المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الديات في دية الخطأ
عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دية الخطأ عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون ابن لبون" وروى عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون ابن مخاض ذكر مكان ابن لبون وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وذهب مالك في جماعة من أهل العلم إلى أن الدية أخماس والخمس الزائد بنو لبون ذكور ورووا ذلك عن سليمان بن يسار والأول أولى لأن بني المخاض دون بني اللبون والأولى أن لا نوجب في ذلك شيئا إلا ما أحطنا علما بوجوبه لأن الأموال محظورة حتى تعلم الوجوبات فيها ولم نحط علما بوجوب السن الأعلى فيها والدية الواجبة في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل خلفات كلها وهو قول محمد وقال أبو حنيفة وأبو يوسف أنها أرباع خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون ابنة مخاض.

(2/106)


في دية شبه العمد
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال

(2/106)


في خطبته: "ألا أن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيه قودا كما ذهب إليه الحجازيون فإنهم يقولون: القتل أما خطأ وأما عمد لا ثالث لهما والحق أنه عمد وفيه القود وخطأ وفيه الدية على العاقلة وشبه عمد وفيه الدية المذكورة في هذا الحديث غير أن الكوفيين اختلفوا في الحجر الثقيل الذي مثله يقتل فعند أبي حنيفة فيه الدية مغلظة وقال طائفة: فيه القود بالسيف وقال: الحجر المذكور في الحديث الذي لا يقتل مثله من جنس السوط والعصا وكذلك السوط والعصا أن كرر الضرب به حتى يكون الضرب في جملته موهوما منه القتل كان عمدا وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن والقياس معهما فإن القاتل بالحجر الثقيل مأثوم كالقاتل بالسيف فكذا عليه القود بخلاف القاتل بالعصا والحجر الذي لا يقتل مثلهما فإنه لا يأثم ذلك الإثم فلا يجب عليه القود ففيه الدية مغلظة، واختلف في الدية المغلظة ما هي فكان أبو حنيفة وأبو يوسف يقولان هي مائة من الإبل خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنات لبون ومثلها حقاق ومثلها جذعة وقال محمد: ثلاثون جذعة ومثلها حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وهذا أولى لموافقة قائلية ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه فأما ما دون النفس فلا اختلاف بين أهل العلم فيه أنه وجهان: خطأ وعمد لا شبه عمد وقد روى مرفوعا ما يدل على مذهب الكوفيين وهو ما روي عن أنس بن مالك أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا إليهم العفو فأبوا والأرش فأبوا الا القصاص فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس كتاب الله القصاص" فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن من عباد الله من لو أقسم على الله لا بره" واللطمة لو كانت في النفس لم يكن فيها قود فالحديثان يدلان على أن في النفس شبه عمد لا قود فيه وما دون النفس ليس فيه شبه عمدا إنما هو عمدا وخطأ لا ثالث لهما.

(2/107)


في العاقلة
روى عن جابر قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله وقال: "لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم" فيه دليل على ما كان فقهاء الكوفة والمدينة عليه من تحميلهم الاروش على عواقل الجاني الذين يجمعهم البطن الذي هو منه إلا أن يعجزوا عن ذلك فيضم إليهم أقرب البطون إليهم فيه حتى يعقلوا عنهم الواجب لأن في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جنايات كل بطن على ذلك البطن من غير اعتبار الأقرب فالأقرب بالجاني بخلاف ما قال غيرهم منهم الشافعي أن معرفة العاقلة أن ينظر إلى أخوة الجاني لأبيه فيحملون ارش جنايته فإن لم يحملوها رفعت إلى بني جده لأبيه ثم هكذا لا ترتفع إلى بني أب حتى يعجز من هو أقرب منه عما يحمل عن الجاني من ذلك لأن هؤلاء جميعا وإن تباينوا في القرابة من الجاني بالقرب والبعد فهم من أهل البطن الذي هو منه وإنما كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقل كل بطن على ذلك البطن ولم يكتبه على اقرب ذلك البطن إلى الجاني دون من سواهم من أهل ذلك البطن ممن هو أبعد منهم عن الجاني وقد روى عن سلمة بن نعيم قال: شهدت مع خالد ابن الوليد بوم اليمامة فلما شددنا على القوم جرحنا رجلا منهم فلما وقع قال: اللهم على ملتك وملة رسولك وإني برئ مما عليه مسيلمة فعقدت في رجله خيطا ومضيت مع القوم فلما رجعت ناديت من يعرف هذا الرجل فمر بي أناس من أهل اليمن فقالوا: رجل من المسلمين فرجعت إلى المدينة زمن عمر بن الخطاب فحدثته الحديث فقال: قد أحسنت فإن عليك وعلى قومك الدية وعليك تحرير رقبة فجعلها على سلمة وعلى قومه ولم يجعلها عليه وعلى أقرب قومه إليه من عصبته وفيها روى عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم

