المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الجنايات
في قتل المؤمن بالكافر
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولاذو عهد في عهده فيه التسوية بين دماء المسلمين في القصاص والدية شريغا كان أو وضيعا رجلا كان أو امرأة حتى الرجل بالمرأة كعكسه والمراد بالذمة الأمان حتى لو آمن رجل من المسلمين العدو أمانا نفذ ذلك على جميع المسلمين وحرم أخفاره كما روي في أمان زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بن الربيع وقوله: أدناهم يحتمل أن تكون المرأة أو العبد وإذا كان أمان العبد جائزا فالمسلمة أحرى وفي قتل المؤمن بالكافر قولان لأهل العلم: أحدهما إن ذلك على التقديم والتأخير تقديره لا يقتل مؤمن ولاذو عهد في عهده بكافر أي كافر غير ذي عهد فيقتل المؤمن بالكافر الذمى وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والثاني أن قوله: ولاذو عهد كلام مستأنف فلا يقتل المؤمن بالكافر المعاهد وهو تأويل الشافعي وكان مذهب مالك كذلك ولكن يلزم أن لا يقتل ذو عهد بحال لو كان مستأنفا ولا خلاف أن ذا العهد يقتل قصاصا عن قتيله من المسلمين أو المعاهدين فعقلنا بذلك أن المراد بمن لا يقتل في عهده إنما هو بمعنى خاص ولا خاص في هذا غير الكافر الحربي لأنه انعطف عليه فصار المراد بمن لا يقتل به المؤمن المذكور أيضا الحربي ووجب أن يقتل المؤمن بالمعاهد وقياس على السرقة فإن المسلم يقطع بسرقة مال المعاهد فكذلك يقتل إذا قتله لأن حرمة النفس كحرمة المال بل أكد لأن العبد يسرق مال سيده فلا يقطع ويقتله فيقتل به.

(2/126)


في من أشار بحديدة على رجل
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أشار بحديدة إلى

(2/126)


أحد من المسلمين يريد بها قتله فقد وجب دمه" أي: حل دمه من قولهم وجب دمي على فلان أي حل دمي عليه وحل دمه لكل من يقدر على الدفاع عنه أن يحجز عن الدافع عن نفسه وذلك لأنه لو تم له ما قصده من القتل لوجب له قبل إمضائه ما قصد إليه حتى لو كان لا يجب دمه بالإمضاء لم يجب قبل الإمضاء كالمجنون إذ أشهر سلاحا على رجل فإنه لو قتله كان عليه دينه وقد روى عن أبي حنيفة في رجل شهر على رجل سيفه فقطع يده ثم قتله المشهور عليه قال عليه القود ولم يحك فيه خلاف وليس هذا خلافا للحديث ولكنه على أن الشاهر لما قطع يه كف عن إشهاره عليه فحرم بذلك قتله فأما إذا بقي بعد قطعه يده على ما كان عليه مما شهر به سيفه عليه فهو بذلك في حكمه قبل قطع يده.

(2/127)


في نزع ثنية العاض
روي أن رجلا عض آخر على ذراعه فجذبها فانتزعت ثنيتاه فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أردت أن تأكل أو تقضم- شك المحدث- لحم أخيك كما يأكل أو يقضم الفحل فأبطلها ذكر من طرق بألفاظ متقاربة أوجب بعض العلماء أرش ثنيتي العاض على المعضوض منهم ابن أبي ليلى والحق بطلان الأرش لأنه لو تم قصد العاض لوجب عليه القصاص كما تقدم في المشير بالحديد ليقتله.
لا يقال أن العض لا قود فيه لأنه كسر عظم لأن العض بأطراف الأسنان لا يكسر العظم وإنما يأتي على جلدة الذراع أو يجاوزها إلى العظم فيجب فيه القصاص كموضحة الرأس بإجماع وإنما يمكن كسر العظم بالقضم الذي هو بجميع الأسنان ثم لو كان العاض مجنونا يجب له ارش الثنية على ما أصلناه فيوافق معنى الحديثين.

(2/127)


في حذف من اطلع عليه
عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو طلع علينا1
__________
1 كذا والظاهر عليك.

(2/127)


رجل فحذفته ففقأت عينه ما كان عليك جناح" وروي أن رجلا اطلع في جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحط رأسه بالمدرى فقال: "لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الأذن من قبل الإبصار".
وروي: من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه، وروي: أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقم عينه خصاصة الباب فبصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ سهما أو عودا محددا وجاء به ليفقأ عين الأعرابي فانقمع الأعرابي فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنك لو ثبت لفقأت عينك".
وفي رواية قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه لما كان حق صاحب الدار أن لا يطلع عليه كان له قطع الاطلاع وإن كان فيه انقلاع عين المطلع لأنه فعل ما له أن يفعل فلا ضمان عليه وروي مرفوعا "من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فلا دية ولا قصاص" ولما جاءت الأخبار مجيء التواتر ولم يستعملها الفقهاء لأن قطع الاطلاع قد يحصل بالزجر باللسان فإذا فقأ يجب عليه الضمان نظرنا فيه فوجدنا جهاد العدو لا يقاتل فيه إلا بعد الدعوة فإن قاتلوهم قبل الدعوة لعلمهم بما يدعون إليه لم يكن فيه لوم ولا ضمان نفس ولا مال والمرتد إن قتل قبل الاستتابة جاز وإن كان أحسن الاستتابة قبل القتل فكذلك المطلع إن أعلمه قبل الفقء كان حسنا وإن لم يفعل كان جائزا وليس عليه دية ولا قصاص وهذا مما لا يتسع خلافه لما روينا.

(2/128)