المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

كتاب أسباب النزول في سبب نزول: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}
روي انه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة في الصبح قال: "اللهم ألعن فلانا" على ناس من المنافقين فنزل قوله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وروي أنه كان يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى نزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} .
وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله عز وجل" فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية يبعد أن يكون النزول الواحد لسببين لأن غزوة أحد كانت في سنة ثلاث وفتح مكة في سنة ثمان ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة ويبعد النزول مرتين إذ لو كان كذلك لوجدت في موضعين فالأولى أنها نزلت قرآنا لواحد من السببن والله أعلم أيهما هو ثم أنزلت بعد ذلك للسبب الآخر لأعلى أنها قرآن لاحق بما قبله من القرآن ولكن على أعلام الله أنه ليس له من الأمر شيء وإن الأمر إلى الله وحده يتوب على من يشاء ويعذب من يشاء وهذا أقرب الاحتمالات وأولاها.

(2/152)


في سبب نزول: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا}
روي أن رافع بن خديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقال مروان لرافع: في أي شيء أنزلت هذه الآية؟ قال رافع: أنزلت في ناس من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

(2/152)


سفر تخلفوا عنه فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتذروا إليهم وقالوا: ما حبسنا عنكم إلا السقم والشغل ولوددنا أنا كنا معكم فأنزل الله تعالى هذه الآية فيهم فكأن مروان أنكر ذلك وقال: ما هذا فجزع رافع من ذلك وقال لزيد: أنشدك بالله هل تعلم ما أقول؟ فقال زيد: نعم فلما خرجا من عند مروان قال له زيد: وهو يمزح معه أما تحمدني بما شهدت لك فقال رافع: وأين هذا من هذا؟ أنشدك أن تشهد بالحق، قال زيد: نعم قد حمد الله على الحق أهله.
مع ما روي أن مروان قال لرافع: اذهب إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد على ما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعين فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية إنما نزلت في أهل الكتاب ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية ثم تلا: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أنهم قد أخبروه بما سألهم فاستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه ليس في هذا تضاد لاحتمال الأمرين جميعا على ما ذكره رافع وعلى ما ذكره ابن عباس فأنزل الله عز وجل الآية مما كان في المنافقين ومما كان من أهل الكتاب ولم يعلم واحد الفريقين ما علم الآخر فحدث كل فريق بما علم مما كانت الآية نزلت فيه من السببن اللذين كان نزولها فيهما لا في أحدهما فلا تضاد فيما بين الروايات.

(2/153)


في نزول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية
عن ابن عباس قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فإن أصبح ذهبا أتبعناك فدعا ربه فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت أصبح لكم ذهبا ومن كفر عذبته عذابا أليما لم أعذبه أحدا من العالمين وإن شئت فتحت لكم باب التوبة والرحمة، فقال: "بلى يا رب

(2/153)


باب التوبة والرحمة".
وروى عنه قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم قالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية فيلتفكروا فيها- وعن عطاء قال: دخلت مع عبد الله بن عمرو وعبيد الله بن عمر على عائشة وهي في خدرها فقالت: من هؤلاء؟ قلنا: فلان وفلان قال ابن عمر: حدثينا أعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت بكاء شديدا ثم قالت: كل أمره كان عجبا أتاني ذات ليلة وقد دخلت فراشي فدخل معي حتى لصق جلده بجلدي ثم قال: "يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي عز وجل" قالت: فقلت: يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك، قالت: فقام إلى قربة في البيت فتوضأ منها ثم قرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت حقوته ثم جلس فدعا وبكى حتى رأيت أن دموعه بلغت حجزته ثم اضطجع على يمينه وجعل يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت الأرض ثم جاءه بلال بعدما أذن فسلم فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر قال: "ومالي لا أبكي وقد أنزلت علي الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ويحك يا بلال ألا أكون عبدا شكورا" - لا يقال- إن هذا مخالف لما روى ابن عباس- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا ربه فيما سألته قريش فخيره الله فاختار ما هو أحمد لهم في العاقبة وما فيه السبب الموصل إلى الجنة والمؤمن من العذاب وأنزل عليه الآية التي أقام بها الحجة عليهم في الليلة التي أنزلها فيه وهو في بيت عائشة فعلم ابن عباس السبب ولم تعلم ذلك عائشة فعادت الآثار إلى انتفاء التضاد عنها.