(2/108)


قال: "لا حلف في الإسلام وإيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده الا شدة" وعن قيس بن عاصم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال: "لا حلف في الإسلام ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية" والمراد بهذا التمسك إجراؤه في الإسلام على ما كانوا يجرونه في الجاهلية بأن تكون الحلفاء كالبطن الواحد فيما يحمله بعضهم عن بعض من عقل الجنايات وهذه مسئلة اختلف فيها قال أبو حنيفة وأصحابه هذا القول وبعضهم لا يجعل الحلف بهذه المنزلة وهو محجوج بما ذكرنا من الأمر بالتمسك به في الإسلام يحققه ما روى عن عمران بن حصين قال: أسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر الصحابة رجلا من بني عامر بن صعصعة فمر به على النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثق فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: على ما أحبس قال: "بجريرة حلفائك" ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه فأقبل إليه فقال له الأسير: أني مسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح".
وروى أنه كانت العضباء لرجل من عقيل أسر فأخذت العضباء منه فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد علام تأخذونني وتأخذون سابقة الحاج وقد أسلمت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخذت بجريرة حلفائك" وكانت ثقيف أسرت رجلين من الصحابة وإذا كان المحالفون يؤخذون بجرائر حلفائهم كما يؤخذون بحرائر عمومتهم فيما ذكر كانوا بالأخذ بعقول جناياتهم وكان المحالفون بأخذها منهم أولى وفيما ذكرنا دليل على أن الحلفاء يعقلون عمن حالفوهم ويعقل من حالفوه عنهم كما يعقل أهل الفخذ بعضهم عن بعض.

(2/109)


في دية المعاهد
عن ابن عباس لما نزلت: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ

(2/109)


وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآية قال كان إذا قتل بنوا النضير من بني قريظة قتيلا ادوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير قتيلا أدوا إليهم الدية قال فسوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية وفيما روى عنه أن الآية في المائدة: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} .
إنما نزلت في الدية من بني النضير وبني قريظة وذلك لأن بني النضير لهم شرف فكانت ديتهم كاملة وقريظة على نصفهم فتحاكوا فأنزل الله عز وجل ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق فجعل الدية سواء، والله أعلم أي ذلك كان يعني من رد من كانت ديته كاملة إلى النصف أو رد من كان ديته النصف إلى جميع الدية وروى خلاف هذا عن ابن عباس قال: كانت النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به وإذا قتل رجل من النضير رجلا من بني قريظة أدوا مائة وسوق من التمر فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من بني النضير رجلا من بني قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وهو النفس بالنفس ثم نزلت: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} فيحتمل أن يكون القوم اختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذين المعنيين فأنزل الله تعالى هذه الآية في السببين جميعا فسوى بينهم في الديات وفي القصاص وقيل: أن دية المعاهد أربعة آلاف درهم مما روى عن عثمان أنه قضى في دية المعاهد باربعة آلاف درهم ولكن يعارضه ما روى أن مسلما قتل كافرا معاهدا فقضى عليه عثمان بدية المسلم.
وهذا أولى لأن الحديث الأول رواه سعيد بن المسيب عنه وهو يقول: دية المعاهد ألف دينار وهو قول علقمة والشعبي ومجاهد وعطاء ويدل على ضعفه حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حملهم على الحق فجعل الدية سواء فذلك صريح على أنه رد الدية لهم جميعا إلى الدية الكاملة أو إلى نصف الدية وفي ذلك نفى الأربعة آلاف أن تكون دية المعاهد ثم تأملنا فوجدنا

