النتف في
الفتاوى كتاب الصُّلْح
الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين فِي كل شَيْء الا صلحا حرم حَلَالا اَوْ
احل حَرَامًا
انواع الصُّلْح من حَيْثُ المصطلح عَلَيْهِ
وَالصُّلْح على ثَلَاثَة اوجه
على الاقرار والانكار وَالسُّكُوت وَكلهَا جَائِزَة عِنْد ابي حنيفَة
واصحابه وابي عبد الله
وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز الصُّلْح على الانكار وعَلى السُّكُوت وَلَا
يجوز الا على الاقرار
وَعند ابي ليلى يجوز الصُّلْح على الاقرار وعَلى السُّكُوت وَلَا يجوز على
الانكار
(1/504)
انواع الصُّلْح من حَيْثُ الْجَوَاز
قَالَ وَالصُّلْح على اربعة اوجه
وَجْهَان جائزان ووجهان فاسدان
فالجائزان ان يكون الصُّلْح من مَعْلُوم على مَعْلُوم وَهُوَ ان يدعى الرجل
على الرجل مائَة دِرْهَم اَوْ دَابَّة مُعينَة اَوْ دَارا اَوْ أَرضًا
فيصالحه فِي ذَلِك على شَيْء مَعْلُوم مثل عبد معِين اَوْ دَابَّة معينه
اَوْ ثوب معِين وَنَحْوهَا
وَالثَّانِي ان يكون الصُّلْح بِمَجْهُول على مَعْلُوم فَهُوَ جَائِز ايضا
وَهُوَ ان يدعى رجل على رجل نَصِيبا فِي ارضه وَلَا يبين انه ثلث اَوْ ربع
اَوْ سدس فيصالحه من ذَلِك على دَرَاهِم اَوْ دَنَانِير اَوْ شَيْء معِين
فان ذَلِك جَائِز ايضا
والوجهان الفاسدان
ان يُصَالح بِمَعْلُوم على مَجْهُول اَوْ بِمَجْهُول على مَجْهُول الا ان
يَكُونَا قد استغنيا عَن الْقَبْض وَهُوَ ان يدعى الرجل على الرجل نَصِيبا
من دَاره ويدعى الآخر عَلَيْهِ نَصِيبا من دَاره ثمَّ يتصالحان ويقطعان
الْخُصُومَة فان ذَلِك جَائِز
والاصل فِي الصُّلْح الْمَعْلُوم هُوَ ان يعلم الطَّالِب مَاذَا يطْلب
فيسهل سَبِيل التقاضي عَلَيْهِ فَلذَلِك لَا يجوز ان يكون على مَجْهُول
الصُّلْح من حَيْثُ الْمحل
قَالَ وَالصُّلْح على شَيْئَيْنِ
على الاعيان وعَلى الْمَنَافِع
مطلب فِي الصُّلْح على الاعيان
فاذا كَانَ الصُّلْح على الاعيان فَكل شَيْء مِنْهَا جَائِز بَيْعه جَازَ
الصُّلْح عَلَيْهِ وَمَا لم يجز بَيْعه لم يجز الصُّلْح عَلَيْهِ مثل الْحر
وام الْوَلَد وَالْمُدبر
(1/505)
وَالْخمر وَالْخِنْزِير وَنَحْوهَا
مطلب فِي الصُّلْح على الْمَنَافِع
فاذا كَانَ الصُّلْح على الْمَنَافِع فَكل شَيْء جَازَ عَلَيْهِ عقد
الاجازة جَازَ عَلَيْهِ عقد الصُّلْح مثل ركُوب الدَّابَّة وخدمة العَبْد
وسكنى الدَّار وَنَحْوهَا الا فِي اشياء مَشْرُوطَة يجوز فِيهَا الصُّلْح
ولايجوز فِيهَا البيع وَلَا عقد الاجارة مثل ممر الطَّرِيق ومسبل المَاء
وَالشرب فِي نهر فاذا ادّعى رجل ممرا فِي دَار اَوْ مسيلا على سطح اَوْ
شربا فِي نهر فاقر اَوْ انكر ثمَّ صَالحه على شَيْء مَعْلُوم واخذه فان
ذَلِك جَائِز عِنْد ابي حنيفَة واصحابه وَلَا يجوز فِي قَول ابي عبد الله
