النتف في الفتاوى

كتاب الْجِهَاد
السّير
الْجِهَاد على وَجْهَيْن فرض وَنقل
فَأَما النَّفْل فَهُوَ الذّهاب الى أَرض الْحَرْب فَمن شَاءَ ذهب وَمن شَاءَ لم يذهب
وَمن كَانَ لَهُ أَبَوَانِ أَو أَحدهمَا لم يخرج الا برضاهما عَن هَذَا الْجِهَاد وَأما الْفَرْض على الْوَجْهَيْنِ
وهما يكونَانِ عِنْد النفير وَخُرُوج الْعَدو الى دَار الاسلام أَحدهمَا بِفَرْض على الْغَنِيّ وَالْفَقِير المطيق بِبدنِهِ وَالْآخر على الْغنى دون الْفَقِير
فَأَما الَّذِي يفْرض على الْفَقِير والغني فَهُوَ ان يَقع الْعَدو بِمصْر من أَمْصَار الْمُسلمين اَوْ بقرية من قراهم فيفرض على أَهله من الْغَنِيّ وَالْفَقِير قِتَالهمْ الا ان على الْغَنِيّ اعانة الْفَقِير بِالسِّلَاحِ والانفاق وَمَا يحْتَاج اليه
وَأما الَّذِي يفْرض على الْغَنِيّ دون الْفَقِير فَهُوَ ان يَقع الْعَدو بِموضع وَلَا يطيقهم أهل ذَلِك الْموضع من الْفَقِير والغني فان على من يليهم من الْبلدَانِ والقرى من والاغنياء ان يخرجُوا اليهم بانفسهم ويعينوهم على الْعَدو
فان لم يقدرواهم ايضا فعلى من يليهم من الاغنياء دون الْفُقَرَاء الى آخر الْمُسلمين ان يخرجُوا بِأَنْفسِهِم

(2/704)


وَهُوَ قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَهُوَ على المطبقين بِأَمْوَالِهِمْ دون غَيرهم
وانما يجب اذا وَجب على الْكِفَايَة فَمن قَامَ بِهِ سقط عَن البَاقِينَ فان احْتِيجَ الى الْفَقِير وأعين بِالْمَالِ فَعَلَيهِ الْخُرُوج اذا كَانَت الضَّرُورَة
وان لم تكن ضَرُورَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ ان يتَطَوَّع بذلك وَلَا يخرج الْفَقِير فِي هَذَا الْوَجْه ايضا الا برضاء الْوَالِدين أَو أَحدهمَا وعَلى الْغَنِيّ اذا لم يُطلق بِبدنِهِ واطاق بِمَالِه ان يبذله فِي ذَلِك ليعين بِهِ الْمُجَاهدين وَينْفق مِنْهُ فِي سَبِيل الله
الدُّخُول فِي دَار الْحَرْب
وَالدُّخُول فِي دَار الْحَرْب على ثَلَاثَة اوجه
أَحدهمَا ان يدخلوها مَعَ امام الْمُسلمين
وَالثَّانِي ان يدخلوها مَعَ خَليفَة الامام
وَالثَّالِث ان يدخلوها وَقد أمروا عَلَيْهِم رجلا كَانَ عَلَيْهِم جَمِيعًا ان يطيعوه فِيمَا يَأْمُرهُم وينهاهم الا ان يكون مَعْصِيّة لله
وَكَذَلِكَ عَلَيْهِم ان يطعيوا صَاحب الميمنة والميسرة والساقة وكل من يَلِي شَيْئا من أَمر الْعَسْكَر
مَا يحل للْمُسلمين فعله فِي دَار الْحَرْب
وَمَا لَا يحل
وَلَا يحل لَهُم ان ينزلُوا على ثَلَاثَة نفر فِي دُورهمْ بِغَيْر رضاهم وهم الْمُسلمُونَ والذميون والمستأمنون

(2/705)


وَلَا ان يَأْخُذُوا من أَمْوَالهم شَيْئا قَلِيلا كَانَ اَوْ كثيرا
فان اضْطر الْمُسلمُونَ الى شَيْء من ذَلِك اَوْ الى ابتياع المعلوفة وَالطَّعَام فللامام ان يكفيهم من ذَلِك مَالا يجحف بهم وَيكون ذَلِك رفقا للعسكر
مَا يكره فِي الْجِهَاد
وبكره لَهُم ثَلَاثَة أَشْيَاء الكوسات والضوج والمزامير
مالايكره
ولايكره لَهُم ثَلَاثَة اشياء الرَّايَات سَوْدَاء كَانَت أَو حمرا أَو غَيرهَا من الالوان والطبول والبوقات
مَا لايخرج بِهِ
وَلَا يخرجُون بِثَلَاثَة اصناف الصّبيان وَالنِّسَاء وَالْمُشْرِكين
فان احْتَاجَ الى الْمُشْركين وآمن غائلتهم فَلَا بَأْس ان يَسْتَعِين بهم
الْمَصَاحِف
واما الْمَصَاحِف فَلَا يخرج بهَا الى ارْض الْحَرْب بِوَجْه فِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَيجوز ذَلِك فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله اذا كَانَ الْعَسْكَر عَظِيما

(2/706)


مَا لَا يُؤْكَل من اطعمة الْكفَّار
وَلَا يألكون من اطعمة الْكفَّار ثَلَاثَة اشياء اللَّحْم والشحم والمرق وَلَا يطبخون فِي قدروهم حَتَّى يغسلوها
من يجوز للامام قَتلهمْ من الْعَدو
قبل الْقِتَال
وَيجوز للامام ان يقتل مِنْهُم ثَلَاثَة قبل الْقِتَال
الْعُيُون والجواسيس والاسرى
مَا يجده عَسْكَر الْمُسلمين فِي أَرض الْحَرْب
وَمَا يَجدونَ فِي أَرض الْحَرْب فَهُوَ على أَرْبَعَة اوجه
الاول مَا يجوز لَهُم ان ينتفعوا بِهِ مَعَ هَلَاك عينه بِمَا يَحْتَاجُونَ اليه هم ودوابهم كثرت قِيمَته اَوْ قلت وكل من وجده هُوَ اولى بِهِ من غَيره حَتَّى يَسْتَغْنِي عَنهُ فاذا اسْتغنى عَنهُ رده الى الْمغنم اَوْ دَفعه الى من يحْتَاج اليه من اصحابه وَلَيْسَ لَهُ ان يَبِيع شَيْئا من ذَلِك فان بَاعه من غَيرهم جعل الثّمن فِي الْمغنم وان بَاعَ بعضم من بعض فَالْبيع بَاطِل وان كَانَ اخذ الثّمن رد على الْمُشْتَرى
وان اسْتهْلك شَيْئا من ذَلِك على اصحابه لم يضمن فان خرج من أَرض الْحَرْب وَمَعَهُ شَيْء من ذَلِك رد فِي الْمغنم
وان انْتفع بِهِ هُوَ اَوْ أكله فَلَا بَأْس بِهِ
وَهُوَ جَمِيع علوفة النَّاس وَالدَّوَاب فاغرفه
وَالْوَجْه الثَّانِي مَا يجوز لَهُ ان ينْتَفع بِهِ ويتملكه ويبيعه ويتصرف بِهِ

