت المال؛ لأن ذلك حق الغانمين وتعذر صرفه إلى كل الغانمين لكثرتهم وتفرقهم، وتعذر صرفه إلى بعض الغانمين لما فيه من إبطال حق البعض فكان بمنزلة اللقطة فيوضع في بيت المال، هذه الجملة من بيوع «الجامع» .

وفي «المنتقى» : رجل اشترى عبداً وباعه من أبيه، ثم مات الأب، والابن وارثه، لا وارث له غيره، ثم وجد الابن بالعبد عيباً قديماً لم يستطع رده وذكر عين هذه المسألة في «الزيادات» وزاد ثمة وباعه من مورثه في صحته، ثم مات المورث، وورثه هذا البائع لا وارث له غيره، ثم وجد بالعبد عيباً قد كان دلّسَهُ البائع الأول لا يكون له أن يرده؛ لأنه لا وجه إلى الرد على البائع الأول؛ لأن الملك هو المستفاد من جهة البائع الأول قد انعدم ببيع الوارث عن المورث، ولا وجه إلى الرد على نفسه؛ لأنه لو رد لرد لنفسه فيصير الواحد راداً ومردوداً عليه وأنه لا يجوز، ولا ينصب القاضي هنا وصياً عن الميت؛ لأنه لو نصبه إما أن ينصبه ليرده على الوارث أو على البائع الأول، ولا وجه إلى أن يرده على البائع الأول؛ لأنه ما جرى بينهما معاقدة والسبب المتحلل قائم، ولا وجه إلى أن يرده على الوارث؛ لأن في هذا إيجاب المورث الدين على الوارث بعد الموت وإنه مستحيل إذا لم يكن وارث آخر؛ لأن ما يجب من الدين للمورث على الولد بملك الوارث كما يملك سائر أملاكه.

وإذا ملك ما على نفسه يسقط ضرورة أن الإنسان لا يثبت له على نفسه دين فلم يكن في إيجاب الدين للمورث على الوارث فائدة.
قال مشايخنا رحمهم الله: وهذا إذا لم يكن على الميت دين فأما إذا كان عليه دين، فالقاضي ينصب خصماً للميت ليرد العبد على الوارث ولا يملك الوارث ما عليه؛ لأن دين المورث يمنع وقوع الملك للوارث فكان الرد مقيداً بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين.
قال في «المنتقى» : ولو كان مع هذا الابن ابن آخر ذلك الآخر خصماً فيه يرده على ابن البائع، ثم إنه يرده على بائعه.
وفي «الزيادات» أيضاً: رجل اشترى عبداً وباعه من وارثه في صحته بثمن معلوم وقبض الثمن، ثم مات البائع وورثه هذا المشتري، ولا وارث له غيره، ثم وجد به عيباً كان له أن يرد فينصب القاضي وصياً عن الميت ليرده الوارث عليه، والرد ههنا مفيد إذ لا يستحيل وجوب الدين للوارث على مورثه بعد الموت، ألا ترى أنه إذا حفر بئراً على قارعة الطريق ومات ووقع فيها دابة الوارث وهلكت وجبت قيمة الدابة للوارث على المورث إلا أنه لا يمكنه الخصومة مع المورث والرد عليه فينصب القاضي وصياً عن

(6/589)


المورث ليرد عليه الوارث، فإذا رد ارتفع السبب المتحلل بقضاء القاضي وعاد الملك المستفاد من جهة البائع الأول فيرده الوصي على البائع الأول ويأخذ الثمن منه ويدفعه إلى الوارث، فإن قبل رد الوارث إنما يكون للرجوع بالثمن ورجوع الوارث بالثمن يكون في تركة الميت وتركة الميت سالمة للوارث بغير مزاحم، فأي فائدة له في هذا.
قلنا: التركة سالمة للوارث إرثاً وبالرد والرجوع تسلم له التركة اقتضاء لدينه، وفيه فائدة حتى لا يتقدم عليه غريم آخر ولا يزاحمه وارث آخر إن ظهر، وهذا إذا نقده الثمن، فأما إذا لم ينقده الثمن لا يكون له الرد إذا لم يكن معه وارث آخر؛ لأنه لا فائدة في الرد في هذه الصورة؛ لأن فائدة الرد في مثل هذه الصورة استفادة البراءة عن اليمين وقد استعاد البراءة بالموت لاستحالة أن يجب للميت على وارثه دين.
وفي «المنتقى» : رجل اشترى لنفسه من ابنه الصغير وأشهد على ذلك، ثم وجد به عيباً فأراد أن يرده لنفسه على ابنه، ثم يرد لابنه على بائعه فليس له ذلك، ولكن بأن القاضي حتى يجعل لابنه خصماً يرده عليه، ثم يرده الأب لابنه الصغير على الذي اشتراه منه. وكذلك لو كان الأب باع من ابنه الصغير عبداً أو قبضه لابنه من نفسه، ثم وجد به عيباً وأراد رده على نفسه لابنه.

وفيه أيضاً: رجل باع عبداً بأمة وتقابضا، ثم وجد مشتري الأمة بالأمة إصبعاً زائداً وردها عليه بقضاء قاض وأخذ العبد، ثم إن مولى الأمة اطلع على أن مشتري الأمة قد كان وطئها قبل أن يستردها، والوطء لا ينقصها شيئاً وذلك بعدما ماتت الأمة في يدي الذي ردت إليه أو بعد ما باعها فليس له شيء، قال: لأنه قد كان له أن يرد الأمة ويأخذ العبد.

نوع آخر في المكاتب والمأذون يردان بالعيب
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : مكاتب اشترى ابنه لم يستطع بيعه؛ لأنه كما اشتراه صار مكاتباً عليه على ما عرف، والمكاتب لا يباع، فإن وجد به عيباً لا يرده بالعيب؛ لأن الكتابة تمنع البيع فيمنع الرد ولا يرجع بنقصان العيب، واختلفت عبارة المشايخ فيه بعضهم قالوا: لأن الكتابة كما تمنع الرد تمنع الرجوع بنقصان البيع؛ لأن الكتابة في معنى البيع من حيث إنها معاوضة قابلة للفسخ، والبيع كما يمنع الرد بالعيب يمنع الرجوع بنقصان العيب، وبعضهم قالوا: لأن الملك بهذا الشراء وقع للمولى فكأن المكاتب اشتراه، ثم باعه من المولى، ثم اطلع على عيب به، والبيع يمنع الرجوع بنقصان العيب وبعضهم قالوا: لأن الرجوع بنقصان العيب خلف عن الرد ولهذا لا يصار إليه مع القدرة على الرد، إنما يظهر حكم الخلف عند وقوع الناس عن الأصل ولم يقع الناس عن الأصل ههنا؛ لأن الكتابة قابلة للفسخ يمكن الرد، فإن عجز المكاتب الذي اشترى ابنه كان له أن يرده بالعيب؛ لأن المانع من الرد الكتابة وقد ارتفعت الكتابة بالعجز والرد في الرق فارتفع المانع، والمكاتب هو الذي يلي الرد والخصومة فيه؛ لأن العاقد هو، فإنه هو المشتري، فإن لم يخاصم المكاتب في ذلك حتى لو باعه المولى أو مات كان

(6/590)


(102ب3) الرد إلى المولى؛ لأن الملك للمولى، والمكاتب كان في معنى الوكيل عن المولى ألا ترى أنه يقع الرد عائداً إلى المولى وحكمه واقع له؟ فإذا تعذر الرد من جهة المكاتب بالموت أو بالبيع
صار كالوكيل بالشراء إذا مات قبل الرد بالعيب فهناك يثبت للمولى كل حق الرد كذا هنا. ولو أن المكاتب لم يعجز، ولكن أبرأ البائع عن العيب صح إبراؤه حتى لو عجز المكاتب بعد ذلك لم يستطع رده.
فإن قيل: كيف يصح الإبراء عن العيب إسقاط حق الرد وليس للمكاتب ههنا حق الرد فكيف يصح إسقاطه.
قلنا: سبب حق الرد وجوده وهو التزام البائع بالبيع تسليم المبيع تسليماً ولكن لم يثبت له حق الرد لمانع، وإسقاط الحق يعتمد سبب ثبوت الحق لاثبوت الحق لامحالة، ألا ترى أن إبراء الآخر المستأجر عن الآخر قبل استيفاء المنفعة صحيح وكذا تسليم الجار المنفعة مع وجود الشريك صحيح وإنما صح لما قلنا. وأقرب من هذا: الحر إذا اشترى عبداً وكاتبه، ثم وجد به عيباً ليس له أن يرده ولو أبرأه عن العيب صح حتى لو عجز ورد في الرق ليس له أن يرده، وإنما صح لما قلنا، فإن قيل: الإبراء عن العيب تبرع والمكاتب، ولكن تبرع هو من صنيع التجارة معهم ومثله يملك المكاتب كالتأجيل والإعارة واتحاد الضيافة اليسيرة بأقل من قيمته بما يتغابن الناس في مثله، وكذلك لو أبرأ المولى البائع عن العيب قبل العجز صح إبراؤه؛ لأن الملك للمولى على مامر والمكاتب بمنزلة الوكيل عن المولى، والموكل إذا أبرأ البائع عن العيب صح إبراؤه عن العيب كذا هنا، والذي ذكرنا من الجواب فيما إذا اشترى المكاتب ابنه فهو الجواب فيما إذا اشترى أباه أو أمه.

وأما إذا اشترى أخاه أو عمه أو أخته فهو على قول أبي يوسف ومحمد هو لا يتكاتبون معه فصار الجواب فيهم والجواب في الابن والأب على السواء، وعلى قول أبي حنيفة هؤلاء يتكاتبون معه فيملك ردهم بالعيب كما يملك بيعهم، فإن أبرأ المولى البائع قبل عجز المكاتب لايصح إبراؤه عنده؛ لأن المولى لايملكه لما لم يتكاتب، ولهذا لو أعتقه المولى لايصح إعتاقه فكان أجنبياً عنه فلم يصح إبراؤه عنه لهذا.

قال: وإذا اشترى المكاتب أم ولده ووجد بها عيباً إن كان معها ولد لايملك رد بيعها وإنما يملك بيعها؛ لأن الجارية في باب الاستيلاد تبع للولد، قال عليه السلام: «أعتقها ولدها» وقد امتنع الولد ههنا لما مر فيمتنع بيع الجارية ولكن يرجع بنقصان العيب فرق بين هذا وبين ما إذا اشترى ابنه، ثم وجد به عيباً فإنه كما لايرده بالعيب لايرجع عليه بنقصان العيب.
والفرق إما على المعنى الأول فلأنه لم يصر مكاتبه، وأما على الثاني؛ فلأنهما لم

(6/591)


يصر مملوكه للمولى، وأما على المعنى الثالث؛ فلأن الاستيلاد لا يحتمل الرفع فكان الأصل ميؤوس فيظهر حكم الخلف والمكاتب هو الذي يلي الرجوع؛ لأنه من حقوق العقد والمكاتب هو العاقد فكان الرجوع له إلا أن يموت أو يباع بعد العجز على ما مر، فإن إبراء المكاتب البائع عن العيب قبل العجز صح لما قلنا، وإن إبراء المولى لايصح؛ لأن المولى أجنبي عنها، فإنها لم تتكاتب عليه ولم تدخل في ملكه، ولهذا لو أعتقها المولى لايصح بخلاف الولد على ما مر، وإن لم يكن معها ولد فكذلك الجواب على قولهما، وعلى قول أبي حنيفة: له أن يردها بناء على أصل معروف، أن المكاتب إذا ملك أم ولده وليس معها ولد فعلى قولهما تصير أم ولد له ولا يتبعها، وعلى قول أبي حنيفة: لا تصير أم ولد له ويتبعها فهما سواء بينهما إذا كان معهما ولد وجعلها أم ولد له في الحالين.
وأبو حنيفة فرق، ووجه الفرق: أن المكاتب يشبه الحر من وجه ويشبه العبد من وجه فلشبهه بالأحرار جعلها أم ولد له إذا كان معها ولد ولشبهه بالعبيد لا يجعلها أم ولد له إذا لم يكن معهما ولد عملاً بالشبهين جميعاً.
قال: مكاتب أو حر اشترى عبداً أو كاتبه، ثم وجد به عيباً لايرده بالعيب لما قلنا: أن الكتابة مانعة أيضاً لما مر أن الكتابة مانعة من الرد بالعيب لكونها مانعة من البيع ولا يرجع بنقصان العيب أيضاً لما مر أن الكتابة في معنى البيع والبيع يمنع الرجوع بنقصان العيب، فإن إبراء المكاتب أو الحر البائع من العيب صح الإبراء حتى لايكون للمكاتب بعد العجز ولا للحر ولاية الرد بالعيب لما مر، ولو أبرأ المولى البائع قبل عجز المكاتب لايصح الإبراء؛ لأن المولى أجنبي عن اكتساب المكاتب وإنما يملك من يكاتب عليه لأجل الضرورة، فإن التكاتب عليه لا يكون إلا بعد الدخول في ملكه.

وكذلك وارث الحر إذا أبرأ البائع لايصح إبراؤه، وإن كان ذلك في مرض موت الحر؛ لأنه لاملك للوارث في مال مورثه في حال حياته، وفي مرض موته له شبهة الملك، والإبراء لا يثبت بالشبهة، ولهذا لو عفى عن جارح مورثه في الخطأ، لايبرأ، وإنما لم يبرأ لما قلنا: وإذا صح الإبراء للحال لايتوقف على ملك يحدث كالوارث إذا أعتق، ثم مات المولى إذا أعتق عبد المكاتب، ثم عجز المكاتب، فإنه لاينفذ لما قلنا، ولو أن المولى أبرأ البائع بعدما عجز المكاتب الأول قبل عجز الثاني صح الإبراء أما بعد عجز الثاني فلأنهما بالعجز صارا ملكاً للمولى، وأما قبل عجز الثاني فلأن يعجز الأول صار الثاني مملوكاً للمولى وصار المولى فيه قائماً مقام المكاتب ألا ترى أنه كان يصح من المكاتب الأول إبراء البائع قبل عجز المكاتب الثاني؟ فكذا من المولى.
أكثر ما في الباب أن الرد ممتنع، إلا أن سبب حق الرد موجود فحصل الإبراء بعد وجود سبب الحق فيصح على ما مر، وكذا وارث الحر إذا أبرأ البائع بعد موت المورث صح الإبراء؛ لأن الملك والحق له.

وكذلك رجل اشترى عبداً وباعه من آخر، ثم مات المشتري الأول، ثم ظهر بالعبد

(6/592)


عيب كان عند البائع الأول فإبراء وارث المشتري الأول البائع عن العيب صح الإبراء حتى لو رد العبد عليه صح الإبراء لا يستطيع رده على البائع، وإن كان الرد ممتنعاً في الحال وطريقه ماذكرنا.
أورد محمد رحمه الله هذه المسألة لبيان أن صحة الأداء لا تعتمد قيام الحق لامحالة بل كما يصح الإبراء عند قيام الحق يصح عند وجود سببه.
مكاتب اشترى عبداً وباعه من مولاه وتقابضا أولم يتقابضا حتى عجز المكاتب، ثم وجد المولى به عيباً لم يرده بالعيب؛ لأنه لو رد إما أن يرد على بائع العبد أو على (103أ3) العبد ولا وجه إلى الأول؛ لأن المولى استفاد ملكاً مبتدأً من جهة العبد فلم يملك الرد على بائع العبد ما لم يعد حكم البيع من العبد، وذلك بالرد على العبد ولا وجه إلى الرد على العبد لعدم الفائدة نيابة أن المولى إن نفذ الثمن ففائدة الرد وجوب الثمن ديناً في ذمة البائع والمكاتب بالعجز صار ملكاً للمولى، والمولي لا يستوجب على مملوكه ديناً، وإن لم ينفذ الثمن ففائدة الرد البراءة من الثمن، والمولى يعجز المكاتب ندى عن الثمن، إذ المملوك لا يستوجب على مالكه شيئاً ومالا يفيد لا يرد الشرع به على ما مر بهذا الطريق.
d
قلنا: إن من اشترى من آخر عبداً ولم ينقده الثمن حتى وهب البائع الثمن منه، ثم وجد بالعبد عيباً لا يرده، وإنما لا يرد لعدم الفائدة على نحو ما قلنا.

ولو كان المولى اشترى العبد أولاً من رجل وباعه من مكاتبه، ثم عجز المكاتب، ثم وجد المولى بالعبد عيباً وأراد المولى أن يرده على بائعه هل له ذلك؟ لم يذكر هذا الفصل في «الكتاب» . قال مشايخنا: وينبغي أن لا يكون له ذلك؛ لأنه باع ما اشترى منه فلا يملك الرد عليه ما لم يرتفع حكم البيع الثاني، وذلك بالرد وتعذر الرد بحكم البيع الثاني؛ لأن البائع الثاني هو المولى فيصير هو الرد والمردود عليه، وإنه باطل، وإذا تعذر الرد بحكم البيع الثاني تعذر بحكم الأول ضرورة عندما دون عليه دين مستغرق لرقبته.
اشترى عبداً وقبضه، ثم باعه من مولاه، إن باعه بمثل قيمته جاز بيعه بلا خلاف، أما على قول أبي حنيفة؛ فلأن هذا البيع يفيد له ملك العين وملك التصرف؛ لأن دين العبد إذا كان مستغرقاً يمنع الرد وقوع الملك للمولى في أكسابه، وأما قول أبي يوسف ومحمد؛ فلأن هذا البيع إن كان لا يفيد له ملك العين يفيد ملك التصرف؛ لأن دين العبد وإن كان لا يمنع وقوع الملك للمولى في أكسابه يمنع المولى عن التصرف، فهذا البيع يفيد له ملك التصرف، وأنه يكفي لنفاذ البيع أصله: شراء العبد المأذون، فإنه صحيح مع أنه لا يفيد له ملك العين لإفادته ملك التصرف، وكذا شراء رب المال شيئاً من مال المضاربة صحيح، وإنما صح لإفادته ملك التصرف هذا إذا باعه بمثل قيمته، وإن باعه وحابى فيه محاباه فاحشة أو يسيرة لا يجوز، فلم يتحمل في هذا العقد الغبن الفاحش ولا الغبن اليسير.
ومن هذا الجنس مسائل: أحدها هذه، والثانية: المضارب إذا باع ممن لا يقبل شهادته له، فإنه لا يتحمل فيه الغبن اليسير كما لا يتحمل منه الغبن الفاحش.

