النتف في الفتاوى

كتاب الشُّفْعَة

(1/496)


اعْلَم ارشدنا الله واياك إِنَّمَا وضعت الشُّفْعَة لدفع المضار وَسُوء الْجوَار وانما تجب الشُّفْعَة بِعقد صَحِيح فِيهِ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ

مَا تكون فِيهِ الشُّفْعَة
وَالشُّفْعَة تكون فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه
فِي الدّور والارضيين والقنوات
وَكَذَلِكَ فِي قَول الشَّافِعِي وَمَالك
وَفِي قَول ابي عبد الله تكون الشُّفْعَة فِي الْحَيَوَان والسفن والامتعة

من لَهُ الشُّفْعَة
وَهُوَ للخليط دون الْجَار
وَهُوَ قَول الشَّيْخ

مَالا شُفْعَة فِيهِ
وَلَا شُفْعَة فِي الكيلي والوزني وَلَا فِي العددي مُتَّفقا
وَلَا شُفْعَة فِي خَمْسَة وَعشْرين شَيْئا
احدها فِي البيع الْفَاسِد
وَالثَّانِي فِي الْمهْر وَهُوَ على ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يتَزَوَّج امْرَأَة على دَار فَلَا شُفْعَة فِيهَا مُتَّفقا
وَالثَّانِي ان يَتَزَوَّجهَا على الف دِرْهَم ثمَّ يُعْطِيهَا بِهِ دَارا بِتِلْكَ الالف فعلَيْهَا الشُّفْعَة

(1/497)


وَالثَّالِث ان يَتَزَوَّجهَا على دَار على ان ترد عَلَيْهِ الف دِرْهَم وَمهر مثلهَا الف دِرْهَم وَقِيمَة الدَّار الفان فَللشَّفِيع الشُّفْعَة فِي نصف الدَّار لِأَن نصف الدَّار مهر وَلَا شُفْعَة فِيهِ وَنِصْفهَا بيع وَفِيه الشُّفْعَة فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ الشَّافِعِي لَا شُفْعَة فِيهِ
وَالثَّالِث لَا شُفْعَة فِي الاجرة وَهُوَ ايضا على ثَلَاثَة اوجه كَمَا ذكرنَا فِي الْمهْر بِعَينهَا
وَالرَّابِع فِي الْجعل على الْخلْع وَهُوَ ايضا على ثَلَاثَة اوجه
كَمَا ذكرنَا فِي الْمهْر
وَالْخَامِس فِي الصُّلْح عَن دم الْعمد وَهُوَ ان يُصَالح ولي الْمَقْتُول الْقَاتِل اَوْ الْعَاقِلَة على دَار
وَالسَّادِس فِي الْهِبَة على شَرط الْعِوَض لَيْسَ فِيهَا الشُّفْعَة فان كَانَ على شَرط الْعِوَض فَلَا شُفْعَة فِيهَا الا ان يتقابضا ايضا وَلَيْسَ هَذَا كَالْبيع عِنْدهم
وَالسَّابِع فِي الصَّدَقَة لَيْسَ فِيهَا شُفْعَة فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَفِي قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَابْن ابي ليلى فِي الْمهْر والجعل على الْخلْع وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة شُفْعَة
وَالثَّامِن فِي الْوَقْف
وَالتَّاسِع فِي الْوَصِيَّة
والعاشر فِي الْقِسْمَة
وَالْحَادِي عشر فِي الْمِيرَاث
وَالثَّانِي عشر فِي خِيَار الرُّؤْيَة اذا اشْترى شَيْئا لم يره ثمَّ رَآهُ ورده على البَائِع فَلَا شُفْعَة فِيهَا
وَالرَّابِع عشر فِي خِيَار الشَّرْط اذا اشْترى على انه بِالْخِيَارِ كَذَا اياما ثمَّ رده على البايع قبل مُضِيّ ايام الْخِيَار فَلَا شُفْعَة فِيهَا

(1/498)