(2/707)


تصرف المالكين وان رَجَعَ بِشَيْء من ذَلِك الى اهله كَانَ لَهُ وَهُوَ كل شَيْء اصله مُبَاح كالحشيش الَّذِي يحتش من الأَرْض وَالْمَاء يغترفه من النَّهر وَالصَّيْد يصيده من الْبَحْر وَالْبر وَالْحِجَارَة يَأْخُذهَا من البراري وَالْجِبَال وَالشَّجر يقطعهُ من الغياض وَالْجِبَال والطين يعْمل مِنْهُ الْآجر والخزف وَاللَّبن وَنَحْوه فَهَذَا قَول زفر وَالشَّافِعِيّ والاوزاعي وَالشَّيْخ
وَفِي قَول ابي حنيفَة واصحابه لايجوز لَهُ ان يملك شَيْئا من ذَلِك
وَالْوَجْه الثَّالِث مَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ من غير اسْتِهْلَاك عينه ثمَّ اذا اسْتغنى عَنهُ يردهُ الى الْمغنم فَهُوَ مثل الدَّوَابّ يركبهَا اَوْ يحملهَا شَيْئا وَالسِّلَاح يُقَاتل بِهِ وَالثيَاب يلبسهَا لحر اَوْ برد وَالْمَتَاع يمتهنه فَلهُ ان يَسْتَعْمِلهُ فاذا انْقَطع الْحَرْب اَوْ اسْتغنى عَن ذَلِك رده الى الْغَنِيمَة
وَلَو اسْتهْلك شَيْئا من ذَلِك غير متعمد لَهُ من غير ضَرُورَة الى ذَلِك فانه لايضمن فِي الحكم وَيسْتَحب لَهُ ان يضمن مثل ذَلِك وبرده فِي الْمغنم
وَالْوَجْه الرَّابِع مَالا يجوز فِيهِ شَيْء من ذَلِك بل يردهُ الى الْمغنم ليقسم وَيدْفَع اليه سَهْمه وَهُوَ جَمِيع الْمَغَانِم وبوجوهها

(2/708)


الدعْوَة للاسلام قبل الْقِتَال
وَيَنْبَغِي اذا أَرَادَ ان يقاتلهم ان يَدعُوهُم الى الاسلام وَلَيْسَ لَهُ ان يقاتلهم قبل الدعْوَة فِي قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي ان كَانَت الدعْوَة قد بلغتهم فَلَا بَأْس بذلك فان لم تكن بلغتهم لم يفعل فان فعل فَقتل فَعَلَيهِ الدِّيَة
وَقَالَ ابو حنيفَة واصحابة وابو عبد الله
ان كَانَت الدعْوَة قد بلغتهم فَلَا بَأْس بذلك فان لم يكن بلغتهم لم يفعل فان فعل فَقتل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وان بلغتهم الدعْوَة فالافضل ان يَدعُوهُم ايضا فان لم يدعهم احزاه
وان بلغتهم الدعْوَة وَلم يبلغهم انا تقبل الْجِزْيَة وابو الاسلام فانه يَدعُوهُم الى الْجِزْيَة فان قبلوا تَركهم الا الْمُرْتَدين ومشتركي الْعَرَب فانه لَا يقبل مِنْهُم الا الاسلام
واسلام الْمُشْركين ان يَقُولُوا لَا اله الا الله واسلام اهل الْكتاب ان يُؤمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله
وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل الْجِزْيَة من أهل الْكتاب وَلَا تقبل من غَيرهم وَالْمَجُوس عِنْده من اهل الْكتاب وَفِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله تقبل الْجِزْيَة من الْجَمِيع خلا مُشْركي الْعَرَب والمرتدين وَالْمَجُوس عِنْدهم لَيْسُوا من أهل الْكتاب
مَا يحل للامام فِي الْقِتَال
وَيحل للامام اذا قَاتلهم عشرَة اشياء
الاول ان يرميهم بالنَّار

(2/709)


وَالثَّالِث ان يمْنَع عَنْهُم الطَّعَام ليموتوا جوعا
وَالرَّابِع ان ينصب عَلَيْهِم المنجنيقات وان يخرب عَلَيْهِم الْحُصُون
وَالْخَامِس ان يقطع عَلَيْهِم الاشجار فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله ويكرهها مَالك وَاللَّيْث بن سعد
وَالسَّادِس ان يحرق عَلَيْهِم الزروع وان يذبح الدَّوَابّ وان يفْسد الْأَمْتِعَة وان كَانَ فِي شَيْء من هَذِه الاشياء هَلَاك نِسَائِهِم وصبيانهم جَازَ ذَلِك
وان كَانَ ذَلِك هَلَاك اسرى السملمين فِي ايديهم اَوْ تترسوا بأطفال الْمُسلمين فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه لَا يمْنَع مِنْهُ وان اصيبوا فَعَلَيْهِم الْكَفَّارَة
من لايجوز قَتلهمْ من الْكفَّار
وَلَا يجوز قتل عشر انفس من الْكفَّار
أحدهم لَا يجوز ان يقتل الْوَلَد وَالِده واذا اخْرُج عَلَيْهِم الاب بريد قتل الابْن فَضَربهُ الابْن دفعا لَهُ اَوْ مُمْتَنعا مِنْهُ لم يكن بِهِ بَأْس
وَالثَّانِي لايجوز ان يقتل جده ابا ابيه وَحكمه حكم الاب كَمَا ذكرنَا
وَالثَّالِث ولايجوز قتل الصَّبِي
وَالرَّابِع لَا تقتل الْمَرْأَة
وَالْخَامِس لايقتل الْمَجْنُون
وَالسَّادِس لايقتل الشَّيْخ الفاني
وَالسَّابِع لايقتل الزَّمن

