النتف في الفتاوى

كتاب الْمُضَاربَة
الْمُضَاربَة لَا تجوز الا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير فِي قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف
وَتجوز ايضا بالفلوس فِي قَول مُحَمَّد وابي عبد الله وَلَا تجوز فِيمَا

(1/538)


سواهَا
وَكَذَلِكَ الشّركَة
وَلَو دفع عرُوضا الى اُحْدُ مُضَارَبَة قَالَ ابو حنيفَة واصحابه اذا بَاعَ فِيهَا وَاشْترى فَوَقع ربح فَالرِّبْح لرب المَال والوضعية عَلَيْهِ وللمضارب أجر مثله فِيمَا عمله
وَقَالَ الشَّيْخ ان كَانَ ابْتَاعَ بالعروض فَكَذَلِك وان كَانَ بَاعهَا بِدَرَاهِم اَوْ بِدَنَانِير ثمَّ اشْترى بهَا عرُوضا فالدراهم وَالدَّنَانِير هِيَ رَأس المَال وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا اشْترطَا والوضيعة على المَال وَالرِّبْح فِي الوضيعة على مَا اشْترطَا والخسران على المَال
فان اشْترطَا الخسران عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَفِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد الرِّبْح بَينهمَا والوضيعة على المَال
وَفِي قَول ابي يُوسُف الرِّبْح لصَاحب المَال والوضيعة عَلَيْهِ

(1/539)


انواع الْمُضَاربَة من حَيْثُ الصِّحَّة وَالْفساد
قَالَ وَالْمُضَاربَة على وَجْهَيْن صَحِيحَة وفاسدة
فاما الْفَاسِدَة فعلى وَجْهَيْن
احدهما يكون فَسَاده بِشُرُوط فَاسِدَة
وَالْآخر يكون فَسَاده بِخِلَاف من الْمضَارب
فاما الَّتِي فَسَادهَا بِشُرُوط فَاسِدَة فَهِيَ على خَمْسَة اوجه
احدها ان يدْفع الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الى الْمضَارب وَيشْتَرط ربح صنف مِنْهَا لاحدهما وَربح صنف للْآخر
وَالثَّانِي ان يدْفع اليه دَرَاهِم ودنانير وَيشْتَرط احدهما لنَفسِهِ زِيَادَة عشرَة دَرَاهِم اَوْ عشْرين اَوْ اقل اَوْ اكثر من الرِّبْح وَالْبَاقِي بَينهمَا على النّصْف اَوْ الثُّلُث اَوْ الرّبع
وَالثَّالِث ان يدْفع رب المَال مَاله الى الْمضَارب على ان يدْفع لَهُ بضَاعَة مِنْهَا وَسَائِر ذَلِك بَينه وَبَين الْمضَارب
وَالرَّابِع ان يدْفع اليه جَمِيع المَال وَيشْتَرط رب المَال اَوْ الْمضَارب يشْتَرط مَعَ رب المَال عِنْد عقده الْمُضَاربَة اَوْ الْقَرَاض اَوْ الاجازة اَوْ البيع اَوْ الْهِبَة وَنَحْوهَا
وَكَذَلِكَ كل شَرط اشْترط فِي عقدَة الْمُضَاربَة فِيهِ قطع الشّركَة فان لمضاربة فِيهِ فَاسِدَة

(1/540)


فاما بعد عقد الْمُضَاربَة فَلَا بَأْس بذلك
وَالْخَامِس ان يدْفع رب المَال مَاله الى الْمضَارب وَيشْتَرط عَلَيْهِ الرِّبْح بنصفين والوضيعة بنصفين فَهِيَ فَاسِدَة وَفِي قَول ابي يُوسُف الرِّبْح يكون لرب المَال والوضيعة عَلَيْهِ
فَفِي جَمِيع هَذِه الْوُجُوه الْخَمْسَة يكون الرِّبْح لرب المَال وَتَكون الوضيعة عَلَيْهِ وَيكون للْمُضَارب اجْرِ الْمثل
وان هلك المَال على يَده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لانه أَمِين وان كَانَت الْمُضَاربَة فَاسِدَة

