المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الطلاق
في طلاق حفصة
...
كتاب الطلاق
فيه أحد عشر حديثا
في طلاق حفصة
روي عن عمر بن الخطاب "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها" وعن ابن عمر قال دخل عمر على حفصة أختي وهي تبكي فقال لما يبكيك لعل رسول اله صلى الله عليه وسلم طلقك أما أنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي وروى عن عقبة بن عامر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فأتاه جبريل فقال: "راجعها فإنها صوامة قوامة" وعن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة فآتاه جبريل فقال: "يا محمد طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الدنيا والآخرة" لا يقال: إنها زوجته في الدنيا والآخرة فكيف يظن أنه طلقها والحال أن الله تعالى لما خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي منهن واخترن الله ورسوله على الدنيا شكرهن على ذلك وحبسه عليهن وحبسهن عليه وجعل لهن أن يمن بعد موته كما كن يمن في حياته لأنهن محبوسات عليه لأنا نقول ما كان طلاقها طلاقا باتا قاطعا للوصلة ولهذا راجعها ولو لم يراجعها كان حكم الزوجية من الحرمة على الغير ووجوب نفقتها وكونها أم المؤمنين باقيا لا يخرجها الطلاق عن الزوجية كما لا يخرجها موتها عن ذلك.

(1/309)


في طلاق الحامل وحيضها
روي عن ابن عمر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن ابن عمر طلق امرته وهي حائض قال: "فليراجعها فإذا طهرت طلقها وهي طاهر أو حامل" استدل بهذا على أن الحامل لا تحيض لأن الإذن بالطلاق وهي طاهر أو حامل دل على أن الحامل لا تحيض قيل هذا فاسد لأنه لو كان كذلك لاستغنى بذكر

(1/309)


الطهر عنه فيكون قوله أو حامل فضلة لا فائدة فيه قلنا بل له فائدة وهو أن الطاهرة لا تطلق إلا أن تكون غير مجامعة في ذلك الطهر والحامل تطلق وإن جومعت في ذلك الحمل للأمن من الأعلاق بهذا الجماع حالة الحمل بخلاف ما إذا لم تكن حاملا فلما تباين حكم الطاهر الغير الحامل والتي لها حمل ذكرهما جميعا في الحديث فيكون معناه فإذا اطهرت طلقها وهي طاهر قبل أن يمسها أو حامل مسها فيه أو لم يسمها ومن الدليل على أن الحامل لا تحيض قوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض" يعني فيعلم بالحيض أنها غير حامل فلو كانت الحامل تحيض لم يعلم بحيض الحامل أنها غير حامل ولاستوى في ذلك الحيض والطهر وما روي عن عائشة أن الحامل تحيض روي عنها خلافه بأنها لا تحيض وهو الصح من جهة النقل والأولى ما دل عليه من السنة والقياس وروى ذلك عن عطاء والحسن البصري وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه.

(1/310)


في قوله: "الحقي بأهلك"
عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قالت أعوذ بالله منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد عذت بمعاذ إلحقي بأهلك" قال الأوزاعي فنرى أن هذا القول تطليقة لأنها كرهت مكانه وطلبت فراقه فأراد به صلى الله عليه وسلم الطلاق وفي حديث كعب لما أمر باعتزال امرأته قال له: أطلقها؟ قال: لا ولكن اعتزلها فقال لها: إلحقي بأهلك, ولم تصربه طالقا لأنه ما أراده وروى: أن أبا أسيد أتاه بها وأنزلها في موضع فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي حتى انتهى إليها فأقعى وأهوى ليقبلها فقالت: أعوذ بالله منك فقال لها: "لقد عذت بمعاذ" وأمرني أن أردها إلى أهلها, وفي بعض الآثار فقال: "يا أبا أسيد اسكها رازقيتين وألحقها بأهلها" وإنما جاز لأبي أسيد حملها من عند أهلها ولي أهلها وليس من محارمها لأنه صلى الله عليه وسلم