(2/710)


وَالثَّامِن لَا يقتل الاعمى
وَالتَّاسِع لايقتل الرهبان
والعاشر لايقتل اصحاب الصوامع
فان قَاتل بعض من بيناهم اَوْ اعان الْمُشْركين بِشَيْء فَلَا بَأْس ان يقتلوه وَكَذَلِكَ ان علمهمْ التَّدْبِير والحروب
حكم الاسير
مَا يفعل بِهِ
واذا اخذ الاسير فَيجوز لَهُ ان يفعل بِهِ سَبْعَة أَشْيَاء 1 ان شَاءَ قَتله 2 وان شَاءَ استرقه 3 وان شَاءَ قَيده وحبسه 4 وان شَاءَ من عَلَيْهِ واعتق وَجعله ذمَّة يُؤَدِّي الْخراج اَوْ الْجِزْيَة عَن رَأسه 5 وان شَاءَ فدَاه بأسرى الْمُسلمين والافضل ان يفديهم بِالْمَالِ لانه ان فداهم بالاسرى صَار حَربًا على المسملين 6 وان شَاءَ دَفعه بِالْمَالِ بِأَخْذِهِ للْمُسلمين الا انه مَكْرُوه عِنْد الْفُقَهَاء وابي عبد الله ومليس بمكروه عِنْد الشَّافِعِي 7 وان شَاءَ اجهز عَلَيْهِ ان كَانَ مجروحا
مَالا يفعل بِهِ
ولايجوز أَن يفعل بِهِ ثَلَاثَة أَشْيَاء 1 ان يمثل بِهِ

(2/711)


2 - اَوْ يقْتله صبرا 3 اَوْ يُرْسِلهُ الى أَرض الْحَرْب فَيصير حَربًا فِي قَول ابي عبد الله وابي حنيفَة واصحابه وَيجوز ذَلِك فِي قَول الشَّافِعِي الا انه لايجوز للامام ان يفعل بِهِ مَا أَرَادَ من ارساله الى بِلَاده من غير شَيْء
الْفِرَار
قَالَ ولايحل الْفِرَار من الزَّحْف
وَلَا يحل لرجل من الْمُسلمين ان يفر من رجلَيْنِ من الْكفَّار وَلَو فر من ثَلَاثَة فَصَاعِدا جَازَ لَهُ وان اقام حَتَّى قتل لم يكن بذلك بَأْس
وَلَو ان دَابَّة وقفت فِي أَرض الْعَدو فَقَالَ مَالك يعرقبها اَوْ يضْرب عُنُقهَا وَلَا يذبحها لقَوْله فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والاعناق
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يعرقبها وَلَا يذبحها الا للاكل لَان ذَلِك من الْفساد لقَوْله تَعَالَى {وَيهْلك الْحَرْث والنسل}
وَقَالَ ابو حنيفَة واصحابه وابو عبد الله يذبحها ثمَّ يحرقها وَلَا يعرقبها لَان ذَلِك مثله
واذا وقفت الدَّابَّة وَتركهَا صَاحبهَا فَأَخذهَا غَيره واحياها فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا الا ان يكون تَركهَا ليرْجع اليها فَتكون لَهُ فِي قَول مَالك وَاللَّيْث

(2/712)


ابْن سعد وَالْحسن بن صَالح
وَفِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله هِيَ للاول
وَلَو علم مُسلم كَافِرًا الْقُرْآن أَو السّنة أَو علم صبيان الْكفَّار فَلَا بَأْس بِهِ فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وَهُوَ مَكْرُوه فِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالشَّيْخ
الامان قَالَ والامان على وَجْهَيْن
أَحدهمَا ان يكون حَاضر مَدِينَة فَأَرَادَ أَهلهَا ان ينزلهم على حكم أحد فان ذَلِك على ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا ان يُريدهُ ان ينزلهم على حكم الله اَوْ يعطيهم ذمَّة الله فَلَا يَنْبَغِي ان يُجِيبهُمْ الى ذَلِك فان اعطاهم ذمَّة الله قيل لَهُم اما ان تسلموا فَتكون لكم أَمْوَالكُم واهلوكم وكأنكم اسلمتم قبل ان تَأْتيكُمْ فَيكون لكم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْكُم مَا عَلَيْهِم
اَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَة عَن رؤسكم فتكونوا ذمَّة للْمُسلمين
واذا ابيتم نبذ اليكم وقتلناكم
وَكَذَلِكَ ان انزلهم على حكم الله فَهُوَ مَجْهُول وَحكم ذَلِك كَمَا ذكرنَا بِعَيْنِه
وَالثَّانِي ان يُرِيدُوا أَن ينزلهم على حكم حكمه الله فَهُوَ مَجْهُول وَحكم ذَلِك كَمَا ذكرنَا بِعَيْنِه
وَالثَّانِي ان يُرِيدُوا أَن ينزلهم على حكمه فَهُوَ جَائِز لَهُم وَله ان

(2/713)


يحكم فيهم بِمَا يَشَاء فان حكم بِقَتْلِهِم فَقتل مقاتليهم وسبا ذَرَارِيهمْ وهم اموالهم وان حكم بقتل الاحرار وَقسم العبيد والاموال اَوْ حكم بقتل دهاقينهم واستبقاء اكريتهم اَوْ يتقل غلمانهم واستبقى سَائِرهمْ يؤدون الْخراج اَوْ حكم باسترقان جَمِيعهم فيقسمهم مَعَ اموالهم اَوْ حكم ان يَكُونُوا جَمِيعًا ذمَّة يؤدون الْخراج فَذَلِك كُله جَائِز ويجيزيه ايها شَاءَ فعل
وَالثَّالِث ان يُرِيدُوا ان ينزلهم على حكم رجل بِعَيْنِه ثمَّ هُوَ على ثَلَاثَة اوجه أَحدهَا ان يَقُول الرجل حكمت فيهم بِحكم الله اَوْ جعلت لَهُم مذمة الله اَوْ قَالَ امان الله فَهَذَا مَجْهُول وَالْحكم فِي هَذَا كَالْحكمِ فِيمَا ذكرنَا فِي اول المسئلة اذا أَرَادوا من الامام ان ينزلهم على حكم الله اَوْ يعطهم ذمَّة الله
وَالثَّانِي ان يَقُول انى لَا اعْلَم مَا احكم فِيهِ وَلَكِن جعلت ذَلِك الى الامام
وَالثَّالِث ان يَقُول جعلت ذَلِك الى فلَان رجل غير الامام فان رضى بِهِ الْمُشْركُونَ فَهُوَ جَائِز وان لم يرْضوا بِهِ لَا يجوز وان لم يعلم الْمُشْركُونَ حَتَّى حكم المعجول اليه بِشَيْء مِمَّا ذكر فان اجازه الاول فَهُوَ جَائِز وان رده فَهُوَ مَرْدُود ويردونهم الى مأمنهم من الْحصن ويقاتلون
وَالْوَجْه الآخر من الْأمان هُوَ ان يكون الْمُسلمُونَ مواقعين محاصرين لَهُم فَأَمنَهُمْ اُحْدُ فان ذَلِك على ثَلَاثَة أوجه
احدها ان يؤمنهم الامام