(6/593)


والثالثة: المريض إذا باع وعليه دين محيط بتركته، فإنه لا يتحمل منه الغبن الفاحش إذا باع رب المال شيئاً من مال المضاربة بعدما صار رأس المال عروضاً، فإنه لا يتحمل منه الغبن اليسير، كما لا يتحمل الغبن (الفاحش) ، والأصل منه أن كل من تمكنت التهمة في تصرفه لا يتحمل منه الغبن اليسير ولا الغبن الفاحش، قلنا: والعبد في تصرفه مع المولى متهم بالميل إليه، وكذلك المضارب متهم في بيعه ممن لا تقبل شهادته له، وكذلك المريض منهم لجواز أنه قصد إيثار المشتري على الغرماء، وعلم أنه لو أبرأ بطريق التبرع ينقض تبرعه بمال إلى طريق يروج إيثاره وهو المبيع، وكذلك رب المال متهم؛ لأنه بعدما صار رأس المال عروضاً لا يملك منع المضارب ونهيه عن التصرف لتعلق حقه في الربح، فلعل أنه قصد الإضرار بحرمانه عن الربح، ثم إذا باعه من مولاه بمثل قيمته حتى جاز هذا البيع فقبضه المولى ووجد به عيباً إن كان للمولى نقد، نقد الثمن لم يملك رده على العبد؛ لأنه لا يفيد؛ لأن فائدة الرد في مثل هذه الصورة الرجوع بالثمن وهو ممتنع ههنا؛ لأن المولى لا يستوجب على عبده ديناً سواء كان على العبد دين أو لم يكن؛ لأن محل الدين ملكه والإنسان لا يستوجب ديناً في ملك نفسه، ولا يرجع بنقصان العيب على العبد أيضاً؛ لأن ذلك القدر يصير ديناً له في ملكه.

فإن قيل: المولي قد يستوجب على عبده ديناً، فإنه إذا باع شيئاً من عبده المأذون المديون بالدراهم أو الدنانير، فإنه يجوز ويجب الثمن في ذمة العبد، فإن حكم البيع بالدراهم والدنانير وجوب الثمن في ذمة المشتري، على ما عرف من أصلنا: أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات.
قلنا: بيع المولى من العبد المأذون المديون عندنا لا ينعقد موجب الثمن في ذمة العبد، بل ينعقد فيما بين المتعاقدين مفيداً الملك في الدراهم المعينة عند القبض، على مثال البيع بشرط الخيار للمشتري لا ينعقد موجباً الثمن في ذمة المشتري؛ لأن خيار الشرط يمنعه، بل ينعقد فيما بين المتعاقدين مفيداً الملك في الدراهم المعينة عند القبض، وهذا لأن الدراهم والدنانير إن كانا لا يتعينان في عقود المعاوضات يتعينان عند القبض، فينعقد العقد فيما بين المتعاقدين في الحال مفيداً الملك عند التعيين بالقبض، وهذا الطريق مما لا يمكن بحقيقة في الفسخ فيما بين المتعاقدين من غير أن يعود الثمن ديناً في ذمة البائع، الأصل له في الشرع، وإن أراد المولى أو العبد الرجوع على البائع بشيء لم يكن لهما ذلك، أما المولي، فإنه ما جرى بينهما معاقدة والسبب المحلل قائم، وأما العبد فلأن ما استفاد العبد من الملك من جهته إزالة عن ملكه إلى ملك مولاه، فلا يملك الرد عليه ما لم يعد حكم ذلك الملك بالرد على العبد، هذا إذا كان المولي قد نقد الثمن، وإن لم يكن نقد الثمن كان له أن يرد على العبد؛ لأن الرد ههنا مفيد؛ لأن فائدة الرد في مثل هذه الصورة سقوط الثمن عن ذمة المولي وبراءته عن دين العبد، ولا يستحيل أن ببراءة المولى عن دين العبد كما لو أداه إلى العبد حقيقة، فإذا رد إلى العبد بقضاء القاضي عاد حكم الملك الذي استفاده العبد من جهة بائعه فكان له أن يرد على بائعه، فإن سقط الدين

(6/594)


عن العبد في هذه الصورة مثل رد المولى العبد عليه، ثم أراد المولى رده على العبد لم يكن له ذلك؛ لأن المولى قد برئ من الثمن حين سقط الدين عن العبد، فلم يكن في هذا الرد فائدة فلا يرد هذا الذي ذكرنا إذا كان الثمن دراهم أو دنانير، فإن كان الثمن عرضاً بعينه أو مكيلاً أو موزوناً بعينه، ودين العبد قائم على حاله فوجد المولى بالعبد عيباً رده على العبد إن كان الثمن قائماً في يد

العبد على حاله؛ لأن الرد مفيد؛ لأن فائدة الرد ههنا استحقاق لتسلم هذا العين إلى المولى، ولا يمتنع أن يكون في يد العبد عين واجب التسليم إلى المولى، كما لو غصب من مولاه عيناً، وإن كان العبد قد استهلك الثمن لم يكن للمولى أن يرده؛ لأنه لا يفيد؛ لأنه لا يستفيد به عين الثمن (103ب3) وإنما يستفيد قيمته دينا في الذمة والمولي يستوجب على عبده ديناً، وكذلك لو كان العبد باع العبد من المولى بمكيل أو موزون بغير عينه، المولى عند التسليم لم يملك رده؛ لأن حقه لا يعود في المقبوض بعينه، بل في مثله ديناً في الذمة؛ وهذا لأن حق المشتري عند الرد إنما يعود فيما يثبت فيه حق البائع وقت العقد؛ لأن الرد فسخ العقد، والعبد عند العقد استوجب على المولى مكيلاً أو موزوناً ديناً في الذمة فالمولى عند الرد يستوجب على العبد مكيلاً أو موزوناً ديناً في الذمة أيضاً، والمولى لا يستوجب على عبده ديناً فلا يكون في الرد فائدة فلا يرد.

ولو كان العبد المأذون باع العبد من المولى بعرض بعينه أو بمكيل أو موزون بعينه، وقبض المولى العبد ووجد به عيباً فلم يخاصم العبد في الرد حتى سقط الدين عن العبد لا يملك المولى رد العبد.
وإن كان الثمن قائماً في يد العبد على حاله؛ لأنه لا يستفيد بهذا الرد شيئاً؛ لأنه كما سقط الدين عن العبد فقد تمكن المولى من أخذ الثمن من يد العبد بدون الرد عليه بخلاف ما إذا كان الدين على العبد على حاله؛ لأن هناك المولى لا يتمكن من أخذ الثمن من يد العبد بدون الرد عليه فكان الرد مقيداً، أما هنا فبخلافه هذا كله إذا قبض المولى العبد من المأذون، فإن لم يقبضه حتى وجد به عيباً كان له أن يرده على العبد في الوجوه كلها؛ وإنما كان كذلك؛ لأن قبل القبض الصفقة عين تام لما عرف أن تمام الصفقة بالقبض، ولهذا لا يحتاج في هذا الرد إلى قضاء القاضي، بل يتفرد به العاقد ولما لم تكن الصفقة قبل القبض تامة كان الرد امتناعاً عن إتمام العقد، والعاقد مختار في تحصيل العقد، وإتمامه سواء كانت فيه فائدة حكمته أو لم تكن كما في خيار الرؤية، وخيار الشرط، أما بعد القبض، الصفقة قد تمت، ولهذا لا ينفرد العاقد بالرد بل محتاج فيه إلى قضاء القاضي والقاضي لا يشتغل بما لا يفيد على ما مر؛ ولأن العيب قبل القبض لا حصة له من الثمن، فلا يتوقف صحة الرد بالعيب على استفادته بمقابلته شيئاً ولا شيء بمقابلته، أما بعد القبض له حصة من الثمن، فإذا لم يستفد بمقابلته شيئاً بطل.
وإنما وقع الفرق باعتبار أن الفائت بالعيب وصف، فما دام في يد البائع فهو بيع للمبيع، فلا يكون له حصة من الثمن، وإذا قبضه المشتري فقد احتبس هذا الوصف عند البائع فصار مقصود المكان له حصة من الثمن والأوصاف، وإلا يباع لا لفرد بالعقد فلا يفرد بضمان العقد،

(6/595)


إنما يفرد بالفعل فجاز أن يفرد بالضمان الذي يعود إلى الفعل؛ ولأن تقرير الحصة من الثمن المعيب قبل القبض يؤدي إلى التناقض.

بيانه: إنما إذا أقررنا للعيب حصة قبل القبض لا يؤمن من أن يحدث فيه عيب قبل القبض فينتقض التقدير الذي كان؛ لأن العيب الذي يحدث قبل القبض يكون محسوباً على البائع، وما أدى إلى التناقض يكون باطلاً بخلاف ما بعد القبض، فإنا إذا قدرنا للعيب حصة من الثمن بعد القبض لا يتوهم نقضه بعيب يحدث فيه؛ لأنه يكون محسوباً على المشتري، فلا يؤدي إلى التناقض فلهذا افترقنا.
واستدل محمد رحمه الله: في «الكتاب» لبيان أن العيب قبل القبض لا حصة له من الثمن بمسألتين:

أحدهما: أن من اشترى عبداً ووجد به عيباً قبل القبض فصالحه البائع من ذلك العيب على جارية زيادة في البيع ولم يكن عوضاً عن حصة العيب انقسم الثمن على العبد، وعلى الجارية على قيمتهما ولم تكن حصة الجارية من الثمن حصة العيب، حتى لو وجد بأحدهما عيباً رده بحصته من الثمن، وإن كان ذلك بعد القبض كانت حصة الجارية من الثمن حصة العيب، حتى لو كان العيب ينقص العيب عشر قيمته كانت حصة الجارية عشر الثمن.
المسألة الثانية: الوكيل بالشراء إذا وجد بالمبيع عيباً ورضي به، إن كان ذلك قبل القبض لزم الموكل، كأنه اشتراه مع العلم بالعيب، وإن كان ذلك بعد القبض، للعيب حصة من الثمن فوجبت حصة العيب من الثمن للموكل، فصار الوكيل بالرضا بالعيب مبطلاً حق الموكل الذي وجب، وفي العيب قبل القبض.
قال: ولو أن رجلاً اشترى من رجل عبداً وقبضه ونقد الثمن، ثم باعه المشتري من رجل آخر وهب الثمن من المشتري الثاني وأبرأه منه، ثم إن المشتري الثاني وجد به عيباً وأراد أن يرده على البائع الثاني ليس له ذلك، ولو كان ذلك قبل القبض كان له ذلك.
والفرق من قبل القبض ما ذكرنا، ولو كان للمشتري الثاني فيه خيار الشرط أو خيار الرؤية والباقي بحاله فله أن يردها قبل القبض وبعد القبض؛ لأن خيار الشرط يمنع انعقاد العقد في حق الحكم، وخيار الرؤية يمنع تمام الصفقة قبل القبض وبعده في ذلك على السواء فكان الرد امتناعاً عن الإتمام فلا يتوقف على الفائدة، وبعد القبض الصفقة تامة فلم يكن الرد امتناعاً عن الإتمام بل كان إلزاماً، فإذا لم يستفد بمقابلته شيئاً لا يشتغل به القاضي، فإنما سوينا في خيار الشرط وخيار الرؤية بينا قبل القبض وبعده، وفرقنا في خيار العيب بينما قبل القبض وبعده.

نوع آخر في البراءة عن العيوب
إذا باع شيئاً على أنه بريء من كل عيب صح المبيع وتثبت البراءة عن كل عيب.
وقال الشافعي: لا تصح البراءة وعلى هذا الخلاف الإبراء عن الحقوق المجهولة

(6/596)


والصحيح مذهبنا؛ لأن الإبراء إسقاط فيه معنى التمليك، أما إسقاط بدليل أنه صح من غير قبول كالطلاق والعتاق، وأما فيه معنى التمليك بدليل أنه يريد بالرد وأياً ما كان فالجهالة لا تمنع صحته، أما صحة الإسقاط فظاهر، وإما صحة التمليك؛ فلأن هذا تمليك يحتاج فيه إلى التسليم؛ لأن ما وقعت البراءة عن مسلم لمن وقعت البراءة له، والجهالة إذا لم تمنع التسليم والتسليم لا يمنع صحة التمليك.
كما لو اشترى قفيزاً من صبرة ويدخل في هذه البراءة العيب الموجودة والحادث قبل القبض في قول أبي يوسف، وقال محمد: لا يدخل فيه الحادث، وهذا بناء على أنه إذا باع بشرط البراءة عن كل عيب يحدث بعد البيع قبل القبض هل يصح هذا الشرط عند أبي يوسف يصح، وعند محمد لا يصح، فأما إذا كان من مذهب محمد أن البراءة عن العيب الحادث لا تصح لو نص عليه فعند الإطلاق أولى، وعند أبي يوسف لما صحت البراءة عنه حالة التنصيص عليه فكذا حالة الإطلاق.

المحيط البرهانى
وجه قول محمد: أن هذا إبراء قبل وجود السبب (104أ3) لأن سبب الفسخ العيب، فالإبراء قبل وجود العيب يكون إبراء قبل وجود السبب، والإبراء قبل وجود السبب لا يجوز، ولأبي يوسف أن حق المشتري في صفة السلامة مقصوداً، وصفة السلامة تستحق بالعقد لاقتصار مطلق العقد صفة السلامة؛ لأن في الفسخ مقصوداً وصفة السلامة تستحق بالعقد إذن فصار الإبراء عن كل عيب إبراء عما يقتضيه مطلق العقد من صفة السلامة، فكان إبراء بعد وجود السبب؛ لأن سبب استحقاق صفة السلامة العقد، ولو شرط أنه بريء عن كل عيب به لم ينصرف إلى حادث في قولهم جميعاً، وكذلك إذا خص ضرباً من العيوب صح التخصيص، ولو كانت البراءة عامة واختلفا في عيب فادعى المشتري أنه حادث، وقال البائع: كان به يوم العقد فالقول قول البائع في قول محمد، وقال زفر والحسن: القول قول المشتري ولا يتأتى على هذا قول أبي يوسف؛ لأن البراءة العامة عنده تتناول القائم والحادث فلا يفيد هذا الاختلاف على قوله إلا على رواية شاذة عنه: أن البراءة العامة عنده لا تتناول الحادث، على تلك الرواية جواب أبي يوسف في هذه المسألة نظير الجواب عند محمد.
ووجه قول زفر والحسن: أن البراءة تستفاد من جهة المشتري فيكون القول قوله فيما أبرأ، وجه قول محمد: إن الإبراء حصل بصفة العموم فيتناول العيوب كلها، فالمشتري بدعوى حدوث بعضها يدعي خروج شيء بعينه من اللفظ فلا يقبل قوله، ولو كانت البراءة عن كل عيب بها واختلفا على نحو ما ذكرنا فالقول قول المشتري؛ لأن الإبراء يتناول عيناً موصوفاً بكونه في الحال فلا يدخل تحته إلا ما يثبت بالحجة أنه بذلك الوصف.

قال هشام: سمعت أبا يوسف يقول رجل اشترى من رجل جارية وقال البائع للمشتري: أنا بريء من يدها، ولم يذكر عيباً قال: هو بريء، قلت: وإن قال أنا بريء منها قال: الإبراء عن العيب؛ لأنه لا يقع هذا على أن البراءة عن العيب في كلام الناس.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل اشترى من رجل ثوباً وأراه البائع خرقاً

(6/597)


فيه فقال المشتري: أبرأتك عن هذا الخرق، ثم جاء المشتري بعد ذلك يريد قبض الثوب، فإذا فيه ذلك الخرق فقال المشتري: ليس هذا الخرق مثل ما رأيته حين أبرأتك حين كان رأيته شهراً، والإذن ذراع فالقول قوله في ذلك، وكذلك القول في زيادة بياض عين الجارية.
وفي «نوادر إبراهيم» عن محمد: إذا قال أبرأتك عن كل عيب بعينه، فإذا هو أعور لا يبرأ، وكذلك إذا قال: أبرأتك عن كل عيب بيده، فإذا يده مقطوعة لا يبرأه، وإن كان أصبع مقطوعة من يده يبرأ، وإن كان أصبعان مقطوعتان فهذان عيبان، لا يبرأ، وإن كانت الأصابع كلها مقطوعة مع نصف الكف فهذا عيب واحد فيبرأ.
وفي كتاب «العلل» : عن محمد إذا قال: أبرأتك عن كل عيب بعينها، فإذا هي عمياء فهو بريء، ولو قال: أبرأتك عن كل عيب بكفها، فإذا هي مقطوعة الكف لا يبرأ؛ لأن الكف بعد القطع لا تسمى كفاً فأما العين بعد العمي تسمي عيناً، ففي مسألة العين الإبراء صادف محله فصح، وفي مسألة الكف الإبراء لم يصادف محله فلم يصح.
وعن «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: إذا باع جارية قال: برئت إليك من كل عيب إلا من عيب بكفها، أو إلا من عيب بعينها فوجدها يابسة أو وجدها عمياء فهو برىء منها؛ لأنه قد سمى ذلك العيب له فهو برأ منه حين أخبره به.
وكذلك إذا قال: أنا بريء من كل عيب بهذا العبد إلا إباقه فوجده آبقاً فهو بريء عنه، ولو قال: إلا الإباق فله أن يرده بالإباق، ولو باع يوماً وبرىء عن كل خرق به دخل تحت البراءة كل خرق به، دخل تحت مرفوعه كانت أو غير مرفوعه، محيطة كانت أو غير محيطة، مرقوة أو غير مرقوة.

وكذلك إذا باع عبداً وبرىء من كل قرح به دخل تحت القروح الدامية وآثار قروح قد برئت، ولا يدخل تحته آثار الكي؛ لأن الكي غير القرح.

وفي «المنتقى» : إذا باع سلعة وقال برئت إليك من العيب بها، أو قال: برئت إليك عن عيب بها فهذا على عيب واحد، فإن قال وجد بها عيبان فهو بريء من أحدهما.
وفي «نوادر المعلي» عن أبي يوسف: رجل اشترى من آخر جارية وبرئ البائع إليه من كل آمة برأسها موضحة وليس برأسها آمة لا يبرأ عن الموضحة، ولو برىء إليه من كل سن لها سوداء، أو حمراء، أو خضراء، وكذلك لو برىء إليه من عينيها السوداوين، فكانت حمراوين فهو بريء منهما، قال المعلى: وسألت محمداً عن ذلك فقال: كفء في الآمة يبينه.

