النتف في الفتاوى

كتاب الشّرْب
أَنْوَاع الْمِيَاه اعْلَم ان الْمِيَاه على خَمْسَة أوجه
احدها مَاء النَّهر الْخَاص
وَالثَّانِي مَاء النَّهر الْعَام
وَالثَّالِث مَاء السُّيُول
وَالرَّابِع مَاء الْبِئْر
وَالْخَامِس مَاء الْقَنَاة وَالْعين
النَّهر الْخَاص
فَأَما النَّهر الْخَاص فَهُوَ الذى يقطع من النَّهر الْعَظِيم يقطه طَائِفَة من النَّاس ويذهبون بِهِ الى أَرض موَات فيحيونها فان هَذَا النَّهر يصير ملكا لَهُم
وَلِهَذَا النَّهر حَرِيم فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَهُوَ ملقى طينه وَلَا حَرِيم لَهُ فِي قَول ابي حنيفَة
وَمَا احبوا من الارضين على هَذَا النَّهر يصير ملكا لَهُم كَانَ بأذن الامام اَوْ لم يكن فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله وَلَا يصير ملكا الا بأذن فِي قَول ابي حنيفَة
وان احتاجوا الى كري هَذَا النَّهر فَقَالَ ابو حنيفَة يكرونه جَمِيعًا من

(2/621)


اعلاه فَكلما جاوزوا أَرض رجل رفع عَنهُ الكري ويكري الْبَاقُونَ حَتَّى بنتهوا الى اسفل النَّهر
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد يكرونه جَمِيعًا من اعلاه الى اسفله لَان اصحاب الاعلا لَهُم سَبِيل فِي الاسفل يَنْتَفِعُونَ بِهِ
وَقَالَ الشَّيْخ ان كَانَ اصحاب الاعلى يَنْتَفِعُونَ بكريه فِي الْأَسْفَل كروه حميعا والا رفع عَن الَّذِي جَاوز أرضه وَجَاوَزَ الْمَكَان الَّذِي ينْتَفع بكرائه اليه
وَلَو ان نَهرا لقوم فِي أَرض رجل فان مسناه النَّهر يحكم بهَا لصَاحب الارض يفعل بهَا مَا يَشَاء ويغرس فِيهَا مَا يَشَاء وَيَبْنِي عَلَيْهَا مَا يَشَاء مالم يضر بالنهر فِي قَول ابي حنيفَة
وَيحكم بهَا لصَاحب النَّهر فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّيْخ وابي عبد الله
مَالا يفعل الشُّرَكَاء فِي النَّهر الْخَاص
وَلَا يجوز لأحد من الشُّرَكَاء ان يفعل بِهَذَا النَّهر عشرَة اشياء الا بِرِضَاهُ الآخرين وَلَا لأحد من غَيرهم
احدها ان يزِيد فِي مَائه
وَالثَّانِي وان ينقص من مَائه
وَالثَّالِث وان يُوسع النَّهر
وَالرَّابِع وان يَجعله اضيق مِمَّا كَانَ

(2/622)


وَالْخَامِس وان يَجعله اعمق مِمَّا كَانَ
وَالسَّادِس وان يَجعله ارْفَعْ مِمَّا كَانَ
وَالسَّابِع وان يتَّخذ عَلَيْهِ قنطرة
وَالثَّامِن وان يَبْنِي عَلَيْهِ بِنَاء
وَالتَّاسِع وان يغْرس عَلَيْهِ اشجارا
والعاشر وان يقطع مِنْهُ نَهرا آخر
النَّهر الْعَام
وَأما النَّهر الْعَظِيم مثل دجلة والفرات والنيل والنهروان وَنَحْوهَا فان حكم هَذَا النَّهر خلاف حكم النَّهر الأول
وَيجوز فِي هَذَا النَّهر سَبْعَة اشياء
أحذها يجوز الِانْتِفَاع بِهِ لكافة الْمُسلمين
وَالثَّانِي الْقطع مِنْهُ لجَمِيع الْمُسلمين
وَالثَّالِث يجوز ان يعمد رجل الى بعض مَا يجْرِي فِيهِ المَاء فيحوله عَنهُ وَيضْرب عَلَيْهِ المسناة ويحييه فان كَانَ ذَلِك لايضر بالنهر فَلهُ ذَلِك
وَالرَّابِع لَو حول هَذَا النَّهر عَن أَرض فأحياها رجل وحصنها من المَاء وَذَلِكَ لايضر بالنهر فَلهُ ذَلِك وان كَانَ يضر فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك
وَالْخَامِس لَو غرس عَلَيْهِ اُحْدُ جَازَ مالم يضر بالنهر
وَالسَّادِس لَو اتخذ أحد قنطرة باذن الامام جَازَ وان اتخذها بِغَيْر اذان الامام لم يجز وماهلك بهَا من شَيْء فَعَلَيهِ الضَّمَان
وَالسَّابِع ان اصلاح هَذَا النَّهر على الامام من بَيت المَال دون النَّاس جَمِيعًا
مَاء النبع
وَأما المَاء الَّذِي يَنْبع من الْجبَال فينصب الى الأودية اَوْ مَاء الامطار