(2/714)


وَالثَّانِي ان يؤمنهم من يكون امانه امانا
وَالثَّالِث ان يؤمنهم من امانه لَيْسَ بِأَمَان
فاذا امنهم الامام فان ذَلِك على وَجْهَيْن
احدهما ان يُخَاطب بِهِ الْمُشْركين وَيَقُول
امنتكم
ثمَّ هُوَ على ثَلَاثَة اوجه
أَحدهَا ان يمسع ذَلِك الْمُشْركُونَ فيأمنون
وَالثَّانِي ان لَا يسمعوا الامان لعَارض بَينهم وَبَين الامام فَهُوَ امان ايضا
وَالثَّالِث ان يناديهم من حَيْثُ لَا يسمع الْكَلَام فَلَيْسَ بامان
والاخر ان يُخَاطب الْمُسلمين فَيَقُول امنتهم
فَهُوَ امان سَوَاء سمع الْمُشْركُونَ اَوْ لم يسمعوا علمُوا اَوْ لم يعلمُوا
واما اذا امنهم من لَيْسَ امانه بِأَمَان فَلَا يَقع لَهُم امان بِحَال وَهُوَ سِتَّة اصناف 1 احدها ان يؤمنهم صبي 2 اَوْ معتوه 3 اَوْ ذمِّي 4 اَوْ رجل قد اسروه وَهُوَ فِيمَا بَينهم 5 أَو رجل تَاجر فِيمَا بَينهم

(2/715)


6 - اَوْ عبد لايقاتل فِي قَول ابي حنيفَة وان قَاتل فأمانه امان وَفِي قَول ابي يُوسُف والاوزاعي وَالشَّيْخ امان الْعِيد أَمَان قَاتل اَوْ لم يُقَاتل
واما اذا امنهم من امانة أَمَان فقد وَقع لَهُم الامان وَسَوَاء اكان الامام نَهَاهُم عَن ذَلِك اَوْ لم ينههم الا ان للامام ان ينْبذ اليهم ويقاتلهم وَله ان يُعَاقب الذمى الَّذِي أَمنهم بعد نَهْيه عَن ذَلِك
واما جَمِيع الْمُسلمين فأمانهم أَمَان سَوَاء كَانُوا من النِّسَاء أَو الرِّجَال سوى الاصناف السِّتَّة الَّذين سميناهم فِي الْفَصْل الاول فأعرفه
الاستئمان
والاستئمان على وَجْهَيْن
من الْمُسلمين والكافرين
فَأَما استئمان الْكفَّار فعلى وَجْهَيْن 1 بالاسلام 2 وَبِغير الاسلام
فَأَما بالاسلام فَهُوَ على وَجْهَيْن
للْحرّ وَالْعَبْد
فَأَما العَبْد فان اسلامه على ثَلَاثَة أوجه
احدها ان يسلم فِي دَار الْحَرْب وَيخرج الى دَار الاسلام ويسكن فِيهَا فَهُوَ حر
وَالثَّانِي ان يسلم مَوْلَاهُ أَولا ثمَّ يخرج الى دَار لاسلام فَهُوَ مَمْلُوك
وَالثَّالِث ان يسلما مَعًا فِي دَار احلرب اَوْ احدهما قبل صَاحبه ثمَّ

(2/716)


يخرجَانِ مَعًا اَوْ احدهما قبل صَاحبه فَهُوَ عَبده مَمْلُوك لَهُ
واما الْحر اذا اسْلَمْ فِي دَار الْحَرْب فانه على وَجْهَيْن احدهما ان يسلم فِي دَار الْحَرْب ويهاجر الى الاسلام يخلف فِي دَار الْحَرْب مَاله وعقاره ورقيقه واهله واولاده فَأَخذهَا الْمُشْركُونَ وتملكوها فانها تصير مكالهم فِي شرعهم فان ظهر عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ بعد ذَلِك فوجوها صَاحبهَا قبل الْقِسْمَة فَهِيَ لَهُ وان وجدهَا بعد الْقِسْمَة فَهُوَ احق بهَا الا وَلَده الصَّغِير فانه حر باسلام أَبِيه فَيَأْخذهُ بِغَيْر شسيء فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَالْوَجْه الْأُخَر ان يسلم الرجل وَيخرج الى دَار الاسلام وَلم يَأْخُذ الْمُشْركُونَ أَمْوَاله وَلم يتملكوها حَتَّى ظهر الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم فَهِيَ لَهُ جَمِيعًا قبل الْقِسْمَة ويعوض الامام الَّذِي صَار فِي قسمته من بَيت المَال وَالْمَتَاع وَالْعَقار وَالْحَيَوَان فِي ذَلِك سَوَاء
وَلَو ترك امْرَأَته حَامِلا فان مَا فِي بَطنهَا حر
واما الْمَرْأَة وَوَلدهَا الْكِبَار فانهم فَيْء للْمُسلمين وَكَذَلِكَ لَو خرج مستأمنا الى دَار الاسلام ثمَّ ظهر الْمُسلمُونَ على الدَّار اَوْ اسْلَمْ فِي دَار الْحَرْب فَلم يخرج حَتَّى ظهر الْمُسلمُونَ على الدَّار فَهُوَ سَوَاء فِي ذَلِك كُله وَهَذَا فِي قَول زفر والاوزاعي وَالشَّيْخ
واما فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه ان اسْلَمْ هُنَاكَ فَلم يخرج فَهُوَ فَيْء كُله وان اسْلَمْ فَخرج اَوْ خرج مستأمنا ثمَّ اسْلَمْ فولده الصغار مُسلمُونَ وَمَا أودعهُ مُسلما اَوْ ذِمِّيا من مَاله فَلهُ وَمَا سوى ذَلِك فَهُوَ فَيْء وَامْرَأَته وَمَا فِي بَطنهَا فَيْء
واما الاستئمان بِغَيْر الاسلام فَهُوَ على اربعة اوجه