وفي القدوري: وإذا اشترى عبداً على أن به عيباً واحداً فوجد به عيبين وقد تعذر رده بموت أو ما أشبه ذلك فعند أبي يوسف الخيار إلى البائع، وقال محمد: الخيار إلى المشتري يرجع بنقصان أي: العيبين شيئاً، فيقوم العبد وبه العيبان وبه العيب الذي لا يريد الرجوع بنقصان فيرجع بفضل ما بينهما، وإنما كان الخيار إلى المشتري عند محمد؛ لأنه هو المبرىء عن العيب، فكان تعيين ما وقعت البراءة عنه إليه.

(6/598)


قال في «الزيادات» : وكذلك إذا وجد به ثلاثة عيوب وتعيب عنده بعيب زائد حتى تعذر الرد يرجع بنقصان العيبين من الثلاثة أي: ذلك شاء عند محمد، فيقوم وبه العيب الذي لا يريد الرجوع بنقصانه، ويقوم وبه العيوب الثلاثة فيرجع بفضل ما بينهما.
وفيه أيضاً: إذا اشترى عبدين على أن بأحدهما عيباً فوجد بأحدهما عيباً فليس له حق الرد، ولو وجد به عيبان فله حق الرد، وكذلك لو وجد بكل واحد عيباً فله الرد، وبعد ذلك ينظر، إن كان ذلك قبل القبض رد أيهما شاء فهذا قول محمد، فالخيار إلى المشتري عند محمد؛ لأن الخيار إنما يثبت للمشتري حقاً له فكان التعيين إليه، فإن كان قبض أحد العبدين ولم يعلم بالعيب فيه، ثم علم بالعيب بالعبد الآخر، وقبضه مع العلم بالعيب، ثم علم بالعيب الذي قبضه أولاً، له أن يرد أيهما شاء، فإن أراد رد الذي قبضه مع العلم بالعيب فقال البائع: ليس لك أن ترده؛ لأنك رضيت بعيبه حين قبضته مع العلم بالعيب، لا يلتفت إلى قول البائع؛ لأن القبض مع العلم بالعيب إنما يكون رضا بالعيب، إذا كان عيباً يثبت له حق الرد، وهذا العيب ما كان يثبت له حق الرد؛ لأنه أبرأه عن عيب واحد بأحدهما وحين قبض الثاني، مع العلم بالعيب، فالعيب بالأول لم يكن معلوماً فهذا العيب ما كان يثبت له حق الرد مكان قبض الثاني مع العلم بالعيب وجوده وعدمه بمنزلة.
فإذا باع من آخر عبداً على أن لا عيب به ولكن يبرأ إليه من عيب واحد فاشتراه على ذلك وقبضه، ثم وجد به عيبين وقد تعذر (104ب3) بسبب من الأسباب يرجع بنقصان أي العيبين شاء من قيمته صحيحاً؛ لأنه وإن ذكر عيباً واحداً وكان نص في الابتداء على أنه لا عيب به، فيتناوله العقد سليماً بخلاف ما إذا لم يقل في الابتداء لا عيب به، فإن هناك يرجع بنقصان أي العيبين شاء من قيمته معيناً بالعيب الآخر.

ولو اشترى عبدين على أنه برئ من كل عيب بأحدهما قبضهما، ثم وجد بأحدهما عيوباً لا يكون له أن يرده، فإن استحق الآخر بعد ذلك رجع بحصته من الثمن عليهما فهماً صحيحان، ولو اشتراهما على أنه برئ من ثلاث شجاج بأحدهما فوجد بأحدهما ثلاث شجاج واستحق الآخر، فإنه يقسم الثمن على المستحق وهو صحيح، وعلى الآخر وهو مشجوج بثلاث شجاج؛ لأن في الوجه الأول دخلا في العقد سليماً بخلاف الوجه الثاني.

والأصل في جنس هذه المسائل: أن البراءة عن كل عيب لا يكون إقرار بوجود العيب لعلمنا يقيناً أن العبد لا يجتمع فيه العيوب كلها، فيجعل مجاناً عن إلزام العقد وإبرامه بالامتناع عن التزام صفة السلامة وشرط البراءة عن بعض العيوب إقرار بوجوده، إذ لو لم يكن إقرار بوجوده لم يكن لتخصيص العيوب معنى وفائدة، ألا ترى أن قوله لا عيب به مطلقاً لا يجعل إقرار ينفي العيوب كلها؟ لأن الإنسان لا يخلو عن قليل عيب، والعمل بالحقيقة غير ممكن، فيسقط اعتبار الحقيقة ويجعل قوله لاعيب به مجازاً عن الترويج، حتى أن من عرض عيباً على رجل وقال: اشتر، فإنه لاعيب به، فلم يتفق بينهما بيع، ثم وجد به عيباً كان له أن يرده على بائعه وليس لبائعه أن يحتج عليه بقوله عند العرض لاعيب به، وتخصيص بعض العيوب بالنفي يكون إقرار بانتفاء ذلك العيب، حتى

(6/599)


من عرض عيباً على رجل، وقال: اشتر، فإنه ليس به عيب كذا فلم يتفق بينهما بيع، ثم وجد به عيباً لم يكن له أن يرده على بائعه بذلك العيب، وجعل قوله ليس به عيب، كذا إقرار بانتفاء ذلك العيب؛ لأن العمل بالحقيقة ههنا ممكن، فإن الإنسان يخلو عن عيب معين فكذا ههنا.h

والدليل على صحة ماقلنا ما ذكر في «الكتاب» : أن من اشترى من رجل عيناً، ثم أراد أن يرده بالعيب فشهد شاهدان على أن البائع يبرأ عن كل عيب به، ثم اشتراه أحد الشاهدين، ثم وجد به عيباً فأراد رده كان له ذلك، فلم يجعل الشهادة على البراءة عن كل عيب إقرار بالعيب، وبمثله لو شهدا على أن البائع يبرأ عن عيب كذا، ثم اشتراه أحد الشاهدين، ثم وجد به ذلك العيب لا يكون له حق الرد، وجعل الشهادة على البراءة عن عيب مخصوص إقراراً بوجود ذلك العيب، وعن أبي يوسف إذا أبرأه عن كل عيب دخل فيه العيوب والأدواء، ولو أبرأه عن كل داء دخل فيه السقم والمرض ولا يدخل فيه الكي، ولا أثر قرح قد برأ ولا الأصبع الزائدة.
والحاصل: أن الداء داخل في العيب غير داخل في الداء، ولو أبرأه من كل عاملة دخل فيه السرقة والفجور، ولا يدخل فيه الكية ولا أثر القروح ولا الدمل والثؤلول والأمراض، وعن أبي حنيفة: أن الداء المرض الذي في الجوف طحال أو كبد والعاملة السرقة والإباق والزنا.

نوع آخر في الضمان عن العيوب
وفي «نوادر ابن سماعة» عن أبي يوسف: اشترى من رجل عبداً وضمن له من رجل عيوبه فوجد به عيباً ورده فلا ضمان عليه في قياس قول أبي حنيفة، وهذا على العهدة وقال أبو يوسف: هو ضامن للعيوب هذا مثل ضمان الدرك والاستحقاق، وكذلك لو ضمن له رجل ضمان السرقة والعتاق فوجده حراً أو مسروقاً ضمن، وكذلك لو ضمن رجل العمى والجنون فوجده كذلك رجع على الضامن بالثمن، ولو مات عنده قبل أن يرده وقضى البائع بنقصان العيب كان للمشتري أن يرجع بذلك على الضامن ولو ضمن له بحصة مايجد عن العيوب فيه من الثمن فهو جائز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن رده المشتري رجع بجميع الثمن على الضامن بذلك، كما يرجع على البائع.

ابن سماعة عن أبي يوسف: لو اشترى رجل عبداً فقال له رجل: ضمنت لك عماه وكان أعمى فرده على البائع لم يرجع على ضامن العمى بشيء، ولو قال: إن كان أعمى فعليه حصة العمى من الثمن فرده بالعمى كان له أن يضمن حصة العمى.
ولو اشترى عبداً فوجد به عيباً فقال له رجل: ضمنت لك هذا العيب لم يلزمه شيء.
وفي «واقعات الناطفي» : لو قال المشتري للبائع أنت بريء من كل حق لي قبلك، دخل العيب تحت الإبراء هو المختار، ولا يدخل الدرك؛ لأن العيب حق له قبله للحال والدرك لا.

(6/600)


نوع آخر في الصلح عن العيوب

قال محمد في «الأصل» : إذا اشترى الرجل من آخر عبداً بألف درهم وقبضه منه ونقده الثمن، ثم وجد به عيباً فأنكر البائع أن يكون باعه وبه ذلك العيب، ثم صالحه البائع على أن يرد عليه دراهم مسماة حالة أو إلى أجل فهو جائز، والحاصل: أن الناس تكلموا في المشتري إذا وجد بالمبيع عيباً أن فيما أدى والأصح في ابتداء مايحدثه العيب حقه في الحر والفائت يطالب به البائع؛ لأنه ضمن له تسليمه بالعقد، ومن العيوب مايكون بعرض الزوال وإذا زال صار قادراً على تسليمه فقبل يطالبه في الابتداء به، ثم إن البائع يعجز عن تسليمه إليه لفواته فينفسخ البيع فيه، ويصير حق المشتري في حصة العيب من الثمن، إلا أنه متى وقع الصلح على جنس الثمن يعتبر استيفاء لحصة العيب من الثمن ويجوز حالا ومؤجلاً وإذا وقع على خلاف جنس الثمن يعتبر معاوضة بين المأخوذ وبين حصة العيب من الثمن، وفيما إذا صالح عن العيب على أكثر من حصة من الثمن، فطريق الجواز أن بمقدار حصة العيب هذا استيفاء لحصة العيب وما زاد على ذلك فالبايع حط عنه من الثمن، ولو صالحه من العيب على دينار، فإن نقده قبل أن يتفرقا فهو جائز، وإن افترقا قبل أن ينقده بطل الصلح، ولو كان المشتري باعه ونقد الثمن، ثم اطلع على عيب به فصالحه بائعه منه على دراهم لم يجز؛ لأنه لا حق للمشتري بعدما باعه لا في الرد بالعيب ولا في الرجوع بنقصان العيب، فإنما صالح فيما ليس بحق له، فإن كان العبد مات عند المشتري الثاني فرجع على بائعه بنقصان العيب، ثم إن البائع الثاني صالح البائع الأول على صلح.
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: الصلح باطل وعندهما صحيح بناء على المشتري الثاني إذا رجع على بائعه، هل لبائعه أن يخاصم البائع الأول؟ عند أبي حنيفة ليس له ذلك خلافا لهما، وذكر في المأذون إذا حدث به عيب عند المشتري الآخر فيرجع على بائعه لنقصان ليس لبائعه أن يرجع إلى البائع ولم يذكر خلافاً، منهم من قال: هو قول أبي حنيفة.
ومنهم من فرق لأبي يوسف ومحمد بين المسألتين، والفرق: أن في تلك المسألة للبائع الأول أن يقول للمشتري الأول: سبيلك أن تقبل منه لا أقبل منك فإذا لم يقبل فأنت الذي فوت حقك فلا يمكنه (105أ3) الاحتجاج عليه ههنا فقلنا بأنه يرجع عليه، وإن كان الثمن مكيلاً أو موزوناً بغير عينه وبين الكيل والضرب وتقابضا، ثم وجد بها عيباً فصالح، فإن وقع الصلح على بعض الثمن من جنسه فهو استيفاء لا استبدال، فيجوز حالاً ومؤجلاً سواء كان الثمن قائماً في يد المشتري أو كان مستهلكاً، وإن وقع الصلح على خلاف صلح الجنس فهو معاوضة، ففي كل موضع حصل الافتراق فيه عن دين بدين لا يجوز، وإن كان الثمن مكيلاً أو موزوناً بعينه وتقابضا فصالحه على بعض الثمن من ذلك الجنس مؤجلاً أو بعينه فهو جائز إن كان الذي أخذه عوضاً عن الجارية مستهلكاً، وإن

(6/601)


كان الذي هو ثمن قائماً بعينه لم يجز الصلح على بعض الثمن من ذلك الجنس مؤجلاً جاز حالاً إذا أوفاه إياه قبل أن يتفرقا أو كان بعينه؛ لأن الثمن في هذه المسألة تعين في العقد بالتعيين فكان حق المشتري في عين ما أدى، فكان ماوقع عليه الصلح عوضاً عما استوجبه عليه ومبادلة المكيل والموزون بجنسه مؤجلاً يجوز.

وفي المسألة الأولى: الثمن استحق بالعبد دينا قائماً يرجع بحصة العيب من ذلك لامن عين المقبوض فجاز الصلح عن مثله حالاً ومؤجلاً.
ولو طعن في بياض بعينها فصالح البائع من ذلك على أن حط عنه درهماً كان جائزاً، فلو أنه انجلى البياض بعد ذلك رد الدرهم على البائع.
وكذلك لو طعن بحبل فيها فصالحه البائع على أنه حط عنه درهماً، ثم ظهر أنه لم يكن بها حبل، فإنه يرد الدرهم، وكذلك لو اشترى أمة فوجدها (منكوحة عند) البائع فصالحه البائع على دراهم، ثم طلقها الزوج طلاقاً كان على المشتري رد الدراهم.

اشترى كر حنطة، ثم ظهر بعيب بأحدهما، فصالحه الآخر على درهم أو على قفيز حنطة أو على قفيز شعير لم يجز؛ لأن الحنطة بالحنطة مثل بمثل فتكون الزيادة رباً كما لو قال عند ابتداء العقد، وإذا لم تصح الزيادة هل يفسد البيع، إن كان بلفظة الصلح بأن قال صالحتك عن العيب على أن أزيد لك قفيز حنطة أو درهم فسد البيع عند أبي حنيفة؛ لأن الزيادة تلحق بأصل العقد ولو كان موجوداً لدى العقد كان العقد فاسداً كذا ههنا.
صالحه من كل عيب على درهم جاز سواء طعن المشتري بعيب أولم يطعن؛ لأن هذا إبراء عن العيوب المجهولة بعد وجوب سبب الحق له، وذلك صحيح، ولو اشترى العيوب منه بدرهم لايجوز؛ لأن مثل هذه الجهالة تمنع صحة البيع ولا تمنع صحة الصلح صالحه من العيب على ركوب دابته في حوائجه فهو جائز، قالوا: وتأويله إذا شرط ركوبه في المصر أما إذا شرط ركوبه خارج المصر إذا أطلق لا يجوز لمكان الجهالة، نص على هذا التفصيل في كتاب الإقرار.
صالحها من عيب الغلام على أن تزوج نفسها منه صح، وكان هذا إقرار بالعيب؛ لأن النكاح لايصح إلا بمال وكان كالبيع إذا باعت ثوباً منه بحصته من العيب؛ لأن النكاح لايصح إلا بمال إذا كان إقرار منها بالعيب؛ لأن البيع لا يصح إلا بمال بخلاف الصلح.
اشترى ثوباً فقطعه قميصاً وخاطه فباعه بعد ذلك، أو لم يبعه، ثم اطلع على عيب أو كان البيع بعد ظهور العيب، ثم صالحه من العيب على دراهم جاز؛ لأن حقه قد تقرر في الرجوع بنقصان العيب بسبب الخياطة، ألا ترى لو كان في يده ليس للبائع أن يقول أنا أقبله كذلك، فإنما صالح عن حقه، وكذلك إذا صبغه بصبغ أحمر، ثم باعه أو لم يبعه حتى صالح من العيب، ولو قطعه ولم يخطه حتى باعه، ثم صالحه من العيب لايصح؛ لأنه حقه لم يتقرر في الرجوع بنقصان العيب؛ لأن القطع المجرد نقصان، ألا ترى أن للبائع يقول: أنا أقبله؟ كذلك، فإنما صالح عما ليس بحق له، والسواد بمنزلة القطع

(6/602)


المفرد عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: بمنزلة القطع مع الخياطة، صالحه على أن أبرأه عن كل عيب فهو جائز سمى أو لم يسم خلافاً لابن أبي ليلى، وكان أبو حنيفة رحمه الله يحتاط في ذلك ويقول: نكتب في صك الصلح برئت من كل عيب سميته وعرفته أو يكتب في الصك أنه باع العبد وخرج عن ملكه، ثم عاد إلى ملكه بصدقة أو ما أشبهها، أكثر ما في الباب أن هذا حيلة بالكذب إلا أن الكذب، مباح لإحياء حقه، ولدفع الظلم عن نفسه كالشفيع يعلم بالبيع في جوف الليل لا يمكنه الإشهاد، فإذا أصبح يشهد ويقول علمت الآن، وكذلك الصغيرة تبلغ في جوف الليل، فإذا أصبحت تقول بلغت الآن وأجزت نفسي فيرخص فيه كذا ههنا.

وحيلة أخرى: أن تعلق المشتري أعتقه بمخاصمته في عيب تجد بها، فإذا خاصمه عتق العبد ولا يمكنه الرد ولا الرجوع بنقصان العيب، طعن بعيب في عينها، ثم صالحه البائع من عيبها على ما جاز، وإن لم يذكر العيب وجعل يسميه محل العيب بمنزلة تسمية العيب.

