المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب المواريث
مدخل
...
كتاب المواريث
روي عن جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من

(2/95)


سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ ما لهما فاستوفاه فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال: "سيقضي الله في ذلك" فأنزل الله تعالى آية الميراث فبعث إلى عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن ولك ما بقي" آية الميراث هي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية والحديث نص على أن للابنتين الثلثين خلافا لما ذهب إليه ابن عباس من أن لهما النصف والثلثان لمن فوق الابنتين وكلمة فوق هنا صلة كما في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} بدليل قوله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وهي الأعناق وفقهاء الأمصار على هذا يؤكده قوله تعالى في الأختين: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} والابنتان أولى بذلك.

(2/96)


في مجهول العصبة
روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي ميراث رجل من الأزد وإني لم أجد أحدا أزديا أدفعه إليه قال: "انطلق ابتغ أزديا عاما" أو قال: "حولا" فانطلق ثم رجع في العام الثاني فقال: يار سول الله ما وجدت أزديا قال: "انطلق فانظر أول خزاعة فادفعه إليه" فلما قفى قال: "علي به" قال: فرجع قال: "انطلق فادفعه إلى أكبر خزاعة" يعني: أكبرها في النسب ومنه الولاء للكبر أمره بابتغاء الأزدي حولا نظير اللقطة إلى أن يلتقي صاحبها حولا ثم رد الميراث بعد ذلك إلى الأكبر من خزاعة كما رد اللقطة إلى ما يجب صرفه بعد الحول وإنما رده إلى خزاعة لأن خزاعة من الأزد وإنما تخزعوا منهم لما خرجوا من اليمن فصاروا إلى مكة وهم بنو مازن فحالفوا بمكة من حالفوه بها فصاروا بذلك حلفاء بني هاشم.
لا يقال: كيف عدم الأزدي والأنصار من الأزد وهم أقرب إلى الميت من خزاعة لأنه يحتمل والله أعلم أنه كان بمكة قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى المدينة وكان ذلك المتوفى ممن كان أسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى الأقعد به من خزاعة إذ لم يكن بمكة أنصار فكان

(2/96)


خزاعة أقعد الناس بالمتوفى وقد روي في هذا الحديث من غير هذا الطريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بميراث رجل من خزاعة فقال: "اطلبوا له وارثا" فطلبوا فلم يجدوا فقال: "اطلبوا له ذا قرابة" فطلبوا فلم يجدوا فقال: "اطلبوا له ذا رحم" فطلبوا فلم يجدوا فقال: "ادفعوا ما له إلى أكبر خزاعة".
والحديث الأول اولى لأن رواته أكثر ولان العرب لا تورث بالأرحام التي ليست عصبات فاستحال بذلك ما في الحديث الثاني مما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طلب ذي الرحم ليدفع إليه ميراث الأزدي وإنما تورث بالأرحام العجم التي تنسب إلى قراها فالعرب ترجع إلى الشعوب وإلى القبائل وإلى الأفخاذ وبها يتوارثون والعجم لا ترجع إلى ذلك إنما تجمعهم بلدانها لا ما سواها فالشعوب النسب البعيد كتميم وبكر والقبائل دون ذلك والأفخاذ دون القبائل.

(2/97)


في ذوي الأرحام
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك كلا أو وضيعة فإلي ومن ترك مالا فهو لورثته وأنا مولى من لا ولي له أرث ماله وأفك عانيه والخال وارث من لا وارث له يرث ماله ويفك عانيه" فيه حجة لمن يورث ذوي الأرحام والمقتدي فيه من الصحابة الكرام عمر وعلي وعبد الله بن مسعود ولا معنى لتأويل الخال بالعصبة من قبل أبائه استدلالا برواية من رواه والخال وارث من لا وارث له يرث ماله ويعقل عنه.
لأن القصد إلى الخال الذي لا يرث مع من له ورثة وهو الخال الذي ليس من العصبة لأن الخال من العصبة يرث مع ذوي السهام الباقي عنهم ولأنه يستحيل أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخال الذي هو من العصبة بالميراث بالخؤولة ويترك ذكره بالميراث من جهة التعصيب وميراثه به أقوى لأن العاصب يرث مع ذوي السهام ولا يرث الخال معهن واستدلالهم بتلك الرواية لا يصح لأنها رواية شعبة وكان يحدث عن حفظه ولا يرجع إلى كتاب

(2/97)


وكان يحدث بمعاني ما سمع ولا يأتي بألفاظ ذلك وكان يعجز عن ذلك إذ لم يكن فقيها فيرد ذلك إلى الفقيه كما لك والثوري فحقيقة الحديث على ما ذكرناه.