(2/717)


احدها ان يخرج على وَجه الرسولية بِغَيْر أَمَان وَيَقُول اني رَسُول الْملك وَيكون مَعَه آثَار ذَلِك فانه يصدق وَيكون آمنا حَتَّى يرجع الى مأمنه وان لم يكن مَعَه أثر ذَلِك فَهُوَ فَيْء ان شاؤا تَرَكُوهُ وان شاؤا قَتَلُوهُ
وَالثَّانِي اذا خرج مِنْهُم قوم لطلب الْأمان اَوْ الطّلب الْمُوَادَعَة وَظهر مِنْهُم آثَار ذَلِك فهم آمنون حَتَّى يلْحقُوا بمأمنهم
وَالثَّالِث ان يخرج قوم لينظروا فِي أَمر الْمُسلمين ويسمعوا الاسلام فهم آمنون حَتَّى يرجِعوا الى مأمنهم
وَالرَّابِع ان يخرجُوا الى دَار الاسلام للتِّجَارَة فهم آمنون ايضا
وَلَو قتل الْمُسْتَأْمن مُسلما اَوْ ذِمِّيا لم يكن فِيهِ قَود وَفِيه الدِّيَة لبيت مَال الْمُسلمين
استئمان الْمُسلم الْكفَّار
واما استئمان الْمُسلم من الْكفَّار فاذا دخل دَار الْحَرْب فَلَيْسَ لَهُ ان يغدر بهم لانهم اذا أمنوه فِي أَمن مِنْهُ ايضا
فان لم يستأمن غير انه اظهر انه رجل مِنْهُم فَلهُ ان يقتل مِنْهُم ويصيب من أَمْوَالهم وَكَذَلِكَ الاسير فِي ايدى الْمُشْركين
وَلَا يجوز للمستأمن ان يَشْتَرِي اولادهم مِنْهُم لَان اولادهم فِي امان مِنْهُ
الْمُوَادَعَة
واما الْمُوَادَعَة بَين الْمُسلمين والكافرين فَهِيَ على ثَلَاثَة اوجه
احدها ان تكون على ان يدفعوا مَالا الى الْمُسلمين

(2/718)


الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل
وَالثَّانِي ان تكون على ان يدْفع الْمُسلمُونَ اليهم شَيْئا
وَالثَّالِث ان تكون على غير شَيْء فِيمَا بَين الْفَرِيقَيْنِ فَأَما اذا كَانَت على ان يدفعوا الى الْمُسلمين شَيْئا فانها على خَمْسَة اوجه
احدها ان تكون على مائَة رَأس اَوْ اقل اَوْ اكثر من انفسهم غير مُعينين وَقت الْمُوَادَعَة وَمن ذَرَارِيهمْ فَلَا يجوز ذَلِك لَان الامان قد لحق بهم كلهم فَلَا يجوز ان يسترق اُحْدُ مِنْهُم
وَالثَّانِي ان يكون على مائَة رَأس مِنْهُم باعيانهم يدفعونه عِنْد الْمُوَادَعَة فَهُوَ جَائِز
وَالثَّالِث ان يكون على كَذَا رَأس من رقيقهم جَازَ ذَلِك ايضا
وَالرَّابِع ان يكون على مائَة من سبي الْمُسلمين فِي ايديهم ان يردوهم فَهُوَ جَائِز
وَالْخَامِس ان يكون على مَال من الاموال فَهُوَ جَائِز ايضا سَوَاء كَانَ حَيَوَانا اَوْ غَيره من الامتعة والمكيل وَالْمَوْزُون وَغَيره وان لم يكن بِالْمُسْلِمين حَاجَة الى الْمُوَادَعَة وَلَا الى المَال فَلَا يَنْبَغِي للامام ان يوادعهم
واما اذا كَانَت الْمُوَادَعَة على ان يُؤَدِّي الْمُسلمُونَ الى الْمُشْركين شَيْئا فان ذَلِك جَائِز ايضا اذا كَانَت لَهُم غَلَبَة وخشى الْمُسلمُونَ الْقَتْل والسبئ والغارة فَرَأَوْا ان يهادنوهم على مَال يؤدونه اليهم يدْفَعُونَ بذلك عَن انفسهم واهاليهم وَلَا بَأْس بذلك فِي قَول فقهائنا وَغَيرهم
واما اذا كَانَت الْمُوَادَعَة على غير شَيْء جَازَت ايضا اذا احْتِيجَ الى ذَلِك
وان وادعهم الامام ثمَّ راي ان يفْسخ ذَلِك وَرَآهُ خيرا للْمُسلمين اَوْ خَافَ غدرا مِنْهُم اَوْ خِيَانَة فَلَا بَأْس ان ينْبذ اليهم وَيفْسخ الْعَهْد فاذا اراد

(2/719)


الْفَسْخ يَنْبَغِي ان يضْرب لذَلِك اجلا فَيَقُول لكم الاجل شهرا اَوْ شَهْرَيْن اَوْ اكثر على مِقْدَار مَا يعلم ان الْخَبَر يصل الى جَمَاعَتهمْ فياخذون حذرهم ويجمعون مَوَاشِيهمْ
وَيَنْبَغِي ان تكون بَين تَمام الْمدَّة وَبَين ان يُغير عَلَيْهِم قدر الْمسَافَة من دَار الاسلام الى الْمُشْركين فِي دَار الْحَرْب فان كَانَ دونه فَهُوَ مَكْرُوه الا ان يكون قد اعلمهم بذلك فَأخذُوا حذرهم فَلَا باس بِهِ عِنْد ذَلِك وَمن كَانَ عندنَا مِنْهُم فَهُوَ على امانة لَا يعرض لَهُ أحد حَتَّى يرجع الى مأمنه
وَكَذَلِكَ ان نقضوا الْعَهْد فَلَا يَبْغِي ان يعرض لمن عندنَا مِنْهُم حَتَّى يرجع الى مأمنه وَلَا لمن لَا يعلم بِالنَّقْضِ من قَومهمْ حَتَّى يعلمُوا بِهِ فَيكون واياهم سَوَاء لقَوْله تَعَالَى {فانبذ إِلَيْهِم على سَوَاء}
النَّفْل (قَالَ) وَالنَّفْل على سَبْعَة أوجه احدهما ان يَقُول الامام اَوْ الامير
من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه فاذا قتل اُحْدُ أحدا فَلهُ سلبه وَيكون ذَلِك حَقه يَدْفَعهُ اليه خَارِجا من سَهْمه من الْغَنِيمَة وَلَا يكون فِيهِ الْخمس

