النتف في الفتاوى

كتاب الْمُرْتَد وَأهل الْبَغي
وَاعْلَم ان الانسان اذا كَانَ مُسلما فَلَا يحل قَتله الا عشرَة انفس بَعضهم بالِاتِّفَاقِ وَبَعْضهمْ بالاختلاف احدهم الْمُرْتَد فان ارْتَدَّ الرجل عَن الاسلام استتابه الامام فان تَابَ والا قتل والافضل ان يستتيبه ثَلَاثَة أَيَّام يُكَرر عَلَيْهِ التَّوْبَة فان تَابَ قبل مِنْهُ وان ابا قَتله بالِاتِّفَاقِ فان لم يستتبه وَقَتله اَوْ قَتله رجل غير الامام فَلَا شئ عَلَيْهِ فى ذَلِك لانه حَلَال الدَّم
أَنْوَاع الرِّدَّة
والارتداد على سَبْعَة اوجه

(2/689)


أَحدهَا ارتداد الرجل وَحكمه مَا زكرنا من الاستتابه وَالْقَتْل
وَالثَّانِي ارتداد الْمَرْأَة فان ارْتَدَّت الْمَرْأَة الْحرَّة فانها تستتاب فان لم تنب حبست اَوْ أجبرت على الاسلام فان ضربهَا الامام فِيمَا بَين الايام مَا رأى وضيق عَلَيْهَا الْحَبْس فَحسن فَأَما ان تعود الى الاسلام اَوْ تَمُوت وَلَا تقتل على حَال وَهَذَا قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَفِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ تقتل الْمَرْأَة كَمَا يقتل الرجل
وَالثَّالِث العَبْد الْبَالِغ اذا ارْتَدَّ عَن الاسلام فان حكمه حكم الرجل الْحر فان تَابَ والا قتل مُتَّفقا
وَالرَّابِع اذا ارْتَدَّت الْأمة فانها لَا تقتل وَلكنهَا تحبس وتضرب فَمَا بَين الايام حَتَّى تسلم اَوْ يكون حَالهَا كَذَلِك فان احْتَاجَ مواليها الى خذمتها دفعت اليهم يستخدمونها ويجبرونها على الاسلام ويدعوا بهَا الامام فِيمَا بَين الايام ويستتيبها ويضربها كَمَا ذكرنَا فِي الْحرَّة
وَالْخَامِس ارتداد الصَّبِي قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ ارتداده وَلَا اسلامه بشئ حَتَّى يكون ذَلِك مِنْهُ بعد الْبلُوغ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ارتداده ارتداد كَمَا اسلامه اسلام
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وابو عبد الله اسلامه اسلام وارتداده لَيْسَ بارتداد
ارتداد السَّكْرَان
وَالسَّادِس ارتداد السَّكْرَان فِي سكره
فَقَالَ ابو حنيفَة وَمُحَمّد وابو عبد الله لايقبل ولاتبين مِنْهُ امْرَأَته
وروى اصحاب الاملاء عَن ابي يُوسُف ان امْرَأَته تبين

(2/690)


ارتداد الْمَجْنُون
وَالسَّابِع ارتداد الْمَجْنُون فان ارتداده لَيْسَ بِشَيْء مُتَّفقا
مَال الْمُرْتَد
واما مَال الْمُرْتَد فانه على وَجْهَيْن
أَحدهمَا مَا اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة
والاخر مَا اكْتَسبهُ بعد الرِّدَّة
فَأَما الذى اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة فان الْمُرْتَد اذا قتل اَوْ لحق بدار الْحَرْب فان ذَلِك المَال لوَرثَته يقسم بَينهم بعد مَا تقضي دُيُونه وتنفذ وَصَايَاهُ وتعتق أمهَا أَوْلَاده من جَمِيع مَاله وَيعتق مدبروه من ثلثه فان رَجَعَ مُسلما لم يرد شَيْء من ذَلِك غير انه اذا وجد شَيْء من مَاله فِي ايدي ورثته لم يستهلك أَو فِي ايدى أهل الْوَصِيَّة فَهُوَ احق بِهِ وَهَذَا كُله فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله
وَفِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ مَال يكون لبيت مَال الْمُسلمين
واما الذى اكْتَسبهُ بعد ردته فانه فى قَول ابي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لبيت مَال الْمُسلمين وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وَأبي عبد الله هُوَ ايضا لوَرثَته من الْمُسلمين كَمَاله الذى اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة
ثَانِيًا أهل الْبَغي
وَالثَّانِي أهل البغى وحكمهم على وَجْهَيْن

(2/691)


