النتف في الفتاوى

كتاب الْوكَالَة
اعْلَم ان الْوكَالَة على الْوَجْهَيْنِ
خَاصَّة وَعَامة
الْوكَالَة الْعَامَّة
فَأَما الْعَامَّة فَهُوَ ان يُوكل الرجل على دَاره وأمواله وضياعه وَمَاله من ملك وَكيلا فَيقوم عَلَيْهَا فيحفظها ويؤاجر مِنْهَا مَا يصلح للاجار وَيدْفَع مِنْهَا بالمزارعة مَا يصلح لَهَا وَيفْعل مثل ذَلِك بالدواب وَغَيرهَا جَازَ كل ذَلِك
مَالا يجوز للْوَكِيل فعله فِي الْوكَالَة الْعَامَّة
وَلَيْسَ لَهُ ان يعْمل خَمْسَة اشياء الاجوز لَهُ ان يَبِيع مِنْهَا شَيْئا 2 وَلَا ان يرهنه 3 وَلَا ان يودعه انسانا من غير عِيَاله 4 وَلَا ان يعيره

(2/595)


5 - وَلَا ان يَبْنِي فِيهِ بِنَاء لصَاحبه الا ان يَأْذَن لَهُ صَاحبه اويجعل ذَلِك كُله اليه وَهُوَ أَمِين فِي ذَلِك كُله
الْوكَالَة الْخَاصَّة
واما الْوكَالَة الْخَاصَّة فَهِيَ اربعة عشر وَجها
احدها فِي البيع وَالشِّرَاء
وَالثَّانِي فِي الصُّلْح والاصلاح
وَالثَّالِث فِي الصُّلْح عَن دم الْعمد وَدم الْخَطَأ
وَالرَّابِع فِي الاجارة والاستئجار
وَالْخَامِس فِي الْكِتَابَة وَالْعِتْق على المَال
وَالسَّادِس فِي النِّكَاح وَالتَّزْوِيج
وَالسَّابِع فِي الْخلْع والاختلاع
وَالثَّامِن فِي الْهِبَة على شَرط الْعِوَض وقبولها
وَالتَّاسِع فِي الدَّعْوَى والبينات
والعاشر فِي الْحُدُود وَالْقصاص
وَالْحَادِي عشر فِي الرَّهْن والارتهان
وَالثَّانِي عشر فِي وضع الامانة وَقَبضهَا
وَالثَّالِث عشر فِي قَضَاء الدُّيُون وَقَبضهَا
وَالرَّابِع عشر فِي الصَّدَقَة للْفُقَرَاء
التَّوْكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء
فَأَما اذا وَكله فِي البيع وَالشِّرَاء فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا على وَجْهَيْن

(2/596)


فاذا قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا وَلم يُوَقت الثّمن فانه لايجوز فِيهِ شَيْئَانِ احدهما أَن يَبِيعهُ بالعروض
وَالْآخر ان يَبِيعهُ بِمَا لايتغابن النَّاس فِيهِ فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ وَيجوز كِلَاهُمَا فِي قَول أبي حنيفَة
واذا قَالَ لَهُ بِعْ بكم شِئْت وَبِمَا شِئْت جَازَ لَهُ مَا فعل من ذَلِك مُتَّفقا
واذا وَقت الثّمن فَقَالَ لَهُ بِعْهُ بِأَلف دِرْهَم فَبَاعَهُ بهَا أَو بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ
وَلَو بَاعه بِأَقَلّ مِنْهَا لم يجز
وَلَو بَاعه بالاجل جَازَ ذَلِك الا ان ينهاه اَوْ قَالَ بِعْهُ فَانِي مُحْتَاج الى ثمنه فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ لم يجز
وَلَو قَالَ اشْتَرَاهُ لي وَلم يُوَقت الثّمن فَاشْتَرَاهُ بِمثل قِيمَته اَوْ بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ فانه جَائِز وَلَو اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك لم يجز وَكَانَ مُشْتَريا لنَفسِهِ
وَلَو قَالَ اشتره بِأَلف دِرْهَم وَوقت الثّمن فَاشْتَرَاهُ بهَا بِأَقَلّ من الف دِرْهَم جَازَ ذَلِك وَلَو اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من الف دِرْهَم لم يجز ذَلِك وَكَانَ مُشْتَريا لنَفسِهِ
وَلَو اشْتَرَاهُ وَنقد الْوَكِيل الدَّرَاهِم من عِنْده وَترك دَرَاهِم الْمُوكل فِي يَده فان الشِّرَاء يكون للْآمِر وَله ان يَأْخُذ دَرَاهِم قصاصا بِمَا نقد من مَال نَفسه فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وَفِي قَول زفر وابي عبد الله وسُفْيَان وَالشَّافِعِيّ يكون الشِّرَاء للْآمِر وَمَا دفع الْوَكِيل مَرْدُود عَلَيْهِ فان كَانَت دَرَاهِم الْآمِر بِحَالِهَا دفعت الى البَائِع وان كَانَت تالفة فَالْبيع فَاسد وَيرد الْمَبِيع الى البَائِع بِعَيْنِه