(2/720)


(قَالَ) وَالسَّلب الثِّيَاب وَمَا عَلَيْهِ من سلَاح اَوْ منْطقَة اَوْ السواران اَوْ الدَّابَّة وآلاتها وان كَانَ مَعَهم دَرَاهِم اَوْ دَنَانِير اَوْ نقرة اَوْ تبر اَوْ مَا شبه ذَلِك فَلَيْسَ من السَّلب
واذا لم ينفل الامام لَا يكون للْقَاتِل الا سَهْمه فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وابي عبد الله
وَله ذَلِك وان لم ينفل فِي قَول الشَّافِعِي والاوزاعي وابي ثَوْر
وَالثَّانِي ان يَقُول
من جَاءَنِي بِرَأْس فَلهُ كَذَا وَكَذَا (اَوْ قتل نفسا فَلهُ كَذَا اَوْ كَذَا)
فاذا جَاءَ بِرَأْس اَوْ قتل نفسا وَلم يَجِيء بِرَأْس فقد اسْتحق بذلك الشَّرْط

(2/721)


وان جَاءَ بِرَأْس وَلَا يعلم اقتله هُوَ ام غَيره لم يسْتَحق ذَلِك الا ان يُقيم بَيِّنَة انه قَتله
وَالثَّالِث أَن يَقُول من جَاءَ بِلَبن من هَذَا الْحصن أَو بِحجر فَلهُ كَذَا اَوْ بخشب وَنَحْوه فَإِذا جَاءَ بِهِ فقد وَجب لَهُ مَا شَرط
وَالرَّابِع أَن يَقُول من أصَاب شَيْئا أَو سَببا فَهُوَ لَهُ وَلَا خمس عَلَيْهِ فِي ذَلِك
وَلَو اصاب جَارِيَة فاستبراها بِحَيْضَة وَهِي فِي دَار الْحَرْب لم يكن لَهُ ان يَطَأهَا فِي قَول ابي حنيفَة وَلَا يَبِيعهَا حَتَّى يحوزها ويخرجها الى دَار الاسلام
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يَطَأهَا ويبيعها اذا احب لانها لَهُ ولانه لَو ان جَيْشًا آخر دخلُوا دَار الْحَرْب لم يشتركوا فِيهَا
وَالْخَامِس ان يبْعَث الامام سَرِيَّة الى دَار الْحَرْب وَيَقُول لَهُم
مَا اصبتم من شَيْء فلكم مِنْهُ الرّبع اَوْ الْخمس اَوْ الثُّلُث اَوْ النّصْف اَوْ الْكل فَيكون لَهُم ذَلِك
وَالسَّادِس ان يَقُول مَا اصبتم من شَيْء فلكم الرّبع بعد الْخمس اَوْ الْكمّ السُّدس اَوْ الثُّلُث بعد الْخمس فَيكون لَهُم ذَلِك وَلَا خمس عَلَيْهِم فِيمَا جعل لَهُم مِمَّا بقى مالم يسم لَهُم فَفِيهِ الْخمس واربعة اخماسة لسَائِر الْعَسْكَر ويشترك المتنقلون ايضا فِيهِ
قَالَ مُحَمَّد وَهُوَ قَول اهل الْعرَاق واهل الْحجاز
وَالسَّابِع اذا غنموا غَنَائِم كَثِيرَة فعجزوا عَن جلبها فنفلها الامام لمن اخذها فاخرجها قوم فان كَانَ حازها الامام فللجند الَّذين اخرجوها اجْرِ الْمثل يعطيهم ذَلِك من رَأس الْغَنِيمَة وان لم يكن الامام حازها فَهِيَ للَّذين

(2/722)


أخرجوها
وَلَو اعطى الامام رَاعيا اَوْ دَلِيلا مَا يعود نَفعه الى الْجَمِيع فَلهُ ان يعْطى ذَلِك من رَأس الْغَنِيمَة ثمَّ يقسم سائرها بَين الْعَسْكَر
(قَالَ) والتنفيل قبل احراز الْغَنِيمَة فِي قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف وَزفر وَالْحسن بن زِيَاد فاذا احرزت الْغَنِيمَة وَجعلت فِي ايدى القائمين فَلَا نفل بعد ذَلِك
وَفِي قَول مَالك وَالشَّيْخ ان نفل من الْخمس جَازَ بعد احراز الْغَنِيمَة
الْغَنِيمَة وَالْغنيمَة سَبْعَة اوجه
احدها لَو خرج مُشْرك من أهل الشّرك واخذه رجل مُسلم فَهُوَ لجَمِيع الْمُسلمين فِي قَول ابي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالشَّيْخ (مُحَمَّد بن صَاحب)
وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ لَهُ وَلَا خمس عَلَيْهِ فِيهِ ويروى عَنْهُمَا ايضا ان عَلَيْهِ الْخمس
وَالثَّانِي لَو دخل رجل مُسلم دَار الْحَرْب واخذ شَيْئا بِغَيْر اذن الامام فانه لَهُ بِغَيْر خمس عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ لَو كَانَا رجلَيْنِ اَوْ ثَلَاثَة اَوْ اكثر حَتَّى يكون الداخلون سَبْعَة فَيكون بذلك حكم السّريَّة فيخمس مَا اصابوا وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَلم

(2/723)