(2/623)


والسيول فانها لمن سبقت اليه يَده فَيكون اولى بالسقي حَتَّى يرتوي ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ
وان جرى لقوم فِيهَا رسم حملُوا على ذَلِك الرَّسْم وَلَيْسَ لَاحَدَّ مِنْهُم ان ينْقض ذَلِك الرَّسْم أَلا أَن يتراضوا على غَيره فَلهم ذَلِك حِينَئِذٍ
مَاء الْبِئْر
واما الْبِئْر فانها على وَجْهَيْن
احدها ان يحفرها الرجل فِي ملكه اَوْ فِي دَاره اَوْ فِي فنائه للْمَاء فانه جَائِز الا انه لَا حَرِيم لَهَا وَيجوز لجاره ان يحْفر فِي دَاره بِئْرا للْمَاء أَيْضا
فَلَو حفر الآخر فِي دَاره بالوعة اَوْ حَشا وَذَلِكَ يفْسد بِئْر مَاء جَاره لم يكن لَهُ ذَلِك فِي قَول الشَّيْخ مُحَمَّد صَاحب وَجَاز فِي قَول بعض الْفُقَهَاء
وَالْآخر ان يحفرها فِي أَرض موَات لَا ملك فِيهَا لَاحَدَّ فانه على

(2/624)


وَجْهَيْن
أَحدهَا ان ينْزح المَاء بِالْيَدِ فان لَهَا حريما مِمَّا حولهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعا حريما الماشيتة تصير ملكا لَهُ لَيْسَ لأحد ان يحدث فِيهَا شَيْئا الا بأذنه
وَالْآخر ان ينْزح المَاء مِنْهَا بالناضح فلهَا مِمَّا حولهَا سِتُّونَ ذِرَاعا حريما لَهَا على مَا وَصفنَا فِي الْبِئْر الاولى وان بلغ الْحَبل الى اكثر من ذَلِك فَلهُ الى ان يَنْتَهِي الْحَبل وَكَذَلِكَ ان اخذ اكثر من ذَلِك لِحَاجَتِهِ الى ذَلِك فَلَو بَاعَ هَذَا الرجل طائفه من هَذَا الْحَرِيم فَلِلْمُشْتَرِي ان يحْفر فِيمَا اشْترى بِئْرا
وان اشْترط البَائِع لنَفسِهِ منابع الذى بَاعَ وَشرط عَلَيْهِ أَن لَا يحْفر فِيهَا بِئْرا حَاز ذَلِك كُله فِي قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب وَلَا يجوز فِي قَول بعض الْفُقَهَاء
وَلِصَاحِب هَاتين البئرين وَلِصَاحِب الْبِئْر الاول ايضا اب يمنعوا النَّاس من دُخُول دَرَاهِم وَدخُول أَرضهم الا ان يكون بِالنَّاسِ الى ذَلِك حَاجَة وَلَا يَجدونَ مَاء غَيرهَا فَيكون عَلَيْهِم اباحتها للنَّاس
قَالَ وَلَو دخل فِيهَا بِغَيْر اذنهم فَأخذ شَيْئا من مَاء هَذِه الْأَبَّار فقد ملكه وَلَيْسَ لرب الأَرْض ان يَأْخُذ مِنْهُ لانه لما جعل المَاء فِي انائه صَار ملكا لَهُ وَكَذَلِكَ النَّار والكلأ وَكَذَلِكَ مَاء النَّهر
قَالَ وَلَيْسَ لأَصْحَاب الْآبَار والانهار ان يمنعو النَّاس عَن مياهها لسقيهم ولمواشيهم ولطحنهم وخبزهم وَغسل ثِيَابهمْ ووضؤهم واغتسالهم

(2/625)


وَلَهُم ان يمنعوهم عَن سقِِي زُرُوعهمْ وبساتينهم واشجارهم
مياه الْقَنَاة
واما الْقَنَاة فَإِنَّهَا على وَجْهَيْن
احدهما ان يحفرها فِي أَرض موَات فَلهُ مَا حولهَا من كل جَانب من جوانبها خَمْسمِائَة ذِرَاع حريما لسقائه وَلَيْسَ لَاحَدَّ ان يحدث فِي ذَلِك شَيْئا الا بِإِذْنِهِ فان حفر انسان فِيهِ بِئْرا فللاول ان يكبسه عَلَيْهِ وَكَذَا لَو اخْرُج مِنْهُ قناة وَسَوَاء اخْرُج هَذِه الْقَنَاة بِأَمْر السُّلْطَان اَوْ بِغَيْر أمره فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد الشَّافِعِي وَمَالك وابي عبد الله
وَفِي قَول ابي حنيفَة لايكون لَهُ ان يُخرجهُ الا بِأَمْر الامام
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْحَرِيم للقناة والبئر مِمَّا حولهما مالاصلاح الا بِهِ وَلم يوقتوا شَيْئا
والاخرى ان يُخرجهَا فِي قناة قوم اَوْ قَرْيَة أَو بَلَده اَوْ مرفق لَهُم أَو مرعي اَوْ محتطب وَمَا اشبه ذَلِك ولايضر ذَلِك بالقوم وَلَا بِأَهْل الْقرْيَة واهل الْبَلدة فان لَهُ ذَلِك فى قَول الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن صَاحب الا انه لَيْسَ لَهَا حَرِيم فِي ذَلِك وَلَا لَهُ ان يمْنَع غَيره من ان يحدث مثل ذَلِك مِمَّا لَا يضر بالقوم والقناة والمرفق والمرعى والمحتطب لَيْسَ بالموات
تحجير الْموَات أفأن حجر على مَوضِع فِي أَرض موَات وَاعْلَم عَلَيْهِ عَلامَة لم يملكهَا بذلك غير انه احق بهَا من غَيره حَتَّى يُخرجهَا ويحييها فيملكها ب فان تَركهَا كَذَلِك وَلم يحيها حَتَّى مَضَت ثَلَاث سِنِين لم يكن لَهُ