وقال في «الأصل» : اشترى أمة بخمسين ديناراً وقبضها وطعن المشتري بعيب بها، فاصطلحا على أن قبل البائع السلعة ورد عليه تسعة وأربعين ديناراً قالوا جائز، فهل يطيب للبائع ما استفصل من الدينار، ينظر: إن كان البائع مقراً أن هذا العيب كان عنده على قول أبي حنيفة ومحمد لا يطيب، ويجب عليه رده على المشتري، وعلى قياس قول أبي يوسف لا يلزمه الرد، بناءاً على أن عند أبي يوسف الإقالة بأكثر من الثمن الأول أو بأقل يعتبر بيعاً جديداً لا إقالة فلزمه الرد، وأما إذا كان جاحداً أن هذا العيب كان عنده أن عيباً لا يحدث مثله فكذلك الجواب، وإن كان عيباً يجوز أن يحدث مثله طاب الفضل للبائع بالاتفاق لم يقر ولم ينكر بل سكت فهو وما لو أنكر سواء، ولو كان المشتري أخذ ثوباً وقبل منه السلعة على أن يرد الثمن كان عليه هذا وما لو حبس شيئاً من الثمن سواء.
وإن كان مكان الثوب دراهم، فإن فضت فالجواب كما ذكرنا، وإن كاتب إلى أجل لا يجوز على كل حال.
اشترى ثوباً فقطعه قميصاً ولم يخطه، ثم وجد به عيباً أقر البائع أنه كان عنده فصالحه البائع على أن قبل البائع الثوب وحط المشتري عنه من الثمن مقدار درهمين كان جائزاً، ويحصل ما احتبس عند البائع من الثمن بمقابلة ما انتقص بفعل المشتري.
وقال في «الأصل» أيضاً: طعن المشتري بعيب جحده البائع فاصطلحا على أن يحط كل واحد منهما عشرة ويأخذ الأجنبي بما وراء المحطوط، ورضي به الأجنبي فالبيع من الأجنبي جائز؛ لأن المشتري باع ملك نفسه وحطه أيضاً جائز؛ لأن حطه في ملك نفسه وهو والثمن (105ب3) يكون هذا من المشتري رضاء بالعيب، وحط البائع لا يجوز؛ لأنه لا في ملك لغيره، وكان للأجنبي الخيار إن شاء أخذ بما وراء العشرة من الثمن، وإن شاء ترك؛ لأنه إنما اشترى ليسلم له المشترى بما وراء العشرين من الثمن، وتبين أنه إنما سلم له بما وراء العشرة، وهذه المسألة تدل على أن المشتري إذا ظهر أنه صار مغبوناً

(6/603)


على وجه لا يتغابن في مثله أنه يثبت له الخيار، وأدلة الكتب متعارضة ظاهر الجواب لا خيار له، وعن محمد فيمن اشترى صبرة حنطة فوجد في أسفله دكاناً فله الخيار، وإذا اشترى طعاماً في جفنه، ثم علم مقداره يثبت له الخيار وهو خيار التكشف وخيار الكتمة، قال الشيخ الإمام شمس الحلواني رحمه الله: كان القاضي يقول الفقيه عبد الله كان يفتي بثبوت الخيار للمشتري إذا صار مغبوناً، وكان يقول هب، كان في المسألة روايتان: يختار هذه الرواية رفقاً بالناس إذا كان الثمن عشرة مثلاً، فاصطلحا على أن يأخذ من الآخر الثوب بثمانية، وحط البائع الأول عن المشتري الأول درهماً جائز سواء كان قبل قبض الثمن أو بعده لما عرف، أن الحط بعد قبض الثمن صحيح.

اشترى ثوباً بعشرة وتقابضا وسلمه المشتري إلى قصار فقصره وجابه متخرقاً، فقال المشتري: لا أدري عند القصار تخرق أو كان به عند البائع، فاصطلحوا على أن يقبل المشتري الثوب ويرد القصار عليه درهماً فذلك جائز، وكذلك لو كان هذا الصلح على أن يقبله البائع منه، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وهذا إشارة إلى أنه إذا صالحه على أن يعتله البائع، ويغرم له القصار درهماً، ويترك له المشتري درهماً أنه يجوز، قال مشايخنا: وهو غلط؛ لأن اشتراط ترك الدرهم على المشتري صحيح؛ لأن البائع جاحد للعيب، أما اشتراط الدرهم على القصار باطل؛ لأنه ما كان بينه وبين القصار سبب يستوجب به الضمان عليه، وفي زعمه أنه يملك الثوب ابتداء من جهة المشتري بعد ما تخرق في يد القصار، فاشتراط أخذ الدرهم منه عذراً لا أن يكون تأويله أن القصار يضمن الدرهم أولاً للمشتري، ثم المشتري يدفع ذلك إلى البائع ليقبل المبيع منه فحينئذٍ يجوز؛ لأنه يزعم أنه يملك المبيع ابتداء، وهذه الزيادة بدل ما تلف عند القصار فكان له أن يأخذ إذا رد جميع الثمن.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: تأويله أن يقع الصلح على أن يقبل البائع الثوب من المشتري، على أن يحط المشتري من البائع درهماً، ويأخذ المشتري من القصار درهماً ويعطيه المشتري أجرة.
وفي «فتاوى الفضلي» : اشترى من آخر جارية ووجد بها عيباً فاصطلحا على أن يدفع البائع كذا درهماً والجارية للمشتري فهو جائز؛ لأن هذا صلح عن العيب، وإن اصطلحا على أن يدفع المشتري ذلك الجارية للبائع لا يجوز؛ لأنه ربا إلا إذا باعه منه بأقل من الثمن الذي اشتراها منه بعد أن كان يقدر الثمن كله.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل اشترى من آخر عبداً ووجد به عيباً قبل أن يقبضه، وصالحه من العيب على عبد آخر وقبضهما المشتري، ثم استحق أحد العبدين رجع المشتري بحصة المستحق من الثمن أيهما كان، كأنه اشتراهما جميعاً، ولو قبض العبد المشتري، ثم وجد به عيباً فصالحه منه على عبد ودفع الثمن، ثم استحق العبد المشتري يبطل الصلح في العبد الثاني.
وفي «نوادر ابن سماعة» أيضاً عن أبي يوسف رحمه الله: رجل اشترى جارية ووجد بها عيباً قبل القبض أو بعده فصالحه البائع على جارية أخرى، ثم استحقت الجارية الأولى بطل الصلح.

(6/604)


وفي «المنتقى» : رجل اشترى من آخر كر حنطة بعشرة دراهم وقبض الكر ولم يدفع الثمن، حتى وجد بالكر ينقصه العشرة فأراد رده فصالحه البائع من العيب على كر شعير بعينه، فإنه جائز، وحصة الشعير نقصان العيب، وإن كان بغير عيبه، ووصفه وسمى أجله فهو باطل؛ لأنه صار بمنزلة سلم لم يدفع إليه رأس ماله، فإن دفع إليه غير الثمن وقال هذا حصة الكر الشعير فهو جائز والشعير سلم، وكذلك إذا دفع إليه كل الثمن، ولو دفع إليه عشر الثمن ولو نقل عشر هذا حصة الشعير، فإن الذي نقده من جميع الثمن فيثبت عشر كر الشعير ويبطل تسعة أعشاره.

نوع آخر منه

قال محمد في «الجامع» : عبد أو داراً في يدي رجل أقام رجل بينته أنه باعه من ذي اليد بألف درهم، وأقام آخر بينة أنه باعه من ذي اليد بمائة دينار قضى القاضي بالثمنين على ذي اليد؛ لأن المبيع إذا كان مسلماً إلى المشترى كانت الحاجة إلى إثبات الثمن والثمن دين فصار، كما لو ادعى أحدهما ألف درهم والآخر مائة دينار، وكذلك إن اقام كل واحد منهما بينة أن العبد عبده باعه من ذي اليد بما يدعيه من الثمن؛ لأن المبيع إذا كان مسلماً إلى المشتري لا يحتاج كل واحد منهما إلى إثبات الملك لنفسه ليترجح بالنتاج، فإن وجد المشتري بالعبد عيباً وأراد أن يرده ليس له أن يرده عليهما؛ لأنه إذا رد عليهما كان راداً على كل واحد منهما النصف، وكل واحد زعم أنه باعه كله فكان له أن لا يقبل النصف مع عيب الشركة، ولكن يرده على أيهما شاء؛ لأن في زعم كل واحد أن البائع هو، وأن للمشتري حق الرد عليه وحق استرداد جميع الثمن منه، وفي زعم المشتري أن له حق استرداد كل الثمن من كل واحد منهما، فلهذا كان له أن يرد على أيهما شاء، ويسترد الثمن منه، وإذا رده على أحدهما لا يكون له على الآخر سبيل لا في الرد ولا في الرجوع بنقصان العيب.

أما في الرد بعجزه عن ذلك حين رد على الأول، وأما في الرجوع بنقصان العيب؛ لأن في زعم الآخر إلى نصيبه منه وإن له حق الرد بالعيب علي لا على صاحبي، فإذا رد على صاحبي مع أنه ليس له حق الرد عليه كان ذلك منه بمنزلة تمليك مبتدأ وبه يبطل حق الرجوع بنقصان العيب، فإن لم يرده بالعيب على أحدهما حتى تعيب عند المشتري بعيب ذا يد لا يكون له حق الرد عليه، ولكن يرجع بنقصان العيب على أيهما شاء؛ لأن في زعم كل واحد منهما أن له حق الرجوع بنقصان العيب عليه وهو يدعي على كل واحد منهما جميع الثمن فقد اتفقا على استحقاق قدر النقصان، فيرجع على أيهما شاء بذلك، إلا أن يقول الذي يريد أن يرجع عليه بالنقصان أنا أقبله كذلك، فحينئذ يرد عليه لامتناع الرد إنما كان دفعاً للضرر عنه، فإذا رضي به كان للمشتري أن يرد عليه فإن أبى أن يرده عليه وأعطاه النقصان كان للمشتري أن يرجع على الآخر بنقصان العيب.
فرق بين هذا وبينهما لو رد على أحدهما حيث لا يكون له على الآخر سبيل، والفرق بينهما أن فصل الرجوع على أحدهما بنقصان العيب في حق استرداد جميع الثمن

(6/605)


(106أ3) من صاحبي أخذ ذلك منه بغير حق، فإذا أخذ منه قدر النقصان، فقد أخذ بعض حقه، وهذا لا يوجب سقوط حقه في الرجوع بنقصان العيب علي، أما في فصل الرد في زعم الآخر أن للمشتري حق الرد علي بالثمن لا على صاحبي، فإذا رد عليه لم يكن له حق الرد عليه كان ذلك منه بمنزلة بيع جديد، وبه يبطل حق الرجوع بنقصان العيب.
ولو مات العبد، ثم اطلع على عيب قديم رجع بنقصان العيب عليهما إن شاء لما مر، ولو قطعت يد العبد المشترى وأخذ المشتري أرشها، ثم وجد به عيباً قديماً كان له أن يرجع بالنقصان عليهما؛ لأن الأرش زيادة منفصلة والزيادة مانعة من الرد بالعيب، فيكون له حق الرجوع بنقصان العيب عليهما لما مر، فإن قال أحدهما: أنا أقبله كذلك؛ لأن امتناع الرد بسبب الزيادة إنما كان لحق الشرع تحرزاً عن الربا، فلا يسقط ذلك برضا العبد، فإن باعه المشتري فإنه يبطل حق الرجوع بنقصان العيب، والفرق وهو أن البيع إنما يوجب بطلان الرجوع بنقصان العيب في موضع بقي حق الرد في نفسه بعد حدوث العيب ليصير المشتري بالبيع راضياً بذلك العيب، فيبطل حقه من كل وجه.
وفيما إذا تعيب المبيع بعيب زائد بقي للمشتري حق الرد في نفسه، ولهذا لو قال البائع: أنا أقبله كذلك كان له أن يرده عليه، وبالبيع يبطل حقه من كل وجه، أما بعد القطع لم يبق له حق الرد في نفسه، ولهذا لو قال البائع: أنا أقبله كذلك لايملك الرد، فإذا لم يبق حقه في الرد تعذر حقه في النقصان قبل البيع، فلا يبطل بالبيع، فإن كان أقام أحدهما البينة أنه عبد وباعه من ذي اليد يوم الجمعة بمائة دينار يقضى بالثمنين؛ لأن الحاجة ههنا إلى إثبات الثمن، فإن وجد به عيباً رده إلى الثاني، وكذلك لو تعذر بالعيب يرجع بنقصان العيب على الثاني دون الأول؛ لأن القضاء بالعقدين على هذا الترتيب يوجب انقطاع حق المشتري عن الأول، فلهذا يرد بالعيب ويرجع بالنقصان على الثاني دون الأول.

نوع آخر في الوصي والوكيل والمريض

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى عبداً بألف درهم وقبضه ولم ينقد الثمن حتى مات وأوصى إلى رجل، ولا مال له سوى العبد وعليه دين ألف درهم سوى الثمن، فوجد الوصي بالعبد عيباً فرده بالعيب بغير قضاء القاضي، فرده جائز وليس للغريم نقضه؛ لأن الموجب للرد قد وجد، لو امتنع الرد إنما يمتنع لحق الغريم، وحق الغريم يتعلق بمالية العبد لا بعينه، ولأن الرد بالعيب بغير قضاء بمنزلة بيع جديد في حق الثالث والغريم ثالثهما، فصار في حق الغريم كأن الوصي باع هذا العبد وللوصي هذه الولاية ويرجع الوصي على البائع، فيأخذ منه نصف الثمن ويدفعه إلى الغريم الآخر، والوصي هو الذي يلي ذلك؛ لأن هذا الرد اعتبر بيعاً جديداً في حق الثالث، وقبض الثمن من حقوق العبد، فيكون للعاقد.

(6/606)


ولو أن البائع لم يقبل هذا العبد من الوصي حتى خاصمه إلى القاضي، فإن كان القاضي علم بدين الآخر لا يرده بل يبيعه ويقسم الثمن بينهما؛ لأن فيه إبطال حق غريم الآخر؛ لأن الرد بقضاء فسخ من كل وجه، فيبطل البيع ويعود إلى الأصل، فيسقط الثمن، فلا يصل الغريم شيء لا يضمن البائع نقصان العيب لا قبل بيع القاضي ولا بعده، أما بعد بيع القاضي؛ فلأن بيع القاضي حصل للميت، فيجعل كأن الميت باع نفسه، ولو باع الميت نفسه حال حياته، ثم اطلع على عيب به لم يرجع بنقصان العيب فههنا كذلك، وأما قبل بيع القاضي فلأن امتناع الرد في هذه الصورة كان بمعنى من جهة المشتري وهو اكتسابه سبب وجود الدين للغريم الآخر وامتناع الرد بمعنى من جهة المشتري لايثبت حق الرجوع بنقصان العيب.
وإن لم يعلم القاضي بدين الغريم وخاصم الموصي البائع في العيب رده بالعيب على البائع؛ لأن الموجب للرد قد ظهر وهو العيب، وفي المانع شك، ويبطل الثمن الذي للبائع على الميت؛ لأن الرد بقضاء القاضي فسخ من كل وجه، ومتى صح الفسخ والثمن غير منقود يبطل عن المشتري، فإن أقام الغريم الآخر بينة على دينه، خير البائع المردود عليه إن شاء أمضى الرد وضمن الغريم الآخر نصف ثمن العبد، فيصير الثمن بينهما نصفان، وإن شاء نقض الرد، ورد العبد حتى باع في دينهما؛ لأنه ظهر دين الغريم الآخر بعذر صحيح، هذا الرد من القاضي (يعد) فسخاً من كل وجه لما فيه من إبطال حق الغريم الآخر، فاعتبر رده بيعاً جديداً كيلا يبطل هذا الرد، أمكن اعتباره بيعاً جديداً لوجود معنى البيع فيه، وهو التمليك والتملك.

ولو أن رجلاً اشترى عبداً في صحته بألف درهم وقبض العبد ولم ينقد الثمن حتى مرض وعليه دين ألف درهم، فوجد بالعبد عيباً فرده بغير قضاء أو استقال البيع البائع فأقاله برئ من مرضه، فجميع ما صنع صحيح، وإن لم يبرأ من مرضه ومات وقيمة العبد مثل الثمن أو أقل منه ولا مال له غيره كان الجواب فيه كالجواب في الوصي إذا رد العبد بغير قضاء وإن أقاله البيع وقيمة العبد مثل الثمن أو أقل منه؛ لأن المريض مرض الموت يملك بيع ماله، ولا يمكن إيثار بعض الغرماء على البعض كالوصي، ولو لم يقبل البائع البيع حتى خاصم المشتري البائع إلى القاضي في العيب في مرض المشتري، فالقاضي يرد العبد عليه سواء علم بدين الغريم الآخر أو لم يعلم، بخلاف مسألة الوصي، فإنه إذا خاصم البائع في العيب إلى القاضي بدين الغريم الآخر فالقاضي لايرده. والفرق سواء أن الميت للرد بموجود في الحالين لكن عسى يمتنع عمل الميت، والموجب لمانع، ففي مسألة المريض المانع وهو حق الغريم موهوم؛ لأن حق الغريم إنما يتعلق بمال المريض إذا كان المريض مرض الموت ولا يدرى في الحال أنه هل يتصل بهذا المرض الموت أو (لا) يتصل، وإذا وقع الشك لايمتنع عمل المثبت، أما في فعل الموصي المانع ثابت قطعا؛ لأن الوصي إنما يخاصم البائع بعد الموت، وبعد الموت المانع ثابت قطعاً، فجاز أن يمتنع عمل المثبت والموجب.

(6/607)


فإن مات المشتري من مرضه بعدما رده عليه، فالجواب فيه كالجواب في الوصي إذا رده بالعيب نقضاً، فلم يعلم القاضي بدين الغريم الآخر؛ لأنه لما مات ظهر أن المرض مرض الموت من ابتدائه، فظهر أن حق الغريم الآخر كان متعلقا بماله حتى رده القاضي على البائع كما لو رده الوصي فيكون الجواب في الوصي، إلا في خصلة أن ههنا متى كانت قيمة العبد أكثر من الثمن، فإنه لا يجبر المردود عليه بنقض (106ب3) الرد، ويباع العبد ويقسم الثمن نصفين.