(2/110)


قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} ثم ابتع ذلك بقوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فلما ساوى الله تعالى بينهما في الكفارة وجب أن يستويان في الدية إذ كان الخطاب فيهما سواء ولم نجد أحسن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عقل أهل الكتاب على النصف من عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى"، فإن كان هذا ثابتا فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين للدية في ذي الميثاق ما هي وإن كان بخلاف ذلك فظاهر القرآن يدل على تساوي المسلمين وذوي العهود في الديات وممن يقول بالتنصيف: مالك وأصحابه وممن يقول: أربعة آلاف فيهم الشافعي غير أنه روى عن ابن عباس قال: كان عمر وأبو بكر وعثمان يجعلون دية اليهود والنصارى المعاهدين مثل دية المسلم وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه.

(2/111)


في دية الجنين
عن حمل بن مالك بن النابغة قال: كانت لي امرأتان مليكة وابنة عفيف فرحمت أحداهما الأخرى بحجر فأصاب قلبها وهي حامل فألقت صبيا وماتت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بالدية على عاقلة القاتلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة من الشاء أو عشر من الإبل فقام أبوها أو رجل من عصبتها فقال: يا رسول الله ما شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لسنا من أساجيع الجاهلية في شيء".
أجمع أهل العلم أن مقدار الغرة الواجبة في الجنين من الدية أنها نصف عشرها لأن في الحديث ذكر الغرة أنها عبد أو أمة وهو أعلام للناس بماهية الغرة ثم أتبع ذلك بقوله: أو مائة من الشاء وليست بغرة ولكنه الجزء الذي هو مقدار الغرة من الدية من الشاء لأن في قول من يجعل الشاء صنفا من

(2/111)


أصناف الدية الفا شاة فالمائة نصف عشرها وهو قول أبي يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة ومالك فلم يجعلا الدية إلا في الإبل والدنانير والدراهم والشافعي لم يجعلها إلا في الإبل خاصة وليس قصر النبي صلى الله عليه وسلم بالدية لقتيل الأنصار إلى مائة من الإبل ولا قوله في خطأ العمد مائة من الإبل ما يدفع أن تكون للدية أصناف غير الإبل ثم قوله أو عشر من الإبل وهم في النقل لخروجه عن أقوال العلماء جميعا فالعشرة آلاف قد تيقنا وجوبها ولم نتيقن وجوب ما جاوزها فكان الأولى أن لا يقضي في الدية من الدراهم إلا بعشرة آلاف درهم.

(2/112)


في شريك قاتل نفسه
عن علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فوجدت حيا من أحياء العرب حفروا أو قال: زبوا زبية لأسد فصادوه فبينا هم يتطلعون فيها إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم هوى الآخر فتعلق بآخر ثم تعلق بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد كلهم فتناوله رجل فقتله وماتوا من جراحهم كلهم فقام أولياء الآخر إلى أولياء الأول وأخذوا السلاح ليقتلوه1 فأتاهم على تئفة ذلك فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله حي وأنا إلى جنبكم فلو أقتتلتم قتلتم أكثر مما تختلفون فيه وأنا أقضي بينكم بقضاء فإن رضيتم وإلا أحجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا رسول الله فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدل بعد ذلك فلا حق له اجمعوا من القبائل ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة والذي يليه ثلث الدية لأنه هلك من فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك من فوقه واحد وللرابع الدية كاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم عليه السلام فقصوا عليه القصة فقال: "أنا أقضي بينكم" فاحتبى ببردة فقال رجل من القوم: أن عليا قد قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة أجازه.
__________
1 كذا في الأصل والظاهر ليقاتلوهم.