أَحدهمَا اذا أحس الامام بالخوارج الْحَرَكَة والاجتماع على أهل الْعدْل فَلهُ ان يقاتلهم قبل ان يصير لَهُم اجْتِمَاع وَقُوَّة فَيقبض عَلَيْهِم ويودعهم السجون حَتَّى يأمنهم ويظهروا تَوْبَتهمْ
وَالثَّانِي اذا اجْتَمعُوا وَصَارَت لَهُم شَوْكَة يُجهز الامام اليهم بعساكره ويستنفر عَلَيْهِم الْمُسلمين فَإِذا لَقِيَهُمْ فَيَنْبَغِي ان يَدعُوهُم الى الْعدْل وان يتفرقوا فان فعلوا كف عَنْهُم وان ابو قَاتلهم والافضل لَقِيَهُمْ ان يمسك لَهُم حَتَّى يَكُونُوا هم الَّذين يبدأون بِالْقَتْلِ وان خشى اذا امسك ان تشتد شوكتهم فَلَا يطيقهم فَلَا بَأْس ان يبدأهم بِالْقِتَالِ وَيفْعل بهم كَمَا يفعل بالمشركين فى قِتَالهمْ الا ثَمَان خِصَال
احداها اذا غلب عَلَيْهِم وقهرهم فانه لايقتلهم
وَالثَّانِي لايسبيهم
وَالثَّالِث لايغنم أَمْوَالهم بل يحفظها عَلَيْهِم حَتَّى يأمنهم وَيعلم تَوْبَتهمْ
وَكَذَلِكَ مَا وجد من سلَاح وكراع دَفعه الى بَيت المَال حَتَّى تعلم تَوْبَتهمْ ثمَّ يردهَا عَلَيْهِم فان للكراع مُؤنَة باعة عَلَيْهِم وَحفظ اثمانه وَهَذَا قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد وَمَالك وَسَائِر النَّاس
وَقَالَ ابو يُوسُف مَا كَانَ من كرَاع اَوْ سلَاح فانه يُخَمّس وَيقسم
وَالرَّابِع لايقتل اسراهم
وَالْخَامِس لايجهز على جريحهم

(2/692)


وَالسَّادِس لايتبع مدبريهم الا ان يكون لَهُم ملْجأ يلجأون اليه فخشى ان لم يتبعهُم ان يلْحقُوا بَعضهم فَلَا بَأْس حِينَئِذٍ ان يبتعهم حَتَّى يَأْخُذهُمْ ويفرقهم
وَالسَّابِع اذا ارْجعُوا تَائِبين فَمَا وجد فى ايدى أهل الْعدْل من أَمْوَالهم رده عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ مَا يجد فِي أَيْديهم من أَمْوَال أهل الْعدْل يَأْخُذهُ مِنْهُم وَيَردهُ الى اصحابه
وَالثَّامِن لاينبغي ان يوادعهم على مَال يَأْخُذهُ مِنْهُم لَان ذَلِك يفعل مَعَ الْكفَّار فان فعل فَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِم
وقتلى اهل الْعدْل بِمَنْزِلَة الشُّهَدَاء يصنع بهم مَا يصنع بِالشُّهَدَاءِ وَلَا يصلى على أهل الْبَغي وَلَا يغسلون وَلَكنهُمْ يدفنون
الخناق
وَالثَّالِث الخناق قَالَ الشَّافِعِي الخناق لَيْسَ بمحارب فانه يدْفع الي اولياء الْمَقْتُول حَتَّى يخنقوه بِمثل ذَلِك الْحَبل فيقتلوه
وَقَالَ مَالك هُوَ محَارب وَذَلِكَ الى الامام لَا الى اولياء الْمَقْتُول
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه ان فعل مرّة فَذَلِك الى الْوَلِيّ وَلَيْسَ بمحارب
وان فعل غير مرّة فللامام ان يقْتله ويحعله فِي جملَة الْمُحَاربين
الزنديق
وَالرَّابِع الزنديق قَالَ مَالك الزنديق يقتل

(2/693)


وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وابو عبد الله لايقتل لانه اذا اظهر اسلامه فقد حقن دَمه
تَارِك الصَّلَاة
وَالْخَامِس تَارِك الصَّلَاة مُتَعَمدا فانه يقتل فى قَول الشَّافِعِي
وفى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله لايقتل وَيُعَزر على ذَلِك
السَّاحر
وَالسَّادِس السَّاحر فانه يقتل فى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وَلَا يقتل فى قَول ابي عبد الله وَلَكِن يحبس ان خيف ان يفْسد
سَاب الرَّسُول
وَالسَّابِع من سبّ رَسُول الله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانه مُرْتَد وَحكمه حكم الْمُرْتَد ويعفل بِهِ مَا يفعل بالمرتد
الزَّانِي الْمُحصن
وَالثَّامِن الزَّانِي الْمُحصن وَقد ذكرنَا حكمه فى الْحُدُود
الْقَاتِل عمدا
وَالتَّاسِع قَاتل الْمُسلم اَوْ الذِّمِّيّ مُتَعَمدا وَقد ذكرنَا حكمه ايضا فى كتاب الدِّيات وَالْحُدُود
الْمُرْتَدَّة
والعاشر الْمُرْتَدَّة وَقد سبق ذكرهَا فى أول هَذَا الْكتاب

(2/694)


من يسْقِي النَّاس المُرَاد المذهلة والضارة
واما الَّذِي يسقى النَّاس البنج والشوكزان وَنَحْوه مِمَّا يذهل الانسان اَوْ يذهب الْعقل ثمَّ يَأْخُذ مِنْهُ فان هَؤُلَاءِ لايقتلون وَلَكِن يعاقبون عُقُوبَة شَدِيدَة ويحبسون حَتَّى تعلم تَوْبَتهمْ ويغرمون مَا اخذوا من النَّاس

(2/695)