المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب المزارعة
مدخل
...
كتاب المزارعة
عن رافع بن خديج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وترد عليه نفقته"، لم يتعلق أحد من أهل العلم بهذا الحديث غير شريك بن عبد الله النخعي وهو قول حسن لأن لرب الأرض أن يقول لزارع: الذي بذرته في أرضي قد انقلب فيها فصار مستهلكا والذي نبت بسبب أرضي غير ما بذرت فيها ويقول الزارع: نفقتي قد صار إليك نفعها فهي لي عليك يؤيده ما روى عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعا في أرض ظهير فقال: "ما أحسن زرع ظهير" فقيل: أنه ليس لظهير فقال: "أليست أرض ظهير" قالوا: بلى ولكنه ازرع فلانا قال: "فردوا عليه نفقته وخذوا زرعكم" قال رافع: فرددنا عليه نفقته وأخذنا زرعنا

(2/57)


قال سعيد بن المسيب: أفقر أخاك أو أكرها بالدراهم.
وما روي عن رافع أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال: زرعي ببذري وعملي لي الشطر ولفلان الشطر قال: أربيت فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك وذلك لأن المزارعة لما فسدت عاد إطلاق رب الأرض كلا إطلاق فكأنه زرعها بغير إذن وكذا الرجل يغرس في أرض رجل بغير إذنه أو بأمره بمعاملة فاسدة فسيلا فيصير نخلا أنه يكون لرب الأرض دون غارسه إذا أرضه سبب زيادته ويكون عليه لغارسه نفقته والله أعلم.

(2/58)


في المساقاة
عن ابن عمر لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على النصف مما خرج منها من التمر والزرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقركم فيها على ذلك ما شئنا" فكانوا فيها كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وطائفة من إمارة عمر فكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس وذكر نحو ذلك في مساقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر من رواية جابر وابن عباس ففيه إطلاق المساقاة بجزء من أجزاء تمرها الذي يخرج منها والمعاملة في الأرض بجزء مما يخرج منها من الزرع الذي يزرعه العامل فيها وفي بقاء الحكم فيها على ذلك في زمن أبي بكر وبعض من خلافة عمر دليل على أنه لم ينسخ والنهي عن كراء الأرض بالثلث والربع وعن المزارعة بجزء مما يخرج منها لمعنى آخر كانوا يدخلونه في العقد فيفسد به العقد لا أن المزارعة في نفسها فاسدة إذا زال عنها ذلك الفساد وأخبر رافع ابن عمر أن عمومته قالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه

(2/58)


وسلم على أن له ما في ربيع الساقي الذي يفجر منه الماء وطائفة من التبن لا أدري ما هو فعلم أن فسادها بسبب هذا الشرط يؤيده ما روى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجالا يكرون مزارعهم بنصف ما يخرج منها وبثلثه وبالماذيانات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها فإن لم يفعل فليمسكها".
وعن زيد بن ثابت أن النهي الوارد فيها لم يكن لتحريمها وكان لغير ذلك وكان يقول يغفر الله لرافع أنا أعلم والله بالحديث منه إنما أتى رجلان من الأنصار قد اقتتلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع" فسمع لا تكروا المزارع وعن ابن عباس لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة إنما قال: "لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما" فوقفنا على هذه المعاني وتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن مثل ما كان منه في معاملة خيبر ولكن لمعنى كان مما يفسد المعاملة.
ولا يقال: المحاقلة كراء الأرض ببعض ما يخرج منها وهي منهية لأن ألا نسلم ذلك بل المحاقلة بيع الزرع قائما على أصوله بالطعام وفي حديث أبي سعيد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة في الزرع والمزابنة في التمر فالمحاقلة أن يأتي الرجل الزرع وهو في كدسه فيقول اشتري منك هذا الكدس بكذا وكذا يعني من الحنطة وأما من أجاز المعاملة على ذلك في الأرض التي بين النخل التي لا يوصل إلى الانتفاع بها إلا مع العمل في النخل فالحجة عليه أن ابن عمر أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملة اليهود في نخل خيبر وأرضها وقد روى عنه أن المعاملة في الأرض وحدها دون النخل جائزة وعمل بذلك جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وسعد بن مالك وكذلك معاذ لما قدم اليمن رآهم على ذلك فأقرهم عليه والتابعون اختلفوا في ذلك كما اختلف من بعدهم فممن أجاز المساقاة والمعاملة أبو يوسف ومحمد وممن أبطلهما أبو حنيفة وزفر وممن أجاز المساقاة وأبطل المعاملة مالك ومن تبعه

(2/59)


وممن أجازهما إذا اجتمعتا الشافعي وقيل: مذهب مالك أجازتهما إذا اجتمعتا إذا كانت الأرض يسيرة والحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة فيما كان منه في خيبر ومن أجازهما إذا اجتمعتا يلزمه إجازة كل منهما على الانفراد.

(2/60)