(2/154)


في سبب نزول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآية
عن أبي هريرة لما نزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال رجل: يا رسول الله كل عام فسكت ثم أعاد الرجل عليه ثلاث مرات كل ذلك يسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو قلت كل عام لو تركتموها لكفرتم إنما أهلك الذين من قبلكم الحرج والله لو أني أحللت لكم ما في الأرض من شيء وحرمت عليكم موضع خف بعير لوقعتم فيه"، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا} الآية.
وقد روي في سبب نزولها غير ذلك عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان قد أحمر وجهه فجلس على المنبر فقال: "لا تسألوني عن شيء إلا حدثتكم به" قام إليه رجل فقال: أين أنا؟ قال: "في النار" وقام آخر وكان يدعى إلى غير أبيه فقال: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبمحمد نبيا يا رسول الله كنا حديثي عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا، قال: فسكن غضبه ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} ، يحتمل أن تكون السؤالات المذكورة قبل نزول الآية ثم أنزل الله بعد ذلك هذه الآية نهيا لهم عن السؤالات وإعلاما أنه لا حاجة بهم إلى الجوابات عنها بحقائق أمورها التي أريد منها لأنه لا منفعة لهم ولو جهلوه لم يضرهم إذ لو كانت الآية واردة على السببين لكانت موجودة في موضوعين مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} وإنما المنفعة في السؤال عما افترض عليهم في دينهم وعما يتقربون به إلى ربهم لا عما يسوءهم أو لا منفعة فيه روي عن معاذ قال: يا رسول الله إني أريد أن أسألك عن أمر ويمنعني مكان هذه الآية قال: "ما هو"؟ قال: العمل الذي يدخلني الجنة وينجيني من النار قال: "قد سألت عظيما وأنه ليسير شهادة أن لا إله

(2/155)


إلا الله وإني رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" فأجابه عن سؤله ولم يكره ذلك وروى أن سبب نزولها ما روي عن عكرمة أنها نزلت في الرجل الذي سأل من أبي، وعن سعيد بن جبير أنه في السؤال عن البحيرة والسائبة، وعن مقسم أنها نزلت فيما سألت الأمم أنبياءهم من الآيات.

(2/156)


في سبب نزول قوله تعالى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} الآية
عن ابن عباس قال: تشاورت قريش ليلة بمكة: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبح ورأوا عليا رد الله عز وجل مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل ههنا لم ينسج عنكبوت فمكث ثلاثا.

(2/156)


في سبب نزول قوله تعالى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}
عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه قال: تبارز حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فنزلت فيهم: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} وعنه عن أبي ذر قال: سمعته يقسم بالله على ذلك وهذان خصمان على التثنية واختصموا على الجمع كما تقول: التقى العسكر فقتل بعضهم بعضا فالذين كفروا المتوعدون في الآية بما توعدوا والذين

(2/156)


آمنوا المرادون بالآية حمزة وعلى وعبيدة بن الحارث بالوعد لهم من الله بما في الآية كائن لا محالة إذ لا يلحقه نسخ بخلاف الشرائع التي تنسخ وقد اتبع الله وعده لهم بقوله: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} وهو أخبار عن حالهم في الدنيا ومن كانت حاله في الدنيا محمودة كان بذلك من أهل المنازل العليا في الآخرة.