وَمُحَمّد بن صَاحب
الصُّلْح على الدّين وعَلى الْعين
قَالَ وَالصُّلْح على وَجْهَيْن
على الْعين وَالدّين
الصُّلْح على الدّين
فالدين مِنْهُ على وَجْهَيْن
احدها ان يَدعِي رجل على رجل عبدا قد هلك اَوْ أمة قد هَلَكت اَوْ ثوبا
اَوْ متاعاقد هلك فَصَالحه على مثل قِيمَته وَرقا اَوْ ذَهَبا حَالا فَهُوَ
جَائِز
(1/506)
وان صَالحه على اكثر لم يجز الْفضل وان
صَالحه على اكثر من قِيمَته من الْمكيل اَوْ من الْمَوْزُون اَوْ غَيرهَا
من الْعرُوض عينا حَالا فَهُوَ جَائِز
وان صَالحه على شَيْء من ذَلِك الى اجل فَهُوَ بَاطِل لانه دين فِي دين
وَالثَّانِي ان يكون لرجل على رجل ألف دِرْهَم فَصَالحه مِنْهَا على
خَمْسمِائَة دِرْهَم على ان يُعْطِيهَا الْيَوْم اَوْ غَدا اَوْ الى شهر
قَالَ ابو حنيفَة وَمُحَمّد هُوَ جَائِز فان لم يُعْطهَا فِي الْوَقْت
الموقت عَادَتْ الالف وجعلاه منزله البيع على الْخِيَار
وَقَالَ ابو يُوسُف يبرأ من الْخَمْسمِائَةِ دِرْهَم سَوَاء اعطاه فِي
الْوَقْت مَا شَرط اَوْ لم يُعْطه فَذَلِك سَوَاء وَجعله كَالْهِبَةِ على
شَرط فَتجوز الْهِبَة وَيبْطل الشَّرْط
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن صَاحب هُوَ بَاطِل كُله وَجعلا
بِمَنْزِلَة قَوْله ان أَعْطَيْتنِي الْيَوْم خَمْسمِائَة دِرْهَم فانت
بَرِيء مِمَّا بَقِي وَهَذَا بَاطِل فِي قَوْلهم جَمِيعًا
الصُّلْح فِي الْعين
واما الْعين فعلى عشرَة اوجه
احدها فِي الْعقار
وَالثَّانِي فِي العَبْد والامة
وَالثَّالِث فِي الْحَيَوَان
وَالرَّابِع فِي الثِّيَاب
(1/507)
وَالْخَامِس فِي الْمَتَاع
وَالسَّادِس فِي الْمكيل
وَالسَّابِع فِي الْمَوْزُون
وَالثَّامِن فِي الْمَعْدُود
وَالتَّاسِع فِي الْمَغْصُوب
والعاشر فِي الامانات
الصُّلْح فِي الْعقار
فاما فِي الْعقار فاذا ادّعى رجل على رجل عقارا فَيجوز ان يصالحه مِنْهُ
على عشْرين شَيْئا اذا كَانَت قَائِمَة فِي يَدَيْهِ بِعَينهَا
احدها ان يصالحه على بعض مِنْهُ جَازَ
وَالثَّانِي ان يصالحه على سكناهَا جَازَ
وَالثَّالِث ان يصالحه على دَار اخرى جَازَ
وَالرَّابِع ان يصالحه على سُكْنى دَار اخرى جَازَ
وَالْخَامِس ان يصالحه على دَرَاهِم نَقْدا جَازَ
وَالسَّادِس ان يصالحه على دَرَاهِم نَسِيئَة جَازَ
وَالسَّابِع ان يصالحه على دَنَانِير نَقْدا جَازَ
وَالثَّامِن ان يصالحه عل دَنَانِير نَسِيئَة جَازَ
وَالتَّاسِع ان يصالحه على مَكِيل معِين جَازَ
والعاشر ان يصالحه على مَكِيل مَعْلُوم مَوْصُوف معِين جَازَ وان لم يكن
مَعْلُوما مَوْصُوفا لم يجز
وَالْحَادِي عشر ان يصالحه على مَوْزُون معِين جَازَ
وَالثَّانِي عشر ان يصالحه على مَوْزُون مَعْلُوم مَوْصُوف غير معِين جَازَ
وان لم يكن مَعْلُوما مَوْصُوفا فَلَا يجوز