(2/98)


في الجد
عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أن ابن ابني مات فما لي من ميراثه قال: "لك السدس" فلما ولي دعاه قال: "لك سدس آخر" فلما ولى دعاه فقال: "أن السدس الآخر طعمة" كان هذا قبل أن تنزل آية المواريث وقد كانت الوصية للوالدين والأقربين فإن لم يكن أوصى الميت كان حكم المال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه فيما يرى وضعه فيه فكان بقية المال بعد السدس الذي أعطاه صلى الله عليه وسلم الجد لا مستحق له يرثه فرجع الحكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى منه الجد ما أعطى طعمة ولا وجه للحديث غير هذا إذ لو كان بعد نزول المواريث وله ورثة يستحقون بقية المال بعد السدس الواجب له لما أعطاه طعمة ما وجب لوارث معين ولو لم تكن له ورثة سواه لاستحق ميراثه كله وعليه يؤول ما روي عن معقل بن سنان أنه صلى الله عليه وسلم أعطى للجد ثلثا أو سدسا لأنه لما شك جعلناه السدس الذي حفظه عمران ولم يحفظه معقل لأن من حفظ شيئا أولى ممن قصر عنه.

(2/98)


في الكلالة
عن مرة بن شرحبيل عن عمر قال: ثلاثة لأن يكون رسول اله صلى الله عليه وسلم بينهن لنا قبل أن يموت أحب إلي مما على الأرض الخلافة والربا والكلالة فقلت الكلالة لا شك فيه هو ما دون الولد والأب فقال الأب يشكون فيه وقد روي أن عمر قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قل إني والله ما أدع شيئا هو أهم إلي من أمر الكلالة وقد سألت نبي الله عنها فما أغلظ لي في شيء قط مما أغلط لي فيها حتى طعن بإصبعه في صدري

(2/98)


أو جنبي فقال: يا عمر أما يكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء وإني أن أعش أقض فيها بقضية لا يختلف فيها أحد يقرأ القرآن وعن مسروق سألت عمر عن قرابة لي ورث كلالة فقال: الكلالة ثلاثا ثم أخذ بلحيته فقال: والله لأن أعلمها أحب إلي مما على الأرض من شيء سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم تسمع إلي الآية التي أنزلت في آية الصيف مرتين". فترك عمر الجواب عنها تورعا عن القول في كتاب الله عز وجل مما لم يوقف على حقيقته من عند الله حتى مات على ذلك وعن ابن عباس سمعت عمر يقول: القول ما قلت قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له.
وروى عن عمر من رواية سعيد بن المسيب لما حضرته الوفاة دعا بكتاب كتبه في الكلالة فمحاه وقال: ترون فيه رأيكم وعن الشعبي أن أبا بكر وعمر قالا الكلالة من لا ولد له ولا والد وحديث سعد بن أبي وقاص في مرضه وقد أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائدا فقال: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس لي وارث إلا كلالة الحديث وقد كانت لسعد ابنة فعقلنا أن معنى قوله: ليس لي وارث مع ابنتي إلا الكلالة لأن الإبنة ليست كلالة عند أهل العلم جميعا وعن جابر أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ فصب الوضوء علي فعقلت فقلت كيف الميراث فإنما ترثني كلالة فنزلت آية الفرائض فدل ذلك أن الكلالة هي الوارث لا الموروث وقد كان لجابر أخوات مذكورات في غير هذا الحديث فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: إنهن كلالة وعلى صحة ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} وهي مصدر من تكلله النسب كلالة يعني: ما تكلل به النسب من الأعمام وهي العم والعصبة وقيل: الأخوة من الكلالة والقول الصحيح: إن الكلالة هم الوارثون لا الموروثون وعن البراء: أنها آخر آية نزلت. وعن الحسن بن محمد سألت ابن عباس عن الكلالة فقال: من لا ولد