و (لو) قال: أنا أمسك العبد وأرد نصف القيمة حتى تزول المحاباة، لم يكن له ذلك، وفي الوصي يخير المردود عليه، والفرق: أنه لما مات من مرضه ظهر أنه ماكان للقاضي ولاية الفسخ ليتعلق حق الغريم بماله، وإن فسخه لم يصح، فاعتبر عقداً جديداً وفيه محاباة، والمحاباة لا تعفي من المريض، وإن قلت: إذا كان عليه دين مستغرق لتركته، فتعذر تصحيح الرد من هذا الوجه وتعذر تصحيحه بتبليغ الثمن إلى تمام الصحة؛ لأن الرد بقضاء القاضي فسخ من كل وجه، فلا يصح الفسخ تأكيداً من الثمن الأول، وإذا تعذر تصحيح الرد بالطريقين تعين بعض الرد، فأما الوصي فعفى عنه المحاباة اليسيرة، فأمكن تصحيح الرد بمثل الثمن، فلهذا يخير فيه البائع. وهذه المسألة من أغرب المسائل، فإن عفي فيه المحاباة اليسيرة من الثابت ولم يعف من الأصل وهو المريض.
وإذا أمر رجل رجلاً ببيع عبد له، فباعه الوكيل وسلمه وقبض الثمن من المشتري أو لم يقبض حتى وجد المشتري بالعبد عيباً وخاصم الوكيل في العيب فقبله الوكيل بغير قضاء، فإن كان ذلك عيباً يحدث مثله من وقت البيع يلزم الوكيل دون الموكل، فلا يكون للوكيل أن يخاصم الموكل، وإن كان عيباً لا يحدث مثله في تلك المدة ذكر في «الأصل» أنه يلزم الموكل يجب أن يعلم أن الوكيل بالبيع والشراء خصم في الرد بالعيب من حقوق العبد فيرجع إلى العاقد، والوكيل في حق الحقوق كالعاقد لنفسه.
وإذا رد عليه بالعيب بعد القبض فهو على وجهين:

إن رد عليه برضاه والعيب مما يحدث مثله يلزم الوكيل باتفاق الروايات، ولا يكون له مخاصمة الموكل، كأن الوكيل اشتراه ثانياً من المشتري، وإن كان عيباً لا يحدث مثله في مدة البيع ذكر في بيوع «الأصل» أنه يلزم الموكل؛ لأنهما فعلا بأنفسهما عين مايفعله القاضي؛ لأن الرد متعين في هذا، فيجعل فعلهما كفعل القاضي، وذكر في عامة الروايات أنه يلزم الوكيل؛ لأن الرد بالعيب بعد القبض بالتراضي عقد جديد في حق الثالث والموكل ثالثهما.
وإن كان الرد بقضاءٍ فهو على ثلاثة أوجه: إن كان ببينة قامت على الوكيل لزم الموكل؛ لأن البينة حجة في حق الناس كافة، فيعد الرد على الموكل، وإن كان الرد بنكول الوكيل، فكذلك يكون رداً على الموكل؛ لأن الوكيل مضطر في النكول كما هو مضطر في سماع البينة إذا لم يستبق منه ما يطلق اليمين على انتفاء العيب؛ لأن الإنسان كما يوكل غيره ببيع السليم يوكل ببيع المعيب، فاعتبر نكوله بالبينة، ولكن الوكيل مع الموكل على خصومته، فإن أقام بينة أن هذا العيب كان عند الموكل رده عليه، وإن لم

(6/608)


يكن له بينة، فله أن يحلف الموكل فإن نكل رده عليه، وإن حلف لزم الوكيل، وهذا لأن الرد حصل بقضاء القاضي على كره منه، فإن صورة هذه المسألة أن يقر الوكيل بالعيب أولاً، ثم يجحد ويأبى القبول حتى يحتاج فيه إلى قضاء القاضي.

قلنا: والرد بقضاء فسخ من كل وجه، غير أن هذا الفسخ استند إلى سبب قاصر وهو الإقرار، فمن حيث إنه فسخ كان للوكيل حق مخاصمة الموكل، بخلاف ما إذا كان الرد بغير قضاء، ومن حيث إنه استند إلى دليل قاصر يلزم الوكيل إلى أن يقيم الحجة على الموكل، وهذا كله إذا كان عيباً يحدث مثله في مدة البيع، فالقاضي يرده من غير بينة وإقرار ويمين، ويكون ذلك رداً على الموكل؛ لأن القاضي إنما قضى بالرد لعلمه أنه كان عند الموكل وعلمه هذا بالبينة، وهذا كله إذا كان الوكيل حراً بالغاً، فإن كان مكاتباً أو عبداً مأذوناً فالخصومة في الرد بالعيب بينهما ولا يرجعان على المولى، ولكن يباع المأذون فيه ويلزم الدين المكاتب، وإن كان الوكيل صبياً محجوراً أو عبداً محجوراً، فلا خصومة معهما، وإنما الخصومة مع الموكل.

وذكر محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : أن من أجر عبد غيره ليشتري نفسه للآمر من مولاه بألف درهم، فقال: نعم فأتاه مولاه قال: بعني نفسي لفلان بألف درهم ففعل فهو للآمر، فإن وجد الآمر بالعبد عيباً، فأراد خصومة البائع، فإن كان العيب معلوماً للعبد يوم اشترى نفسه لم يرده؛ لأن العبد كان وكيلاً بالشراء، والوكيل إذا اشترى مع العلم بالعيب يمتنع الرد؛ لأنه أسقط حق الرد، وحق الرد (من) حقوق العقد فيكون إلى العاقد، والعاقد هو العبد وكان للعبد الرد من استطلاع رد الآمر؛ لأن المشتري وهو العبد في يد نفسه وهو وكيل بالشراء، والوكيل بالشراء يملك الرد بالعيب من غير استطلاع رأي الموكل مادام المشتري في يده على مايأتي بيانه بعد هذا ان شاء الله تعالى.
وإذا أمر الرجل غيره أن يشتري عبد فلان بكذا، فاشترى ونقد الوكيل البائع الثمن وقبض العبد واطلع على عيب به فما دام العبد في يد الوكيل رده على البائع من غير استطلاع رأي الموكل، فإن كان قد سلم العبد إلى الآمر لا يرده من غير رأي الموكل، والفرق: أن في الرد إبطال العقد الذي هو حق الوكيل، وإبطال الملك الذي هو حق الموكل، فكان الوكيل في الرد أصيلاً من وجه ثابتاً من وجه، فلكونه أصيلاً ملك الرد من غير استطلاع رأي الموكل مادام العبد في يده، ولكونه نائبا لم يملك الرد من غير استطلاع رأي الموكل بعدما دام العبد في يده، ولكونه نائباً لم يملك الرد من غير استطلاع رأي الموكل بعدما سلمه إلى الموكل، ومتى كان العبد في يد الوكيل، فأراد الوكيل الرد، فادعى البائع رضا الآمر بهذا العيب، فإن أقام على ذلك بينة قبلت بينته وامتنع الرد، وإن لم يكن له بينة وأراد استحلاف الوكيل ليس له ذلك، بخلاف ما إذا ادعى على الوكيل أنك رضيت بالعيب، فأراد استحلاف الوكيل حيث له ذلك، والفرق: أنه إذا ادعى الرضا على الوكيل، فالوكيل يستحلف بطريق الأصالة، وإذا ادعى الرضا على الموكل، فالوكيل لا يستحلف بطريق الأصالة، وإنما يستحلف (بالنيابة، و) النيابة لا تجري في الاستحلاف، وإذا لم يستحلف الوكيل رد الوكيل الجارية على البائع، ثم إذا

(6/609)


حضر الموكل وادعى الرضا وأراد استرداد الجارية من يد البائع فله ذلك، ولو كان الوكيل بالشراء وكيلاً بالخصومة في العيب فادعى البائع أن المشتري رضي بهذا العيب فالوكيل رده بحضرة الموكل فيحلف.

نوع آخر منه
رجل اشترى من آخر عبداً وقبضه وباعه من رجل آخر، ثم إن المشتري الآخر وجد به عيباً ورده على المشتري الأول، فهذا على وجهين:

الأول: أن يكون الرد منه قبل القبض، وفي هذا الوجه للمشتري الأول أن يرده على البائع الأول سواء كان الرد بقضاء أو بغير قضاء (إن كان الرد بقضاء؛ فلأن) الرد قبل القبض فسخ للعقد من الأصل في حق الناس كافة، وإن كان بغير قضاء؛ لأنه تصرف دفع وامتناع من القبض وولاية الدفع عامة (107أ3) فظهر أمره في حق الكل، ولهذا لم يتوقف على قضاء القاضي.
وهذا المعنى يعم العقار والمنقول جميعاً.
ومعنى آخر يخصّ المنقول أن الرد بالعيب قبل القبض لايمكن أن يعتبر بيعاً جديداً أصلاً؛ لأن بيع المنقول قبل القبض لايجوز، فجعلناه فسخاً في حق الكل أصلاً، فصار كأنه لم يبع، فعلى هذا التعليل لايرد العقار عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن بيع العقار قبل القبض جائز، فأمكن أن يعتبر بيعاً جديداً في حق البائع الأول.
وهذا فصل اختلف فيه المشايخ واختلفت فيه الروايات: أن الرد بالعيب قبل القبض بغير قضاء في العقار هل يعتبر بيعاً جديداً في حق الثالث، ذكر في كتاب الشفعة أنه لايعتبر، قال شيخ الاسلام: ماذكر في كتاب الشفعة قول محمد، فإن بيع العقار قبل القبض عنده لايجوز، أما على قول أبي حنيفة يعتبر بيعاً جديداً؛ لأن عنده بيع العقار قبل القبض جائز، وبعض مشايخنا قالوا: ماذكر في الشفعة قول الكل فنقابل عند الفتوى.
و (الثاني) : إن كان الرد من المشتري الثاني بعد القبض، إن كان الرد برضا المشتري الآخر من غير قضاء، فالمشتري الأول لا يرده على بائعه؛ لأن الرد بالعيب بالتراضي فسخ في حق المتعاقدين عملاً باللفظ، وعقد جديد في حق الثالث عملاً بالمعنى، وهو التمليك والملك بالتراضي، والبائع الأول ثالثهما، فصار في حق البائع الأول كأن المشتري الأول اشتراه ثانياً، فلا يكون له حق الخصومة مع بائعه لافي الرد ولا في الرجوع بنقصان العيب.
وفي «القدوري» عن محمد فيمن اشترى ديناراً بدرهم وقبض الدينار وباعه من ثالث، ثم وجد المشتري الآخر به عيباً فرده على الأوسط بغير قضاء كان للأوسط أن يرده على الأول، لا يشبه هذا العروض، وقد مرت المسألة من قبل، وهذا إذا كان عيباً يحدث مثله، فأما إذا كان عيباً لايحدث مثله، فعلى رواية البيوع والإقرار يرد على بائعه، وعلى رواية «الجامعين» والمأذون والوكالة لايرد على بائعه.

وإن كان الرد بقضاء قاض فهو على ثلاثة أوجه: فإن كان الرد بالبينة كان للمشتري الأول أن يرد على بائعه إذا ثبت أن العيب كان عند بائعه؛ لأن الرد بالبينة فسخ في حق الثالث إذ ليس فيه معنى البيع وهو التمليك

(6/610)


والتملك، وإن حصل الرد بنكوله أو بإقراره بقضاء القاضي بأن أقر بالعيب أولاً، ثم أبى القبول، فكذلك الجواب عند علمائنا يرده على البائع الأول؛ لأن هذا فسخ حصل بقضاء القاضي بغير رضا المشتري الأول، فيكون فسخاً في حق الكل كما لو حصل الرد بالبينة.

وإنما قلنا حصل بغير رضا المشتري الأول أما نصاً فظاهر، وأما دلالة فلأن الرضا بالفسخ بطريق الدلالة لو ثبت يثبت من حيث إنه باشر سبب الفسخ بالنكول أو الإقرار بالعيب، ليس بسبب للفسخ، فإن الفسخ لايوجد وإنما يوجد بقضاء قاض عن اختيار، وحكم الشيء ما يثبت به من غير أن يتخلل بين السبب وبين الحكم بفعل فاعل مختار، أكثر ما فيه أن القاضي مضطر في هذا، وهذا الاضطرار إنما جاء من جهة المشتري الأول بإقراره أو بنكوله، فيكون بمعنى المكره من جهته، وفعل المكره يتنقل إلى المكره، فيصير كأن المشتري الأول باشر الفسخ بنفسه، إلا أن نقول: فعل المكره إنما يتنقل إلى المكره فيما صلح آلة للمكره كما في القتل والإتلاف، وأما فيما لايصلح آلة للمكره فعل المكره لا يتنقل إليه. ألا ترى أن في حق الإثم في الإكراه على القتل لايصير فعل المكره منقولاً إلى المكره؟ لأنه في حق الإثم لا يصلح إلا له، وأما القاضي لا يصلح إلا للمشتري الأول في حق القضاء بالفسخ؛ لأن القضاء بالفسخ يكون بالكلام، والإنسان لا يصلح آلة لغيره في الكلام؛ إذ لا يتصور أن يصير الشخص الواحد متكلماً بكلام غيره. قال بعض مشايخنا: هذا الجواب الذي ذكر في فصل البينة والنكول مستقيم إذا لم يجحد المشتري الأول أن هذا العيب كان عنده بل سكت، فإن البينة على الساكت مسموعة، والساكت يستحلف أيضاً، فأما إذا جحد الأول أن هذا العيب كان عنده ورد عليه بالنكول أو بالبينة، فعلى قول أبي محمد: ليس له أن يخاصم البائع الأول لمكان التناقض، وعلى قول أبي يوسف: له ذلك؛ لأن القاضي لما قضى عليه بالرد فقد أبطل جحوده والتحق بالعدم.

وعامتهم على أن الجواب في فصل الإقرار هكذا إن سبق منه الجحود نصاً، بأن قال: بعتها وما به هذا العيب، وإنما حدث عندك، ثم أقر به بعد ذلك وأبى القبول، فرد عليه القاضي لايكون له مخاصمة بائعه عند محمد؛ لأنه حصل مقراً لبائعه بسلامة العبد عند العيب حيث قال للمشتري الثاني: لم يكن به هذا العيب حين بعتها منك، لو بطل إقراره للبائع الأول بسلامته عن العيب، إنما يبطل بإقراره الثاني بعد ذلك، ولا يقدر المقر له على إبطال إقراره الأول بإقرار يكون منه بعد ذلك، فبقي إقراره الأول بسلامة المبيع عن هذا العيب عند البائع الأول، فلا يصح منه دعوى كون السلعة معيبة بعد ذلك لمكان التناقض.

وذكر في «المنتقى» : إذا اشترى عبداً وقبضه وأراد أن يرده على بائعه بالعيب فقال البائع: هذا العيب حدث عندك واستحلف القاضي البائع، فأبى أن يحلف فرده عليه قال: له أن يرده على بائعه، أي: له أن يخاصم بائعه فيه و (لو) لم يأب اليمين ولكن أقر بالعيب فرد عليه بإقراره لم يكن له أن يخاصم بائعه، فقد ذكر المسألة مطلقاً من غير تفصيل.

(6/611)


وفي «نوادر هشام» : عن محمد في رجل اشترى من آخر داراً وقبضها، ثم ردها بعيب بغير قضاء، قال: كان أبو حنيفة يقول مرة: كل شيء لو رفعا إلى القاضي قضى به، ففعل هذا دون القاضي، فهو على حقه مع بائعه الأول.
ولو وهبها وسلم، ثم رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء، فله أن يردها على بائعه بناء على أن الرجوع في الهبة فسخ من كل وجه سواء كان بقضاء أو بغير قضاء، وفيه كلمات كثيرة قد ذكرناها في كتاب الهبة من هذا الكتاب.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى من آخر جارية وباعها من غيره، فظهر بها عيب عند المشتري الآخر مما يحدث، فجاء به إلى المشتري الأول وأراد الرد عليه، فقال المشتري الأول: بعتها وما كان بها هذا العيب، وإنما حدث عندك وأقام المشتري الآخر بينة أن هذا العيب كان بها عند البائع الأول، فردها القاضي على المشتري الأول، فللأول أن يردها بذلك العيب على البائع الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله (وعند محمد رحمه الله) لا يردها.
وجه قول محمد: أن المشتري الأول لما ادعى حدوث العيب عند المشتري الثاني، فقد أنكر قيامه عنده وأقر أنه لم يكن عند البائع الأول، وبقضاء القاضي صار مكذباً في إنكاره في إقراره؛ لأن شرط جواز القضاء بالرد على المشتري قيام العيب عند بائعه، فبقي حكم إقراره (107ب3) فلا يكون له أن يخاصم بائعه.
ولهما: أن المشتري الأول صار مكذباً شرعاً فيما زعم بقضاء القاضي عليه بالرد، والتحق زعمه بالعدم.
نظيره مسألة الشفعة فإن المشتري إذا أقر بالشراء بألف والدار في يديه وأقام البائع بينة على البائع بألفين، فالشفيع يأخذ من المشتري بألفين، وإن زعم المشتري أن حقه في الألف ولكن لما صار مكذبا شرعاً بقضاء القاضي التحق زعمه بالعدم، وما يقول بأنه صار مكذباً فيما أنكر لافيما أقر، قلنا: الإقرار بعدم العيب عند البائع الأول لم يؤخذ نصاً، وإنما يثبت في ضمن دعوى الحدوث في يد المشتري الثاني، وإذا صار مكذباً في المتضمن بطل المتضمن ضرورة.

هذا إذا أقام المشتري الآخر بينة على أن هذا العيب كان عند البائع، فأما إذا أقام بينة أن هذا العيب كان عند المشتري الأول لم يذكر هذا الفصل في «الجامع» ، وإنما ذكر في إقرار الأصل، وقال: ليس للمشتري الأول مخاصمة بائعه بالإجماع، ووجه ذلك: أن المشتري الأول لم يصر مكذباً فيما أقر من كون الجارية سليمة وقت شرائه عند البائع الأول؛ لأن المقر الأول إنما يصير مكذباً في إقراره إذا قضى القاضي بالبينة عليه بخلاف ما أقر به، وهنا القاضي لم يقض على المشتري الأول بخلاف ما أقر به؛ لأن المشتري الأول أقر بكونها سليمة وقت شرائه إياها عند البائع الأول، والقاضي قضى بكونها معيبة وقت بيع الأول من المشتري الثاني؛ لأن القاضي قضى بالرد على المشتري الأول، وشرط كونها معيبة عند المشتري الأول؛ لأن عند البائع الأول لم يثبت بقضاء القاضي

(6/612)


كونها معيبة عند البائع فلا يصير المشتري الأول مكذباً في إقراره بكونها معيبة عند البائع الأول، فلهذا لايكون له مخاصمة البائع الأول، وقود هذا التعليل أن لا يكون للمشتري الأول حق مخاصمة بائعه في المسألة الأولى بالاجماع، وقود ماذكر من العلة لهما في المسألة الأولى أن يكون للمشتري الأول حق مخاصمة بائعه عندهما في هذه المسألة أيضاً.
وفي «المنتقى» : اشترى من آخر داراً وسلمها إلى إنسان، ثم افترقا قبل القبض، ثم رأى المشتري بالدار عيباً فله أن يردها على بائعها وإن لم يتفرقا حتى يتقاضى السلم، فليس له أن يردها على بائعها، وهذا يجب أن يكون على قول محمد؛ لأن بيع العقار قبل القبض عنده لايجوز، فلا يمكن أن تجعل هذه المناقضة بيعاً جديداً في حق البائع الأول، وقد ذكرنا جنس هذا في أول الفصل.

