المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب الرجم
مدخل
...
كتاب الرجم
عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب وهو جالس على المنبر يقول: أن الله عز وجل بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق فأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد

(2/128)


الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
في قول عمر دلالة على وقوفه إن الرجم ثابت بالكتاب وغيره مثل أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لم يكتبوها في القرآن لعلمهم أن النسخ لحقها وكان أبو بكر عند جمعه للقرآن سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب ففعل فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي ثم كانت عند حفصة فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها فبعثت بها فنسخها عثمان في هذه المصاحف ثم ردها إليها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان بن الحكم فأخذها فحرقها فكان أبو بكر قد وقف على نسخها من القرآن وردت إلى السنة وعثمان أيضا قد وقف على ذلك وقال علي بن أبي طالب لما جلد شراحة ثم رجمها: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعه على ذلك زيد بن ثابت وهو الذي كان يكتب القرآن لأبي بكر فكان علمهم بنسخها أولى من ذهاب ذلك على عمر لأن من علم شيئا حجة على من لم يعلمه وترك عمر كتابتها في المصحف دليل على أنه قد رأى من ذلك ما رأوه فبان بما ذكرنا أن الرجم سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آية ثابتة الآن من كتاب الله تعالى.

(2/129)


في حد المقر بالزنا
روي عن سهل بن سعد أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها، وروى أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: زنى بي فلان فبعث إلى فلان فسأله فأنكر فرجم المرأة، فيه إقامة حد الزنا على المقر دون المنكر منهما وهو مذهب أبي يوسف وقال بعضهم: لا يحد المقر منهما

(2/129)


أيضا إذ كان للمنكر منهما مطالبة المقر بحد القذف لأننا نحيط علما أنه لا يجتمع على المقر الحدان جميعا لأنه إن كان صادقا كان زانيا لا قاذفا وإن كان كاذبا يكون قاذفا لا زانيا وهو قول أبي حنيفة وقد احتج عليه بما روينا ولا حجة عليه بما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: "أحق ما بلغني عنك" قال: وما بلغك عني قال: "إنك أتيت جارية آل فلان" فأقر على نفسه أربع مرات فأمر به فرجم.
وبما روي عن يزيد بن نعيم بن هزال وكان هزال استرجم لماعز قال: كانت لأهله جارية ترعى غنما وإن ماعزا وقع عليها وإن هزالا خدعه فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخبره بالذي صنعت أن ينزل فيك قرآن فأمر به نبي لله فرجم فلما عضه مس الحجارة انطلق يسعى فاستقبله رجل بلحى جمل فضربه فصرعه فقال صلى الله عليه وسلم: "يا هزال لو كنت سترته بثوبك كان خيرا لك" فعلم أن المقر بالزنا على نفسه هذا الرجل لا المرأة وعلم أنه هو ماعز بن مالك وعلم أن المرأة التي زنى بها أمة لا حد عليه في رميه إياها بخلاف ما إذا أقر بالزنا بحرة فإنه يجب لها عليه برميه إياها حد القذف فبان بحمد الله أنه لا حجة فيه لمن ادعاها على أبي حنيفة.

(2/130)


في الستر
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم" أمر الله تعالى عباده بالستر وإن لا يكشفوا عنهم ستر الذي سترهم به فيما يصيبونه مما قد نهاهم عنه لمن سواهم من الناس فكان الأمير إذا تتبع ما أمر الله تعالى بترك تتبعه امتثل الناس ذلك منه فكان في ذلك إفسادهم ولا يقال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنيسا أن يأتي امرأة الرجل الذي ذكر له عنها أنها زنت فيسألها وإن يرجمها إن اعترفت لأن تلك امرأة ذكر أبو الزاني أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن اعترفت حدت

(2/130)


وإن أنكرت جلد قاذفها وقد كان الشافعي يقول ليس للإمام إذا رمى رجل بالزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأنه تعالى قال: {وَلا تَجَسَّسُوا} قال الطحاوي: أن ابن هذا الخصم المذكور في الحديث كان يقر بزناه بامرأة الآخر وهو في إقراره بزناه بها قاذف لها إن أنكرت فلما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب أحد الحدين عليه أما حد الزنا أن أقرت وأما د القذف أن أنكرت دعته الضرورة إلى استعلام ما تقوله المرأة منه بالزنا.

(2/131)