(2/112)


وفي رواية حفرت زبية الأسد باليمن فوقع فيها الأسد فأصبح الناس يتدافعون على رأسها فهوى فيها رجل فتعلق بآخر الحديث ووجهه والله أعلم أن أهل الزبية جانون على الساقطين فيها بالتدافع أو بسقوط بعضهم على بعض فكان الأول منهم بسقوطه جار الآخرين الذي يلونه لتشابكهم فكان موته من دفع من كان على رأس الزبية ومن سقوط من ثلاثة من الرجال الساقطين عليه بجره إياهم على نفسه فوجب له ربع دية نفسه وسقط من ديته ثلاثة أرباعها إذ كان هو سبب سقوط الثلاثة الرجال عليه وكان الثاني سقوطا ميتا من الدفعة المجهول فاعلها ومن جره رجلين على نفسه فكان له ثلث الدية بالدفعة واجبا على أهلها وكان ما بقي من ديته هدرا إذ كان هو سببها وكان الثالث ميتا من الدفعة ومن وقوع الذي جر عليه فوجب له نصف الدية وكان نصفها هدرا لأنه جناية منه على نفسه وكان الرابع تالفا من الدفعة خاصة فوجب له جميع ديته وإنما تؤخذ الديات من القبائل وإن لم يعلم المتدافعون لأنهم في حكم نفر اجتمعوا فاقتتلوا فأجلوا عن قتيل منهم لم يدر من قتله فديته عليهم جميعا كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الأنصاري الذي قتل بخيبر على يهود خيبر إذ لم يدر قاتله قال الطحاوي وجرح الأسد إياهم لا يراعى وهو هدر كمن دفع رجلا في بئر فوقع على سكين فيها أو حجر فمات وفي هذا الحديث رد لقول الأوزاعي فيمن قتل نفسه خطأ أن ديته على عاقلته ولم يقل ذلك غيره من العلماء.

(2/113)


في العفو عن الدم
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت امرأة" وفي بعض الآثار الأول فالأول قال الأوزاعي: ليس للنساء عفو وسئل الأوزاعي عن تأيله "فقال" ما أدري ما هو قال محمد بن عبد الحكم: إذا كان الراوي لا يدري ما تأويله فنحن أولى إن لا ندري.
وأما المزنى فقال: تأويله عندي والله أعلم في المقتتلين من أهل القبلة على

(2/113)


التأويل بأن البصائر ربما أدركت بعضهم فيحتاج من أدركته منهم إلى الإنصراف من مقامه المذموم إلى المقام المحمود فإذا لم يجد طريقا يمر إليه ففي مكانه الأول وعساه يقتل فيه فأمروا بما في هذا الحديث لهذا المعنى وقيل الإنحجاز هو العفو عن الدم وفيه ما دل على جواز عفو النساء عن الدم العمد كما يجوز عفو الرجال عنه هذا من كلام أبي عبيد وهذا وهم منه وقيل يدخل في هذا المقتتلون من المسلمين مع أهل الحرب حيث يجوز لهم الإنصراف إلى فئة من المسلمين ليتقووا بها على عدوهم فيقاتلونهم معهم وليس هذا ببعيد وعن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في عنقه نسعة فقال: يا رسول الله إن هذا وأخي كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اعف عنه" فأبى ثم قال: يا رسول الله وأعاد له الكلام فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالعفو ثم الثالثة فأعاد عليه قوله أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعف عنه" فأبى قال: "اذهب به أن قتلته كنت مثله" فخرج به حتى جاوز فناديناه ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: يا رسول الله إن قتلته كنت مثله؟ قال: "نعم" فعفا عنه فخرج يجر نسعته حتى خفى عنا.
وعن أنس بن مالك قال: أتى رجل بقاتل وليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "اعف" فأبى قال: "خذ الأرش" فأبى قال: "أتقتله فإنك مثله" قال: فخلى سبيله فرئى يجر نسعته ذاهبا إلى أهله فيه أن القتل كان عمدا ولولا ثبت ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم لزجر خصمه عن النسعة التي أسره بها حتى جاءه به ولما قال له: "اعف عنه" ولما قال له: خذ أرشا حين أبي وفيه دليل على أن العفو من ولي المقتول لا يوجب على قاتله أرشا كما يقوله أبو حنيفة والثوري وأبو يوسف وزفر ومحمد خلافا للأوزاعي والشافعي وأما قوله: "إن قتلته كنت مثله" فيبين معناه ما روى عن أبي هريرة في الحديث من قول القاتل: لا والله يا رسول الله ما أردت قتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم للولي: "أما أنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار

