النتف في الفتاوى

كتاب الاكراه
اعْلَم ان الاكراه يكون نَحْو سَبْعَة اشياء
بالتهديد بِالْقَتْلِ
اَوْ يقطع عُضْو
اَوْ بِضَرْب يخَاف من الْمَرَض اَوْ يخَاف مِنْهُ التّلف اويحبس طَوِيل
أَو بِقَيْد وثيق يكون مِنْهُ الضَّرَر الْبَين اَوْ الْعذر الظَّاهِر اَوْ جِرَاحَة فَاحِشَة
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ
وَلَو قَالَ لَهُ ان فعلت كَذَا والا لنضربنك مائَة سَوط كَانَ فى سَعَة ان يفعل وَكَذَلِكَ مَا كَانَ دون مائَة سَوط مِمَّا يخَاف مِنْهُ التّلف اَوْ ذهَاب عُضْو من اعضائه
وَلَو خَوفه بِسَوْط اَوْ بسوطين وَنَحْوه فَلَا يَسعهُ ان يَفْعَله وانما هَذَا على مَا يَقع فى نَفسه مِمَّا يخَاف فِيهِ التّلف اَوْ ذهَاب بعض الاعضاء من

(2/696)


بَدَنَة
انواع الاكراه
وَاعْلَم ان الاكراه على ارْبَعْ اوجه
احدها فِي الرُّخص
وَالثَّانِي فِي الْوَاجِب
وَالثَّالِث فِي الْمَحَارِم
وَالرَّابِع فِي الْمعاصِي
واما الاكراه فِي الرُّخص فعلى ثَلَاثَة اوجه
أَحدهَا لايصح فِيهِ الاكراه مُتَّفقا عَلَيْهِ مثل البيع وَالشِّرَاء
واما الْمُضْطَر لَو بَاعَ شَيْئا فَإِنَّهُ جَائِز فِي قَول مُحَمَّد وَلَا يجوز فِي قَول ابي حنيفَة وابى يُوسُف وابى عبد الله الْهِبَة وَالصَّدَََقَة والاقرار بالحقوق والابراء عَن الْحُقُوق وَنَحْوه
وَالثَّانِي يَصح من الاكراه مُتَّفقا عَلَيْهِ وَهُوَ مثل الرّجْعَة بِالْجِمَاعِ والفئ بِالْجِمَاعِ والاحداث الْمُوجبَة الطَّهَارَة من الاحداث وَنَحْوه فَلَو اكره رجل على ان يَبُول فَبَال فسد وضؤه وَلَو اكره مُحدث عَليّ أَن يتَوَضَّأ فَتَوَضَّأ صَار متوضئا وَجَازَت الصَّلَاة لَهُ بذلك الْوضُوء وعَلى هَذَا الْقيَاس
وَالثَّالِث مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ سِتَّة اشياء
1 - النِّكَاح 2 الطَّلَاق 3 وَالرَّجْعَة بالْقَوْل 4 وَالتَّدْبِير 5 وَالْعِتْق 6 والاقرار بِأم الْوَلَد

(2/697)


فَفِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه يلْزمه فى هَذِه الاشياء مَعَ الاكراه
وفى قَول الشَّافِعِي وَمَالك وابي عبد الله لايلزمه شَيْء من ذَلِك مَعَ الاكراه
وَقَالَت الْفُقَهَاء من اكره على عتق عَبده اَوْ على طَلَاق زَوجته فَفعل ذَلِك جَازَ عَلَيْهِ مَا فعل وَكَانَ على الْمُكْره ضَمَان قيمَة عَبده وَوَلَاء العَبْد لَهُ وايضا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ نصف مهر امْرَأَته ان كَانَ طَلاقهَا قبل الدُّخُول والمتعة ان لم يكن الْمهْر مُسَمّى
وَلَو كَانَ دخل بهَا لايكون عَلَيْهِ شَيْء من مهر امْرَأَته
وَلَو اكره على تزوج امْرَأَته بِمهْر مثلهَا اَوْ اقل فَلَا يرجع على الْمُكْره بشئ من ذَلِك ان دخل بهَا وان تزَوجهَا بِمهْر اكثر من مهر مثلهَا رَجَعَ بِالْفَضْلِ على الْمُكْره
الاكراه على الْوَاجِب
واما الاكراه على الْوَاجِب فعلى ثَلَاثَة اوجه كلهَا جَائِزَة مَعَ الاكراه
احدها ان يكره الرجل على الْعِبَادَات مثل الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالْوُضُوء والاغتسال وَنَحْوهَا فاذا فعلهَا مَعَ الاكراه صحت عَنهُ
وَالثَّانِي فى الاموال من الْحُقُوق مثل الزَّكَاة والواجبات وَالنُّذُور وَالْكَفَّارَات وَغَيرهَا من هَذَا الْجِنْس فاذا فعل مَعَ الاكراه صحت عَنهُ
وَالثَّالِث فِي حُقُوق النَّاس مثل الدُّيُون والقروض والامانات والعواري والاجازات وَنَحْوهَا اذا اكره على ادئها وردهَا فانها جَائِزَة كلهَا وَتَصِح عَنهُ

