المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب العقية
فيه أربعة أحاديث
وري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغلام مرتهن بعقيقته" أو قال: "بعقية تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى" فروى عن حبيب أن ابن سيرين أمره أن يسأل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة قال فسأتله فقال سمعته من سمرة فذهب قوم إلى ن هذا الحديث قد عاد كله إلى سمرة فتأملنا ذلك فوجدناه محتملا لغير ما قالوه لأن ابن سيرين إنما أمر حبيبا أن يسأله الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة فقط لا إلى ما سواها مما في الحديث وروى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم" وعنه قال: لما ولدت أم سليم عبد الله بن أبي طلحة قال لي أبو طلحة: يا أنس لا تطعمه شيئا حتى تغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات يبكي فلما أصبحت غدوت به على رسول الله صلى الله لعيه وسلم فلما رآه رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: "أم سليم ولدت؟ " فقلت: أجل فقعد وجئت حتى وضعته في حجره فدعا بعجوة فلاكها في فمه حتى ذابت ثم لفظها في فيه وجعل الصبي يتلمظ فقال رسول صلى اله عليه وسلم: "انظروا إلى حب الأنصار التمر" ومسح وجهه وسماه عبد الله.
ففي هذا تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وعبد الله ابن أبي طلحة بإسميهما هذين قبل يوم سابعهما خلاف لما في حديث سمرة فنظرنا

(1/275)


فيه ليعلم الأولى فوجدنا عن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بدمها ثم كنا في الإسلام إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بالزعفران فعلم أن فعلهم في اليوم السابع مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم وفي عبد الله من تسميته إياهما قبل سابعهما وقبل الذبح كان ناسخا له فكان أولى
ومنه ما روي عن أنس قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين بكبشين وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا في الحديثين أن الذبح عن الذكر شاة كما يذبح عن الأنثى وروى من رواية أم كرز الخزاعية مرفوعا عق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة وروى عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام شاتين مكافئتين وعن الجارية شاة ففي روايتهما أن عقيقة الغلام خلاف عقيقة الجارية ولو خلينا وآراءنا لكان عدم الفرق بينهما أظهر كما في الأضحية وهدي التمتع والقرآن وفي الجناية على الإحرام ولكن الأخذ بالزيادة أولى لئلا يلزم نسخها بالشك وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى" المراد والله أعلم بإماطة الأذى عن رأس المذبوح عنه هو الدم الذي كان يلطخ به رأسه في الجاهلية على ما في حديث بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسهبدمها ثم كنا في الإسلام نذبح عن الغلام ونلطخ رأسه بالزعفران فعلم أن الأذى الذي يماط هو الدم الذي كان يلطخ به رأسه في الجاهلية والله أعلم يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم" ويحتمل أن يكون الأذى هو الشعر الذي يحلق من رأسه لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} في المحصور عن البيت في العمرة عام الحديبية.

(1/276)


ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المولود مرتهن بعقيقته" وهذا يدل على وجوب الذبح عنه وروى عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة" ففيه ما دل على تأكد وجوبها وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق", وكأنه كره الاسم ثم قال: "من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه عن الغلام شاتين مكافئتين وعن الجارية شاة" قال زيد ابن أسلم المكافئتان المشابهتان تذبحان جميعا فهذا يدل على الندب لقوله: "من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل" فعلم أن الوجوب انتسخ بما كان طارئا عليه وناسخا لما كان في الجاهلية وقرر في الإسلام أيضا.

(1/277)