(2/597)


حكم الصُّلْح الخ
قَالَ وَحكم الصُّلْح والاصلاح على دم الْعمد وعَلى دم الْخَطَأ وَحكم الاجارة والاستئجار وَحكم الْكِتَابَة وَالْعِتْق على المَال وَحكم النِّكَاح وَالتَّزْوِيج وَحكم الْخلْع الاختلاع وَحكم الْهِبَة على شَرط الْعِوَض وقبولها كَحكم البيع وَالشِّرَاء فِيمَا ذكرنَا تجوز كلهَا على الْمثل وَبِمَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ ولاتجوز على اكثر اَوْ أقل مِنْهَا فاعرفه فانها كلهَا فى طَرِيق وَاحِد الا الصُّلْح عَليّ دم الْخَطَأ فانه جَائِز على الدِّيَة بِعَينهَا ولايجوز فَوق ذَلِك الْبَتَّةَ لَان الْحق فِيهِ الدِّيَة فَلَا تجوز الزِّيَادَة لَا للْقَاتِل لأولياء الْمَقْتُول
الْوكَالَة فِي الدَّعْوَى والبيانات
وَأما الدَّعْوَى والبينات فَأن الْوكَالَة فِيهَا جَائِزَة مُقيما كَانَ الْمُوكل أَو غَائِبا صَحِيحا كَانَ اَوْ مَرِيضا رَضِي الْخصم اَوْ لم يرض فِي قَول ابي يُوسُف وابي عبد الله ولايجوز ذَلِك اذا كَانَ الْمُوكل مُقيما صَحِيحا الا برضاء الْخصم فِي قَول ابي حنيفَة
مَا تجوز فِيهِ الْوكَالَة
قَالَ وَتجوز الْوكَالَة فِي كل شئ الا فِي الْحُدُود وَالْقصاص فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله وَكَذَلِكَ تجوز فِي قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد فِي اثبات الْحق فاذا ثَبت لم يقم حَتَّى يحضر الْمُوكل
وَفِي قَول ابْن أبي ليلى تجوز الْوكَالَة فِيهَا كَمَا تجوز فى غَيرهَا
وَلَو أقرّ الْوَكِيل فى الْخُصُومَة على الْمُوكل بشئ اَوْ اقر بَان لَاحق للْمُوكل على الْخصم جَازَ اقراره كُله كَذَلِك فى قَول ابي يُوسُف

(2/598)


