المعتصر
من المختصر من مشكل الآثار كتاب الأشربة
في الخمر وتخليلها
...
كتاب الأشربة
فيه ثلاثة أحاديث
في الخمر وتخليلها
روى عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حجره يتيم
وكان عنده خمر حين حرمت الخمر فقال: يا رسول الله نصنعها خلا, قال: "لا"
قال: فصبه في الوادي حتى سال وخرج الآثار بذلك.
من عنده عصير فصار خمرا ليس له أن يعالجها ليجعلها خلا عند مالك والشافعي
احتجا بهذا الأثر غير أن مالكا رخص في دردى الخمر أن يعالج حتى يصير خلا
ويلزمه العلاج في لخمر إذ لا فرق ظاهرا ومما يحتج به من كره التخليل ما روي
عن عثمان بن أبي العاص أن تاجرا اشترى خمرا فأمره أن يصبه في دجلة فقالوا
له ألا تأمره أن يجعله خلا فنهاه عن ذلك.
وقد يحتمل أن النهي لمكان أن ذلك الخمر لم يكن من عصير يملكه لأن شراء
الخمر فاسد فلم يملك أصل الخمر وعن عمر لا تأكل من خمر أفسدت حتى يكون الله
عز وجل قد أفسدها فعند ذلك ييب الخل ولا باس على من ابتاع خلا من كافر ما
لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها بعد أن صارت خمرا
(1/277)
ومخالفوهم احتجوا لمذهبهم بما روى أن أبا
الدرداء كان ياكل المرى الذي يجعل فيه الخمر ويقول ذبحته الشمس والملح
وقالوا: إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل خمر الأيتام خلا لأنها
لم تكن مالا لهم بعد ما حرمها الله تعالى كالبالغين سواء وروى عن عبيد الله
بن عمر قال كنت عند رسول الله صلى الله عيه ولم في المسجد فبينما هو يحتبي
حل حبوته ثم قال: "من كانت عنده من هذه الخمر شيء فليؤذني بها" فجعل الناس
يأتونه فيقول أحدهم: عندي راوية ويقول الآخر: عندي زق أو ما شاء الله أن
يكون عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا ثم آذنوني به"
ففعلوا ثم آذنوه فقام وقمت معه فمشيت عن يمينه وهو متكئ على فلحقنا أبو بكر
فأخذني رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلن عن يساره وجعل أبا بكر مكاني ثم
لحقنا عمر بن الخطاب فأخذني وجعله عن يساره فمشى بينهما حتى إذا وقف على
الخمر قال للناس: "أتعرفون هذه؟ " قالوا: نعم يا رسول الله هذه الخمر,
فقال: "صدقتم" قال: "إن الله تعالى لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها
وساقيها وحاملها والمحمول إليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها" ثم دعا بسكين
فقال: "اشحذوها" ففعلوا ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق بها
الزقاق فقال الناس: إن في هذه الزقاق منفعة قال: "أجل ولكني إنما أفعل ذلك
غضبا لله عز وجل لما فيها من سخطه" فقال: عمر أنا أكفيك يا رسول الله,
فقال: "لا" وبعض رواته يزيد على بعض ففيه عقوبتهم بشق زقاقهم غضبا لله إذ
لم يسارعوا إلى إتلاف ما حرم الله وكان ذلك في وقت كانت العقوبات في
الأموال كما تقدم في مانع الزكاة أنه يؤخذ شطر ماله وفي سارق الحريسة من
الجبل عليه غرم مثليها وجليدات نكال وفي صيد المدينة من وجدتموه يصيد في
شيء منها فخذوا سلبه ومذهب عمر وسعد بن أبي وقاص أن ذلك الحكم باق بعد روي
عن عمر أنه كان يهريق اللبن في السوق إذا وجده مغشوشا بالماء ولم يهرق إلا
خوفا من أن يغشوا به الناس فيحتمل أن يكون منع النبي صلى الله عليه وسلم من
جعل الخمر خلا خوفا أن يحلوها فيؤدي إلى المفاسد يؤيده خرق الزقاق إلى
(1/278)
خرقها وعن ابن عباس في النهي أهدى لرسول
الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر الحديث إلى قوله: ففتح الرجل المزادتين
حتى ذهب ما فيهما فقد يكون منعه من تخليلها عقوبة على تغييبه إياها لا
لانها لو خللت لم تحل له كما خرق الزقاق عقوبة لمن غيبها والنظر الصحيح فيه
إن العصير الحلال إذا صار خمرا حرم للعلة التي حثت فيها من ذاتها أو من فعل
أحد بها فكذلك إذا صارت خلا ينبغي أن تحل لوجود صفة الخل وانتفاء الخمر
عنها كان ذلك من ذاتها أو من فعل أحد بها وكذلك جلد الميتة سواء دبغ أو ترك
حتى أجفته الشمس وأسفت عليه الرياح حتى أذهبت وضر الميتة عنها.