وَالْخَامِس عشر خِيَار وجود الْعَيْب اذا رد المُشْتَرِي السّلْعَة على البَائِع لعيب وجده فِيهَا فَلَا شُفْعَة لَهُ فِيهَا
وَالسَّادِس عشر فِي الاقالة اذا كَانَت قبل الْقَبْض مُتَّفقا
واذا كَانَت بعد الْقَبْض فَكَذَلِك فِي قَول ابي حنيفَة لَا شُفْعَة فِيهَا فاما فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله فَفِيهَا الشُّفْعَة لانه بيع مُسْتَأْنف
وَالسَّابِع عشر فِي خِيَار الِاسْتِحْقَاق اذا كَانَ قبل الْقَبْض وَهُوَ انه اذا اشْترى شَيْئا فأستحق بعضه قبل الْقَبْض فَالْمُشْتَرِي مُخَيّر فِي الْبَاقِي ان شَاءَ رده وَيَأْخُذ الثّمن كُله وان شَاءَ حفظ الْبَاقِي وَيسْتَرد حِصَّة الَّذِي اسْتحق من الثّمن فان اخْتَار الرَّد فَلَا شُفْعَة فِيهَا
وَالثَّامِن عشر فِي الْبناء اذا بَاعَ الرجل بِنَاء دَاره من غير رقبَتهَا فَلَا شُفْعَة واما اذا بَاعه برقبتها من الارض فَفِيهَا الشُّفْعَة فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَلَا شُفْعَة فِيهَا فِي قَول مَالك وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ بِئْرا لَا بَيَاض مَعهَا فَهِيَ على هَذَا الِاخْتِلَاف
وَالتَّاسِع عشر فِي الشَّجَرَة اذا بَاعهَا بِغَيْر أَصْلهَا فَلَا شُفْعَة فِيهَا واذا بَاعهَا بأصلها فَفِيهَا الشُّفْعَة فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَلَا شُفْعَة فِيهَا فِي قَول مَالك
وَالْعشْرُونَ فِي دَار اشْتَرَاهَا رجل فأتخذها مَسْجِدا اَوْ خَانا اَوْ رِبَاطًا أَو مَقْبرَة ثمَّ جَاءَ الشَّفِيع فَلَا شُفْعَة لَهُ فِيهَا فِي قَول ابي يُوسُف وابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن زِيَاد وَفِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد فِيهَا الشُّفْعَة وَيُؤمر بهدم مَا بني وَيرْفَع الاموات مِنْهَا
وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ لَو بِيعَتْ دَار بِجنب مَسْجِد فَلَا شُفْعَة لاهل الْمَسْجِد فِيهَا

(1/499)


وَالثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي الصُّلْح على الانكار وَهُوَ ان رجلا ادّعى على رجل فِي دَار ثمَّ صَالحه على بعض مِنْهَا اَوْ على دَار اخرى وَكَانَ الصُّلْح على الانكار من الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَة فِيهَا
وَالثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي دَار فَوْقهَا اخرى فاذا بِيعَتْ السُّفْلى وَكَانَت الْعليا قد خربَتْ فَلَا شُفْعَة فِيهَا لصَاحب حق الْعُلُوّ على الِاخْتِلَاف فِي قولي ابي يُوسُف وَمُحَمّد
قَالَ اذا كَانَت ثَلَاث ابيات بَعْضهَا فَوق بعض فَبيع السّفل مِنْهَا فان الشُّفْعَة لصَاحب الاوسط وان بيع الْعُلُوّ فَكَذَلِك وان بيع الاوسط فَالشُّفْعَة بَين صَاحب الاعلى والاوسط نِصْفَانِ وَذَلِكَ اذا كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا طَرِيق على حِدة واذا كَانَ طَرِيق بَعْضهَا على بعض فَالشُّفْعَة بَينهم فِي كل الْوُجُوه على السوَاء
وَالرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الدَّار يَشْتَرِيهَا الرجل فيبنى فِيهَا اَوْ يغْرس فِيهَا ثمَّ يَجِيء الشَّفِيع فانه يهدم مَا بناه ويقلع مَا غرسه وَيسلم الى الشَّفِيع بِمَا اشْترى من الثّمن فِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد وَفِي قَول ابي يُوسُف وابي عبد الله ان شَاءَ الشَّفِيع اعطى الثّمن وَقِيمَة الْبناء قَائِما فِي الارض وان شَاءَ ترك وَلَا شُفْعَة لَهُ فِيهَا
وَالْخَامِس وَالْعشْرُونَ اذا اشْترى الرجل دَارا وَكَانَ فِيهَا خِيَار الشَّرْط للْبَائِع اَوْ للْبَائِع وَالْمُشْتَرِي فَلَا شُفْعَة فِيهَا الا ان يُوجب البيع واذا كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَفِيهَا الشُّفْعَة لَان البيع قد تمّ
مَا تبطل بِهِ الشُّفْعَة
قَالَ وَالشُّفْعَة تبطل فِي عشرَة مَوَاضِع
احدها اذا بِيعَتْ دَار وَكَانَ الشَّفِيع حَاضرا وَسكت بطلت شفعته فِي قَول