(1/508)
وَالثَّالِث عشر ان يصالحه على ثِيَاب
مَعْلُومَة مَوْصُوفَة مُؤَجّلَة غير مُعينَة جَازَ وان لم تكن مُؤَجّلَة
فَلَا يجوز فِي قَول الْفُقَهَاء وَفِي قَول الشَّيْخ تجوز وان لم تكن
مُؤَجّلَة
وَالرَّابِع عشر ان يصالحه على عبد اَوْ امة مُعينين جَازَ
وَالْخَامِس عشر ان يصالحه على خدمَة عبد اَوْ أمة مُعينين جَازَ
وَالسَّادِس عشر ان يصالحه على حَيَوَان بِعَيْنِه جَازَ وان لم يكن معينا
فَلَا يجوز
وَالسَّابِع عشر ان يصالحه على ركُوب دَابَّة مُعينَة جَازَ
وَالثَّامِن عشر ان يصالحه على غَرِيم معِين جَازَ
وَالتَّاسِع عشر ان يصالحه على مَنَافِع عرض جَازَ اذا جَازَت عقدَة
الْإِجَارَة عَلَيْهِ قَالَ وَإِذا ادّعى على عبد أَو أمة فِي يَدي رجل
ثمَّ صَالحه على أحد مَا ذكرنَا جَازَ
واذا ادّعى مَكِيلًا فِي يَدي رجل ثمَّ صَالحه على اُحْدُ مَا ذكرنَا جَازَ
ذَلِك
واذا ادعِي عرضا فِي يَد رجل ثمَّ صَالحه على اُحْدُ مَا ذكرنَا جَازَ
وادا ادّعى مَكِيلًا فِي يَد رجل ثمَّ صَالحه جَازَ على قِيَاس مَا ذكرنَا
الا انه لَو صَالحه من الْمكيل على مَكِيل من جنسه لَا يجوز الا مثلا بِمثل
وَيكون معينا وان لم يكون مَقْبُوضا فِي قَول الْفُقَهَاء وَفِي قَول
الشَّيْخ لَا يجوز الا ان يكون مَقْبُوضا وان كَانَ من غير جنسه لَا يجوز
نَسِيئَة
وان صَالح على غير مَكِيل باكثر من قِيمَته أَو إِلَى أجل جَازَ وان كَانَ
هَذَا الْمكيل تَالِفا لَا يجوز لانه يكون دينا بدين وَلَا يجوز ذَلِك
واذا أدعى مَوْزُونا فِي يَدي رجل فان حكمه كَمَا ذكرنَا من حكم الْمكيل
الى آخِره
(1/509)
واذا ادّعى معدودا فِي يَد رجل ثمَّ صَالحه
على شَيْء مِمَّا ذكرنَا جَازَ
واذا ادّعى شَيْئا فِي يَد رجل غصبا وانكره ذَلِك الرجل فَصَالحه على نَحْو
مَا ذَكرْنَاهُ جَازَ
وادا ادّعى شَيْئا فِي يَدي رجل امانة مثل الْوَدِيعَة وَالْعَارِية
والاجارة اَوْ غَيرهَا فانكره الْخصم اَوْ كَانَ قد اتلفها ثمَّ صَالحه على
شَيْء مَا ذكرنَا جَازَ لَان الصُّلْح لَا يجوز الا حَالا كَمَا تقدم ذكره
الصُّلْح من حَيْثُ الاطراف
قَالَ وَالصُّلْح على ثلَاثه اوجه
احدها بَين الشَّرِيكَيْنِ
وَالثَّانِي بَين الزَّوْجَيْنِ
وَالثَّالِث بَين المدعيين
مطلب الصُّلْح بَين الشَّرِيكَيْنِ
فاما الصُّلْح بَين الشَّرِيكَيْنِ فَهُوَ على ثَلَاثَة اوجه
احدها على الاعيان وَهُوَ ان يكون بَين رجلَيْنِ خلْطَة اَوْ مِيرَاث
فَاشْتَبَهَ مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ذَلِك فاصطلحا على ان يَأْخُذ كل
وَاحِد مِنْهُمَا طَائِفَة من ذَلِك مَعْلُومَة فَهُوَ جَائِز
وَالثَّانِي على الْمَنَافِع مثل السُّكْنَى والخدمة وَالرُّكُوب وَالشرب
وَالنَّقْل على الدَّوَابّ وَغَيرهَا وَهُوَ انه لَو كَانَ بَين رجلَيْنِ