(1/279)
في الأشربة المحرمة
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل شراب أسكر فهو حرام"
وعنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبتع فقال: "كل شراب أسكر
فهو حرام" وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا وأبا
موسى إلى اليمن قال له أبو موسى أن شرابا يصنع في أرضنا من العسل يقال له
البتع ومن الشعير يقال له المزر فقال صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام"
ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فجاوب بقوله: "كل شراب
أسكر فهو حرام" احتمل أن يكون ذلك على الشراب المسكر كثيرة فيكون حراما إذا
أسكر لا إذا لم يسكر واحتمل أن يكون قليله وكثيره حراما فنظرنا فوجدنا من
رواية أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنا ومعاذا إلى اليمن فقلت أنك بعثتنا إلى أرض كثير شراب أهلها فقال:
"اشربا ولا تشربا مسكرا".
وعنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلنا أن بها شرابا
يصنع من الشعير والبر يسمى المزر ومن العسل يسمى البتع قال: "اشربوا ولا
تشربوا مسكرا" أو قال: "لا تسكروا" ففيها إطلاق الشرب والنهي عن المسكر
فعلقنا أن السكر المراد في الأحاديث السابقة هو ما يسكر من تلك الأشربة
(1/279)
لا مالا يسكر منها وعن أبي موسى قال: بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذا إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أفتنا
بشرابين كنا نصنعفهما باليمن البتع من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر من
الشعير والذرة ينبذ حتى يشتد قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جوامع
الكلم بخواتمه فقال: "حرام كل مسكرا سكر عن الصلاة" فعاد إلى أنه لا يمنع
القليل من الشراب الذي يسكر كثيره فإن القليل لا يسكر عن لاصلاة وارتفع
التضاد بين الآثار وامتنع شرب ما يسكر منها وحل شرب ما لاي سكر منها ومنه
عن ابن عباس قال حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب وعنه حرمت الخمر
لعينها القليل منها والكثير ولاسكر من كل شراب روى ذلك مسعر بن كدام وأبو
حنيفة وابن شبرمة والثوري عن أي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ورواه
شعبة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه والمسكر من كل شراب بخلاف ما رواه عنه
وكيع وأبو نعيم وجرير وثلاثة أولى بالحفظ من واحد مع أن شعبة كثيرا ما يحدث
بالشيء على ما يظن أنه معناه وليس في الحقيقة معناه فيحول الحديث إلى ضده
كما في حدث توريث الخال فقال فيه والخال وارث من لا وارث له يرث ما له
ويعقل عنه وإنما هو يرث ما له ويفك عانيه كذلك رواه غيره من الرواة وسيأتي
ومن ذلك حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل وحدث
هوبه نهى عن التزعفر وهما مختلفان لان نهيه عن التزعفر يدخل فيه الرجال
والنساء بخلاف قوله نهى أن يتزعفر الرجل.
(1/280)
|