(2/157)


في سبب نزول قوله تعالى: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}
عن أبي هريرة في هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يكاد أن يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه وقالوا: ما يتستر إلا من عيب بجلده أما برص وأما أدرة فأراد الله أن يبرئه مما قالوا" فخلا يوما واحدا فوضع ثوبه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ من غسله أقبل إلى ثوبه ليأخذه وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر- الحديث، وعن علي قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقال: بنوا إسرائيل أنت قتلته كان الين لنا منك وأشد حبا فآذوه فأمر الله الملائكة فحملته وتكلمت بموته حتى عرفت بنو إسرائيل أنه مات فدفنوه فلم يعرفوا موضع قبره إلا الرخم فإن الله جعله أصم أبكم، ولا تضاد بين الحديثين لأنه يجوز أن يكون بنو إسرائيل آذوا موسى بما ذكر في كل واحد من الحديثين حتى برأه الله من ذلك.

(2/157)


في سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}
عن البراء أما نحن فنسمي التي يسمون فتح مكة يوم الحديبية بيعة الرضوان وعن أنس كذلك وعنه أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه

(2/157)


وسلم مرجعه من الحديبية وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة قد حيل بينهم وبين نسكهم ونحروا هداياهم بالحديبية فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا فقرأها" فقال رجل: يا رسول الله هنيا مريا قد بين الله لنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} الآية، فيه أعلام أن الفتح المذكور هو ما كان في الحديبية من الصلح الذي كان بينه وبين أهل مكة الذي هو سبب لفتحها وهذا من باب قولهم: قد دخلنا مدينة كذا عند قربهم من دخولها وكذا إطلاق الذبيح على أحد ابني إبراهيم وإن لم يذبح لقربه من الذبح.

(2/158)


في سبب نزول قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية
وعن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التنعيم عند صلاة الصبح ليقتلوهم فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية وروي أن سببها كان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد أبا جندل وأبا بصير إلى المشركين على ما كان قاضى عليه المشركين بالحديبية لحقوا سيف البحر فقطعوا الطريق على قريش فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشد بالله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل إليهم فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} الآية حتى بلغ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وحميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت ولا تضاد بين السببين لكن في الآية {بِبَطْنِ مَكَّةَ} والتنعيم من بطنها وسيف البحر ليس من بطنها وكذا في حديث أنس الظفر بهم ولا ظفر في الحديث الآخر.

(2/158)


في سبب نزول قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية
روي أن الأقرع قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله فتكلما في ذلك حتى ارتفعت أصواتهما فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي فقال عمر: ما أردت خلافك قال فنزلت: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية قال: فكان عمر إذا تكلم لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه هذا أشبه مما روي أنها أنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ورواية من روي في الحديث ما أردت إلى خلاف أولى وأشبه بهما لأن ذلك استفهام من أبي بكر لعمر ما الذي أراد بخلافه والرواية الأخرى على سبيل الإنكار والخصومة التي توجب الاختلاف والشحناء وقد برأهما الله من ذلك وطهر قلوبهما وجعل كل واحد منهما وليا لصاحبه والأولى في سبب نزول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ما روي أن رجلا صام يوم الشك فقالت عائشة: لا تفعل فإنهم كانوا يرون أن هذه الآية نزلت فيه وروى عنها أنها قالت: كان قوم يتقدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصوم وغيره فنهوا عن ذلك وقال مجاهد: لا تقتالوا عليه حتى يقضي الله، وقال الحسن: لا تذبحوا حتى يذبح وقال الكلبي: لا تقدموا بين يديه بقول ولا عمل.

(2/159)


في سبب نزل قوله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} الآية
عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بهذه الآية إلا أربع سنين، سببه هو ما روي عن سعد بن أبي وقاص في قوله: {نَحْنُ

(2/159)


نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} . الآية قال: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا فأنزل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فتلاه عليهم فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} كل ذلك يؤمرون بالقرآن فقالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فكان سؤالهم القصص لتلين قلوبهم فأعلمهم الله أنه لا حاجة بهم إلى القصص مع القرآن لأنه لا يقص عليهم أنفع لهم منه ثم سألوه أن يحدثهم فأنزل في ذلك ما أنزل عليه من أجله وكل ذلك يردهم إلى القرآن لأنهم لا يرجعون إلى شيء يجدون فيه ما يجدون في القرآن.

(2/160)