(2/114)


قال فخلى سبيله وكا مكتوفا بنسعته وذلك لأن البينة قامت على قتل أخيه بفعل ظاهره العمد والمدعى عليه كان أعلم بنفسه أنه غير عامد فقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت مثله" يعني أنه في الظاهر من أهل النار فإن كان صادقا في عدم القصد فقتلته كنت أيضا من أهل النار وروى بزيادة أما أنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمك وإثم صاحبك وقيل تأويله إن قتلته فأنت مثله في أنه لا إثم ولا حرج على واحد منكما لأنك فعلت في القصاص مالك إن تفعله والقاتل إن أراد القتل كفارة له فيرتفع عنه الإثم والحرج أيضا وقال ابن قتيبة: أنك إن قتلته كنت مثله أي في أنك قاتل كما أنه قاتل لا في أنك آثم كما أنه آثم والوجه في ذلك أنه أراد منه العفو فعرض له بهذا القول ليعفو إذا سمعه وقيل إذا قتله ذهب أجره باستيفاء حقه وذهب الوزر عن المقتص منه بالقصاص على ما ورد أن الحدود كفارة لأهلها فتماثلا بأن لا أجر لهما ولا وزر عليهما والله أعلم وأما ما روي أنه لما أدبر به ليقتله قال صلى الله عليه وسلم: "القاتل والمقتول في النار" فلا وجه له يصح به لأن القاتل إن كان عامدا فالقصاص واجب لوليه فكيف يكون في النار وإن كان القاتل غير عامد فكيف يكون من أهل النار وهو لم يتعمد وإنما جاء الغلط من فهم أحد رواته لأنه ظن أن قوله: "إن قتله كان مثله" في أنه من أهل النار فجاء بالحديث على المعني ولهذا لم يجز أكثر العلماء سياقة الحديث بالمعنى.

(2/115)


في ما يجب لولي المقتول
عن طاوس عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل في عمياء أو رمياء تكون بينهم بحجر أو سوط أو بعصا فعقله عقل خطاء ومن قتل عمدا فقود يده ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" وقد طعن فيه من أجل أن سفيان بن عيينة أوقفه على طاوس ولم يذكر ابن عباس ولا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من زاد أولى ممن قصر لا سيما وقد رواه سفيان بن عيينة مسندا كما ذكرناه

(2/115)


وقوله فقود يده يعني الواجب للولي القود لا سواه ولا يخالف هذا حديث أبي هريرة قال لما فتح الله مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم في خطبته: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين أما أن يقتل وأما أن يؤدي" لأن الذي في حديث ابن عباس من إيجاب القود مثله في حديث أبي هريرة وما زاد فيه من قوله: وأما أن يؤدي هو عندنا على أداء القاتل من غير جبر بطريق الصلح وكذلك رواية من روى وأهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا يعني أن القاتل أن بذل لهم الدية كانوا مخيرين بين أن يأخذوها وبين أن يقتلوا فعلى هذا ينتفي التضاد بين الآثار والمسألة مختلف فيها فطائفة يقولون بهذا القول الذي صححنا وهو مذهب أهل الحجاز والعراق وطائفة يقولون: أن لولى القتيل أن يأخذ الدية من القاتل شاء أو أبى وممن يقوله الشافعي والأوزاعي وقالوا: وعلى القاتل استحياء نفسه فإذا لم يفعل أخذ به.
قلنا: عليه ذلك ديانة إلا أنه لا يجبر عليه بدليل إجماعهم أن ولي المقتول لو طلب دار القاتل أو عبده لا يجبر على ذلك وإن كان واجبا عليه أن يفعله ويدفع القود عن نفسه ولأن الشريعة كانت في بني إسرائيل في العمد القود خاصة فخفف الله تعالى وأباح الصلح على دفع القود كذا فسر ابن عباس قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال: العفو أن يقبل الدية في العمد {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} فمن أجله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بما خطب به وما عاد إلى التخفيف والرخصة لم يكن مأخوذ إلا بطيب نفسه لا جبرا خلافا لمن قال: رأيت الله عز وجل أوجب في الخط الدية وأوجب في العمد ما هو أغلظ منها وهو القود فإذا اختار الولي ترك الأغلظ وأخذ الأيسر كان قد نزل عن الواجب له إلى ما دونه وهو الدية فله أن يأخذه شاء أو أبى وقيل العفو من الولي يوجب الدية على الذي عليه القصاص والقولان فاسدان لأن الله تعالى أوجب في العمد

