المعتصر
من المختصر من مشكل الآثار كتاب الاستبراء
روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة عند فسطاط يريد
حالما والله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل صاحب هذه أن يلم
بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف
يسترقه وهو لا يحل له" فيه دليل على أن ولد الأمة الموطوءة وهي حامل لا
يكون إبنا للواطئ خلافا لمن استدل به على لحوقه بالواطئ كما لحق بمن كان
الحمل منه لأنه يلزم أن يورثه منهما للحوق نسبه بها مع أن في الحديث: كيف
يورثه وهو لا يحل له وفي رواية: يورثه وليس منه أو يستعبده وقد عداه في
سمعه وبصره.
وقد كان مكحول يقول بعتاق الولد على واطئ أمه وهي حامل من غيره على ما روى
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية اشتراها رجل وهي حبلى فقال:
"أتطؤها وهي حبلى" قال: نعم قال: "إنك تعد وفي سمعه وبصره فإذا ولد فاعتقه
فإنه لا يحل لك ملكه".
قوله: فاعتقه يدل على أنه قبل أن يعتقه غير عتيق ويحتمل أن يكون هذا اشفاقا
منه أن يكون ما ظهر من الحمل ليس بحمل في الحقيقة وبسبب وطئه حبلت منه فكره
له استرقاقه فلذلك أمر بإعتاقه ولما لم يتيقن ذلك لم يلحق نسبه به وفيما
روى عن أبي سعيد قال: أصبنا سبيا يوم أوطاس فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا توطأن حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة".
فيه أن الاستبراء لا يجب على الصغيرة والآيسة لأن النهى عن وطء الحامل وذات
الحيض لا غير وما روى عن ابن عباس نهى عن وطء السبايا وهن حبالى حتى يضعن
ما في بطونهن أو يستبرأن لا يخالف ما ذكرنا لأن قوله: أو يستبرأن يعود على
من ليس بحامل من ذوات الحيض تقديره يستبرأن أن
(2/94)
كن ذوات حيض نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ
كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} معناه إن حنثتم.
روى عن عبد الله بن بريدة قال أخبرني أبي قال لم يكن أحد من الناس أبغض إلي
من علي بن أبي طالب حتى أحببت رجلا من قريش لا أحبه الا على بغضاء علي قال
فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته وما صحبته إلا على بغضاء على فكتب إلى النبي
صلى الله عليه وسلم إن يبعث من يخمس الغنيمة فبعث إلينا عليا وفي السبي
وصيفة من أفضل السبي فلما خمسه صارت الوصيفة في الخمس ثم خمس فصارت في آل
على فاتانا ورأسه يقطر ماء قلنا ما هذا فقال ألم تروا إلى الوصيفة صارت في
الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت في آل علي وقعت
عليها فكتب وبعثني مصدقا لكتابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما قال على
فجعلت أقول عليه ويقول صدق فأمسك بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
"اتبغض عليا" فقلت: نعم فقال: "لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فوالذي
نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة" فما كان بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحب إلي من علي.
لا ينكر هذا بكونه مقاسما نفسه لنفسه ولغيره لأن من يقسم بالولاية كالإمام
يقسم الغنائم بين أهلها وهو منهم ونائب الإمام كالإمام في ذلك ومعنى صيرورة
الوصيفة إلى آله أنها صارت بالقسمة في نصيبه ولذلك جاز له الوقوع عليها لأن
آل يستعمل صلة ومنه اللهم صل على آل أبي أوفى والمراد على أبي أوفي ومنه
لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود أي من مزامير داود لأن المزامير
كانت لداود لا لغيره من آله ومنه قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ
أَشَدَّ الْعَذَابِ} وهو داخل فيهم غير خارج عنهم ووطؤه إياها بلا استبراء
لأنها كانت ممن لا يحيض ولا ممن يخشى منها الحمل.
(2/95)
|