(2/626)


فِيهَا حق وَكَانَت لمن اخذها بعد ذَلِك
وان غَلبه اُحْدُ أَخذهَا مِنْهُ فِي السنين الثَّلَاث واحياها صَارَت لَهُ دون الذى اخذها أَولا
عدم زَوَال الْملك بالخراب
وكل أَرض ملكهَا مُسلم اَوْ ذمِّي لايزول ملكه عَنْهَا بخرابها
وَمَا قرب من العامر فَلَيْسَ بموات وَمَا بعد مِنْهُ وَلم يملك قبل ذَلِك فَهُوَ موَات
وَذكر اصحاب الاملاءعن ابي يُوسُف ان الْموَات هُوَ الذى اذا وقف الرجل على ادناه من العامر فَنَادَى باعلي صَوته لم يسمعهُ ادنى من فِي الغامر اليه
وكل من أَحْيَا أَرضًا ميتَة واجرى عَلَيْهَا مَاء فان كَانَ ذَلِك المَاء مَاء السَّمَاء فالارض عشرِيَّة وان سَاق اليها مَاء من نهر من انهار الْمُسلمين فَأن أَبَا يُوسُف قَالَ حكمهَا حكم الارض الَّتِي فِيهَا ذَلِك النَّهر فان كَانَت من أَرض الْخراج فَهِيَ خَرَاجِيَّة وان كَانَت من أَرض الْعشْر فَهِيَ عشرِيَّة
وَقَالَ مُحَمَّد ان كَانَ المَاء الذى سَاقه اليها من مياه الانهار الْعَظِيمَة الَّتِي لله عز وَجل كالنيل والفرات وَمَا يشبهها فَهِيَ من أَرض الْعشْر وان كَانَ سَاقه اليها من نهر حفره الامام من مَال الْخراج فَهِيَ أَرض خراج
مَالا يجوز فِي الماءمن التَّصَرُّفَات والعقود
وَقَالَ وَلَا يجوز فِي المَاء ثَمَانِيَة اشياء
احدها البيع
وَالثَّانِي الرَّهْن

(2/627)


وَالثَّالِث الاجارة
وَالرَّابِع الامهار
وَالْخَامِس الْهِبَة
وَالسَّادِس الصَّدَقَة
وَالسَّابِع الْعَارِية
وَالثَّامِن الْقَرْض
مَا يجوز فِي المَاء من التَّصَرُّفَات
وَتجوز الاباحة وَكَذَلِكَ الْكلأ وَجَاز فِي قَول الشَّافِعِي بيع الشّرْب واجارته على الْحَاجة والضرورة
الْحَوْض
وَلَو أَن رجلا اتخذ حوضا وملأه مَاء جَازَ بيع ذَلِك فِي قَول الْفُقَهَاء
وان أجْرى اليه المَاء فَلَا يجوز ذَلِك فِي قَول ابي عبد الله أَلا ان يمْلَأ الْحَوْض بالقلال
وَكَذَلِكَ لَو ان رجلا كَانَ فِي أرضه كلأ فَسَقَاهُ صَاحب الارض وَقَامَ عَلَيْهِ اَوْ كَانَ فِي صحراء فَقَامَ عَلَيْهِ وسقاه حَتَّى أرتفع جَازَ لَهُ بَيْعه فِي قَول الْفُقَهَاء وَلَا يجوز فِي قَول ابي عبد الله مالم يحزه فاذا حازه صَار مَالِكًا لَهُ
وَلَو اشْترى أَرضًا بشربها اَوْ اشْترى أَرضًا فِيهَا كلأ جَازَ اذْهَبْ بِمَاء رجل فسقى بِهِ زرعه اَوْ شَجَره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلكنه قد اساء

(2/628)


وَلَو ان رجلا سقى أرضه فنزت مِنْهُ أَرض جَاره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اذا لم يَتَعَدَّ فان تعدِي اَوْ فعل مَالا يفعل فَهُوَ ضَامِن
وَكَذَلِكَ اَوْ احْرِقْ حصائد لَهُ فِي أرضه فتعدى ذَلِك الى أَرض جَاره لم يضمن الا ان يكون قد تعدى فَفعل مَالا يَفْعَله مثله فَيضمن حِينَئِذٍ

(2/629)