نوع آخر منه
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى من آخر عبداً بألف درهم وقبضه، ثم باعه من آخر بمائة دينار وتقابضا، ثم إن المشتري الآخر لقي بائعه وزاد في الثمن خمسين ديناراً، حتى صحت الزيادة ودفع المشتري الزيادة إلى البائع، ثم وجد المشتري بالعبد عيباً فرده على البائع بقضاء قاضٍ استرد الثمن والزيادة جميعاً، وكان للمشتري الأول أن يرد على بائعه؛ لأن المبيع عاد إلى قديم ملكه، وكأن المشتري الآخر لم يزده في الثمن شيئاً، ولكنهما التقيا فجدد العقد بينهما بألفي درهم صح، وينقض البيع الأول بطريق الاقتصار كأنهما تقابلا، ثم تعاقدا، فإن وجد المشتري الآخر بالعبد عيباً فرده لم يكن لبائعه أن يرده على بائعه الأول؛ لأن هذا الرد لايعود إليه قديم ملكه بالعقد الأول، لما عرف أن الإقالة عقد جديد في حق الثالث، والبائع الأول ثالثهما، فصار في حق البائع الأول كأن المشتري الأول اشتراه ثانياً من المشتري الآخر، فلم يعد إلى المشتري الأول بالرد بالعيب الملك المستفاد من جهة البائع الأول بخلاف الزيادة؛ لأنها لاتوجب فسخ العقد الأول على أصح الأقوال؛ لأن الزيادة تصرف في وصف العقد، والتصرف في وصف البيع تقريراً لأصله، فعاد إلى المشتري الأول بالرد عليه قديم ملكه، أما ههنا بخلافه.

ولو كان المشتري الثاني زاد في الثمن عرضاً بعينه، ثم وجد بالعبد عيباً ورده على المشتري الأول بقضاء، رده المشتري الأول على البائع الأول لما مر، وإن لم يجد المشتري الثاني بالعبد عيباً لكنه هلك العرض قبل أن يقبض البائع الثاني، وقيمة العرض خمسون ديناراً، فإنه ينقض العقد في ثلث العقد ويكون ذلك الثلث إلى البائع الثاني؛ لأن الزيادة إذا صحت التحقت بأصل العقد، ويصير كأن المشتري الثاني اشتراه بمائة دينار، وعرض قيمته خمسون ديناراً، فإن وجد المشتري بعد ذلك بالعبد عيباً ورد الثلثين الباقيين على البائع الثاني بقضاء، فإن للبائع الثاني أن يرد العبد على البائع بذلك العيب؛ لأنه عاد إلى البائع الثاني ملكه الذي استفاده من جهة البائع؛ لأن في الثلث انتقض العقد بهلاك أحد العرضين وإنه فسخ من الأصل، وفي الثلثين انتقض العقد بالرد بقضاء القاضي، وإنه

(6/613)


فسخ من الأصل أيضاً، ولو كان لم يهلك العرض ولكن إقالة البيع في ثلث العبد، ثم وجد بالباقي عيباً يرده على بائعه، أما في الثلث ما عاد إليه الملك المستفاد من جهة البائع الأول، وأما في الثلثين، فحتى لايتضرر البائع الأول ضرر عيب الشركة.

نوع آخر منه

رجل اشترى من رجل عبداً بألف درهم وتقابضا، وباعه من آخر، فجحد المشتري الآخر فخاصمه المشتري الأول إلى القاضي ولم يكن له بينة فحلف، وعزم المشتري الأول على ترك الخصومة، ثم وجد به عيباً كان عند البائع الأول، فأراد رده على البائع الأول، فاحتج عليه البائع الأول بدعواه البيع من المشتري الثاني، فالقاضي يرده عليه ولا يبطل حقه بدعواه البيع من الثاني؛ لأن دعوى المشتري البيع من الثاني قد بطلت بيمين، حجة قاطعة لخصومته ههنا، فبطل دعواه بيمين الثاني، والتحق بالعدم، إلا أن المشتري متى علم أنه صادق في دعوى البيع لا يسعه فيما بينه وبين الله تعالى، إلا إذا عزم أن لا يخاصم الثاني، إذا وجد بينة يوماً من الدهر، فحينئذ يسعه الرد فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن بجحود الثاني ينفسخ العقد في حقه على ماعرف ويتوقف الفسخ في حق المشتري الأول، فإذا عزم على ترك الخصومة فقد ساعده على الفسخ فينفسخ العقد فيما بينهما.
قالوا: وهذا إذا عزم المشتري على ترك الخصومة بعدما حلف الثاني، أما إذا عزم على ترك الخصومة قبل حلف الثاني، فليس له أن يخاصم بائعه، والفرق: أن بعد حلف الثاني، ولم يكن للمشتري الأول بينة ينعقد إبقاء العقد فيكون الأول (108أ3) مضطراً في مساعدة في الفسخ فلم يحتمل معنى المبادلة، فكان فسخاً من كل وجه في حق الناس كافة، فأقبل حلف الثاني، فالمشتري الأول غير مضطر في فسخ البيع الثاني، فاعتبر هذه المساعدة منه بيعاً جديداً في حق الثالث، فلا يكون له مخاصمة البائع الأول، وإن صدقه المشتري الآخر في الشراء وتصادقا أن البيع بينهما كان تلجئة وسمعة، فرده على المشتري الأول، ثم وجد المشتري بالعبد عيباً كان عند بائعه كان له أن يرده على بائعه؛ لأن البيع بينهما إنما ظهر بإقرارهما قائماً يثبت على الوجه الذي أقرا به، وقد أقرا أنه ثبت كذلك والبيع تلجئة لا يزيل المبيع عن ملك البائع، فبقي الملك المشترى المستفاد من جهة بائعه على حاله فلا يمتنع الرد، وكذلك إن اتفقا على أنهما كانا بالخيار في هذا البيع، أو على أن فلانا منهما بعينه كان بالخيار، فرده صاحب الخيار رده المشتري الأول على بائعه، وكذلك لو أنفقا على المشتري الثاني لم يرده ورد بخيار الرؤية، فللمشتري الأول أن يرده على بائعه؛ لأن الرد بخيار الشرط وبخيار الرؤية فسخ للعقد من الأصل في حق الناس كافة، وكذلك إن اتفقا أن البيع الثاني كان بألف درهم إلى العطاء فرد البيع الثاني، فللمشتري الأول أن يرده على بائعه؛ لأن البيع إلى العطاء بيع فاسد، والرد بفساد السبب فسخ في حق الناس كافة.

ولو تصادق المشتري الأول والثاني على جريان بيع بات بينهما، ثم خير أحدهما صاحبه بثلاثة أيام ولياليها جاز وقد مر هذا في فصل الجناية.

ولو أن من شرط له الخيار في هذه الصورة نقض البيع لم يكن للمشتري الأول أن

(6/614)


يرده على بائعه بحكم العيب؛ لأن البيع في الأصل لما وقع باتاً تعلق به حق البائع الأول، وهو انقطاع حق المشتري الأول في الرد، فهما في إثبات الخيار وتحصيل الفسخ يريدان إبطال ذلك الحق على البائع الأول، وليس لهما هذه الولاية، ولو لم يخير أحدهما صاحبه بالفسخ ولكن وجد المشتري بالعبد عيباً ورده على المشتري الأول، فأراد المشتري أن يرده على البائع الأول، فقد ذكرنا هذا الفصل تمامه قبل هذا.
ولو أن المشتري الأول مع المشتري الثاني أقرًّ بالبيع الثاني عند القاضي، ثم جحد البيع، وأنكرا أن يكونا أقرا عنده بشيء جعلا عند القاضي جحودهما فسخاً للعقد؛ لأن الجحود جعل كناية شرعاً عن الفسخ، فإن أراد المشتري الأول الرد بعد ذلك لم يكن له ذلك؛ لأن البيع قد ثبت عند القاضي بإقرارهما، وجحودهما جعل نقضاً باختيارهما، فكان بمنزلة الإقالة، حتى لو أراد المشتري الآخر إمساك العبد بعد ذلك ليس له ذلك، وكذلك لو أعتقه المشتري الآخر لم يصح إعتاقه، ولو أعتقه المشتري صح؛ لأن الإقالة تمت فيما بينهما.

رجل اشترى عبداً وقبضه ووجد به عيباً فأراد أن يرده، فأقام البائع بينة أن المشتري أقر أنه باعه من فلان قبلت بنيته ولم يكن للمشتري أن يرده، سواء كان فلان حاضراً أو غائباً، فرق بين هذا وبينما إذا أقام البينة أن المشتري باعه من فلان الغائب حيث لا تقبل بنيته، وكان للمشتري أن يرده عليه بالعيب، والفرق: أن في الفصل الأول قامت على إثبات إقرار المشتري الأول، والمشتري الأول حاضر، وليس في قبولها قضاء على الغائب بالبيع؛ لأن الإقرار حجة قاصرة فقبلت، وثبت إقرار المشتري الأول بالبيع، فلا يتمكن من الرد بعد ذلك. أما في الفصل الثاني البينة قامت على إثبات البيع من الغائب، وذلك ممتنع لما فيه من القضاء على الغائب من غير أن يكون خصم حاضر، فلم تقبل هذه البينة، وصار وجودها والعدم بمنزلة، ولو انعدمت كان للمشتري أن يرده على البائع بالعيب كذا هنا.
ولو كان البائع أقام البينة أن المشتري باع هذا العبد من هذا الرجل وهو حاضر لكنهما يجحدان البيع والشراء لم يرده المشتري الأول؛ لأن البينة في هذه الصورة قامت على خصمين حاضرين فقبلت وثبت البيع بينهما، فإذا تجاحدا البيع جعل ذلك إقالة منهما للبيع، والإقالة بيع جديد في حق الثالث، والبائع الأول ثالثهما، فاعتبر في حقه بيعاً جديداً، فبطل حق الرد بالعيب والله أعلم.

(6/615)


الفصل الخامس عشر: في بيع المرابحة والتولية والوضعية
المرابحة بمثل الثمن الأول وزيادة، والتولية بيع بمثل الثمن الأول من غير زيادة والوضيعة بمثل الثمن الأول مع نقصان معلوم، والكل جائز؛ لأن المبيع معلوم والثمن معلوم، ولأن الناس تعاملوا ذلك كله من غير نكير منكر، وتعامل الناس حجة يترك بها القياس، ويخص بهذا الأثر.

قال محمد رحمه الله: إذا اشترى شيئاً فباعه مرابحة، فإن كان البدل في العقد الأول من ذوات الأمثال، جاز بيعه مرابحة سواء جعل الربح من جنس رأس المال أو من غيره، إذا كان معلوماً يجوز الشراء به؛ لأن الربح جزء من أجزاء الثمن، كما يجوز أن يكون من جنس واحد يجوز أن يكون من جنسين، ولكن بشرط أن يكون معلوماً يجوز الشراء به، وإن لم يكن البدل في العقد الأول من ذوات الأمثال فباعه مرابحة ممن لايملك ذلك البيع، فالبيع باطل؛ لأن الثمن في بيع المرابحة مثل الثمن الأول وزيادة ربح، فإذا لم يكن الثمن الأول من ذوات الامثال والمشتري لا يملك عين ذلك الثمن، لو انعقد العقد ينعقد بقيمة ذلك الثمن وهي مجهولة لاتعرف إلا بالحزر والظن، وجهالة الثمن تمنع جواز العقد.
وإن كان يملكه فهو على وجهين: إن باعه بربح درهم أو شيء موصوف جاز العقد؛ لأنه يقدر على تسليم ما التزم، وإن باعه بربح «ده يازده» فالبيع باطل؛ لأنه جعل الربح من جنس رأس المال، فإنه جعل الربح مثل عشر الثمن، وعشر الشيء يكون من جنسه، فإذا لم يكن الثمن من ذوات الأمثال يصير العقد منعقداً بالثمن الأول وتنقص قيمته وهذا لا يجوز.
ولو اشترى ثوباً بعشرة فأعطي بها ديناراً أو ثوباً، فرأس المال العشرة، حتى لو باعه مرابحه لزم المشتري الثاني عشرة لا ما نقد المشتري الأول؛ لأن الثمن ما ملك بالعقد،

(7/3)


والمملوك بالعقد الأول العشرة دون الثوب والدينار.
ولو اشترى ثوباً بعشرة خلاف نقد البلد، فباعه بربح درهم فالعشرة مثل ما نقد، والربح من نقد البلد؛ لأن رأس المال يجب أن يكون مثل الأول، فلا يتغير بنقد البلد، أما الربح فدرهم ذكره مطلقاً، ومطلق اسم الدرهم ينصرف إلى نقد البلد، ولو نسب الربح إلى رأس المال، فقال: أبيعك «ده يازده» فالربح من جنس الثمن؛ لأنه جعل الربح جزءاً للثمن حيث جعله مثل عشره فكان (108ب3) على صفة ضرورة.

في «المنتقى» : باع من رجل متاعاً مرابحة، وأخبره أن رأس ماله مائة دينار، فلما أن أراد أن يدفع الثمن قال: اشتريت بمائة دينار شامية والبيع ببغداد، قال: ليس له إلا نقد بغداد، وإن أقام البينة أن رأس ماله مائة دينار شامية قبلت بينته ويكون المشتري بالخيار.

وفيه: رواه ابن سماعة عن محمد بشر عن أبي يوسف: رجل اشترى متاعاً بنيسابور، فقدم بلخ ولم يبين أنه اشتراه بنقد نيسابور، فقال ببلخ: قام علي هذا المتاع بكذا، فأبيعه بربح مائة درهم أو بربح ده دوازده، فإن الربح ورأس المال نقد بلخ، إلا أن يصدقه المشتري أنه نقد نيسابور أو تقوم بينته.
وإذا كان نقد نيسابور دون نقد بلخ في الوزن والجودة، فقال: قام علي بكذا، ولم يبين أنه نقد نيسابور كان رأس المال والربح على نقد نيسابور، وإذا كان نقد نيسابور أكثر وزناً وأجود من نقد بلخ ولا يعلم المشتري بذلك، فاشتراه على أنه نقد نيسابور وهو بلخ، ثم علم أن نقد نيسابور أكثر وزناً وأجود من نقد بلخ، فللمشتري الخيار إن شاء أخذه، وإن شاء ترك.
وإذا اختار البائع في رأس المال في بيع المرابحة والتولية، قال أبو حنيفة: يحط قدر الجناية في التولية ويتخير في المرابحة، إن شاء أخذ بجميع المذكور، وإن شاء ترك، وقال أبو يوسف: يحط الجناية في التولية وفي المرابحة يحط الجناية وحصتها من الربح، وقال محمد: يثبت له الخيار في الموضعين، إن شاء أخذ بجميع الثمن، وإن شاء ترك.
وجه قول أبي يوسف: أن العقد الثاني في المرابحة والتولية في حق الثمن بناء على الأول، وقدر الجناية لم يكن ثمناً في العقد الأول، فلا يمكن إثباته في العقد الثاني، وإذا سقط قدر الجناية سقط حصته من الربح في بيع المرابحة ضرورة.

وجه قول محمد: أنهما كانا باشرا عقداً باختيارهما ثمن سماه، فينعقد بجميع ذلك الثمن كما لو باعه مساومة وزاد؛ لأن انعقاد السبب الثاني يعتمد التراضي منهما، ولا يتم رضا المشتري الأول إذا لم يحجب له جميع الثمن المسمى، إلا أنه دلس على المشتري

(7/4)


الثاني، والتدليس ثبت الخيار للمشتري كتدليس العيب.
ولأبي حنيفة رحمه الله في الفرق بين المرابحة والتوليه أن في إثبات الجناية في التولية، يعتبر العقد عن موضوع ما صرحا به؛ لأنهما صرحا بالتولية ومع الجناية هو مرابحة لا يكون معتبراً للعقد؛ لأنهما صرحا بالمرابحة أكثر مما ظنه المشتري، غير أن البائع دلس على المشتري بتسمية بعض الربح رأس المال، والتدليس يثبت الخيار.
ولو هلك المبيع أو حدث به ما يمنع الفسخ عند ظهور الجناية سقط خياره، ولا شيء له في قول أبي حنيفة، وهو المشهور من قول محمد رحمه الله؛ لأنه تعذر الرد بما حدث من الهلاك أو غيره، وتعذر الرد يسقط الخيار كما في خيار الرؤية وخيار الشرط، وروي ابن سماعة عن محمد رحمه الله أن المشتري يرد قيمة المبيع ويرجع على البائع بالثمن، وإذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن باعه مرابحة بما بقي بعد الحط، وكذلك لو حط عنه بعد ما باع حط ذلك من المشتري الثاني مع حصته من الربح وكان له ولاية حط ذلك عن المشتري الآخر.

ولو زاد المشتري البائع في الثمن زيادة، باعه مرابحة على الأصل والزيادة جميعاً، وهذا مذهب علمائنا الثلاث رحمهم الله، بناءً على أن الزيادة في الثمن والحط عنه ملتحق بأصل العقد، ويجعل كأن العقد ورد ابتداء على هذا القدر، وقد جرت المسألة من قبل.

قال محمد في «الكتاب» : لو حط عنه بعد ما باع حط ذلك عن المشتري الثاني مع حصته من الربح، إشارة إلى أنه لا يحط ذلك عن المشتري الآخر بنفس الحط عن الأول مالم يحط عنه، وهذا فصل قد اختلف المشايخ فيه، منهم من قال: لا يحط ذلك عن المشتري الآخر ما لم يحط عنه، ومنهم من قال: ينحط عنه بنفس الحط عن الأول.
ولو اشترى ثوباً ولم ينقد ثمنه، ثم باعه مرابحة جاز، فإن أخر الثمن منه شهراً بعد ذلك لم يلزمه أن يؤخر عن المشتري ولا يشبه هذا الحط.
ولو اشترى ثوباً بعشرة فباعه مرابحة باثني عشر، ثم اشتراه ثانياً عشرة باعه مرابحة على ثمانية في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يبيعه مرابحة على عشرة؛ لأن الشراء جديد فنبني عليه بيع المرابحة، كما لو باعه المشتري من ثالث، ثم إن البائع اشترى من ذلك الثالث، ولأبي حنيفة: أنه لما باعه أولاً وربح، كان الربح على شرف السقوط بأن يرد بالعيب أو يبطل العقد بسبب من الأسباب، فلما اشتراه منه بعد ذلك تأكد الربح، والتأكيد إثبات من وجه، فصار كأنه اشترى الربح والثوب بذلك الثمن، فيصير مقدار الربح من الثمن بمقابلته، ويبقى الباقي بمقابلة الثوب فيبيعه مرابحة على ذلك القدر احتياطاً؛ لأن باب المرابحة مما يحتاط فيه؛ لأنه من باب الربا فيلحق الشبهة منه بالحقيقة، فعلى هذا عند أبي حنيفة: لو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين، ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلاً.