نجد فِيهِ خلافًا وروى اصحاب الاملاء عَن ابي يُوسُف انه قَالَ انهم كالواحد فِيمَا اصابوا وَلَا خمس فِي ذَلِك حَتَّى يكون عَددهمْ تِسْعَة فَصَاعِدا فَيكون حكمهم حكم السّريَّة وبخمس مَا اصابوا
وَالثَّالِث لَو خرجت سَرِيَّة فِي دَار الْحَرْب للطليعة اَوْ للدوران اَوْ للصَّيْد بأذن الامام اَوْ بِغَيْر اذن الامام فَأَصَابُوا غنيمَة فان تِلْكَ الْغَنِيمَة تكون لجَمِيع الْعَسْكَر وتخمس
وَالرَّابِع لَو خرجت طَائِفَة من الْعَسْكَر لطلب العلوفة فَوجدت غنيمَة فانها ايضا لجَمِيع الْعَسْكَر وتخمس
وَالْخَامِس لَو وجدوا فِي قُبُور الْمُشْركين مَالا فانه يكون لَهُم جَمِيعًا ويخمسون الا ان نبش قُبُورهم مَكْرُوه فِي قَول مَالك والاوزاعي وَلَيْسَ بمكروه فِي قَول ابي حنيفَة واصحابه وابي عبد الله وَالشَّافِعِيّ
وَالسَّادِس لَو وجد فِي الْقِتَال غنيمَة احدهم اَوْ كلهم فانها تكون لجَمِيع الْعَسْكَر
وَالسَّابِع اذا أَغَارُوا على قَرْيَة اَوْ بَلْدَة اَوْ جَيش اَوْ معسكر (فغنموا غَنَائِم) فانها كلهَا لاهل الْعَسْكَر وتخمس
قسْمَة الْغَنَائِم
وَأما قسْمَة الْغَنَائِم فعلى خَمْسَة اوجه
أَحدهَا فِي الْمُقَاتلَة

(2/724)


وَالثَّانِي فى الاهلين والذراري
وَالثَّالِث فِي عبيدهم وامائهم
وَالرَّابِع فِي الارضين
وَالْخَامِس فِي الْأَمْتِعَة وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا من أَنْوَاع الاموال الْمَمْلُوكَة
فَأَما الْمُقَاتلَة فقد ذكرنَا حكمهم فِيمَا تقدم فان الامام مُخَيّر فيهم بسبعة أَشْيَاء
واما الاهلون والذراري وَالْعَبِيد والاماء فقد رقوا جَمِيعًا فللامام أَن يجعلهم فِي الْقِسْمَة واما الارضون فان الامام مُخَيّر فيهم بأَرْبعَة اشياء
ان شَاءَ خمسها وَقسم اربعة اخماسها مَا بَين الْعَسْكَر كَسَائِر الْغَنَائِم
وان شَاءَ اوقفها على الْمَسَاكِين كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ بِأَرْض السوَاد
وان شَاءَ تَركهَا وَترك أَهلهَا فِيهَا
وللامام ان يقسم الْغَنِيمَة ان شَاءَ فِي أَرض الْحَرْب وان شَاءَ اخرجها من أَرض الْحَرْب الى أَرض الاسلام ثمَّ يقسمها فى قَول سُفْيَان وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب وَمَالك وابي عبد الله وفى قَول ابي حنيفَة وصاحبيه يقسمها فى أَرض الاسلام وَيكرهُ ان يقسمها فى أَرض

(2/725)


الشّرك الا من عذر
وَلَو قسمهَا فِي أَرض الشّرك بِعُذْر أَو بِغَيْر عذر جَازَ ذَلِك
واما الْخمس فقد ذكرنَا فِي كتاب الزَّكَاة حكمه وقسمته
واما الاربعة الاخماس فانه يقسمها بَين الْجند للراجل مِنْهُم سهم وللفارس سَهْمَان فِي قَول ابي حنيفَة وَمَالك وَفِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد والشافعى للراجل مِنْهُم سهم وللفارس ثَلَاثَة اسهم سهم لَهُ وسهمان لفرسه وفى قَول ابى عبد الله والاوزاعي وَاللَّيْث بن سعد للراجل سهم وللفرس اذا كَانَ فرسه عَرَبيا ثَلَاثَة اسهم وان كَانَ برذونا فَلهُ سَهْمَان وان كَانَ فى العراب مَا يتَخَلَّف عَنْهَا حَتَّى يشبه البرذون فَلهُ سَهْمَان وان كَانَ فِي البراذين وَمَا يجاوزما حَتَّى يكون كالعراب فى اللحوق وفى الجري الْحق بالعراب فَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة اسهم
وان كَانَ من الجنسين جَمِيعًا مَالا يعدو وَلَا يجْرِي الا كَمَا يعدو ويجرى الْحمار والبغل فَلَيْسَ لَهُ سهم
وَلَا يُسهم لرجل وَاحِد الا لفرس وَاحِد فى قَول ابي حنيفَة وَمُحَمّد وفى قَول ابى يُوسُف والشافعى وسُفْيَان وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب يُسهم لفرسين وَلَا يُزَاد
وَلَو دخل رجل دَار الشّرك فَارِسًا فَلهُ سهم الفرسان نفقت بعد ذَلِك

(2/726)


دَابَّته اَوْ لم تنْفق فِي قَول ابي حنيفَة وصاحبيه وفى قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ والاوزاعي وابي عبد الله وَالشَّيْخ انما ينظر الى يَوْم الْقِتَال فان كَانَ رَاجِلا فَلهُ سهم راجل وان كَانَ فَارِسًا فَلهُ سهم فَارس
وَلَو لحق الْعَسْكَر فِي دَار الْحَرْب جَيش آخر بعد مَا غنموا قبل ان يقسوا فانهم يشركونهم فى قَول ابى حنيفَة وصاحبيه وَلَا يشركونهم فِي قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وابي عبد الله والاوزاعي وَالشَّيْخ الا ان يدركوا الْقِتَال
الْغلُول
وَلَو غل رجل من الْغَنِيمَة شَيْئا فَقَالَ الاوزاعي يحرق سمهمه وَسَهْم فرسه وَجَمِيع مَتَاعه وَلَا يحرق سلاحه وَلَا ثِيَابه الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة وصاحباه وَمَالك لَا يفعل شَيْء من ذَلِك
واما مَال الْمُسلمين الذى اخذه الْكفَّار واحرزوه فان ذَلِك على خَمْسَة اوجه
أَحدهَا لَو اسروا رجلا من الْمُسلمين ثمَّ ظفر بِهِ الْمُسلمُونَ فانه حر فَيتْرك
وَالثَّانِي لَو سبوا من الْمُسلمين ام ولدا اَوْ مُدبرا فاحرزوه فى دَارهم ثمَّ ظفر بهما الْمُسلمُونَ ردا على مولاهما بِغَيْر شَيْء وَسَوَاء وجدا قبل الْقِسْمَة أَو بعد الْقِسْمَة لَان أهل الْحَرْب لم يملكوهما
وَالثَّالِث لَو ابق عبد اَوْ امة للْمُسلمين الى دَار الْحَرْب ثمَّ غنمه