(1/500)


ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَلَا تبطل فِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ حَتَّى يسلم بِلِسَانِهِ
وَالثَّانِي ان بِيعَتْ دَار وَكَانَ الشَّفِيع غَائِبا فَسمع بِالشِّرَاءِ وَسكت فان شفعته فِي قَوْلهم جَمِيعًا تبطل وَلَا تبطل فِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَالثَّالِث اذا بِيعَتْ دَار فَسمع الشَّفِيع بِالشِّرَاءِ وَلم يعلم بانه شفيعها فَسكت فان شفعته تبطل فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وَلَا تبطل فِي قَول ابي عبد الله
وَالرَّابِع اذا بِيعَتْ دَار فَسمع الشَّفِيع بشرَاء جَمِيعهَا فَسلم الشُّفْعَة ثمَّ علم ان بَعْضهَا بيع فان شفعته تبطل فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وَلَا تبطل فِي قَول مُحَمَّد بن صَاحب
وَالْخَامِس اذا سمع الشَّفِيع بشرَاء دَار فَسَأَلَ عَن المُشْتَرِي من هُوَ وَعَن الثّمن مَا هُوَ اولا فان شفعته تبطل فِي قَول الْفُقَهَاء وَلَا تبطل فِي قَول مُحَمَّد بن صَاحب وَلَكِن الاحوط ان يسْأَل الشُّفْعَة ثمَّ يسْأَل عَن المُشْتَرِي وَالثمن
وَالسَّادِس اذا سمع بِالشِّرَاءِ وَسَأَلَ الشُّفْعَة وَلم يخرج الى الطّلب عمدا فان شفعته تبطل مُتَّفقا
وَالسَّابِع اذا سمع بِالشِّرَاءِ وَسَأَلَ الشُّفْعَة الا انه لم يخرج الى الطّلب لعذر كَانَ بِهِ مثل ان يسمع بِاللَّيْلِ وَلَا يقدر ان يخرج اَوْ يكون بَينه وَبَين المُشْتَرِي ارْض مخوفة اَوْ مسبعَة اَوْ نَحْوهَا فان شفعته تبطل فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وَفِي قَول ابي عبد الله لَا تبطل
وَالثَّامِن لَو خرج الى الطّلب وَطلب وَذهب وَلم يرجع فانه على شفعته بدا حَتَّى يُسَلِّمهَا فِي قَول ابي حنيفَة وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد اذا ترَاخى شهرا وَلم يرجع بطلت شفعته وَفِي قَول ابي عبد الله وَاحْمَدْ بن

(1/501)