(1/310)


لما تزوجها صارت أم المؤمنين وهو منهم فعادت بذلك محرما1 والرازقيتان يحتمل أن يكون تمتيعا منه لها فإن المطلقة قبل الدخول لها المتعة صمي لها صداق أم لا روى ذلك عن علي بن أبي طالب ويحتمل أن يكون تفضلا منه عليها لا تمتيعا.
ومنه ما روي "أن رسول الله صلى الله عيه وسلم ذكرت له امرأة من بني غفار فتزوجها فلما أدخلت عليه رأى ما بها وكان في كشحها بياض فكرهها ومتعها وقال: "الحقي بأهلك" فلحقت باهلها وروى "أنه أعطاها الصداق".
فيه أن الخلوة الصحيحة كالدخول في إيجاب تكميل الصداق لأنه ترك مسيسها باختياره فقام مقام المماسة منه لها وإليه ذهب جماعة من وجوه الصحابة والخلفاء منهم عمر وعلي وقد روى عن زرارة بن أوفى أنه قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ويروي عن زيد بن ثابت ما يدل أنه كان هذا مذهبه
فإن قيل إنما قضى زيد لدعواها المسيس قلنا مجرد دعواها ليس بحجة لو لم تكن الخلوة موجبة ولا يعلم مخالف من الصحابة إلا ما روي عن ابن عباس من قوله إذا أنكح الرجل ففوض إليه فطلق قبل أن يمس فليس لها إلا نصف الصداق.
وهو محتمل للتأويل وهو مذهب أكثر فقهاء الأمصار منهم أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث بن سعد والثوري ومتبعوهم فإن قيل هذا مخالف لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} قيل الذين ذهبوا إلى تكميل الصداق أعلم بتأويل القرآن وفي خلافهم تجهيل لهم ونعوذ بالله من ذلك مع أن في اللغة يجوز تسمية من يمكنه إيقاع المسيس باسم المسيس وإن لم يمس كما سمي ابن إبراهيم أما إسحاق وإما إسمعيل ذبيحا وإن لم يذبح.
__________
1 كذا.

(1/311)


في متعة الطلاق
روي عن أبي الزبير المكي أنه سأل عبد الحميد بن عبد لله بن أبي عمرو

(1/311)


ابن حفص عن طلاق جده أبي عمر وفاطمة بنت قيس فقال له عبد الحميد: طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن فوكل عياش بن أبي ربيعة فأرسل إليها عياش ببعض النفقة فسخطتها فقال لها عياش: مالك من نفقة ولا سكنى فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قال فقال لها: "ليس لك نفقة ولا سكنى ولكن متاع بالمعروف اخرجي عنهم" فقالت: أخرج إلى بيت أم شريك؟ فقال لها: "إن بيتها يوطأ انقلي إلى بيت عبد الله بن أم مكتوم الأعمى"
قوله: "ولكن متاع بالمعروف" يحتمل أن يكون على الإيجاب وعلى الندب وكذا ما في القرآن من متع الطلاق يحتمل الإيجاب والندب مدخولا بها أو غير مدخول بها كما روي عن علي وهذا مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية ويحتمل أن يكون على الإيجاب لبعضهن كما روي عن ابن عمر أنه كان يقول لكل مطلقة متعة إلاالتي تطلق ولم يدخل بها وقد فرض لها صداق فحسبها نصف ما فرض لها.
والنظر يوجب عدم إيجاب المتعة للمدخول بها لأن الواجب بدلا من البضع يجب بالعقد لا بما سوى ذلك فإذا لم تجب المتعة بالعقد الذي لا طلاق بعده فأحرى أن لا تجب بالطلاق بعده واما المطلقات قبل الدخول فمن أهل العلم من رأى لهن المتاع واختلفوا في مقدارها فقال أبو حنيفة والثوري مقدارها نصف صداق مثلها من نسائها وهو قول حماد بن أبي سليمان ومنهم من لم يوجب لهن المتاع ولكن ندب لهن وهو قول مالك وإلا ولي إيجابها لأن التزويج لما وقع بلا تسمية صداق أوجب لها صداق مثلها كما أوجب ملك بضعها فلما طلق قبل الدخول سقط نصف الواجب عليه وبقي النصف كما كان عليه قبل ذلك من لزومه إياه وأخذه به كما إذا سمى لها صداقا ثم طلقها قبل دخوله بها زال عنه النصف وبقي النصف.