(2/116)


غير الذي أوجب في الخطأ فليس مما وجب في الخطأ جزء مما وجب في العمد فمن ترك الواجب له في العمد على القاتل فليس له أن يأخذ غير ما شرع له مما لم يوجبه الله تعالى إلا برضاه ولو كان بنزوله عن القصاص تجب له الدية الواجبة في الخطأ لوحبت له على العاقلة وهو خلاف الإجماع ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث ذي النسعة: "اعف عنه" يعني: عن القاتل فأبى فقال: "فخذوا أرشا" ولو كان العفو موجبا لما قال له لما أباه فخذ أرشا وكذا قول من قال: إن لولي الدم أن يأخذ الدية من القاتل شاء أو أبى فاسد أيضا لأن الله تعالى أوجب في قتلانا القصاص لا غير بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ثم عقبه بقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} فلم يكن له أن يتحول عن الحق الذي جعله الله له إلى ما سواه إلا برضا من يتحول عليه بذلك فلما فسدت هذه الأقوال لم يبق غير الذي قلناه عن الطائفة الأولي وهو القصاص لا غير ولا يتحول إلى الدية إلا برضا القاتل وولي القتيل جميعا.

(2/117)


في القود من اللطمة
عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية فلطمه العباس فجاء قومه فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه فلبسوا السلاح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فقال: "يا أيها الناس أي أهل الأرض أكرم على الله"؟ قالوا: أنت قال: "فإن العباس مني وأنا منه فلا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا" فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك فاستغفر لنا، احتج بهذا أهل المدينة منهم مالك في وجوب القصاص في اللطمة وقالوا: بسكوته صلى الله عليه وسلم في ترك الإنكار عليهم دليل وجوبه.
قلنا: لو كان القصاص واجبا لما منعهم من الحكم به جلالة منزلة العباس فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لو أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت لقطعت يدها" ولأنه لما كان هدرا في الخطأ لا يكون فيها قصاص في العمد

(2/117)


بخلاف المال والنفس فإن في خطائهما شيء فكذا في عمدهما وكذا لا يحتج بما روى مرفوعا يقول الله تعالى يوم القيامة: "لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأهل النار عنده مظلمة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصه منها حتى اللطمة"، ففيه ما يدل على وجوب القصاص فيها في الدنيا ولهذا يؤاخذه بها.
لأن رفع القصاص في الدنيا لعدم وقوف العباد على استيفاء مثلها لكون حدها غير معلوم والله تعالى عالم بحدها قادر على استيفاء مثلها منه في الآخرة ولا حجة بماروى أن أبا بكر الصديق لطم رجلا فقالوا: ما رضى أن يمنعه حتى لطمه فقال أبو بكر للرجل: اقتص مني فعفا عنه لأنه يحتمل أنه فعل ذلك تواضعا منه وكراهية لما كان منه من الاستعلاء على غيره بلطمه إياه كما كان من خالد بن الوليد مع ابن أخيه اللاطم لرجل فقد حكم بالقود منه فعفا عنه فإنه كان تأديبا لابن أخيه وزجرا عن معاودته وكذلك ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أقاد من نفسه فإنه كان من تواضعه لا بواجب عليه.