(2/698)


الاكراه على الْمَحَارِم
واما الاكراه على الْمَحَارِم فانه على ثَلَاثَة اوجه
احدها الْمُحرمَات الاصلية مثل الْخمر وَالْخِنْزِير وَالدَّم يكره على اكلها بِمَا ذكرنَا فانه يَسعهُ ان يأكلها مَتى هدد بِالْقَتْلِ اَوْ قطع عُضْو مِنْهُ كَانَ فِي سَعَة فِي قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب وَهُوَ قِيَاس ابي عبد الله وَقد قَالَ قوم من الْفُقَهَاء وَغَيرهم ان ذَلِك لَا يَسعهُ وَلَو اضْطر الى ذَلِك فَلم يَأْكُل حَتَّى مَاتَ لم يَأْثَم فِي هَذَا القَوْل وعَلى قِيَاس القَوْل الآخر يَأْثَم
وَالثَّانِي فِي لُحُوم جَمِيع السبَاع وَذَوَات المخالب لَو اكره الرجل على أكلهَا فَهُوَ على قِيَاس ماذكرنا
وَالثَّالِث جَمِيع الْبَهَائِم الَّتِى لايؤكل لحومها مثل البغال وَالْحمير فَهُوَ كَمَا ذكرنَا على قَول من حرمهَا فاعرفه
وَلَو اضْطر الرجل فَوجدَ الْميتَة وَمَال انسان فانه يَأْكُل الْميتَة وَيتْرك مَال الانسان فى قَول مُحَمَّد بن صَاحب وَفِي قَول ابي عبد الله وَالشَّيْخ يَأْكُل مَال الانسان وَيتْرك الْميتَة
الاكراه على الْمعاصِي
واما الاكراه على الْمعاصِي فَهُوَ عَليّ ثَلَاثَة اوجه
فِي النَّفس فَيكْرَه الرجل على قتل انسان اَوْ قطع عضوه اَوْ ضربه اَوْ جرحه اَوْ ان يَزْنِي بِهِ اَوْ يلوط فلايجوز لَهُ ان يفعل شَيْئا من هَذِه الاشياء ولايسعه ذَلِك وان قتل اَوْ ضرب فان فعل وَقتل انسانا فان الْقود عَليّ الذى ولى الْقَتْل وَهُوَ الْمُكْره فِي قَول زفر وَفِي قَول أبي حنيفَة الْقود على الْآمِر وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد وابي عبد الله على الْمُكْره الدِّيَة وَلَا شي على الذى

(2/699)


ولى قَتله
وَلَو اكره على الزِّنَا فَفعل فان ابا حنيفَة يَقُول يحد فِي ذَلِك كَمَا يحد اذا اتاها فِي عير اكراه ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك فَقَالَ ان كَانَ الذى اكرهه سُلْطَان لم يحد وان كَانَ غير سُلْطَان حد وَهُوَ قَول ابي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد اذا اكرهه غير سُلْطَان مِمَّن اكراهه كأكراه السُّلْطَان فانه لايحد وفى قِيَاس قَول زفر فى ذَلِك انه يحد وَبِهَذَا القَوْل يَقُول الطحاوى وفى قَول مُحَمَّد بن صَاحب لَاحَدَّ عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْمهْر للْمَرْأَة وَهُوَ قِيَاس قَول ابي عبد الله
وَكَذَلِكَ لَو اكره عَليّ ان يفجر بِغُلَام أَو يَأْتِي بَهِيمَة فَفعل فَلَا حد عَلَيْهِ فِي قَوْله وَلَا غرم
وَالثَّانِي فِي الاموال وَهُوَ ان يكره الرجل على ان يهْلك مَال رجل بعرق اَوْ يحرق اَوْ بِسيف وَنَحْوه فَلهُ ان يفعل ذَلِك ويسعه وَيضمن ذَلِك لصَاحبه ثمَّ يرجع بذلك عَليّ الْمُكْره والآمر
وَالثَّالِث ان يكره عَليّ معاصي نَفسه وهى على ثَلَاثَة اوجه
احدهما الْكفْر بِاللَّه
وَالثَّانِي الْبِدْعَة
وَالثَّالِث ترك الطَّاعَات
فَأَما الْكفْر بِاللَّه اذا اكره الرجل على الْكفْر بِاللَّه فانه مُطلق لَهُ ويسعه ذَلِك فى قَول ابي حنيفَة واصحابه وَالشَّافِعِيّ