(7/5)


نوع آخر فيما يحدث بالسلعة
مما يجب أن يبين وما لا يجب: وإذا حدث عيب في يد البائع بالمبيع، أو في يد المشتري بآفه سماوية، أو بفعل المبيع فله أن يبيعه مرابحة بجميع الثمن من غير بيان عند علمائنا الثلاث رحمهم الله؛ لأن جميع ما يقابله الثمن قائم؛ لأن الفائت وصف، والأوصاف لا يقابله شيء من الثمن إذا فاتت من غير صنع واحد، ومعنى إذ الأمانة بالصدق إذا نفى جميع ما يقابله الثمن، ولو كان الحادث من فعله، أو فعل أجنبي لم يبعه مرابحة حتى يبين، أما إذا حدث بفعله فلأنه حبس جزءاً من المبيع بجنايته، والأوصاف إذا صارت مقابلاً بالتبادل صار لها حصة من الثمن، وأما إذا حدث بفعل أجنبي فلأن جناية الأجنبي موجبة للضمان عليه، فيكون المشتري حابساً بدل جزء المعقود عليه، وذلك مبلغه من بيع المرابحة حتى يبين.
وفي «المنتقى» : اشترى عبداً وقبضه، ثم جاء أعور أو أعمى لم يبعه مرابحة، وكل ما ينقصه مما يحدث به من العيب عنده بقدر ما لا يتغابن الناس في مثله لم يبعه مرابحة، وكذلك إذا جابى لبائع، وكذلك إن حدث من المبيع نماء وهو قائم في يده كالثمرة والولد والصوف، أو هلك بفعله، أو بفعل أجنبي لم يبعه مرابحة حتى يبين، أما قبل الهلاك فإن المستولد من نفس المبيع له حكم المبيع، وفي ذلك نوع خيانة، وأما إذا هلك بفعله، أو بفعل أجنبي فلما مر، ولو هلك بآفة سماوية جاز له أن يبيعه مرابحة من غير بيان، ولو استغل الدار والأرض جاز أن يبيعه مرابحة من غير بيان؛ لأن العلة ليست بمتولدة من العين، ولهذا لا يمنع استيفاؤها الرد بالعيب فلا يكون (109أ3) حابساً شيئاً من المعقود عليه باعتبارها؛ لأن العلة بدل المنفعة واستيفاء المنفعة لا يمنع من بيعها مرابحة؛ وهذا لأنه أنفق عليها ... من المنفعة، فإذا كان استيفاء عين المنفعة لا يمنع من بيع المرابحة، فكذا استيفاء بدل المنفعة.

قال: ولو اشترى جارية ثيباً فوطئها جاز أن يبيعها مرابحة، وإن كانت بكراً لم يبعها مرابحة حتى يبين، والفرق هو أن المستوفى بوطء الثيب لا يقابله شيء من البدل؛ لأنه ليس بمال الاستخدام، وإن الحق بتفويت الحر في عين الملك بخلاف ما إذا كانت بكراً؛ لأن العذارة ... هو مال ويقابلها شيء من الثمن، فصار إزالتها كقطع العضو.
قال: ولو اشترى نسيئة لم يبعه مرابحة حتى يبين؛ لأن الأجل نسبه كونه مبيعاً، فإنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، فألحق بحقيقته احتياطاً، فصار كأنه اشترى شيئين، ثم أراد أن يبيع أحدهما مرابحة على كل الثمن، وذلك لا يجوز من غير بيان فههنا كذلك، وهذا

(7/6)


في الأجل المشروط، فإن لم يكن الأجل مشروطاً إلا أنه متعارف موهوم فيما بين التجار، مثل البياع يبيع الشيء من إنسان ولا يطالبه بالثمن بل يأخذه منه منجماً في كل شهر، أو في كل عشرة أيام هل عليه أن يبين ذلك في بيع المرابحة؟ أكثر المشايخ أنه ليس عليه ذلك، وروي عن أبي يوسف أنه لا يبيعه مرابحة حتى يتبين حاله، وبه أخذ بعض المشايخ، ثم في الأجل المشروط إذا باعه من غير بيان وعلم به المشتري فله الخيار، إن شاء رضي به وأمسكه، وإن شاء رده.

ذكر المسألة في «الأصل» وفي «الجامع الصغير» ، وتصير هذه المسألة رواية فيمن اشترى شيئاً وصار مغبوناً فيه غبناً فاحشاً له أن يرده على البائع بحكم الغبن، وإليه أشار محمد رحمه الله في الصلح عن العيوب، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله يحكي عن أستاذه يقول: في المسألة روايتان عن أصحابنا: وكان يفتي برواية الرد رفقاً بالناس، وكان القاضي الإمام صدر الإسلام أبو اليسر، والقاضي الإمام ركن الإسلام أبو بكر.... والقاضي الإمام جمال الدين.... مولى جدي رحمهم الله يفتون أن البائع إن قال للمشتري: قيمة متاعي كذا، إذا قال: متاعي يساوي كذا فاشترى بناء على ذلك، ثم ظهر بخلافه أن له الرد بحكم التغرير، أما إذا لم يقل ذلك، فليس له الرد، وغيرهم كانوا لا يفتون بالرد على كل حال، والصحيح: أن يفتى بالرد إذا وجد التغرير، وبدونه لا يفتى بالرد.
قال: ولو اشترى من إنسان بدين عليه كان له أن يبيعه مرابحة على قدر الدين، ولو صالح من الدين على ثوب لم يجز له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين الفرق وهو أن مبنى الصلح على الحط والتجوز بدون الحق، والمشتري الثاني اعتمد مما كسبه الأول، فإذا ترك الأول المماكسة في عقد الصلح كان في بيعه مرابحة من غير بيان نوع جناية فلا يفعل، فأما الشراء فمبناه على المماكسة، فكان الشراء بالدين والثمن النقد سواء، فجاز له أن يبيعه مرابحة من غير بيان، وعن أبي يوسف في فصل الصلح أنه إذا زاد في ثمنه أكثر مما يتغابن الناس فيه، فإنه لا يبيعه مرابحة حتى يبين، وإن كان أخذه بقيمته أو بنحو ذلك باعه مرابحة من غير بيان.
قال: وقال أبو حنيفة: إذا اشترى ممن لا تجوز شهادته له لم يجز له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين. وقال أبو يوسف ومحمد: له أن يبيعه مرابحة. ولو اشترى من عبده أو مكاتبه لم يجز بيعه مرابحة بالاتفاق حتى يبين.

فوجه قولهما: أنه ليس لأحدهما في مال صاحبه ملك ولا حق، فكانا في ذلك بمنزلة الأخوين بخلاف العبد والمكاتب؛ لأن كسب العبد لمولاه وما حصل لمكاتبه من

(7/7)


وجه كأنه لمولاه، فكان الشراء عدما من ذلك الوجه بخلاف ما نحن فيه.
ولأبي حنيفة: أن ما يحصله المرء لهؤلاء (ما) بمنزلة يحصله لنفسه من وجه، ولهذا لا تقبل شهادته لهؤلاء، فباعتبار هذا الوجه صاروا في حقه بمنزلة العبد والمكاتب، ولا يشاركه بعض هؤلاء مع البعض في المعاملة، أو ظاهر فيثبت معنى الجناية بترك البيان.
وفي «المنتقى» : إذا اشترى الرجل شيئاً بغلاء والزيادة مما لا يتغابن الناس في مثله، فله أن يبيعه مرابحة ولا يبين، وإذا جاوزت الزيادة ذلك والمشتري يعلم لا يبيعه مرابحة ما لم يبين، وإن كان لا يعلم وسعه أن يبيعه ولا يبين.

قال: وإذا كانت الزيادة في الأمر البين الذي لا يحتاج الناس إلى أن تبين فيه المحاباة فليس عليه أن يبين، نحو أن يشتري فلساً بدرهم، فهذا معروف فيما بين الناس أن الفلس لا يباع بدرهم، فإن باع هذا ولم يبينه وسعه إلا أن يشتريه منه بجهل ذلك، فإن كان كذلك لم يبعه حتى يبين كما يبين في النسبة.
وفيه أيضاً: وهب لرجل ثوباً على عوض اشترط وتقابضا، فليس له أن يبيعه مرابحة في قياس قول أبي حنيفة وهذا مثل الصلح، وأما في قياس قول أبي يوسف إن كان العوض مثل قيمة الهبة فلا بأس بأن يقول: قام علي بكذا، ولا يقول اشتريته بكذا، وكذلك إن حط عن العوض ما يتغابن الناس فيه، وإن حط أكثر من ذلك لم يجز له أن يبيعه مرابحة بألف، ويقول: قام علي بكذا، وللشفيع أن يأخذها بالشفعة بألف. /
وفي «نوادر هشام» قال: سألت أبا يوسف عن رجل اشترى من رجل متاعاً بدراهم له عليه من ثمن المتاع، وهذا المتاع إن أصاب في يد غيره لم يشتره من ذلك الثمن بالنصف، قال: كان هكذا فلا يبيعه مرابحة حتى يبين؛ لأنه قد حاباه.

وفيه أيضاً: إذا اشترى عبداً بألف درهم ببعض لها صرف ونقد في ثمنه غلة، فلا صرف لها، فإنه يبيعه على الغلة التي نقدها؛ لأن قبول البائع نقداً دون نقده حط عن الثمن.
وفي «نوادر هشام» قال: قلت لأبي يوسف في رجل اشترى ثوباً بعشرة جياد ونقده زيوفاً، قال في قول أبي حنيفة يبيعه مرابحة على عشرة زيوف، وقال أبو يوسف: يبيعه على عشرة جياداً، ثم رجع أبو يوسف عن قول أبي حنيفة وشده فيه، قال: سمعت أبا يوسف يقول: فيمن اشترى ثوباً بعشرة دراهم مزيفة أنه يبيعه ويبين، وإن لم يبين فللمشتري الخيار.
إذا اشترى نصلاً وحمائل وجفناً، ثم أنفق على ذلك حتى ركبه وحلاه بفضة ثم باعه، وقال: القصة فيه كذا أبيعكها بوزنها بلا ربح، وما بقي قام علي بكذا وكذا، فهذا جائز استحساناً، من قبل أنه وقع لكل شيء من هذا ثمن على حدة.
ولو اشترى مختوم حنطة بعينها بمختوم شعير بغير عينه وتقابضا، فلا بأس أن يبيع

(7/8)


الحنطة مرابحة (109ب3) وكذلك كل صنف من الكيل أو الوزن بصنف آخر.
ولو اشترى قفيراً من الحنطة بقفيزي شعير بغير عينه، ثم باع الحنطة بربح ربع حنطة لم يجز، وهذا بخلاف ما لو اشترى قلب فضة، ثم باعه بربح درهم.
قال: الوارث لا يبيع ما ورثه عن أبيه مرابحة على ما اشتراه الأب. ولو أقام المشتري بينة أن المشترى ميراث لبائعه من أبيه كان له أن يرده عليه. ولو أقام البائع (البيّنة) أنه كان ميراثاً إلا أنه بيع في دين علي واشتريته بهذا الثمن، ثم يقبل قوله، وله أن يحلف المشتري على علمه، وإن أقام بينته على ذلك قبلت بينته وكانت أولى من بينة المشتري؛ لأنهم شهدوا بمثل شهادته في الميراث وزادوا عليهما بيع الميراث وشراءه. وكذلك لو أقام (البيّنة) أنه كان ميراثاً إلا أني بعته من فلان وقبضت ثمنه وسلمه إليه، ثم إني اشتريته منه بهذا الثمن قبلت بينته في قول أبي حنيفة.

وروى أبو سليمان عن أبي يوسف فيمن اشترى عبداً بطعام عينه وتقابضا لم يكن له أن يبيعه مرابحة؛ لأنه لو هلك قبل القبض انتقض البيع ولو رده بعيب انتقض البيع. وروى بشر عن أبي يوسف بخلاف هذا. وعن محمد أنه يبيعه مرابحة رجل رقم يره وزاد في رأس المال وقال المشتري: أبيعك على هذا الرقم ولم يقل اشتريته بذلك، ولا قال قام علي به، جاز في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كان المشتري جاهلاً بذلك الأمر، فليس له أن يبيعه حتى يقول زدت في الرقم، وإن (لم) يقل وعلم المشتري به بعد ذلك فله أن يرده، وإن كان المشتري تاجراً يعرف ما يجري بين التجار من هذه الزيادات لزمه.
بشر عن أبي يوسف في «الإملاء» : رجل اشترى من آخر ثوباً وبطانة، وجعلها حشوها قطناً وريشاً وهب له، ثم حسب الثمن وأجر الخياط، ثم قال لغيره: قام علي بكذا وكذا وباعه مرابحة على ذلك جاز، وكذلك الرجل يرث الثوب فبطنه بالقز والذي اشتراه ويحسب أجرة الخياط وثمن القز، وقال لغيره: قام علي بكذا وكذا وباعه مرابحة على ذلك جاز، وكذلك لو كان القز ميراثاً والظهارة مشترى.
ولو باع ثوبين قد اشترى أحدهما بعشرة والآخر ميراث باعهما مرابحة، وقال وقت البيع: قاما علي بعشرة، فهذا لا يجوز، قال: من قبل أن للثوب الميراث حصة من الثمن يردها بالعيب ويرجع بها في الاستحقاق، وهو لم يشتره بشيء، وهذا مخالف للذي وصفنا قبله من الثوب المحشو والمبطن؛ لأن ذلك ثوب واحد لا يراثل بعضه بعضاً، وهذان ثوبان كل واحد منهما ثوب على حدة.

رجل اشترى عبداً بألف درهم وتقابضا، ثم باعه مرابحة على ألف ومائة درهم وتقابضا، ثم بلغ المشتري الثاني أن أصل شراء المشتري الأول كان بألف، فخاصم في ذلك فأقام بينة عليه بذلك، فقال معه: قد كنت اشتريته بألف درهم، ثم وهبته، ثم اشتريته بألف ومائة لم يصدق على ذلك، فإن طلب يمين المشتري على علمه، وقال المشتري:

(7/9)


شهدني حين وهبته واشتريته بألف ومائة أستحلفه على علمه، ولو لم يدع بيعه هذا، ولكنه قال: المائة الزيادة أنفقتها عليه في طعامه وفي حمولته من البلد التي اشتريته فيه إلى هذا البلد، فإن كان إنما باعه مرابحة على ما قام، فالقول قوله مع يمينه، وإن كان قال: قد اشتريته بألف ومائة على ذلك لم يقبل قوله في هذه المائة أنها نفقة؛ لأنه قد أقر في عقدة البيع أنها في أصل الثمن.
رجل اشترى ثوباً بخمسة عشر درهماً ونقد الثمن، ثم باعه بربح ده يازده، وأخبر أنه قام علي بعشرة، فانتقد عشرة وربحها، ثم قال بعده: غلطت، قام علي بخمسة عشر وكذبه المشتري، فإنه لا تقبل بينة البائع على ما ادعاه من رأس المال، فإن صدقة المشتري في ذلك، قيل للمشتري: أعطه خمسة دراهم ونصف، أو رد البيع في قول أبي يوسف رحمه الله، وأما في قياس قول أبي حنيفة فلا يؤخذ المشتري بزيادة، إنما يقال للبائع إن يثبت ما فسخ البيع وخذ الثوب ورد ما فقدت، وإن سبب فعلم البيع بالذي انتقدت لا يزاد عليه.
ولو قال المشتري: إنما اشتريته بخمسة فحسبت وجعلت رأس مالك عشرة وأراد استحلافه على ذلك، فلا يمين على البائع في قول أبي حنيفة، ويستحلف في قول أبي يوسف.

ولو أقر البائع أن رأس المال ذلك، أو قامت بذلك بينة، فإنه يرد في قول أبي يوسف على المشتري خمسة ونصف، وأما في قول أبي حنيفة فلا يرد شيئاً، إن شاء المشتري يرد البيع، وإن شاء أمسك بالثمن الذي نقده، فإن كان اشتراه تولية في المسألتين جميعاً فإنهما يترادان في الزيادة والنقصان في قول أبي يوسف، وكذلك قال أبو حنيفة في النقصان، وكذلك قياس قوله في الزيادة، وكذلك لو ابتاعه بربح درهم على عشرة، فهو مثل ذلك في جميع هذه الوجوه في ده يازده.
في «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل غصب من آخر عبداً، فأبق منه وعيبه فقضي عليه بقيمة المغصوب منه، ثم ظهر العبد كان للغاصب أن يبيعه مرابحة على القيمة التي غرم، ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول اشتريت.
وفي «نوادر هشام» عن محمد: اشترى بجراب هروي فيه كذا ثوباً لك كل ثوب بعشرين درهماً أنه يبيعه مرابحة على عشرين، ولو كان للجراب حصة لم يقدر على البيع مرابحة بعشرين، وكذلك دن الخل وقوصرة التمر بمنزلة، وأما ورق السمن والعسل وقد اشتراه جزافاً فله حصته من الثمن.

نوع آخر في بيان ما للمشتري أن يلزم السلعة في بيع المرابحة وما ليس له ذلك

قال محمد في «الأصل» : اشترى متاعاً فله أن يحمل عليه ما أنفق في القصارة والخياطة ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا، وكذلك يحمل عليه ما أنفق

(7/10)


في الصبغ أو الغسل أو الفتل، ويقول: قام علي بكذا ولا يقول: اشتريته بكذا؛ لأن ذلك كذب وخيانة، وإن قال ذلك، ثم علم المشتري فله الخيار إن شاء أخذ، وإن شاء رد؛ لأنه خيانة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال أبو يوسف في مسألة القصارة والفتل والصبغ: إنه لا خيار للمشتري؛ لأن الذي أنفق في الصبغ والفتل والقصارة شراء أيضاً، فلا يكون هذا من باب الجناية، والأصل في جنس هذا أن يقال: ما جرت عادة التجار بإلحاقه برأس (110أ3) المال يلحق برأس المال وما لا فلا أو نقول: ما أثر في المبيع وتزداد به مالية البيع صورة ومعنى، فله أن يلحق برأس المال وما لا فلا، ولا يحمل عليه ما أنفق على نفسه في سفره، وأما الرقيق فله أن يلحق بهم طعامهم وكسوتهم بالمعروف. وفي «المنتقى» وفي الرقيق يحمل على أثمانهم طعامهم، ولا يحمل عليه كسوتهم، ويضم أجرة سائق الغنم، ولا يضم أجرة الراعي استحساناً، قال شمس الأئمة الحلواني: في موضع جرت العادة فيما بين التجار بإلحاق أجر الراعي برأس المال يلحق أيضاً، والباج الذي يؤخذ في الطريق لا يلحق برأس المال، قال رحمه الله: في موضع جرت العادة فيما بين التجار بإلحاقه برأس المال يلحق به أيضاً.