(2/118)


في القود من الجبذة
عن أبي هريرة كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى إذا قام فقمنا فقام يوما فقمنا معه حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه أعرابي فجبذ بردائه من ورائه وكان رداءه خشنا فحمر رقبته فقال: يا محمد أحمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي" فقال الأعرابي: والله لا أقيدك فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: "أحمل على بعير شعير أو على بعير تمرا" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصرفوا"، يحتمل أن المراد من ذلك أن يتخلق الأعرابي بخلق الإسلام من التواضع والرفق كما فعل أبو بكر وعمر لا أن

(2/118)


المراد به القود حقيقة بل هو استعارة للكلمة للمعنى الذي فيها مما استعاروها منه قال الله تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} والجدار لا إرادة له ولكن كان منه ميل كما كان لأولي الإرادة عند إرادتهم إلقاء أنفسهم إلى الأرض فمثل ذلك ما أراد من الأعرابي أن يبذل له من نفسه مثل الذي يبذل بالقود والله أعلم.

(2/119)


في انتظار البرء بالقصاص
ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: طعن رجل آخر بقرن في رجله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال: "انتظر" ثم أتاه فقال: أقدني فأقاده فبرأ الآخر وشلت رجل الأول فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني مرة أخرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس لك شيء قد قلت لك انتظر فأبيت" وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله للرجل: "انتظر" ثلاث مرات ومن أخذه له القود لما سأله إياه في المرة الرابعة هو حديث منقطع وقد رواه ابن أبي شيبة فذكره عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله وقد ذكر فيه بعض الرواة فقال: أقدني فقال: حتى تبرأ من الجناية ثلاث مرات فأقاد فعرج المستقيد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبعد الله عرجك لا شيء لك".
معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه القود إلا وهو غير واجب له وأنه لم يقده إلا والقود واجب له، اختلف أهل العلم في أنه هل يجب الانتظار في الجناية على الجاني حتى يتحقق منتهى الجناية في نفس أو عضو فمنهم من يقول: لا يجب حتى ينتظر ما تؤول إليه الجناية وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومنهم من يقول: يجب القصاص من الجاني حين كان جنايته عليه مثل ما جناه عليه وهو قول الشافعي ولما منع صلى الله عليه وسلم القود حين كانت الجناية علمنا أنه منعه مما لم يكن وجب له ولما أقاده في حال أخرى عقلنا أنها حال سوى الحال الأولى وعلمنا أنه إنما أمر بالإنتظار ليعلم ما يؤول إليه حال الجناية من برئه منها

(2/119)


أو تلاف نفسه أو عضوه فيها وفيما ذكرنا وجوب رفع القود عن الجاني حتى يوقف على ما تتناهى جنايته وهو القياس إذ لا يختلفون أن الجناية لو كانت خطأ فمات منها لامجني عليه أن الدية تجب في ذلك لا دية ما سواها من العضو فكذلك إذا كانت الجناية عمدا تجب مراعاة ما تتناهى إليه من ذهاب النفس فيكون الحكم للنفس لا لما سواها ويجب القود فيها لا في الأعضاء الذاهبة قبلها بالجناية وإذا كان منها البرء كان الحكم للأعضاء الذاهبة بتلك الجناية ووجب فيها القود.

(2/120)


في العقود بين العبيد
...
في القود بين العبيد
عن عمران بن حصين أن عبد لقوم أغنياء قطع أذن عبد القوم فقراء فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما قصاصا وروى عنه أن عبد القوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء الحديث فيه من الفقه معنى يجب أن يوقف عليه وهو أن جنايات العبد في الأطراف لا يوجب القود عند أبي حنيفة وأصحابه وتوجب القود في النفس خلافا لمن يوجب القود فيهما عليهم كما في الأحرار وحديث عمران دال على عدم جريان القصاص في الأطراف بينهم وما روى عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس قال: لا إلا ما في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولاذو عهد في عهده ومن أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين دال على وجوب القصاص بينهم في الأنفس لأن تكافؤ دماء المسلمين في العبيد والأحرار على العموم فدل على أن العبيد بينهم قصاص في الأنفس من غير اعتبار قيمة وفيما دون الأنفس إلى القيمة وهي تختلف باختلاف المقومين فرفع القصاص بين العبيد فيها وبين الأحرار والعبيد كذلك وعند مالك كذلك إلا أن يقتل الحر العبد فيقتل وقد روى مثل مذهب أبي حنيفة أنه لا قود بين العبيد فيما دون النفس عن عبد الله بن مسعود.

(2/120)