(2/99)


له ولا والد فقلت: يقول الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} فغضب علي وانتهرني فيحتمل أن ترك الذكر للوالد في الآية لأن المخاطبين بذلك يعلمون أن الولد في هذا المعنى أوكد من الوالد فيكون ذكر الولد يغني عن ذكر الوالد كما قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وسكت عما سواهن من العمات والخالات لعلم المخاطبين بما أريد منهم ومثله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ثم قال: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} فقيل: الجواب لكان هذا القرآن وقيل: هو لكفروا به ومنه {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} ولم يذكر ما كان يكون ووصل ذلك بقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} فكان معقولا أن الكلالة ما تكلل على الموروث في الميراث الذي يتركه من يستحقه بالنسب الذي يتكلل به عليه وكان الولد غير متكلل عليه لأنه منه ومثله الوالد لأنه منه فثبت بذلك أن الكلالة ما عدا الوالد والولد جميعا.

(2/100)


في النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث ولا يورث
عن عائشة أن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم توفي فقال: هاهنا رجل من أهل قريته فأعطاه إياه وعنها أن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع من عذق نخلة فمات وترك شيئا فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل ترك من ولد أو حميم" قالوا: لا قال: "انظروا أهل قريته فادفعوه إليهم" وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث مولاه هذا إلا أن الله تعالى شرفه وجعله في أعلى مراتب الدنيا والآخرة وأخرجه من أخلاق من سواه وكان فيما أنزل عليه: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} فوصفهم بأخلاق لا يحمدها وجعلهم بذلك في منزلة سفلى وجعل حكمه فيما أخرجه إليه أعلى الأحكام فلم يجعله ممن يرث بنسب ولا ولاء ولا تزويج وخالف بينه وبين سائر أمته في ذلك زيادة في فضله وفي تشريفه إياه فأمر صلى الله عليه وسلم بميراث

(2/100)


مولاه لما لم يكن له ولد ولا حميم أن يدفع إلى أهل قريته كما للأئمة أن يدفعوا المال الذي لا مالك له إلى من يريدون من الناس وكذلك سائر الأنبياء لا يرثون ولا يورثون.
لا يقال أن زكريا سأل ربه أن يهب له وليا يرثه فوهب له يحيى وأصلح له زوجته لأنه إنما ورث عنه النبوة كمثل ما ورث من آل يعقوب لأنه لم يكن له مال وكان زاهدا نجارا يعمل بيده وعن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يطلب علما سلك الله به طريق من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض وكل شيء حتى الحيتان في جوف الماء وإن العلماء هم ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر". وزكريا منهم فلم يورث شيئا من المال وكذلك قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} هو مما سوى الأموال.
لا يقال: قد كان سليمان في حياة والده نبيا فما الذي ورث عنه لأنا نقول ورث عنه حكمته وما يورث عن مثله فكان ذلك مضافا إلى نبوته فإن قيل: فقد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه منزله ومملوكته أم أيمن وشقران اللذين أعتقهما قلنا: ذلك كان قبل أن يؤتيه الله تعالى النبوة فلما أؤتيها عاد حكمه إلى منعه من ميراث غيره ومنع غيره من ميراثه وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقتسم ورثتي دينار أما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة المراد بالأهل أزواجه وإنما كانت لهن النفقة لكونهن محبوسات عليه ليكن أزواجه في الجنة محرمات على غيره قوله: لا يقتسم ورثتي يعني من كان يرثني لو كنت موروثا على سبيل الاستعارة ما تركت فهو صدقة لأن من لا يورث فلا وارث له في الحقيقة والله أعلم.

