المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الاعتكاف
في اعتكاف المرأة
...
كتاب الاعتكاف فيه ثلاثة أحاديث في اعتكاف المرأة
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد

(1/152)


أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل المكان الذي يريد أن يعتكف فيه فأراد أن يعتكف في العشر الأواخر فأمر فضرب له خباء وأمرت حفصة فضرب لها خباء فلما رأت زينب خباءهما أمرت بخباء فضرب لها فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البر تردن؟ " فلم يعتكف في رمضان واعتكف عشرا من شوال وفيما روى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف فاستأذنته عائشة لتعتكف معه فأذن لها فضربت خباءها فسألتها حفصة لتستأذنه لها لتعتكف معه فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة غيورا فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبيتهن فقال: "ما هذا البر تردن؟ " فترك الاعتكاف حتى أفطر من رمضان ثم انه اعتكف في عشر من شوال فيه إذنه صلى الله عليه وسلم لنسائه في اعتكاف المسجد فذهب أهل الحجاز إلى تجويز اعتكاف النساء في المساجد كما يعتكف الرجال ولا حجة لهم في هذا الحديث إذ يحتمل أن يتسع لنسائه صلى الله عليه وسلم لكونه معهن بحق الزوجية ولحرمتهن على جميع المسلمين ما لم يتسع لغيرهن يؤيده قول عائشة: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل مع تفطنها وفهمها أن النساء كان لهن إتيان المساجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس لهن بعده وإذا كن كذلك في حياة عائشة كن بعد موتها أبعد فعل أنهن إن أردن الاعتكاف ففي غير مساجد الجماعات.

(1/153)


في الاعتكاف فيما سوى المساجد الثلاثة
روى عن حذيفة أنه قال لعبد الله بن مسعود: عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تغير وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد النبي ومسجد بيت المقدس" قال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا وأخطأت وأصابوا, لم ينكر ابن مسعود على حذيفة ما حققه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره بقوله: لعلك نسيت وحفظوا يعني لعلك نسيت نسخ ذلك وحفظوه وظاهر القرآن يدل

(1/153)


عليه {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} على العموم وعليه المسلمون في الاعتكاف في مساجد بلدانهم التي لها الأئمة والجماعة إلى يومنا هذا.

(1/154)


في الصوم للاعتكاف
عن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف في المسجد الحرام, فقال: "فأوف بنذرك" ليس فيه ذكر نذر عمر ما كان فروى عنه أنه كان نذر اعتكاف ليلة في المسجد الحرام فاحتج بذلك من ذهب إلى إجازة الاعتكاف بلا صيام وروى عنه أنه كان نذر اعتكاف يوم فتكافأت الروايتان فسقط الاحتجاج وروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم.
وعن أبي سهيل قال: اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز وكان على امرأتي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام فقال ابن شهاب لا يكون الاعتكاف إلا بصيام فقال عمر بن عبد العزيز أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا, قال: أفمن أبي بكر؟ قال: لا, قال: أفمن عثمان؟ قال: لا, قال أبو سهيل: فانصرفت فوجدت طاووسا وعطاء فسألتهما عن ذلك فقال طاووس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه قال عطاء ذلك رأيي فعلم بهذا أن مما تكافأت فيه الأقوال فوجب أن يرجع في مثله إلى النظر فهو الذي يقضي بين المختلفين فوجدنا من ذهب إلى تجويزه بغير صوم ومنهم الشافعي استدل بأن المعتكف يدخل عليه الليل وهو معتكف مع أنه لا صوم في الليل فليس الصوم لازما له ولكن لمانعيه وهم أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه والثوري وأصحابه أن يقولوا كما لا ينتقص الاعتكاف بعد صحته بالخروج من المسجد لحاجته فيصير في الطرقات والمنازل التي لا يصلح له الاعتكاف فيها لا ينتقص بدخول الليل عليه وإن لم يصلح للصوم فيه بجامع الضرورة وهو أنه لا بد له من قضاء الحاجة ودخول الليل عليه مع أن الخروج بفعله ودخول الليل لا بفعل.

(1/154)


قال القاضي: والأوجه أن يقول لو كان بقاء المعتكف على اعتكافه في الليل وليس بصائم فيه دليلا على جواز الاعتكاف بغير صوم لكان خروج المعتكف عن المسجد الذي هو موضع الاعتكاف إلى حاجة الإنسان وبقاؤه على اعتكافه في الطرقات والمنازل حتى يعود إلى المسجد دليلا على جواز الاعتكاف في غير المساجد ولكن ليس فليس انتهى بمعناه ولأن اللبث في الأماكن لا يوجد قربة إلا بتحرم من اللبث كعرفة والمزدلفة ومنى ولهذا لا يكون قربة في غير الحج لعدم التحرم فكذلك اللبث في المسجد إذا كان في حرمة بأن اللابث فيه عن اللابث فيما سواه من البيوت وليس لنا حرمة إلا حرمة الصيام فلا يكون اعتكافا إلا بصيام وما روى عن يعلى بن أمية أنه كان يجلس في المسجد ساعة ويعد ذلك اعتكافا لا يصح عنه لأن عطاء يرويه عنه وليس له سماع منه ولئن صح فإنه سمى نفسه معتكفا بالقعود والاقبال على الذكر فيه على معناه اللغوي قال تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} لم يكن على الاعتكاف المختلف فيه بل على تساوي الجلوس فيه وأنه ليس بعضهم أولى به من بعض.

(1/155)