ولا يضم أجرة الطبيب والرائض والبيطار، وجعل الآبق وأجرة السمسار تضم إن كانت مشروطة في العقد بالإجماع، وإن لم تكن مشروطة بل كانت موسومة، أكثر المشايخ على أنها لا تضم، ومنهم من قال: لا تضم أجرة الدلال بالإجماع، بخلاف أجرة السمسار إذا كانت مشروطة في العقد، أو لم تكن على قول بعض المشايخ، وذكر في «البرامكة» : أن أجرة السمسار لا تضم من غير فصل، وفي «المنتقى» ويحمل على الثمن كراء السفينة وكراء الدابة التي حملت ويقول: قام علي بكذا، وفي الدواب يحمل على أثمانها ثمن العلف، ولا يحمل ثمن الجلال والبرامع، وكذا في الرقيق لا يحمل على الثمن ثمن العطر والأدهان، وكذا لا يضم كل ما جاوز القوت من الطعام والإدام، ولا يضم أجرة سائق الرقيق وحافظ الطعام والمتاع وما عمل بيده من قصارة أو خياطة أو ما أشبه ذلك من الأعمال لا يضمه إلى رأس المال.
وقال أبو يوسف: ولا يضم إلى ثمن الرقيق ما أنفق عليه في تعلم القرآن والكتابة والصناعة والسفر وغير ذلك، وقال محمد: يضم إذا اشترى لؤلؤة واستأجر من شقها ضم أجرة إلى ثمنها ويبيعها مرابحة على ذلك كله؛ لأنه يزيد في ثمنها، وأما الياقوتة فما كان ينقصه ذلك لا يحتسب بأجره في الثمن، وما كان منه يزيده الثقب..... أو لابد له منه احتسب أجر ذلك.

وفي الطعام لا يضم أجرة الكيالين إلى رأس المال ويضم أجرة النقالين. وإذا

(7/11)


جصص الدار أو طينها أو طوى......، فإنه يضم ثمن ذلك وأجر..... ثمن الدار، ولا يضم أجرة الحافر سواء بئر ماء أو بئر بالوعة والفناء في الأرض يحتسب ذلك ثمنها، وكذلك النفقة في الكراب وكشح الكروم، ولو سقى الأرض لم يحتسب ذلك في رأس مالها، وكذلك إذا سقى النخل والكرم والشجر.

ولو أحدث في الأرض زرعاً أو كرماً أو شجراً وأنفق في سعتها يحتسب بذلك في رأس المال ما بقي فيها، فإذا ذهب ذلك من الأرض لم يحتسب بشيء ما أنفق من قبل أن منفعة الماء كانت للنخل والشجر، فإذا ذهب ذلك لم يبع مرابحة إلا على الثمن الذي اشتراها به، وإذا اشترى تمر نخل، فإنه يحتسب بأجرة اللقاط، ولا يحتسب بأجرة الحافظ.
وإذا اشترى شياه وأجر آخر من يذبحها ويسلخها ويملحها، فإنه يضم ذلك كله إلى رأس ماله. إذا اشترى نحاساً واستأجر من يضربه آنية حسب بذلك، وكذلك ينحته أبواباً، وكذلك الرجل يشتري الحطب ويتخذ منه فحماً، فإنه يحتسب أجر الموقد وأجر الآخر وأجر النقالين.
وإذا اشترى غنماً وأنفق عليها في علفها وأصاب من ألبانها وأصوافها دون ذلك ألحق الفضل من النفقة برؤوس مالها.
ونظير هذا رجل اشترى دجاجة وقبضها فباضت عنده ثلاثين بيضة فباع البيضات بدرهم، ثم أراد أن يبيع الدجاجة مرابحة، إن أنفق على الدجاجة قدر ثمن البيضات جاز؛ لأنه جعل ثمن البيض عوضاً عما أنفق، وإن لم ينفق لا يجوز وهذا هو الأصل في جنس هذه المسائل، إن قدر ما أصاب من الزيادة أولاً نفق في ماله لا يلزمه بيان ذلك في بيع المرابحة.

نوع آخر منه

في بيع ما اشترى مرابحة إذا كان المبيع جملة مما يكال أو يوزن أو يعد غير متفاوت، كان للمشتري أن يبيع بعض تلك الجمل مرابحة؛ لأن مالا يتفاوت، فالثمن فيه ينقسم على الأجزاء، فنصف الثمن يكون ثمن النصف بيقين وثمن الربع يكون ربع الثمن بيقين، فيبيع النصف منه مرابحة على نصف الثمن ويبيع الربع مرابحة على ربع الثمن، وإن كان مختلفاً مما لا يكال ولا يوزن، فإن باع نصفاً مشاعاً مرابحة جاز، بأن اشترى جراباً هروياً وباع ربع جميع ذلك أو نصفه بربع الثمن أو نصفه؛ لأن كل جزء من المشاع معلوم الحصة بالعقد، فصار كالمعين الذي لا يتفاوت، وإن باع بعضها معيناً بأن باع ثوباً معيناً من الجراب وكان الثمن في الأصل جملة لم يبعه؛ لأن الانقسام فيما يتفاوت باعتبار القيمة وطريق معرفتها الحزر والظن، ويجري في ذلك السهو والغلط، وإن سمى لكل واحد ثمناً جاز بيعه مرابحة على ما سمى في قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن حصة كل

(7/12)


واحد من الثمن معلوم بيقين، وقال محمد: لا يبيعه مرابحة؛ لأن من عادة التجار ضم الرديء إلى الجيد في البيع بثمن واحد مع التفصيل ليرغب المشتري في الرديء لماله من المقصود في بيع الرديء، فلو جوزنا له بيع أحدهما مرابحة من غير بيان ربما يبيع الرديء بمثل ثمن الجيد وفيه من الجناية ما لا يخفى.
وإذا اشترى ثوباً واحداً واحترق نصفه فليس له أن يبيع النصف الباقي بنصف الثمن، وإن كان الباقي نصف الثوب باعتبار الذرعان؛ لأن الثوب الواحد لا ينقسم باعتبار عدد الذرعان؛ لأن الذرعان من ثوب واحد مما يتفاوت، وإنما ينقسم باعتبار القيمة، فنصف الثمن لا يكون ثمن النصف الباقي من حيث الإخاطة والتعين، وكذلك إذا اشترى ثوباً واحداً وأراد أن يبيع ذراعاً منه بأن ميز ذراعاً منه وباعه مرابحة على ما يخصه لا يجوز، إما لأن التمييز يوجب نقصاناً في هذا الذراع، فكأن اشترى شيئاً وعينه، أو لأن ما يخصه من الثمن غير معلوم من حيث الإخاطة والتعين؛ لأن الثمن لا ينقسم باعتبار عدد الذرعان. وكذلك إذا لم يميزه ولكن عين ذراعاً في جانب واحد لا يجوز أن يبيعه مرابحة للمعنى الثاني، وإن لم يعين وأراد أن يبيع ذراعاً منه ما يخصه، فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: يفسد العقد عندهم جميعاً، وإذا فسد العقد لا تتصور المرابحة، وقال بعضهم: يفسد العقد عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: لا يفسد كما في الدار ويجعل الذراع عبارة عن السهم، فمتى كان الثوب عشرة أذرع كان بائعاً عشر الثوب بعشر الثمن وذلك جائز. (110ب3) .

ولو اشترى رجلان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً لا يتفاوت اعتبر أقراراً ومعنى التبادل فيها ساقط، فيكون ما في يد كل واحد منهما كأنه عين ما كان له قبل القسمة، ولو كانت الجملة مختلفة فاقتسماها لم يجز لأحدهما أن يبيع حصته مرابحة؛ لأن القسمة فيما يتفاوت إقرار من وجه مبادلة من وجه، فما في يد كل واحد منهما نصفه كان له قبل القسمة، ونصفه بدل عما وصل إلى شريكه من نصيبه، فصار كأنه اشترى ذلك بنصيبه فلا يبيعه مرابحة.

وفي «المنتقى» : إذا اشترى ثوباً بعشرة دراهم وقطع نصفه وباعه، ثم باع النصف الباقي مرابحة على عشرة، ثم علم المشتري بذلك، فهو بالخيار إن شاء أخذ بجميع الثمن، وإن شاء ترك من قبل أن النصفين يتفاضلان، أشار إلى أنه لو أراد أن يأخذ هذا النصف بنصف الثمن ليس له ذلك؛ لأن ثمن هذا النصف مجهول هذا كرجل اشترى ثوبين صفقة واحدة بثمن واحد، ثم باع أحدهما مرابحة على جميع الثمن وعلم المشتري بذلك فهو بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء ترك وليس له أن يأخذ الثوب بحصته؛ لأن ثمنه مجهول.
وفيه أيضاً: رجل اشترى أمة وقبضها ففقأ رجل عينها، فأخذ لها إن شاء، فإنه يبيعها على ما بقي مرابحة، قال الحاكم أبو الفضل هذا الخلاف جواب «الأصل» .
وفيه أيضاً: رجل اشترى داراً وقبضها فانهدم بناؤها، فباع النقض وأخذ ثمنه لم

(7/13)


يكن له أن يبيع الدار مرابحة من قبل أن ذلك بالحزر والظن.

مسائل هذا النوع في الاختلاف في المرابحة ورأس المال
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى ثوباً قيمته عشرة بعشرة، ودفع إليه رجل ثوباً اشتراه بعشرة وقيمته عشرون ليبيعه مع ثوبه، فجاء المأمور بالثوبين جميعاً إلى رجل وقال: إنهما علي بعشرين، فأنا أبيعكهما مرابحة بربح عشرة فاشتراها على ذلك يقسم الربح عليهما نصفين؛ لأن ثمن كل واحد منهما عشرة، أكثر ما فيه أن قيمة أحدهما نصف قيمة الآخر، ولكن الثمن في بيع المرابحة ينقسم على قدر رأس المال في البيع الأول ولا ينقسم على قدر قيمتهما في البيع الثاني؛ لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة، فيجعل هذا كالمنصوص عليه، فلو وجد مشتري الثوب، بالثوب الآخر عيباً، فأراد رده فقال البائع: كان ثمن كل واحد منهما عشرة؛ لأن الآمر اشترى ثوبه بعشرة وأنا اشتريت ثوبي بعشرة، فصار الثمن وهو ثلاثون منقسماً عليهما نصفين فلك أن ترده بخمسة عشر، وقال المشتري: بل كان لك وقد اشتريتهما صفقة واحدة بثلاثين، فانقسم الثمن في البيع الأول على قدر قيمتهما ثلاثاً، وانقسم الثمن الثاني وهو ثلاثون عليهما أثلاثاً، فجملة ما يقابل المعيب من الثمن والربح عشرون فأنا أرده بهذا القدر، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأن ظاهر ما قاله البائع عند البيع شاهد للمشتري؛ لأنه قال: قام علي بعشرين وهذه اللفظة إنما تستعمل في صفقة واحدة فيكون القول قول المشتري مع يمينه على العلم بالله ما يعلم أن الأمر كما قاله البائع، فإن حلف رده وأخذ من البائع على الآمر بخمسة عشر؛ لأن في زعم البائع أن حقه قبل الآمر في خمسة عشر وزعمه معتبر، وإن أقاما البينة بينة المشتري أيضاً.
ولو وجد المشتري العيب بالثوب المأمور والمسألة بحالها، فالقول قول المشتري أيضاً لما قلنا، ويقال للمشتري قد أقر لك البائع زيادة خمسة، فإن شئت فصدقه وخذها، وإن شئت فاترك.

وفي «المنتقى» : رجل اشترى عبداً بمائة ورجل آخر اشترى جارية بمائتين فوكل أحدهما صاحبه ببيع مملوكه مع مملوك نفسه مرابحة، وساومه على أي حال رأى جمعهما، فقال المأمور لرجل: إنهما قاما بثلاثمائة فصدقه المشتري وأربحه ربحاً واشتراهما وقبضهما، ثم وجد بالعبد عيباً وأراد رده، فقال البائع: رأس مال هذا مائة وكذبه المشتري وحلف على علمه ما يعلمه قام بالذي قلت، فإنهما يقومان قيمة عدل، فيرد العبد بالذي يصيبه من القيمة، فإن أصابه أقل من المائة فقال للمشتري: إن البائع قد أقر لك بفضل، فإن شئت فصدقه وخذه، وإن شئت فاتركه، وإن كان نصيبه أكثر من نصف الثمن رده البائع عليه فلزم البائع غرم، له أن يقبضه ولا يرجع به على صاحب الجارية.

ولو كان المشتري هو الذي ادعى أن شراء الثوبين كان بصفقتين كل واحد بعشرة، وقال البائع: بل كانت الصفقة واحدة فالقول قول البائع، فإن وجد المشتري العيب بثوب المأمور رده بعشرة، وإن أقاما البينة فالبينة للمشتري؛ لأنه يثبت زيادة صفقة وزيادة ثمن

(7/14)


المردود بالعيب، وإن وجد العيب بثوب الآمر رده بخمسة عشر؛ لأن المشتري ادعى فيه خمسة عشر وقد أقر له البائع بخمسة زائدة، فإن شاء صدقه وأخذ منه، وإن شاء ترك، قال مشايخنا: هذا إذا كان البائع مصراً على إقراره، فأما إذا لم يكن مصراً على إقراره لا يؤخذ بتلك الخمسة، لارتداد إقراره الأول بتكذيب المشتري ولم يذكر ههنا أن البينة بينة البائع؛ لأن البائع ببينته لا يثبت لنفسه حقاً.

مسائل التولية
بشر عن أبي يوسف في رجل اشترى جارية بألف درهم فولدت عند المشتري ولداً، ثم ولي البيع رجلاً لم يبيعها ولدها قال الحاكم أبو الفضل: هذا خلاف جواب الأصل، وإذا ولي رجلاً شيئاً بما قام عليه ولم يعلم المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد، فإن أعلم البائع المشتري بكم قام عليه فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه وإن شاء ترك؛ لأن الذي قام عليه اسم لما اشتراه به ولما لحقه من المؤنة التي التحقت بالثمن، وذلك لا يعرف إلا ببيان البائع، فإذا لم يبين كان الثمن مجهولاً ففسد البيع فإن أعلمه بعد ذلك صح، يريد به إذا أعلمه في المجلس، وهذا؛ لأن ساعات المجلس كساعة واحدة فصار الإعلام في آخر المجلس كالإعلام وقت العقد.
وفي «القدوري» : لو باع شيئاً بربح ده يازده ولم يعلم ما اشترى به فالبيع فاسد حتى يعلم المشتري فيختار أو يدع وهذا رواية ابن رستم عن محمد، روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله: أن البيع جائز، وتأويله: أنه موقوف في حق وصف الجواز إذا زالت الجهالة بدلالة ما فسر، أنه لو هلك ذلك الشيء فالبيع فاسد ويلزمه قيمته، وهذا دليل على أن العقد محكوم بفساده ووجب الخيار ليكشف حال الثمن عند الإعلام بعد أن كان ملتبساً.
روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله: فيمن اشترى ثوبين بمائة درهم فقبضهما، ثم ولي رجلاً أحدهما بعينه لم يجز، وكذلك لو أنه أشركه في أحدهما بعينه لم يجز، ولو كان المشتري قبض أحد الثوبين من البائع، ثم أشرك رجلاً فيهما (111أ3) جازت الشركة في النصف المقبوض، وكذلك لو ولاهما رجل جازت التولية في النصف المقبوض.
d
ولو اشترى جاريتين بألف درهم وقبضهما وباع إحداهما، ثم وليهما رجل، فالمولى بالخيار إن شاء أخذ التي لم تبع بحصتهما، وإن شاء ترك إذا لم يعلم بيع أحدهما، وكذلك أشركه فيهما جازت الشركة في النصف التي لم تبع وإن لم تبع إحداهما لكنه أعتق إحداهما أو ما يثبت، ثم وليهما رجل أو أشركه فيهما جاز في الأمة ... منهما.

وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف: أن أحد الشيئين إذا كان طعاماً غير

(7/15)


مقبوض فولاهما رجلاً لم تجز التولية في الآخر؛ لأن بيع الطعام قبل القبض لا يجوز بالإجماع، قال الحسن: وروي عن أبي يوسف غير هذا، قال: إذا كان لا يختلف في إبطاله؛ لأنه ليس بمال، أفسدت البيع في الآخر، وإذا كان لا يختلف في إبطاله لعلة عارضة، وهو قال: أجزت البيع في الآخر والله أعلم.

مسائل الوضيعة
الأصل فيه: أن بضم قدر الوضيعة إلى رأس المال لم يسقطها من الجملة ويكون الثمن ما بقي
ومثاله: إذا اشترى ثوباً بعشرة فباعه بوضيعة ده يازده فإنك تجعل كل درهم من رأس المال أحد عشر جزءاً، فتكون الجملة مائة وعشرة فيسقط فيها جزء من أحد عشر وذلك عشرة، يبقى هناك مائة وهي تسعة دراهم وجزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم، وإنما جعلنا كل درهم على أحد عشر جزءاً؛ لأنه لما باعه بوضيعة ده يازده فقد جعل الوضيعة جزءاً من أحد عشر جزءاً، فيجعل كل درهم أحد عشر جزءاً لها، فتصير الجملة مائة وعشرة أجزاء، سقط من كل أحد عشر واحد يبقى مائة وهي تسعة دراهم وجزء من درهم، وعلى هذا القياس يجري الباب، حتى لو باع بوضيعة ده دوازده يجعل كل درهم اثنا عشر فيكون مائة وعشرون يسقط منها عشرون، بقي هناك مائة وبقي ثمانية دراهم وثلاث دراهم.