(1/312)


في ارتداد الزوجة
روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة أخت الأشعث وقيل بنته فارتدت مع قومها ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها فبرأه الله منها بالارتداد فلم يضرب عليها الحجاب ولم يخيرها كما خير سائر نسائه" وروى أن عكرمة بن أبي جهل تزوجها بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجبها ولم يقسم لها ولم يدخل بها وارتدت مع أخيها عن الإسلام وبرئت من الله ورسوله فلم يزل به حتى تركه.
فأخرجها عمر من الزوجية بردتها إذ كانت لا تصلح معها أن تكون للمسلمين أما وروي عن عمر أنه وإن أخرجها من أزواج النبي لكنه فرق بينها وبين زوجها وضربه فقالت له: اتق الله يا عمر في إن كنت منهن فاعطني مثل ما تعطيهن قال: أما هنالك فلا, قالت: فدعني أنكح قال: ولا نعمة عين ولا أطمع في ذلك أحدا.
فأخرجها بارتدادها من الزوجات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها وما حجبها ولا خيرها فلم يخالف أبا بكر في أمر عكرمة إلا في القتل خاصة لا فيما سواه لأن في ذلك شبهة دخلت عليه فعذره بها ورفع عنه القتل من أجلها وفي هذا معنى من العلم لطيف وهو أن تلك المرأة كانت لها حقوق وعليها حقوق فبردتها أسقطت حقوقها من كونها محجوبة ومنفقا عليها فبطلت حقوقها فيما حاجت به عمر وبقيت الحقوق التي كانت عليها من ترك التزوج بغيره كالناشزة يبطل حقها من النفقة ولا يبطل عنها حق زوجها وإن كانت الناشزة بترك نشوزها يرجع حقها وهذا بالإسلام ما رجع حقها إليها لأنها لو لم تكن أسلمت ما طلبها عكرمة ومع هذا ما استحقت ما كان تستحق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من حجبهن والإنفاق عليهن وذلك لأنها لما ارتدت كانت ممن منعه الله دخول

(1/313)


الجنة ولم تصلح أما للمسلمين وحقوق الأمومة لا ترجع بعد زوالها فلا تستحق في أموالهم نفقة كما تستحقها سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمومتهن والناشزة إذا عادت غير ناشزة استحقت النفقة بالعصمة والمعنى في منع الناس من تزويج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إبقاؤهن زوجات له في الآخرة يؤيده أن أم أبي الدرداء قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة قال: فلا تنكحي بعدي فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان, فقال: عليك بالصيام.

(1/314)


في الطلاق في الإغلاق
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق الإغلاق" أحسن ما قيل فيه أن الإغلاق هو الإطباق على الشيء فاحتمل بذلك عندنا أن يكون المراد به الإجبار الذي يغلق على المعتق وعلى المطلق حتى يكون منه العتاق والطلاق عن غير اختيار منه لهما ولا يكون ف يالعتاق مثابا ولا في الطلاق آثما إن أوقعه على صفة البدعة.
فإن قيل فينبغي أن لا يقع طلاق المكره قيل أوقعناه بحديث أحسن منه في الإسناد وأعرف رجالا وأكشف معنى وهو ما روي عن حذيفة أنه قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمد؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة, فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: "انصرفا نفي لهم بعهدهم ونسعتين بالله تعالى عليهم" فكان فيه اعتبار اليمين مع الإكراه كما في الطواعية.