وفى قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد اذا اقر عِنْد الْحَاكِم لزم الْمُوكل وان اقر عِنْد غير الْحَاكِم لم يلْزم وَخرج من الْوكَالَة
وَفِي قَول ابي ابْن ليلى وَمُحَمّد بن صَاحب لَا يجوز اقراره عِنْد الْحَاكِم ولاعند غَيره بِشَيْء البته وَقد ذكرنَا فى هَذَا الْبَاب حكم الْوكَالَة فى الْحُدُود وَالْقصاص أَيْضا
الْوكَالَة فِي الرَّهْن والارتهان
واما الْوكَالَة فِي الرَّهْن والارتهان فجائزة
واذا دفع الرجل مَتَاع الى رجل فَقَالَ
ارهنه عِنْد فلَان وَخذ لي مِنْهُ عشرَة دَرَاهِم فَهُوَ جَائِز فَلَو رَهنه بِأَكْثَرَ من عشرَة اَوْ بِأَقَلّ لم يجز الرَّهْن وَيرد الى صَاحبه وهما ضامنان لَهُ حَتَّى يردهُ الى صَاحبه
وَلَو رَهنه عِنْد نَفسه أَو عِنْد ابْن لَهُ صَغِير أَو عِنْد عبد لَهُ مَأْذُون فِي التِّجَارَة وَلَا دين عَلَيْهِ لم يجز وَلَا يكون رهنا فِي هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة
وَلَو رَهنه عِنْد سَائِر اقربائه أَو عِنْد مكَاتبه أَو عِنْد عبد مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَعَلِيهِ دين كَانَ رهنا فِي هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة
وَكَذَلِكَ لَو ان صَاحب الدَّرَاهِم وكل رجلا وَدفع اليه الدَّرَاهِم ليدفعها الى رجل وَيَأْخُذ رهنا فَهُوَ جَائِز
فاذا قَالَ الْوَكِيل
فلَان ارسل بهَا اليك لتدفع اليه رهنا فالرهن يحفظه الْمُوكل دون الْوَكِيل
وَلَو قَالَ اني ادْفَعْ اليك هَذِه الدَّرَاهِم وآخذ مِنْك رهنا فالرهن يحفظه الْوَكِيل دون الْمُوكل فان دفع الى الْمُوكل ضمن

(2/599)


وَلَو اخذ رهنا قِيمَته أقل من الدَّرَاهِم لم يجز ذَلِك
الْوكَالَة فِي دفع الامانات وَقَبضهَا
فَأَما الْوكَالَة فِي دفع الامانات وَقَبضهَا فجائزة ايضا فاذا وكل رجلا على ان يدْفع وَدِيعَة اَوْ عَارِية الى رجل جَازَ فاذا قَالَ الْوَكِيل قد دفعتها وانكر فلَان فان الْوَكِيل يصدق فِي بَرَاءَة نَفسه ولايصدق على الْمَدْفُوع اليه
وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الْمَدْفُوع اليه
رَددتهَا على الْوَكِيل وَقَالَ الْوَكِيل لم اقبضها فان الْمَدْفُوع اليه يصدق فِي بَرَاءَة نَفسه ولايصدق على الْوَكِيل وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَكَذَلِكَ الاجارة بِعَينهَا فاعرفها
الْوكَالَة فِي قَضَاء الدُّيُون وَقَبضهَا
واما الْوكَالَة فى قَضَاء الدُّيُون وَقَبضهَا فجائزة وهى على ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يَقُول للْوَكِيل وَكلتك أَن تتقاضي ديني على فلَان فَإِنَّهُ وَكيل ويتقاضى دِينَارا وَاحِدًا فَإِذا قَبضه فَلَيْسَ لَهُ ان يتقاضى لَهُ دِينَارا آخر وَالْآخر ان يَقُول وَكلتك بتقاضي ديوني على فلَان فَهُوَ وَكيل فِي جَمِيع دُيُونه عَلَيْهِ فِي الْحَال وَفِيمَا يحدث لَهُ بعد الْحَال ان يتقاضاها ويقبضها دون غَيره
وَالثَّالِث أَن يَقُول وَكلتك ان تتقاضى ديوني على النَّاس فانه وَكيل على تقاضي دُيُونه جَمِيعًا وفى قبضهَا
وَلَو قَالَ للمديون ادْفَعْ ديني الى فلَان فانه وَكيلِي جَازَ ذَلِك وَسَوَاء أَمر الْوَكِيل بِالْقَبْضِ اَوْ الْمَدْيُون بِالدفع

(2/600)


