المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الضحايا
في من تجب عليه الأضحية
...
كتاب الضحايا
فيه أربعة أحاديث
في من تجب عليه الأضحية
روي عن البراء بن عازب قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى إلى البقيع فبدأ فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه فقال: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء" فقام خالي فقال يا رسول الل إني ذبحت وعند يجذعة هي خير من مسنة فقال: "اذبحها ولا تجزي أو توفي عن أحد بعدك" وفي حديث آخر: عندي عناق لبن هي خير من شأتي لحم؟ فقال: "هي خير نسيكتك لن تجزي جذعة عن أحد بعدك" الجذعة المذكورة هي الجذعة من المعز لا من الضان الأضحية واجبة عند بعض منهم أبو حنيفة وذهب الأكثر إلى أنها مندوبة والحدة للموجب قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ردة: "لن تجزي جذعة عن أحد بعدك" إذ الأجزاء لا يكون إلا عن واجب ولا يقال أنه كان أوجبها على نفسه وأتلفها بذبحها قبل أو أنه لأنه لو كان كذلك لضمنه قيمتها ولما لم ينظر النبي صلى اله عليه وسلم إلى ذلك علمنا أنه لزمه بإيجاب الله تعالى ولا معنى لإيجابه على نفسه ما أوجبه الله تعالى عليه ألا ترى من أوجب على نفسه صلاة من الخمس أو صيام شهر رمضان أو حج البيت وهو غير مستطيع إليه سبيلا كان كمن لم يوجب غير أن الأضحية لم يوجبها

(1/263)


معينا فإذا أوجبها الرجل في شيء بعينه وجبت فيه كما أوجبها فإن هلك قبل أن ينفذه لم يسقط ما أوجبه الله تعالى عليه إذ لم يوجبه في شيء بعينه وهذا بين فيما احتج به أبو حنيفة في إيجاب الضحايا من أحسن ما يحتج به.

(1/264)


فيما يؤمر به من وجبت عليه
روى عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذ رأيتم هلال ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي" وخرجه من طرق في بعضها من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي قوله: "من كان له ذبح" هنا يبين أن المراد بقوله في الحدي الأول "فأراد أحدكم" أن ذلك على إرادة يكون معها الوجوب دفعا للاختلاف بين الحديثين فيه منع من معه ما يضحي به أن يأخذ من شعره أو ظفره حتى يضحي ولا يعارضه قول عائشة ربما فتلت القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلده ثم يبعث به ثم يقيم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم لأن في بعض ما روى عنها زيادة تبين المراد وهي قولها كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بالهدي ويقيم عندنا لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم من أهله حتى يرجع الناس فثبت أن المجتنب عنه هو ما يجتنبه المحرم من أهله لا ما سواه من حلق وقص وذلك لا يخالف ما في حديث أم سلمة لأن فيه اجتناب الحلق والقص لا ما سواء مما يجتنب المحرم من أهله فحديث أم سلمة منع من يضحي من الحلق والقص في أيام العشر حتى يضحي وحديث عائشة على إطلاق ما سوى الحلق والقص وأنه في ذلك بخلاف ما عليه المحرم في إحرامه يؤيد ما ذهبنا إليه في المنع من القص والحلق ما روى عن الصحابة أنهم كانوا عليه سئل سعيد بن المسيب عن فتوى يحيى بن يعمر بخراسان أن من اشترى أضحيته ودخل عشر ذي الحجة لا يأخذ من شعره وأظفاره فقال سعيد قد أحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون

(1/264)


ذلك أو يقولون ذلك وهذا بخلاف ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "وأمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة" قال الرجل: إن لم أجد إلا منيحة أنثى أضحي بها قال: "لا ولكن تأخذ من شعرك وتقلم أظفارك وتأخذ من شاربك وتحلق عانتك فإن ذلك تمام أضحيتك" فيه التحضيض على يوم الأضحى والأمر بالقص والحلق وغيره وفيه أنه لم يكن المأمور به مطلقا له قبل التضحية فوافق حديث أم سلمة وحققه.

(1/265)


في ما يجوز تضحيته
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتود فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح أنت به" العتود صغير ولد المعز وبالإجماع لا يضحى بمثله فتكون رخصة مختصة بعقبة كما خص أبو بردة بن نيار بتضحية جذع المعز على أن لا يجزى عن أحد بعده وروى حديث عقبة على خلافه قال ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع الضان ويحتمل أن يكون اراد ما كانت الجماعة ضحت به مما قسم عليهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختص هو بما رخص له فيه من تضحية العتود وهو فاسد الإسناد لا يتصل بعقبة والحديث الصحيح حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا مكانها جذعة من الضان" ففيه إباحة التضحية بالجذعة عند عدم المسنة وروى عن أم بلال الأسلمية عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجوز الجذع من الضان ضحية لمن كانت له غنم" فكان في ذلك إباحة الضحية بالجذعة مطلقا والحق أن الرخصة مختصة بعقبة كما رخص لأبي بردة.

(1/265)