دَار فاصطلحا على ان يسكن كل وَاحِد مِنْهُمَا طَائِفَة مِنْهَا جَازَ
ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو اصطلحا على ان يسكن احدهما مقدمها والاخر مؤخرها
فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ لَو شَرط احدهما على صَاحبه مَعَ ذَلِك دَرَاهِم
فِي كل شهر فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ لَو كَانَ بَينهمَا داران فاصطلحا على
ان يسكن هَذَا هَذِه وَهَذَا هَذِه فَهُوَ جَائِز كُله وَكَذَلِكَ
(1/510)
الصُّلْح فِي خدمَة العَبْد والعبدين
وَالدَّابَّة والدابتين وَغير ذَلِك وَلَيْسَ ذَلِك باجارة وَلكنه تهايؤ
وَصلح وَمَتى شَاءَ احدهما ان يرجع عَمَّا صَالح عَلَيْهِ رَجَعَ
وَكَذَلِكَ الصُّلْح فِي الارض وَالشرب فِي الزِّرَاعَة وَغَيرهَا
الصُّلْح بَين الزَّوْجَيْنِ
قَالَ وَالصُّلْح بَين الزَّوْجَيْنِ على اربعة اوجه
احدها على مهرهَا لَو صالحت امْرَأَة زَوجهَا على مهرهَا على شَيْء
بِعَيْنِه فَهُوَ جَائِز وان صالحته من مهرهَا وَهُوَ دَرَاهِم على
دَنَانِير الى اجل مُسَمّى لم يجز ذَلِك وان صالحته من الْمهْر وَهُوَ الف
دِرْهَم على خَمْسمِائَة دِرْهَم الى اجل جَازَ الْحَط وَبَطل التَّأْجِيل
وَمَتى شَاءَت اخذته بذلك حَالا
وَالثَّانِي على نَفَقَة نِكَاحهَا لَو صالحت زَوجهَا من نَفَقَة نِكَاحهَا
على دَرَاهِم مَعْلُومَة اَوْ على شَيْء من الْمكيل اَوْ الْمَوْزُون
مَعْلُوم فِي كل شهر اَوْ لنفقة شَهْرَيْن فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ لَو
صالحته على عرض بِعَيْنِه لنفقة شهر اَوْ لنفقة شَهْرَيْن فَهُوَ جَائِز
وان كَانَ اكثر من نَفَقَة مثلهَا اَوْ أقل فَهُوَ جَائِز
وَالثَّالِث على نَفَقَة عدتهَا لَو طَلقهَا الزَّوْج فصالحته من نَفَقَة
عدتهَا على شَيْء مِمَّا وَصفنَا فَهُوَ جَائِز سَوَاء كَانَ ذَلِك مثل
نَفَقَة عدتهَا اَوْ اقل أَو اكثر
وَلَو اخْتلعت نَفسهَا من زَوجهَا بعهرها اَوْ بِنَفَقَة عدتهَا اَوْ
بكيلها فَهُوَ جَائِز وَلَا شَيْء لَهَا
وَالرَّابِع على حَقّهَا من حق الْفراش والبيتوتة وَالنَّفقَة وَنَحْوهَا
وَهُوَ ان الزَّوْج اذا اراد ان يطلقهَا فرضيت بَان يمْسِكهَا على ان لَا
يقسم لَهَا اَوْ على ان لَا ينْفق عَلَيْهَا اَوْ على ان يَجْعَل يَوْمهَا
مِنْهُ لامْرَأَة من نِسَائِهِ بِعَينهَا اَوْ
(1/511)
على ان تكون لَهَا لَيْلَة ولامرأته الاخرى ليلتان اَوْ اكثر اَوْ على ان
يُعْطِيهَا فِي كل شهر خَمْسَة دَرَاهِم وَلَا يكفيها ذَلِك فَهُوَ جَائِز
كُله مَا رضيت بِهِ وَمَتى شَاءَت ان ترجع عَنهُ فلهَا وان صالحته على ان
يقسم وَينْفق عَلَيْهَا على جعل جعلته لَهُ اَوْ على مَال اعطته فَالصُّلْح
بَاطِل وَيرد عَلَيْهَا مَا اخذ مِنْهَا |