الْوكَالَة بالبهبة
واما الْوكَالَة بِالْهبةِ على غير شَرط الْعِوَض وَالصَّدَََقَة للْفُقَرَاء فجائزة فَلَو قَالَ الْوَكِيل دفعتها وانكر الْمَوْهُوب لَهُ اَوْ الْفُقَرَاء فان الْوَكِيل يصدق على ذَلِك وَالْقَوْل مَعَ يَمِينه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو وكل الْمَوْهُوب لَهُ والمتصدق عَلَيْهِ بِقَبض الْهِبَة وَالصَّدَََقَة جَازَ وَكَانَ قبض الْوَكِيل قبضهما
أَنْوَاع الْوكَالَة
قَالَ وللوكالة اربعة اوجه
احدها وكَالَة رجل وَاحِد لرجل وَاحِد
وَالثَّانِي وكَالَة رجلَيْنِ لرجل وَاحِد
وَالثَّالِث وكَالَة رجل لِرجلَيْنِ
وَالرَّابِع وكَالَة رجلَيْنِ لِرجلَيْنِ اَوْ اكثر
وَهِي كلهَا جَائِزَة
وَالرجل اذا وكل رجلَيْنِ اَوْ الرّجلَانِ الرجلَيْن فَلَا يجوز لَاحَدَّ الوكيلين ان يفعل ذَلِك الْفِعْل دون الآخر الا فِي خَمْسَة اشياء
أَحدهَا أَن يُوكل رجلَيْنِ على طَلَاق امْرَأَته من غير جعل جَازَ لأَحَدهمَا أَن يطلقهَا دون الآخر
وَالثَّانِي أَن يُوكل رجلَيْنِ عَليّ عتق عبد لَهُ على غير مَال فيعتقه احدهما جَازَ
وَالثَّالِث ان يُوكل رجلَيْنِ فِي خُصُومَة لَهُ على رجل فخاصمه احدهما دون الاخر جَازَ وَلَا يقبضهُ دون الآخر وَلَا يجوز ان يُخَاصم احدهما فِي قَول سُفْيَان

(2/601)


وَالرَّابِع اذا وكل رجلَيْنِ يتقاضي دُيُونه فَيجوز لأَحَدهمَا ان يتقاضى دون الاخر وَلَا يقبضان الا مَعًا
وَالْخَامِس اذا وكل رجلَيْنِ بِدفع أَمَانَة فَدَفعهَا احدهما دون الآخر جَازَ
من لايجوز ان يوكلوا
وَيجوز ان يُوكل احدا الا ثَلَاثَة اصناف 1 العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ 2 وَالصَّبِيّ الْمَحْجُور 3 وَالْمَعْتُوه الذى لايعقل
فان وكل أحد هَؤُلَاءِ فالعهدة تكون على الْآمِر دون الذى ولى البيع لانه لاحكم لفعلهم
عزل الْوَكِيل وانعزاله
احدها ان يَقُول لَهُ فى الْوَجْه عزلتك عَن الْوكَالَة
وَالثَّانِي ان يعزله عَنْهَا فِي حَالَة غيبته ويبلغه الْخَبَر وَيكون ذَلِك الْخَبَر حَقًا على لِسَان من قَالَ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأبي عبد الله وَلَا يَنْعَزِل فِي قَول ابي حنيفَة حَتَّى يُخبرهُ رجلَانِ اَوْ رجل عدل
وَالثَّالِث اذا جن الْمُوكل
وَالرَّابِع اذا ارْتَدَّ وَلحق بدار الْحَرْب
وَالْخَامِس اذا مَاتَ

(2/602)


احوال عدم جَوَاز عزل الْوَكِيل
وللموكل ان يعْزل الْوَكِيل عَن الْوكَالَة مَتى شَاءَ الا فِي ثَلَاثَة احوال
ان تكون وكَالَة رهن اَوْ وكَالَة خُصُومَة بَين رجلَيْنِ وَهُوَ ان يتَّفقَا على رجل فجعلاه ثِقَة بَينهمَا وَكيلا على شَيْء لاحدهما ان يعزله حَتَّى يتَّفقَا على الْعَزْل
وَالثَّالِث أَن يُوكله على انه مَتى عَزله عَن الْوكَالَة فَهُوَ وَكيل فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِل
عودة الْوكَالَة بِزَوَال الْمَانِع
قَالَ وَلَو ان الْوَكِيل جن ثمَّ أَفَاق أَو لحق بدار الْحَرْب ثمَّ رَجَعَ أَو ارْتَدَّ ثمَّ اسْلَمْ فَهُوَ على الْوكَالَة

(2/603)