حَرْب رِوَايَة عَن مُحَمَّد اذا ترَاخى ثَلَاثَة ايام وَلم يرجع وَلم يُطَالب بهَا بطلت الشُّفْعَة وَهُوَ مَا بَين مجْلِس الْحَاكِم وَبَين ان يدْفع الْحَاجة الى ذَلِك أَو الضَّرُورَة
وَالتَّاسِع اذا طلب الشُّفْعَة وَرجع وَطلب الا انه لم يحضر الثّمن فانه يُؤَجل ثَلَاثَة ايام فان احضر الثّمن والا بطلت شفعته فِي قَول ابي عبد الله
والعاشر اذا بِيعَتْ دَار وَلها شفيعان فَسلم احدهما الشُّفْعَة بطلت شفعته وَتَكون الشُّفْعَة جَمِيعهَا لصَاحبه
تَرْتِيب الشفعاء
قَالَ وترتيب الشفعاء على خَمْسَة مَرَاتِب
وَهُوَ انه اذا بيع منزل بَين شَرِيكَيْنِ وَذَلِكَ الْمنزل يكون فِي دَار عَظِيمَة وَالدَّار تكون فِي زقاق غير نَافِذ والزقاق فِي درب وَيكون ذَلِك الدَّار لزيق دَار رجل بَابه فِي زقاق آخر فان شُفْعَة ذَلِك الْمنزل تكون للشَّرِيك الخليط فان سلم الشُّفْعَة فَتكون لاهل الدَّار فان سلمُوا فَتكون لاهل الزقاق فان سلمُوا فَيكون لاهل الدَّرْب فان سلمُوا فَتكون للْجَار الملازق بالجوار
قَالَ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ نهر بَين قوم وعَلى ذَلِك النَّهر سواق وعَلى تِلْكَ السواقي جداول وعَلى تِلْكَ الجداول ارضون فبيعت ارْض من تِلْكَ الاراضي بشربها بَين شَرِيكَيْنِ فان الشُّفْعَة للخليط والا فان سلم الخليط فَتكون لاهل الجداول فان سلمُوا فَتكون لاهل الساقية فان سلمُوا فَتكون لاهل النَّهر الْعَظِيم فان سلمُوا فَتكون للْجَار الملازق لتِلْك الارض على وَجه الْجوَار

(1/502)


قَالَ وَالشُّفْعَة على الرؤس لَا على الانصباء فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَفِي قَول الشَّافِعِي على قدر الانصباء

الشّقص
وَلَو ان رجلا اشْترى شِقْصا من دَار مشَاعا غير مقسوم ثمَّ اشْترى الْبَاقِي فاذا جَاءَ الشَّفِيع فانه يَأْخُذ الشّقص الَّذِي اشْتَرَاهُ اولا وَلَا تكون لَهُ الشُّفْعَة فِي الْبَاقِي لَان المُشْتَرِي صَار شَرِيكا حِين اشْترى

عُمُوم رخصَة الشُّفْعَة
وَالشُّفْعَة انما تجب للرجل وَالْمَرْأَة وَالْغَائِب والحاضر وَالْمُسلم وَالْكَافِر وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء لَيْسَ للصَّغِير شُفْعَة وَعند فقهائنا الصَّغِير فِيهَا كالكبير وعَلى وليه اَوْ وَصِيّه ان يطْلب حَقه من الشُّفْعَة فيأخذها اَوْ يسلم فيبطلها فِي قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف واما فِي قَول مُحَمَّد وابي عبد الله لَيْسَ لَهُ ان يُسَلِّمهَا فيبطلها

وجوب الشُّفْعَة
قَالَ وَالشُّفْعَة انما تجب بِالْعقدِ الصَّحِيح ويستحقها بالاشهاد والطلب ويملكها بالاخذ
وَلَو سَأَلَ الشَّفِيع وَلم يشْهد وَصدقه المُشْتَرِي فَلهُ الشُّفْعَة فِي قَول ابي عبد الله
وَلَو طلب الشُّفْعَة ثمَّ مَاتَ الشَّفِيع قبل الاخذ فَلَيْسَ لوَرثَته ان يأخذوها لَان الشُّفْعَة حق والحقوق لَا تورث وَلَا توهب فِي قَول ابي حنيفَة

(1/503)


واصحابه وابي عبد الله وَفِي قَول الشَّافِعِي وَمَالك تورث
فَلَو بِيعَتْ دَار الى اجل فان الشَّفِيع بِالْخِيَارِ ان شَاءَ عجل الثّمن واخذ الدَّار وان شَاءَ ترك الدَّار فِي يَد المُشْتَرِي الى الاجل ثمَّ ينْقد الثّمن وَيَأْخُذ الدَّار فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه واما فِي قَول الشَّافِعِي وابي عبد الله ان شَاءَ فعل مَا ذكرنَا وان شَاءَ وثق برهن اَوْ كَفِيل وَقبض الدَّار