المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الوصايا ما جاء في الأمر بالوصية
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما حق امرئ يبيت وعنده مال

(2/64)


يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة أو ما حق امرئ له مال يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده أو لا ينبغي لامرئ عنده مال يوصي فيه أن يأتي عليه ليلتان إلا وعنده وصيته قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي تكلموا في المراد بهذه الوصية المحضوض عليها فقال الشافعي: معناه ما الحزم لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة قال: ويحتمل ما المعروف في الإخلاص إلا هذا من جهة الفرض قال الطحاوي: والأولى في تأويلها أن الوصية كانت مفروضة قبل آية المواريث بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية فلما فرضت المواريث انسخت الوصية للوالدين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" وبقي غير الوارث تجوز الوصية له والله أعلم.

(2/65)


في وصية سعد
عن سعد قال: مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا أفأتصدق بمالي كله؟ قال: "لا" فقلت: فبالشطر؟ قال: "لا" قلت: فبالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس إنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك" قلت: يا رسول الله اخلف عن هجرتي؟ قال: "إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم"، لكن البائس سعد بن خولة- يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مات بمكة- الأصح أن ذلك كان عام الفتح لا عام حجة الوداع خلافا لمالك ومعنى قوله: "لعلك أن تخلف" هو ما روى عن بكير ابن الأشج قال: سألت عامر بن سعد عن معناه فقال عامر: أمر سعد على العراق فقتل أقواما على الردة فضربهم

(2/65)


واستتاب قوما كانوا يسجعون بسجع مسيلمة الكذاب فانتفعوا به ولا يقوله عامر لأنه لا يقال مثله بالرأي والاستنباط ولكنه قاله توقيفا سمعه من أبيه أو من غيره ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ممن أخذه منه صلى الله عليه وسلم.

(2/66)


في الجار الذي يستحق الوصية
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا أو أقربهما جوار أو إذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق" وروى عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: "أقربهما منك بابا" فيه دليل على أن الجيران يتفاوتون بالقرب والبعد وما روى عن أبي حنيفة جيران الرجل الذين يستحقون وصيته هم الذين حول داره ممن لو باع وكانوا مالكين لمساكنهم استحقوها بالشفعة يوجب تساويهم في الجوار والآثار أوجبت اختلافهم في القرب والبعد وما روى عن الشافعي أن أقرب جيران الرجل الموصي لجيرانه من كان بين داره وداره أربعون دارا من كل جانب، عاد إلى توقيت ما ليس له في الحديث ذكر والتوقيت لا يقبل إلا بالتوقيف ولما انتفى القولان ولم نجد عن أهل العلم في الجوار ما هو أبعد إلا ما روي عن أبي يوسف ومحمد أنهما قالا كل مدينة يتجاور أهلها بالقبائل فكل أهل قبيل جيران وكل مدينة يتجاور أهلها بالمساجد فكل أهل مسجد جيران كان هذا القول أولى الأقوال فيه.

(2/66)


في الوصية للاختان والاصهار
...
في االوصية للأختان والأصهار
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك" فيه أن زوج بنت الرجل ختنه وعن ابن مسعود في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال الحفدة الأختان يعني: جعل الله تعالى لعباده بنين وبنات يزوجونهم بمن يكون من حفدتهم أي:

(2/66)