(1/314)


في الحلف بطلاق من يتزوج
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا عتقا إلا من بعد ملك" اختلف في تأويله قال ابن شهاب إنما هو أن يذكر

(1/314)


الرجل المرأة فيقال له: تزوجتها فيقول: هي طالق البتة فهذا ليس بشيء وأما من قال أن تزوجت فلانة فهي طالق البتة فإنما طلقها حين يتزوجها أو قال هي حرة إن اشتريتها فإنما أعتقها حين اشتراها وإليه ذهب مالك ومن قال بقوله وجعله الشافعي في حكم طلاقه لمن لم يتزوج أو عتقه لمن لم يملك وذكر الاختلاف في ذلك عن الصحابة والتابعين ولما اختلفوا تأملنا ما توجبه الأصول المتفق عليها فوجدنا الرجل يقول كل ولد تلده مملوكتي هذه فهو حر فتحمل بعد ذلك بأولاد ثم تلدهم فيعتقون عليه وقد كان وقت التعليق غير مالك لهم لأنهم غير مخلوقين فروعي فيهم وقت الوقوع إلى وقت القول فكان نظيره في القياس أن لا يراعي الوقت الذي علق فيه بقوله فلانة طالق أن تزوجتها ويراعى وقت وقوعه ولا معنى لمراعاة ملك أمها لأن المعتق الولد لا الأم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر لما استشاره في صدقته مما حصل له من سهام خيبر: "احبس الأصل وسبل الثمرة" فكان فيه ما دل على جواز العقود في الأشياء الحوادث الي لا يملكها عاقدوها وقت كلامهم فمثله ما يعقده الرجل على ما يملكه في المستقبل من المماليك وعلى ما يتزوجه من النساء ومثله أيضا ما أجمعوا عليه من تجويز التوكيل ممن تجب عليه كفارة ظهارا ويمين بابتياع رقبة يعتقها عنه فيفعل الوكيل ما أمر به يجوز عنه من الرقبة التي كانت عليه وقد كان التوكيل منه قبل أن يملكها فلم يضره ذلك فروعي وقت العتاق لا وقت التوكيل ومثله ما أجمعوا عليه في تجويز الوصية بثلث ماله فيكون ذلك عاملا في ثلث ما كان مالكا وما سيملكه إلى وقت الموت ولم يقتصر على ما كان يملكه يوم الوصية وتأملنا في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" كما قال: "لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا عتق إلا من بعد ملك" ثم وجدنا قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} الآية فكان ما كان أن يفعلوا منهم بقولهم: لئن آتانا الله من فضله لنصدقن ما قد أوجبه عليهم إذا آتاهم ما وعدوه فيه إذا آتاهم إياه وكان ذلك بخلاف من قولهم فيما

(1/315)


الرجل إن تزوجت فلانة فهي طالق يكون حكمه خلاف ما إذا قال: هي طالق لا يملكون فمثل ذلك قول ولم يقل إن تزوجتها فيلزمه إذا علق ولا يلزمه إذا نجز.

(1/316)