(2/101)


في رباع النبي صلى الله عليه وسلم
روى أسامة بن زيد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتنزل في دارك بمكة فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور" وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علي لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين وكان عمر يقول: لا يرث المؤمن الكافر قوله: وكان عقيل إلى آخره ليس من الحديث أنما هو من كلام الزهري ولهذا قال له موسى بن عقبة: أفصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم احتج المحتج بهذا على أن أراضي مكة مملوكة ولا حجة فيه لأن إضافة الدار من أسامة إليه وإضافته إياها إلى نفسه قد تكون بسكناها لا على أنها ملك له كإضافته تعالى بيت العنكبوت إلى العنكبوت ومساكن النمل إلى النمل وكما يقال باب الدار وجل الفرس يؤيده إن ارث أبي طالب لا يرجع إلا إلى أولاده وكذا مال عبد المطلب لا يرجع إليه صلى الله عليه وسلم لأن أباه عبد الله مات قبل عبد المطلب.

(2/102)


في التولي
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" فيه جواز التولي بإذن مواليه الذين كانوا مواليه قبل ذلك بخلاف العتاق فإنه لا يكون مولى لأحد سوى معتقه أذن له في ذلك أو لم يأذن وفي رواية ومن تولى مولى بغير إذنه فعليه لعنة الله ففيه جواز التولي بإذنه وبقبول الذين يتولى ذلك منه وفيه إطلاق وجوب الولاء بغير العتاق كما يقوله العراقيون خلافا للحجازيين مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" ولا حجة فيه لأن القصد به إلى الولاء بالعتاق لا غير لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية فكان ذلك نفيا منه أن تكون الزكوات لغير المسلمين في الآية ولم يمنع أن تكون صدقات سوى الزكاة لقوم آخرين فكذا قوله صلى الله عيه وسلم: "إنما

(2/102)


الولاء لمن أعتق" هو على الولاء بالعتاق أي: لا يكون الولاء بالعتاق إلا لمن أعتق ولا يمنع أن يكون ولاء سواه وهو المذكور في الأحاديث بالموالاة فالولاء يكون بالموالاة ويكون للمولى بها أن ينتقل بولائه عمن كان مولى له إلى من سواه من الناس بإذن من ينتقل عنه وبإذن من ينتقل إليه به لا يكون مولى لمن ينتقل إليه إلا بهذه الأشياء الثلاثة وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يذهبون إلى وجوب الولاء بالموالاة ويذهبون إلى أن للمولى أن ينتقل رضى مولاه بذلك أو لم يرض ما لم يكن عقل عنه جناية جناها فإن عقل فلا يمكن الانتقال ولكن الحديث مطلق عن قيد العقل فلا يصح العدول عنه إلى غيره تحقيقا للأتباع.

(2/103)


في من أسلم على يد رجل ووالاه
عن تميم الداري قلت: يا رسول الله الرجل من المشركين يسلم على يدي الرجل من المسلمين فقال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته" تعلق به قوم منهم عمر بن عبد العزيز وربيعة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب فأثبتوا به ولاء الذي أسلم للذي أسلم على يده وورثوه منه وأكثر العلماء على أنه لا يكفي مجرد الإسلام على يده حتى يواليه بعده كما لو والاه ولم يكن أسلم على يديه وهو مذهب الكوفيين وقد أجاز ذلك عمر بن الخطاب على ما رواه ابن شهاب ويحتمل قوله صلى الله عليه وسلم: "هو أولى الناس بمحياه ومماته" أن يكون المراد أحق الناس أن يقصد لموالاته إذ كان الإرشاد والهداية على يديه وهو كلام عربي يفهمه المخاطبون كما فهم المراد بقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} أي: فحنثتم وذلك أن الناس يحتاجون إلى التعارف إذ كان الله جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا فاحتاج من أسلم أن يكون في شعب وقبيلة حتى ينسب إليها ويعرف بها فقد روى عن ابن أبي عبد الرحمن المقبري أنه قال: أتيت أبا حنيفة فقال لي: ممن الرجل فقلت: رجل من الله على بالإسلام فقال لي: لا تقل هكذا ولكن وال بعض هذه الأحياء ثم أنتم إليهم فإني كنت أنا كذلك.