أعوانهم وممن يدخل في جملتهم وعن ابن عباس الحفدة ولد الولد ولا منافاة لأن الولد منهم البنات اللاتي صرن سببا للأختان وعن أبي ذر الحفدة الأعوان وقال الحسن: الحفدة الخدم قال أهل المدينة: أزواج البنات ولا مخالفة إذ يجوز أن يكون أزواج البنات يصيرون لهم أعوانا وخدما وقال محمد: أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته وكل ذات رحم محرم منه وأصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته ولم يحك فيه خلافا قال الأصمعي: الأختان كل من هو في قبل المرأة كأبيها وأخيها وعمها والأصهار يعم ذلك كله يقال: صاهر فلان آل بني فلان وأصهر إليهم وخالفه ابن الأعرابي فقال: الصهر زوج ابنة الرجل وأبوه وعمه ولا أختان أبو المرأة وأخوها وعمها.
ثم ما قاله محمد في تخصيصه ذوي الأرحام المحرمة في المعنيين المذكورين دون غيرهم ممن مثلهم في القرابة من غير أن تكون أرحاما محرمة يخالف للمروي من الصحابة وأهل اللغة وهو ما روي عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج جويرية ابنة الحارث وخرج الخبر بذلك إلى الناس قالوا: أصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق فأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا نعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها ففيه جعل الناس قومها أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم من ليس بذي رحم محرم منها فدل أن قوم زوجة الرجل أصهاره كانوا ذوي رحم محرم منها أو لم يكونوا وهذا مثل ما قاله محمد في قرابات الرجل وأنسابه أنهم على كل ذي رحم محرم من الرجال والنساء على بني الأب الذين يسبون إليه إلى أقصى أب له في الإسلام ولا التفات إلى من كان من الآباء في الجاهلية وهو قول أبي يوسف أيضا ومعنى ما روى عن الفضل بن عباس وربيعة بن الحارث أنهما قالا لعلي بن أبي طالب لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك أي نلت إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صهرا لك بتزويجك ابنته فما يقال: نلت معروف فلان بمعنى أنك نلت المعروف الذي

(2/67)


كان من قبل فلان إليك لأن المعروف كان من قبلك إليه ومثله قول عثمان ثم هاجرت الهجرتين ونلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله هاجرت الهجرتين ونلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى فلا تكون حجة لمن ذهب إلى أن زوج البنت صهر ولما ثبت أن الأصهار أنسباء زوجات الرجال كانوا ذوي محرم منهم أو لم يكونوا مثل ذلك الأختان أزواج البنات والأخوات والعمات والخالات يستوي في ذلك من كانت رحمه من أزواج هؤلاء النساء محرمات أو غير محرمات ومنه ما روي عن ابن عباس حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع أي حرم على الرجل أن يتزوج من يكون له بتزويجه إياها أصهار سواه من أنسبائه ثم قيل: في هذا السبع لا يتزوج الرجل أم امرأته ولابنتها ولا عمتها ولا خالتها ولا أختها ولا ابنة أخيها ولا ابنة أختها وحاصل الاختلاف أن في الأختان ستة أقوال أحدها أختان الرجل أزواج ذوات رحمه المحرمات الثاني أزواج ذوات رحمه مطلقا كبنت العمة والثالث أزواج ذوات رحمه المحرمات وجميع ذوات أرحام أزواجهن الرابع أزواج ذوات رحمه المحرمات وجميع ذوات أرحام أزواجهن الخامس أزواج ذوات رحمه مطلقا وذوو المحارم من أزواجهن السادس كالخامس وجميع ذوي أرحام أزواجهن فعلى هذا يكون ابن عم زوج بنت العم وما أشبه ذلك ختنا وفي الأصهار ستة أقوال أيضا أحدها أصهار الرجل كل ذي رحم محرم من زوجته خاصة الثاني كل ذي رحم من زوجته خاصة الثالث كل ذي رحم محرم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم محرم منه الرابع كل ذي رحم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم محرم منه الخامس كل ذي رحم محرم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم منه السادس كل ذي رحم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم منه فعلى هذا يكون ابن عم زوجة ابن عمه وابن خال زوجة ابن خاله وما أشبه ذلك صهرا له وقيل في ذلك كله بالعكس أن الأختان القرابة من قبل الزوجات والأصهار الأزواج من قبل القرابات وقيل: الأصهار تجمع جميعهم وزوجة الابن بمثابة الأختان وأم الزوجة وبنتها وأختها بمثابة الأصهار والله أعلم.

(2/68)