الْخلاف الْمُفْسد للمضاربة
واما الْخلاف فانه على سَبْعَة اوجه
احدها ان يَقُول لَهُ لَا تعْمل فِي تِجَارَة كَذَا فَيعْمل فِيهَا
وَالثَّانِي ان يَقُول لَهُ لَا تعْمل فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَهُوَ ان يَقُول اتّجر فِي الْبلدَانِ وَلَا تتجر فِي الرساتيق اَوْ يَقُول اتّجر فِي الْكُوفَة وَلَا تتجر فِي الْحيرَة
وَالثَّالِث ان يَقُول لَهُ اتّجر فِي وَقت كَذَا وَلَا تتجر فِي وَقت كَذَا وَهُوَ ان يَقُول لَهُ اتّجر فِي الصَّيف وَلَا تتجر فِي الشتَاء اَوْ يَقُول اتّجر فِي الخريف وَلَا تتجر فِي الرّبيع اَوْ يَقُول اتّجر فِي النَّهَار وَلَا تتجر فِي اللَّيْل وَنَحْوهَا
وَالرَّابِع ان يَقُول لَهُ اتّجر مَعَ قوم كَذَا وَلَا تتجر مَعَ قوم كَذَا وَهُوَ

(1/541)


ان يَقُول لَا تتجر مَعَ العبيد اَوْ مَعَ الصّبيان اَوْ مَعَ النسوان وَنَحْوهَا
وَالْخَامِس ان يَقُول لَهُ لَا تخرج الى التِّجَارَة فِي طَرِيق كَذَا لانه مخوف الى بلد كَذَا وَنَحْوهَا
وَالسَّادِس ان يَقُول لَهُ بعها بِالنَّقْدِ وَلَا تبعها بِالنَّسِيئَةِ
وَالسَّابِع ان يَقُول بعها بالاثمان وَلَا تبعها بالعروض
فاذا خَالف فِي هَذِه الْوُجُوه السَّبْعَة فان الْمُضَاربَة تفْسد وَيكون الرِّبْح للْمُضَارب وَيُعْطِيه للْفُقَرَاء لانه لَا يطيب لَهُ لانه اذا خَالف صَار بِمَنْزِلَة الْغَاصِب وَيضمن رَأس المَال

مَا للْمُضَارب ان يعمله
وَيجوز للْمُضَارب ان يعْمل فِي مَال الْمُضَاربَة سَبْعَة عشر شَيْئا مِنْهَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الشّركَة انه يجوز للشَّرِيك ان يَفْعَله فِي مَال الشّركَة وَالسَّابِع عشر يجوز للْمُضَارب ان ينْفق على نَفسه من مَال الْمُضَاربَة اذا سَافر بِمَال الْمُضَاربَة قَلِيلا كَانَ المَال اَوْ كثيرا فِي اكله وشربه وركوبه وَلَا ينْفق مِنْهَا فِي احتجامه ودخوله الْحمام وَفِي ثمن الادوية وَنَحْوهَا
وَلَيْسَ لَهُ ان ينْفق مِنْهَا مَا دَامَ مُقيما
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث بن سعد اذا اكثر المَال وَاحْتمل انفق واذا قل لم ينْفق الا من مَال نَفسه وَمَا انفق فانه لَا يحْسب من حِصَّة ربحه

(1/542)


مَا لَيْسَ للْمُضَارب فعله
قَالَ وَلَا يجوز للْمُضَارب ان يعْمل فِي مَال الْمُضَاربَة ثَلَاثَة عشر شَيْئا اثنى عشر مَا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الشّركَة انه لَا يجوز للشَّرِيك أَن يَفْعَله فِي مَال الشّركَة وَالثَّالِث عشر لَا يجوز لَهُ ان يستدين على مَال الْمُضَاربَة اكثر من مَال الْمُضَاربَة
وَلَو قَالَ لَهُ رب المَال اعْمَلْ بِرَأْيِك فَيجوز لَهُ ان يُشَارك فِيهَا انسانا ويدفعها الى غَيره مُضَارَبَة فِي قَول ابي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَلَا يجوز ذَلِك فِي قَول الشَّيْخ وَيَقُول ان معنى قَوْله اعْمَلْ بِرَأْيِك ان يَبِيع النَّقْد والنسيئة وبالاثمان وَالْعرُوض وَنَحْوهَا
واذا نهى رب المَال الْمضَارب عَن البيع وَالشِّرَاء فَلَا يجوز لَهُ بعد ذَلِك
واما بيع مَا اشْترى لَيْسَ لَهُ ان ينهاه عَن ذَلِك
وللمضارب ان يَبِيع حَتَّى يتَحَصَّل المَال فَيعرف رَأس المَال وَالرِّبْح وسواه نَهَاهُ اَوْ مَاتَ فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه
وَفِي رِوَايَة عَن ابي حنيفَة انه قَالَ لَهُ ان ينهاه واذا مَاتَ رب المَال فَلَيْسَ لَهُ ان يَبِيع وَهُوَ قَول الشَّيْخ
فان لم يكن فِي تِلْكَ الْعرُوض ربح فَهِيَ تكون لرب المَال وان كَانَ فِيهَا ربح اقتسماه بَينهمَا

(1/543)