(2/727)


الْمُسلمُونَ مِنْهُم فَاقْتَسمُوهُ اَوْ لم يقتسموه فان أَبَا حنيفَة قَالَ يرد الى مَوْلَاهُ بِغَيْر شَيْء لانهم لم يملكوه لَان لَهُ رَأيا فِي نَفسه فانه يقدر ان يفر مِنْهُم وَيخرج الى دَار الاسلام
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد ان وجدهما قبل الْقِسْمَة كَانَا لَهُ بِغَيْر شَيْء وان وجدهما بعد الْقِسْمَة كَانَ اولى بهما بِالْقيمَةِ
وَالرَّابِع لوند من دَار الاسلام الى دَار الشّرك جمل اَوْ حمَار أَو فرس اَوْ غير ذَلِك فَأَخَذُوهُ واحرزوه ثمَّ غنمه الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم فجَاء صَاحبه فانه يَأْخُذهُ ان كَانَ قبل الْقِسْمَة وَلَا يَأْخُذهُ ان كَانَ بعد الْقِسْمَة
وَالْخَامِس اذا وجف الْعَدو على شَيْء من أَمْوَال الْمُسلمين فاحرزوه فى دَارهم غنمه الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم ثمَّ جَاءَ صَاحبه فان جَاءَ قبل الْقِسْمَة اخذه بِغَيْر شَيْء وان جَاءَ بعد الْقِسْمَة لم يَأْخُذهُ الا بِالْقيمَةِ
وَلَو غنم الْعَدو من أَمْوَال الْمُسلمين عبدا فاحرزوه فِي دَارهم ثمَّ دخل اليهم رجل من الْمُسلمين فوهبوه لَهُ وَقَبضه مِنْهُم واخرجه الى دَار الاسلام لم يكن لمَوْلَاهُ عَلَيْهِ سَبِيل الا بِقِيمَتِه
وَلَو ابتاعه مِنْهُم واخرجه الى دَار الاسلام لم يكن لمَوْلَاهُ عَلَيْهِ سَبِيل الا بِثمنِهِ الذى ابتاعه بِهِ
وَلَو اعْتِقْ هَذَا العَبْد الْمُبْتَاع اَوْ الْمَوْهُوب لَهُ اَوْ اعْتِقْ هَذَا الذى

(2/728)


وَقع العَبْد فى سَهْمه ثمَّ جَاءَ الْمولى لم يكن لَهُ عَلَيْهِ سَبِيل وَكَانَ حرا
وَكَذَلِكَ لَو ان أهل الْحَرْب اسلموا على يدى عبد كَانَ لَهُم وَلَيْسَ لمَوْلَاهُ عَلَيْهِ سَبِيل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يملك الْعَدو أَمْوَال الْمُسلمين فَمَتَى وجد شَيْء فَهُوَ لصَاحبه بِغَيْر شَيْء
فدَاء الاسرى
واما فدَاء الاسرى من ايدى الْمُشْركين فانه على أَرْبَعَة اوجه
احدها على الامام ان يفدى اسارى الْمُسلمين فى ايدى الْكفَّار من بَيت المَال
والثانى اذا لم يكن بَيت المَال وَكَانَ للأسرى مَال يفديهم بِأَمْوَالِهِمْ
وَيَنْبَغِي ان يعينهم الْمُسلمُونَ من ذَوي الاموال من أهل الارض الَّذين قَاتلُوا عَنْهُم لِئَلَّا يجحف بهم
وَالثَّالِث ان لم يكن لَهُم مَال جعل فداؤهم على الاغنياء من أهل الارض الَّذين قاتوا عَنْهُم فان لم يفعل ذَلِك الامام فعلى الْمُسلمين من ذَوي الاموال ان يَفْعَلُوا ذَلِك من مَال الاسرى اَوْ من أَمْوَالهم عى مَا فسرنا
وَالرَّابِع لَو كَانَ فى ايدى الْمُسلمين من اسرى الْمُشْركين فداهم الامام بهم وَمَا دَامَ يفديهم بلأموال فَهُوَ احب الينا من ان يفديهم بالاسرى لانهم يعودون حَربًا على الْمُسلمين
وان كَانَ فى الاسرى من النِّسَاء اَوْ الشُّيُوخ الْكِبَار اَوْ الزمنى فيفديهم

(2/729)


فَيكون حسنا
واما ولدان الْمُشْركين اذا وَقَعُوا فى ايدينا فَيكون حكمهم حكم الْمُسلمين سَوَاء كَانُوا مَعَ آبَائِهِم اَوْ لم يَكُونُوا وَكَذَلِكَ الاسرى مِنْهُم اذا أَسْلمُوا فى ايدينا لم نفدهم بهم
أَنْوَاع الاسرى من الْمُسلمين
والاسرى من الْمُسلمين فى ايدى الْمُشْركين اربعة اصناف
احدهم احرار الْمُسلمين وَقد ذكرنَا حكم فدائهم
وَالثَّانِي العبيد والاماء اذا فداهم الامام من بَيت المَال كَانُوا لبيت المَال وَلَا يردهم الى مواليهم الا بِالثّمن لَان الْعَدو كَانُوا يملكونهم
وَالثَّالِث المدبرون والمكاتبون وامهات الاولاد اذا فداهم الامام كَانُوا لمواليهم
وَالرَّابِع أهل الذِّمَّة فان الامام يفديهم من بَيت المَال فى قَول الشَّيْخ وَهُوَ قَول بعض الْمُتَقَدِّمين وَلَا يجوز فى قَول بعض الْفُقَهَاء
فَلَو دخل اليهم رجل واشتراهم من الْمُشْركين فانه على ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يشتريهم بِغَيْر أَمرهم ويخرجهم كَانَ منبرعا وَلَا يرجع عَلَيْهِم بِمَا دفع من أثمانهم
وَالثَّانِي ان يَقُولُوا لَهُ اشترنا بِمَال اَوْ افتدنا فاشتراهم اَوْ افتداهم واخرجهم فَكَذَلِك لَا يرجع عَلَيْهِم بذلك فى قَول الشَّيْخ مُحَمَّد بن صَاحب لَان الامر لَا يلْزم شَيْئا
وَالثَّالِث ان يَقُولُوا اشترنا وَنحن ضامنون لما تدفع اَوْ يَقُولُوا لَهُ افتدنا وَلَك علينا ذَلِك فَيكون عَلَيْهِم مَا يدْفع لاجلهم

(2/730)