(2/103)


في ميراث المرأة
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحرز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي تلاعن عليه" يحتمل أن يكون للمرأة ولاء من التقطته ويحتمل أن يكون معناه أن من التقط فالأولى به أن يوالي من التقطه إذ هو أحق الناس به حيث التقطه وكفله وتسبب لحياته إذ لا ولاء لأحد عليه ولا نسب له أحد يمنعه ذلك من المولاة وما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي جميلة في لقيطه الذي التقطه: اذهب فهو حر ولك ولاء وعلينا نفقته يسعه من التاويل ما وسع الحديث وقد كان محمد بن الحسن يذهب إلى أن معناه أن ولاءه لك لأن للإمام أن يجعل ولاء صبي لا ولاء عليه لمن شاء من المسلمين فيكون بذلك مولاه كما لو والاه وهو بالغ صحيح العقل وكذلك أبو حنيفة وأصحابه يقولون في اللقيط: أنه حر ويوالي من شاء إذا كبر وقول عمر في اللقيط هو حر ليس على حقيقة بل هو على ظاهره لأنه قد يكون عبدا وعن على أنه قال في المنبوذ: هو حر فإن أحب أن يوالي ملتقطه وإلاه وأن أحب أن يوالي غيره وإلاه يؤكد ما قلنا والله أعلم.

(2/104)


في المولى الأسفل
عن ابن عباس أن رجلا مات ولم يدع وارثا إلا غلاما له كان أعتقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل له أحد" قالوا: لا إلا غلام له كان أعتقه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام، وفي رواية: أن رجلا مات فقال عليه السلام: "ابتغوا له وارثا" فلم يجدوا له وارثا فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى الذي أعتقه من أسفل، وفي رواية: أن رجلا مات ولم يترك وارثا إلا عبدا قد أعتقه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه كان القياس توريث المولى الأسفل من العلى كعكسه لأن من ورث بمعنى وجب أن يورث به كذوي التزويجات وذوي الأنساب بالتزويج والنسب ولكن

(2/104)


العلماء ما اتفقوا على ترك استعمال هذا الحديث والقياس إلا لمعنى وهو إعتاق الأعلى الأسفل وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم: "ابتغوا له وارثا" فدل أن الأسفل لم يكن وارثا له وإنما دفع إليه ماإليه صرفه فيما يراه والذي جاء في رواية أخرى ولم يدع وارثا إلا غلاما له يحتمل أن يكون وارثه بنسب كان بينهما كما قالوا أو ولاء إذ قد يحتمل أن يكون الغلام قد أعتق بعد أن أعتق أبا المعتق للرجل1 فيكون بذلك كل واحد منهما مولى لصاحبه وإذا احتمل الحديث هذا كان من عدل به عنها إلى خلاف ما قالته العلماء بغير دليل قد قال قولا شاذا لا يقبل منه لأن أقوال العلماء لأنهم الخلف الذين أخذوا عن السلف هي الحجة قال عليه الصلاة والسلام: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
__________
1 كذا في الأصل فليتدبر.

(2/105)


في مولى ابنة حمزة
روى عن عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة أعتقت مولى لها فمات المولى وتركها وترك ابنته فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم النصف وأعطى ابنة حمزة النصف ثم قال يعني: عبد الله بن شداد: هل تدرون ما بيني وبينها هي أختي من أمي كانت أمنا أسماء بنت عميس الحثعمية وقد كان مصعب بن الزبير وموضعه من الأنساب موضعه منها يقول عبد الله بن شداد مولى بني ليث وأمه سلمى بنت عميس وكان أخا ابنة حمزة لأمها فدل أن عبد الله بن شداد إنما كان ابن سلمى ابنة الحارث وهي امرأة حمزة لا أسماء بنت عميس فإنها كانت زوجة جعفر بن أبي طالب ثم صارت إلى أبي بكر ثم صارت إلى علي بن أبي طالب.

(2/105)


في هبة الولاء
روى عن عمرو بن دينار أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن

(2/105)


يسار لا بن عباس فيه إجازة هبة الولاء عن ميمونة وابن عباس لكنه صح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته ولم يرو ما يخالفه فوجب القول به وفقهاء الأمصار على موافقته وعلى مخالفة ما روى عن ابن عباس وميمونة في ذلك ولو علما به لرجعا عما قالاه إليه ولأن الولاء في ذلك ولو علما به لرجعا عما قالاه إليه ولأن الولاة في ثبوته له شبه بالعتاق الذي يشبه النسب فكما لا يصح هبة الرجل نسب ولده لا يصلح هبة ولاء مولاه لغيره.

(2/106)