في طلاق العبد
روي عن عمر بن معتب أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في رجل مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين فبانت منه ثم أنهما اعتقا بعد ذلك هل يصلح لرجل أن يخطبها فقال ابن عباس: نعم وقضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يصح الاحتجاج به لأن الراوي ممن لا يؤخذ مثل هذا عنه مع أن متنه مستحيل لان طلاق ذلك المملوك زوجته في رقهما لا يخلو إما إن يكون واقعا فقد حرمت عليه حرمة عليظة وإما أن يكون غير واقع لأن طلاق المملوك ليس بشيء عند ابن عباس الإباذن سيده محتجا بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} لكن لا معنى لارتجاعه لأنها زوجته حينئذ فلا سبيل لقبول هذا الحديث عنه فلساده في إسناده ومتنه وقد روى عن الراوي أن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة وطلقها تطليقة فبانت ثم أنهما أعتقا بعد ذلك هي يصلح للرجل أن يخطبها فقال ابن عباس: صح أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قضى في ذلك ولم يزد على هذا شيئا وهذا مما يدل على اضطراب هذا الحديث بحيث لا يحتج به وأما قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} إنما هو فيما عدا الطلاق من الأموال المخولة للأحرار لا في الإبضاع لأن تزويج سيده إياه يبيح له فرج زوجته ويكون مالكا له قادرا عليه دون مولاه فلما كان البضع له كان تحريمه إليه دون مولاه واختلفت الصحابة سوى ابن عباس في طلاقه فجعله عمر وعلي بن أبي طالب على حكم النساء المطلقات كالعدة وجعله عثمان وزيد على حكم الرجال المطلقين وقال ابن عمر: أيهما رق نقص الطلاق برقه والعدة بعد ذلك على النساء ولم يتابعه أحد على قوله ثم قول عمرو على أولى لأن الحر أبيح له تزويج أربع

(1/316)


وجعل له اثنا عشر طلاقا فيهن والمملوك له ثنتين فطلاقه إباهما ست تطليقات ثم ولكن هذا التلعيل ينكسر في الحر يتزوج الأمة لأنه يلزمه على طرده أن يكون طلاقه ثلاثا وليس مذهب عمر وعلي هذا وإنما يأتي هذا قولا رابعا في المسألة سوى قول ابن عباس: أن أيهما كان حرا أكمل الطلاق عكس قول ابن عمر: أن أيهما كان رقيقا نقص الطلاق برقه.
قال الطحاوي: ولقد كلمت أبا جعفر محمد بن العباس في هذا الباب وتقلدت عليه قول عثمان وزيد فيه فقلت له أليس الطلاق قد وجدته يكون من الرجل والعدة تكون من المرأة فمعقول في ذلك أن كل ما يكون من كل واحد منهما مرجوع منه إلى حكمه فقال لي كتاب الله يدفع ما قلت يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} فأعلمنا الله تعالى أن العدة للرجال لا للنساء وإذا كانت للرجال وكانت على حكم النساء لأنها تكون منهن كان الطلاق الذي يكون منهم في النساء لا على حكمهم فهذه علة صحيحة.

(1/317)


في مقدار مدة الحمل
روي عن أبي ذر أنه قال: لأن أحلف عشرا أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف يمينا واحدة أنه ليس هو وذلك لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى أم ابن صياد فقال: "سلها كم حملت به؟ " فسألتها فقال: "حملت به اثنى عشر شهرا" فأتيته فأخبرته ثم أرسلني إليها مرة ثانية فقال: "اسألها عن صياحه حين وقع؟ " فأتيتها فسألتها فقالت: صاح صياح الصبي ابن شهرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد خبأت لك خبيئا" فقال: خبأت لي عظم شاة عفراء والدخان فأراد أن يقول: الدخان فلم يستطع فقال: الدخ الدخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسأ فلن تسبق القدر" فيه أن الحمل يكون أكثر من تسعة أشهر إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به أبو ذر عن أم ابن صياد أنها حملت به اثنى عشر شهرا وفقهاء الأمصار

(1/317)