(2/700)


ولايحل لَهُ ذَلِك فِي قَول ابي عبد الله وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب فان فعل لم يقتل ولاتبين مِنْهُ امْرَأَته وَكَذَلِكَ لَو اكره على سبّ رَسُول
الاكراه والبدعة
واما الْبِدْعَة فقد قَالَ بعض عُلَمَائِنَا انه يسع للعام وَلَا يسع للخاص الذى يكون فِيهِ فَسَاد الْعَام وهلاكهم
الاكراه على ترك الْفَرَائِض
واما ترك الْفَرَائِض فيسعه ترك بَعْضهَا عِنْد الاكراه ثمَّ يقْضِي ذَلِك وَلَا يَسعهُ تَركهَا عَن الْوَقْت
فَأَما الصَّلَاة فَلَو قيل لرجل ان صليت قتلناك فصلى وَهُوَ يعلم ان لم يفعل كَانَ فِي سَعَة من ذَلِك وان قدر ان يُومِئ وَخَافَ على نَفسه فَكبر ارْبَعْ تَكْبِيرَات يُرِيد بهَا تَكْبِيرَة الصَّلَاة اجزاه وَكَذَلِكَ لَو كبر تَكْبِيرَة ان لم يقدر على اكثر من ذَلِك فانه يجْزِيه وان لم يكن عَليّ ظهر فخشى ان هُوَ تَوَضَّأ أَو اغْتسل ان يقتلُوا فتتيمم اجزاه
وان خَافَ ان يتَيَمَّم فَضرب بِيَدِهِ على ثِيَابه اَوْ فى الْهَوَاء اجزاه وان لم يقدر فحرك وَجهه وَيَديه فى الْهَوَاء متيمما بغبار الْهَوَاء ثمَّ صلى كَمَا ذكرنَا اجزاه
وَلَو ترك ذَلِك كُله حَتَّى يمْضِي الْوَقْت فَعَلَيهِ الْقَضَاء ولايسعه ان يتْرك ذَلِك حَتَّى يذهب الْوَقْت
وَهَذَا كُله عَليّ قِيَاس قَول ابي عبد الله
وَلَو كَانَ فِي شهر رَمَضَان فَقيل لَهُ ان لم تَأْكُل اَوْ لم تشرب قتلناك فَلهُ ان يَأْكُل ويسعه ذَلِك ثمَّ يقْضِي اذا قدر
رفان لم يَأْكُل حَتَّى قَتَلُوهُ كَانَ فى سَعَة فِي قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب

(2/701)


وَهُوَ قِيَاس قَول ابي عبد الله
وفى قَول بعض الْفُقَهَاء وَغَيرهم ان ذَلِك لايسعه
الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
وَلَو أَمر رجل بِمَعْرُوف اَوْ نهى عَن مُنكر وَهُوَ يعلم انه يقتل اذا فعل ذَلِك فَإِنَّهُ فى سَعَة من ذَلِك وَيكون مأجورا عِنْد الله هَكَذَا قَول فقهائنا فِي هَذَا
وان ترك ذَلِك كَانَ فى سَعَة مِنْهُ بعد ان لَا يرضى بِقَلْبِه ولايعين عَلَيْهِ بقول وَلَا فعل
الاكراه على التعهد بِفعل اَوْ امْتنَاع
وَلَو ان لصا أَو مكابرا أَخذ رجلا واحلفه بِاللَّه اَوْ بِالطَّلَاق اَوْ بالعتاق عَليّ شَيْء لايفعله اَوْ يَفْعَله وَهُوَ يخَاف ان لم يحلف ان يقْتله اَوْ يقطع عضوا من اعضائه اَوْ يضْربهُ ضربا شَدِيدا فَحلف على ذَلِك فان ذَلِك يلْزمه فى قَول ابي حنيفَة واصحابه
وَقَالَ الحدادى اذا خرج من الكره ثمَّ فعل ذَلِك الذى حلف عَلَيْهِ أَن لَا يَفْعَله حنث
وفى قَول الشَّافِعِي وابي عبد الله لَيْسَ ذَلِك بِيَمِين وَلَا يَحْنَث فى حَال الاكراه ولابعد ذَلِك لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
الْيَسْ على مكره يَمِين وَهُوَ قَول كثير من الْعلمَاء

(2/702)


الاكراه على اعتناق الاسلام
وَلَو ان ذِمِّيا اكره على الاسلام فَاسْلَمْ ثمَّ ارْتَدَّ فَقَالَ مُحَمَّد هُوَ مُسلم وَيجْبر على الاسلام غير انه لَا يقتل للشُّبْهَة وَلكنه يحبس حَتَّى يسلم
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن صَاحب لَا يحكم باسلامه ولايجبر عَلَيْهِ

(2/703)