المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الإجارات وفيه ثلاثة أحاديث
روي أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان" معنى النهي عن قفيز الطحان على ما كان يفعله أهل الجهل من دفع القمح إلى الطحان ليطحنه بقفيز من دقيقه الذي يطحنه

(1/365)


له فكان ذلك استئجارا بما ليس عند المستأجر لأن دقيق قمحه ليس عنده وقت العقد فدل أن الاستئجار لا يكون بما ليس عند المستأجر يوم يستأجر كبيع ما ليس عنده يوم بيع والابتياع بما ليس عند المشتري مما ليس معناها معنى الأثمان كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون الذي قد يكون دينا في الذمة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم يعطها أحد قبلكم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله عز وجل جنته كل يوم ويقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك وتصفد مردة الشياطين فلا يصلون فيه إلى ما يصلون في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة" قيل: يا رسول الله في ليلة القدر قال: "لا ولكن العام إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله"
وفيما روى أبو هريرة قال: "اعطوا الأجير أجره من قبل أن يجف عرقه" وروي عنه أنه قال: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" وروي عن علي أنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بجلالها وخطمها ولا يعطى الجزار منها شيئا ونحن نعطيه من عندنا" في هذه الآثار ما يوضح أن الأجير إنما يعطى أجره على عمله بعد فراغه منه وروى عن ابن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا غلام هل من لبن؟ " فقلت: نعم ولكني مؤتمن, فقال: "هل من شاة لم ينز عليها الفحل" فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقي أبا بكر ثم قال للضرع: "أقلص" فقلص, ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمي من هذا القول فمسح برأسي ثم قال: "يرحمك الله فإنك غلام معلم" قال: فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعينها بشر يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن الغنم لابن مسعود بظاهر يده عليها

(1/366)


فسأله ليشتري منه اللبن فلما أخبره أنه مؤتمن عليها سأله شاة لم يصبها فحل ليريه في ذلك آية معجزة تقوم له بها الحجة عليه وعلى غيره وفي ذلك منفعة لصاحب الشاة بتلبين ضرعها فلم يكن له في اللبن حق لأن الله تعالى جعله في ضرعها حينئذ من غير ملك وقع عليه لمالكها فلذلك شربه صلى الله عليه وسلم وسقاه أبا بكر وقوله: إني مؤتمن صحيح اتفاقا لأنه أجير خاص والخلاف في الأجير المشترك فيجعله بعضهم أمينا وبعضهم ضمينا وقوله: ما نازعنيها بشر يريد ما شراكني فيها بشر لأن المنازعة قد تكون على المشاركة ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن ناسا قرأ وأخلفه في الصلاة "إني أقول مالي أنازع القرآن" أي أشارك في القرآن الذي أقرؤه في صلاتي وكانت تلك السبعون سورة لم يشاركه أحد في أخذه إياها عن النبي صلى الله عليه وسلم من شركه فيه وهذا معنى قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ بابن مسعود فيمن أمر أن يؤخذ القرآن عنهم وبالله التوفيق.

(1/367)