اختلفوا في أكثر مدته فقالت طائفة: أنه سنتان منهم أبو حنيفة والثوري وسائر أصحاب ابي حنيفة وبعضهم أنه أربع سنين: وهو مذهب كثير من فقهاء الحجاز وبه يقول الشافعي وعند طائفة منهم أنه يتجاوز إلى أكثر من أربع منهم مالك بن أنس وأولى الأقوال هو القول الأول: لأنه لم يخرج عن قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} والقولان الآخران خرجا عن الآية لأن الله تعالى أخبر عن الثلاثين شهرا مدة الحمل والرضاع فلا يجوز أن يخرجا عنها ولا أحدهما يبين ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: إذا وضعت لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا وإذا وضعت لسبعة كفاه ثلاث وعشرون شهرا وإذا وضعت لستة كفاه حولان كاملان لأن الله تعالى قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} .
ولا يقال: فإذا كان الحمل عامين لا يكفي الرضاع ستة أشهر لأنه يحتمل أنه إذا لطف له الغذاء يستغنى به عن الرضاع ويحتمل أن الله تعالى قد أوجب بهذه الآية أن الفصال يرجع إلى ستة أشهر ثم زاد في مدته إلى تمام الحولين بقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} .
وبقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إن نقص من الحولين شيء يكون الحمل أكثر من ستة أشهر وإنما قلنا في حديث أبي ذر أن فيه حجة على من نفى أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر ولم نقل أن ابن صياد مخصوص ليكون للعالمين آية لما ذكر فيه أنه الدجال لأنه لم يحق أنه الدجال الذي حذر الأنبياء عليهم السلام منه أممهم لوجوده في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم والدجال لا يدخله1 ولقتله صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا واحد من بني آدم في خلقه وفي مدة حمله ولو كان الدجال لم ينكر أن يكون دجالا ويكون بعده دجالون وإن تفاضلوا فيما يكونون عليه في ذلك وتباينوا فيه ولكنه قيل أنه الدجال الذي أنذر كل نبي أمته منه وقد قامت الحجة بخلاف ذلك والله تعالى أعلم.
__________
1 كذا في الأصل فليتدبر.

(1/318)


في مقام المتوفى عنها زوجها
روي عن الفريعة ابنة مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنه أتاها نعي زوجها خرج في طلب اعلاج له فأدركهم بطرف القدوم فقتلوه فقالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنه أتاني نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار شاسعة عن دور أهلي وأنا أكره القعدة فيها وإنه لم يتركني في سكني ولا مال يملكه ولا نفقة تنفق علي فإن رأيت أن الحق بأختي فيكون أمرنا جميعا فإنه أجمع في شأني واجب إلى قال: "إن شئت فالحقي بأهلك" فخرجت مستبشرة بذلك حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أودعيت له فقال: "كيف زعمت؟ ", فردت عليه الحديث من أوله فقال: "امكثي في البيت الذي جاءك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فأرسل إليها عثمان فسألها فأخبرته فقضى به يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح النقلة لها من الدار التي نعى فيها زوجها لذكرها أنه لم يخلف مالا ولا سكنى ويحتمل أن يكون ذلك لأنه لا نفقة لها من مال خلفه ولا مسكن لها في منزله لأنه على تقدير أنه كان له مال أو مسكن فبموته خرج إلى ملك الورثة ويحتمل أن يكون أمره إياها بالمكث حتى يبلغ الكتاب أجله بعدما أباح النقلة لأن جبريل عليه السلام كان حاضرا جوابه فأعلمه بما أمرها ثانيا إذ كانت أعلمته أنها دار لم يزعجها منها أهل زوجها وإن كان لهم إزعاجها لأنها ملكهم دون ملك الميت ولكن كان من حقهم تحصينها احتياطا من أن يلحقه ولد منها وقال بهذا غير واحد منهم الشافعي مع أن مذاهبهم أن المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى في عدتها فقالوا لأولياء زوجها تحصينها في عدتها حيطة أن يلحق الزوج ولد تأتي به ليس منه فأمرهم صلى الله عليه وسلم إذا كانوا لم يخرجوها من المنزل ورضوه لها أن ترجع إليه حتى يبلغ الكتاب أجله كما أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من حقوقهم التي لهم أن يطلبوها وهذا نظير ما كان من جبريل في حديث أبي قتادة في رجل سأله أن قتلت في سبيل الله صارا محتسبا أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم", فلما أدبر ناداه, الحديث وما ذكره عن الشافعي من حقوق أولياء الميت في زوجته قول حسن وسيأتي في باب الرزق والأجل ذكر العلة في مقدار هذه العدة إن شاء الله تعالى.

(1/319)